صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 20

الموضوع: أخلاقيات المسلم قديمًا وحديثــًا ....

  1. #1

    Exclamation أخلاقيات المسلم قديمًا وحديثــًا ....


    أخلاقيات المسلم قديمًا وحديثــًا ....
    (قصص منقولة من الكتب والسير والتراجم وشهادات وأخبار من أرض واقعنا اليوم)

    الإخوة والأخوات ...
    لا يبالغ من اطلع على أدنى قدر من تاريخ الأمم ثم أمته الإسلامية :
    أن العالم لم يعرف دينا ولا نظام حياة أجمل ولا أرقى ولا أسمى من الإسلام يسوس حياة البشر ويُظهر أفضل ما لديهم من أخلاقيات ..
    سواء بتشجيع ذوي الأخلاق أن يُظهروا أخلاقهم الحسنة بغير سخريةٍ منهم ولا توبيخ أو عقاب !
    أو بتشجيع قليلي الأخلاق أن ينزعوا إلى الصورة الأكمل لهم في حدود قدراتهم وحث الإسلام لهم على ذلك وإثابتهم عليه ..
    وأن كل ذلك لا يظهر زخمه ولا ثماره إلا تحت قيادة وحكومة إسلامية لا تخفي أجمل ما لديها لتظهر أسوأ ما فيها للناس !!..
    فساعتها - وساعتها فقط - : يتمنى كل البشر لو كانوا يتعاملون مع مسلم أو مسلمة أو تحت حكم دولة إسلامية تقيم شرع الله !!!..

    لن أطيل عليكم ...
    ولكن الهدف من هذا الموضوع هو بث روح العزة والكرامة والتوقير والاحترام للإنسان عندما يكون مسلما عاملا بإسلامه ...
    فنعم : الأخلاق ليست حكرا على المسلمين أو حتى ذوي الأديان - لأن جزء من الأخلاق هو فطري لمعرفة الصواب من الخطأ -
    يقول عز وجل في سورة الشمس :
    " ونفس وما سواها : فألهمها فجورها وتقواها " ... ثم يقول في الآيات التي تليها :
    " قد أفلح مَن زكاها : وقد خاب مَن دساها " ...

    ولكننا نريد أن نزيح الستار عن جزء كبير من حياة المتدينين .. أو المسلمين عموما عندما يتمثلون الإسلام ..
    ذاك الجزء الذي لم يطالعه إلا القلة التي كانت تقرأ في كتب الأمة وتراثها ..
    < وذلك مما صح سنده أو تقبل ضعفه وانقطاع سنده المؤرخون والمحدثون من باب الاستئناس في غياب ما يعارضه > ..
    أو ذاك الجزء الذي يستحي أهل الخير أن يذكروه عن أنفسهم من باب البعد عن الرياء أو العجب بالنفس أو حبوط العمل ...


    ومن هنا :
    فالباب مفتوح أمام الجميع لوضع ما يقابله من هذه النماذج والصور المضيئة سواء في المقروء أو ما شاهده في أرض الواقع ..
    والتي تشمل حياة المسلم من المواطن العادي إلى الأمير والحاكم والخليفة والملك !!!..
    ويمكن للإخوة الذين يستحون من ذكر أعمال خير قاموا بها بأنفسهم : أن يقولوا : أعرف أخا فعل كذا .. أعرف أختا فعلت كذا ..
    أعرف جماعة فعلوا كذا ... فلعل ذلك يختلط في ذهن القاريء بما يشتبه عليه واقعه فنرفع الحرج ...
    ولعل ذلك يسد ثغرات بعض الشباب الذي قد يظن سوءا بأمته وأخلاقها قديما وحديثا وانبهار البعض بما عليه أهل الكفر من أخلاق ونظام وتمدن !

    والله المستعان ...
    وسوف أبدأ بنفسي بعد قليل ....
    مصرحا مرة ...
    ومضمرا في مرات أخرى وقادمة ...
    ومنوعا فيما سأنقله بين اليوم وما قراته من قبل من كتب السير والتراجم والتاريخ الإسلامي العظيم ...
    مع وجوب التنبيه إلى الابتعاد عن مشاركات المدح المبالغ التي قد تجعل البعض يندم على ذكر ما ذكره عن نفسه ..

    والله أسأل أن ينفع به ...

    ----

    ملحوظات :
    هناك بعض ما قرأه أحدنا أو شاهده منذ فترات وقد يكون نسى تفاصيله أو فقد توثيقه ومراجعه في أي كتاب هو وعن أي شخصية قرأ ..
    ورغم أني أود لو يكون كل مذكور من الكتب والسير والتاريخ والتراجم موثقا بالفعل :
    إلا أننا لن نجعل من ذلك عائقا أمام السرد .. لأن الهدف الأكبر هو إظهار مدى ما في هذا الدين من خيرية مستمرة ..
    منذ ميلاده وإلى اليوم .. وحتى القصص التي أثرت فينا وهي ضعيفة السند ونحوه : فأرجو أيضا ذكرها ...
    فالأمم نعرف توجهاتها الأخلاقية والسلوكية مما ينتشر فيها من قصص قدوات ورموز .. انظر إلى أمتنا ما كانت تحكيه في كتبها ..
    وانظر إليها اليوم - أغلبها - مما تحكيه على شعوبها من قصص الفسق والمجون والقدوات الفاسدة والقصص المفسدة للأخلاق والشباب !
    ولأن كتب محاسن الإسلام وسمو أخلاقه مبثوثة منثورة في أكثر من كتاب ومجلد مثل :
    (سير أعلام النبلاء) (صفة الصفوة) (حِلية الأولياء) (إحياء علوم الدين) (تاريخ بغداد) (تاريخ دمشق) (كتب الزهد) وغيرها الكثير ...
    فأنصح كل مَن أراد أن يتذوق تلك الأطايب بأسلوب مبسط سهل يسير مُنتقى منهم جميعا بالكتب التالية كبداية فقط
    < واخترتها لجودة توثيقاتها وأسلوبها الأدبي الجذاب > :
    كتب الدكتور خالد أبو شادي :
    (هبي يا ريح الإيمان) - (سباق نحو الجنان) - (صفقات رابحة) ..
    كتب الشيخ محمود المصري :
    (صور من حياة الأنبياء والصحابة والتابعين) جزئين - (أصحاب الرسول) جزئين - (صحابيات حول الرسول) ..

    وأخيرا ...
    أرجو أن يقوم الإخوة بتلوين مشاركاتهم لسهولة قراءتها ومتابعتها :
    الآيات القرآنية والأحاديث النبوية باللون الأحمر .. والمنقولات الأخرى من الكتب أو الواقع باللون الأزرق أو الأسود والأزرق أفضل ..


    التعديل الأخير تم 05-05-2014 الساعة 09:14 PM

  2. #2

    افتراضي

    إذا أردت أن أذكر بعض ما قرأته عن الإخلاص في العمل أو في طلب العلم لوجه الله وليس رياء وسمعة ..
    فلن أنسى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم - وخصوصا من كتاب رياض الصالحين للإمام النووي - .. ولكن أذكر الآن اختصارا :

    ما جاء في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة عن أول ثلاثة أصناف تسعر بهم النار للأسف : ذكر منهم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :
    " ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ولكنك تعلمت ليقال : عالم ، وقرأت ليقال : هو قارئ فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار "

    وما رواه عنه أيضا أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    " مَن تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة " يعني ريحها ...
    ----------

    وكذلك مما أثر فيّ كثيرا ما قرأته في الكتاب الماتع (صيد الخاطر) لابن الجوزي رحمه الله يقول في فصل العلم بالعمل صـ 188 :
    " لقيت مشايخ ، أحوالهم مختلفة ، في مقاديرهم في العلم .
    وكان أنفعهم لي في صحبته العامل منهم بعلمه ، و إن كان غيره أعلم منه .
    ولقيت جماعة من علماء الحديث يحفظون ويعرفون ولكنهم كانوا يتسامحون بغيبة يخرجونها مخرج جرح و تعديل ، ويأخذون على قراءة الحديث أجرة ، ويسرعون بالجواب لئلا ينكسر الجاه وإن وقع خطأ .
    ولقيت عبد الوهاب الأنماطي ، فكان على قانون السلف لم يسمع في مجلسه غيبة ، ولا كان يطلب أجراً على سماع الحديث ، وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقاق بكى واتصل بكاؤه .
    فكان ـ وأنا صغير السن حينئذ ـ يعمل بكاؤه في قلبي ، ويبني قواعد .
    وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل .
    ولقيت الشيخ أبا منصور الجواليقي ، فكان كثير الصمت ، شديد التحري فيما يقول ، متقناً محققاً .
    وربما سئل المسألة الظاهرة التي يبادر بجوابها بعض غلمانه ، فيتوقف فيها حتى يتيقن .
    وكان كثير الصوم والصمت . فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما .
    ففهمت من هذه الحالة أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول .
    ورأيت مشايخ كانت لهم خلوات في انبساط ومزاح ، فراحوا عن القلوب وبدد تفريطهم ما جمعوا من العلم . فقل الانتفاع بهم في حياتهم ، ونسوا بعد مماتهم ، فلا يكاد أحد أن يلتفت إلى مصنفاتهم .
    فالله الله في العلم بالعمل ، فإنه الأصل الأكبر .
    والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به ، ففاته لذات الدنيا وخيرات الآخرة فقدم مفلساً على قوة الحجة عليه
    "
    ------------

    فأتذكر من ساعتها - من أيام المراهقة والشباب - ما مسكت كتابا لأقرأه إلا ودعوت الله تعالى مُخلصا :
    " اللهم علمني ما جهلت .. ووفقني إلى العمل بما علمت " ..
    وكان أفضل دعائي لنفسي :
    " اللهم اجعلني جندا من جنودك لنصرة هذا الدين ونشره في قلوب الناس " ...

  3. #3

    افتراضي

    وفي مجال العطاء بلا حساب أو تردد .. هناك قصص كثيرة .. ولكني أبدأ أولا بالقصص والمواقف التالية ...

    يقول عز وجل في القرآن :
    " وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه اللَّه، وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " البقرة 272 ..

    وفي صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم :
    " يا ابن آدم إنك أن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول؛ واليد العليا خير من اليد السفلى "

    وكذلك فيه أيضا عن أنس قال :
    " ما سئل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يلبث إلا يسيراً حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها "

    وروى ابن أبي حاتم في تفسيره وابن المنذر في الأوسط في السنن - وله شاهد من حديث البخاري - :
    " لما فرغ رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من رد سبايا حنين إلى أهلها ركب واتبعه الناس يقولون يا رسول الله اقسم علينا فيئنا للإبل والغنم ، حتى ألجأوه إلى شجرة .. فاختطفت عنه رداءه فقال : ردوا علي ردائي .. أيها الناس : فوالله إن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا !! ثم قام إلى جنب بعير فأخذ وبرة من سنامه فرفعها ثم قال : أيها الناس والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس .. والخمس مردود عليكم !! فأدوا الخائط والمخيط : فإن الغلول يكون على أهله عارا وشنارا ونارا يوم القيامة "

    وفي الحديث المتفق عليه عن أسماء بنت أبي بكر قالت : قال لي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
    " لا توكي فيوكى عليك " ..! وفي رواية : " أنفقي أو اِنْفَحِي أو انْضِحِي، ولا تحصي فيحصي اللَّه عليك، ولا توعي فيوعي اللَّه عليك " ..

    وعن أبي هريرة قال : قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
    " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب- ولا يقبل اللَّه إلا الطيب- فإن اللَّه يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلُوَّهُ حتى تكون مثل الجبل " ..
    (الفلو) هو المُهر ..

    وفي صحيح مسلم عنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
    " بينا رجل يمشي بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة: اسق حديقة فلان. فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته. فقال له: يا عبد اللَّه ما اسمك قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: يا عبد اللَّه لم تسألني عن اسمي فقال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها فقال: أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرد فيها ثلثه " ..

    وقد ذكر ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية) ما نصه :
    " قال الهيثم بن عدي : اختلف ثلاثة عند الكعبة في أكرم أهل زمانهم، فقال أحدهم: عبد الله بن جعفر، وقال الآخر: قيس بن سعد، وقال الآخر: عرابة الأوسي، فتماروا في ذلك حتى ارتفع ضجيجهم عند الكعبة.
    فقال لهم رجل: فليذهب كل رجل منكم إلى صاحبه الذي يزعم أنه أكرم من غيره، فلينظر ما يعطيه وليحكم على العيان.

    فذهب صاحب عبد الله بن جعفر إليه فوجده قد وضع رجله في الغرز ليذهب إلى ضيعة له، فقال له: يا بن عم رسول الله ابن سبيل ومنقطع به.
    قال: فأخرج رجله في الغرز وقال: ضع رجلك واستو عليها فهي لك بما عليها، وخذ ما في الحقيبة، ولا تخدعن عن السيف فإنه من سيوف علي، فرجع إلى أصحابه بناقة عظيمة وإذا في الحقيبة أربعة آلاف دينار، ومطارف من خز وغير ذلك، وأجلُّ ذلك سيف علي بن أبي طالب.

    ومضى صاحب قيس بن سعد إليه فوجده نائما، فقالت له الجارية: ما حاجتك إليه؟
    قال: ابن سبيل ومنقطع به.
    قالت: فحاجتك أيسر من إيقاظه، هذا كيس فيه سبعمائة دينار ما في دار قيس مال غيره اليوم، واذهب إلى مولانا في معاطن الإبل فخذ لك ناقة وعبدا، واذهب راشدا.
    فلما استيقظ قيس من نومه أخبرته الجارية بما صنعت فأعتقها شكرا على صنيعها ذلك.
    وقال: هلا أيقظتني حتى أعطيه ما يكفيه أبدا، فلعل الذي أعطيتيه لا يقع منه موقع حاجته.

    وذهب صاحب عرابة الأوسي إليه فوجده وقد خرج من منزله يريد الصلاة وهو يتوكأ على عبدين له – وكان قد كف بصره – فقال له: يا عرابة.
    فقال: قل.
    فقال: ابن سبيل ومنقطع به.
    قال: فخلى عن العبدين ثم صفق بيديه، باليمنى على اليسرى، ثم قال: أوّه أوّه، والله ما أصبحت ولا أمسيت وقد تركت الحقوق من مال عرابة شيئا، ولكن خذ هذين العبدين.
    قال: ما كنت لأفعل.
    فقال: إن لم تأخذهما فهما حران، فإن شئت فأعتق، وإن شئت فخذ.
    وأقبل يلتمس الحائط بيده.
    قال: فأخذهما وجاء بهما إلى صاحبيه.

    قال: فحكم الناس على أن ابن جعفر قد جاد بمال عظيم، وأن ذلك ليس بمستنكر له، إلا أن السيف أجلها.
    وأن قيسا أحد الأجواد حكم مملوكته في ماله بغير علمه واستحسن فعلها وعتقها شكرا لها على ما فعلت.
    واجمعوا على أن أسخى الثلاثة عرابة الأوسي، لأنه جاد بجميع ما يملكه، وذلك جهد من مُقل
    "

    فهل انتبهتم إلام ميز الناس عطاء الأخير - رغم أنه قد يبدو أقلهم - ؟
    لقد كان عطاءه هو جهد المُقل !!.. ولذلك التصق بذاكرتي لأني دوما مُقل

    وهنا أتذكر الموقف الشهير الذي وقع في غزوة تبوك كما في كتب السير .. ورواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح والحاكم وقال : على شرط مسلم ولم يخرجاه وغيرهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :
    " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ فقلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال يا أبا بكر: ما أبقيت لأهلك؟ فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا " !!..
    -------------------------

    أتذكر أنه كان لدي قبل زواجي جاكيت ثمين جدا يقيني برد الشتاء - لا أتذكر من اشتراه لي : والدي أم والدتي - ...
    وكانت والدتي تحبه كثيرا .. وما أن يأتي الشتاء إلا وتسألني عنه في كل مرة تراني فيها !!..
    وكنت أحبه كذلك لأنه كان يكفيني لدرجة أني أحيانا كنت أرتديه بدون شيء تحته إلا فانلة خفيفة والناس لا تعرف !!!..
    المهم ...
    كان هناك شاب أراه من بعيد في المنطقة التي تزوجت فيها .. شاب لا يعمل ويبدو أن لديه خلل ما في عقله - لا أعرف على وجه الدقة - ولكنه لم يكن طبيعيا بالصورة المعروفة -
    وفي إحدى ليالي الشتاء القارص الممطرة : وكنت عائدا من عمل متأخر قابلته لأول مرة في حياتي وجها لوجه ...
    وسألني أن أعطيه أي شيء ...
    ولم يكن معي مال كعادتي قرب نهاية الشهر بأيام حتى بعد الزواج
    ورأيته وهو يرتعد من البرد حيث لم يكن يرتدي إلا تي شيرت خفيف قد التصق على نصفه الأعلى بالكامل ...
    فقمت بإعطائه هذا الجاكت بغير تردد ...
    فأخذه ومضى ...
    ودخلت أنا أتسحب إلى البيت حتى لا تعرف زوجتي .. ووفقني الله بالفعل ولم تعرف ...
    ثم دعوته ألا تعرف والدتي لأنها ستحزن عليه ...
    ووقع بالفعل أنها لم تسألني عنه من يومها !!!!..

