>>>
ردي باختصار أن أخي ابو حب الله تجاوز الفرض لما بعده بينما كان سؤالي عن صحة الفرض بعينه , حيث كان ينبغي أن يرتكز محور الجواب الذي قدمه الأخ الفاضل مشكورا ..
وكان يجب أن يبسط القول في أسباب صحة الفرض رغم الملاحظات المذكورة حتى ينجلي الإشكال . لأن اثبات أي نتيجه لا يكون بوصف تبعاتها ولكن بالبحث في مقدماتها طبعا....
أولا أشكر الإخوة المتداخلين على ردودهم الطيبة واهتمامهم النبيل ولكم مني كل الاحترام والتقدير على هذا الجهد ..
وفي الحقيقة عندما قرأت الردين وخاصة اجابة الاخ ابوحب الله شعرت أنه ربما كان علي تحديد وتعيين المعنى المطلوب في السؤال بشكل أكثر وضوحا وبتحديد أدق.
وحتى لا أبدو مجرد مجادل يهوى العناد والمكابرة سأجتهد في شرح موقفي قدر الإمكان..
في الواقع كان مصدر التساؤل هو أنني أجد الفرق جليا بين حديث النبي الكريم وحديث أي صحابي جليل والأمر هنا بعيد كل البعد عن فكرة عدالة الصحابة التي لا أشكك فيها .
وذلك لأن النبي الكريم له مقام تبليغ الرسالة العارف بالحق فلا يمكن أن يذكر أي مقولة موروثة عن اهل الكتاب باعتبار انه لو قالها لتحولت فورا الى خبر من رسالة الوحي لدين الإسلام .
بينما الصحابي من الممكن جدا أن يردد أي مقولة كباقي الناس حتى وإن كانت مقولة ذات أصل كتابي أو يهودي مثلا ويمكن حمل حديثه على أي محمل , وخاصة أننا نعلم بأن اليهود كانوا يعيشون في المدينه قبل وأثناء رسالة الاسلام وأخبارهم فيها كانت منتشرة حتى قبل رسالة الاسلام وذلك أمر بديهي .
ويدعم هذا الرأي أن الصحابي نفسه في الحديث الموقوف لم ينسب قوله الى رسول الله عليه الصلاة والسلام كعادة الصحابة الكرام وأعتبر هذا مؤشر قوي جدا.
ولذلك كله أرى أن الزعم بأن الصحابي لا يمكن أن يخبر بخبر غيبي إلا لو أخذه عن رسول الله بحجة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام هو الموحى له بخبر الغيب أعتقد أنه زعم يتجاهل احتمالات كثيرة قد تبطله... .
ومن الواضح أن إجابة أخي أبو حب الله كانت تهتم بوصف وتأصيل نقاط قريبة من الموضوع في المنهج المعتبر عند علماء الحديث ..
مثل قوله بأنه لا مجال للاجتهاد في أخبار الغيب فهي محل تصديق لايقبل الرأي وهذه القاعدة المنهجية واضحة ولا تحتاج لمزيد شرح
ولكن سؤالي كان يدور حول سر غياب فرضية أن يكون النقل مأخوذ عن مقولات كتابية قديمه وهذا الغياب واضح حتى على مستوى القواعد المنهجية في علم الحديث .
ومع ذلك توجد هنا نقطتين هنا أحب أن أعلق عليها...
أولا باعترافك أخي أنه لا مجال للاجتهاد في فهم متون أحاديث الغيب ذات السند السليم فأنت تقر بهذا على استحالة التحقق منها
والتحقق من مصدرها باعتبار أن سندها غير موصول برسول الله تعالى..
فكيف يمكننا تصديق أمر لم نتحرى مصداقيته بحكم أننا لم نعمل العقول به للحكم على متنه في الأساس ؟..خاصة وأنه قد يكون كما أسلفنا من ترسبات الأمم السابقة ؟..
ثانيا أنت تقول أنك لا تأخذ بالرأي حتى في حالة الاختلاف على السند لأن الغيب غير مشاهد , ولكن من قال لك أن كل العلماء المعارضين
أخطئوا بهذه السهولة وقاموا بطرح رأيهم متجاهلين هذه القاعده البسيطه التي تطرحها أخي؟
ماهي العلاقة الإلزامية بين الرأي والمشاهده؟ إن لم يكن هناك رأي الا بالمشاهده فقد تم تعطيل العقل وهل المؤمن يعرف صفات ربه بالرأي والعقل أم بالمشاهدة فقط ؟؟
ونحن هنا لا نتحدث عن الرأي المنعزل عن النص طبعا فالرأي هنا بمعنى دور العقل في اطار وعيه الديني المتأتي له من مصادره .
