ضيق الصدر والتصعد في السماء
قال الله تعالى في كتابه المجيد : (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ
يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) قرآن كريم.
المعنى اللغوي
"
يصعَّد" فعل مزيد من الفعل المجرد "
صعد " والفعل المزيد يحتفظ دلاليا بمعنى الفعل المجرد "صعد" ويضاف الى معناه الازمة اللغوية التي تضيفها أحرف الزيادة وهي في هاته الحالة المشقة الملازمة لفعل الصعود.
وقد قال صاحب (لسان العرب) في مادة صعد (الجزء 3-251 )
(صعد : صَعِدَ الـمكانَ وفـيه صُعُوداً و أَصْعَدَ و صَعَّدَ:
ارتقـى مُشْرفاً؛ واستعاره بعض الشعراء للعرَض الذي هو الهوى، فقال: فأَصْبَحْنَ لا يَسْأَلْنَهُ عنْ بِما بِهِ، أَصَعَّدَ، فـي عُلْوَ، الهَوَى أَمْ تَصَوَّبَا أَراد عما به، فزاد الباء وفَصَل بها بـين عن وما جرَّته، وهذا من غريب مواضعها.....- إلى أن قال - وجَبَلٌ مُصَعَّد: مرتفع عال؛ قال ساعدة بن جُؤَيَّة: يأْوِي إِلـى مُشْمَخِرَّاتٍ مُصَعِّدَةٍ شُمَ، بِهِنَّ فُرُوعُ القَانِ والنَّشَمِ و الصَّعُودُ: الطريق صاعداً، مؤنثة، والـجمع أَصْعِدةٌ و صُعُدٌ ....- إلى أن قال - و
صَعَّدَ فـي الـجبل وعلـيه وعلـى الدرجة: رَقِـيَ)))
وبعد صفحتين يقول :
(( قال الأَزهري: و ا
لاصِّعَّادُ عندي مثل الصُّعُود . قال الله تعالـى: { كأَنما يَصَّعَّد فـي السماء } . يقال:
صَعِدَ و اصَّعَّدَ و اصَّاعَدَ بمعنى واحد . ورَكَبٌ مُصْعِدٌ: و مُصَّعِّدٌ مرتفع فـي البطن منتصب صاعِدا)))
وقال صاحب تاج العروس في مادة صعد
(( صَعِدَ في السُّلَّمِ وفي الدَّرَجَة وأَشباهه كَسَمِعَ صُعُوداً كَقُعُود ولا يُقال : أَصْعَدَ من مكة وأَصْعَدَ . و صَعَّد في الجَبَلِ وصَعَّد عليه تَصْعيداً كاصَّعَّدَ اصِّعَّاداً بالتشديد فيهما وحكي عن أبي زيد أنه قال :
أَصْعَد في الجَبَل وصَعَّد في الأَرض : رَقِيَ مُشْرِفاً))).
وللعلم فان من القراءات المتواترة للآية : يصْعد -عند ابن كثير براوييه البزي وقمبل - ويصّاعد - عند شعبة براوييه - ...ويصّعّد - كما عند البقية............وهي كلها بمعنى واحد كما قال ذلك صاحب لسان العرب فيما مضى .
أقوال المفسرين
يقول
الإمام الطبري (8/26): فمن يرد الله أن يهديه للإيمان به وبرسوله وما جاء به من عند ربه يشرح صدره للإسلام حتى يستنير الإسلام في قلبه فيضيء له ويتسع له صدره بالقبول، أي فسَّح صدره لذلك وهوَّنه عليه وسهَّله له بلطفه ومعونته، ويقول القرطبي (7/81 ): وأصل الشرح التوسعة وشرحت الأمر بينته وأوضحته ويشرح صدره للإسلام أي يوسعه له ويوفقه.
ويقول
البيضاوي (2/450): وهذا كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها مصفَّاة عما يمنعه وينافيه، وإليه أشار النبي- صلى الله عليه وسلم - حين سئل عنه فقال: (نور يقذفه الله ـ سبحانه وتعالى ـ في قلب المؤمن فينشرح له وينفسح)، فقالوا: هل لذلك من أمارة يعرف بها؟ فقال: (نعم؛ الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله).