    -----------------

    قبيل نهاية الشهر الماضي بأيام :
    وأثناء عودتي إلى بيتي مشيا على الأقدام ظهرا - حيث لا سيارة - ومعي من المال ما يكفي بالكاد لبلوغ نهاية الشهر ..
    مررت من أمام المحكمة بجوار سيارة تاكسي (ليموزين كما نسميه في السعودية) فيها امرأة في عمر والدتي يبدو من لهجتها أنها مصرية .. وقد ضل بها سائق الليموزين عن مبتغاها وهو : الكتبة الذين يكتبون المعاريض والطلبات على الآلة الكاتبة .. رأيتهم يسألون اثنين من المارة الباكستانيين فلم يعرفوا .. فوقفت وأخبرتها أن هؤلاء الكتبة يجلسون خلف المحكمة .. فطلبت مني أن أشرح للسائق بالضبط : فقلت له أركب معك وأهديك الطريق ..
    المهم وصلنا ...
    ونزلت ونزلت المرأة وقد أعطت السائق أجرته بصعوبة من كومة ريالات معدودات كانت في يدها حتى أني رققت لحالها ..
    ولما كان الوقت وقت صلاة ولم يكن الكتبة متواجدين على مقاعدهم ومظلاتهم بعد :
    فقد أجلستها بجوار إحدى الأخوات السعوديات التي تنتظر قدومهم مثلها .. ثم سألتها المرأة عن تكلفة كتابة طلب إلى الأمير : باستخراج جثة ابنها للكشف عليه لأنها تشك أنه مات مقتولا !!!.. فقالت لها الأخت أن أي طلب أو ورقة هو بـ 200 ريال !!!.. فتعصبت المرأة وقالت هي ورقة واحدة !!.. وأخرجت نصها من جيبها .. فقالت لها الأخت أن ذلك هو سعرهم الموحد هنا - وأنا الذي كنت أظنها تكلف 10 أو 20 ريال -
    الشاهد :
    سألت المرأة إن لم يكن معها مال ؟ فأجابت أن نعم !!.. وأنه معها بالكاد ما ترجع به بالليموزين إلى بيتها !!..
    ففكرت في إعطائها 50 ريالا تساوم بهم الكاتب نظرا لحالها وكبر سنها وظرفها الإنساني - ابنها الميت - .. ثم خفت عليها : فأعطيتها 100 ريال محتسبا عند الله أن ذلك المبلغ كعادتي في نهاية الشهر : يُمثل نصف أو ثلث ما أملك ((جهد المُقل)) !
    فشكرتني المرأة وأخذت تدعو لي وتقسم لي انها ليست متسولة ولا فقيرة وأنها تسكن في شقة بـ 60 ألف ريال في أرقى مناطق جدة على البحر إلخ ... فقلت لها أن كل ذلك لا يعنيني .. وأنا فعلت معها ذلك متصورا أمي في نفس الموقف لا قدر الله ..
    فأصرت أن أكتب لها رقم تليفوني أو جوالي ...
    وبالفعل في المساء اتصلت علي .. وأقسمت أن أزورها في بيتها لأرى صدقها ... وأنها معها أختها وابن أختها .. وأنها تحتاج إلى الحديث معي ..
    ورغم أن ما بقي معي من مال قد تدمر بالفعل .. إلا أني أنفقت قرابة 30 أو 40 ريال ذهابا وإيابا بالليموزين إليها ..
    وبالفعل : كانت المرأة صادقة .. وهي لديها مشكلة في كارت السحب النقدي حقها .. وأمامها قرابة 14 يوم على حلها .. وهي مصرية سعودية .. وتوفي ابنها في إحدى خروجاته مع أصحابه منذ عام ونصف !!!!.. حيث أعاده أحدهم إليها ميتا من أثر هبوط حاد أو ما شابه !!.. وهي إلى اليوم تريد أن تستخرج جثته لتحللها !!!.. فنصحتها بألا تفعل .. وصبرتها على فراقه .. وأن ذلك لا جدوى منه البتة بعد مرور عام ونصف وخاصة أنه لا سبب ظاهر لموته مثل ضربة سكين أو طلقة رصاص ..
    فسألتني ماذا عن الـ 100 ريال ؟
    فاستحييت ..
    وأخبرتها أنه لا عليها والله المستعان ...
    وتحملت أنا ضرب الزوجة وحدي

  4. #4

    افتراضي

    وأما عن بر الوالدين ..
    فمعنا أحد أهم التابعين الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه رغم عدم رؤيته له !!!.. ويا له من شرف ويا لها من مكانة !

    ففي صحيح مسلم عن أسير بن جابر قال :
    " كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم قال: لك والدة؟ قال: نعم قال: سمعت رسول الله يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل؛ فاستغفر لي فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس قال: تركته رث البيت قليل المتاع قال: سمعت رسول الله يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فأتى أويسًا فقال: استغفر لي قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح فاستغفر لي قال: استغفر لي قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي قال: لقيت عمر قال: نعم فاستغفر له ففطن له الناس فانطلق على وجهه قال أسير وكسوته بُردة فكان كلما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البُردة " ..

    وفي الحديث المتفق عليه :
    عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال ‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏ :‏
    ‏"‏ انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ، فقالوا‏ :‏ إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم‏ .‏

    قال رجل منهم ‏:‏ اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً‏ .‏ فنأى بى طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً ، فلبثت - والقدح على يدى - أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمى - فاستيقظا فشربا غبوقهما‏ .‏ اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه ‏.‏

    قال الآخر‏ :‏ اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلىّ ‏، فأردتها على نفسها فامتنعت منى حتى ألمّت بها سنة من السنين (أي فقر شديد) فجاءتنى فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلى بينى وبين نفسها ففعلت ، حتى إذا قدرت عليها‏ قالت‏ :‏ اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فانصرفت عنها وهى أحب الناس إلى وتركت الذهب الذى أعطيتها ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها‏ .‏

    وقال الثالث‏ :‏ اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذى له وذهب ، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال ، فجاءنى بعد حين فقال‏ :‏ يا عبد الله أدّ إلى أجرى ، فقلت‏ :‏ كل ما ترى من أجرك‏ :‏ من الإبل والبقر والغنم والرقيق ‏.‏ فقال‏ :‏ يا عبد الله لا تستهزئ بى‏ !‏ فقلت‏ :‏ لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً ، اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون‏
    "‏ ‏

    ومن أجمل ما قرأت ما يُروى عن "المأمون" أنه لم يرى أحدا أبر بأبيه من "الفضل بن يحي" ...
    " فقد كان أبوه لا يتوضأ إلا بماء ساخن ، فلما دخلا السجن منعهما السجان من إدخال الحطب في ليلة باردة ، فلما نام أبوه قام الفضل وأخذ إناء الماء وأدناه من المصباح !! فلم يزل قائماً به حتى طلع الفجر ! فقام أبوه فصب عليه الماء الدافئ .. فلما كانت الليلة الأخرى أخفى السجان المصباح !! فقام الفضل فأخذ الإناء فأدخله تحت ثيابه ووضعه على بطنه حتى يدفأ بحرارة بطنه ..."

    ولن أحكي ها هنا شيء عن نفسي ...
    ولكن سأورد هذه القصة القصيرة المتداولة على النت منذ سنوات وفيها :
    " أحد الدعاة كان في زيارة لإحدى الدول الأوروبية
    وبينما هو جالس في محطة القطار
    شاهد إمرأة عجوزا شارفت على السبعين من العمر
    تمسك تفاحة بيدها وتحاول أكلها بما بقي لديها من أسنان
    جلس الرجل بجانبها وأخذ التفاحة وقطعها وأعطاها للعجوز وذلك ليسهل عليها أكلها
    فإذا بالعجوز تنفجر باكية
    فسألها لماذا تبكين ؟؟
    قالت: منذ عشر سنوات لم يكلمني أحد ولم يزرني أولادي
    فلماذا فعلت معي ما فعلت ؟؟؟
    قال: إنه الدين الذي أتبعه
    يأمرني بذلك ويأمرني بطاعة وبر الوالدين
    وقال لها في بلدي تعيش أمي معي في منزلي وهي بمثل عمرك
    وتعيش كالملكة !!
    فلا نخرج إلا بإذنها ولا نأكل قبل أن تأكل
    ونعمل على خدمتها أنا وأبنائي
    وهذا ما أمرنا به ديننا
    فسألته وما دينك ؟؟
    قال: الإسلام
    وكان هو سبباً في إسلام هذه العجوز ...!!
    قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
    (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)

  5. #5

    افتراضي

    وأما عن كبار ساستنا وحكامنا الذين نفاخر بهم التاريخ ... فأختم هذه الجولة الليلة لضيق وقتي ..
    وعلى أمل أن يستكمل الإخوة والأخوات هذه السلسلة الطويلة بكل ما يقع تحت يديهم أو يرون فائدة نقله ..
    حتى ولو تكاسلتم عن التلوين
    لأن ما نذكره سيظل قطرة من بحر زاخر أخرجه هذا الدين الخاتم الكامل للناس ...
    ---------

    روى الحاكم النيسابوري في كتابه (المستدرك على الصحيحين) عن طارق بن شهاب قال :
    " خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له ، فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه ، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة ، فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين أأنت تفعل هذا ؟!! تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك ، وتأخذ بزمام ناقتك ، وتخوض بها المخاضة ؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك (أي خرجوا لملاقاة أمير المؤمنين الذي اشترط النصارى عدم تسليم مفاتيح القدس إلا إليه فيرونه بهذا المنظر !) ، فقال عمر : أوه !! لو يقول ذا غيرك أبا عبيدة : جعلته نكالا لأمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - !!!
    إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله
    " !!!..
    وهو حديث صحيح على شرط الشيخين لاحتجاجهما جميعا بأيوب بن عائذ الطائي وسائر رواته ، ولم يخرجاه . وله شاهد من حديث الأعمش ، عن قيس بن مسلم .

    وروي عن الفاروق عمر أيضا رضي الله عنه وأرضاه .. أنه حين فُتح عليه الفتوحات، قالت له ابنته حفصة وزوج رسول الله :
    " البس ألين الثياب إذا وفدت عليك الوفود من الآفاق، ومُرْ بصنعة الطعام تطعمه وتطعم من حضر. فقال عمر: يا حفصة، ألست تعلمين أن أعلم الناس بحال الرجل أهل بيته؟ فقالت: بلى.
    قال:
    ناشدتك الله، هل تعلمين أن رسول الله لبث في النبوة كذا وكذا سنة لم يشبع هو ولا أهل بيته غدوة إلا جاعوا عشية، ولا شبعوا عشية إلا جاعوا غدوة؟ وناشدتك الله، هل تعلمين أن النبي لبث في النبوة كذا كذا سنة لم يشبع من التمر هو وأهله حتى فتح الله عليه خيبر؟ وناشدتك الله، هل تعلمين أن رسول الله قربتم إليه يومًا طعامًا على مائدة فيها ارتفاع فشقَّ ذلك عليه حتى تغير لونه، ثم أمر بالمائدة فرفعت، ووضع الطعام على دون ذلك، أو وضع على الأرض؟ وناشدتك الله، هل تعلمين أن رسول الله كان لا ينام على عباءة مثنية فثنيت له ليلة أربع طاقات فنام عليها، فلما استيقظ قال: "مَنَعْتُمُونِي قِيَامَ اللَّيْلَةِ بِهَذِهِ الْعَبَاءَةِ، اثْنُوهَا بِاثْنَتَيْنِ كَمَا كُنْتُمْ تَثْنُونَهَا"؟ وناشدتك الله، هل تعلمين أن رسول الله كان يضع ثيابه لتغسل فيأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فما يجد ثوبًا يخرج به إلى الصلاة حتى تجف ثيابه فيخرج بها إلى الصلاة؟ وناشدتك الله، هل تعلمين أن رسول الله صنعت له امرأة من بني ظفر كساءين إزارًا، وبعثت إليه بأحدهما قبل أن يبلغ الآخر، فخرج إلى الصلاة وهو مشتمل به ليس عليه غيره، وقد عقد طرفيه إلى عنقه، فصلى كذلك؟
    فما زال يقول حتى أبكاها، وبكى عمر وانتحب، حتى ظننَّا أن نفسه ستخرج
    " !!!
    رواه الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين) بيان فضيلة الزهد 13 /2445- 2446

    وأرسل أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما :
    " أمَّا بعد، فإنَّ الرشيد من رشد عن العجلة، وإنَّ الخائب من خاب عن الأناة ، وإنَّ المتثبِّت مصيب أو كاد يكون مصيبًا، وإنَّ العَجِلَ مخطئ أو كاد يكون مخطئًا، ومَن لا ينفعه الرفق يضرُّه الخرق (التصرف الأخرق المتعجل وغير المسؤول)، ومَن لا تنفعه التجارِب لا يبلغ المعالي، ولا يبلغ رجل مبلغ الرأي حتى يغلب صبرُه شهوتَه وحلمُه غضبَه " !!..
    ذكره ابن عساكر في كتابه (تاريخ دمشق) 59 /189، وعبد الرزاق في مصنفه 11 /165.

    وذكر السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء) 215 رسالة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى ولي العهد من بعده :
    " بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر إلى يزيد بن عبد الملك، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إلا هو، أمَّا بعد: فإنِّي كتبتُ وأنا دَنِفٌ من وجعي، وقد علمتُ أنِّي مسئول عمَّا وُلِّيتُ، يحاسبني عليه مليك الدنيا والآخرة، ولستُ أستطيع أنْ أُخْفِيَ عليه من عملي شيئًا، فإنْ رضي عنِّي فقد أفلحتُ ونجوتُ من الهوان الطويل، وإنْ سخط عليَّ فيا ويح نفسي إلى ما أصير، أسأل الله الذي لا إله إلا هو أنْ يُجيرني من النار برحمته، وأنْ يَمُنَّ عليَّ برِضوانه والجنة، فعليك بتقوى الله، الرعيةَ الرعيةَ، فإنك لن تبقى بعدي إلاَّ قليلاً، والسلام ".

    وروى أيضا الغزالي في (إحياء علوم الدين) 13 /2449 :
    " أن بعض الخلفاء أرسل إلى الفقهاء بجوائز فقبلوها، وأرسل إلى الفضيل بن عياض بعشرة آلاف فلم يقبلها، فقال له بنوه: قد قبل الفقهاء، وأنت تردُّ على حالتك هذه. فبكى الفضيل وقال: أتدرون ما مثلي ومثلكم؟! كمثل قوم كانت لهم بقرة يحرثون عليها، فلما هرمت ذبحوها لأجل أن ينتفعوا بجلدها، كذلك أنتم أردتم ذبحي على كبر سني، موتوا يا أهلي جوعًا خير لكم من أن تذبحوا فُضَيلاً " !

    ومن نفس الكتاب في 13 /2466 :
    " رؤي فضالة بن عبيد وهو والي مصر أشعث حافيًا فقيل له: أنت الأمير وتفعل هذا! فقال: نهانا رسول الله عن الإرفاه (أي الرفاهية كأهل الدنيا) ، وأمرنا أن نحتفي أحيانًا " ..

    ومن نفس الصفحة كذلك :
    " دخل محمد بن واسع على قتيبة بن مسلم وعليه جبة صوف، فقال له قتيبة: ما دعاك إلى مدرعة الصوف؟ فسكت، فقال: أكلمك ولا تجيبني!! فقال: أكره أن أقول زهدًا فأزكي نفسي، أو فقرًا فأشكو ربي " !!

    ومن نفس الكتاب من 13 /2471 :
    " دخل رجل على أبي ذرٍّ فجعل يقلِّب بصره في بيته، فقال: يا أبا ذرٍّ، ما أرى في بيتك متاعًا ولا غير ذلك من الأثاث ؟! فقال: إن لنا بيتًا نوجِّه إليه مصالح متاعنا (يقصد الآخرة والجنة) . فقال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت ههنا (أي في ذلك البيت الآن) ؟ فقال: إن صاحب المنزل (أي الله عز وجل) لا يدعنا فيه (أي كتب علينا الموت لا البقاء ها هنا) " !!