وسأمضي في ردي على كل ما فهمته من باقي اجابتك عبر هذه العبارة المقتبسة من حديثك والتي تختزل الكثير ...
ولن تجد اختلافا في حديث غيبي : إلا وستجد اختلافا في صحة السند ...
لا أعرف هل تقول هذا كملاحظة علمية خاصة أم قاعدة منهجية والبون شاسع بين الملاحظة والقاعدة المبنية على توافق اصطلاحي
وسأعتمد الثانية وهي أنك تقصد أنه لا يتم فتح مجال للرأي الا في حال ظهور مخالفة ظاهرة في السند
ولكن يا أخي الفاضل أنا لم أعني من قريب أو بعيد صحة السند أو مخالفته ..
سؤالي كان يتحدث عن امكانية أن يكون حديث الصحابي مأخوذ من أقوال بني اسرائيل المنتشرة في حينه . ولماذا رفعنا هذا الفرض من قائمة الاحتمالات؟ ....
وهو سؤال قائم حتى في حالة كون الحديث فعلا جاء على لسان هذا الصحابي الكريم بنصه وحتى لو كانت سلسلة السند ذهبيه هل فهمتني بارك الله فيك.؟...
أنا أناقش هنا نقد موضوعي لحقيقة صحة الفرض القائل بأن الصحابي لا يقول في الغيب الا عن رسول الله تعالى .
بينما أراك تبني كل اجابتك على صحة هذا الفرض وأغفلت النقد المطروح بالكامل وهو محل النظر من السؤال.
فكان من المنطقي أن تتجه اجابتك إلى تحرير المرجعيه والأساس لهذا الافتراض الذي اتفق عليه العلماء بموجبه , حتى تعالج نقاط النقد بتفنيدها لا بتجاوزها...
وهو نقد له وجاهته لعدة أسباب منطقية للغاية تبطل الفرض المذكور وقد أتينا على بعضها ويمكن البناء عليها والقول
بأن إخبار الصحابي بخبر غيبي لا يقتضي أنه من أخبار الرسول الكريم , وفي الرابط الذي أشار اليه الأخ الكريم نور الدين
ما يفيد بأن علماؤنا رضوان الله عليهم قد استقروا على رأي مشابه لهذا المعنى ولكنهم حصروه في قسم معين كما سيتبين من هذا الاقتباس..
وهذا هو ما حرره الحافظ ابن حجر رحمه الله، وذكر أنه معتمد خلق كثير من كبار الأئمةكالبخاري ومسلم والشافعي والطبري والطحاوي والبيهقي وابن عبد البر وغيرهم.
إلا أنهم استثنوا من ذلك من كان من الصحابة معروفاً بالاطلاع على الإسرائيليات كمسلمة أهل الكتاب وبعض الصحابة الآخرين كعبد الله بن عمرو بن العاص الذي كان قد حصل في وقعة اليرموك على كتب كثيرة من أهل الكتاب، فكان يحدث بما فيها من أخبار الأمم السابقة والأنبياء، وغير ذلك من الوقائع والأحداث.
أي أنهم أبطلوا الفرض القائل بأن قول الصحابي الموقوف يجب رفعه الى رسول الله تعالى , ولكنهم ابطلوه في عدد معين من الصحابة فقط .
وهناك ملاحظة هامة في هذا الصدد وهي ما المانع من أن يأخذ الصحابي عن الصحابة المهتمين بالاسرائيليات
أليس من المتوقع أن يكونوا على علم بأقوالهم ؟. الم يتحدث عبدالله ابن عمرو بن العاص بأحاديث الاسرائيليات لأي صحابي آخر؟؟...
من هذا كله نرى أن مسألة الحكم برفع الخبر الغيبي الموقوف هي مسألة فيها نظر واشكال مازال قائما في نظري حتى يأتي
أحد المتخصصين للبحث في مرجعيات الموضوع وابراز الأسباب التي تقتضي هذا الحكم... وجزاكم الله كل خير......
Bookmarks