وقال
صاحب روح البيان (3/100): (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ)؛ أي يعرِّفه طريق الحق ويوفقه للإيمان ويشرح صدره للإسلام فيتسع له وينفسح، فالمعنى من أراد الله منه الإيمان قوَّى صوارفه عن الكفر ودواعيه للإيمان وجعل قلبه قابلاً لحلول الإيمان لتحليه به صافيًا خاليًا عما ينافيه ويمنعه، ومن يرد أن يضله، أي يخلق فيه الضلال لصرف اختياره إليه: (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا) بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان، أي من أراد الله منه الكفر قوى صوارفه عن الإيمان وقوى دواعيه إلى الكفر.
قال
صاحب الظلال (3/1203): ومن يقدِّر له الضلال وِفق سُنته الجارية من إضلال من يرغب عن الهدى ويغلق فطرته عنه، فهو مغلق مطموس يجد العسروالمشقة في قبوله.
(وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا): قال الطبري (8/28): والحرج أشد الضيق وهو الذي لا ينفذ من شدة ضيقه وهو هاهنا الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة ولا يدخله نور الإيمان لِرَيْنِ الشرك عليه، وأصله من الحرج والحرج جمع حرجة وهي الشجرة الملتف بها الأشجار لا يدخل بينها وبينها شيء لشدة التفافها بها، قال عمر: (كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير)، والحرج بفتح الراء وكسرها بمعنى واحد وهما لغتان مشهورتان. أما القرطبي فقد جعل لكل قراءة معنى فقال: حرِجًا بالكسر معناه الضيق كرر المعنى وحسن ذلك لاختلاف اللفظ، أما حرَجًا بالفتح جمع حرجة وهو شدة الضيق قال ابن عباس: الحرج موضع الشجر الملتف فكان قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي التف شجره، فكأنه ضيق بعد ضيق وأعيد تكراره لاختلاف اللفظين أو تأكيدًا للأول (الحجة في القراءات السبع ج1/149)، ويوافق النسـفيُّ القرطبيَّ فيقول: يجعل صدره ضيقًا ضيقا (مكي) وحرجًا صفة لضيقًا (مدني) أي بالغا في الضيق (1/344)، أما أبو السعود فيقول: حرِجًا بكسر الراء أي شديد الضيق والأول مصدر وصف به مبالغة (3/183)، قال ابن كثير: الصدر الضيق الحرج: هو الذي لا يتسع لشيء من الهدى ولا يخلص إليه شيء ما ينفعه من الإيمان ولا ينفذ فيه، وقال عطاء الخراساني: ضيقًا حرجًا أي ليس للخير فيه منفذ (2/176)، والحرج مصدر وصف به مبالغة وبالكسر اسم الفاعل وهو المتزايد في الضيق فهو أخص من الأول فكل حرج ضيق من غير عكس (روح البيان 3/101).