    ومن نفس الصفحة :
    " قدم عمير بن سعيد أمير حمص على عمر رضي الله عنهما، قال له: ما معك من الدنيا؟ فقال: معي عصاي أتوكأ بها، وأقتل بها حية إن لقيتها، ومعي جرابي أحمل فيه طعامي، ومعي قصعتي آكل فيها وأغسل رأسي وثوبي، ومعي مطهرتي أحمل فيها شرابي وطهوري للصلاة، فما كان بعد هذا من الدنيا فهو تبع لما معي. فقال عمر: صدقت رحمك الله " !!..

    < أقول : حججت أول حجة لي منذ سنوات بالسيارة من الرياض إلى مكة مع زملاء عمل ولم يكن معي إلا ثمن طعامي وثمن الهدي وكيس بلاستيك فيه جلباب وملابس ولحاف !.. وأكره شيء عندي هو التحمل في السفر >

    وروى ابن الجوزي في كتابه (صفة الصفوة) 4 /172، 173 عن أبي تراب (وكان من الزهاد المعروفين في عصره) :
    " مرّ أبو تراب النخشبي بمزين، فقال له: تحلق رأسي لله ؟
    فقال له: اجلس. فجلس، ففيما يحلق رأسه مرَّ به أمير من أهل بلده، فسأل حاشيته، فقال لهم: أليس هذا أبا تراب؟ قالوا: نعم.
    فقال: أي شيء معكم من الدنانير؟ فقال له رجل من خاصَّته: معي خريطة فيها ألف دينار.
    فقال: إذا قام فأعطه، واعتذر إليه، وقل له: لم يكن معنا غير هذه. فجاء الغلام إليه، فقال له: إن الأمير يقرأ عليك السلام، وقال لك: ما حضر معنا غير هذه الدنانير.
    فقال له: ادفعها إلى المزين. فقال المزين: أي شيء أعمل بها؟
    فقال: خذها. فقال: لا والله ولو أنها ألفا دينار ما أخذتها.
    فقال له أبو تراب: مر إليه، فقل له: إن المزين ما أخذها، فخذها أنت فاصرفها في مهماتك
    " ..

    وقد ذكر القلقشندي في كتابه (صبح الأعشى) 1 /118-121 وابن خلدون في تاريخه 1 /248 ومن درر أوائل القرن الثاني الهجري :
    رسالة عبد الحميد الكاتب رحمه الله الجامعة إلى الكُتَّاب فيقول لهم :
    " أمَّا بعدُ، حفظكم الله يا أهل صناعة الكتابة، وحاطكم ووفَّقكم وأرشدكم، فإنَّ الله جعل الناسَ -بعدَ الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومن بعدِ الملوك المكرمين- أصنافًا، وإن كانوا في الحقيقة سواءً، وصرَّفَهُم في صُنُوف الصناعات، وضُرُوب المحاوَلات، إلى أسباب معاشهم وأبواب أرزاقهم، فجعلكم معشرَ الكُتَّاب في أشرف الجهات أهلَ الأدب والمروءات، والعلم والرواية.

    بِكُمْ تنتظم للخلافة محاسنُها، وتستقيم أمورُها، وبنصحائكم يُصلحُ الله للخلق سلطانَهم وتَعْمُر بلدانهم. لا يستغني الملكُ عنكم، ولا يُوجَدُ كافٍ إلا منكم؛ فَمَوْقِعُكُمْ من الملوك مَوْقِعُ أسماعهم التي بها يسمعون، وأبصارهم التي بها يُبْصِرون، وألسنتهم التي بها يَنْطِقون، وأيديهم التي بها يَبْطِشُون. فأمتعكم الله بما خصَّكم من فضل صناعتكم، ولا نَزَع عنكم ما أضفاه من النِّعمة عليكم.

    وليس أحدٌ من أهل الصناعات كلها أحوجَ إلى اجتماع خِلال الخير المحمودة، وخِصال الفَضْل المذكورة المعدودة - منكم. أيُّها الكُتَّاب، إذا كنتم على ما يأتي في هذا الكتاب من صفتكم، فإنَّ الكاتب يحتاج من نفسه ويحتاج منه صاحبه الذي يَثِقُ به في مُهِمَّات أموره أنْ يكون حليمًا في موضع الحلم، فَهِيمًا في موضع الحُكْمِ، مِقْدَامًا في موضع الإقدام، مُحْجِمًا في موضع الإحجام، مُؤْثِرًا للعفاف والعدل والإنصاف، كَتُومًا للأسرار، وفيًّا عند الشدائد، عالمًا بما يأتي من النوازل، يضع الأمور مواضعَها، والطوارق في أماكنها، قد نظر في كلِّ فنٍّ من فنون العلم فأحكمه، وإن لم يُحْكِمْهُ أخذ منه بمقدار ما يكتفي به، يَعْرِف بغريزة عقله وحسن أدبه وفضل تجرِبته ما يَرِدُ عليه قبل وروده وعاقبة ما يصدر عنه قبل صدوره، فيُعِدُّ لكلِّ أمر عُدَّتَه وعَتَاده، ويُهَيِّئ لكلِّ وجه هيئته وعادته.

    فتنافسوا يا معشرَ الكُتَّاب في صُنُوف الآداب، وتفقَّهوا في الدين، وابدءوا بعلم كتاب الله والفرائض، ثم العربيَّة فإنَّها ثِقَاف ألسنتكم، ثم أجيدوا الخطَّ فإنَّه حلية كتبكم، وارْوُوا الأشعار واعْرِفوا غريبها ومعانيها، وأيَّام العرب والعجم وأحاديثها وسيرها؛ فإنَّ ذلك مُعِينٌ لكم على ما تَسْمُو إليه هِمَمُكم.

    وارغبوا بأنفسكم عن المطامع سَنِيِّهَا ودَنِيِّهَا، وسَفْسَاف الأمور ومَحَاقرها؛ فإنَّها مَذَلَّة للرقاب، مَفْسَدَة للكُتَّاب. ونزِّهوا صِنَاعَتكم عن الدناءة، وارْبَئُوا بأنفسكم عن السِّعاية والنميمة وما فيه أهل الجهالات. وإيَّاكم والْكِبْرَ والصَّلَف والعظمة؛ فإنها عداوة مُجْتَلَبَة من غير إِحْنَة. وتحابُّوا في الله في صناعتكم، وتَوَاصَوْا عليها بالذي هو أليق لأهل الفضل والعدل والنُّبْل من سَلَفِكم. وإن نبا الزمان برجل منكم فاعطفوا عليه، وواسُوه حتى يرجعَ إليه حالُه ويثوب إليه أمرُه، وإن أقعد أحدًا منكم الْكِبَرُ عن مكسبه ولقاء إخوانه فزُورُوه وعظِّموه وشاوِرُوه، واستظهروا بفضل تجربته وقديم معرفته، وليكن الرجل منكم على من اصطنعه واستظهر به ليوم حاجته إليه أَحْفَظَ منه على ولده وأخيه؛ فإنْ عَرَضَتْ في الشغل مَحْمَدَة فلا يصرفها إلاَّ إلى صاحبه، وإن عرضت مَذَمَّة فليحملها هو من دونه.

    وليحذر السَّقْطة والزلَّة والملل عند تغيُّر الحال؛ فإنَّ العيب إليكم معشر الكُتَّاب أسرعُ منه إلى القرَّاء، وهو لكم أفسد منه لهم. فقد علمتم أن الرجل منكم إذا صحبه مَن يبذل له من نفسه ما يجب له عليه من حقِّه، فواجب عليه أن يعتقد له من وفائه، وشُكْرِه، واحتماله، وخيره، ونصيحته، وكتمان سره، وتدبير أمره ما هو جزاء لِحَقِّهِ، ويصدِّق ذلك بفعاله عند الحاجة إليه، والاضطرار إلى ما لديه. فاستشعروا ذلك -وفَّقكم الله من أنفسكم- في حالة الرخاء والشدَّة، والحرمان والمواساة، والإحسان، والسراء والضراء، فنعمت الشيمة هذه لِمَن وُسِمَ بها من أهل هذه الصناعة الشريفة. وإذا وُلِّيَ الرجلُ منكم أو صُيِّرَ إليه من أمر خلق الله وعياله أمر فليراقب الله ، وليُؤْثِرْ طاعته، وليكن مع الضعيف رفيقًا وللمظلوم منصفًا؛ فإن الخلق عيال الله، وأحبُّهم إليه أرفقهم بعياله.

    ثم ليكن بالعدل حاكمًا، وللأشراف مُكْرِمًا، وللفيء موفِّرًا، وللبلاد عامرًا، وللرعية متألِّفًا، وعن أذاهم متخلِّفًا، وليكن في مجلسه متواضعًا حليمًا، وفي سِجِلاَّت خَرَاجه واستقضاء حقوقه رفيقًا.

    وإذا صحب أحدكم رجلاً فليختبر خلائقه، فإذا عَرَفَ حَسَنَها وقبيحها أعانه على ما يُوَافقه من الحَسَنِ، واحتال على صرفه عمَّا يهواه من القُبْحِ بألطف حيلة وأجمل وسيلة، وقد علمتم أن سائس البهيمة إذا كان بصيرًا بسياستها التمس معرفة أخلاقها؛ فإن كانت رَمُوحًا لم يَهِجْهَا إذا ركبها، وإن كانت شَبُوبًا اتَّقاها من بين يديها، وإن خاف منها شرودًا توقَّاها من ناحية رأسها، وإن كانت حَرُونًا قَمَعَ برفق هواها في طرقها، فإن استمرَّت عَطَفَها يَسِيرًا فَيَسْلُسُ له قيادها، وفي هذا الوصف من السياسة دلائلُ لمن ساس الناسَ وعاملهم وجرَّبهم وداخلهم.

    والكاتب -لفضل أدبه، وشريف صنعته، ولطيف حيلته، ومعاملته لمن يُجَاوِره من الناس ويناظره ويفهم عنه أو يخاف سَطْوَته- أَوْلَى بالرفق لصاحبه، ومداراته وتقويم أَوَدِه من سائس البهيمة التي لا تُحِير جوابًا، ولا تعرف صوابًا، ولا تفهم خطابًا، إلاَّ بقدر ما يُصَيِّرها إليه صاحبها الراكب عليها. ألاَ فأَمْعِنوا -رحمكم الله- في النظر، واعْمَلُوا ما أمكنكم فيه من الرَّوِيَّة والفِكْرِ، تأمنوا بإذن الله ممن صحبتموه النَّبْوَةَ والاستثقالَ والجَفْوَة، ويُصَيَّر منكم إلى الموافقة، وتُصَيَّرُوا منه إلى المؤاخاة والشفقة، إن شاء الله
    "

    وإلى هنا أنتهي من هذه الجولة ..
    وقد احتسبت بعض ما ذكرته فيها عن نفسي إن ضاع أجره عند الله بسبب ذلك ...
    ولا حول ولا قوة إلا بالله ...
    التعديل الأخير تم 05-05-2014 الساعة 09:47 PM

  6. #6

    افتراضي

    لعله من أكثر ما كان يأتيني من أسئلة عن كتاباتي هو :
    كيف كنت أكتب كل تلك المواضيع بهذا الطول ؟ ومن أين لك بالوقت ؟ والجهد والصبر والمثابرة ؟

    والحقيقة أني - والهدف من هذا الموضوع - كنت أبذل كل ذلك مندفعا بتأثري ببعض القراءات عن قدوات ديني الإسلام ..

    وأتذكر من أعمق ما تأثرت به في ذلك - وأكرمني الله بأن حقق لي بعضه - هو ما نقله العلماء في تراجمهم عن عبيد بن يعيش .. وهو من كبار شيوخ الحديث وسمع منه البخاري ومسلم وغيرهما .. حيث ذكر الإمام الذهبي في كتابه (سير أعلام النبلاء) الطبقة الثانية عشر عن عمار بن رجاء قال :
    " سمعت عبيد بن يعيش ، يقول : أقمت ثلاثين سنة ، ما أكلت بيدي بالليل . كانت أختي تلقمني ، وأنا أكتب " ....!

    أقول :
    قد يتخيل أكثر الناس أن مثل هذا الكلام هو من المبالغات .. ولكن والله أشهد أن الله تعالى يُيسر من عباده لما هو مثل ذلك وأكثر !
    وأضرب من العبد لله مثالا بسيطا بدأ معي منذ 6 سنوات تقريبا : وتكرر أكثر من فترة وإلى اليوم ..

    وهو حينما يقع نقاش أو أتعرض لمناظرة أو رد عاجل أو موضوع من مواضيعي ذات الروابط الكثيرة لجمع المعلومات - مع شعوري بضيق الوقت - أو تقابلني حالة عاجلة لأحد التائهين أو الحيارى على العام أو الخاص أو الشات ولو بعد منتصف الليل :
    فكنت أسهر أحيانا إلى الساعة 2 و 3 وربما إلى الفجر !!!! - رغم العمل صباحا !! - حيث أكتب وأجمع وأقارن وأرد وأترجم حتى كانت نافذة الإنترنت تجمع أحيانا قرب 30 نافذة موقع في الوقت الواحد !
    ولم أعدهم أنا .. ولكن قامت بعدهم زوجتي في إحدى المرات من باب الفضول !!!.. وكانت تقوم بإطعامي وأنا أكتب - ولا زالت - شفقة بي !!!.. وذلك لأنها عرفت (بالتجربة) أني عندما أندمج في الكتابة الدينية أو في الحديث الشفوي عن الدين : فلا تسألني ساعتها عن جوعي أو أي شاغل آخر حتى أنتهي !!!..
    ولا أنسى في خضم ذلك ما كنت أضر به زوجتي أحيانا بالنور المضاء وهي تريد النوم !!.. أو أضر به عيني إذا أطفأت النور أو كتبت على ضوء مصباح كهربي صغير أو حتى ضوء كشاف الموبايل !!!.. وأكاد أجزم والله أنه لو لم يكن ما أفعله هو لوجه الله ونصرة دينه : لكان ذهب بصري أو تدهور حال عيني منذ سنوات !!!.. ولكن بفضل الله تعالى لا زلت أعطي وسأعطي طالما أقدرني الله والله المستعان
    !!..

    فانظروا كيف هي القدوة وتأثيرها من قراءة (سطر واحد فقط) كالسطر الذي عرضته لكم عن عبيد بن يعيش !!...
    واليوم : ما هي القدوات التي تبث لشباب الأمة حتى نحاسبهم على التخلف والمياعة وعدم النظام والبذل والعلم ؟!!..
    أين التعليم وأين سيرة النبي وصحابته العظام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ؟!!!..
    أين قصص العلم والحق والعدل ؟!!..
    وسوف أعرض قصصا سينبهر منها كل من يقرأها سواء لأول مرة أو لأكثر من مرة !!!...

    حتى كان الناظر لشباب المسلمين وهم يجرون في الطرقات يعلم أن هؤلاء : إما مجانين !
    وإما يهرولون للحاق بحلقات العلم المختلفة للشيوخ والعلماء !!!..
    والله المستعان ...
    التعديل الأخير تم 05-07-2014 الساعة 01:18 PM

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    الدولة
    بين المسلمين
    المشاركات
    2,906
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    واليوم : ما هي القدوات التي تبث لشباب الأمة حتى نحاسبهم على التخلف والمياعة وعدم النظام والبذل والعلم ؟!!..
    أين التعليم وأين سيرة النبي وصحابته العظام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ؟!!!..
    أين قصص العلم والحق والعدل ؟!!..
    و لهذا يا أستاذ نقول عن إعلامنا أنه و بامتياز "فاشل" . و التعليم لا يختلف . فبدل أن نتعلم تاريخنا فإن الكتب تحدثك عن ستالين و هتلر و غيرهم . و لهذا و لغيره تجد فلاناً يقتدي بجيفارا و غاندي و مانديلا و الله المستعان .

  8. #8

    افتراضي

    رحم الله أياما كان ولي الأمر فيها هو الذي يدفع الناس لمعاملته - وأهله - بالسواسية مع بقية عامة الناس !
    فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها بكل قوة وصدق ووضوح لا لبس فيه في الحديث الصحيح :
    " إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " !!!..
    يقول :
    فاطمة ((بنت محمد)) !! ولم يقل ((بنت رسول الله أو نبي الله)) !!
    تأكيدا على أن الجميع أمام حكم الله وحدود شرعه إذا بلغ ولي الأمر سواسية .. لا ألقاب ولا مكانات ولا تمييز !!..

    ولم أجد في تاريخ طفولتي ومراهقتي أكثر تأثيرا في عقلي الصغير والنامي في تلك السنوات مثل الفاروق عمر رضي الله عنه ! ذاك الذي لم يكن نبيا : ولكنه كان أشبه بالخيال المتحقق على أرض الواقع !!.. كانت عظمته في واقعيته وواقعية أفعاله التي إن قلدتها لم تتكلف ما فوق طاقتك كبشر !!.. فإنما هي عقبة القلب وما يهوى .. وكان هواه هو الحق رضي الله عنه وأرضاه !!..

