الحمد لله رب العالمين


وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ


فِي هَذِه الْآيَة عدَّة حكم وأسرار ومصالح للْعَبد

فَإِن العَبْد إِذا علم أَن الْمَكْرُوه قد يَأْتِي بالمحبوب والمحبوب قد يَأْتِي بالمكروه, لم يَأْمَن أَن توافيه الْمضرَّة من جَانب المسرّة وَلم ييأس أَن تَأتيه المسرة من جَانب الْمضرَّة لعدم علمه بالعواقب,

فَإِن الله يعلم مِنْهَا مَالا يُعلمهُ العَبْد وَأوجب لَهُ ذَلِك أمورا مِنْهَا أَنه لَا أَنْفَع لَهُ من امْتِثَال الْأَمر وَإِن شقّ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاء,

لِأَن عواقبه كلهَا خيرات ومسرات ولذات وأفراح وَإِن كرهته نَفسه فَهُوَ خير لَهَا وأنفع,

وَكَذَلِكَ لَا شَيْء أضرّ عَلَيْهِ من الْمَقْدُور الْعَطف عَلَيْهِ اللطف بِهِ فَيصير بَين عطفه ولطفه فعطفه يَقِيه مَا يحذرهُ ولطفه يهوّن عَلَيْهِ مَا قدره

إِذا نفذ الْقدر فِي العَبْد كَانَ من أعظم أَسبَاب نُفُوذه تحيله فِي رده فَلَا أَنْفَع لَهُ من الاستسلام وإلقاء نَفسه بَين يَدي الْقدر طريحا كالميتة فَإِن السَّبع لَا يرضى بِأَكْل الْجِيَف

الفوائد لابن القيم