وفي قوله تعالى: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ)
قال الطبري (8/31) نقلاً عن السُّدِّي: كأنما يصعد في السماء من ضيق صدره ثم ذكر عدة قراءات في يصّعّد أولها:
كأنما يصّعد من صعد يصعد (بعض المكيين)، ثانيها: يصّاعد بمعنى يتصاعد فأدغم التاء في الصاد وجعلها صادًا مشددة (بعض الكوفيين)، ثالثها: يصعد بمعنى يتصعد فأدغموا التاء في الصاد فلذلك شددوا الصاد (عامة قراء أهل المدينة والعراق)، ثم قال: وكل هذه القراءات متقاربات المعاني، وقد اختار القراءة الأخيرة لكثرة القراء بها، ولقول عمر ـ رضي الله عنه: (ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح). ويوضح القرطبي (7/82) الفروق بين معاني هذه القراءات فيقول: يصعد من الصعود وهو الطلوع، ويتصاعد: فيه معنى شيء بعد شيء، وذلك أثقل على فاعله ويتصعد: يتكلف ما لا يطيق شيئًا بعد شيء كقولك يتجرع ويتفوق، وجملة (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ) كما يقول الألوسي (8/22): إما استئنافًا أو حالاً من ضمير الوصف أو وصفًا آخر، وقد علل التشبيه بأنه للمبالغة في ضيق الصدر حيث شبه ضيق صدر الكافر بمن يزاول ما لا يقدر عليه فإن صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة (البيضاوي 2/451)، وكثير من المفسرين يحملون التشبيه على هذا المعنى؛ فيقول القرطبي (7/82): شبه الله الكافر في نفوره من الإيمان وثقله عليه بمنزلة من تكلف ما لا يطيقه كما أن صعود السماء لا يطاق. ويقول الطبري (8/30): وهذا مثل من الله ـ تعالى ـ ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه مثل امتناعه من الصعود إلى السماء
وعجزه عنه لأن ذلك ليس في وسعه مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد إلى السماء، ويقول الألوسي (8/23): وفيه تنبيه على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود، وما في (كَأَنَّمَا) هي المهيِّئة لدخول كأن على الجمل الفعلية. وقال صاحب روح البيان (3/10) (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ) في كيفية هذا التشبيه وجهان:
الأول: أن الإنسان إذا كلف الصعود إلى السماء ثقل ذلك التكليف عليه، وعظم وقعه عليه، وقويت نفرته منه؛ فذلك الكافر يثقل عليه الإيمان وتعظم نفرته منه، والثاني: أن قلبه يتباعد عن الإسلام ويتباعد عن قبول الإيمان فشبه ذلك البعد ببعد من يصعد من الأرض إلى السماء، قال صاحب الظلال (3/1203): (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ): وهي حالة نفسية تجسم في حالة حسية من ضيق النفس وكربة الصدر والرهق المضني في التصعد إلى السماء، وبناء اللفظ ذاته (يَصَّعَّدُ) ـ كما هو في قراءة حفص ـ فيه هذا العسر والقبض والجهد، وجرسه يخيل هذا كله فيتناسق المشهد الشاخص مع الحالة الواقعة مع التعبير اللفظي في إيقاع واحد.
حقيقة الاختناق وضيق الصدر عند التصعد في السماء
قد أصبح ظاهرة الضيق والاختناق عند الصعود في طبقات الجو العليا معروفاً الآن بعد سلسلة طويلة من التجارب والأرصاد التي أجراها العلماء لمعرفة مكونات الهواء وخصائصه، خصوصاً بعد أن تطورت أجهزة الرصد والتحليل المستخدمة للارتفاعات المنخفضة أو المحمولة بصورايخ وأقمار صناعية لدراسة طبقات الجو العليا . وتدل القياسات على أن الغلاف الجوي ( الغازي) للأرض متماثل التركيب (التكوين)، بسبب حركة الهواء التي تؤدي إلى حدوث عمليات الخلط الرأسي والأفقي (خصوصاً على الارتفاعات المنخفضة )، فتظل نسب مكونات الهواء ثابتة تقريباً حتى ارتفاع 80 كيلومتراً.
