صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 36

الموضوع: قصة الإسناد ( سلسلة دروس تثقيفية في علم الحديث )

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المشاركات
    965
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي قصة الإسناد ( سلسلة دروس تثقيفية في علم الحديث )

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    فهذه هي الحلقة الأولى من حلقات ( قصة الإسناد ) وهي مجموعة من المشاركات التثقيفية في باب علم الحديث ، والتي لن تكون على الطريقة الرتيبة المعتادة ، بل ستكون بلغة يفهمها عامة الناس وسأحكيها ك( قصة ) ، فقد لاحظت أنه في هذا المنتدى المبارك يوجد الكثير من الأعضاء المتخصصين بعلوم غير شرعية وكثير من المتشوفين للمعرفة ورأيت من حق هؤلاء جميعاً بل وجميع المسلمين أن يعلموا كيف وصلت إليهم سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ومن نقلها إليهم وما هي الآليات المعتمدة في معرفة الصحيح من السقيم بحيث يفهم المسلم هذا ويستطيع إيصاله إلى أبنائه وإلى غير المسلمين ويزداد يقينه بحفظ الله عز وجل لهذا الدين

    في هذه الحلقات سنسير بخطى متباطئة في أروقة مكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط والشام واليمن ومصر في زمن الصحابة والتابعين لنرى كيف نقل علماء هذه البلدان السنة وكيف كانوا يعيشون وما هي الآليات التي اعتمدوها لحفظ الحديث

    ثم سننتقل إلى بغداد وخراسان في زمن أتباع التابعين ، ونعرف كيف كانوا يكشفون علل الحديث المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم وأعدك أنك ستتفاجأ بحقائق لأول مرة ستسمعها في حياتك فكن معي

    ولنبدأ أولاً : ما معنى كلمة ( إسناد )؟

    التعريف المعتمد هو سلسلة الرواة الموصلة للمتن مع اعتبار صيغ التحديث

    فقول البخاري مثلاً حدثنا القعنبي حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة )

    من البخاري إلى ابن عمر ( هذا إسناد ) ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم هو المتن

    والإسناد ليس خاصاً بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم بل كل أعلام الأمة في تلك الحقبة أخبارهم تروى بإسناد ، ولكن الشروط الشديدة في القبول خاصة بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم

    وهنا سؤال قبل الخوض في لجة الكلام عن أمر الإسناد

    لماذا اهتم المسلمون بجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وروايته ؟

    الجواب : لأن الله عز وجل أكرم نبيه بأن رفع ذكره فقال تعالى ( ورفعنا لك ذكرك ) ومعنى الرفع أن يذكر النبي صلى الله عليه وسلم مع في الأذان وفي التشهد وتذكر سنته مع القرآن ويكون هو الشارح الأول للقرآن

    فالسنة فيها تحديد الصلوات وكيفيتها وأنصبة الزكاة وكيفية الحج بدقة

    وقد أجمعت الأمة على أحكام هي خارج القرآن كتحريم الجمع بين المرأة وخالتها والمرأة وعمتها ، وكتحديد نصاب لقطع يد السارق وقطع يده من الرسغ وإسقاط القطع عن الخائن في أحكام كثيرة

    وقد جمع الإمام أحمد كتاباً أسماه (طاعة الرسول ) جمع فيه الآيات من القرآن التي تدل على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم

    ولنرجع لأمر الإسناد

    فهل تعلم أخي المسلم أن الإسناد من مفاخر الأمة الثلاثة

    قال الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث 69 - أخبرنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز ، بهمذان ، قال : حدثنا صالح بن أحمد الحافظ ، قال : سمعت أبا بكر محمد بن أحمد يقول : « بلغني أن الله ، خص هذه الأمة بثلاثة أشياء ، لم يعطها من قبلها الإسناد والأنساب والإعراب »

    أما الإسناد فيأتي الإطناب في الكلام عليه ، وأما الأنساب فالتدقيق في أمر الأنساب بحيث يعلم المرء نسبه البعيد وأجداده إلى عشرة أو إلى خمسة عشر أمر اختصت به العرب ، وأما الإعراب فيريد به النحو وهو أن تكون هناك حركات كالفتحة والضمة والكسرة تجعل في آخر الكلمة وتبين معناها إن كانت فاعلاً أو مفعولاً أو اسم جر أو غيرها وهذا لا يوجد في لغة أخرى

    فهذه أمور ثلاثة اختصت بها الأمة وبابنا الآن الإسناد ، فهل تعلم أنه لا يوجد نبي ولا رجل صالح قبل النبي صلى الله عليه وسلم رويت أقواله بالإسناد المتصل ، ووضعت تراجم رواة أخباره في كتب ، وتكلموا عليهم جرحاً وتعديلاً ووفروا عنهم كل المعلومات اللازمة من مكان مولده وسكنه ووفاته وعدالته وضبطه فإن لم تتوفر هذه المعلومات لم يقبل خبره

    ولهذا قال بعض المستشرقين ( ليفخر المسلمون كما شاءوا بعلم الحديث ) وسيظهر لك مصداق قوله في كل حلقة سنكتبها إن شاء الله تعالى في هذا الباب

    فإن قلت : هل يوجد في القرآن ما يشير إلى أن السنة محفوظة كالقرآن ؟

    فيقال قوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )

    فالذكر القرآن وقد قال تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )

    فكيف يحفظ رب العالمين القرآن ولا يحفظ شرحه وبيانه من السنة هذا لا يجوز في الحكمة الإلهية ، وسيظهر لك آيات عجيبة في حفظ الله عز وجل لهذا الدين بحفظ السنة

    فإن قال قائل : قد علمنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم واجب الطاعة على أمته ، فكيف بدأت قصة الإسناد إليه ؟

    فيقال : بدأت من خلال أصحابه هذه هي بداية القصة والصحابة كلهم عدول والصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك ؟

    فإن قيل : ما الدليل على هذا التعريف وما الدليل على أنهم عدول أصلاً ؟

    فيقال : الدليل ورد في حديث ثابت وهو قوله لهم (نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه)

    وهذا الحديث رواه جمع من الصحابة

    وقوله صلى الله عليه وسلم لهم في حجة الوداع حيث اجتمعوا جميعاً ( ليبلغ الشاهد منكم الغائب )

    وهذا أيضاً رواه جمع من الصحابة

    وما كان ليأمرهم بالتبليغ وليسوا أهلاً له من جهة الضبط أو العدالة

    وقد قال الله تعالى : (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)

    فوعد الله بالحسنى من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن أنفق بعده وقاتل وهذا يستوعب الصحابة جميعاً

    وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)

    وهذه تزكية لجميع الصحابة الذين قاتلوا أهل الردة

    وقال مسلم في صحيحه 6558- [208-2532] حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ ، وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، قَالَ : سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرًا ، يُخْبِرُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ ، يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ.

    فرتب الفضل على صحبة النبي صلى الله عليه وسلم فدل على عدالتهم وفضلهم جميعاً وأبو سعيد الخدري من الصحابة المجمع على أنهم صحابة ، وقد روى عنه هذا الحديث صحابي آخر جابر بن عبد الله تصديقاً له

    قال البغوي في الجعديات 2232 : حدثنا علي ، أنا زهير ، عن الأسود بن قيس ، عن نبيح العنزي قال :
    كنت عند أبي سعيد الخدري فذكر علي بن أبي طالب ومعاوية ، أحسبه قال : فنيل من معاوية - كذا قال علي - وكان مضطجعا فاستوى جالسا ، فقال : كنا ننزل أو نكون مع النبي صلى الله عليه وسلم رفاقا ، رفقة مع فلان ، ورفقة مع أبي بكر
    فكنت في رفقة أبي بكر ، فنزلنا بأهل بيت أو بأهل أبيات ، فيهن امرأة حبلى ، ومعنا رجل من أهل البادية ، فقال لها البدوي : أيسرك أن تلدي غلاما أن تعطيني شاة ، فأعطته شاة ، فسجع لها أساجيع ، ثم عمد إلى الشاة فذبحها ، ثم طبخها
    قال : فجلسنا ، أو فجلسوا فأكلوا فذكروا أمر الشاة ، فرأيت أبا بكر متبرزا مستنثلا يتقيأ - قال ابن منيع : لم أفهم عن علي هذا الكلام إلى قوله يتقيأ - قال : ثم إن عمر أتي بذلك الأعرابي يهجو الأنصار
    فقال عمر : لولا أن له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكفيتكموه ولكن له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم

    وهذا إسناد صحيح ، فأبو سعيد الخدري لما رأى الذين ينالون من معاوية حدثهم بأن عمر بن الخطاب أسقط العقوبة عن رجل نال من الأنصار لصحبته ، وأراد بذلك قياس معاوية عليه وهو أولى بذاك رضي الله عنه
    واللطيف أن هذا الخبر يرويه علي بن الجعد الذي كان شيعياً وله وقيعة في معاوية

    وقد قال تعالى ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )

    فرتب الفضل على المعية ، ومما يدل على صدقهم في أمر الرواية أنهم قد حصلت بين بعضهم الفتن بعد مقتل عثمان فما حصل من أحد منهم أنه اتهم الآخر في أمر روايته أو طعن في دينه في هذا الباب

    فإن قيل : فكم هو عدد الصحابة الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وصدق عليهم اسم الصحبة ؟

    فأقول : شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم 124 ألفاً كما ذكر أبو زرعة الرازي

    فإن قيل : على هذا الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً وكم منهم روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم

    فيقال : رواة الحديث من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغوا الألف ! قد جمعهم ابن حزم في كتاب فكانوا 999 نفساً وقد احتسب الصحيح مع الضعيف وأكثر من 350نفساً منهم لم يروِ إلا حديثاً واحداً وكثير منهم لم يروِ إلا حديثين أو ثلاثة

    فإن قيل : ما السبب في هذا مع كثرتهم على ما ذكرت آنفاً

    فيقال : السبب في ذلك أن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أمره شديد وكان الصحابة الكبار يشكلون رقابة صارمة على أمر الرواية وكان الناس يتورعون عن التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم خوف الخطأ حتى وصل الأمر إلى القلة التي ذكرت لك وإليك بعض الأخبار التي تشرح طرفاً من هذا

    قال الدارمي في مسنده 135 - أخبرنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عطاء بن السائب قال سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول : لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار وما منهم من أحد يحدث بحديث إلا ود ان أخاه كفاه الحديث ولا يسأل عن فتيا إلا ود ان أخاه كفاه الفتيا

    وقال ابن ماجه في سننه 26- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ ، قَالَ : سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ : جَالَسْتُ ابْنَ عُمَرَ سَنَةً ، فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ شَيْئًا

    وقال أحمد في مسنده 19324 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قُلْنَا لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: حَدِّثْنَا، قَالَ: «كَبُرْنَا وَنَسِينَا، وَالْحَدِيثُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدٌ»

    فكان ينتدب للحديث أفراد من الصحابة كثير منهم حمله على الإكثار من الحديث أسباب سأذكرها ، من أهمها أنه كان المنتدب من بقية الصحابة لذلك

    فإن سألت : هل يوجد في الصحابة مكثرون رووا الكثير من الأحاديث

    قلت لك : معظم الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم تدور على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك وعائشة وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم جميعاً

    والسبب في كثرة حديث هؤلاء هو طول العمر في كل من عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وجابر ( آخر الصحابة موتاً في المدينة ) ، وأنس ( آخر الصحابة موتاً في البصرة ) وأبي سعيد الخدري

    فهم لما كانوا في زمن الصحابة الكبار كانت كثير من السنن ظاهرة متوارثة فالناس يعرفون كيف يصلون وكيف يحجون وكيف يزكون وكيف يقسمون الميراث وكيف يجاهدون وغيرها من الأمور وما ظهرت البدع ولا الإحداثات فلما أدرك هؤلاء الإحداث صاروا يحدثون بالسنن ولما جهلت الكثير من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت متواترة بين المسلمين في الصدر الأول صاروا يحدثون بها

    فإن قيل : هلا ضربت أمثلة على أمور كان معلومة في زمن كبار الصحابة وجهلت في زمن بني أمية مثلاً

    فيقال : هنا عدة أمثلة

    أولها مواقيت الصلاة

    قال البخاري في صحيحه 3221 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ أَمَا إِنَّ جِبْرِيلَ قَدْ نَزَلَ فَصَلَّى أَمَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ اعْلَمْ مَا تَقُولُ يَا عُرْوَةُ قَالَ سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ

    فعمر بن العزيز على جلاته لم يكن يعرف المواقيت الصحيحة للصلاة حتى حدثه عروة بسبب تغيير بني مروان بن الحكم في هذا الباب كما بشر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك

    المثال الثاني : التكبير في كل خفض ورفع

    قال البخاري في صحيحه 788 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّهُ أَحْمَقُ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ

    فعكرمة الفقيه جهل هذه السنة بل ظن أن من يفعلها أحمق فأخبره ابن عباس بأن هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا ريب أنهم في الصدر الأول لم يكونوا يجهلون هذا أبداً

    المثال الثالث : إطالة الجلوس بين السجدتين

    قال البخاري في صحيحه 821 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا قَالَ ثَابِتٌ كَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ

    وهذه السنة إلى اليوم يهجرها عامة المسلمين

    فإن قيل : ماذا عن أبي هريرة ؟

    فيقال هذا الصحابي كان باقعة في قوة الحفظ وليست كل الأحاديث التي يحدث بها عن النبي صلى الله عليه وسلم سمعها منه بل كثير منها سمعه من صحابة آخرين وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يثبت الله حفظه فكان حفظه آية ولو تتبعت أحاديثه لوجدت معظمها قد ووفق عليه من صحابة آخرين ولا أدل على قوة الحفظ من هذا

    وسيأتي في ذكر تراجم الحفاظ من كان عنده القدرة على حفظ مائة حديث ومائتين بالإسناد في يوم واحد فكيف بحفظ رجل لا يحتاج إلى إسناد وإنما يحكي ما يرى

    فإن قيل : هل صحيح أن أحاديثه فاقت الخمسة آلاف أو الثلاثة آلاف

    فيقال : هذه أسطورة مشهورة

    والواقع أن الأحاديث الثابتة عن أبي هريرة لا تبلغ ربع هذا ، وعموم هذه الإحصائيات تعتمد المكرر

    فقد نظرت في أحاديث أبي هريرة في كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخين فوجدتها ( 374)

    وقد نظرت في الجمع بين لصحيحين للحميدي ( وقد ذكر الأحاديث التي اتفقوا عليها وما انفرد به كل واحد منهما ) فوجدت العدد مقارباً

    ومعلومٌ أن أصحاب الصحيحين ما استقصوا كل أحاديث الراوي غير أن من أهل العلم من يرى أنهم استقصوا السلاسل المشهورة ، والأصول التي على شرطهما