    أتذكر يوما عندما كنت في المرحلة الإعدادية - أعتقد الصف الثاني الإعدادي - وكانت والدتي معلمة في المدرسة .. وكنا في فترة امتحانات ويُمنع دخول أولياء الأمور إلى المدرسة حتى في فترة الراحة بين الاختبارين - الفسحة - .. وحدث أنه بعد خروجي من الامتحان الأول : أن وجدت والدتي في انتظاري خارج الفصل ومعها طعام وبسكوت وعصير ..
    طبعا لم تكن لتدخل إلى هذا المكان لو لم تكن استغلت مكانتها كمعلمة !!!..
    وأتذكر يومها أني نظرت لها نظرة عتاب وألم - شعرت أنها آلمتني يومئذ - ثم تجاهلتها وجريت إلى ملعب المدرسة مثل باقي الأولاد !!!..
    وكان موقفا عصيبا عليها هي أيضا في ذلك اليوم .. ولقد رأيتها وهي تبكي في مكانها واقفة !!..
    ولكن هكذا كنت !!!..
    وهكذا تشربت روح (عدم التمييز) أو (استغلال) المكانة أو النفوذ حتى النخاع !!..

    وليسامحني الله تعالى إن كنت أخطأت في حقها بما فعلت أو بطريقتي في الفعل - فقد كنت صغيرا - ..

    وأما الموقف الذي أثر في أيما تأثير بذلك .. فكان الموقف التالي لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه !!!..
    موقف غريب والله !!!..
    موقف ذكرته منذ نصف ساعة مع أحد المصريين الذين عاشوا في ألمانيا وسلوفينيا !!!..

    فقد حكى لي الرجل كيف كان الناس منذ سنوات منبهرين في محاكمة مسؤول كبير في سلوفينيا فقط :
    لأنه تدخل بنفوذه في إعطاء شقة من غرفتين وصالة لأحد المواطنين عن الآخر !!!!..
    محاكمة قرابة الثلاث ساعات ومساءلات تصبب لها جبين الرجل عرقا من أجل شقة !!!!..
    < كويس ما جم عندنا في مصر ولا غيرها من حكوماتنا الباهرة ما شاء الله ! >

    فما كان الرجل إلا أن حكى لهم نفس الموقف الذي أثر في قديما وسأرويه لكم الآن : فاندهشوا أشد الاندهاش !!!..
    وتعجبوا أشد التعجب أن يصدر ذلك من حاكم أو ولي أمر من 1400 عام وأين ؟
    في بلاد العرب ساعتها : بلاد البدو والقبلية والملكية !!!..

    فما هو ذلك الموقف يا ترى ؟
    -------------------------

    حيث يروي لنا عبدالله بن عمر رضي الله عنه يقول :
    اشتريت إبلاً وسقتها إلى الحِمى (أي مكان المرعى العام) ، فلما سمنت قدمت بها إلى السوق لأبيعها ، فدخل عمر السوق فرأى إبلاً سمانًا، قال: (لمن هذه؟)، قيل: (لعبد الله بن عمر)، فجعل يقول: (يا عبد الله: بَخٍ بَخٍ ابن أمير المؤمنين)، فجئته اسعى [أي على عجل لأرى ماذا يريد ولماذا يقول هذا ؟].
    - فقلت: مالك يا أمير المؤمنين؟
    - قال: ما هذه الإبل يا عبد الله؟.
    - قلت: إبل أنضاء -يعني هزيلة- اشتريتها وابتعثت بها إلى الحِمى، أبتغي ما يبتغي المسلمون.
    - قال عمر: تبتغي ما يبتغي المسلمون! أم يُقال: (ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين)، (اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين)، (افسحوا لإبل ابن أمير المؤمنين)، يا عبد الله بن عمر خذ رأس مالك واجعل الربح في بيت مال المسلمين، أم تريد أن تُهلك أمير المؤمنين؟


    فهذا غيض من فيض سيرة هذا الرجل العظيم !..
    سيرة من كان قدوة للمسلمين عندما كانت تدرس سيرته في المدارس في بلادنا - مثل مصر - !
    فلما اتسع الخرق على راقع الحكومة من كثرة السرقات والاختلاسات والباطل والبهتان والخوف : لم يكن هناك بد من إلغاء تدريس سيرته حتى لا يترعرع جيل على معرفة الحق : فضلا عن المطالبة به !! فضلا عن استشعاره أنه بإمكانه محاسبة ولي أمره !!!!!!!!!!!!!!..

    والله المستعان !

    ولذلك سأخصص المشاركة التالية كلها لعرض بعض أشهر القصص عن عمر الفاروق رضي الله عنه :
    تلك التي لن يجد أي ناشيء يريد النشأة على الحق والنزاهة والسمو والعدل أفضل منها عمليا ممَن هم دون الأنبياء لينشأ عليها ويتزود !
    التعديل الأخير تم 05-07-2014 الساعة 01:58 PM

  9. #9

    افتراضي

    ما سأذكره الآن مقتطفات نقلها أحد الإخوة في سلسلة بعنوان (أصلي وفصلي) ..
    وهي ليس كل ما يُذكر عن عمر رضي الله عنه ..
    ولمن أراد الاستزادة والإلمام والتوثيق فعليه بكتاب متوسط كـ (أصحاب الرسول - الجزء الأول) للشيخ محمود المصري .. أو كتاب عمر بن الخطاب للدكتور علي محمد الصلابي بعنوان (فصْل الخطاب في سيرَة ابْن الخطاب) ..

    ولعلي أفسح المجال لباقي الصحابة العظام كأبي بكر وعمر وعثمان وسائر العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم فيما بعد .. حيث سنرى كم كانوا قدوات باهرات لا يملك صادق القلب سليم الفطرة إلا أن يُعجب بهم ويتخذهم قدوة : رضوان الله وسلامه عليهم أجمعين ...

    وأترككم مع النقل مع بعض التصرف اليسير ..................
    ولنرى كيف جمع ولي الأمر الناجح بين الشدة والغلظة الضابطة والمُحجمة : وبين اللين والشفقة والرحمة الحافظة !
    -------------

    >>>
    أمثال عمر في شدته وعدله ورحمته بالضعفاء : أبواب دون الفتن ووقوعها !!
    فهذا رسول الله يخشى على أمته الفتنة، قال: "إنه من يَعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا" !
    وقد جلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا بين أصحابه، فقال:
    " أيُكم يحفظ حديث رسول الله  في الفتنة؟ فقال حذيفة بن اليمان: أنا أحفظه كما قاله، قال: هاتِه، إنك عليه لجريء، فقال سمعت رسول الله يقول: "فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة " ...
    فقال عمر: ليس عن هذا أسألك، -رضي الله عن عمر- إنما أسألك عن الأخرى التي تموج كموج البحر؟؟ فقال:
    " مالك أنت ولها يا أمير المؤمنين؟ إن بينك وبينها بابًا مغـلقًا فقال عمر رضي الله عنه: أيُكسَر هذا الباب أم يُفتَح قال بل يُكسر قال ذلك حريٌ أن لا يُغلق بعدها أبدًا. "

    وقد كانوا يهابون سؤال عمر عن ذلك الباب ماذا هو ؟
    " وأمَرنا مسروقـًا فسأله فقال: من الباب؟، قال: عمر " ... كما في صحيح البخاري ...
    فهذا عمر -رضي الله عن عمر-، كان بابًا بين الأمة وبين الفتنة، فلما كسِر الباب دخلت الفتن على الأمة، عمر.. كانت تهابه حتى الشياطين..!

    >>>
    عمر تهابه الشياطين..!!!
    فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال :
    "استأذن عمر على رسول الله وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتُهن، فلما استأذن عمر، قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله ، ورسول الله يضحك فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال رسول الله : عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب! فقال عمر: فأنت يا رسول الله أحق أن يهبن" -أي أحق أن يخافوا منك - ، ثم قال عمر أيْ عدوات أنفسِهن، أتهبنني ولا تهبْن رسولَ الله ؟ قلن نعم أنت أغلظ وأفظ من رسول الله !! قال رسول الله : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًا إلا سلك فجًا غير فجك" رواه مسلم في صحيحه ...

    >>>
    أمانة ولي الأمر ومراقبته لله المُطلع عليه وخوفه من سؤاله !!
    حيث بينما عثمان بن عفان رضي الله عنه يوما بالعالية - مكان على أطراف المدينة - في يوم صائف شديد الحر : إذ رأى رجلاً يسوق بِكرين من الإبل، وعلى الأرض مثل الفراش من الحر - أي الأرض تغلي من شدة الحر، ومن حرارة الشمس - فقال عثمان : ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد - أي تقل وطأة الشمس والحر - ثم يروح ؟!! ثم دنا الرجل فقال عثمان لمولاه: انظر مَن هذا ؟؟ فنظر فقال : أرى رجلا معُتَمًّـا بردائه يسوق بكرين، ثم دنا الرجل فقال: انظر .. فنظر : فإذا عمر بن الخطاب.!! فقال : هذا أمير المؤمنين !!!! فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب : فإذا نفح السموم - أي حر الهواء الذي يلسع - فأعاد رأسه .. فلما حاذاه عمر ناداه عثمان قال : يا أمير المؤمنين. ما أخرجك هذه الساعة؟!! قال عمر: بكران (أي جملين) من إبل الصدقة تخلفا : وقد مُضي بإبل الصدقة، فأردت أن ألحقهما بالحِمى، وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما.!!!
    قال عثمان: "يا أمير المؤمنين هلم إلى الماء والظل ونكفيك هذا"
    - أي نرسل أحدا غيرك خلف البكرين واجلس أنت في الظل والماء - فقال عمر رضي الله عنه : "عُد يا عثمان إلى ظلك .. فقال عثمان: مَن أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا !! إن خير من استأجرت القويّ الأمين".

    وموقف مشابه :

    حيث يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
    "رأيت عمر على قتب يعدو فقلت : يا أمير المؤمنين أين تذهب؟ قال : بعير نّدَّ من إبل الصدقة أطلبه.. بعير ند من إبل الصدقة أطلبه (أي بعير شرد أو هرب وأنا أجري وراءه لأحضره) فقلت: لقد أذللت الخلفاء بعدك (لأن الناس دوما سيقارنونهم بك) !!! قال: يا أبا الحسن لا تلمني !! فوالذي بعث محمدًا بالنبوة لو أن عناقًا (أي واحدة فقط من هذه الإبل) ذهبت بشاطئ الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة (أي لحاسبه الله عليها يوم القيامة لأنه مسؤول عن مال المسلمين) " !

    >>>
    الزهد في مال المسلمين ومراقبة ما بين يديه منه !!!
    وفي ذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما:
    "دعاني عمر بن الخطاب فأتيته فإذا بين يديه نطعٌ عليه الذهب منثورًا حثًا حثًا (والنطع هو الفرشة من جلد، والذهب مبعثر عليها) قال: هلُم يا بن عباس فاقسم هذا بين قومك، الله أعلم حيث ذوى هذا عن نبيه وعن أبي بكر، وأعطِيته، ألخير أعطيته أو شر؟ !! قال: ابن عباس فأكببت عليه أقسّم وأزيل.. أفرقه.. وأبعده عن بعضه، فسمعت البكاء فإذا صوت عمر يبكي ويقول في بكائه: "والذي نفسي بيده ما حبسه عن نبيه  وعن أبي بكر رضي الله عنه إرادة الشر لهما، وأعطاه لعمر إرادة الخير له"..!

    وعن مجاهد :
    " أن عمر حج مرة فأنفق ثمانين درهمًا من المدينة إلى مكة، ثم من مكة إلى المدينة، ثم جعل يتأسف ويضرب بيده على الأخرى، ويقول ما أخلقنا أن نكون قد أسرفنا في مال الله تعالى! (أي رغم قلة هذا المبلغ في السفر ذهابا وإيابا بين مكة والمدينة يصفه عمر بالإسراف) !

    وعن قتادة :
    " لما ورد عمر الشام : صُنع له طعام لم ير قبله مثله ، فلما أتِي به قال: هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين باتوا لا يشبعون من خبز الشعير ؟ فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه : لهم الجنة ؛ فاغرورقت عين عمر وقال: إن كان حظنا في هذا (أي لو كان نصيبنا بالفعل هو ملذات الدنيا) ، ويُذهب بأولئك إلى الجنة (أي الفقراء) ، لقد بانوا بونًا بعيدًا. (أي ما أكبره من فارق ثواب ومآل بيننا وبينهم في الآخرة !)

    وعن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
    " كان يمد يده على البعير، ويقول: إني خائف أن أسأل عما بك !! مسؤول عن البعير. (أي خائف أن يكون مرض البعير بسببه فيحاسبه الله على ذلك !)

    وعن البراء بن معرور :
    أن عمر بن الخطاب خرج يومًا حتى أتى المنبر، وكان قد اشتكى شكوى له، فنـُعت له العسل (أي وصفوا له أن يشرب عسلا حتى يعالج بطنه) وفي بيت المال عكة عسل (أي وكان يوجد في بيت المال قربة عسل)، فصعد المنبر واستأذن المسلمين : إن أذنتم لي فيها أخذتها وإلا هي علي حرام." !!!!!!!!!!!!!
    عكة عسل ؟
    شقة غرفتين وصالة ؟!!!!..

    ومن المعلوم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في عام الرمادة لا يأكل شيئًا إلا الخبز والزيت !! ومما يُذكر في ذلك :
    " أنه دخل يومًا على حفصة -بنته أم المؤمنين رضي الله عنها-، فوضعت له إناء فيه خل وزيت، فنظر إليه وقال: ما هذا؟ إدامان في إناء واحد؟ والله ما عهدنا هذا على عهد رسول الله، ثم ظل يبكي حتى تركه وانصرف، (في طبق خل وزيت.. هذان إدامان؟.. خل وزيت وبكى حتى انصرف) !!

    وفي واقعة أخرى من عام الرمادة قرقرت بطنه.. (وهو صوت الجوع والمعدة الخاوية المعروف) فقال: قرقري أو لا تقرقري !! فوالله لا تذوقي طعامًا حتى يأكل فقراء المسلمين !!

    >>>
    شدة تفقده للرعية ورحمته بالمحتاجين والمعوزين منهم :
    حيث لما كان عمر هو أول مَن عس بالليل في أمة الإسلام من الحكام : فعن زيد بن أسلم قال :
    " خرجت مع عمر بن الخطاب رحمه الله إلى حَرّة واقم (اسم مكان) ، حتى إذا كنا بصرار إذا نار، فقال: يا أسلم، إني أرى هؤلاء ركبًا قَصُر بهم الليل والبرد انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان لها وقدر منصوبة على النار وصبيانها يتضاغون.
    فقال عمر: "السلام عليكم يا أصحاب الضوء"،
    (وكره أن يقول يا أصحاب النار رغم أنهم يوقدون نارًا)
    - قالت: وعليك السلام.
    - قال: "أدنو؟.."
    (أي يستأذنها في الاقتراب وهذا من كمال أدبه وحيائه وحتى لا يهتك بعينه سترها أو حجابها)
    - قالت: ادنُ بخير أو دع، لو عندك خير تفضل.
    - فدنا فقال: "ماذا بكم؟"
    - قالت: "قصر بنا الليل والبرد".
    - قال: "ومال هؤلاء الصبية يتضاغون؟"
    - قالت: الجوع.
    - قال: فأي شيء في هذا القِدر؟
    - قالت: ماء أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر.
    - فقال: "أي رحمك الله وما يدري عمر بكم؟"
    - قالت: يتولى أمرنا ثم يغفل وينام عنا؟
    قال: "فأقبل عليّ وقال انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عِدلاً من دقيق، وكبة من شحم، وقال احملهم عليّ". قلت: لا.. أنا أحمل عنك، قال: "أنت تحمل عني وزري يوم القيامة؟"، لا أم لك. احمل علي، فحمل على ظهره وانطلق وانطلقت معه إليهم نهرول.
    فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئًا فجعل يقول لها
    (ذري عليّ وأنا أحرك لك)، وجعل ينفخ تحت القِدر حتى يشتعل والدخان يتخلل لحيته، ثم أنزلها فقال: (ابغيني شيئًا أسكب فيه)، فأتته بصحفة فأفرغها فيه، ثم جعل يقول (أطعميهم وأنا أصفح لهم)، فلم يزل حتى شبعوا، وترك عندها فضل ذلك بقية الكيس.
    قام وقمت معه فجعلت تقول (جزاك الله خيرا كنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين)، فيقول: قولي خيرًا.. إذا جئتِ أمير المؤمنين وحدثيني هناك إن شاء الله.
    ثم تنحى ناحية عنها فابتعد، ثم استقبلها ينظر إلى مكانها من بعيد، فضرب ضربة وقلنا له: إنا لنا شأنا غير هذا
    (أي إن كنا فعلنا ذلك فلماذا ننتظر الآن ؟) وهو لا يكلمني !! حتى رأى الصبية وقد ناموا وهدأوا. فقال: (يا أسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما أُحِب) " !!