مركز تحميل الصور
علميا اذا تجاوز الإنسان ارتفاع الثمانية كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر فإنه يتعرض لمشكلات عديدة منها صعوبة التنفس لنقص الاوكسجين وتناقص ضغط الهواء, وهو مرض يسميه المتخصصون في طب الطيران باسم مرض عوز الأوكسجين Hypoxia ومنها مشكلات انخفاض الضغط الجوي والذي يسمي باسم خلل الضغط الجوي Dysbarism وتحت هذين العارضين لا يستطيع جسم الإنسان القيام بوظائفه الحيوية, فتبدأ في التوقف الوظيفة تلو الاخري, وهنا يمكن تفسير ضيق الصدر الذي يمر به الإنسان عند الصعود إلي تلك المرتفعات بغير استعدادات وقائية كافية, فيبدأ بالشعور بالإجهاد الشديد, والصداع المستمر, والشعور بالرغبة في النوم, ونتيجة للنقص في الضغط الجوي تبدأ الغازات المحبوسة في داخل أنسجة الجسم وتجاويفه المختلفة في التمدد من مثل الجهاز التنفسي من الرئتين والقصبة الهوائية وتشعباتهما والأنف, والجيوب الأنفية, والجهاز الدوري من القلب والاوردة والشرايين, والجهاز السمعي خاصة الأذن الوسطي, والجهاز الهضمي من مثل المعدة والأمعاء الدقيقة والغليظة, خاصة القولون, والفم والأسنان والأضراس واللثة مما يؤدي إلي آلام شديدة في كل أجزاء الجسم, وإلي ضغوط شديدة علي الرئتين والقلب وإلي تمزق خلاياهما وأنسجتهما, ويسبب الشعور بضيق الصدر وحشرجة الموت. كذلك تبدأ الغازات الذائبة في جميع سوائل الجسم وأنسجته في الانفصال والتصاعد إلي خارج حيز الجسد, وأهمها غاز النيتروجين الذي يصل حجمه في جسم الفرد البالغ إلي نحو اللتر موزعة بين الدم وأنسجة الجسم المختلفة, وتخرج هذه الغازات علي هيئة فقاعات تندفع الي الخارج بسرعة فائقة مما يزيد من تمزق الخلايا والأنسجة, وإلي حدوث آلام مبرحة بكل من الصدر والمفاصل, وإلي ضيق شديد في التنفس نتيجة لتصاعد فقاعات النيتروجين من أنسجة الرئتين, ومن داخل الشعيرات الدموية, ومن الأنسجة المحيطة بها ومن الجلد ومن أنسجة وخلايا الجهاز العصبي, فتتأثر رؤية الشخص, ويختل توازنه, ويصاب بصداع شديد, ثم إغماء كامل أو صدمة عصبية أو بشلل جزئي أو كلي وزرقة بالجسم تنتهي بالوفاة بسبب توقف كل من القلب والرئتين, وانهيار الجهاز العصبي, وفشل كامل في وظائف بقية أعضاء الجسم ولعل ذلك هو المقصود بقول الحق(تبارك وتعالي):
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لا يؤمنون*( الأنعام:125) وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين وإن بدأ يتحسسها منذ نهاية القرن الثامن عشر, وورودها في كتاب الله الذي أنزل قبل أربعة عشر قرنا علي نبي أمي صلي الله وسلم وبارك عليه في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين مما يؤكد أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, وأن هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض.
ولقد ثبت أن الضغط الجوي يقل مع الارتفاع عن سطح الأرض، بحيث ينخفض إلى نصف قيمته تقريباً كلما ارتفعنا مسافة 5 كيلومترات عن مستوى سطح البحر، بشكل مطرد. وطبقاً لهذا، فإن الضغط الجوي ينخفض فيصل إلى ربع قيمته على ارتفاع 10 كيلومترات، وإلى 1% من قيمته الأصلية على ارتفاع 30 كيلومتراً .
كما تتناقص كثافة الهواء بدورها تناقصاً ذريعاً مع الارتفاع حتى تقارب شبه العدم عند ارتفاع 1000كيلو متراً تقريبا من سطح الأرض.
ومن ناحية أخرى، فإن الأكسجين يقل في الجو كلما ارتفعنا إلى الأعلى، نظراً لنقصان مقادير الهواء، فإذا كان الأكسجين عند السطح 200 وحدة مثلاً، فإنه على ارتفاع 10 كيلومترات ينخفض فيصل إلى 40 وحدة فقط، وعلى ارتفاع 20 كيلومتر يزداد نقصانه لتصبح قيمته 10 وحدات فقط، ثم تصل قيمته إلى وحدتين فقط على ارتفاع 30 كيلومترا.
وهكذا، يمكن أن يضيق صدر الإنسان ويختنق بصعوده إلى ارتفاعات أعلى من 10 كيلومتراً، إن لم يكن مصوناً داخل غرفة مكيفة، وذلك نتيجة لنقص الضغط الجوي، ونقص غاز الأوكسجين اللازم للتنفس.. وبدون هذه الغرفة المكيفة يصاب الإنسان بالكسل والتبلد ويدخل في حالة من السبات وفقدان الذاكرة، ويتعرض لأضرار الأشعة الساقطة عليه من خلال الغلاف الجوي ... ويصاب بحالة [ديسبارزم] فينتفخ بطنه وتجاويف جسمه، وينزف من جلده، ويتوقف تنفسه، ويتدمر دماغه، ويدخل في غيبوبة الموت.