    قال ابن الصلاح في صيانة صحيح مسلم ص95 :" وإذا كان الحديث الذي تركاه _ يعني البخاري ومسلماً _ أو أحدهما _ مع صحة إسناده _ أصلاً في معناه ، عمدة في بابه ، ولم يخرجا له نظيراً ، فذلك لا يكون إلا لعلة فيه ، خفيت واطلعا عليها ، أو التارك له منهما ، أو لغفلة عرضت . والله أعلم "

    قال النووي في شرح صحيح مسلم (1/18) :" لكنهما اذا كان الحديث الذي تركاه أو تركه أحدهما مع صحة اسناده في الظاهر أصلا في بابه ولم يخرجا له نظيرا ولا ما يقوم مقامه فالظاهر من حالها أنهما اطلعا فيه على علة ان كانا روياه ويحتمل أنهما تركاه نسيانا أو ايثارا لترك الاطالة أو رأيا أن غيره مما ذكراه يسد مسده أولغير ذلك والله أعلم"

    قال ابن عبد البر في التمهيد (10/ 278) :" ولم يخرج البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثا واحدا وحسبك بذلك ضعفا لها"

    وقال الحاكم في معرفة علوم الحديث ص59 : " إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط ، وإنما يعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع ، وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ليظهر ما يخفى من علة الحديث . فإذا وجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة ( رواة الحديث ثقات ) غير مخرجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم لزم صاحب الحديث التنقير عن علته ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علته "

    ثم نظرت في الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين في كتاب الشيخ مقبل الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين فوجدت الأحاديث التي ذكرها الوادعي عن أبي هريرة فوجدتها ( 276) حديثاً فقط !
    والوادعي جمع كتابه هذا من المسند لأحمد والسنن الأربعة ومسند البزار ومستدرك الحاكم وغيرها من المصادر الأصلية ، وهذا يدلك أن معظم أحاديثه الثابتة في الصحيحين

    فيصير مجموع الأحاديث لأبي هريرة في الصحيحين والصحيح المسند (650) حديثاً فقط ، ويستحيل أن يوجد خارج هذه الكتب أكثر منها ، فضلاً عن ضعفها ، ومعنى هذا أن أحاديث أبي هريرة الصحيحة يستحيل أن تزيد على ألف حديث

    قال الزيلعي في نصب الراية (1/ 355) :" وَبِالْجُمْلَةِ ، فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا لَيْسَ فِيهَا صَرِيحٌ صَحِيحٌ ، بَلْ فِيهَا عَدَمُهُمَا ، أَوْ عَدَمُ أَحَدِهِمَا ، وَكَيْفَ تَكُونُ صَحِيحَةً ، وَلَيْسَتْ مُخَرَّجَةً فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّحِيحِ ، وَلَا الْمَسَانِيدِ ، وَلَا السُّنَنِ ، الْمَشْهُورَةِ "

    فاستدل على ضعف هذه الأحاديث بخروجها عن الكتب المشهورة

    قال ابن رجب في فتح الباري (4/366) :" فمن اتقى وأنصف علم أن حَدِيْث أنس الصحيح الثابت لا يدفع بمثل هذه المناكير والغرائب والشواذ الَّتِيْ لَمْ يرض بتخريجها أصْحَاب الصحاح ، ولا أهل السنن مَعَ تساهل بعضهم فيما يخرجه ، ولا أهل المسانيد المشهورة مَعَ تساهلهم فيما يخرجونه "

    قال ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 151) :" فمتى رأيت حديثا خارجا عن دواوين الاسلام، كالموطأ ومسند أحمد والصحيحين وسنن أبى داود ونحوها، فانظر فيه، فإن كان كان له نظير من الصحاح والحسان قرب أمره، وإن ارتبت فيه ورأيته يباين الاصول فتأمل رجال إسناده وام تبر أحوالهم من كتابنا المسمى بالضعفاء والمتروكين، فإنك تعرف وجه القدح فيه"

    قال البيهقي في مناقب الشافعي (2/ 321) :"فإنه ذكر فيما رويناه عنه توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذي لا يحفظون حديثهم ، ولا يحسنون قراءته من كتبهم ، ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة من أصل سماعهم .
    ووجه ذلك بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقعت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب شئ منها على جمعيهم ، وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها "

    وهذا درس استباقي سيتم بسط الكلام عليه لاحقاً

    فإن قيل : ما رأي بقية الصحابة بمرويات أبي هريرة

    فيقال : أشد الصحابة نقداً هما عمر وعائشة ،فأما عمر فكان قد ولى أبا هريرة على البحرين والوالي يجب أن يكون فقيهاً حتى يتعلم منه الناس فهذا اعتراف ضمني بفقه أبي هريرة ، وقد كان يفتي في زمن عمر ويخبر عمر بذلك فيقول له ( لو أفتيت بغير هذا لأوجعتك ) فهو معدود في المفتين

    وأما عائشة فلأبي هريرة معها قصة

    قال الإمام البخاري (3375) وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة أنها قالت:ألا يعجبك أبوهريرة، جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك، وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم.ورواه مسلم 2493

    فأبو هريرة يذهب لحجرة عائشة ويجلس يحدث عندها ليرى هل تنكر عليه أم تقره وهذا أمر لا يقدم عليه إلا صادق فإن أم المؤمنين نقدها شديد وقد خطأت العديد من الرواة ، فما أنكرت عليه سوى سرده للحديث الكثير ولو كان يحدث بغير الصدق لكان إنكار مثل هذا أولى من إنكار السرد

    وقال الترمذي في جامعه 3836 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: لِأَبِي هُرَيْرَةَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْتَ كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْفَظَنَا لِحَدِيثِهِ» : «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ»

    وعبد الله بن عمر من قدماء المهاجرين وشهادته هذه نفيسة ، وأبو هريرة لم يدخل في شيء من أمر الفتن

    وأما أم المؤمنين عائشة فهذه تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة السن والتعليم في الصغر كالنقش على الحجر وكانت أقدم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة وأعرفهن بأحواله مع حباها الله به من الذكاء المفرط فقد كانت عالمة بالفرائض وتحفظ شعراً كثيراً وكل من يتتبع أخبارها يرى فصاحةً عجيبة وتراكيب رشيقة ومعبرة

    وقد طال بها العمر غير أنها كان الوصول إليها صعباً لأنها محتجبة ولا يدخل عليها إلا رجل مزكى كالأسود بن يزيد الذي كان من العباد المعروفين في الكوفة ومن خاصة عبد الله بن مسعود فكان يستأذن فيدخل وتحدثه من وراء الحجاب ، غير أن رب العالمين قيض ابن أختها عروة بن الزبير وابن أخيها القاسم بن محمد اللذان كانا من علماء التابعين وحملا عنها علماً كثيراً بالإضافة إلى جماعة من النساء اللواتي سمعن منها وبعض مواليها

    ولهذا عمر بن عبد العزيز لما خاف من دروس العلم طلب من الزهري أن يجمع حديث عروة وعمرة وهما تلميذان لعائشة لأنها كانت أعسر المكثرين حديثاً بسبب صعوبة الوصول إليها ولو أذنت لكل من يريد أن يدخل ويسأل بالدخول لما حظيت بالخصوصية ولصار الناس يدخلون عليها ليل نهار يسألونها عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم

    وأما ابن أختها عبد الله بن الزبير الذي تكنت به ( أم عبد الله ) فلم يكثر الرواية عنها لظروف الملك ولكونه قتل والصحابة متوافرون وأما عروة فاحتاجه الناس لكونه طال به العمر

    ولشدة تشوف الناس لحديث عائشة كان هشام بن عروة يروي عن أبيه عروة ( ابن أخت عائشة ) عن عائشة أحاديث لم يتخلف عالم في الكوفة أو المدينة من التتلمذ عليه طلباً لهذه الأحاديث

    وبقية المكثرين لهم شأن أيضاً فأنس بن مالك كان خادماً ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم وجابر بن عبد الله في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى في قضاء دينه وعمل صلوات وسلامه عليه بيديه الشريفتين في بستان جابر لقضاء دينه

    وعبد الله بن عباس هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وعامة الأحاديث التي يرويها لم يسمعها من النبي مباشرة وإنما سمعها من صحابة آخرين فقد عني بطلب العلم وظهر نبوغه حتى كان من خاصة عمر ولم يبلغ الثلاثين بعد

    وهناك من الصحابة من هو متوسط الرواية ليس مكثراً ولا مقلاً كابن مسعود وسهل بن سعد وأبي ذر وأم سلمة وغيرهم

    فإن قيل : فأين الخلفاء الراشدون وأين فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ؟

    فيقال : أما الخلفاء الراشدون فقد تقدم أن من أسباب إكثار المكثرين طول عمرهم والراشدون عامتهم توفوا قبل الأربعين من الهجرة ، وكانت عامة السنن فاشية ومعروفة لقرب العهد بالنبي صلى الله عليه وسلم بل كثير من أحاديث المكثرين قد تكون عن الراشدين مع ورع الصحابة عن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير ضرورة حتى أن أحدهم تكون في رأسه الفكرة سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم فيتكلم بها تقريراً ولا ينسبها للنبي صلى الله عليه وسلم خشية أن يخل بالألفاظ لهذا تجد أن علياً وابن مسعود وعمر الآثار عنهم من كلامهم أكثر من حديثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وكثيرٌ من آثارهم تكتشف أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم

    ثم إن الخلفاء الراشدين كان لهم فضل في بيان الأمور الضرورية والتي يحتاج إليها كل مسلم ، فقد فقه عمر من حديث جبريل في سؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان وحديث الأعرابي الذي قال ( لا أزيد ) فقال النبي ( أفلح إن صدق ) أن هناك معانٍ من الضرورة بمكان لكل مسلم أن يتعلمها ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية حرصوا على بيان هذه المعاني

    فأبو بكر الصديق له كتاب في توضيح أحكام الزكاة مخرج في الصحيحين ، وله وصايا في الجهاد معروفة

    وعثمان وعلي كل منهما جلس يعلم الناس الوضوء في أحاديث معروفة

    وقد كان ابن عمر يقول أن عثمان أعلمهم بأحكام الخلع

    وعلي هو أقضى الصحابة

    وعمر بن الخطاب أقضيته في النكاح والطلاق والمواريث والفيء والخمس والديات وأحكام أهل الذمة وغيرها هي المعتمدة عند عامة الفقهاء وقد حدث بحديث ( إنما الأعمال بالنيات ) وحديث جبريل المشهور ومعلوم أن كل مسلم يحتاج إلى هذين الحديثين وله أحاديث أخرى ولكن هنا إشارة لكونه لم يكن يحدث إلا بالهام الضروري ، وقد قال الزهري أن زيد بن ثابت إنما تعلم الفرائض ( المواريث ) من عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت له كتاب في الفرائض ثابت عنه فيه تلخيص جيد لأحكامها الضرورية الهامة

    وأما أمر المناسك فكلهم ضارب بسهمه في الباب

    وأما الصلاة فلم يكونوا يحتاجون إلى توضيح كثير من أحكامها لأن يصلون بالناس وتطبيقاتهم الفعلية ظاهرة ، بخلاف أمر الطهارة الذي تكلف علي وعثمان تعليمه للناس لأنه في الغالب آنذاك يفعل في حال استتار عن غالب الناس

    وهذا المعنى الذي ذكرته هنا من توضيح الراشدين لركائز الدين مقتبس من كلام ابن تيمية في منهاج السنة

    والجدير بالذكر أن معاوية بن أبي سفيان الذي تناله الألسنة كثيراً والله المستعان كان سائراً على هذا فحدث بحديث ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) وحديث الطائفة المنصورة وحديث الافتراق وهذه الأحاديث على شهرتها يجعل كثيرون أن معاوية رواها ولا يخفى ما في هذه الأحاديث من فائدة ضرورية لكل مسلم

    ولم يحتج هؤلاء لما احتاج إليه المكثرون من التحديث بأحكام كانت عند عامة المسلمين في زمن القرب من الرسالة معلومة ظاهرة منتشرة

    والذي حرص عليه الراشدون من عدم إشغال الناس بغير الضروري هو ما يقع فيه كثير من المسلمين اليوم من البحث في أمور الفتن وتفاصيل الغزوات وهو لا يحسن أداء الفرائض بشكل جيد

    وأما فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فهي توفيت بعده بقليل ، وكانت في عامة حياتها في بيت زوجها علي ولا يبلغها من العلم إلا ما يبلغه هو

    فإن قيل : ما هي العوامل التي ساهمت في حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحفظ الإلهي المعجز ؟

    فيقال : هناك عدة عوامل في طبيعة الأخبار وطبيعة حامليها تجعل النفس تطمئن إلى أن السنة نقلت على أكمل وجه

    الأول : أن العرب في طبيعتهم آنذاك كانوا أقوياء الحفظ ولهذا كانوا يحفظون القصائد الطويلة من أول مرة يسمعونها كالمعلقات التي فشت فيهم مع قلة القراء والكتاب فيهم في ذلك الوقت ، وهذا أمر موجود في أهل القرى إلى يومنا هذا

    الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلام ثلاثاً وكان يترسل في كلامه لكي يفهم كما نصت عليه عائشة

    الثالث : أنه كان رجلاً بليغاً وكان يختصر الكلام بعبارات جامعة وأحاديثه الطوال نادرة جمعها الطبراني في مصنف مستقل لا يبلغ المجلد

    الرابع : أن كثيراً من الأحاديث قد ارتبطت بواقع عملي كالأحاديث المتصلة بالعبادات والمعاملات فكان يقولها ويطبقها ويطبقها معه الصحابة وهذا أرسخ للحفظ

    الخامس : أنه كان يقول أكثر أخباره في محفل من الناس

    السادس : أن الصحابة كانوا يتراجعون في بعض الأخبار فدل سكوتهم على عامة الأخبار أنها معروفة عندهم فقد أنكرت عائشة على ابن عمر قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب وخطأته في ذلك وهما متفقان على اعتماره ولكن اختلفا في الشهر ، وأنكرت أمهات المؤمنين على أبي هريرة تحديثه بحديث منسوخ في الجنب يصبح صائماً فالحديث كان صحيحاً ولكنه كان منسوخاً فحصل الإنكار ، بل كره سلمان لحذيفة التحديث ببعض أحاديث الفتن لكون العقول لا تبلغها

    السابع : أن السنة كان شيء كثير منها مدون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومن ادعى أن السنة لم تدون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فقط غلط

    قال أحمد في مسنده 6510 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الْأَخْنَسِ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: " اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَّا حَقٌّ "

    فهذا واضح أن عبد الله بن عمرو كان يكتب

    وقال البخاري في صحيحه 113 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

    وقال البخاري في صحيحه 2434 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ قُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ مَا قَوْلُهُ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    وهذا حديث متأخر في فتح مكة

    وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان عند أبي بن محمد بن عمرو بن حزم مشهور معروف عند المحدثين

    وله صلوات وسلامه عليه كتب عديدة للأمصار

    وأما الحديث الذي في صحيح مسلم 7620- [72-3004] حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي ، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ ، وَحَدِّثُوا عَنِّي ، وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ ، قَالَ هَمَّامٌ : أَحْسِبُهُ قَالَ ، مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.