    وإليكم هذا الموقف الغريب العجيب التالي !!!..
    وإلى أي مدى كان يختار عمر رجاله على رعيته : وهو الذي ملك من الشرق إلى الغرب !!!!..

    فعن أبي عثمان قال :
    " استعمل عمر رجلاً من بني أسد على عمل له، فدخل ليسلم عليه"، فأتي عمر ببعض ولده فقبله، فقال الأسدي: أتقبل هذا يا أمير المؤمنين؟ والله ما قبلت لي ولدًا قط، فقال عمر: "والله أنت بأولاد الناس أقل رحمة من أولادك، لا تعمل لي عملاً أبدًا، فرد عهده وقال ما ذنبي إن كان الله نزع الرحمة من قلبك، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، وقال إن من لم يرحم أولاده فكيف يرحم الرعية؟" !!!!!

    وعن قسامة بن زهير قال :
    "وقف أعرابي على عمر بن الخطاب فقال: يا عمر الخير جُزيت الجنة، جهّز بنياتي واكسهن، أقسم بالله لتفعلن، قال: فإن لم أفعل ماذا يكون؟ قال الأعرابي: أقسم بالله لأمضين وإذا مَضيت والله عن حالي لتُسألن. بكى عمر حتى اخضلت لحيته، ثم قال يا غلام أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشِعره والله لا أملك قميصًا غيره" !!

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي



    ثقّل الله به موازينكم أخي أبو حب الله و جعله لكم صدقة جارية في حياتكم و بعد مماتكم

    لقد وقعتم على الجرح بل على داء الأدواء في أمتنا جمعاء .. فالأمة بحق تحتاج إلى فرمتة في هذا الباب !

    إضافة إلى أن موضوع الأخلاق هذا هو الفيصل بين المسلمين أصحاب المنهج الحق و بين سائر الملل و النحل و المذاهب و الفرق جميعا .. (من ثمارهم تعرفونهم)

    و في القرآن الكريم و في أحاديث كثيرة نجد لذا تشبيهات للمؤمن بأطيب الأشياء و أكرمها و أكثرها نفعا. فالمؤمن الحق كالأرض الطيبة و كالشجرة و النخلة أو كالتفاحة العطرة .. و في رؤيا النبي صلى الله عليه و سلم شُبّه المؤمن بالبقر لأن فيها خير كثير، ففيها اللبن والحليب والحرث واللحم.. و المؤمن عبوديته لله الرحمن .. يمشي على الأرض هونا .. صادق أمين غر كريم ليس بخب و لا لئيم ...

    و ليأذن لي أخي الحبيب في نقل حديث في الباب مع فقهه :

    روى الامام البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم حدثوني ما هي؟
    قال :فوقع الناس في شجر البوادي.
    قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة.


    وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه ''مفتاح دار السعادة'' عشرة أوجه تبين الشبه بين المؤمن والنخلة فقال :

    الوجه الاول: ثبات أصلها في الارض واستقرارها فيها وليست بمنزلة الشجرة التي اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار

    الثاني: طيب ثمرتها وحلاوتها وعموم المنفعة بها وكذلك المؤمن طيب الكلام طيب العمل فيه المنفعة لنفسه ولغيره

    الثالث: دوام لباسها وزينتها فلا يسقط عنها صيفا ولا شتاء كذلك المؤمن لايزو ل عنه لباس التقوى وزينتها حتى يوفي ربه تعالى

    الرابع: سهولة تناول ثمرتها وتيسره اما قصيرها فلا يحتاج المتناول ان يرقاها واما باسقها فصعوده سهل بالنسبة الى صعود الشجر الطوال غيرها فتراها كأنها قد هيئت منها المراقي والدرج الى اعلاها كذلك المؤمن خيره سهل قريب لمن رام تناوله لا بالغر ولا باللئيم

    الخامس: ان ثمرتها من انفع ثمار العالم فإنه يأكل رطبه فاكهة وحلاوة ويابسه يكون قوتا وأدما وفاكهة ويتخذ منه الخل والناطف والحلوى ويدخل في الادوية والاشربة وعموم المنفعة به فوق كل الثمار

    السادس: ان النخلة اصبر الشجر على الرياح والجهد وغيرها وكذلك المؤمن صبور على البلاء لا تزعزعه الرياح

    السابع: ان النخلة كلها منفعة لا يسقط منها شيء بغير منفعة فثمرها منفعة وجذعها فيه من المنافع ما لا يجهل للابنية والسقوف وغير ذلك وسعفها تسقف به البيوت مكان القصب ويستر به الفرج والخلل وخوصها يتخذ منه المكاتل والزنابيل وانواع الانية والحصر وغيرها وليفها وكرها فيه من المنافع ما هو معلوم عند الناس وقد طابق بعض الناس هذه المنافع وصفات المؤمن وجعل لكل منفعة منها صفة في المسلم تقابلها فلما جاء الى الشوك في النخلة جعل بإزاءه من المسلم صفة الحدة على اعداء الله واهل الفجور فيكون عليهم في الشدة والغلظة بمنزلة الشوك وللمؤمنين والمتقين بمنزلة الرطب حلاوة ولينا((اشداء على الكفار رحماء بينهم))

    الثامن: انها كلما طال عمرها ازداد خيرها وجاد ثمرها وكذلك المؤمن إذا طال عمر ازداد خيره وحسن عمله

    التاسع:ان قلبها من اطيب القلوب واحلاه وهذا امر خصت به من دون سائر الشجر وكذلك قلب المؤمن من اطيب القلوب

    العاشر:انها لايتعطل نفعها بالكلية ابدا بل ان تعطلت منها منفعة ففيها منافع أُخر حتى لو تعطلت ثمارها سنة لكان للناس في سعفها وخوصها وليفها وكربها منافع آراب وهكذا المؤمن لايخلو عن شيء من خصال الخير قط إن اجدب منه جانب من الخير أخصب منه جانب فلا يزال خيره مأمولا وشره مأمونا.


  11. #11

    افتراضي

    جزاك الله خيرا أخي الحبيب ابن سلامة ....
    ونعم : أود لو أن الإخوة جميعا شاركوني في هذا الموضوع بوضع كل ما يرونه على صلة بما نتحدث عنه ...
    وأواصل بعد قليل بإذن الله تعالى ..

  12. #12

    افتراضي

    في الحديث الصحيح يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    " نعم المال الصالح للرجل الصالح " رواه البخاري وغيره ...

    ورغم أني لست ذي مال .. إلا اني أحب لو لي فضل مال لأنفقته في سبيل الله والصدقات ..
    هكذا تعلمت من رسول الله وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين ...
    وحتى القليل المال : فبصدقه في النفقة ويقينه بالله : يتقبلها الله تعالى منه وقد تكون في الأجر أكبر من نفقة الغني ذي المال الكثير !
    يقول رسولنا الكريم في كلام يلامس صدق القلوب وبرهان إيمان الصدقة فيها :
    " سبق درهم مائة ألف (أي في الأجر عند الله) !! قالوا : يا رسول الله ، كيف يسبق درهم مائة ألف ؟!! قال : " رجل له درهمان (أي كل ما يملكه هو درهمين فقط !) فأخذ أحدهما فتصدق به (أي فكأنه عند الله قد تصدق بنصف ماله !! وهذا يقين كبير بالله وبرهان عظيم على صدق الإيمان) وآخر له مال كثير فأخذ من عرضها مائة ألف (أي المائة ألف تعد شيئا قليلا في ماله !!) " ..

    ومن هنا تعلمت أنه كلما كان معي مال وظهرت لي حالة نفقة أو صدقة وأحسبها صادقة في الطلب : أعطيها بلا تردد .. ومهما كان هذا المال الذي معي ...!

    وهذه المرة لن أحكي شيئا عن نفسي - يكفي ما أعرضها له من فوات الأجر بفوات الإخلاص والله المستعان - ..
    ولكني سأحكي قصة من السلف الصالح ...
    قصة عجيبة غريبة ..
    محفزة على الخير رائعة في بيان علو الإخلاص لوجه الله والبعد عن الرياء المُحبط للأجر !!!!..
    ثم سأعرض بعدها قصة رجل رحمه الله : من رجال هذا العصر الذي نعيشه اليوم !!..
    ليس بشيخ ولا علامة .. ولا حتى طالب علم ولا داعية إلى الله بنشر الدين والعلم أو الدفاع عنه - مثلما أرجو أن أكون - !
    هو رجل بسيط من رجال المسلمين ...
    عاش في صمت ..
    ومات في صمت ...
    ولكن في قصته عبرة - وأي عبرة !! - ..
    لن أطيل عليكم لأن القصتين فيهما بعض الطول ...
    ولكن صدقوني ..
    لن تملوهما ولن تنسوهما أبدا إن شاء الله ....
    ------------

    الأديب الأريب اللبيب (مصطفى صادق الرافعي) رحمه الله : قد أبدع في الجزء الثاني مِن كتابه (مِن وحي القلم) تقديم بعض القصص .. وقد استقطعت منها : (قصة الصياد والسمكة) لعدم الإطالة ولأنها هي المقصودة بما أتحدث فيه ... ولأنها مقتطعة عما قبلها فقد قمت بتغيير بعض تفاصيل الموقف الأخير من القصة ليكتمل المعنى وكأنها قائمة بذاتها .. يقول :

    الرقاقتان .. والحلوى ......
    قال (أحمد بن مسكين) (وهو بطل هذه القصة في بغداد) : ا ُمتحِنت بالفقر في سنة تسع عشرة ومائتين .. وانحسمت مادتي (أي أموالي) .. وقحط منزلي قحطا ًشديدا ً: جمع عليّ الحاجة والضر والمسكنة !.. حتى لو انكمشت الصحراء المُجدبة : فصغرت ثم صغرت : حتى ترجع أذرعا ًفي أذرع : لكانت هي داري يومئذٍ في محلة باب البصرة مِن بغداد !!..
    ---
    وجاء يومٌ صحراويٌ : كأنما طلعت شمسه مِن بين الرمل لا مِن بين السحب !!.. ومرت الشمس على داري في بغداد : مرورها على الورقة الجافة المُعلقة في الشجرة الخضراء ! فلم يكن عندنا شيءٌ يُسيغه حلق آدمي !.. إذ لم يكن في الدار إلا ترابها وحجارتها وأجذاعها !.. ولي امرأة ٌ: ولي منها طفلٌ صغير .. وقد طوينا على جوع : يخسف بالجوف خسفا ً كما تهبط الأرض !.. فلتمنيت حينئذٍ لو كنا جرذانا : فنقرض الخشب !.. وكان جوع الصبي : يزيد المرأة ألما ًإلى جوعها ! وكنت بهما : كالجائع بثلاثة بطون خاوية !..
    ---
    فقلت في نفسي : إذا لم نأكل الخشب والحجارة : فلنأكل بثمنها !.. وجمعت نيتي على بيع الدار : والتحول عنها .. وإن كان خروجي مِنه كالخروخ مِن جلدي : لا يُسمى إلا سلخا ًوموتا ً
    (لشدة تعلقه بداره) .. وبت ليلتي : وأنا كالمثخن (أي المجروح) حُمل مِن معركة ! فما يتقلب إلا على جراح : تعمل فيه عمل السيوف والأسنة التي عملت فيها !..
    ---
    ثم خرجت بغلس ٍلصلاة الصبح : والمسجد يكون في الأرض : ولكن السماء تكون فيه
    (كناية عن قرب الله تعالى مِن عباده في بيوته المساجد) فرأيتني عند نفسي : وكأني خرجت مِن الأرض ساعة (أي مِن همومه وأحزانه) !.. ولما قضيت الصلاة : رفع الناس أكفهم يدعون الله .. وجرى لساني بهذا الدعاء :
    " اللهم بك أعوذ أن يكون فقري : في ديني !.. أسألك النفع الذي يُصلحني بطاعتك !.. وأسألك بركة الرضا بقضائك !.. وأسألك القوة على الطاعة : والرضا يا أرحم الراحمين " !

    ---
    ثم جلست أتأمل شأني .. وأطلتُ الجلوسَ في المسجد : حتى إذا ارتفع الضحى وابيضت الشمس : جاءت حقيقة الحياة !.. فخرجت أتسبب
    (أي ألتمس الأسباب) لبيع الدار .. وانبعثت (أي انطلقت) : وما أدري أين أذهب ؟!.. فما سرت غير بعيد : حتى لقيني (أبو نصر الصياد) .. وكنت أعرفه قديما ً.. فقلت : يا أبا نصر ! أنا على بيع الدار .. فقد ساءت الحال .. وأحوجت الخصاصة (أي أحوجني الفقر لبيعها) ! فأقرضني شيئا ً: يُمسكني على يومي هذا بالقوام مِن العيش : حتى أبيع الدار وأوفيك ..
    ---
    فقال : يا سيدي !.. خذ هذا المِنديل إلى عيالك : وأنا على أثرك لاحقٌ بك إلى المنزل .. ثم ناولني منديلا ً: فيه رقاقتان بينهما حلوى !.. وقال : إنهما والله بركة الشيخ ... قلت: وما الشيخ وما القصة ؟...

    (وهنا : قد قمت بحذف قصة (أبو نصر الصياد) مع (بـِشر الحافي) رحمه الله : لعدم الإطالة كما أخبرتكم) ....
    ---
    قال (أحمد بن مسكين) : وكنت مِن الجوع بحيث لو أصبت رغيفا ً: لحسبته مائدة ًقد نزلت مِن السماء !..
    وأخذت الرقاقتين : ومضيت إلى دراي ....
    ---
    فلما كنت في الطريق : لقيتني امرأة ٌمعها صبيّ ! فنظرت المرأة إلى المنديل وقالت : يا سيدي ! هذا طفلٌ يتيمٌ جائع ٌ: ولا صبر له على الجوع ! فأطعمه شيئا ًيرحمك الله ! فوجدت الطفل وقد نظر إليّ نظرة ً: لا أنساها !.. حسبت فيها خشوع ألف عابد : يعبدون الله تعالى منقطعين
    عن الدنيا ! بل : ما أظن ألف عابدٍ يستطيعون أن يُخرجوا للناس نظرة ًواحدة : كالتي تكون في عين صبي يتيم جائع : يسأل الرحمة !.. إن شدة الهم : لتجعل وجوه الأطفال كوجوه القديسين في عين مَن يراها مِن الآباء والأمهات ! ربما لعجز هؤلاء الصغار عن الشر الآدمي ! ولانقطاعهم إلا مِن الله والقلب الإنساني !.. فيظهر وجه أحدهم وكأنه يصرخ بمعانيه يقول : يا رباه !.. يا رباه !..
    ---
    وخــُيلَ إليّ حينئذٍ : أن الجنة : قد نزلت إلى الأرض تعرض نفسها : على مَن يُـشبع هذا الطفل وأمه !.. والناس عُميٌ : لا يُبصرونها : وكأنهم يمرون بها في هذا الموطن : مرور الحمير بقصر الملك ! لو سألتهم عنه : لفضلت عليه الإصطبل الذي هي فيه !.... ولكني تذكرت امرأتي وابنها : وهما جائعان منذ الأمس !.. غير أني لم أجد لهما في قلبي : معنى الزوجة والولد ! بل : معنى هذه المرأة المحتاجة وطفلها ! فأسقطتهما عن قلبي : ودفعت ما في يديّ للمرأة وقلت لها : خذي وأطعمي ابنك .. ووالله : ما أملك بيضاء ولا صفراء : وإن في داري : لمَن هو أحوج إلى هذا الطعام !!.. ولولا هذه الخلة بي
    (أي ظروف فقري الآن) : لتقدمت إليك بما يُصلِحك !.. فدمعت عيناها .. وأشرق وجه الصبي بالبسمة .. ولكن : طمّ على قلبي ما أنا فيه .. فلم أجد لدمعتها معنى الدمعة ! ولا لبسمته معنى البسمة !...
    ---
    وقلت في نفسي : إذا صبرت أنا : فمَن لزوجتي وابني بمثل صبري واحتسابي الأجر مِن الله ؟ وكيف لي بهما ؟!.. ومشيت وأنا منكسرٌ منقبض .. وكانت الشمس قد انبسطت في السماء : وذلك وقت الضحى الأعلى .. فمِلت ناحية : وجلست إلى حائطٍ أ ُفكر في بيع الدار : ومَن الذي يبتاعها .. فأنا كذلك : إذ مرّ (أبو نصر الصياد) وكأنه مُستطار فرحا ً!.. فقال : يا (أبا محمد) : ما يُجلسك ههنا : وفي دارك الخير والغنى !.. قلت : سبحان الله !.. قال : إني لفي الطريق إلى منزلك : ومعي ضرورة القوت أخذتها لعيالك : ودراهم استدنتها لك : إذا رجل يستدل
    (أي يسأل) الناس على أبيك أو أحدٍ مِن أهله : ومعه أثقال وأحمال ! فقلت له : أنا أدلك .. ومشيت معه أسأله عن خبره وشأنه عند أبيك .. فقال :
    ---
    إنه تاجر مِن البصرة : وقد كان أبوك أودعه مالا ًمِن ثلاثين سنة ! فأفلس وانكسر المال : ثم ترك البصرة إلى خراسان .. فصلح أمره على التجارة هناك .. وأيسر بعد المحنة .. واستظهر بعد الخذلان .. وأقبل جَده بالثراء والغنى !.. فعاد إلى البصرة .. وأراد أن يتحلل
    (أي مِن الدين الذي استدانه مِن أبيك) فجاءك بالمال : وعليه ما كان يربحه في هذه الثلاثين سنة !.. ومع ذلك أيضا ًطرائف وهدايا !!!!..
    ---
    قال (أحمد بن مسكين) : وانقلبت إلى داري : فإذا مالٌ جم ٌ وحالٌ جميلة !.. فقلت : سبحان الله : فلو أن هذا الرجل لم يلق في وجهه
    (أبا نصر الصياد) في هذه الطريق : في هذا اليوم : في هذه الساعة : لما اهتدى إليّ !.. فقد كان أبي مغمورا ًلا يكاد يعرفه أحدٌ وهو حيّ : فكيف به ميتا ًمِن بعد عشرين سنة ؟!!..
    ---
    وآليت على نفسي : ليعلمن الله تعالى شكري لهذه النعمة .. فلم تكن لي هِمة : إلا البحث عن المرأة المحتاجة وابنها : فكفيتهما .. وأجريت عليهما رزقا ً
    (أي جعلت لهما مالا ً ثابتا ًكل حين) .. ثم اتجرت في المال : وجعلت أربه (أي أزيده) بالمعروف والصنيعة والإحسان : وهو مُقبلٌ : يزداد ولا ينقص : حتى تمولت وتأثلت ....

