النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: تأمل في موقف كانط من قيمة الشخص

  1. افتراضي تأمل في موقف كانط من قيمة الشخص

    بحث إيمانويل كانط عن الخاصية التي يتميز بها الكائن البشري لكي يستحق لقب الشخص أولا، ولكي تكون له قيمة تناسبه كشخص وتميزه عن باقي الكائنات وأشياء الطبيعة ثانيا. وقد وجد كانط في الخاصية الأخلاقية الأساس أو المعيار الذي يمكن أن نحدد من خلاله قيمة الشخص.
    في هذا السياق ميز كانط بين منظورين للإنسان؛ الأول حينما ننظر إلى الإنسان من زاوية الأشياء أو الزاوية الطبيعية، أي باعتباره كائنا بيولوجيا وحيوانا عاقلا، وهنا لا تكون لديه سوى قيمة بخسة ويكون قابلا للتقويم بسعر و يمكن التعامل معه كمجرد وسيلة، والثاني يتمثل في النظر للإنسان كشخص وكذات لعقل أخلاقي عملي؛ وهنا تكون للإنسان قيمة سامية تجعله يتجاوز كل سعر ويصبح غاية في ذاته ويمتلك كرامة تفرض على الآخرين احترامه والتعامل معه على قاعدة المساواة.
    وإذا كان الشخص يمتلك كرامة، فإن كانط يهمس له بأن يحافظ عليها عن طريق التزامه بالأوامر المطلقة الصادرة عن عقله الأخلاقي العملي، وبألا يتصرف بكيفية منحطة. وبطبيعة الحال فحرية الشخص لدى كانط تتمثل في انضباطه لهذه الأوامر العقلية الأخلاقية ذات الطابع الصوري الصارم، أما اتباع الميولات الغريزية بدون ضوابط من العقل الأخلاقي فهو الاستعباد بعينه.
    وأود أن أشير هنا إلى فكرتين أساسيتين عند كانط قد لا يتم الانتباه إليهما؛ الفكرة الأولى مفادها أن كانط يرى أننا إذا نظرنا إلى الإنسان ككائن بيولوجي له جسم وغرائز، فهو لا يتميز عن الحيوانات وأشياء الطبيعة الأخرى وأن قيمته بذلك تكون رخيصة وقابلة للبيع والشراء مثلها مثل الحيوانات و باقي منتوجات الأرض. غير أن كانط لا يكتفي بذلك، وهذا ما نود الإشارة إليه، بل يرى أن قيمة الإنسان تظل بخسة ويمكن اعتباره كوسيلة وتقويمه بسعر حتى ولو نظرنا إليه كحيوان عاقل.
    نعم فحتى ولو نظرنا إلى الإنسان كحيوان عاقل، فهو لا يمتلك بذلك إلا قيمة رخيصة قد تكون أقل من أشياء الطبيعة الأخرى بما فيها الحيوانات. فهل امتلاك الإنسان للعقل لا يكفي لكي يمنحه تميزا وقيمة عن باقي الأشياء والحيوانات ؟ وما المقصود بالعقل هنا عند كانط ؟ وما هي مميزاته ؟
    للإجابة عن هذه التساؤلات، لابد من التمييز في فلسفة كانط بين ما يسمى بالعقل النظري وما يسمى بالعقل العملي؛ الأول يتكون من ثلاث ملكات فطرية هي التي تؤهل الكائن لإنتاج المعرفة النظرية؛ وهي على التوالي الحساسية والفهم والعقل. فالحساسية تحتوي على صورتي الزمان والمكان كإطارين قبليين ضروريين لأي إدراك حسي، أما الفهم فيحتوي على مقولات قبلية تقوم بوظيفة تحويل المعطيات الحسية لإنتاج معرفة كلية وضرورية، في حين يحتوي العقل على مبادئ هي الله والنفس والعالم مسؤولة على إعادة تحويل معطيات الفهم ومنحها أعلى درجات من المعقولية.
    أما العقل العملي فالمقصود به هو العقل الأخلاقي الذي يشرع للسلوك البشري، وهو عقل ينطلق من مسلمات ضرورية لمنح الأفعال الأخلاقية معنى وغائية معقولة.
    وما نود أن نوضحه من خلال هذا التمييز بين عقل نظري وآخر عملي، هو أن العقل الأول بكل ما يحتوي عليه من أطر ومقولات ومبادئ قبلية غير كاف لكي يمنح للشخص القيمة التي تجعله يسمو على الحيوانات. وهذا يعني أن قيمة الشخص عند كانط تتحدد في العقل العملي الأخلاقي وليس في العقل النظري الخالص. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا لا يكفي العقل النظري لمنح الإنسان قيمة الشخص التي تجعله يسمو على الحيوانات وأشياء الطبيعة؟ ألا يكفي أن يستخدم الإنسان عقله النظري وينتج معارف وأفكارا لكي تصبح له قيمة الشخص؟ وما هو نوع هذه المعرفة التي ينتجها هذا العقل النظري ومع ذلك لا تجعل له قيمة تسمو على قيمة الحيوانات مثلا؟؟
    الواقع أن العقل النظري هو عقل معماري مزود بأطر ومقولات قبلية، هي عبارة عن مواهب طبيعية منحها الإنسان ولم تمنحها الكائنات الأخرى، وهي مواهب قد يستخدمها الإنسان في التخطيط لأفعاله وتدبير شؤون عيشه ورسم غايات لحياته، كما قد يستخدمها للتصرف بذكاء يفوق الحيوانات، وأيضا يستخدمها لإنتاج أفكار ومعارف...غير أن هذا التخطيط والتدبير والذكاء قد تنبثق عنه نتائج وأفكار لا تتطابق مع الإرادة الخيرة الممثلة للقانون الأخلاقي المطلق. هكذا قد يتصرف الإنسان بذكاء عقلي، غير أنه قد يكون ذكاء مسخرا لتحقيق أهداف دنيئة ولا أخلاقية، كما قد يكون ذكاؤه هذا قابلا للتقويم بسعر؛ كأن يمنح للفرد جوائز أو أرباح مادية كمقابل لاستخدام ذكائه في إنجاز بعض الأغراض أكثر مما يفعله ذكاء الآخرين، أو العبد الذكي الذي يزيد سعره عن العبد البليد أو قليل الذكاء.
    كما قد يخطط الإنسان بذكائه فيبتكر أنماطا في العيش (ملابس، مساكن، طرق،أدوات ...) تفوق ما هو موجود لدى الحيوانات، لكن ما لم تنطبع هذه الأنماط بخصائص الإرادة الأخلاقية الخيرة للإنسان فهي لا تمنحه القيمة الأخلاقية كشخص، تلك القيمة التي لا نجدها لدى الحيوانات.
    إن الاختلاف بين الإنسان والحيوانات من حيث الذكاء وملكة العقل، هو اختلاف طبيعي من جهة؛ أي أن الإنسان لا يسمو بموجبه عن مملكة الطبيعة ما دام أن العقل والذكاء هنا هما موهبتان فطريتان، كما أنه اختلاف في الدرجة فقط؛ مادام أن الحيوان أيضا له ذكاء ويدبر حياته على نحو من الأنحاء.
    إذن فما يمنح للإنسان قيمة الشخص في نظر كانط، هو عقله الأخلاقي العملي وليس ذكاؤه وعقله النظري. فالشخص هو بالتعريف ذات لعقل أخلاقي عملي، وهو تعريف يصبح بموجبه الإنسان متميزا من حيث القيمة عن الحيوانات وأشياء الطبيعة، وتصبح له كرامة لا تقدر بثمن. فالحيوانات مهما بلغ ذكاؤها من العلو لا يمكنها أن تكون ذواتا أخلاقية، فهي تعوزها الخاصية الأخلاقية التي بموجبها يمنح كانط للشخص قيمة.
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  2. #2