    فهذا الحديث أعله البخاري بالوقف على أبي سعيد بمعنى أنه حقق أن هذا الحديث إنما كلام أبي سعيد الخدري لا النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كان يفعله بعض السلف ينهى عن الكتابة لتدريب الطلبة على الحفظ وعدم الاتكال عليها

    ومن صححه من أهل العلم رأى الأحاديث الأخرى وهي أصح في الإذن ناسخة له خصوصاً مع كون حديث أبي شاة في حجة الوداع ، وخصوصاً مع كون عبد الله بن عمرو كان يحتفظ بصحيفته عن النبي صلى الله عليه وسلم

    قال أحمد في مسنده 6851 - حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَى بَيْنَ يَدَيَّ صَحِيفَةً، فَقَالَ: هَذَا مَا كَتَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرْتُ فِيهَا، فَإِذَا فِيهَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي مَا أَقُولُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ، قُلْ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا، أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ "

    وهذا خبر ثابت ، وهو يفسر كثرة أخبار عبد الله بن عمرو

    وهذه هي الحلقة الأولى من قصة الإسناد ولم ندخل في صلب القصة بعد ، وأود أن أعرف رأي الأخوة لكي أستمر أو لا أستمر

  2. #2

    افتراضي

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    لدي سؤالين :
    1/ ما معنى آثارا مرفوعة عن النبي؟
    2/ أين كتب الحديث الأصلية (أقصد التي كتبها البخاري ومسلم...) بإسناداتها اليوم وبيد من؟

    وأود أن أعرف رأي الأخوة لكي أستمر أو لا أستمر
    أتمنى أن تستمر وجزاك الله خيرا.
    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
    (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) الحج (18)

  3. #3

    افتراضي

    متابع ... إستمر جزاك الله خيراً ...
    " وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ "

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المشاركات
    965
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Northern Bird مشاهدة المشاركة
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    لدي سؤالين :
    1/ ما معنى آثارا مرفوعة عن النبي؟
    2/ أين كتب الحديث الأصلية (أقصد التي كتبها البخاري ومسلم...) بإسناداتها اليوم وبيد من؟


    أتمنى أن تستمر وجزاك الله خيرا.
    المحدثون يقسمون الأخبار إلى مرفوع يصل كلام النبي صلى الله عليه وسلم

    وموقوف يعني كلام الصحابي

    فحديث ( إنما الأعمال بالنيات ) مرفوع لأنه وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم

    وأي عبارة تنقل عن صحابي تعتبر موقوفة أو حتى من دون الصحابي وبعضهم يسميها موقوفة

    وفائدة هذه الألفاظ اختصار الكلام إذا اختلف الرواة فبعضهم نسب الكلام للنبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم نسب الكلام للصحابي

    فيقول العالم العارف بالعلل ( الموقوف أصح ) يعني أن الصواب في هذا الخبر أنه من كلام الصحابي أو يقول ( المرفوع أصح ) يعني أن الصواب أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم

    وإليك مثال توضيحي في المسألة

    قال ابن حبان في صحيحه 5761 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَرُوبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُبْصِرُ أَحَدُكُمُ الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنِهِ»

    وقال البخاري في الأدب المفرد 592- حَدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدثنا مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ الْحَذَّاءُ الْحَرَّانِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: يُبْصِرُ أَحَدُكُمُ الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْلَ، أَوِ الْجِذْعَ، فِي عَيْنِ نَفْسِهِ.
    قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْجِذْلُ: الْخَشَبَةُ الْعَالِيَةُ الْكَبِيرَةُ.

    فخبر ابن حبان مرفوع لأنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وخبر البخاري في الأدب موقوف لأنه وقف عند أبي هريرة وجعل الكلام من كلامه والإسنادان يلتقيان في نقطة معينة وهي جعفر بن برقان ، والصواب في هذا الخبر أنه من كلام أبي هريرة موقوفاً عليه ، ومن زاد فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ

    فإن قيل : كيف عرفت هذا ؟

    أقول لك : هذه صنعة المحدثين التي أحاول شرحها في الحلقات ، ويمكن أن أبين لك اختصاراً فأقول بحسب معطيات كلام أئمة الجرح والتعديل الذي وقف الخبر أوثق من الذي رفعه

    وأما كتب الحديث الأصلية فالبخاري ومسلم جزء من ثورة علمية هائلة ولا يوجد حديث في كتابيهما إلا وهو موجود في مصادر أصلية أخرى والرجلان كتبا كتابهما ثم أملياه على الطلبة فيوجد عشرات النسخ الخطية لكتاب البخاري وكتاب مسلم وكل نسخة خطية عليها سماعات

    والسماعات هي التوثيق للدروس التي أخذت على هذه الكتب ، وللناس إلى اليوم أسانيد إلى كتابي البخاري ومسلم وأنا مثلاً عندي عدة أسانيد لهما

  5. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اكمل ايها الاستاذ الفاضل بارك الله فيك ...
    وإن أذنت فلي ملاحظتان:
    1)- كلام الصحابي عن امور لا مجال للاجتهاد او للراي فيها له حكم المرفوع ... ما رأيك في هذا الامر هل له محددات ام هو باطلاق؟
    2)- اجازني بعض المشايخ حفظهم الله تعالى باسانيدهم الى كتب الحديث عبر الشبكة فما رأيك بهذه الاجازات؟
    رُبَّ ما تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأَمْرِ .. لَهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقالِ

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المشاركات
    965
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو علي الفلسطيني مشاهدة المشاركة
    بسم الله الرحمن الرحيم

    اكمل ايها الاستاذ الفاضل بارك الله فيك ...
    وإن أذنت فلي ملاحظتان:
    1)- كلام الصحابي عن امور لا مجال للاجتهاد او للراي فيها له حكم المرفوع ... ما رأيك في هذا الامر هل له محددات ام هو باطلاق؟
    2)- اجازني بعض المشايخ حفظهم الله تعالى باسانيدهم الى كتب الحديث عبر الشبكة فما رأيك بهذه الاجازات؟
    نعم كلام الصحابي في الأمور التي لا مجال فيها للرأي لا شك أنها لها حكم الرفع وبعضهم يكثر الكلام عن الاسرائيليات وكأن الصحابة كانوا ليل نهار يأخذون عن بني إسرائيل حتى وصل الأمر ببعضهم بحجة دفع الاسرائيليات إلى دفع أمور أطبق عليها السلف وصحت عن أناس من الصحابة لا يشك أحد أنهم لا يأخذون عن بني إسرائيل كدفعهم لقصة هاروت وماروت وقد صحت عن علي رضي الله عنه

    وكثير من الناس كلما رأوا صحابياً يتكلم في أمر غيبي قالوا [ هذه إسرائيلية ] وأحسنهم طريقة من يقول [ قد تكون إسرائيلية ] ، وكأن الصحابة والتابعين ما كان عندهم طريقة لمعرفة الأمور الغيبية إلا الأخبار الإسرائيلية ، والواقع أنه لا يوجد دليل ولا قرينة على صدق دعواهم أن هذه إسرائيلية ، بل الأدلة والقرائن كلها تدل على أن هذه الأخبار أخذت من أصول صحيحة وبيان ذلك من وجوه منها ما هو عام ومنها ما يتعلق بابن عباس وحده

    الوجه الأول : أننا إذا قلنا أن الصحابة أخذوا عن بني إسرائيل وصاروا يحدثون عنهم بما لا أصل في شرعنا ، جازمين به موهمين الناس أنه حق فقد نسبنا الصحابة إلى تضليل الأمة

    وقد نبه على هذا القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات [ 1/ 222 ] :

    فإن قيل: فقد قيل إن عبد الله بن عمرو وسقين يوم اليرموك، وكان فيها من كتب الأوائل مثل دانيال وغيره، فكانوا يقولون له إذا حدثهم: حَدَّثَنَا ما سمعت من رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تحدثنا من وسقيك يوم اليرموك، فيحتمل أن يكون هَذَا القول من جملة تِلْكَ الكتب فلا يجب قبوله.

    وكذلك كان وهب بن منبه يَقُول: إنما ضل من ضل بالتأويل، ويرون فِي كتب دانيال أنه لما علا إلى السماء السابعة فانتهوا إلى العرش رأى شخصا ذا وفرة فتأول أهل التشبيه عَلَى أن ذَلِكَ ربهم وإنما ذَلِكَ إبراهيم ؟
    قيل: هَذَا غلط لوجوه:أحدهما أنه لا يجوز أن يظن به ذَلِكَ لأن فيه إلباس فِي شرعنا، وهو أنه يروي لهم ما يظنوه شرعا لنا، ويكون شرعا لغيرنا، ويجب أن ننزه الصحابة عن ذَلِكَ . اهــ

    قلت : بل يجب تنزيه السلف كلهم عما ينسبه إليهم هؤلاء ، إذ يزعمون أنهم تتابعوا على قبول هذه الآثار الإسرائيلية المتعلقة بالله وملائكته وأنبيائه وأودعوها في كتب المعتقد والتفسير معتمدين لها بغير نكير ، مع نكارة متونها ( زعموا (

    الوجه الثاني : أن الصحابة كانوا ينقدون ما يذكره أهل الكتاب لهم ولا يقبلونه مطلقاً ، وما سلم من نقد الصحابة أنى لنا أن نقف على موطن الخلل فيه .

    قال المعلمي : قال معاوية لما ذكر له كعب الأحبار فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب، وإن كنا من ذلك لنبلو عليه الكذب.
    وكان عند عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسميها [ الصادقة ] تميزاً لها عن صحف كانت عنده من كتب أهل الكتاب.
    وزعم كعب أن ساعة الإجابة إنما تكون في السنة مرة أو في الشهر مرة، فرد عليه أبو هريرة وعبد الله بن سلام بخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في كل يوم جمعة
    وبلغ حذيفة أن كعباً يقول: إن السماء تدورعلى قطب كقطب الرحي، فقال حذيفة [ كذب كعب ... ]

    وبلغ ابن عباس أن نوفاً البكالي - وهو من أ صحاب كعب - يزعم أن موسى صاحب الخضر غير موسى بن عمران،فقال ابن عباس [ كذب عدو الله.. .] ولذلك نظائر . اهــ

    وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله -هو ابن مسعود-

    فقال: من أين جئت؟

    قال: من الشام.
    قال: مَنْ لقيت؟

    قال: لقيت كعبًا.

    قال: ما حدثك كعب؟
    قال: حدثني أن السموات تدور على مِنْكَب مَلَك.
    قال: أفصدقته أو كذبته ؟

    قال: ما صدقته ولا كذبته.
    قال: لوددت أنك افتديت مَن رحلتك إليه براحلتك ورَحْلِها، كَذَب كعب.

    إن الله تعالى يقول: { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ }

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية [ 3/268]:

    وهذا الأثر وإن كان في رواية كعب فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لا دافعها لا يصدقها ولا يكذبها فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده هم من أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله :من ثقل الجبار فوقهن.
    فلو كان هذا القول منكرًا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا به على هذا الوجه . اهـ

    قال أحد الأخوة :فتأمل كيف احتج شيخ الإسلام بكون هذا ( المعنى ) غير منكر بتحديث الأئمة له وعدم إنكارهم لما فيه
    وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خيرة الخلق وأفضلهم بعد الأنبياء والمرسلين فما قيل في أولئك الأئمة يقال فيهم من باب أولى رضي الله عنهم

    وقال العلامة ابن القيم – [ كما في مختصر الصواعق- ص436 ]

    : وَرَوَى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ

    : أَنَا اللَّهُ فَوْقَ عِبَادِي، وَعَرْشِي فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِي، وَأَنَا عَلَى عَرْشِي أُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِي، وَلَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ.

    وَرَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو الشَّيْخِ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
    وَهَبْ أَنَّ الْمُعَطِّلَ يُكَذِّبُ كَعْبًا وَيَرْمِيهِ بِالتَّجْسِيمِ، فَكَيْفَ حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامُ مُثْبِتِينَ لَهُ غَيْرَ مُنْكِرِينَ ؟

    الوجه الثالث : أن جزم الصحابي بما يقول يؤكد أنه ليس إسرائيلية ، لأن الاسرائيليات لا تصدق ولا تكذب ، فكيف يجزم بما لا يصدق ولا يكذب

    وقد نبه على هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية

    كما في مجموع الفتاوى [ 13/ 345] :

    وَمَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ لِأَنَّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى ؛ وَلِأَنَّ نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مِنْ نَقْلِ التَّابِعِينَ وَمَعَ جَزْمِ الصَّاحِبِ فِيمَا يَقُولُهُ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ؟ .اهـ

    الوجه الرابع : أن الصحابة عموماً وابن عباس خصوصاً كانوا من أشد احترازاً من التفسير بالرأي ، لاحتماله الصواب والخطأ فكيف يفسرون القرآن بالاسرائيليات التي تحتمل الصواب والخطأ ، والتي تحمل في طياتها على زعم جماعة من المعاصرين اعتقاداً باطلاً !

    قال أبو عبيد في فضائل القرآن [ 689 ] :

    حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، قال :

    سأل رجل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة ؟

    فقال ابن عباس : فما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟

    قال الرجل : إنما سألتك لتحدثني .

    فقال ابن عباس : هما يومان ذكرهما الله في كتابه ، الله أعلم بهما . فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم .

    أقول : فأين من ينسب ابن عباس إلى التفسير بالرأي والتوسع في ذلك ؟

    قال أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن [ 690 ] :

    حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال : قال رجل لسعيد بن جبير :

    أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم فلم يقل فيها شيئا ، فقال سعيد : كان لا يعلمها

    أقول : فأين من ينسب ابن عباس إلى التفسير بالرأي والتوسع في ذلك ، وأنه إمام مدرسة التفسير بالرأي !

    الوجه الخامس : من يقول في بعض أخبار ابن عباس أنها إسرائيلية

    من أين له أنه أخذه عن بني إسرائيل فقد يكون أخذه عن غيره من الصحابة ، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وخصوصاً وأن ابن عباس روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الصحابة أكثر بكثير من روايته عن كعب الأحبار فإنها قليلة جداً

    فإن قيل : لو كان عن النبي صلى الله عليه وسلم لسماه ؟

    فيقال : هذا الإيراد يسقطه وجود المرفوع حكماً ، وقد حكى العديد من الصحابة أخباراً غيبية ولا يعرفون بالأخذ عن بني إسرائيل فاعتبر ذلك العلماء مرفوعاً حكماً .

    فعلى سبيل المثال لا الحصر قال ابن المبارك في الزهد [ 425 ] :

    قال أنا سفيان عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود قال :

    جنات عدن بطنان الجنة , يعني سرة الجنة.