    ------------
    (( وإلى هنا : لم تنتهي القصة يا إخواني ! بل إن شئتم قولوا : ما تبقى مِن سطور ٍآتية : هو لبُ الحكاية فتابعوا ))
    ------------

    وكأني قد أعجبتني نفسي (أي لكثرة فعلي للخير والصدقات) وسرني أني قد ملأت سجلات الملائكة بحسناتي !.. ورجوت أن أكون : قد كـُـتبت عند الله في الصالحين !......
    ---
    فنِمت ليلة ً: فرأيتني في يوم القيامة
    (أي في رؤيا منامية) : والخلق يموج بعضهم في بعض !.. والهول : هول الكون الأعظم على الإنسان الضعيف يسأل : عن كل ما مسه مِن هذا الكون !.. وسمعت الصائح يقول : يا معشر بني آدم ! سجدت البهائم شكرا ًلله أنه لم يجعلها مِن آدم !.. ورأيت الناس وقد وسعت (أي كبرت في الحجم) أبدانهم : فهم يحملون أوزارهم (أي ذنوبهم) على ظهورهم : مخلوقة ًمُجسمة !.. حتى لكأن الفاسق على ظهره : مدينة ًكلها مُخزيات (والمُخزيات هي الأعمال الفاضحة) !..
    ---
    وقيل : وُضعت الموازين .. وجيء بي لوزن أعمالي !.. فجُعِلت سيئاتي في كفة : وأ ُلقيت سجلات حسناتي في الأخرى : فطاشت السجلات : ورجحت السيئات !!.. وكأنما وزنوا الجبل الصخري العظيم الضخم : بلفافةٍ مِن القطن !.. ثم جعلوا يُـلقون الحسنة بعد الحسنة مما كانت أصنعه : فإذا تحت كل حسنةٍ : شهوة ًخفية ًمِن شهوات النفس : كالرياء .. والغرور .. وحُب المحمدة عند الناس وغيرها ! فلم يسلم لي شيء !!.. وهلكت عني حُجتي : إذ الحُجة : هي ما يُبينه الميزان ! والميزان : لم يدل إلا على أني فارغ !
    ---
    وسمعت الصوت : ألم يبق له شيء ؟ فقيل : بقيَ هذا : وأنظر لأرى ما هذا الذي بقي ؟!..
    فإذا الرقاقتان اللتان أحسنت بهما على المرأة وابنها !...
    ---
    فأيقنت أني هالك ! إذ أني كنت أتصدق بمائة دينار مرة ً واحدة : فما أغنت عني !.. ورأيتها في الميزان مع غيرها : شيئا ًمعلقا ًكالغمام : حين يكون ساقطا ًبين السماء والأرض : لا هو في هذه !.. ولا هو في تلك !.. ووُضعت الرقاقتان .. وسمعت القائل يقول : لقد طار نصف ثوابهما في ميزان (أبي نصر الصياد) !... فانخذلتُ انخذالا ًشديدا ً
    (أي حزنا ًعلى ضياع نصف ثوابهما) : حتى لو كـُسرت إلى نصفين : لكان أخف عليّ وأهون !.........
    ---
    بيد أني نظرت : فرأيت كفة الحسنات قد نزلت منزلة ً: ورجحت بعض الرجحان !!!.. وسمعت الصوت : ألم يبق له شيء ؟!.. فقيل : بقي هذا .. وأنظر : ما هذا الذي بقي ؟!!.. فإذا جوع امرأتي وولدي في ذلك اليوم !.. وإذا هو شيءٌ يوضع في الميزان !.. وإذا هو ينزل بكفةٍ ويرتفع بالأخرى : حتى اعتدلتا بالسوية ! وثبت الميزان على ذلك : فكنت بين الهلاك والنجاة !!!...
    ---
    وأسمع الصوت : ألم يبق له شيء ؟!.. فقيل : بقي هذا : ونظرت :
    فإذا دموع تلك المرأة المسكينة : حين بكت مَن أثر المعروف في نفسها : ومِن إيثاري إياها وابنها على أهلي !
    ثم وضعوا غرغرة عينيها في الميزان : ففارت ! فطمت كأنها لـُجة : مِن تحت اللـُجة بحر !...
    وإذا بفرحة الطفل اليتيم وابتسامته : ترجح بالكفة بأكملها :
    لأنجو بفضل الله ورحمته !!!!!!!!!!!!!....


    ------------------------------

    وأما القصة الحقيقية التي عايشتها بنفسي منذ قرابة الست أو الخمس سنوات ... والتي لم تستمر أحداثها أكثر من شهر !!!..
    فإليكم هي (مع ترميز الأسماء ووضع عناوين لمحطات القصة الرئيسية) وقد أسميتها :

    لا .. لن تضيع !!!..

    ----------
    1)) على غير ميعاد ........

    (ش) و(ط) : جيران منذ أيام الطفولة .. نشأ كل مِنهما وترعرع بجوار الآخر .. وحتى طوال سنوات دراستهما معا ً: كانا رفيقا مقعد دراسة (تختة) واحدة !
    ---
    وظلا على هذا التجاور والخـُلة والصداقة : حتى مرحلةالشباب والتخرج مِن الجامعة .. حيث انتقل (ش) في بيت آخر : لا يبعد كثيرا ًعن بيته الأول بجوار (ط) ..... ولكن : بدأت مشاغل الحياة والعمل والزواج : تـُفرق بينهما ............. وكان وجودهما في مدينة واحدة صغيرة كمدينتنا : فرصة ً لأن يرى كلٌ مِنهما الآخر قــَدَرا ً: على فتراتٍ ليست ببعيدة ..
    ---
    كان (ط) : إنسانا ًمُميزا ًبحبه للمغامرة والتجارة : وبالفعل : كان دوما ً: أغنى فردٍ في رفقة الأصحاب هذه !!!........ بل امتلك سيارة ًفي وقتٍ مُبكر : لم يركب فيه أحد أصدقائه حتى موتوسيكلا ًصغيرا ً!.........
    ---
    كان إنسانا ًعاديا ًفي تدينه وعبادته (كملايين المسلمين مِن حولنا) .. ولكن : كان يتميز دوما ًبحبه لفعل الخير .. وخصوصا ًالمادي مِن صدقات ونحوها ....
    ---
    كان مِن أصغر إخوته الذكور .. ماتت أ ُمه وهو طفلٌ في السادسة مِن عمره .. وربما ذلك ما أعطاه ومنحه رقة ًفي قلبه : جعلت إخوانه الذكور يقولون عنه : إن ما في يده : لغيره وليس له !.. أو بالعامية : ( إللي في إيده : لغيره ) ! ولكن : سبحان مَن يُعطي ويَحرم .. فبرغم زواجه منذ عشر سنواتٍ كاملة : إلا أنه لم يحظى بطفل ٍصغير ..... سعى كثيرا ًهو وزوجته ولكن : بلا جدوى ....... واستسلما لأمر الله عز وجل ..........
    ---
    أصابته مِحنة مادية شديدة منذ عامين في البورصة المصرية وسوق العُملة (وهو عمله الأساسي) ... كان مِن آثارها السلبية : أن تنكر بعض إخوته لبعض حقوقه المالية عندهم .. فارتخت الروابط فيما بينهم قليلا ً........
    -----
    وأخيرا ً: أكرمه الله تعالى بولادة طفلة صغيرة : بلغت الآن (أي حين موته رحمه الله) : الثلاثة شهور ٍفقط !
    ---
    منذ شهر ٍتقريبا ًبالتمام والكمال : قابله (ش) قــَدرا ًفي الطريق .. لم يكن قد رآه منذ فترة طويلة تزيد على العام ونصف .. ويا للعجب : فلم يعرفه لأول وهلة !.. فالجسد الممتليء نضرة ًوشبابا ً(وهو في الرابعة والأربعين مِن العُمر تقريبا ً) : صار نحيفا ًهزيلا ًجدا ًبشكل مُريب !.. وابتسامة الصحة والراحة : حلت محلها كدرة التعب والإرهاق !... وعلى الفور سأله (ش) : ما لك ؟!...
    ---
    فأجابه (ط) أنه منذ ثلاثة عشر شهرا ً: وهو مُصاب بجرثومة في معدته (هكذا أخبروه) : تضيق معها قدرته على تناول الطعام !.. حتى أنه الآن : صار لا يتناول إلا السوائل كاللبن والينسون ونحوهما !.......
    -------

    2)) متاعب قبل الموت ...

    لم يرتح (ش) لهذا القول .. فلـ (ش) أختين : كلتيهما تعمل في حقل الطب بأزواجهما أيضا ً...... مما أعطه خبرة ًلا بأس بها في أمور أمراض الكبد والكلى والسرطان ونحوه ....... فخاف على صاحبه وخليله ورفيق دربه : أن يكون قد أصابه مرضٌ عُضالٌ وهو لا يدري !.. وعلى الفور : قام بترتيب موعد كشفٍ وفحص ٍطبي ٍلـ (ط) في أحد مستشفيات الجامعة بمدينتنا ..........
    وجاءت النتيجة المُفاجأة للأسف ..
    لقد أ ُصيب (ط) بورم سرطاني خبيث مِن الدرجة الثالثة : تضخم ليسد المعدة (حتى لم يتبق مِن مجرى الطعام فيها إلا مِثل الثقب الصغير) : كما امتد الورم أيضا ًليُصيب أجزاءً أخرى مِن البنكرياس والكبد والأمعاء !........
    ---
    لم يدر (ش) ماذا يفعل !..
    هل يُخبر (ط) بحقيقة مرضه ؟!!.. أم يُخفي عليه ذلك كما نصحته أخته الطبيبة التي قالت له : أن العامل النفسي في مثل هذه الحالات : له دورٌ كبير على تماسك الجسد واستجابته للعلاج !!!!!!!!!!!...
    ولكن :
    أي علاج !..........................
    لقد بلغ حجم الورم تقريبا ًما وزنه : واحد ونصف الكيلو في بطن (ط) المسكين !.............
    ---
    وبعد تفكير : قرر (ش) إخفاء الأمر تماما ًعن (ط) .. بل : وخاف (ش) حتى مِن أخبار أحد إخوة (ط) عن المرض : حتى لا يُزين لهم الشيطان سوءا ًبأخيهم وميراثه وحق زوجته وابنته في ماله ......
    باختصار :
    لم يُخبر (ش) أحدا ًأبدا ًمِن المعارف والأقارب بحقيقة مرض (ط) : ولا حتى رفاق الدرب الأصدقاء القدامى !!... وربما كان هذا خطأ ٌمِن (ش) : دفع ثمنه مِن التوبيخ والتبكيت بعد ذلك .. ولكن : غفر الله له : فلم يُرد إلا خيرا ً: وإلا خوفا ًعلى أموال (ط) مِن الاحتيال عليها : وخوفا ًأيضا ًعلى تفشي الخبر بين التجار : وانهيار سمعة (ط) في السوق كتاجر ..........
    -----
    وعلى الفور :
    قام (ش) سرا ًبالتعاون مع أخته وزوجها جزاهم الله خيرا ًبترتيب موعد عملية جراحية كبيرة : لأحد أشهر جراحي استئصال مثل هذه الأورام في القصر العيني بالقاهرة ..... (وبالطبع لولا المعرفة : لانتظر (ط) طويلا ًقبل إجراءها : ولكن : تقدير الله تعالى وتوقيته : لا مُعقب له كما سنرى)
    ----
    وبالفعل : دخل (ط) غرفة العمليات : وهو يظن أن الأمر : لا يتعدى إجراءً جراحيا ًعاديا ًلاستئصال هذه الجرثومة التي منعته الأكل تماما ً: والشرب بالكاد !.....
    ----
    استغرقت العملية ست ساعاتٍ كاملة : تم خلالها استئصال خلايا الورم وما جاورها بقدر الإمكان ........... كما تم استئصال الكثير مِن المعدة للأسف .. وأجزاءً مِن البنكرياس والكبد والأمعاء !....... خرج (ط) مِن العملية : وتم التكتيم على حقيقة الأمر : حتى الممرضات والأطباء المتابعين : تم إعطائهم الأوامر بعدم إخبار (ط) بأي شيء .............. وبالفعل : كانت الحالة المعنوية لـ (ط) مرتفعة .. إلا أنه بالطبع : تم حجزه لحين شفائه في المستشفى : حيث لم يكن له أن يأكل ولا يشرب إلا المحاليل الطبية : لمدة تقترب مِن الستة أيام ...........
    ----
    زارته زوجته وابنته الصغيرة .. وزاره إخوته .. وبرغم بُعد المدينة عن القاهرة : كان (ش) يتعهده بالزيارة أيضا ًرغم انشغاله الشديد ......... (ش) الذي لم ينس الجميع (إلى هذه اللحظة) أن يشكروه على اهتمامه وحُسن صنيعه مع (ط) .....
    ----
    ولكن فجأة : وبغير سبب ٍمعروف : علِمَ (ط) بحقيقة مرضه !.. ولم ندري : هل تسرب له الخبر مـمَن حوله مِن المستشفى ؟!.. أم أن إخوته هم الذين اكشفوا ذلك : لما لعب الشك في رؤوسهم لطول وغرابة حجم العملية والمرض والعلاج : والذين لا يتناسبون أبدا ًمع (جرثومة) في المعدة ؟!... لا ندري .. والمهم : أن حالة (ط) : بدأت تتدهور بشكل مُتسارع : نفسيا ًوجسديا ً... وقام بالاتصال بـ (ش) : ليُعاتبه في الهاتف ... وكانت لحظات قاسية ًجدا ًعلى (ش) : أن يسمع هذا الكلام مِن رفيق دربه (ط) ... لقد شعر فجأة :
    أنه تسبب في تسارع حياة أعز أصدقائه إليه نحو نهايتها !
    فلم يدر إلا وهو يبكي قائلا ًله : إن الأعمار بيد الله !.....
    ---
    وزاد الطين بلة أيضا ً: اتصالٌ بعد قليل ٍمِن أحد إخوة (ط) بـ (ش) : تم فيه كيل الاتهامات والتوبيخات كيلا ً!.. وللحق : فإن ما قاله أخو (ط) : شرعا ً: له جانب كبير مِن الصِحة !.. حيث كان أقل ما يجب هو : إخبار أحد أولياء المريض بحقيقة مرضه والعملية الجراحية .... حتى يتهيأ على الأقل لاحتمالية الوفاة : وما سيتبعها مِن حقوق معاملات تجارية مُعلقة أو ديون أو جرد تركة لميراثٍ ونحوه !............ ولكن : لم يدر (ش) أن كل ذلك صنيع الخير : سينقلب في وجهه هكذا في لحظة !.. ولم يجد له مخرجا ًمِن هذا العتاب القاسي والتوبيخ إلا أن قال لهذا الأخ :
    ولماذا لم تتحركوا أنتم وأخيكم منذ ثلاثة عشر شهرا ًتسوء حالته بهذا المرض : وأنتم لا تدرون ولا تتحركون ؟!...
    فسكت الأخ .. وانتهت المكالمة .......
    --------
    ولا داعي بعد ذلك (لعدم التطويل) في أن أقص عليكم : مدى المعاناة التي عاناها (ط) في تلك الأيام .. حيث أصر إخوته على منع زوجته عنه بحجج واهية (وأعتقد خوفا ً مِنهم أن يكتب لها أو لابنتها شيئا ً) ......... وأصروا على نقله إلى مدينته : بل : وإلى بيته : برغم عدم اكتمال نقاهته بعد !!.. وبالفعل : لم يلق العناية اللازمة مِن محاليل تغذية طبية ونحوه ..........
    (( وقمت أنا بالتدخل في تلك الأثناء :لمحاولة علاجه بأبوال وألبان الإبل : حتى قادني الأمر للاتصال بالطبيبة رئيسة فريق عمل سعودي من جدة عبر النت : ورغم أنها أعطتني بياناً بالجرعات : إلا أن القدر كان أسبق )) ..
    ----
    وأما (ط) :
    فقد شعر في قرارة نفسه أن مصيره : لم يكن ليبتعد كثيرا ًعما أصابه الآن : إن عاجلا ًأو آجلا ً........
    ----
    وأما (ش) : فلم يكف عن السؤال عنه والرغبة في زيارته .. ولكنهم للأسف : كانوا يُخبرونه دوما ًأن (ط) نائم !!!....
    حتى قرر (ش) أن يزوره في بيته فجأة .......
    -------
    3)) ما قبل الموت .. والموت .. وبعده ...