كما أثبت علم طب الفضاء إصابة الصاعد في طبقات الجو العليا دون الاحتماء في غرفة مكيفة ـ بالإعياء الحاد، وارتشاح الرئة، وأوديما الدماغ، ونزف شبكية العين، ودوار الحركة، واضطراب التوجه الحركي في الفضاء، واحمرار البصر ثم اسوداد البصر فهو أعلى حالات " الهلوسة البصرية "، إذ الأعين موجودة وسليمة وظيفياً لكن الضوء غير موجود، حيث لا يوجد في طبقات الجو العليا سوى الظلام الحالك، فيظن الصاعد في تلك الطبقات أنه قد أصابه سحر أفقده القدرة على الإبصار.
ونعود إلى الآية الرئيسية في موضوعنا، وهي قول الله تعالى : (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [سورة الأنعام :125].
لنرى كم هي بليغة، وكم هي معجزة، فهي بليغة إذ تشبه حال الكافر المعاند الذي يكابر ويرفض هداية الله،وإتباع الوحي الذي أنزل على خاتم الرسل والأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الكافر المعاند المكابر يضيق صدره كلما ابتعد عن هدي الله، أي : كلما ضل عن الطريق الإسلامي، وقد سبق أن أشرنا إلى " الحرج " بأنه أضيق الضيق، فهل تجد بعد هذا بلاغة وقوة في التعبير والتشبيه؟!
كما أنها آية معجزة، إذ أوضحت ظاهرة جوية وحقيقة فضائية لم يتوصل العلماء إلى معرفتها إلا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين الميلاديين، وهي الضيق والاختناق لكما أرتفع الإنسان في طبقات الجو، أي : في السماء والسماء هي كل ما علاك، وهي المعنى المعروف لمعظم الناس، وهو من المعاني الصحيحة لهذه الكلمة القرآنية .. وسبحان من هذا كلامه.
المراجع:
1 ـ النسفي (عبدالله بن أحمد بن محمود)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل ط1 ـ 1415هـ ـ 1995م، بيروت، دار الكتب العلمية.
2 ـ البيضاوي (ناصر الدين أبو سعيد عبدالله الشيرازي)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ط1 1408هـ ـ 1988م، بيروت، دار الكتب العلمية.
3 ـ أبو السعود (محمد بن محمد العمادي) إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
4 ـ أبو محمد مكي بن طالب القيسي، الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، ط4 1407هـ ـ 1987م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
5 ـ ابن كثير (أبو الفداء إسماعيل بن كثير) تفسير القرآن العظيم، بيروت.
6 ـ الطبري (أبو جعفر محمد بن جرير) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 1405هـ ـ 1984م، دار الفكر بيروت.
7 ـ الشوكاني (محمد بن علي) فتح القدير، 1983م، دار الفكر، بيروت.
8 ـ الرازي (الفخر) التفسير الكبير، دار الباز، مكة المكرمة.
9 ـ القرطبي (أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري) الجامع لأحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
10 ـ ابن منظور، لسان العرب.
11 ـ الألوسي (محمود البغدادي) روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني، 1414هـ ـ دار الفكر، بيروت.
12 ـ إسماعيل حقي البرسوي، تفسير روح المعاني، دار الفكر، بيروت.
13 ـ محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، دار الفكر، بيروت.
1 - Guyton, Text book of Medical physiology (1991) 8
Edition. W.B. Saunders USA.
2 - Ross and Wilson, Anatomy and physiology in health and illness (1994) 7 Edition, Churchill Livingstone.
3 - Arthur C.guyton, Human physiology and Mechanisms of disease (1992) fifth Edition W.B. Sounders company.U.S.A
Bookmarks