    فهذا له حكم الرفع من صحابي لا يعرف بالأخذ عن علماء أهل الكتاب ممن أسلم ، ولم يرفعه وله حكم الرفع

    وهذا حذيفة يحكي قصة إهلاك قوم لوط كما في الكتاب العقوبات لابن أبي الدنيا

    وهذا عثمان يحكي قصة ذاك الرجل الذي شرب الخمر فزنا وقتل كما في المصنف [ 17060 ]

    وغيرهم كثير ولا يعرفون بالأخذ عن بني إسرائيل ولا يشك أحد أنهم أخذوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم

    وابن عباس تتلمذ على عمر بن الخطاب ، وكان من أهل مجلس شورته وحمل عنه علماً كثيراً ، وفي صحيح البخاري سأله عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجابه عمر

    وتتلمذ على أبي بن كعب ، وعنه يروي قصة موسى والخضر التي في الصحيحين

    وتتلمذ على زيد بن ثابت ، وأمر تلمذته عليه مشهور

    فلو فرضنا أنه جاءنا أثر عن ابن عباس ولو نعلم هل هو إسرائيلية أخذها من كعب الأحبار أم هي خبر مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن عمر أو عن أبي بن كعب أو زيد بن ثابت أو غيرهما من الصحابة

    لكانت القسمة العادلة تقتضي أن يكون احتمال كونه مأخوذاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أو قراء صحابته 80% ، واحتمال كونه مأخوذاً من كعب الأحبار 20% أو أقل من ذلك

    فما كان هذا شأنه كيف يجزم أنه إسرائيلية ، بل لو كان مرفوعاً حكماً وكذبنا به لكان هذا التكذيب كفراً ، فأيهما أحوط للدين أن نكذب بما لم نحط به علماً ، أم أن نعرف لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدرهم ونعتقد ما اعتقدوا .

    الوجه السادس : قال عبد الرزاق في تفسيره [ 2596 ] :

    عَنْ إِسْرَائِيلُ , عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ:

    أَرْبَعُ آيَاتٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَمْ أَدْرِ مَا هُنَّ حَتَّى سَأَلْتُ عَنْهُنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ:

    قَوْمُ تُبَّعٍ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يُذْكَرْ تُبَّعٌ , قَالَ: إِنَّ تُبَّعًا كَانَ مَلِكًا وَكَانَ قَوْمُهُ كُهَّانًا , وَكَانَ فِي قَوْمِهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ الْكُهَّانُ يَبْغُونَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ , وَيَقْتُلُونَ تَابِعَتَهُمْ .

    فَقَالَ أَصْحَابُ الْكِتَابِ لِتُبَّعٍ: إِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَيْنَا .

    قَالَ: فَإِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَقَرِّبُوا قُرْبَانًا فَأَيُّكُمْ كَانَ أَفْضَلَ أَكَلَتِ النَّارُ قُرْبَانَهُ , قَالَ: فَقَرَّبَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْكُهَّانُ , فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ أَهْلِ الْكِتَابِ .

    قَالَ: فَتَبِعَهُمْ تُبَّعٌ فَأَسْلَمَ , فَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ قَوْمَهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ .

    وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} قَالَ: «شَيْطَانٌ أَخَذَ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ الَّذِي فِيهِ مُلْكُهُ فَقَذَفَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَوَقَعَ فِي بَطْنِ سَمَكَةٍ , فَانْطَلَقَ سُلَيْمَانُ يَطُوفُ إِذْ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِتِلْكَ السَّمَكَةِ , فَاشْتَرَاهَا فَأَكَلَهَا , فَإِذَا فِيهَا خَاتَمُهُ فَرَجَعَ إِلَيْهِ مُلْكُهُ .

    أقول : ظاهر هذا أن ابن عباس لم يتعلم من كعب إلا هذه الأمور الأربعة ، وأما بقية الآيات فكان عنده علمٌ من قبل كعب الأحبار فتنبه لهذا فإنه مهم ، ولم يذكر الآيتين الباقتين

    وقد جاءت في خبر عكرمة

    قال ابن أبي شيبة في المصنف [ 35253] :

    حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ :

    قَالَ : سَأَلْتُ كَعْبًا : مَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى ؟

    فَقَالَ : سِدْرَةٌ يَنْتَهِي إِلَيْهَا عِلْمُ الْمَلاَئِكَةِ ، وَعِنْدَهَا يَجِدُونَ أَمْرَ اللهِ لاَ يُجَاوِزُهَا عِلْمُهُمْ .

    وَسَأَلْتُهُ عَنْ جَنَّةِ الْمَأْوَى ؟

    فَقَالَ : جَنَّةٌ فِيهَا طَيْرٌ خُضْرٌ ، تَرْتَقِي فِيهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ.

    وقال أيضاً [ 32544] :

    حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ :

    قَالَ : سَأَلْتُ كَعْبًا عَنْ رَفْعِ إدْرِيسَ مَكَانًا عَلِيًّا ؟ وذكر خبراً

    فهذا يدل على أن بقية القرآن كله علمه ابن عباس من الصحابة من أمثال عمر بن الخطاب الذي ذكر كما في صحيح البخاري أنه أخبره بشأن المرأتين اللتين تظاهرتا ، وأبي بن كعب الذي روى عنه قصة موسى والخضر في الصحيح ، وزيد بن ثابت الذي تتلمذ عليه طويلاً وغيرهم من الصحابة

    فإذا تأرجح بين كونه مأخوذاً عن كعب أو غيره ، كان الأصل أنه أخذه من غيره من الصحابة لأن هذا هو الأكثر الغالب ، وإذا كان متعلقاً بأمر القرآن فالمتعين أنه أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة لأن مسائله عن كعب عدها لك عداً

    الوجه السابع : أن ابن عباس كان من أشد الناس احترازاً من أباطيل أهل الكتاب

    قال البخاري في صحيحه [ 7363 ] :

    حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :

    كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ .

    وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا .

    أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ .

    فيقال كيف يسأل كعباً بعد هذا ؟

    فالجواب : أنه يتحدث عن أهل الكتاب الذين بقوا على كفرهم ، وأما كعب فقد أسلم وعرف صدقه وأمانته ، ومع ذلك كان رواياته خاضعة لنقد الصحابة ، فلا تظن أنهم يحدثون عنه بشيء قد علموا بطلانه ، أو لا يجزمون بصحته ، وسؤال ابن عباس لا يعد إقراراً بالضرورة

    وقد أحسن محمد بازمول حين قال في شرحه على مقدمة التفسير [ ص65 ] :

    قال شيخ الإسلام : وَمَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ ؛

    لِأَنَّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى.

    وَلِأَنَّ نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مِنْ نَقْلِ التَّابِعِينَ.

    وَمَعَ جَزْمِ الصَّاحِبِ فِيمَا يَقُولُهُ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ؟

    ثم علق في الحاشية بقوله :

    لدى بعض الناس جرأة غريبة ، إذا ما جاء نص عن الصحابي، في قضية مما لا يجدها في القرآن العظيم والسنة النبوية، فإنه يهجم على القول بأنها مما تلقاه ذلك الصحابي عن بني إسرائيل!

    والحقيقة أن الأمر يحتاج إلى وقفة متأنية.

    فأقول: لا شك أن الصحابي الذي جاء في كلامه ما هو من قبيل كشف المبهم، لن يورد شيئاً عن أهل الكتاب يخالف ما في شرعنا، نجزم بذلك.

    إذا ما أورده الصحابي - على فرض أنه مما تلقاه عن أهل الكتاب - إمّا أن يكون مما يوافق شرعنا، وإما أن يكون مما لا يوافق و لا يخالف، ويدخل تحت عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حدثوا عن بني إسرائيل ولاحرج" [أحمد وأبو داود]، "وإذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم و لا تكذبوهم" [أحمد وأبو داود].

    فالجرأة على رد ما جاء عن الصحابي بدعوى أنه من أخبار أهل الكتاب، لا يناسب علمهم وفضلهم رضي الله عنه، ويوضح هذا: أن الصحابي إذا جزم بشيء من هذه الأمور في تفسير آية فإنه يغلب على الظن أنه مما تلقاه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو مما قام على ثبوته الدليل، وإلا كيف يجزم به في تفسير الآية، وهو يعلم أن غاية هذا الخبر أنه مما لا نصدقه أو نكذبه؟!

    من ذلك ما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: (فُصِل القرآن الكريم من اللوح المحفوظ وأُنزِل في بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نَزَل على محمد صلى الله عليه وسلم مُنَجَّمَاً في ثلاث وعشرين سنة) [الطبراني في الكبير: (12243)،والحاكم في المستدرك: (2932)،والبزارفي مسنده: (210/ 2)].

    رأيتُ بعض المتأخرين يجزم بأن هذا من الإسرائيليات، وبأن هذا مما تلقاه ابن عباس عنهم، مع أن هناك قرائن في نفس الخبر تمنع هذا؛ منها:

    أولاً: جَزْم ابن عباس به.

    ثانياً: لا علاقة له بالتوراة والإنجيل لأنه يتكلم عن القرآن.

    ثالثاً: هو يتكلم عن نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم.

    رابعاً: لا مخالف لابن عباس في هذا.

    فهذا مما يجعل سند ابن عباس هذا - وإن كان موقوفاً سنداً - فهو مرفوع حكماً ومعنى، يعني أن له حكم الرفع.

    وجاء عن ابن عباس نفسه أنه كان ينهى عن الأخذ عن أهل الكتاب، كما روى البخاري في صحيحه، فكيف نقول: إن هذا من الإسرائيليات.اهـ كلام الشيخ بازمول

    وهذا كلامٌ غاية في التحرير جزى الله محمد بازمول خيراً عليه ، ولهذا تجد أن السلف أوردوا مثل هذه الآثار في كتب العقيدة ، ومحمد يركز في كلامه على التفسير لأنه يشرح مقدمةً في التفسير ، وإلا فمن باب أولى أن يقال أنه لا يليق بالصحابة أنهم يتكلمون في أمور العقيدة بأباطيل الإسرائيليات

    الوجه الثامن : أن بعض الآثار الغيبية عن الصحابة أجمع أهل السنة على اعتقادها ولم يدفعها أحد بأنها اسرائيلية كأثر ابن عباس [ الكرسي موضع القدمين ]

    الوجه التاسع : أن الصحابة كان ينكرون على بعضهم في المسائل الفقهية إذا رأوا من أحدهم ما خالف دليلاً ، ولم يؤثر عن أحد منهم إنكار خبر غيبي حدث به ابن عباس ولا التابعين فدل على استقامة الأمر ودخوله في الإجماع السكوتي .

    الوجه العاشر : أنني لم أجد - فيما أعلم - من السلف في القرون الثلاثة الأولى أنه رد أثراً ثابتاً عن صحابي بحجة أنه إسرائيلية ، وقد علم في علم الأصول ، أن الإجماع السكوتي إذا مر عليه عدة قرون دخل في حكم الإجماع القطعي

    ذكر الزركشي في البحر المحيط (6/ 473) قيوداً لا بد منها في الإجماع السكوتي فقال :

    القيد الخامس : أن لا يتكرر مع طول الزمان وصرح بذلك التلمساني في شرح المعالم ، وأنه ليس محل خلاف .اهـ

    يريد أنه إذا تكرر دخل في حكم الإجماع القطعي ، فكيف إذا كان هذا التكرر حصل في القرون الفاضلة .

    الوجه الحادي عشر : قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى [ 28/ 125] :

    وَلِهَذَا كَانَ إجْمَاعُ هَذِهِ الْأُمَّةِ حُجَّةً ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَيَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ ؛ فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ مُحَرَّمٍ أَوْ إسْقَاطِ وَاجِبٍ ؛ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ أَوْ إخْبَارٍ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ؛ أَوْ خَلْقِهِ بِبَاطِلِ : لَكَانُوا مُتَّصِفِينَ بِالْأَمْرِ بِمُنْكَرٍ وَالنَّهْيِ عَنْ مَعْرُوفٍ : مِنْ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ؛ بَلْ الْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ مَا لَمْ تَأْمُرْ بِهِ الْأُمَّةُ فَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَمَا لَمْ تَنْهَ عَنْهُ فَلَيْسَ مِنْ الْمُنْكَرِ .اهـ

    وإذا علم يقيناً أن عامة الآثار المذكورة عن ابن عباس وغيره من الصحابة مما يزعم بعض المعاصرين والمتأخرين أنها إسرائيليات لم ينكرها أحد من الصحابة ولا التابعين ، ولو أنكرها تابعي واحد لم يكن ذلك حجة فكيف لو أنكره من تأخر عن الأزمنة الفاضلة بقرون

    الوجه الثاني عشر : قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم [ 1/311] :

    وأنت ترى عامة كلام أحمد إنما يثبت الرخصة بالأثر عن عمر ، أو بفعل خالد بن معدان ، ليثبت بذلك أن ذلك كان يفعل على عهد السلف ، ويقرون عليه ، فيكون من هدي المسلمين ، لا من هدي الأعاجم وأهل الكتاب ، فهذا هو وجه الحجة ، لا أن مجرد فعل خالد بن معدان حجة .اهـ

    فنقل شيخ الإسلام عن الإمام أحمد الاحتجاج بفعل خالد بن معدان وهو تابعي ، وليس فعله حجةً في نفسه وإنما احتج بفعله مقروناً بسكوت البقية عليه ، فكيف بأثر صحيح عن صحابي يسكت عليه بقية الصحابة أليس ذلك بأولى بالاحتجاج ؟!

    الوجه الرابع عشر : أن قول الصحابي إذا لم يعلم مخالف حجة في الأحكام عند كافة أهل السنة كما بسطه ابن القيم في إعلام الموقعين ، وأمر التفسير أعلى من أمر الأحكام ، إذ أن هناك من قال أن تفسير الصحابي له حكم الرفع ولم يقولوا ذلك في فتاويهم مع احتجاجهم بها

    قال ابن القيم في إغاثة اللهفان [ 1/240] :

    قال الحاكم أبو عبد الله في التفسير من كتاب المستدرك : ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين : حديث مسند

    وقال في موضع آخر من كتابه : هو عندنا في حكم المرفوع

    وهذا وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم فهم أعلم الأمة بمراد الله عز و جل من كتابه فعليهم نزل وهم أول من خوطب به من الأمة وقد شاهدوا تفسيره من الرسولعلما وعملا وهم العرب الفصحاء على الحقيقة فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل.اهـ

    فكيف إذا كان التفسير في أمر غيبي ، ولم يخالفه أحد من بقية الصحابة

    الوجه الخامس عشر : أن الذين يدفعون آثار الصحابة بحجة أنه من الاسرائيليات أو يحتمل أن تكون من الاسرائيليات ليس لهم قاعدة مطردة في ذلك بل عامتهم يتناقضون فيقبلون بعض الآثار دون بعض

    فتجد عامتهم يقبلون أثر [ الكرسي موضع القدمين ] ، ويردون الآثار الأخرى التي لم تقع من أنفسهم موقعاً حسناً ، مع أن الأمر فيها واحد

    وليعلم أن المعتزلة لما نظروا إلى النصوص بغير عين التعظيم والتوقير ادعوا في كثير منها التعارض فانبرى لهم علماء أهل السنة وردوا عليهم .

