مَن الذي عليه عبء الإثبات؟ Burden of Proof
في البداية علينا أن نقول أن: القضية الوجودية الكبرى لا تحتمل الركون في منتصف الطريق ولا تحتمل عدم الوصول، فالأمر جد وليس بالهزل: مِن أين جئنا وإلى أين نحن ذاهبون.!
والذي لا خلاف عليه بين المؤمن والملحد واللاأدري: أن كل متع الدنيا وكل شهوات العالم لا تكفي إنسان يعلم أنه وُلد ليموت!
فالقضية الوجودية الكبرى هي أعظم القضايا على الإطلاق، ولذا لا تحتمل أنصاف الحلول، أو التأجيل للمستقبل لعل العلم يُخبرنا شيئًا- كما يقتضي الإلحاد فيما يُعرف بفجوات المستقبل المعرفي.
الذي يؤمن بوجود الله والذي يُنكر وجوده، مُطالب بمنتهى البساطة بطرح منطقي متكامل، وبما أن ادعاء وجود الله له من الوجاهة والأدلة والقرائن الشيء الكثير مثل: السببية والعناية والقصد والغاية والإيجاد من اللازمان واللامكان، ودليل الحدوث، ومعجزة خلق الحياة، والنبوات والدين والفطرة والأخلاق، والمعايرة الدقيقة لحظة الخلق الأولى لكل الموجودات، والمعايرة الدقيقة لحظة خلق الكون، والمعايرة الدقيقة في كل شيء حولك وداخلك ومعضلة الخير واستيعاب الخير والشعور بالإمتنان وما لا يمكن حصره من الأدلة.
وبناءًا على ذلك فإن عبء الدليل ينتقل إلى المنكر-منكر وجود الله-!
وهذا ما يفعله القاضي المنصف حين يطلب دليل نفي من المتهم، خاصةً لو كانت تحت يديه عدة إثبات أو حتى قرائن.
فمثلاً في قصة سيدنا يوسف مع امرأة العزيز التي راودته عن نفسه، شهد شاهد من أهلها وجاء بقرينة تدل على أنها هي التي راودته عن نفسه، وبالتالي انتقل عبء الدليل ليكون على المنكر.
وبالمثل نقول إن قرائن كبرى عقلية كالتي ذكرناها تجعل عبء الدليل في الحقيقة على المُنكِر.
لكن صراحةً كانت جميع ردود مفكري اللاأدرية والإلحاد من السذاجة والسماجة بمكان، فمثلاً يقول برتراند راسل أحد مفكري اللاأدرية أنه لا يستطيع إثبات وجود الله كما لا يستطيع نفي وجود إبريق شاي يدور حول كوكب زحل، وكما يقول الملحد المعاصر ريتشارد داوكنز أنه لا يستطيع إثبات وجود وحش سباجيتي طائر أو نفي وجوده، ويقول آخر لا نستطيع إثبات وجود تنين قابع في جراج، - وهذ الأمثلة يستخدمها الملحد العربي كثيرًا بنفس القدر من السذاجة والغباء- ولا ندري ما وجاهة هذه الأمثلة الساذجة التي لا تمت بأي صلة للعلل والمعلولات والأسباب والنتائج؟
هل إبريق الشاي له صلة بالسببية أو الغائية أو الضبط؟
هل إبريق الشاي معلول – مخلوق -، أم عِلة – خالق- ؟
هل إبريق الشاي سبب أم نتيجة ؟
هذه الأمثلة الساذجة توضح أن كبار مفكري اللاأدرية والإلحاد على قدر مدهش من السذاجة، فهذا تناقض جوهري لا يفرق بين المعلول والعلة أو السبب والنتيجة، فنحن نتحدث عن علة أولى- خالق-، ولا نتحدث عن معلول- مخلوق-، نحن نتحدث عن سبب لا نتيجة.
هذا التناقض المُركب Paradox في الطرح يؤكد عدم استطاعة كبار مفكري اللاأدرية والإلحاد مجاراة المتدينين في وجاهة الأدلة وكثرة القرائن وحضور المنطق في الطرح!
فلم يبق لهم إلا الإفلاس المعرفي والطرح المتناقض الذي يعبر عن عدم استيعاب المسألة أو استيعابها لكن مع الفشل والخيبة في مجاراة أدلة المؤمن وأنا على المستوى الشخصي لا أعرف هل القضية عندهم فشل أم غباء ؟
وبذلك يصبح عبء الإثبات Burden of Proof إشكالية حصرية بالإلحاد لم تتم الإجابة عنها ولو بصورة ساذجة أو بسيطة منذ آلاف السنين وحتى الساعة، ويظل موقف المتدين هو الأكثر عقلانية ومنطقية خاصًة مع تكامل فلسفته ورؤيته للحياة والوجود من حوله!
Bookmarks