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محب أهل الحديث مشاهدة المشاركة
    . فهل امتلاك الإنسان للعقل لا يكفي لكي يمنحه تميزا وقيمة عن باقي الأشياء والحيوانات ؟
    ماديا و تطوريا الجواب : لا قيمة واضحة .. وخصوصا اذا كانوا جميعا مدفوعون الى ظلمات العدم ..
    التعديل الأخير تم 04-02-2014 الساعة 10:17 AM
    الكُفْرُ يُعْمي و يُصِم

  3. #3

    افتراضي

    بارك الله فيك على الموضوع .. يقول علي عزت بيجوفيتش
    عند دارون في الصراع من اجل البقاء لا يفوز الافضل (بالمعنى الاخلاقي ) وانما الاقوى والافضل هو الذي يفوز ولا يؤدي التقدم البيولوجي هو الاخر الى سمو الانسان باعتباره احد مصادر الاخلاق .فانسان دارون قد يصل الى اعلى درجة الكمال البيولوجي (السوبرمان ) او الانسان الاعلى ولكنه يظل محروما من الصفات الانسانية ومن ثم محروما من السمو الانساني.. فالسمو الانساني لا يمكن أن يكون الا هبة من عند الله
    {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ
    وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
    وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا
    وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }الأنعام59

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. سؤال: أين تكمن قيمة الشخص عند الفلاسفة؟؟؟
    بواسطة محب أهل الحديث في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-10-2014, 04:36 AM
  2. كيف نعالج هذا الشخص ؟
    بواسطة أبو يحيى الموحد في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-20-2011, 01:03 PM
  3. ايمانويل كانط
    بواسطة 123456789 في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 02-27-2010, 07:08 AM
  4. ماذا تقولون عن هذا الشخص
    بواسطة ابو الحارث في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-20-2008, 11:36 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء