أولا قيام الحجة شرط للعقاب والثواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الله تعالى لا يعذب أحداً حتى تقوم عليه الحجة كما قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]. ومعنى قيام الحجة هو بلوغ الإسلام إلى الشخص وتمكنه من العلم به، كما قال ابن القيم: فإن حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسل وإنزال الكتب وبلوغ ذلك إليه وتمكنه من العلم به سواء علم أو جهل، فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه فقصر عنه ولم يعرفه، فقد قامت عليه الحجة، والله سبحانه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه. انتهى من مدارج السالكين. ومما تجدر الإشارة إليه أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأشخاص كما قال ابن القيم: إن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له. فإذا قامت الحجة الرسالية على الشخص فلم يسلم ثم مات كافراً فهو من أهل النار خالداً مخلداً فيها، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ* خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ [البقرة:161-162].
وهذا حكم الله عز وجل لا مبدل لحكمه ولا يشرك في حكمه أحدا وسواء أعجب حكم الله عز وجل الملحد الكافر أو لم يعحبه فانه حر في اختياره الذي سيبني عليه حياته ومصيره.
فمهما تفلسفنا حول حكم الله عز وجل فان ذلك أمر واقع.
قل لذلك الكافر صاحب السؤال
يجب عليك أن تفرق بين كون الحديد صلبا كحقيقة قائمة وأمر واقع وبين كونك تحب أو تكره ذلك
لذلك قد تتفلسف أيها الملحد حول أحكام الله عز وجل ولكنها في النهاية أمر واقع.
فالأولى اعادة النظر في أدلة صدق رسالة الاسلام - أيها الكافر- فان ثبتت الحجة الدامغة فماذا سيفيد الهراء والفلسفة بعد ذلك.
نستفيد مما سبق ما يلي
1 أن الله عز وجل لا يعذب الا من قامت عليه الحجة
2 أن عذاب الله واقع ليس له دافع.
3 عدم رضا الكافر بالحساب ويوم القيامة لا يمنع وقوعهما.
4 صدق رسالات الأنبياء هو محل نظر العقل وما تتضمنه من أحكام أمر واقع.
ثانيا مغالطة صاحب السؤال حول مفهوم الايمان
من شروط لا اله الا الله العلم بمعناها والعمل بمقتضاها وتجنب ما ينقضها وينافيها.
وعلى هذا الأساس فان الايمان بالله بالتوحيد هو محرك للعمل الصالح وتجنب الفساد في الأرض والظلم والتعدي والبغي
وليس مجرد شعور أو فكرة تعن على خاطر بشر كما حاول أن يغالط صاحب السؤال
فالاعتقاد بأن الشمس ساطعة أو داكنة ليس له أي استلزمات على مستوى العقيدة والسلوك ونوع العمل الذي يقدم عليه الانسان...
فكون الشمس ساطعة أو داكنة لن يردعني على أن أهين والدي وألوي ذراعه الشريفة أو أضعه في دار العجزة ولا أعود لزيارته أبدا حتى يموت
بينما التوحيد والايمان بالله وصفاته يجعلني أعدل من سلوكي واستجيب لنداء الفطرة الطبيعي في حب والدي واكرامه
ويجعلني أمتنع عن مسك رشوة تحل جميع مشاكلي المادية مقابل اتهام شخص بريء
الايمان بالله كلما زاد وتمكن من القلب كلما جعل الانسان يضحي بمصلحته الشخصية في سبيل فرد آخر أو في سبيل المحموع.
أما بالنسبة للملحد فما هو الدافع المادي الذي يجعله يمتنع عن مسك رشوة تحل أزمته المادية مقابل الشهادة ضد بريء..
وهو يعتقد أن ذلك البريء جسم مادي لا روح فيه مثل التلفاز أو السيارة
وما هو الدافع المادي الذي يجعله ينفق مرتبه على مرض والدته المزمن ويصبر ويصابر على الخلافات بينها وبين زوجته
بدل وضعها في ملجأ للعجزة ويحقق مصلحته الشخصية
وما علاقة هذا السلوك بكون الشمس ساطعة أو داكنة الذي حاول صاحب السؤال المقارنة بينه وبين التوحيد.
ثالثا قيام الكافر بفعل عمل خير مدفوع بالرومانسية وليس بالالتزام الأخلاقي
صاحب السؤال يعرض علينا شخصا قامت عليه الحجة وصدق رسالات الأنبياء وقرر أن يضرب بالرسالة عرض الحائط ويختار الكفر بالله وتكذيب رسالاته
وأضاف صاحب السؤال أنه كافر طيب يفعل الخير...
كيف يمكن أن تجتمع الطيبة مع الكفر بالخالق جل وعلا وتكذيب رسله بعد قيام الحجة
ما يجب معرفته أن الأخلاق كلها لا توجد فيها فائدة مادية بل هي وقوف الشخص ضد مصلحته الشخصية من أجل مصلحة شخص آخر أو مصلحة المجموع
والملحد الذي يعتقد أن الانسان عبارة عن كتلة مادية صلبة لا روح فيها جاءت للوجود عن طريق الصدف و الصراع الدامي مع باقي الأنواع الأخرى من الحيوانات التي تغلب فيها الانسان
لا يبقى لمن يحمل هاته العقيدة أي مبررللقيمة الأخلاقية فالحياة صراع والبقاء فيها للقوة.
كما يجب التفريق بين الالتزام بفعل الخير النابع من التوحيد وبين الرومانسية التي تجعل شخصا ما في موضع ما يكذب ما ثبت له أنه الحق ويتكبر على ربه الذي خالقه وفي موضع آخر يعطي خبزا لفقير
أو تجعل شخصا ما لطيفا مع الناس ويذل والده في البيت
وتجعل شخصا ما يتصدق على الفقراء ثم يمنح مخرج غائطه متعة لكافر مثله...
أو مثل البروفيسورة لطيفة المعشر الظريفة مع زملائها التي كانت تكوي رضيعها رفقة زوجها بالسجائر ويضحكان بصوت عال...
السلوك الرومانسي عند الملحد هو سلوك متناقض وليس التزاما أخلاقيا بفعل الخير ...
اطعامه لفقير مجرد سلوك أرضى به شعورا رومانسيا نتيجة الشعور بالشفقة الفطري الذي فطر الله الأنفس عليه وليس عملا أخلاقيا كاملا والدليل أنه لوى ذراع أبيه في البيت وكوى رضيعا فلذة كبده وكذب بالحق لما قام الدليل عليه...وقد يقدم على ابادة شعب كامل بسبب هاته الرومانسية.
فعل الخير بسبب دافع رومانسي مجرد ارضاء لأنانية الملحد ذاته ومشاعره الذاتية ازاء موقف محدد .
ملاحظة ورد في جريدة الشروق اليومي الجزائرية أن بروفيسورة في جامعة بريطانية مثال للأخلاق والتفاني وحلوة المعشر بشهادة زملائها قد قبضت عليها الشرطة رفقة زوجها حيث كان يحتسيان الخمر ويقومان بكي ابنهما الرضيع بأعقاب السجائر حتى توفي...وقد استغرب زملائها الحادثة لأنها كانت لطيفة.
Bookmarks