    هيكلا ًعظميا ً.. ذلك هو ما كان عليه (ط) حين زاره (ش) في بيته !.. وعلى الفور : هاج وماج : وطلب نقله للمستشفى على الفور .. وبالفعل : ذهبوا به إلى المستشفى الجامعي بمدينتنا لإنقاذ حياته مِن موتٍ مُحقق ......... ولكن حالته : كانت تستوجب نقله إلى القصر العيني مرة أخرى بالقاهرة : لمتابعة الطبيب الجراح لنفس الجرح : لأن التئامه بدأ ينهار لضعف أنسجته واهترائها لقلة الغذاء !
    ----
    تم نقله في سيارة خاصة إلى القاهرة .. وتم إجراء اللازم مِن إعادة خياطة الجرح .. وظل (ش) مُلازما ًله في غرفته وهو يتلو ويُكرر قول الله عز وجل :
    " يُحيي العِظام وهي رميم " يس 78 !!!!!!!!!!!!!!!!!!!...
    ---
    كان موقفا ًعصيبا ًحقا ًذاك الذي وَضعَ (ش) فيه نفسه !!...
    ----
    أفاق (ط) .. وبعد ساعات : بدأ يتحدث .. كان كثيرا ًما يطلب رؤية ابنته الرضيعة : ذات الثلاثة شهور لم تزل ........ ولكن اخوته كانوا يعمدون لابتعادها وأمها عنه تلك الفترة .. فكانوا يعدون زوجته في كل يوم ٍأن يسافروا بها في زيارةٍ له : ثم لا يتحقق الوعد بتهرب كل ٍمنهم : رغم كثرة الإخوان !!.....
    ---
    وفي إحدى المرات و(ش) جالسٌ بجواره : طلب مِنه (ط) أن يرقيه .. وبالفعل : وضع (ش) يده على رأس (ط) : ومضى في رقيته كما علمه أبوه رحمه الله ........ وفجأة : تناول (ط) يد (ش) ليُقبلها !.. واندهش الأخ الأكبر لـ (ط) مِن هذه الفعلة !.. في حين أصر (ط) على فعل ذلك وهو يقول لـ (ش) :
    لم أكن أعرف أن حياتي غالية ًعندك هكذا !................
    ----
    وأما في الليلة الأخيرة قبل وفاة (ط) رحمه الله : ليلة الخميس : فقد كانت علامات الصحة والعافية بادية على ملامح وجسد (ط) تماما ً!.. برغم أن وظائف الكبد والكلية عنده كانت في انهيار حاد !!!!!!!.... وأخذ (ش) يُفكر : أن هذه هي ربما استجابة الله تعالى لقوله : " يُحيي العظام وهي رميم " ! ولم يدر أن هذه هي صحوة الموت كما يقولن (إن كان يعرفها بعضكم) .........
    ---
    اعتدل (ط) في جلسته : وأخذ يتحدث مع (ش) : وبجواره الأخ المتوسط لـ (ط) وابنه معه .... وفي حديثه : طلب منهم أن يطلبوا له كوب (ينسون) !!.... فنظر أخوه إليه قائلا ً: أنهم لم يسمحوا له بعد بتناول أية طعام ٍولا شراب غير المحاليل .........
    وهنا :
    ابتسم (ط) ابتسامة عجيبة قائلا ً: أتظنون أني أحتاج هذه الشربة مِن (الينسون) ؟!.. فوالله :
    لقد أكلت أكلا ً: وشربت شربا ً: ما أكله ولا شربه أحدٌ قط في هذه الدنيا !......................
    وأخذ يصف أكلا ًوعصائرا ًغريبة : أصابت (ش) وأخاه وابنه بالذهول مما يحكي !!!!..
    وكل ما وقر في عقل (ش) ساعتها هو أن (ط) : قد أطعمه الله وسقاه في مرضه هذا !!!...
    وأما أخو (ط) : فقد ظن أن عقل أخيه قد جرى فيه شيئٌ !!..
    ---
    وفي تلك اللحظات من تلك الجلسة الأخيرة .. لم يتحسر فيها (ط) إلا على شيءٍ واحدٍ فقط : ألا وهو : رؤية ابنته التي لم يرها حتى الآن : منذ مجيئه هذه المرة !... حتى أن (ش) : قد همّ بأن يُسافر ليلا ًإلى مدينتهما : ليُحضر له زوجته وابنته رغم بُعد المسافة وتأخر الوقت ! ولكن :
    انفتح باب الغرفة فجأة ليدخل مِنه : زوجة (ط) وابنته !!..
    ---
    نعم .. لقد بادرت المرأة بالسفر وحدها وابنتها الصغيرة لرؤية زوجها !........ وتلقى (ط) زوجته وابنته في حنان ٍطاغ ٍأبكى العيون .. ونظر إلى ابنته النظرات الأخيرة في مزيج ٍمِن الفرح والقلق والترقب !..... وطلب (ش) أن يختلي (ط) بزوجته وابنته قليلا ًوحدهم ..........
    ---
    وبالفعل : انتهت الزيارة في تلك الليلة .. وفي صباح اليوم التالي (الجمعة) : فوجيء ابن أخي (ط) به : وهو يعتدل على سريره ناظرا ًإلى الفراغ قائلا ً: أمي .. أهلا ًبك !.. لقد انتظرت طويلا ًجدا ًحتى أرك ! لم تتغير صورتك التي في خيالي .. أفسح يا فلان للحاجة !
    ----
    ومات (ط) مِن يومه ....... !
    وتم نقله ليُدفن في مدينته بجوار قبر أمه .. وبعد الدفن : وجد (ش) نساءً (قريبا ًمِن خمسة أو ستة) : يبكين على (ط) !!. فاقترب منهن مُتعجبا ً: ليسألهن عن قرابتهن له ؟!.. فقلن لـ (ش) :
    إن (ط) : كان يفتح لنا بيوتنا في حياته : كلما جاء لزيارة قبر والدته كل شهر !!!!!!...
    وهنا : تذكر (ش) : كيف كان (ط) ومنذ شبابه : يتعاهد قبر والدته بالزيارة : ويتهرب مِن أي صُحبة :
    وحتى لا يطلع أحدٌ على حقيقة صدقة الخفاء التي كان يُخرجها !!....

    فرحم الله (ط) .. وهنيئا ًله اتصاره لنفسه وفعل الخير :
    فاللهم ألحقه وإيانا بالأنبياء والصالحين والصديقين والشهداء ..
    نحن ومَن نحب ....
    آميــــــن ..

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
    التعديل الأخير تم 05-08-2014 الساعة 12:33 PM

  13. #13

    افتراضي

    هذه المرة بإذن الله تعالى - وما زلت أعتب على الإخوة عدم المشاركة - أقول :
    هذه المرة سنأخذ جولة في اخلاق علماء ربانيين من هذا العصر ...
    كانوا عُبّادًا لله (بضم العين وتشديد وفتح الباء) : ومن قبل أن يكونوا علماء !!!..
    وكانوا علماءً مُتبصرين : من قبل أن يكونوا دعاة !!.. فتمثلوا بذلك قوله عز وجل :
    " قل هذه سبيلى أدعوا الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن‏ " ...

    وسأقص لكم بعض القصص والشهادات الواقعية ...
    وخصوصا الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله تعالى ......... بما فيها قصته مع اللص لنعرف أن ديننا دين دعوة وعلم وإصلاح ..
    وأنه لا يخلو مؤمن من ذنب .. سواء كان ذنبا مستورا .. أو ذنبا مفضوحا وبذلك لا يجب قطع الأمل عن مخطيء أو مذنب :
    ونسأل الله العافية والستر .. وما أرحمك يا رسول الله بأهل المعاصي ...

    فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- برجل قد شرب ، قال :" اضربوه ". قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. فلما انصرف قال بعض القوم : أخزاك الله . قال :" لا تقولوا هكذا ، لا تعينوا عليه الشيطان " .. رواه البخاري وغيره ..
    وفي لفظ آخر من حديث أبي هريرة : " قال رجل : ماله أخزاه الله ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم "

    وفي حديث آخر نحوه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " أن رجلاً كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان اسمه عبد الله، وكان يلقب حماراً، وكان يضّحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم : اللهم العنه ، ما أكثر ما يؤتى به ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : " لا تلعنوه ، فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله " ..
    صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب الضرب بالجريد والنعال، وباب ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج من الملّة.
    وأترككم مع النقل لنعرف أن في الخلف خيرا ورثوه عن السلف : والكل يقتبس من قبس النبوة وميراثها !!
    ------------------

    ولكن قبل أن أستعرض الحديث عن الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله : أود ذكر موقف من مواقف أحد طلبة علمه والذي صار من المُشار إليهم بالبنان اليوم ألا وهو الشيخ السعودي : محمد بن صالح المنجد حفظه الله (المشرف العام على موقع الإسلام سؤال وجواب - والإمام في مدينة الخبر بمسجد عمر بن عبدالعزيز بالعقربية المنطقة الشرقية - وصاحب المقالات والبرامج الدعوية الكثيرة ما شاء الله) ..

    ذلك الشيخ الذي من شدة غيظ الليبراليين والعلمانيين منه أثاروا ضده إعلاميا وبين السفهاء والبسطاء والعوام أنه (((يفتي))) بقتل ميكي ماوس (شخصية الفأر ميكي الشهيرة لوالت ديزني الأمريكية) رغم قوله وتبيانه :
    " ميكي ماوس ليس له دم حتى يهدر..لم يصدر عني بيان أو فتوى خاصة بقتل ميكي ماوس..واضح من كلامي عن حكم الشريعة بقتل الفئران أن المقصود (الماوس) وليس (ميكي) " !!
    وهو يشير لحديث النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الفأر وهو أحد الفويسقات الخمس ..

    المهم : هذا الشيخ الذي أقام الإعلام الدنيا عليه بسبب فتوى مكذوبة لقتل شخصية كارتونية - من فرط تفاهتهم - :
    لم يشر أحد هذه القنوات المأجورة لتشويه الإسلام والدعاة العاملين إلى موقفه مؤخرا في عفوه عن قاتل ابنه ((البكر)) طعنا في مدينة الخبر !
    فهل هذا الخبر لم يكن يستحق الوقفة بالفعل أمامه والتأمل ؟!!!..
    لقد قتل ابنه البكر ((ومعروف مدى تعلق الوالدين بالبكر)) : ثم هو يعطي درسا من فوق منبره يوم الأربعاء عن الصبر والاحتساب :
    ثم يدفنه يوم الخميس ويصلي عليه !!!..
    http://www.islammemo.cc/akhbar/local...17/198378.html

    يقول في أسباب عفوه عن قاتل ولده (من تغرديداته في تويتر) :

    إن الجزاء من جنس العمل كما في قوله تعالى {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}، {وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

    “قال أنس بن مالك: “مارأيت النبيَّ رُفِعَ إليه شيءٌ فيه قِصاص إلاَّ أمرَ فيه بالعَفْو”، وقال ابن عباس: مَن ترك القَصاص وأصلحَ بينه وبين الظالم بالعفو؛ (فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) أي: إنَّ الله يأجره على ذلك”.

    قوله تعالى: “(فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) أي: من تصدَّق بالقصاص فهو كفَّارة للمتصدِّق ووليّ القتيل، كما قال بعض السلف،

    وقوله {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} يشمل العفو في القصاص فلا يضيع ذلك عنده يجزيه أجرا عظيما وثوابا كثيرا حيث أضاف الأجر إلى نفسه سبحانه”.

    حديث “مَن ترك القَصاص وأصلحَ بينه وبين الظالم بالعفو ؛ (فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) أي: إنَّ الله يأجره على ذلك، وكذلك “لا يعفو عبدٌ عن مظلمة إلا زاده الله بها عزًّا يوم القيامة” فإذا عفا وليّ القتيل عن القاتل فأجرُه على الله وعِزَّته في الآخرة”.

    “كان حكم الله في التوراة قتل قاتل العمد، لا يعفى عنه، ولايؤخذ منه دية، فرخص الله لأمة محمد،إن شاء ولي المقتول قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية”.


    والآن أنقل لكم أقوال شيوخ اليوم (وأولهم الشيخ محمد بن صالح المنجد) في الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله :
    منقولة من (مواقف مضيئة في حياة الامام عبد العزيز بن باز رحمه الله) ::::: اعداد حمود بن عبد الله المطر :

    قال الشيخ محمد بن صالح المنجد:
    كان الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى يهتم بطلابه و لما درس فضيلته في الخرج طلب لطلابه سكنا و مكافات وعقد لهم الدروس و الحلق بعد الفجر و بعد الظهر وبعد العصر وبين المغرب و العشاء و يذكر عنه بعض طلابه الذين كانوا يقراون عليه تفسير ابن كثير بين المغرب والعشاء انه كان يتاثر ويبكي و ربما يطول الدرس بسبب تاثره – رحمه الله - دون ان ينتبه فاذا انتبه اكمل لهم الدرس و تقام صلاة العشاء و كان يناقش طلابه و خصوصا في درس المواريث و يتفقد احوالهم و يقضي حاجاتهم و يخرج معهم الى البر و لا ينسى اقامة الرياضات البدنية لهم مثل رياضة العدو و المسابقة على الاقدام و قد وردت السنة بهذا كما في حديث عائشة و سلمة بن الاكوع .

    قال الشيخ راشد بن عثمان الزهراني :
    احد الطلبة سال الشيخ – رحمه الله – عن تقديم قول الصحابي او التابعي على قول النبي صلى الله عليه وسلم فغضب الشيخ من هذا الكلام و كان الشيخ يضرب بيده على راس الطالب ويقول يا فلان لا بد ان تضع سنة النبي صلى الله عليه وسلم على راسك ثم بعد فترة استدعى سماحة الشيخ ذلك الشخص و قال له لا بد ان تحللنا فاني لم اقل ذلك الا من باب الحرص على اقامة سنة النبي صلى الله عليه وسلم .

    قال فهد البكران :
    عندما يقف احد الطلبة محتجا بدليل معين او راي لاحد العلماء يخالف فيه منهج الشيخ رحمه الله تعالى فان سماحته يرحمه الله يوضح له الدليل الصحيح من الكتاب والسنة و ما استطاع ان يستجمع من حجة و دليل على صحة موقفه ... فان استمر ذلك المناقش في الاستمساك برايه فان سماحته – يرحمه الله – ينصرف عنه بوجهه رافعا سبابته لاهجا بالدعاء و الذكر والتسبيح حتى يتوقف ذلك المجادل عن مجادلته ثم يستانف الدرس .

