النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: دلالات العودة الراهنة للدين في الفلسفة الحديثة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي دلالات العودة الراهنة للدين في الفلسفة الحديثة

    هي نقطة تحولٍّ في الفلسفة الحديثة، تلك التي رفضت الدين في حقبة عصر الأنوار إلى حدود منتصف القرن العشرين، وخرّجت لنا فلاسفة ملحدين يزدرونه في كل وقتٍ، وينتقدونه في كلّ حينٍ، متأثرين بهيمنة النظرة التطوّرية الإلحادية، والتي تعتبر ما تجيء به الأديان مجرّد أسطورة جاد بها عقل الإنسان ! وأن الحياة ما هي إلاَّ أرحامٌ تدفع، وأرضٌ تَبلع !


    فانهارت التطوّرية واكتشف العلم الحديث زَيفها، وانهارت الأنساق الفلسفية التي صاحبَتها، وأعلنَ الإنسان ثورته عَليها، فعادت البشرية إلى التديُّن من جديدـ وغاصت في أعماقه، وعضَّت عليه بالنواجد، فانقَلب حال الفلسفة، ووقفوا على هذا يتأمَّلون في هذا الواقع الجديد، وأقَرّوا باستحالة غياب الدين عن حياة البشريَّة، وحاولوا الإجابة عن سؤال جوهري يُطرح، وهو : ما دلالات هذه العودة الدينية ؟ وما هي أسبابها ؟


    إن العودة الراهنة للدين، لا يمكن قراءتها إلاّ كردّ فعلٍ على الكارثة الحداثية، التي حاربت الجذور الأصلية للوجود الإنساني، وفي مقدمتها الأصل الديني . فتركُ الدين معناه انتشارٌ للعَدمية في قمة توحُّشها، تنتج عنها قلقٌ من فقدان المعنى و "أفول المثل العُليا المقدَّسة" كما عبَّر عنها جاك دريدا Jaque derrida و جياني فاتيمو Gianni vattimo في كتابهما(1)، وكذا الانغماس في ثقافة الاستهلاك واللهو مما يخلّف إحساساً بالملل، ونوعٍ من العبثية في حياة الأشخاص.


    " لقد أصبحنا عاجزين عن إعطاء معنىً للوجود، وهو المعنى الذي يتم البحث عنه في الدين، وكأن العودة ستوفر الأساس الصلب الذي بواسطته يتم تفسير التاريخ، واسترجاع الأصل الضائع المنسي الذي منه ينشأ كل شيء، وإليه يعود، وذلك بعد الفراغ الذي خلَّفه انهيار الحكايات الميتافيزيقية –المعتقدات التي ما وراء الطبيعة- الكبرى "(2).


    فالعَدمية Le Nihilisme ، هي تعبير عن أزمة المعنى وفقدانه لدى الغرب، إذ أن الإنسان فطريّاً يميل إلى ترميز الأشياء المحيطة به، فالطاولة مصنوعة لوضع الطعام، والسيارة لتسهيل التنقُّل، والزواج لإنشاء العائلة، فكيف لا توجد غاية من الحياة ؟ وكيف أن الكون جاء بدون صانع ؟؟


    إن عصر التنوير والحداثة الغربية، سعى بكل ما لديه من قوةٍ إلى طرد " الجليل الديني" Le sublime Religieux ، ونزع القداسة عنه، ليس من الوجود الغربي فحسب، بل من كلِّ الكرة الأرضية، وليس عن الدِّين المسيحي فحسب، بل عن كل دين على سطح البسيطة. فسعى لاستبداله بشكلٍ لا يخلو من عنفٍ رمزيٍّ تارةً، وماديٍّ تارةً أخرى، بـ " ميتافيزيقا التقنية " حسبَ مفهوم الفيلسوف مارتن هايدغر Martin Heidegger، وحاصلها: إعادة صياغةٍ لمعنى العالَم، والكون، والغاية من الحياة، بشكلٍ لا يراعي النفس الإنسانية، ولا غرائزها التديُّنية.


    وقد حَسِبت الحداثة بغطرَستها وتكَبُّرها، أنها قَضت على الغريزة التديُّنية، والفطرة الإيمانية، ولم تَعلم المِسكينة أن هذه الغريزة قد تضعُف وتَذبلُ، لكنَها لا تموت، تُخبرنا موسوعة لاروس الفرنسية Encyclopédie Larousse عنها وتقول : " إنَّ الغريزة الدينية مشتركةٌ بين كلّ الأجناس البشرية، حتى أشدِّها همجيةً، وأقربها إلى الحياة الحيوانية .. وإن الاهتمام بالمعنى الإلهي، وبما فوق الطبيعة، هو إحدى النَّزعات العالَمية الخالدة، وهذه الغريزة الدينية لا تختفي، بل لا تضعف ولا تذبُل إلا في فترات الإسراف في الحضارة، وعندَ عددٍ قليلٍ جدّاً من الأفراد"(3). ويُقررها الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون Henri Bergson : " لقد وُجدت وتوجد جماعاتٌ إنسانية بدون علومٍ، وفنونٍ، وفلسفاتٍ، ولكنَّه لم توجد قطّ جماعةٌ بغير ديانةٍ "(4).