    ومن أقدم ما ألف في هذا الباب كتاب ابن قتيبة [ تأويل مختلف الحديث ] ، وإنني لأرى من اعتراضات بعض الإخوة على الآثار الثابتة عن الصحابة ما يشبه اعتراضات المعتزلة على الأحاديث الصحيحة .

    والتي لو ردوها إلى أهل العلم لفهموا وجهها ، والسبب في ذلك أنهم وضعوا في أذهانهم أنها إسرائيليات ، وأن الصحابة يحدثون عن بني إسرائيل بالبواطيل دون بيان جازمين بها ، وما تفطنوا لما يلزم من ذلك من لوازم خطيرة .

    ثم نظروا لهذه النصوص بتلك العين الناقمة فصاروا يعترضون عليها في غير محل للاعتراض والله المستعان

    الوجه السادس عشر : قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى [ 6/405] :

    وهذا الذى أخبر به ابن مسعود أمر لا يعرفه الا نبي أو من أخذه عن نبي فيعلم بذلك أن ابن مسعود أخذه عن النبي ولا يجوز أن يكون أخذه عن أهل الكتاب لوجوه :

    أحدها : أن الصحابة قد نهوا عن تصديق أهل الكتاب فيما يخبرونهم به فمن المحال أن يحدث ابن مسعود رضي الله عنه بما أخبر به اليهود على سبيل التعليم ويبني عليه حكماً

    الثاني أن ابن مسعود رضى الله عنه خصوصا كان من أشد الصحابة رضى الله عنهم انكارا لمن يأخذ من أحاديث أهل الكتاب.اهـ

    وهذا ينطبق على بقية الصحابة

    الوجه السابع عشر : قال الدارمي في الرد على المريسي [2/ 728] :

    كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ أَنَّ وَكِيعًا سُئل عَنْ حَدِيثِ عبد الله ابْن عَمْرٍو:

    الْجَنَّةُ مَطْوِيَّةٌ مُعَلَّقَةٌ بِقُرُونِ الشَّمْس.

    فَقَالَ وَكِيع: هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، قَدْ رُوِيَ فَهُوَ يُرْوَى.

    فَإِنْ سَأَلُوا عَنْ تَفْسِيرِهِ لَمْ نُفَسِّرْ لَهُمْ، وَنَتَّهِمُ مَنْ يُنكره وينازع فِيهِ، والْجَهْمِيَّةُ تُنْكِرُهُ.اهـ

    فهذا وكيع ينكر على من رد أثر موقوف على عبد الله بن عمرو ، ولم يقل هذه إسرائيلية فدل على أن هذا المسلك محدث ، وهذا الأثر قد يستغرب البعض معناه من جهة أن الجنة فوق السماء الدنيا باتفاق ولا شيء منها في الدنيا غير أن ابن القيم بين معنى الأثر فقال في حادي الأرواح :" فَهَذَا قد يظْهر مِنْهُ التَّنَاقُض بَين أول كَلَامه وَآخره وَلَا تنَاقض فِيهِ؛ فَإِن الْجنَّة الْمُعَلقَة بقرون الشَّمْس مَا يحدثه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالشمس فِي كل سنة مرّة من أَنْوَاع الثِّمَار والنبات جعله الله تَعَالَى مذكرًا بِتِلْكَ الْجنَّة، وَآيَة دَالَّة عَلَيْهَا كَمَا جعل هَذِه النَّار مذكرة بِتِلْكَ، وَإِلَّا فالجنة الَّتِي عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض لَيست معلقَة بقرون الشَّمْس، وَهِي فَوق الشَّمْس وأكبر مِنْهَا، وَقد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْجنَّة مائَة دَرَجَة مَا بَين كل دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض"، وَهَذَا يدل على أَنَّهَا فِي غَايَة الْعُلُوّ والارتفاع، وَالله أعلم"

    والجهمية كانوا ينكرون أن الجنة مخلوقة الآن

    وقد رد السخاوي على شيخه ابن حجر في هذه المسألة

    ال ابن حجر في النكت

    [ما يعد مسندا من تفسير الصحابي:]
    61- قوله : "ما قيل من أن تفسير الصحابي - رضي الله عنه - مسند إنما هو في تفسير يتعلق بسبب نزول آية أو نحو ذلك"4.

    قلت: تبع المصنف في ذلك الخطيب، كذا قال الأستاذ أبو منصور البغدادي: "إذا اخبر الصحابي - رضي الله عنه - عن سبب وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -- أو أخبر عن نزول آية له بذلك - مسند".

    لكن أطلق الحاكم النقل عن البخاري ومسلم أن تفسير الصحابي - رضي الله عنه - الذي شهد الوحي والتنزيل حديث مسند

    والحق أن ضابط ما يفسره الصحابي - رضي الله عنه - إن كان مما لا مجال للاجتهاد [فيه] ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا، فلا كالأخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية: كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والأخبار عن عمل يحصل به ثواب نخصوص أو عقاب مخصوص، فهذه الأشياء لا مجال للإجتهاد [فيها] 4 فيحكم لها بالرفع.

    قال أبو عمرو الداني: "قد يحكى الصحابي - رضي الله عنه - قولا يوقفه، فيخرجه أهل الحديث في المسند، لامتناع أن يكون الصحابي - رضي الله عنه - قاله إلا بتوفيق. كما روى أبو صالح السمان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يجدن عرف الجنة ... ".الحديث. لأن مثل هذا لا يقال: بالرأي، فيكون من جملة المسند".

    وأما إذا فسر آية تتعلق بحكم شرعي فيحتمل أن يكون ذلك مستفادا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعند القواعد، فلا يجزم برقعه وكذا إذا فسر مفردا فهذا نقل عن اللسان خاصة فلا يجزم برفع وهذا التحرير الذي حررناه هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كصحابي الصحيح والإمام الشافعي وأبي جعفر الطبري1 وأبي جعفر الطحاوي وأبي بكر ابن مردويه في تفسير المسند والبيهقي وابن عبد البر في آخرين

    ثم أضاف العسقلاني عن نفسه: إذا كان الصحابي ينظر في الإسرائيليات فلا يعطى حكم الرفع: إلا أنه يستثنى من ذلك ما كان المفسر له من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم- من عرف بالنظر في الإسرائيليات، كمسلمة أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وغيره. وكعبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثير من كتب أهل الكتاب فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة حتى كان بعض أصحابه ربما قال له: حدثنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تحدثنا عن الصحيفة، فمثل هذا لا يكون حكم ما يخبر به من الأمور التي قدمنا ذكرها الرفع، لقوة الاحتمال - والله أعلم

    انتهى كلامه

    وقد رد عليه تلميذه السخاوي في زعمه أن الصحابة يعتمدون في المعتقدات على أقوال اليهود وقرر أنه لا يليق بمقام الصحابة!


    قال السخاوي ردا على شيخه العسقلاني: "قُلْتُ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ الْمُتَّصِفَ بِالْأَخْذِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يُسَوِّغُ حِكَايَةَ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مُسْتَنِدًا لِذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ مَعَ عِلْمُهُ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ "

    قال ابن تيمية _ رحمه الله _ في بيان تلبيس الجهمية (6/448_ 451) :" وأيضاً فعلم ذلك لا يؤخذ بالرأي ، وإنما يقال توقيفاً ، ولا يجوز أن يكون مستند ابن عباس أخبار أهل الكتاب ، الذي هو أحد الناهين لنا عن سؤالهم ، ومع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تصديقهم ، أو تكذيبهم .

    فعلم أن ابن عباس إنما قاله توقيفاً من النبي صلى الله عليه وسلم

    ففي صحيح عن البخاري عن ابن شهاب عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ فَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} أَفَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ وَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ

    وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا { آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } الْآيَةَ

    فمعلوم مع هذا أن ابن عباس لا يكون مستنداً فيما يذكره من صفات الرب أنه يأخذ عن أهل الكتاب ، فلم يبق إلا أن يكون أخذ من الصحابة الذين أخذوا من النبي صلى الله عليه وسلم "

    قال أحمد في مسنده 7750 : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:

    " الْفَأْرَةُ مَمْسُوخَةٌ، بِآيَةِ أَنَّهُ يُقَرَّبُ لَهَا لَبَنُ اللِّقَاحِ فَلَا تَذُوقُهُ، وَيُقَرَّبُ لَهَا لَبَنُ الْغَنَمِ فَتَشْرَبُهُ - أَوْقَالَ: فَتَأْكُلُهُ - " فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: أَشَيْءٌ سَمِعْتَه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَفَنَزَلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَيَّ؟

    ن أبا هريرة هنا حدث بالخبر موقوفاً ولم يرفعه ، اكتفاءً بأن الناس يعرفون أن مثل هذا إنما أخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم كشأن غيره من الصحابة

    فسأله كعب مستفسراً هل سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فرد عليه أبو هريرة متعجباً ( أَفَنَزَلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَيَّ)

    يعني من أين آتي بهذه الأخبار إن لم أكن أخذتها من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الخبر لو لم يرفعه أبو هريرة لتجرأ كثيرون على دعوى أنه إسرائيلية بحجة أنه يتحدث عن بني إسرائيل !

    وللأخ مساعد الطيار أبحاث جيدة جداً في مسألة الاسرائليات هذه فلتراجع

    وأما مسألة الإجازات المعاصرة فمع الأسف الأمر بدأ في زمن السلف يأخذ الناس الأخبار شيئاً فشيئاً وعائشة لا تحب سرد الحديث ثم صار سرد للحديث سريع في الأزمنة المتأخرة وفي زماننا أيضاً حتى صار البخاري يقرأ في أيام معدودات ويذكرون في تراجم بعضهم أنه قرأ البخاري في أسبوع على جهة المدح

    وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/ 157) :" دَعْنَا مِنْ هَذَا كُلِّه، فَلَيْسَ طَلَبُ الحَدِيْثِ اليَوْمَ عَلَى الوَضعِ المُتَعَارَفِ مِنْ حَيِّزِ طَلَبِ العِلْمِ، بَلْ اصْطِلاَحٌ وَطَلَبُ أَسَانِيْدَ عَالِيَةٍ، وَأَخْذٌ عَنْ شَيْخٍ لاَ يَعِي، وَتَسمِيْعٌ لِطِفلٍ يَلْعَبُ وَلاَ يَفْهَمُ، أَوْ لِرَضِيعٍ يَبْكِي، أَوْ لِفَقِيْهٍ يَتَحَدَّثُ مَعَ حَدَثٍ، أَوْ آخَرَ يَنسَخُ.

    وَفَاضِلُهُم مَشْغُوْلٌ عَنِ الحَدِيْثِ بِكِتَابَةِ الأَسْمَاءِ أَوْ بِالنُّعَاسِ، وَالقَارِئُ إِنْ كَانَ لَهُ مُشَارَكَةٌ، فَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنَ الفَضِيْلَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِرَاءةِ مَا فِي الجُزْءِ، سَوَاءٌ تَصَحَّفَ عَلَيْهِ الاسْمُ، أَوِ اخْتَبَطَ المَتْنُ، أَوْ كَانَ مِنَ المَوْضُوْعَاتِ.

    فَالعِلْمُ عَنْ هَؤُلاَءِ بِمَعْزِلٍ، وَالعَمَلُ لاَ أَكَادُ أَرَاهُ، بَلْ أَرَى أُمُوْراً سَيِّئَةً - نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ -"

    وقال الذهبي في الموقظة ص19 :"

    وكان الحُفَّاظُ يَعقِدون مجالسَ للإملاء ، وهذا قد عُدِمَ اليوم ،

    والسماع بالإملاء يكون مُحقَّقاً ببيانِ الألفاظِ للمُسمِع والسامع .

    ولْيجتنِبْ روايةَ المشكلات ، مما لا تحملُه قلوبُ العامَّة ، فإن رَوَى ذلك فليكن في مجالس خاصة . وَيَحرُمُ عليه روايةُ الموضوع ، وروايةُ المطروح ، إلا أن يُبيّنَه للناسِ ليَحذّرُوه"

    وهذه الحال التي ينتقدها غلبت على زماننا اليوم

    وأبعد من هذا تلك الصورة العجيبة بالإجازة بأسماء الكتب فقط حتى أنه ليجيزك بكتب لا سبيل لك عليها لأنها مفقودة وقد كان الناس قديماً لا يجيزون حتى يسمعوا الطلبة الأحاديث وبعضهم يخرجها على المناولة وشتان بين أن يناول الشيخ تلميذه أحاديث له سمعها من شيوخه في زمن الرواية وبين أن يجيزه بكتب لعله هو نفسه لم يطلع عليها

    مع ما يحصل في هذه الإجازات من إعلاء لأسماء جماعة من أهل البدع وعباد القبور بحجة الرواية ، وكثير من ذلك بعيد عن سمت السلف في ترك التشبع بما لم يعط ولما كثر في زماننا أحوال الذين لا يعرفون من العلم إلا رسمه ولم يتمكن من قلوبهم حرصوا على هذه الرسوم وضيعوا حقيقة الأمر وهي فقه الحديث والتدبر فيه وتمييز صحيحه من سقيمه

    بل العجيب أن محدثك مجاز بعدد من الطرق الصوفية مع أنني لم أكن صوفياً يومياً وهذه أمور مضحكة ، غير أن الشيخ إذا درس طلبته كتاباً من كتب الحديث وعقلوا ما فيه فلا بأس من إجازتهم إحياء لسنة الإسناد مع تحري الأسانيد السنية وإلا فالكتب محفوظة ومخطوطاتها تملأ الدنيا ولا حاجة لنا في حفظها

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    الدولة
    بين المسلمين
    المشاركات
    2,906
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    ما شاء الله يا أبا جعفر . نرجو أن تستمر . و كملاحظة : ليتك تنسق الكلام شيئاً كأن تجعله متوسط الصفحة و تلون الأقسام أو تجعل عنوان كل قسم أكبر فذلك أسهل للقراءة و الحفظ و الفهم .

    و لي سؤال لو سمحت :
    أحسبك قلت - أرجو ألا أكون أخطأت الفهم - أن البخاري و مسلم رحمهما الله لا يتركان حديثاً إلا و يريان فيه علة . للوهلة الأولى يبدو من هذا الكلام و كأن كل ما ليس في الصحيحين لا يصح و لكني أعلم بديهياً خطأ هذا . فكيف التوضيح ؟

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المشاركات
    965
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مسلم أسود مشاهدة المشاركة
    ما شاء الله يا أبا جعفر . نرجو أن تستمر . و كملاحظة : ليتك تنسق الكلام شيئاً كأن تجعله متوسط الصفحة و تلون الأقسام أو تجعل عنوان كل قسم أكبر فذلك أسهل للقراءة و الحفظ و الفهم .