    قال عمر بن محمد سعيد :
    قبل خمسة عشر عاما ... كنا نقوم لصلاة الفجر على صوت عصاه قبل صوت الاذان و كان يحرص على ان يطرق ابواب الجيران الذين كانوا على طريقه الى المسجد .

    قال د . سعود بن حسن المختار :
    كان – رحمه الله – نموذجا للبساطة و كنا لربما اتيناه في مسجده في الطائف حيث كنا نصطاف هناك في الاجازة فنفاجأ ان الامام الذي يصلي به شخص عامي بل وقد يقرا من المصحف مع ان الشيخ يحفظ القران بسنده الى الرسول صلى الله عليه وسلم .

    قال عبد الله بن محمد المعتار :
    دخل عليه رجل غضبان وهو يرعد ويزبد فما كان من الشيخ إلا ان هدأه و مسح على راسه و اخذ يقول له سبح سبح اذكر الله استعذ بالله من الشيطان حتى هدأه واعطاه حاجته .

    قال شاهين سائق سماحة الشيخ
    من مواقفه معي انني تأخرت حوالي ثلاث مرات عن النزول للسيارة لايصال الشيخ لصلاة الفجر و قد كان في كل مرة يبتسم و لم يقل لي أي كلمة عن هذا التاخر بالرغم انه كان يقف قبلي عند السيارة هكذا كان حاله يرحمه الله مع كافة العاملين حيث لم يتذمر من أي شخص كان .

    قال محمد المجذوب :
    ومع ان الشيخ يعطي كل زائر و مراجع حقه المناسب من مجلسه واقباله فالملاحظ ان له عناية خاصة بالفقراء و الضعفاء , حتى لقد رايت منهم من تأخذه نشوة الاعتزاز بما يجده من انبساطه إليه و اهتمامه بشئونه الخاصة كأنه واحد من اقرب الناس إليه .

    وأترككم الآن مع قصته واللص الذي تسور بيته ليسرقه ...
    وهي قصة شهيرة هنا في السعودية ومتداولة على النت حيث نقلتها إليكم ويقول صاحبها :
    -----------------------------------

    عندما كنت معتكفا في بيت الله الحرام بالعشر الأواخر من رمضان وبعد صلاة الفجر نحضر كل يوم درس للشيخ ابن عثيمين رحمه الله وسأل احد الطلاب الشيخ عن مسألة فيها شبهة وعن رأي ابن باز فيها فأجاب الشيخ السائل وأثنى على الشيخ ابن باز رحمهما الله جميعا..

    وبينما كنت استمع للدرس فإذا رجل بجانبي في أواخر الثلاثينات تقريبا عيناه تذرفان الدمع بشكل غزير وارتفع صوت نشيجة حتى أحس به الطلاب..
    وعندما فرغ الشيخ ابن عثيمين من درسه وانفض المجلس ونظرت للشاب الذي كان بجواري يبكي فإذا هو في حاله حزينة ومعه المصحف فأقتربت منه اكثر ودفعني فضولي فسألته بعد أن سلمت عليه كيف حالك أخي.. مايبكيك؟
    فأجاب بلغة مكسرة نوعا ما: جزاك الله خيرا.. وعاودت سؤاله مرة أخرى ما يبكيك أخي؟!
    فقال بنبرة حزينة: لا.. لاشي انما تذكرت ابن باز فبكيت..

    واتضح لي من حديثه انه من دولة باكستان أو افغانستان وكان يرتدي الزي السعودي..
    وأردف قائلاً كانت لي مع الشيخ قصة..
    وهي أنني كنت قبل عشر سنوات أعمل حارسا في احد مصانع البلك بمدينة الطائف وجاءتني رسالة من باكستان بأن والدتي في حالة خطره ويلزم اجراء عملية لزرع كلية لها وتكلفةالعملية 7000 الآف ريال سعودي..
    ولم يكن عندي سوى ألف ريال ولم أجد يعطيني مالا فطلبت من المصنع سلفة ورفضوا..
    فقالوا لي أن والدتي الآن في حال خطرة واذا لم تجري العملية خلال اسبوع ربما تموت..
    وحالتها في تدهور وكنت أبكي طوال اليوم فهذه أمي التي ربتني وسهرت علي..

    وأمام هذا الظرف القاسي قررت القفز بأحد المنازل المجاورة للمصنع الساعة الثانية ليلا.. وبعد قفزي لسور المنزل بلحظات لم أشعر إلا برجال الشرطة يمسكون بي ويرمون بي بسيارتهم وأظلمت الدنيا بعدها في عيني..
    وفجأة وقبل صلاةالفجر اذا برجال الشرطة يرجعونني لنفس المنزل الذي كنت أنوي سرقة اسطوانات الغاز منه..
    وأدخلوني للمجلس ثم انصرف رجال الشرطة فإذا بأحد الشباب يقدم لي طعاماً.. وقال كل بسم الله..
    ولم أصدق ما أنا فيه..

    وعندما أذن الفجر قالوا لي توضأ للصلاة وكنت وقتها بالمجلس خائفا اترقب..
    فإذا برجل كبير السن يقوده احد الشباب يدخل علي بالمجلس وكان يرتدي بشتاً وأمسك بيدي وسلم علي قائلاً: هل أكلت؟
    قلت له: نعم..
    وأمسك بيدي اليمنى وأخذني معه للمسجد وصلينا الفجر وبعدها رأيت الرجل المسن الذي امسك بيدي يجلس على كرسي بمقدمة المسجد والتف حوله المصلين وكثير من الطلاب فأخذ الشيخ يتكلم ويحدث عليهم ووضعت يدي على رأسي من الخجل والخوف!!

    يا آآآآالله ماذا فعلت؟ سرقت منزل الشيخ ابن باز وكنت أعرفه بأسمه فقد كان مشهورا عندنا بباكستان..
    وعند فراغ الشيخ من الدرس أخذوني للمنزل مرة أخرى..

    وأمسك الشيخ بيدي وتناولنا الأفطار بحضور كثيرمن الشباب وأجلسني الشيخ بجواره..
    وأثناء الأكل.. قال لي: الشيخ ما اسمك؟
    قلت له: مرتضى..
    قال لي: لم سرقت؟
    فأخبرته بالقصة..
    فقال: حسنا سنعطيك 9000 الآف ريال..
    قلت له المطلوب 7000 الاف!!
    قال: الباقي مصروف لك.. ولكن لا تعاود السرقة مرة اخرى يا ولدي..

    فأخذت المال وشكرته ودعوت له..
    وسافرت لباكستان وأجرت والدتي العملية وتعافت بحمد الله..
    وعدت بعد خمسة اشهر للسعودية وتوجهت للرياض ابحث عن الشيخ وذهبت اليه بمنزله فعرفته بنفسي وعرفني وسألني عن والدتي وأعطيته مبلغ 1500 ريال..
    قال ما هذا؟!
    قلت: الباقي..

    فقال: هو لك..
    وقلت للشيخ: ياشيخ لي طلب عندك؟
    فقال: ما هو يا ولدي؟
    قلت: أريدك أن أعمل عندك خادما أو أي شيء ارجوك ياشيخ لا ترد طلبي حفظك الله..

    فقال: حسنا..
    وبالفعل أصبحت أعمل بمنزل الشيخ حتى وفاته رحمه الله..
    وقد أخبرني أحد الشباب المقربين من الشيخ عن قصتي قائلاً:
    اتعرف انك عندما قفزت للمنزل كان الشيخ يصلي الليل وسمع صوتا في الحوش وضغط على الجرس الذي يستخدمة الشيخ لإيقاظ أهل بيته للصلوات المفروضة فقط..
    فأستيقضوا جميعا واستغربوا ذلك وأخبرهم أنه سمع صوتا فأبلغوا أحد الحراس واتصل على الشرطة وحضروا على الفور وأمسكوا بك..

    وعندما علم الشيخ بذلك.. قال: ما الخبر؟!
    قالو له: لص حاول السرقة.. وذهبوا به للشرطة..
    فقال الشيخ وهوغاضب: لا لا هاتوه "أحضروه" من الشرطة ؟ أكيد ما سرق إلا هو محتاج..
    ثم حدث ما صار في القصة..


    وهنا أقول :
    الشيخ ابن باز كان ضريرا أو أعمى رحمه الله ...
    ولكنه كان يملك بصيرة أمضى من بصر الآلاف والله !!!.. وخاصة من مدعي العلم والدين والورع !!!..

    سمعت شيخا في إحدى المرات يحكي عن موت الشيخ ابن باز رحمه الله :
    أنه بعد موته بشهور قليلة بدأت تتوافد على محله رسائل من بقاع شتى في العالم من أناس بسطاء لا يتابعون حتى التلفاز أو الصحف تسأل عنه ؟
    ولماذا انقطع المال الذي كان يرسله إليهم !

    وسمعت شيخا آخرا يحكي عن داعية من بلاد بعيدة (الهند أو باكستان على ما أذكر) :
    ثم يكتشف أنه مُقعد مشلول !!!!.. واكتشافه جاء قدرا عن غير قصد ...

    الصراحة كنت أحكي مثل هذه القصص من سنوات شبابي أيام كنت ألقي بعض الوعظ الخفيف في مسجد مجاور لبيتي :
    ولكني لم أكن متأكدا مائة بالمئة من صحتها بهذه الصورة ...

    ولكن رأيت مثلها هنا في السعودية مرتين ...
    مرة في الرياض منذ أكثر من 6 سنوات تقريبا .. ومرة في جدة منذ سنتين ...
    --------------------

    الأولى في الرياض :
    كنت أصلي في مسجد كبير بجوار المنزل : وكنت أرى شابا يمشي بطريقة مختلة عافانا الله .. وحتى طريقة نطقه للكلام كانت غير طبيعية .. وقد سلم علي مرتين أو ثلاث طوال شهور .. ولذلك لم أكن أنتبه له كثيرا .. ولكني كنت أظنه به مرض في عقله أو مختل في عقله ولو قليلا ...

    وحدث في أحد الأيام - ولأني مكتوب علي عداء مع شراء سيارة - : كنت اشتريت طعام غداء جاهز ومشيت به مسافة كبيرة إلى بيتي في وقت الظهيرة الشديد .. فوجدته وقد وقف بسيارته بجواري ومعه ابنته الصغيرة ليسلم علي ويعرض علي الركوب معه لتوصيلي حيث أريد .. كل ذلك بطريقته الغريبة في الكلام والحركة .. والحقيقة كنت سأرهب منه لولا أني رأيت ابنته معه ورأيته يسوق سيارة ... ولكني كنت اقتربت بالفعل من البيت (حوالي 200 أو 300 متر) فشكرته وأخبرته أن بيتي عند كذا وكذا وقد صار قريبا : فرفض إلا أن أركب معه .. فركبت ...
    ودار بيننا حديث سريع لم ينتهي بتوصيلي وتوقفه بالسيارة .. حيث أخبرته أني أحيانا أقوم بتوزيع مجلة دعوية للمؤسسة التي أعمل بها : حيث أضع أعداد كبيرة منها في صلوات الجمع في المساجد وفي الأعياد ..
    فإذ به يخبرني انه يكتب كتيبات دعوية (أو بمعنى أدق : يُمليها ويكتبها غيره لأنه لا يستطيع التحكم في أعصاب أصابعه !) : وأنه تطبعها نفس المؤسسة التي أعمل بها !!!..
    ثم أعطاني منها حوالي 30 كتيب !!!!!!..


    فأحرجني من يومها واستصغرت نفسي وكل ما أكتبه كثيرا !!!!!!!!!!!!!!!!...
    والله المستعان ..
    -------------------------

    الموقف الثاني في جدة ...
    وهو لأحد الإخوة الكتاب هنا في المنتدى .. ولا أقول إلا وفقه الله حيثما كان وأينما كتب ...
    فكل ما كتبه قد كتبه وهو في أشد حالات مرضه - بدون ذكر التفاصيل - ولكن حاله تحسن الآن إلى حد معتبر والحمد لله ..
    يعني سنوات كان يكتب والكتابة غير متيسرة له ..
    ولكنه عون الله !!..
    وأجر الله ..

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    الدولة
    بين المسلمين
    المشاركات
    2,906
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    منذ ما يزيد على الشهر كان من جدتي أن عادت من السوق . بعد أن أدخلنا الأغراض انتبهت إلى فقدان كيس بينها فعلمت أنها نسيته في سيارة السائق . قلنا خيراً إن شاء الله لعل الله يعوضنا بخير . و في اليوم التالي حضر الرجل بالكيس رغم أنه على الأرجح لم يقرب هذا المكان إلا مرة واحدة بالأمس . لم يرض أن يأخذ حراماً أو يتقاعس عن رد حقوق الناس إليهم بل فعل خيراً فجزاه الله خيراً .

  15. #15

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مسلم أسود مشاهدة المشاركة
    منذ ما يزيد على الشهر كان من جدتي أن عادت من السوق . بعد أن أدخلنا الأغراض انتبهت إلى فقدان كيس بينها فعلمت أنها نسيته في سيارة السائق . قلنا خيراً إن شاء الله لعل الله يعوضنا بخير . و في اليوم التالي حضر الرجل بالكيس رغم أنه على الأرجح لم يقرب هذا المكان إلا مرة واحدة بالأمس . لم يرض أن يأخذ حراماً أو يتقاعس عن رد حقوق الناس إليهم بل فعل خيراً فجزاه الله خيراً .
    بارك الله فيك أخي الحبيب على هذه اللفتة الطيبة ..
    والأمانة بالفعل خلق عظيم في ديننا .. وهي من أقوى الخصائص المبينة لمعدن الإنسان وصدقه ..
    ولذلك هي من أخص خصائص الأنبياء والرسل ولاسيما أولي العزم منهم .. وقد وصف موسى عليه السلام به من إحدى ابنتي الرجل الصالح .. وقد وصف به كذلك نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم من قومه .. فلازموا بينه وبين الصدق بقولهم : ((الصادق الأمين)) وعلى هذا جرى نعته في البشارات أيضا ..

    وتحضرني هنا قصة قصيرة جدا في عجالة لانصرافي الآن من العمل .. وقد حدثت منذ شهور تقريبا ..

    وهي بخصوص أحد الشباب الملتزم ولكن ينقصه العلم الشرعي .. وهو على خلق ودين وتقوى ولا ازكيه على الله ..
    تعرف عليّ في الفيسبوك : ومن ثم كانت كل حواراتنا ودردشتنا هناك ..
    وحدث ان حكى لي في مرة عن عجيب صنع الله معه .. فسألته وما ذاك ؟؟ فقال :
    أن هناك طريقا وعرا وغير معبد في قريته .. يخشاه الناس ليلا .. ولا يسيرون فيه نهارا إلا لحاجة شديدة ...
    وأما هو : فكان كلما سار فيه : وجد مبلغا من المال !!!..
    وأن هذا المبلغ كان قليلا في البداية .. ولكنه في آخر مرة بلغ عددا من مئات الجنيهات (لا أتذكر 300 أو 400 لا أعرف)

    فقلت له : وهل يجوز أن تأخذ مالا وجدته لتنتفع به : بدون أن تعرفه في منطقتك لعل صاحبه يأتيك ؟؟؟
    ألا تعرف احكام الفقه في شيء كهذا وما قاله رسولنا الكريم ؟؟
    فانتبه الشاب وسألني : ماذا أفعل ؟ انصحني ...
    فقلت له : على الأقل قم بكتابة ورقة على الكمبيوتر ثم اطبع منها ولو 3 أو 4 نسخ :
    وعلق منها نسخة في أماكن ظاهرة عن وجود مبلغ من المال عندك وعلى من ضاع منه وعرف صفاته أن يأتيك ..
    ولا تنسى تعليق ورقة على مدخل هذا الطريق الوعر غير المعبد ..

    فشكرني واعتذر واستغفر الله ...

    وأما الذي أسعدني حقا ...
    فهو أنه بعدها بأسابيع - وكنت قد نسيت الموضوع تماما - : وجدته راسلني بان هناك شخص فعلا جاءه وعرف المبلغ بدقة وأخذه !!


    والحمد لله (تخيل لو أن أحدنا مكان هذا الذي ضاع منه ماله ؟؟ وكان في حاجة إليه لدفع إيجار أو دين أو ثمن دواء أو حتى قوت لأهله أو راتبه !!)
    وسبحان الله ...

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الدولة الصفوية قديمًا وحديثًا
    بواسطة أبو فراس السليماني في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-19-2013, 07:24 PM
  2. من صمم المصمم
    بواسطة noname في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 02-17-2012, 07:38 PM
  3. برنامج حقيبة المسلم لكل ما يهم المسلم
    بواسطة click0711 في المنتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-18-2010, 03:26 PM
  4. أخلاقيات الحوار (((((((((((((( وآدابه ))))))))))))))))
    بواسطة memainzin في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-11-2009, 12:42 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء