بعد انتهاء الحج جلس سعيد على الكرسي وبجانبه رجل آخر ينتظران
بعد أن تعارفا واستأنسا لبعضهما قال أحدهما للآخر: والله يا أخ سعيد أنا أعمل مقاولا وقد رزقني الله من فضله وفزت بمناقصة اعتبرتها صفقة العمر وقد قررت أن يكون أداء فريضة الحج للمرة العاشرة أول ما أفعله شكرا لله ثم أردف بكل فخر واعتزاز : وها أنا أحج للمرة العاشرة والحمد لله.

أومأ سعيد برأسه وقال :
حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا.

ابتسم الرجل وقال:
ولك بالمثل أخي
ولكن ماذا عنك أخ سعيد كيف تمكنت من الحج؟

أجاب سعيد بعد تردد:
والله يا أخي هي قصة طويلة ولا أريد أن أثقل عليك بسماعها.
ضحك الرجل وقال: أخبرني يا سعيد فكما ترى نحن لا نفعل شيئا هنا سوى الانتظار.

ضحك سعيد وقال:
نعم، الانتظار وهو ما تبدأ به قصتي فقد انتظرت سنين طويلة حتى أحج فأنا أعمل منذ أن تخرجت قبل 30 سنة معالجا فيزيائيا حتى جمعت كلفة أداء الحج وفي نفس اليوم الذي ذهبت ﻵخذ حسابي من المستشفى التي أعمل بها، صادفت إحدى الأمهات التي أعالج ابنها المشلول، وقد بدى على وجهها الهم والغم وقالت لي أستودعك الله يا د.سعيد فهذه آخر زيارة لنا لهذاالمستشفى .

استغربت كلامها وحسبت أنها غير راضية عن علاجي لابنها وتريد نقله لمكان آخر.
فقالت لي لا يا أخ سعيد يشهد الله أنك كنت لابني أحن عليه من أبيه وقد ساعده علاجك كثيرا بعد أن فقدنا الأمل، وذهبت وهي حزينة!!!

استغرب الرجل المقاول وقاطع سعيدا قائلا:
غريب !! لكن اذا كانت راضية عن أدائك وابنها يتحسن فلم تركت العلاج؟

أجابه سعيد:
هذا ما فكرت به وشغل بالي، فذهبت إلى الإدارة وسألتهم فكان الجواب:
أن زوج المرأة فقد وظيفته وأصبح حالهم صعبا جدا ولم تعد تستطيع دفع تكاليف العلاج فقررت ايقافه .
حزن الرجل وقال: لاحول ولا قوة الا بالله ، مسكينة هذه المرأة وماذا فعلت لمساعدتها يا اخ سعيد.

أجاب سعيد : ذهبت الى المدير ورجوته أن يستمر بعلاج الصبي على نفقة المستشفى ولكنه رفض وقال لي: هذه مؤسسة خاصة تبتغي الربح وليست مؤسسة خيرية للفقراء والمساكين .

خرجت من عند المدير حزينا مكسور الخاطر على المرأة وابنها، وفجأة وضعت يدي دون تردد في جيبي الذي فيه نقود الحج فتسمرت في مكاني لحظة ثم رفعت رأسي الى السماء وخاطبت ربي قائلا :
اللهم أنت تعلم بما في نفسي وتعلم أن ليس أحب إلى قلبي من حج بيتك وزيارة مسجد نبيك وقد سعيت لذلك طوال عمري ولكني مضطر لان أخلف ميعادي معك فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، ودبر لي أمري فإني لا أحسن التدبير.
وذهبت إلى المحاسب ودفعت كل مامعي له لحساب علاج الصبي، فكانت لستة أشهر مقدما
وطلبت منه أن يقول للمرأة بأن المستشفى لديه ميزانية خاصة للحالات المشابهة.

تأثر الرجل المقاول من القصة ودمعت عيناه وقال : بارك الله فيك أخي سعيد وكثر من أمثالك، ثم قال : إذا كنت قد تبرعت بمالك كله فكيف حججت إذا؟

رفع سعيد رأسه وقال: أراك تستعجل النهاية، هل مللت من حديثي؟
رجعت يومها إلى بيتي حزينا على ضياع فرصة عمري في الحج ولكن الفرح يغمر روحي لأني فرجت كربة المرأة وابنها فنمت ليلتها ودموعي على خدي.

ولكني رأيت في المنام أنني أطوف حول الكعبة والناس يسلمون علي ويقولون لي حجا مبرورا ياحاج سعيد فقد حججت إلى السماء قبل أن تحج على الأرض.
استيقظت من النوم وأنا أشعر بسعادة غامرة والثقة في الله تغمر قلبي وقد فوضت أمري إليه دون طمع في الحج لهذه السنة.

وما أن استيقظت من النوم حتى رن الهاتف وكان مدير المستشفى معي على الخط يقول:
هل لك أن تساعدني في أمر؟ فأحد كبار رجال الأعمال من أصحاب المستشفى يريد الذهاب إلى الحج هذا العام وقد تعود أن لايذهب دون طبيبه الخاص؟
والمشكلة أن طبيبه إعتذر عن مرافقته لظروف خاصة ألمت به.
فهل تقبل مرافقته هذا العام؟
قال سعيد: فقلت:
وهل يسمح لي أن أحج؟
قال: نعم ولما ﻻ؟
فقلت: نعم أرافقه دون مقابل إضافي
وكما ترى أخي فقد رزقني الله حج بيته دون أن أدفع أي مقابل والحمد لله.
وفوق ذلك فقد أصر الرجل على منحي مكافئة مجزية رضاء عن خدمتي له
وكنت قد ذكرت له قصة المرأة المسكينة فأمر بأن يعالج ابنها في المستشفى على نفقته الخاصة وأن يرد لي مالي وأن يحدث في المستشفى صندوقا خاصا لعلاج الفقراء
كما عين زوج المرأة بوظيفة في إحدى شركاته.

قام الرجل من مكانه وقبل سعيد على جبينه وقال : والله لم أشعر في حياتي بالخجل مثلما أشعر اﻵن يا اخ سعيد فقد كنت أحج المرة تلو الأخرى وأنا أحسب ان مكانتي ترتفع عند الله بعد كل حجة ولكني أدركت أن حجك يفوق حجي
فقد جئت أنا الى بيت الله
بينما أنت قد دعاك الله إلى بيته ومضى وهو يردد تقبل الله مني ومنك صالح الأعمال
https://www.facebook.com/amara.chandoul?fref=tl_fr_box