    و لي سؤال لو سمحت :
    أحسبك قلت - أرجو ألا أكون أخطأت الفهم - أن البخاري و مسلم رحمهما الله لا يتركان حديثاً إلا و يريان فيه علة . للوهلة الأولى يبدو من هذا الكلام و كأن كل ما ليس في الصحيحين لا يصح و لكني أعلم بديهياً خطأ هذا . فكيف التوضيح ؟

    البخاري ومسلم كانا يعتمدان سلاسل معينة مشهورة عند أهل العلم ويتفقون على صحتها

    مثل مالك عن نافع عن ابن عمر

    والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة

    ومنصور عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود

    فهذه السلاسل ونظيراتها خرج البخاري ومسلم عامة الأحاديث الصحيحة التي بها ولم يغادرا منه شيئاً

    فإن رأيت حديثاً من رواية مالك عن نافع عن ابن عمر خارج الصحيحين فإنه في الغالب اجتنب لأن له علة

    بمعنى أنه خطأ يعني قد يكون الحديث الحقيقي مالك عن نافع عن عمر وليس ابن عمر وأخطأ بعض الرواة فجعله عن ابن عمر ففطن أصحاب الصحيح لهذا وتركوه

    وسأذكر لك بضعة أمثلة

    المثال الأول : قال الحاكم في المستدرك 8704 : أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ الزَّاهِدُ بِبَغْدَادَ ، ثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَنْبَلٍ ، ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ:
    الْأَمَارَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ بِسِلْكٍ ، فَإِذَا انْقَطَعَ السِّلْكُ تَبِعَ بَعْضُهُ بَعْضًا .
    هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ


    فعلاً هذا الحديث على شرط فإنه خرج أحاديث حماد بن سلمة عن حميد عن أنس فلماذا لم يودع هذا الحديث في صحيحه في كتاب أشراط الساعة ، ولا شك أنه اطلع عليه فإن البخاري ومسلماً كانا في زمن الحفاظ فيه مطلعون على كل الأحاديث الثابتة خصوصاً ما كان بالسلاسل المشهورة

    الجواب : أن هذا الخبر معلول

    قال أحمد في مسنده 7040 : حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    الْآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ، فَإِنْ يُقْطَعِ السِّلْكُ يَتْبَعْ بَعْضُهَا

    فهذا مؤمل بن إسماعيل قد خالف موسى بن إسماعيل في السند

    فإن : مؤمل سيء الحفظ وموسى ثقة

    فيقال : ولكن مؤملاً قد تابعه اثنان من الثقات الواحد فيهما لوحده يرجح على موسى فكيف بهما مجتمعان

    قال ابن أبي شيبة في المصنف 38429: حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : الآيَاتُ خَرَزٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ انْقَطَعَ السِّلْكُ فَيَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

    يزيد هذا هو يزيد بن هارون الإمام الثقة الثبت ، والراوي الثاني هو روح بن عبادة وحديثه عند البخاري في التاريخ الكبير لكنه لم يسق لفظه

    وهذا الوجه الراجح فيه علي بن زيد بن جدعان ضعيف وخالد بن الحويرث قال ابن معين :" لا أعرفه "


    إذن مسلم اجتنب هذا الحديث لأنه علم بأن موسى بن إسماعيل أخطأ فجعله حماد عن حميد عن أنس وصوابه حماد عن علي بن زيد بن جدعان الضعيف

    وعرف هذا الخطأ من خلال جمعه للطرق فموسى ثقة ولكن الثقة يخطيء ويكتشف خطؤه بمقارنة روايته برواية أقرانه

    المثال الثاني : قال الحاكم في المستدرك 7291 : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ، ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْتِنُهُ "
    " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "


    وفعلاً هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة من أشهر السلاسل الحديثية إطلاقاً ولكنهما لم يخرجاه لأن الصواب فيه أنه من حديث عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة بدون ذكر عائشة وهذا مرسل والمرسل من قسم الضعيف وآخر الكلام في الحديث هو كلام هشام

    ال معمر في جامعه 192 : عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال :
    نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب من في السقاء . قال هشام : فإنه ينتنه ذلك .

    وهذه الرواية أصح لأن معمراً لم يسلك الجادة ، ثم إنه فصل الكلام فصلاً دقيقاً يدل على الحفظ ، وحماد بن سلمة كان يغلط في غير حديث ثابت وحميد .
    ولهذه العلة اجتنب أصحاب الصحيحين والسنن تخريج هذا الخبر ، وقد رجح البيهقي فيه الرواية المرسلة وأن آخره من كلام هشام

    وليعلم طالب هذا العلم الشريف أن سلسلة هشام عن عروة عن عائشة سلسلة مشهورة جداً عند أهل الحديث عامتها في الصحيحين فكيف إذا أضفت إليهما مسند أحمد

    ولا يجتنب أصحاب الصحيح وأصحاب السنن خبراً في هذه السلسلة إلا لعلة
    وقد نبه على هذا الحاكم نفسه!

    المثال الثالث : قال البيهقي في الشعب 6202 : أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا حاتم بن يونس الجرجاني ثنا إسماعيل بن سعيد الجرجاني ثنا عيسى بن خالد البلخي ثنا ورقاء عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
    إن الله عز و جل إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه ويكره البؤس والتباؤس ويبغض السائل الملحف ويحب الحيي العفيف المتعفف

    الحديث بهذا اللفظ انفرد به ورقاء عن الأعمش ولا أصل له في المصادر المشهورة كالكتب الستة ومسند أحمد

    وسلسلة الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، سلسلة مشهورة يتطلبها الحفاظ ، وورقاء صدوق وليس له عن الأعمش أي حديث في الكتب الستة

    فهذا كله يوجب الريبة في كون هذا الحديث محفوظاً ، خصوصاً أن ورقاء كان يغلط في حديث منصور ، ومنصور قرين الأعمش

    وقد خالفه عبد الله بن إدريس الأودي الثقة الثبت فاختصر المتن ، وخالفه في السند

    قال ابن أبي شيبة في المصنف 25853- حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ حَبِيبٍ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْحَيِيَّ الْحَلِيمَ المتعفف ، وَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ السَّائِلَ الْمُلْحِفَ.

    وهذا مرسل _ يرويه تابعي عن النبي مباشرة _ وهو الصواب والمرسل من أقسام الضعيف

    فأرجو بأنه بهذه الأمثلة الثلاثة قد اتضح المقام

    فيبقى أن هناك سلاسل لم يكن صاحبي الصحيح يخرجونها في كتابيهما فهذه التي يكون منها أحاديث ثابتة خارج الصحيح وسبب عدم تخريجهما لها ربما الاحتياط لوقوع الخلاف فيها أو التوقف فيها

    فالبخاري مثلاً كان يدافع عن محمد بن إسحاق وعبد الله بن محمد بن عقيل ولكنه لما ألف الصحيح اجتنب حديثهما خروجاً من الخلاف

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    الدولة
    بين المسلمين
    المشاركات
    2,906
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    إذاً و كما هو مفهوم : ليس كل ما خارج الصحيحين ضعيفاً بل قد يكون مما اجتنبه مصنفاهما من باب الحيطة . و مع هذا يفطن العلماء بإذن الله لأي ضعف أو علة في السند أو المتن . و يدل ذلك على أن شروط البخاري و مسلم صارمة فبهذا اعتبرا أصح كتابين في الحديث و للبخاري درجة .

    هل أصبت في الفهم ؟

    و كسؤال جانبي : هل من الأسانيد الشهيرة ما يقول : عن عطاء ، عن ابن عباس ؟ لأني أسمعه كثيراً .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المشاركات
    965
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    نعم هذا صحيح وستأتي قيود أخرى وتنبيهات

    والحلقة التالية ستتأخر قليلاً لانشغالي ولحيرتي في بعض الأمور هل أضيفها أم أؤجلها

    وأرجو من هنا إلى ذلك الوقت إعمال الأسئلة للاستفادة من الوقت

    السلاسل الشهيرة أخي مسلم أسود أقل شيء تكون ثلاثة رجال ليصدق عليها اسم سلسلة

    وعطاء بن أبي رباح فعلاً هو من تلاميذ ابن عباس وكان من كبار فقهاء التابعين بل هو تتلمذ على المكثرين كلهم عائشة وأبو هريرة وأبو سعيد ( وروايته عنه قليلة ) وابن عمر وابن عمرو وجابر بن عبد الله فجيد أنك سألت عنه فهو فصل هام في قصة الإسناد

    وله تلميذان مشهوران في موطن سكنه مكة

    وهما عمرو بن دينار ، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج

    فعمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس

    وعمرو عن عطاء عن جابر

    وابن جريج عن عطاء عن ابن عباس

    وابن جريج عن عطاء عن جابر

    سلاسل مشهورة معروفة تحرى أهل العلم تخريجها واتفقوا على تصحيحها

    ولعطاء تلاميذ كثيرون جداً حملوا عنه فتاويه وأحاديثه ولكن هذان أشهر اثنين

    واللطيف أنه كان أسود وقد سألت أنت عنه

    ويوجد في طبقة التابعين رجال آخرون اسمهم عطاء وهم عطاء بن يسار وعطاء الخراساني وعطاء بن السائب ولكن هذا أشهرهم وإذا أطلق عطاء فالمقصود به هذا وهو الوحيد فيهم الذي روى عن المكثرين كلهم وقد سمع من صحابة آخرين ولكنني أردت التنبيه على حمله على المكثرين

  11. #11

    افتراضي

    بارك الله في الأيدي التي كتبت - والوقت الذي بارك الله فيه وندعو لصاحبه من خيري الدنيا والآخرة

    ولا شك في أهمية الإسناد عموما في هذه الأمة والذي تميزت به أيما تميز عن غيرها
    وكنت سأرسل لك سؤالا على الخاص أخي الكريم - هو قريب من موضوعك هنا - ولكني اخترت أن يكون هنا لأهمية ما ستحتويه إجابتك كالعادة ما شاء الله
    السؤال هو :

    معروف أن جزءا كبيرا من شبهات النصارى والملاحدة لمحاولة النيل من القرآن : يعتمد على أشعار أو كلام مسجوع : هو منحول في الأصل بعد ظهور الإسلام بسنوات وقرون - مثل ما ألفوه عن امرؤ القيس أو زبراء الكاهنة والسماء والطارق والتي ذكرها أبو علي القالي في الأمالي في القرن الرابع الهجري ويزعمون أنها كانت قبل الإسلام - ومعلوم أن كل ذلك كذب عند التحقيق وأنه من السفه والغباء المستحكم تصور النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأتي العرب بكلام منقول من مشاهير الشعراء وغيرهم ليقول لهم أنه من عند الله !! وظاهرة نحل الأشعار أو خلط نسبتها من واحد لآخر ومن مغمور إلى مشهور إلخ : هي ظاهرة معروفة ------
    وكل ذلك ليس لب السؤال - ولكني أحببت صنع مقدمة وإفادة البعض لعله ينولنا ثواب

    السؤال :
    هل يمكن أن تبرر ظاهرة النحل هذه بعض أشعار الغلاميات الفاسقة والمجون المنسوب إلى بعض الشعراء ممن يظهر تناقضها مع أشعار أخرى رزينة لهم ومحترمة ؟
    أم أن الغلاميات هذه كانت زلات شعر واستعراض هوى من بين أشعارهم ؟!!
    ويمكنني توضيح السؤال بأمثلة إذا أردت .. ولكني أفضل أن تكون إجابتك أنت عامة وأشمل في الرد بطريقتك التوسعية
    بارك الله فيك
    التعديل الأخير تم 09-28-2014 الساعة 11:19 PM

  12. افتراضي

    أحسن الله إليْك ورفع قدرك في الداريْن، مُتابعة إن شاء الله .. استمر أستاذنا الكريم نفع الله بك.
    قال الله سُبحانه وتعالى { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الأنبياء:18


    تغيُّب

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المشاركات
    965
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو حب الله مشاهدة المشاركة
    بارك الله في الأيدي التي كتبت - والوقت الذي بارك الله فيه وندعو لصاحبه من خيري الدنيا والآخرة

    ولا شك في أهمية الإسناد عموما في هذه الأمة والذي تميزت به أيما تميز عن غيرها
    وكنت سأرسل لك سؤالا على الخاص أخي الكريم - هو قريب من موضوعك هنا - ولكني اخترت أن يكون هنا لأهمية ما ستحتويه إجابتك كالعادة ما شاء الله
    السؤال هو :

    معروف أن جزءا كبيرا من شبهات النصارى والملاحدة لمحاولة النيل من القرآن : يعتمد على أشعار أو كلام مسجوع : هو منحول في الأصل بعد ظهور الإسلام بسنوات وقرون - مثل ما ألفوه عن امرؤ القيس أو زبراء الكاهنة والسماء والطارق والتي ذكرها أبو علي القالي في الأمالي في القرن الرابع الهجري ويزعمون أنها كانت قبل الإسلام - ومعلوم أن كل ذلك كذب عند التحقيق وأنه من السفه والغباء المستحكم تصور النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأتي العرب بكلام منقول من مشاهير الشعراء وغيرهم ليقول لهم أنه من عند الله !! وظاهرة نحل الأشعار أو خلط نسبتها من واحد لآخر ومن مغمور إلى مشهور إلخ : هي ظاهرة معروفة ------
    وكل ذلك ليس لب السؤال - ولكني أحببت صنع مقدمة وإفادة البعض لعله ينولنا ثواب

    السؤال :
    هل يمكن أن تبرر ظاهرة النحل هذه بعض أشعار الغلاميات الفاسقة والمجون المنسوب إلى بعض الشعراء ممن يظهر تناقضها مع أشعار أخرى رزينة لهم ومحترمة ؟
    أم أن الغلاميات هذه كانت زلات شعر واستعراض هوى من بين أشعارهم ؟!!
    ويمكنني توضيح السؤال بأمثلة إذا أردت .. ولكني أفضل أن تكون إجابتك أنت عامة وأشمل في الرد بطريقتك التوسعية
    بارك الله فيك
    وفيك بارك

    أستأذن الجميع في الإجابة على سؤال أستاذ الكل أبي حب جزاه الله خيراً

    وليعذرني الجواب سيكون طويلاً نوعاً ما هذا من جهة ، ومن جهة أخرى الأمر ليس له تعلق كبير بفقه الإسناد

    ليعلم أولاً أن الشعر ظاهرة إنسانية تعبر عن مكنونات النفس فالغالب على الشعراء الغزل والمدح والذم وتصوير الأحوال الخاصة وهذا الضرب إذا ما قورن بشعر الحكمة مثلاً كان هو الغالب

    وميل الرجال إلى الإناث مع كونهم أقدر على التعبير فحياء الأنثى يلجمها ( وهذا قبل انتكاسة الفطرة ) جعل الغالب على أشعارهم ذكر الغزل عفيفه وفاجره وتسمية الغلاميات مولدة وإلا فهم يقولون ( نسيب ) و ( تشبيب )

