الدرس الأول :
نبذة تاريخية فلسفية
ولادة الفكر البشري:
لازم التفكير وجود الإنسان منذ نعومة أظفاره إلى يومنا هذا، وترك آثاراً مهمّة في حياته حيث خلق انعطافات وتحولات مهمّة في مسار حركته، وطوَّر أسلوب تعامله مع محيطه على مختلف الميادين والصُعد.
وبهذا اختلفت حياة الإنسان المتطورة عن حياة الحيوان بقوالبها الجاهزة والجامدة، فكم تجد الفارق واضحا بين بيوت الإنسان التي كانت في حدود الكهوف والمغارات والتي تطورت إلى عمارات ناطحات للسحاب، وبين بيوت النحل السداسية ذات الأشكال الجامدة التي لم يكتب لها تغيير منذ أن وجد هذا الحيوان ولحد الآن.
ولادة الفكر الفلسفي:
والفكر الفلسفي الذي أثارته وأفرزته تساؤلات الإنسان عن الكون والحياة، والمبدأ والمعاد، كان أحد المحاور الفكرية التي استقطب اهتمام البشر من لدن آدم ولحدِّ الآن، ودفعه صوب التأمل والنظر، ومن ثم نحو الإبداع والابتكار في هذا المجال، وقد كان لحكماء الفرس واليونان قصب السبق في ذلك على بقية الأمم وكان ذلك قبل الميلاد بعدة قرون حيث طفحت على سطح مناظراتهم وتأملاتهم الفلسفية العديد من الآراء والنظريات، التي كان يسودها الاتزان تارة والتهافت والتضارب تارة أخرى، وفي ذات الوقت النمو والثراء بفعل التلاقح الفكري الحر الذي وفّرَ أجواء خصبة لذلك.
تيارات الشك والسفسطة:
وفي ظل هذه الظروف برزت تيارات الشك والسفسطة واحتلّت مساحة واسعة من التفكير الفلسفي، بعد أن احتل أربابها وهم السوفسطائيون، منابر التعليم والخطابة والمحاماة، وأنكروا حقائق الأشياء ووجودها الخارجي، فانعكس ذلك على أذهان الناس وخلق عندهم بلبلة ذهنية وشكاً بكل حقيقة مهما كان طابعها، وكان ذلك في القرن الخامس قبل الميلاد.
ولم يستمر الوضع على هذا الحال حيث تصدى سقراط لعلاج الموقف بقوة، وتبعه على ذلك أفلاطون، وتلاهما أرسطو طاليس الذي أسّس قواعد الاستدلال والتفكير الصحيح في علم المنطق، حيث كشف عن زيف السفسطة ومغالطتها ومنزلقاتها التي أودت بالتفكير الإنساني إلى الهاوية. وبذلك تربع اليقين على عرشه، وعادت مياه الحقيقة إلى مجاريها وتلاشت تيارات الشك والإنكار، وعلى هذا المنوال استمر الحال حتى بعد رحيل العمالقة الثلاثة؛ سقراط وأفلاطون وأرسطو، حيث استمر تلامذتهم في ترويج أفكارهم، فدفعوا عجلة اليقين إلى أمام.
إلا أن مكانة هؤلاء أخذت بالتهاوي بين الناس بمرور الزمان، فتقلص دورهم وقلّت أهميتهم، فشدّوا رحالهم إلى الإسكندرية، لتكون محطة جديدة لنشر أفكارهم وتداول معارفهم واستمروا على هذا المنوال حتى القرن الرابع بعد الميلاد.
القرون الوسطى:
وفي هذه الفترة اعتنق إمبراطورُ الروم المسيحيةَ، وتبنّى أفكارها باعتبارها آراء الدولة الرسمية، إلا أنه في ذات الوقت فتح أمام العلماء أبواب النقد لطرح آراءهم ووجهات نظرهم، وعلى أثر ذلك تدهورت الأوضاع وتفاقمت الأمور بفعل التعارض والتضارب في وجهات النظر بين الكنيسة والعلماء مما دفع الإمبراطور (جستنيان) إلى إصدار أوامره بغلق المراكز العلمية والجامعات والمعاهد الفكرية، وتعطيل المدارس في أثينا والإسكندرية، ففر العلماء خوفا من البطش والتصفية الجسدية، وحينها انطفأ مشعل العلم وانتكست راية المعرفة، ومنها دخلت أوربا في عصورها المظلمة، والتي تسمى أيضا بالقرون الوسطى، حيث استغرقت ألف عام من الزمان، وعلى نحو التحديد من أوائل القرن السادس بعد الميلاد وانتهاءً بالقرن الخامس عشر بعد الميلاد وامتازت هذه الفترة باستيلاء الكنيسة على المراكز العلمية استيلاءً تاماً؛ فكانت المباحث العلمية والفلسفية تفرضها الكنيسة على أنها تعاليم دينية لا تقبل النقاش.
الفجر الجديد:
وفي هذه الفترة بالذات ازدهرت الحركة العلمية في شبه الجزيرة العربية بفضل نور الإسلام، الذي ولد هناك في تلك الفترة وقد أضاء كل شيء، وبدت حينها حركة علمية تنشط وتتفاعل وتتلاقح وتنمو بفضل ما حث عليه الدين الإسلامي من طلب العلم من المهد إلى اللحد، حتى ولو كلف ذلك خوض اللجج وسفك المهج، وحتى ولو كان في الصين، وبالفعل فقد برع المسلمون في جميع حقول العلم والمعرفة، ومن جملتها الحقل الفلسفي، فترجموا كتب اليونانيين والرومانيين والإيرانيين إلى اللغة العربية، وانهمك آخرون كالفارابي (1) في تبيان وشرح أفكار أفلاطون (2) وأرسطو (3)، وتبعه على ذلك ابن سينا (4) حيثُ سلط الضوء على فلسفة ومنطق أرسطو.....
فكِّر و أجب:
1 ـ متى بدأ التفكير الإنساني؟ وبماذا يختلف الإنسان عن الحيوان في تغيير وتطوير محيطه الذي يعيش فيه؟
2 ـ ما هو الباعث من وراء نشوء الفكر الفلسفي؟ ومن كان من بين الحكماء له قصب السبق في ذلك؟ ومتى؟
3 ـ ما هي الظروف التي أنجبت تيارات الشك والسفسطة؟ ومن هم أربابها؟ ومتى تسنى لها الظهور؟
4 ـ اذكر عمالقة الفكر الفلسفي الذين تصدوا لمواجهة اتجاه الشك وأحلوا اليقين محله؟ وكيف استمر اتجاه اليقين بعد مماتهم؟ وإلى أي مصير انتهى أمر أتباعهم؟
5 ـ ما هي الظروف التي أودت بأوربا إلى فترة القرون الوسطى؟
6 ـ ماذا جرى في شبه الجزيرة العربية إبان فترة القرون الوسطى؟
Bookmarks