الحقيقة البراجماتية ... ونظرتها للدين .
الفلسفة البراجماتية هى درب من دروب الفلسفة الواقعية وترتكز تلك الفلسفة فى تناولها للحقائق على ركيزتين اساسيتين اولهما ماهية الحقيقة وثانيهما طرق الاستدلال على الحقيقة , فالبراجماتيون ينظرون للحقيقة على انها كل ما هو نافع للحياة البشرية فالامر اذا تصورنا انه سيعود على البشر بالنفع الفوري كان حقا واذا تصورنا انه لن يعود باى نفع كان امرا غير حقيقيا وفاسدا وباطلا !!
فالبراجماتية لا تعتبر ان الامر حقيقيا لذاته ولكنها تحكم عليه بالصحة او بالبطلان بنتائجه المادية الفورية ,
واما عن طرق الاستدلال البراجماتية فهى فقط اتباع الامر حتى الوصول الى نتائجه فاذا تصورنا انه امر مفيد افادة فورية كان ذلك من الحقيقة بمكان واذا كان العكس كان باطلا فاسدا بلا معنى !
والذي دفعنا لكى نتحدث عن تلك الفلسفة بالذات وتناولها للحقيقة ان كثيرا من الناس اليوم – وخصوصا فى الدول المتقدمة – اعتنقوها مذهبا لكل امور الحياة وذلك لطغيان الجانب العملى والعلمى فى الحياة البشرية فالبراجماتية ظهرت جليا نتيجة للثورة العلمية التى حدثت فى العصر الحديث ولكن اتباعها – كاتباع اى فلسفة – ارادوا ان يطبقوها فى كل شئون حياتهم ووقعوا فى ذلك اللبس الشديد وهو وضع الامر فى غير موضعه فالبراجماتية فى ذاتها هى طريقة تعتبر معقولة بالنسبة لتطبيقها فى المجال العلمى المادى وذلك لان طرق الاستدلال عند البراجماتين ترتكز على التجربة والرصد المادى للامر من حيث كونه مفيدا او غير مفيد حتى نعتبر هذا الامر بعد ذلك باطلا او حقيقيا ولكن اذا اردنا ان نطبق تلك الفلسفة فى المسائل الميتافيزيقية كان الامر كارثى للغاية فاذا اردنا ان نطبق تلك الفلسفة على مسئلة وجود الخالق فلن نجد سبيل او طريق لاثبات وجوده من خلال تلك الطرق المادية ذلك لان الخالق غير مادى فانه من الحمق استخدام طرق الاستدلال التى لا تستدل الا على كل ما هو مادي نفعى فى الاستدلال على من هو غير مادى !
وقد اراد وليم جيمس – من كبار المؤسسين للبراجماتية – ان يخرج من هذا الحرج وهو توجيه الاتهام بان البراجماتية منهج الحادي بحت وابتكر تصنيف جديد للمنفعة حيث صنفها الي منفعة فورية مادية مباشرة ومنفعة غير مباشرة واستخدم التصنيف الاول المباشر فى الاستدلال على الامور الفيزيقية واستخدم الثانى الغير مباشر فى الاستدلال على صحة الامور الميتافيزيقية فكون الانسان يؤمن بوجود خالق ورب للكون فان ذلك سيعود بالمنفعة غير المباشرة عليه بحيث انه سيشعر بالراحة النفسية والطمانينة الداخلية وذلك فى مقابل الالحاد الذي سيؤدي بالانسان حتما الى الغم والانتحار وعلى هذا الاساس فان جيمس نفسه - حتى بالبراجماتية - يقر بصحة المعتقدات الدينية وببطلان المعتقدات المادية الالحادية .
ولكن استخدام البراجماتية فى الاستدلال على صحة الاديان والعقائد الميتافيزيقية عن طريق النفع غير المباشر على هيئة شعور بالراحة النفسية سيوقعنا فى كارثة كبيرة وهى اذا افترضنا ان معتنقى عقيدتين مختلفتين يشعرون بالراحة والامان بعد اداء صلاوتهم فاى العقيدتين حق وايها باطل ؟!!
وهنا نري مدي بطلان الاستدلال بالطرق البراجماتية النفعية على الحقيقة ومدي حمق الذين وقعوا فى هذا اللبس الشديد وهو وضع الشيء فى غير موضعه.
والخلاصة ان البراجماتية هى فلسفة واقعية مميزة وقد اعتبرها البعض فلسفة التقدم وذلك فقط اذا استخدمناها فى موضعها التى لا تتجاوزه فهى نشات على اسس المادة والمنفعة ولذلك فهى لا تصلح الا للامور المادية النفعية الفورية اما ما هو غير مادي فمن الحمق ان نستدل على صحة وجوده بالطرق الاستدلالية التى لا تستدل الا على كل ما هو مادي نفعى .
فالبرجماتية ما هى الا فلسفة الماديين النفعيين الذين لا يتخطى نظرهم اطراف اقدامهم ولا تمتد يد فكرهم الا لانتزاع الفائدة الفورية الآنية والاحمق هو من يحمل تلك الفلسفة المحدودة القاصرة اكثر مما تحتمل ..
Bookmarks