    ولأن عامة الشعراء إنما تظهر موهبتهم الشعرية في الشباب حيث هيجان المشاعر ، فالشاعر الذي تتأخر موهبته في الظهور يسمونه ( نابغة ) ومن هنا جاء اسم ( النابغة الذبياني ) و ( النابغة الجعدي ) ، لهذا الاعتبار يكثر الغزل في شعرهم لأن في هذه المرحلة يكون الانجذاب تجاه الطرف الآخر هو الغالب على نفوس أولئك الذين في كل واد يهيمون وفي هذه الأحيان ربما صدرت منهم أبيات تنتشر عنهم ثم إذا كبروا وعقلوا كانت محل ندمهم أو على الأقل تظهر وكأنها من إنسان آخر على أن الشعراء قليل منهم من يتبرأ مما يكتب أو يذمه لقوة الاتصال بنفوسهم

    وخذ مثلاً أبا العتاهية وهو من أحسن الشعراء وأسماهم تديناً ومع ذلك وقعت له زلة في شبابه جرت عليه شراً كثيراً وهذا من رحمة الله به إذ أراد تكفير ذنوبه

    قال ابن حجر في لسان الميزان :" ومن طريق محمد بن أبي العتاهية قال: لما قال أبي في عتبة:
    يا رب لو أنسيتنيها بما ... في جنة الفردوس لم أنسها.
    شنَّع عليه منصور بن عمار بالزندقة وقال: يتهاون بالجنة هذا التهاون وذكر له شيئًا آخر قال: فلقي أبي من العامة بلاء"

    وقد تاب أبو العتاهية ولكنها أبيات تسير

    ونظير هذا ما حصل لمحمد بن داود بن خلف الأصبهاني الذي كان شاعراً فيه ضرب من المجون ثم تزهد وتفقه

    قال الخطيب في تاريخ مدنية السلام ( بغداد ) (3/158) : أَخْبَرَنَا أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد النيسابوري، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو نصر بن أبي عبد الله الشيرازي، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو الحسين محمد بن الحسين الظاهري البصري من حفظه، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو الحسن محمد بن الحسن بن الصباح الداودي البغدادي الكاتب بالرملة، قَالَ: حَدَّثَنَا القاضي أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الأزدي ببغداد، قَالَ: كنت أساير أبا بكر محمد بن داود بن علي ببغداد فإذا جارية تغني بشيء من شعره، وهو:
    أشكو غليل فؤاد أنت متلفه شكوى عليل إلى إلف يعلله
    سقمي تزيد مع الأيام كثرته وأنت في عظم ما ألقى تقلله
    الله حرم قتلي في الهوى سفها وأنت يا قاتلي ظلما تحلله
    فقال محمد بن داود: آه، كيف السبيل إلى استرجاع هذا؟ فقال القاضي أبو عمر: هيهات سارت به الركبان

    فتأمل ندمه وتوجعه

    وقد بلغ من كلف الشعراء بالنساء أنهم يذكرونهن بلا مناسبة من فنون الشعر ( التشبيب ) وهو ترقيق الشعر بذكر النساء في أوله كما في قصيدة ( بانت سعاد ) ولا يصح أنها قيلت أمام النبي ، وكما فعل البوصيري في بردته

    أمن تذكر جيران بذي سلم *** مزجت دمعاً جرى من مقلتي بدم

    وهذا في قصيدة هي في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ولما حاكاه شوقي شبب هو الآخر

    ريم على البان بين القاع والعلم *** أحل سفك دمي في الأشهر الحرم

    هذا هو السبب الأول

    والثاني ليعلم أن من الناس لخصومة مذهبية أو زندقة باطنة يضع الأخبار على بعض مخالفيه لشينهم كما فعل الأصفهاني الرافضي في كتابه الأغاني فقد حقق أخونا الأعظمي في صارمه اليماني أن الرجل كان يريد إظهار مجتمع الصحابة والتابعين على أنه مجتمل منحل لأنه رافضي يضمر الحقد عليهم وكثير من أخباره ليس عليها نظام والكذب عليها ظاهر

    وقد تأثر عامة الأدباء بما فيهم بعض المعاصرين من الأفاضل بكتاب الأغاني ووقع لأستاذنا وعميد العربية صدقاً أبي فهر محمود شاكر التأثر بهذا ، فأفرط فيما كتب عن عمر بن أبي ربيعة في مقالاته وخرج عن القصد واعتمد الواهي والمكذوب

    والأمر نفسه بشكل أقل مع ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد الذي كان شيعياً معتزلياً وقد نبه ابن كثير على تشيعه في البداية والنهاية وذكر أن له دسائس في الأخبار على أن عامة أخباره معضلة ( بلا أسانيد )

    وأدباء المعتزلة يعمدون إلى المتوكل بالذات لما في قلوبهم عليه ويظهرونه في صورة المغفل أو السكير وهذا تراه في أخبار الصوري المعتزلي وابن دريد وابن عبد ربه ، ويظهرونه على أنه كان أحمق يعشق جارية سوداء قبيحة ، وإذا ذكروا المأمون أطنبوا في مدحه ولم ينسبوه إلى نقيصة بل لا تراه إلا الفقيه المناظر حتى إن ابن عبد ربه عقد في كتابه العقد الفريد فصلاً في مناظرات المأمون جعله مناظراً للملل والنحل كلها قاهراً لها غالباً عليها ، والقصد من هذا ظاهر فالمأمون معتزلي والمتوكل سني ، وتبعهم على ذلك الشيعي المتستر ابن خلكان في وفيات الأعيان فنسب المتوكل للنصب وهذه تهمة باطلة ولكن مع الأسف تأثر بكلام هؤلاء وأودعه في كتبه الذهبي

    السبب الثالث : أن المؤلفين في كتب الأدب كثير منهم إنما يصنف للملوك ليأخذ على ذلك الجائزة كما حصل للأصفهاني في الأغاني والتوحيدي في الامتاع والمؤانسة ، فيأخذهم تطلب الإغراب لإثارة إعجاب الملوك ومن أكثر ما يعجب العامة أخبار المجون والغرائب ، فإذا سمعوا عن رجل أنه وقع له نوع تغزل لا يحسن وضعوا عليه عشرات الأخبار من هذا الجنس كما فعلوا في عمر بن أبي ربيعة

    وهذه عادة الكذابين فلأن عنترة شجاع وحاتم كريم توضع عليهما عشرات الأخبار في هذا الصدد

    وحتى في باب أخبار الصحابة والتابعين كان يقع هذا ، فحادثة دار أبي الأرقم وضع فيها الواقدي أخباراً كثيرة ، وكذلك حادثة عام الرمادة ، ولما كانت حروب الردة حدثاً تاريخياً مؤثراً وضع سيف بن عمر التميمي في ذلك أخباراً كثيرة جمعها في كتاب واخترع شخصيات لا وجود لها إلا في مخيلته كالقعقاع بن عمرو التميمي ( وتأمل أنه جعله تميمياً )

    ومن هذا الباب كثير مما ذكره الجاحظ في البيان والتبين من أقوال الحسن فلا أشك أنه هو من اخترعها فالحسن رجل زاهد بليغ جداً وأخباره منتشرة بين الناس حتى أنني جمعت 600 أثر صحيح من آثاره ، فلما كان كذلك كانت نسبة البليغ إليه هينة بشرط أو يصل إلى مستواه ولهذا ينفرد الجاحظ عنه بأخبار لا توجد إلا في كتب الجاحظ والجاحظ كذاب كما نص عليه الأزهري ، واختيار الجاحظ له من دون غيره لهذا السبب ولكون القدرية ( والجاحظ منهم ) كانوا ينتحلون الحسن ويزعمون أنه شيخهم وكبيرهم حتى أبا داود في كتابه السنن والآجري في الشريعة عمدا إلى نقض هذه الشبهة

    ومن هذا الباب عامة الأخبار التي تنسب لأبي نواس في المجون ولأشعب في البخل ولجحا في الظرف وقد نبه على هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية

    وهذا واقع إلى اليوم في الحقيقة فلا يكاد يشتهر أحد بشيء حتى ينسج الناس عليه أخباراً كثيرة في هذا الصدد

    ومما يدلك على المجتمع كان في عامته بعيداً عن المجون أن المصنفين حين قصدوا الإغراب دونوا المجون في الكتب ولو كان أمراً معروفاً لما عمد إليه قاصد الإغراب

    ثم ليعلم أنه كان من هجاء السفلة ذكر نساء العدو وذكر حسنهن وادعاء علاقات وهمية معهن لإثارة غيضه وهذا أمر كان يفعله اليهود مع المسلمين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

    وقد قيل أن أهجى بيت قالته العرب

    العجرفيون لا يوفون ما وعدوا *** والعجرفيات ينجزن المواعيد

    وهذا بيت قذر المقصود من معناه ظاهر

    ويبقى أمر وهو أن كثيراً من الشعراء في أزمنة المنافسة الشعرية يقصدون إلى جميع أبواب الشعر ويكتبون فيها إظهاراً لمقدرتهم الشعرية وإن لم يوجد هذا الأمر حقاً عسى أن يفوزوا بما أسبغته الأعراب على جرير الشاعر المعروف إذ لما سئلوا عن أمدح بيت قالته العرب ذكروا بيتاً لجرير ولما سئلوا عن أهجى بيت ذكروا بيتاً لجرير ولما سئلوا عن أغزل بيت قالته ذكروا بيتاً لجرير

    فمثلاً أبيات بشار بن برد

    يا ناس أذني لبعض الحي عاشقة *** والأذن تعشق قبل العين أحياناً

    قالوا بمن لا ترى تهذي قلت لهم *** الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

    حقيقة أمره أنه يجاري بهذه الأبيات أبيات جرير الشهيرة

    إن العيون التي في طرفها حورٌ*** قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

    يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به *** وهن أضعف خلق الله أركانا

    فالقصيدتان على بحر البسيط مستفعلن فعلن مستفعلن فعلن والقافية هي القافية

    وجرير نفسه تأثر برجل سبقه كتب أبياتاً غزلية على بحر البسيط ولكن القافية مختلفة

    قالت وقد فتكت فينا لواحظها *** ما إن أرى لقتيل العشق من قود

    وأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت *** ورداً وعضت على العناب بالبرد

    ثم استهلت تجوب الكون ضاحكة *** تقول انظروا فعل هذا الظبي بالأسد

    والبيت الأخير فكرته تشبه فكرة بيت جرير الأخير وقد عجز جرير وبشار أن يجمعا من التشبيه ما جمعه ذلك الشاعر في بيت واحد ولكن لما انفرد جرير بوصف العين فاقه وتصويره لحالة الضعف أمام الأنثى كان أقوى

    وحتى ابن زيدون الأندلسي لما كتب قصيدته المعروفة ( أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا *** وناب عن طيب لقيانا تجافينا )

    كتبها على البحر نفسه ( البسيط ) وبقافية مقاربة وحاول هو الآخر أن يظهر موهبته في وصف الأنثى فقال

    ربيب ملك كأن الله أنشأه *** مسكاً وقدر إنشاء الورى طيناً

    كأنما سقطت في صحن وجنته *** زهر الكواكب تعويذاً وتزييناً

    غير أن الفرق أن ابن زيدون كانت له تجربة حقيقية وطابع أهل الأندلس مختلف عن طابع أهل المشرق تماماً وقد كان هذا في بداية عصور الانحلال

    فمن هذا الوجه قد تجد أبياتاً لبعض الناس من بعض الاستعراض الشعري والمحاكاة المحضة وقد وقع لي ذلك وما مست يدي يد امرأة لا في حلال ولا في حرام

    وهناك أبيات تقال على جهة المزاح كقول ابن حزم في تلك القصيدة

    ألم ترَ أني ظاهري وأنني *** على ما بدا حتى يقوم دليل

    غير أن ابن حزم لم تكن أخلاقه تشبه أخلاق أهل العلم أبداً وهذا ظاهر من عنفه المستمر واستسلامه للغضب حتى أنه لما رد على بعض الكفار الذين أساءوا للمسلمين صار يقول ( قال ابن ....... ) ويذكر تلك الكلمة ولعل نشأته أثرت عليه ولما حصل من البربر ما ساءه صنف كتاباً في فضائحهم وخرج إلى حد القذف بالعموم بما كان محل انتقاد لأهل العلم جميعاً ، ومن قرأ طوق الحمامة رآه مسرفاً في جمع أخبار المجان حتى أنه في آخر الكتاب صار يحلف بأنه ما حل سراويله على حرام لما رأى من أثر جمعه على نفوس الناس تجاهه ، وفي طوق الحمامة ستجد سبب إباحته للغناء في المحلى

    هذا ملخص لأهم الأسباب ما قد تراه مما ينسب لبعضهم مما تسميه ب( الغلاميات )

    ويمكن اختصار هذا كله بأنه كلف بعض المصنفين لسبب أو آخر باختراع هذه الأخبار وعامتها تكون بلا أسانيد ومن المصنفين من هو سليم الطوية ولكنه تأخذه شهوة الجمع لئن يذكر كل ما سمع بغض النظر عن صحته من عدمها ، وما يصح يكون في الغالب وقع من شخص على جهة زلة الشباب أو يكون شخصاً هو وضيع أصلاً

    وقد كان أهل العلم يكرهون ذكر هذا كله فهذا الإمام أحمد لما ذكر له ما يرمى به يحيى بن أكثم استعاذ بالله من الشيطان ونهى عن الكلام في هذا

    وقد انتقد السخاوي المؤرخين الذين يذكرون مثالب الملوك ويطنبون فيها

    قال السخاوي في الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ وهو يعلل عدم ذكره لمثالب الملوك ص48 :
    " ذكر أناس من الملوك والأكابر يضاف إليهم شرب الخمر ، وفعل الفواحش مما تصحيحه عنهم عزيز ، وهو متردد بين إشاعة الفاحشة إن صح ، أو القذف إن لم يصح ، سيما ويتضمن التهوين على أبناء جنسهم فيما هم فيه من الزلل "

  14. #14

    افتراضي

    والله علمت أني أصبت مَن لها
    جزاك الله خيرا - ومما خطت يمينك أنطلق بإذن الله فيما أردت وتوسعت ...
    بارك الله فيك ولا حرمنا علمك وأدبك ..