    أما من جهةٍ أخرى، فانتشار المخاوف القِياميّة(5) ، والكوارث المُهلكة، كان له أثرٌ كبير في رجوع الناس إلى الدين، مخاوفُ تجعلُ الإنسان يستحضر فكرة الموت، وتُسببها كثيرٌ من الأشياء منها: اندلاع حربٍ نوورية، وخطر التلوث على موت الطبيعة، والاحتباس الحراري، والتلاعب بالشفرات الوراثية، توسبّب عدد من الأجهزة الحديثة والأطعمة المعلبة في الإصابة بالسرطان، والكوارث الطبيعية ( فيضانات، موجات التسونامي، الزلازل، الأعاصير، وغيرها)، والبشرية بطبيعتها رُزقت حبَّ البقاء، فتبحث عن وعود الدين في حياةٍ خالدة أُخرى.


    إنّ الإنسان – حسب الفلسفة الحديثة- هو ذلك الكائن الذي يحدوه نزوعٌ نحو المقدَّس، وتتشوَّف نفسه إلى الإله الخالق، ولا يهنأ باله إلا بالإجابة عن تلك الأسئلة الوجودية " هذا اللغز الذي يستحث عقولنا : ما العالم ؟ ما الإنسان ؟ من أين جاءا ؟ من صنعهما ؟ من يدبرهما ؟ ما هدفهما ؟ كيف بدءا ؟ كيف ينتهيان ؟ ما الحياة ؟ ما الموت ؟ ما القانون الذي يجب أن يقود عقولنا في أثناء عبورنا في هذه الدنيا ؟ أي مستقبلٍ ينتظرنا بعد هذه الحياة ؟ هل يوجد شيء بعد هذه الحياة العابرة ؟ وما علاقتنا بهذا الخلود .. ؟ هذه الأسئلة لا توجد أمةٌ، ولا شعبٌ، ولا مجتمعٌ، إلا وضع لها حلولاً جيدةً أو رديئةً، مقبولةً أو سخيفةً، ثابتةً أو متحولةً "(6).


    فالنُّزوع الديني لن يكون مرحلةً عابرةً من التاريخ الإنساني، ولا فترةّ منقضيةً في مسيرة الإنسان الكونية، بل هو سمةٌ متأصّلة في فكر وتجربة البشرية، في عصرٍ يفرض الإسلام فيه نفسه على كل عاقلٍ سوي، بحججه المنطقية، ومزاياه الرقراقة، مما يؤهّله لأن يكون دين البشرية الخاتم بامتياز .

    وكتبه الفقير إلى ربه : أبو عبد الرحمن الإدريسي

    http://articles.islamweb.net/media/i...ng=A&id=196660


    هوامش المقال
    ------------------------------------------
    1-الدين في عالمنا، ص : 42.
    2-جون فرانسوا ليوتار: شرط ما بعد الحداثة – فرنسي- ص : 64.
    3-ص 112 .
    4-كتاب : أصلاَ الأخلاق والدين – فرنسي – ص : 7 .
    5-المخاوف القيامية نقصد بها الخوف من اليوم الآخر، ونحيل القارئ إلى مقالة : الخوف من الموت، للكاتب جاري مور Gary Moore على الشبكة العنكبوتية، وكذا روبورتاجات قناة سي إن إن CNN، بخصوص نهاية العالم سنة 2012، وتهديد كوريا الشمالية بالحرب النووية، و المخاوف المرتبطة بنشوب حرب نووية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية في كتاب " الحرب الباردة " لجاستين فوري Justine Faure، وأيضا روبورتاج "الاحتباس الحراري " الذي بثته قناة Ushuaïa TV الفرنسية.
    6-بارتلمي سانت هيلير BARTHELEMY SAINT-HILAIRE مقالة " الميتافيزيقا " منشور في المجلة الفلسفية الفرنسية بتاريخ فبراير 1880 م.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    الدولة
    بين المسلمين
    المشاركات
    2,906
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاك الله بالخير على النقل يا أستاذ . لكن لدي اعتراضاً على جملة فيه :

    إن عصر التنوير والحداثة الغربية
    فقد يجوز تسميتهم بالحداثيين ، أما النورانيون فهم أبعد ما يكون عن ذلك . بل هم يريدون بالبشر الدخول في عصور أشد ظلمة من الجاهلية الوثنية . و الله متم نوره و لو كره الكافرون .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    وإياكم أيها الفاضل .. أما بخصوص استعمال مصطلح التنوير فهو في معرض استعمال التسمية الفلسفيّة حتى تُعرف الحقبة الزّمنيّة التي نقصد، ولا خلاف أننا لا نراه تنويراً بالمصطلح الشرعي، وحتى التسمية بالحداثة فهي في أصلها فقط تعريفٌ بمذهب فلسفي وهم أبعد ما يكون عن التحديث في القيم، لأنهم فقط أعادوا إظهار بعض القيم التي دعا إليها فلاسفة الإغريق واليونان .

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. دلالات العودة الراهنة للدين في الفلسفة الحديثة
    بواسطة ابن عبد البر الصغير في المنتدى ابن عبد البر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-24-2014, 06:02 PM
  2. تحليل لما حدث في ظل الأوضاه الراهنة
    بواسطة قلب معلق بالله في المنتدى أحوال المسلمين بالعالم
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-05-2013, 01:45 PM
  3. طلب كتاب الله في الفلسفة الحديثة "جيمس كولينز"
    بواسطة الواضحة في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-19-2013, 03:08 PM
  4. دراسات في الفلسفة الغربية الحديثة
    بواسطة عبد الله أبو الفتوح في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-19-2011, 05:23 AM
  5. الشيعة في ظل الظروف الراهنة .
    بواسطة ضاوي في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-09-2009, 02:12 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء