بارك الله فيكِ أختي العزيزة طالبة علم وتقوى ونفع بك، ولا حرمنا مشاركاتك العلميّة الرائعة وهدى الله بك.
صدقتَ أخي ومن الطرائف اللطيفة ما ذكره يوليوس ليبس في كتابه الأنثروبولجي الماتع [ أصل الأشياء ] والذي عنى فيه بدراسة الشعوب البدائية دراسةً فريدةً تستحق النظر فيها والإطلاع عليها بل ونشروها والترويج لها، ليس لأنها متوافقة معنا بل لعمق الدراسة ومصداقيتها وأدلتها والشواهد المادية المتبقية عليها والإمتدادات القبلية البدائية الباقية، فمقولة " أنت تغتسل كالرجل الأبيض " تعتبر من أكبر الإهانات التي يوجهها أحد سُكان الغابات شخص آخر!! وأترككم مع اقتباس يخدم موضوعنا [ ص30-31 ]:موضوع نقاش النظافة الشخصية حساس بالنسبة لهم، فهم يرون أنفسهم أنظف الناس؛ ولكن لا يستنجون و يتطهرون كالمسلمين و لا يستقبحون بعض بقايا النجاسة (كالبول) في ملابسهم. و لولا استحمامهم دورياً لفاحت الروائح. فيرون النقاش فيها كتأنيب أو استصغار.
وورقة البحث هذه دليلٌ على أنَّ النظافة أمرٌ فطريٌ اتفقت عليه شعوب الأرض منذ بدايتهم الأوليَّة وعلى إمتداد تاريخهم السحيق والحالي؛ هذا على اختلاف ألوانهم وحالهم وأمكنتهم وألسنتهم وأزمانهم. وصدق الرسول الكريم إذ ذكر خمسٌ من الفطرة كلَّها في النظافة الشخصية، ولا حاجة لجدال حُمقٍ في العصر الحديث ممّن يدَّعون التحضُّر ويُقدِّمون القذارة على النظافة ويُجادلون أيْضًا في النظافة الشخصية التي يحرصون عليْها عند لقاء عظماء الخلق ثم ينفون أهميتها عند مقابلة الخالق الأعظم!! وصحيح أن الله لا ينظر إلى صورنا ولكن ينظر إلى قلوبنا ولكن لا يعني هذا أن نقبل في حقّه ما نأنف قبوله في حق خلقه؛ هذا نفاق.!
فما حال هؤلاء إلاَّ كحال من قدَّم أردأ وأخبث وأفسد حصاد أرضه قربانًا لله وأخذ الأجود والأطيب والأصلح لنفسه وأكابر قومه والله أكبر منهم أجمعين. قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }.
والله سبحانه وتعالى يريد من الإنسان أن يكون على أقصى نظافة " ممكنة " معتبرًا حاله وظرفه، فكان الإستنجاء والإستجمار والتيمم بدائل عن الماء الطهور والنظافة التامّة الكاملة، فيُباشر العبد العبادة بها، ولا يكدس العبادة منتظرًا ماءً طهورًا يغتسل ويتوضأ به!! لأن الغرض ليس النظافة التامة فقط فالله أعلم بحال خلقه وظروفهم وديننا يسرٌ لا عسر فيه إنما العبرة بالعبادة نفسها التي من أجلها خلقنا أن تكون على الكيفية التي يقبلها الله ويرتضيها مابقى فينا نفسٌ بتيسيراتٍ ومخارجٍ من مآزق قد يواجهها الإنسان كشُحِّ الماء، وهذه ليست حاصلة في العصور الغابرة، بل تحصل الآن للناس سواء من يكونون مثلًا في حالات حربٍ وحصار أو مَن يقومون بالرحلات الاستكشافية الطويلة بيسير ماءٍ وزاد.
Bookmarks