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المشاركات
    965
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    واليوم سنكمل جولتنا مع قصة الإسناد

    فإن قيل : ذكرت الصحابة وروايتهم فهل وقع في الناس أن اختلفوا في بعض الرواة هل هو صحابي أم لا ؟

    فيقال : الغالبية العظمى من الأحاديث النبوية يرويها صحابة لا يختلف في صحبتهم وإنما وقع الخلاف في نزر يسير من الرواة هل هو صحابي أم لا ؟

    ولا شك أن هذا الاختلاف إنما وقع بعد طول الأمد وإلا ففي زمن الصحابة والتابعين لم يكن يختلط الصحابي بغيره أبداً ولكن لما طال الأمد قام بعض الرواة الضعفاء برواية بعض الأحاديث عن بعض التابعين ويذكر فيها أنهم قالوا ( سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم ) فيظن بعض ضعفاء التحقيق أنهم صحابة

    خصوصاً إذا كان هذا التابعي مخضرماً

    فإن قيل ما معنى مخضرم ؟

    قلت : هو التابعي الذي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره كزيد بن وهب وأبي وائل وقيس بن أبي حازم

    وليعلم أن الخلاف في معظم من اختلف في صحبته لا يؤثر في صحة الحديث من ضعفه

    فإن قيل : كيف هذا ؟

    قلنا : لأن عامة مروياته تكون عن صحابة آخرين سمعهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ثقة عند العلماء فسواءً وثقوه لأنه صحابي أو وثقوه لضبط روايته فأحاديثه صحيحة

    ولنأخذ مثالاً يوضح المقال

    فهناك راو من التابعين ( تلاميذ الصحابة ) اسمه أبو رهم السماعي وقد اختلف في صحبته إلا أن أحاديثه في الكتب المشهورة عن صحابة آخرين سمعهم وهو ثقة عند أهل العلم

    قال النسائي في سننه 2162 - أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ يُوسُفَ بَصْرِيٌّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ سَيْفٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي رُهْمٍ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُو إِلَى السَّحُورِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَقَالَ هَلُمُّوا إِلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ

    وقال أيضاً 4020 - أَخْبَرَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا بَقِيَّةُ قَالَ حَدَّثَنِي بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّ أَبَا رُهْمٍ السَّمَعِيَّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ جَاءَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كَانَ لَهُ الْجَنَّةُ فَسَأَلُوهُ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُسْلِمَةِ وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ

    والحديث اشتبهوا من أجله بصحبته لا يصح إليه أصلاً

    قال ابن ماجه في سننه 1975- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ ، عَنْ أَبِي رُهْمٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : مِنْ أَفْضَلِ الشَّفَاعَةِ ، أَنْ يُشْفَعَ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ فِي النِّكَاحِ.

    معاوية بن يحيى هذا ضعيف ولم يذكر أبا رهم قال ( سمعت رسول الله ) فالرواية على ضعفها ليس فيها ما يدل على صحبته

    وليس لهذا الرجل في الكتب الستة إلا هذه الأحاديث الثلاثة وقد زاد له أحمد في مسنده حديثين هما من هذا الباب ( روايته عن صحابة )

    ومما يدل على ندرة حالة اشتباه الصحابي بمن ليس بصحابي أن في الكتب الستة الرواة الذين اختلف في صحبتهم لا يبلغون الأربعين من بين مئات التابعين الذين رووا الحديث

    فإن قيل : كيف يفصل في شأن الراوي الذي اختلف في صحبته

    فيقال : طرق إثبات الصحبة

    1_ تصريحه بالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو عدل مأمون لا يتهم

    2_ شهادة صحابي آخر له

    وهذان الطريقان لا يصح بهما السند فإن لم يصح بقينا على الأصل وهو أن الرجل ليس صحابياً لأن إثبات الصحبة يعني إثبات فضيلة ومنزلة وهذا أمر يفتقر إلى دليل والأصل عدمه

    ولا بد أن يكون التاريخ يصدق دعوى مدعي السماع من النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يبقى على وجه الأرض أحد من أصحابه بعد مائة عام ، فجاء رجل هندي اسمه رتن الهندي ادعى الصحبة بعد المائة فكذبه العلماء واستدلوا على ذلك بحديث المائة عام

    ومع كون هذه الظاهرة ضئيلة مع ما قدمناه من أن معظم الصحابة لم يرووا الحديث إلا المحدثين كتبوا المؤلفات العديدة في تمييز الصحابة من غيرهم

    فأول من ألف في هذا الباب محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح وخلاصات أبحاثه موجودة في كتابه الذي أسماه التاريخ الكبير وهو حاول فيه جمع تراجم جميع رواة الحديث مع الكلام عليهم في الغالب

    وهذا الكتاب مطبوع في عدة مجلدات ولا أعلم له طبعة جيدة

    وأيضاً ألف في هذا الباب رجل اسمه عبد الباقي بن قانع كتاباً أسماه معجم الصحابة حاول أن يستقصي جميع الصحابة وطريقته أنه يذكر الصحابة ثم يروي حديثاً من طريقه

    فمثلاً إذا ذكر معاوية بن أبي سفيان يقول حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن معاوية عن النبي بكذا وكذا

    وفي الغالب يكون بينه وبين الصحابي أربعة رجال أو خمسة

    وصنف أيضاً رجل اسمه أبو القاسم البغوي كتاباً أسماه معجم الصحابة وطريقته فيه كطريقة ابن قانع

    وصنف أيضاً أبو نعيم الأصبهاني كتاباً في ذلك أسماه ( معرفة الصحابة ) وطريقته فيه كطريقة ابن قانع والبغوي

    وهذه الكتب يؤخذ عليها أنها في الغالب لا تبين الصحيح من الضعيف فربما دخل على الصحابة من ليس منهم بسبب بعض الروايات الضعيفة وأما البخاري فلم يكن هذا ليفت عليه

    وهذه الكتب كلها مطبوعة ، وهناك كتب مفقودة ولعلها مخطوطة ككتاب ابن السكن وكتاب ابن مندة في هذا الباب

    وقد تأخر عن هؤلاء من الناحية الزمنية رجل قرطبي اسمه ابن عبد البر ألف كتاباً أسماه ( الاستيعاب في معرفة الأصحاب ) يذكر الصحابي ويذكر شيئاً من سيرته وإذا كان هناك خلافاً في صحبته يحاول الترجيح

    غير أنه كان متشيعاً يفضل علياً على بقية الصحابة ويحمل على بعض الصحابة وحصل منه ذكر بعض المثالب التي لا تصح وإطناب في الكلام في الفتن انتقده لذلك ابن الصلاح في مقدمته

    ثم جاء بعد قرون رجل اسمه ابن الأثير وألف كتاباً أسماه ( أسد الغابة في معرفة الصحابة ) وهو من أضعف الكتب في هذا الباب

    ثم جاء ابن حجر العسقلاني وألف كتابه ( الإصابة في تمييز الصحابة ) وقد اطلع على جميع الكتب السابقة وغيرها وأعطى خلاصات نافعة وكانت طريقته أنه رتب أسماء الصحابة على أحرف الهجاء

    وكل اسم من أسماء الصحابة يقسمه إلى ثلاثة أقسام القسم الأول والقسم الثاني والقسم الثالث

    يذكر في القسم الأول المشاهير والمكثرين وفي الثاني الصحابة الذين لا يختلف فيهم ممن يحمل هذا الاسم وفي الثالث من ذكر في الصحابة وليس منهم

    فذكر الرجل في كتاب الإصابة لا يدل على صحبته بل ربما يدل على العكس إذا ذكر في الثالث

    فمثلاً ابن حجر إذا ذكر اسم عمر

    يذكر في القسم الأول عمر بن الخطاب ، وفي الثاني عمر بن أبي سلمة _ وهو صحابي _ وفي الثالث يذكر رجلاً اسمه عمر وليس صحابياً أدخلوه في الصحابة غلطاً وقد لا يوجد في بعض الأسماء ما يملأ أحد الأقسام الثلاثة بطبيعة الحال

    وكثير من الصحابة المذكورين في الإصابة ليس لهم رواية وإنما ذكروا في حوادث تاريخية وفي كتب ابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر ذكر وفيات هؤلاء الصحابة وأين ماتوا وسيأتي بيان فائدة ذلك الأمر

    وهناك كتب أخرى تتناول هذا الموضوع ولكن هنا إفادة مختصرة تعطي فكرة لكل مسلم

    والآن لنضرب مثلاً في رجل اختلف في صحبته وسواءً صحت أم لم تصح فحديثه ثابت المعنى في أحاديث صحابة معروفين

    قال ابن ماجه في سننه 8- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ زُرْعَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عِنَبَةَ الْخَوْلاَنِيَّ ، وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : لاَ يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ.

    أبو عنبة الخولاني اختلف في صحبته غير أن معنى حديثه هو معنى أحاديث ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ) التي رواها جمع من الصحابة

    وهناك من الصحابة من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه الحديث مباشرة لصغر سنه كمحمود بن لبيد وطارق بن شهاب وهؤلاء تكون معظم روايتهم عن صحابة آخرين وإذا رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة يقبل أهل العلم حديثهم لأنها مراسيل صحابة يعني يكون الساقط صحابياً لا محالة

    وليعلم هنا أمر هام وهو أن الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في عامتها لا تخرج عن كونها عضدت بالقرآن ، أو رواها غير واحد أو أفتى بها جماعة من الصحابة والتابعين أو حتى بعضهم

    فإن قيل : هلا ضربت أمثلة على ذلك

    فيقال : أما ما يعضده القرآن فكثير جداً أكتفي ببعض ما قد يند عن أذهان بعض الناس

    المثال الأول : قال البخاري في صحيحه 1521 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»

    هذا الحديث يرويه أبو هريرة أحد المكثرين ، وهذا يوجد في القرآن ما يعضده !

    قال الله تعالى : (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)

    قوله تعالى : ( فلا إثم عليه ) يعني ذنبه مغفور كما فسره جماعة المفسرين من السلف وهذا ما يناسب السياق فلو كان المقصود بقوله ( فلا إثم عليه ) فالمتعجل يرفع عنه الحرج فما بال المتأجل وقد أدى العبادة على أحسن وجه

    قال الطبري في تفسيره 3934 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال حدثنا سفيان، عن حماد. عن إبراهيم، عن عبد الله:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه"، أي غفر له" ومن تأخر فلا إثم عليه"، قال: غُفر له.
    3935 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا مسعر، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه"، أي غفر له.
    3936 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا المحاربي= وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد= جميعًا، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه"، قال: قد غُفر له.

    وعبد الله هنا هو ابن مسعود والإسناد إليه صحيح وقد روي ذلك عن ابن عباس أيضاً وابن عمر وجماعة من التابعين

    المثال الثاني : قال مسلم في صحيحه 43 - (1841) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شَبَابةُ، حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ»

    وهذا الحديث في البخاري وهو يدل على أن جهاد الطلب لا بد له من إمام وهذا المعنى في القرآن

    قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا)

    فتأمل أنهم لما أرادوا الجهاد طلبوا الإمام

    المثال الثالث : حديث ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي )

    فهذا معناه في القرآن !

    فإنك تدعو في كل صلاة تقول ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم)

    وقد قال في الآية الأخرى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا )

    فرأس الذين أنعم الله عليهم بعد الأنبياء الصديقون ورأسهم أبو بكر الصديق ، والشهداء وبقية الخلفاء الأربعة كلهم شهداء فعمر شهيد وعثمان شهيد وعلي شهيد

    وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)

    وقد وصف الصحابة أنهم هم الصادقون

    فقال تعالى : (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)

    فهذا يعضد معنى حديث اتباع سنة الخلفاء فجميعهم مهاجر وقد أخرجوا من ديارهم وأموالهم وجاهدوا جهاداً عظيماً

    وأما ما رواها غير واحد من الصحابة فهذه كثيرة جداً سواءً لفظاً أو معنى

    المثال الأول : حديث ( لا نكاح إلا بولي ) رواه من الصحابة أبو موسى الأشعري وعائشة وأفتى به ابن عباس وفي ظاهر القرآن ما يعضده ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) فلما وجه خطابه للرجال دل على أنهم لهم تأثير في الأمر وأبلغ منه قوله تعالى : ( فلا تعضلوهن ) وقوله تعالى : ( وأنكحوا الأيامى )

    وقد روي عن علي وعمر بن الخطاب إفتاؤهم بذلك وصح هذا عن عمر بن عبد العزيز


    المثال الثاني : المسح على الخفين

    روى أحاديث المسح على الخفين صفوان بن عسال وجرير بن عبد الله والمغيرة بن شعبة وصح عن عمر الإفتاء به وعليه عامة التابعين وفعله أنس بن مالك وغيره من الصحابة

    كل واحد من هؤلاء له أسانيد تختلف عن أسانيد الآخر

    المثال الثالث : النهي عن نكاح الشغار

    هذا النهي رواه عن النبي أبو هريرة وابن عمر ومعاوية وجابر بن عبد الله كل منهم له أسانيده المستقلة

    وهناك عشرات الأحاديث من هذا الباب

    فلعل قائلاً يقول : ما تريد من هذا الأمر

    فيقال : يستفاد من هذا عدة أمور

    أولها : زيادة الاستيثاق من صحة السنة المروية عندنا وظاهرة التواطؤ بين مرويات الصحابة وهي ظاهرة عظيمة في كتب الحديث وتواطؤ الفتاوى مع الأحاديث ليدل على أن السنة حفظت بقوة

    ثانيها : التنبيه على أمرٍ يجهله الكثير من المسلمين وهو أن معظم أحكام الفقه الضرورية إجماعية ! أو النص فيها واضح وإنما جهله بعض الناس لا كل العلماء

    قال شيخ الإسلام في [ الاستقامة ص59 ] :" إن قال قائل مسائل الاجتهاد والخلاف في الفقه كثيرة جدا في هذه الأبواب , قيل له مسائل القطع والنص والإجماع بقدر تلك أضعافا "

    وقد يستبعد هذه العبارة بعض من لا يفتح عينيه إلا على الخلاف ومن درس الفقه بدقة ونظر في كلام ابن تيمية علم صوابه خصوصاً إذا علمنا أن معظم الخلاف يكون بسبب وجود مدرسة أهل الرأي الشهيرة بضعف العناية بالحديث وأما إذا عدت إلى مدرسة أهل الحديث التي يمثلها مذهب مالك والشافعي وأحمد فالخلاف يقل

    وكثير من الخلاف فيه نقطة اتفاق فمثلاً يختلفون في الفعل الفلاني هل هو واجب أو مستحب وهذا كثير وهناك نقطة اتفاق وهو أن هذا الفعل مشروع أو يختلفون هل هو مكروه أو محرم ولكن قلما يجد الباحث خلافاً هل هذا الفعل واجب أو محرم

    وكثير من المسائل التي يختلف فيها المتأخرون تراها محل اتفاق بين الصحابة وكثير من الخلافات انقرضت بعد ظهور الأدلة كالخلاف في ربا الفضل هل يجوز أم لا يجوز

    ولما كان أحمد وإسحاق قد عاشا في حقبة جمعت فيها عامة الأحاديث وكانا قد اطلعا على أحاديث الشاميين والكوفيين والمصريين والبصريين كان خلافهما قليلاً جداً كما يظهر للناظر في مسائل الكوسج فمعظم الكتاب يسأل أحمد عن المسألة فيجيب فيعقب إسحاق بقوله ( هو كما قال ) ولما نظروا في اختيارات البخاري وجدوها موافقة لاختيارات أحمد وإسحاق في معظمها لظهور الأحاديث والآثار في زمنهم ظهوراً عظيماً سنحكي قصته بالتفصيل لاحقاً

    وهذا استطراد ربما يكون خارجاً عن محل بحث الإسناد ولكنني ذكرته لأهميته

    وفي الحلقة القادمة سنتعرف على بعض التابعين ممن كان له ميزة في قصة الإسناد إن شاء الله تعالى

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء