أقول :
خلق الله تعالى الكون على ميزان دقيق من التقدير والإحكام والقوانين التي تضبط كل شيء - يقول تعالى :
" إنا كل شيء خلقناه بقدر "
" والسماء رفعها ووضع الميزان "
فبالنسبة لنا نحن : فإنا لا نملك تغيير هذه القوانين والسنن الكونية - وذلك العجز = أنها (مستحيل فيزيائي) بالنسبة لنا - فالماء مثلا يغلي عند درجة حرارة كذا وضغط كذا - ولا يمكننا عند نفس ثبات الظروف والضغط مثلا أن نغير درجة غليان الماء !!! وذلك لأنها مما استودعه الله تعالى فيه قانونا وسنة من سنن الكون
ولكن ...........
(المستحيل الفيزيائي) يقدر الله تعالى على تحقيقه وحده إذا شاء - أو ما نسميه خرق نواميس الكون - وذلك بالتدخل بأسباب جديدة أو تغيير الثوابت والقوانين - مثلما في المعجزات - !!
فبالنسبة لنا هذه التغييرات (مستحيلة فيزيائيا) ولكنها بالنسبة لخالق القوانين والذي اختار قيمها وثوابتها وكيفيتها : ممكنة
إذن : العلة (الغائية) هي فوق (العلة الفاعلة أو السببية) - والأمر للتشبيه يمكننا العودة فيه إلى مثال النجار والأدوات والكرسي - فالأعلى شانا هنا - ولذلك نعذر الذين يذكرونه أولا - هو العلة الغائية : إرادة النجار نفسه في أن يفعل أو لا يفعل - ثم يلي ذلك العلة الفاعلة : وهي الأدوات ... وكلما زادت قدرة الفاعل : استطاع استبدال الأدوات بغيرها أو استحداثها أو حتى العمل بدونها إن كانت لديه طلاقة في الفعل
وهذا الأمر إذا استعرضناه في جانب الله تعالى - ولله المثل الأعلى - :
فأنه إذا توافرت كل القوانين وتهيأت كل النواميس الكونية لوقوع شيء معين : ولكن شاء الله ألا يقع أو يقع على وجه آخر : لحدث وفق ما شاء الله - والعكس : لو لم تتوافر أية قوانين أو تهيأت أية نواميس كونية لوقوع شيء معين : ولكن شاء الله أن يقع : فلسوف يقع !!
هذا الكلام يخرق (المستحيل الفيزيائي) ولكنه لا يخرق (الممكن العقلي) أي يمكن تعقله وقوعه وليس بمستحيل أو محال وجوده - مثال :
النار تصير بردا وسلاما - العصا الجماد تدب فيها الروح من مالك الروح وحده - البحر ينشق ماءه كالجبلين العظيمين - خلق طير من الطين - إحياء الموتى
فهذه كلها (مستحيلات فيزيائية) يمكن وقوعها (عقلا) ولكنها ليست (مستحيلات عقلية) مما يحكم العقل عليها بالمحال مثل قولنا 1+1 لا تساوي 2 أو 3 أكبر من 7 أو الكل أصغر من الجزء أو الشيء موجود وغير موجود في نفس اللحظة على الحقيقة إلخ فكل هذه الحالات هي لأشياء يستحيل وجودها أصلا أو محال وجودها ولذلك حتى إرادة الله تعالى وقدرته لا تتعلق بها (يعني لا يصح أن تسأل هل يستطيع الله أن يجعل الـ 3 أكبر من 7 ؟ وهكذا ...
وبهذا التفريق العقلي بين ما هو ممكن وما هو مستحيل : يستقم للمرء إيمانه بالله تعالى ويبتعد عن كل شرك ولا معقول من العقائد والتخريفات
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السُنة 2/ 294 :
" وأما أهل السُنة ، فعندهم أن الله تعالى على كل شيء قدير ، وكل ممكن فهو مندرج في هذا، وأما المحال لذاته، مثل كون الشيء الواحد موجودا معدوما، فهذا لا حقيقة له، ولا يُتصور وجوده، ولا يُسمى شيئا باتفاق العقلاء، ومن هذا الباب : خلق مثل نفسه، وأمثال ذلك " انتهى...
ويقول ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل صـ 374 :
" لأن المُحال ليس بشيء ، فلا تتعلق به القدرة، والله على كل شيء قدير، فلا يخرج ممكن عن قدرته البتة "، ومن ذلك قولهم هل يستطيع ربك خلق صخرة لا يستطيع حملها ؟ فيُقال طالما يُمكن حملها فالله يحملها
Bookmarks