الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد :

فلا يخفى ما يضفيه العيد من بهجة على نفس المسلم ، وقد كنت قضيت وطري من بعض الأمور فأورثني ذلك صفاء ذهنياً وهدوءاً لا يكاد يزورني إلا غباً ، وتعداده الشهور وليس الأيام

وفي أثناء أداء صلاة العيد رأيت المسلمين يتوافدون زرافات إلى المصلى يكبرون ويهللون رجالاً ونساءً وأطفالاً ومظاهر البهجة ظاهرة عليهم ، فقام الخطيب واهتبل الفرصة وتكلم عن صلة الأرحام وتناسي الخصومات واستغلال العيد لدمح النزاعات القديمة ، وقد أحسن في ذلك وفعلاً العيد من حكمه أن يصير فرحة عامة يتسامى فيها الناس فوق أحقادهم وباستمرار كانت الخصومات تنتهي في العيد

ورأيت الوافدين من الهنود والبنغاليين والمصريين واليمنيين يقفون في المصلى معنا ثم بعد الصلاة يهنيء بعضنا بعضاً بعيد الإسلام الذي جعلنا أخوة ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ) هذه أخلاقنا عندما نصير مسلمين حقاً ولو لنصف ساعة وإن كان منا من يخالف ذلك طوال العام

وتساءلت في نفسي ماذا لو كنا مسلمين حقاً كيف ستكون أخلاقنا ؟

صلة الرحم عبادة

وبر الوالدين عبادة

ومحبة الخير للناس عبادة

وعيادة المريض عبادة

وتعزية المصاب عبادة

وعشرة الزوجة بالمعروف عبادة

والإنفاق على الأبناء عبادة

وإطعام المسكين والفقير عبادة

وكفالة اليتيم بل المسح على رأسه عبادة

وإعطاء الأجير أجره عباده

وكف اللسان عن عيوب الناس عبادة

وتحري الصدق في الحديث عبادة

وإنجاز الوعد عبادة

وأداء الأمانة عبادة

وتبسمك في وجه أخيك عبادة

وإعانة الضعيف عبادة

وصيانة الزوجة والزوج لفراش الزوجية من الخيانة عبادة

والعفة مطلقاً عبادة

والنظافة عبادة

وإماطة الأذى عن الطريق عبادة

والإحسان إلى الجار عبادة

والأمانة في العمل عبادة

وإنصاف الخصوم وترك ظلمهم عبادة

وما يعاكس كل هذا معصية أو مخالفة للفضيلة

والعفو عن الناس عبادة ومجاوز الحد في الاقتصاص منهم معصية

والفحش والبذاء والقذف كلها محرمات

كونك ترى كل هذا جميلاً فلأن اللمسة الإلهية في قلبك لا زالت موجودة بداعي الفطرة

أتعرف ماذا يعني ذهاب الدين ، يعني ذهاب كل هذه القيم كواجبات شرعية وتحولها إلى قيم جميلة سيرى كثيرون أن من الغباء الاسترسال معها وترك الاستمتاع في الحياة وفرض القوة وانتهاز الفرص فالحياة واحد ولا شيء بعدها

عامة هذه الأمور لا يعاقب القانون على تركها إلا في صور ضيقة جداً ، وعامتها لا يكسب عليها المرء مالاً

فحصر الأخلاق بما يأتي بعائد مادي أو شهرة أو مديح من الناس ( يجعلك مرائياً وإن من تجد من ترائيه فلن تفعل الخير ) ، وحصر الفساد الأخلاقي بما يعاقب عليه القانون كارثة وانتحار أخلاقي

لذا ذهاب الدين وعيش الناس في هذه الأوكار هو أكبر دعاية للدين وأكبر سبب لعودته مرةً أخرى كضرورة حياة

نعم الناس لا يلتزمون هذا كله اليوم ولكن هناك قدر من هذه التعاليم موجود بيننا يجعل الحياة أجمل

كثير من الاعتراضات على الأوامر الشرعية يأتي من كون الإنسان يريد أن يجعل من نفسه إلهاً عليماً حكيماً ! يبصر كل دقائق علم الله وحكمته وإن لم يبصرها فهي خطأ وعلى الله أن يصير تابعاً لنا

ففي زمن انتشار الإباحية كان ينبغي أن ينزل وحياً يخفف فيه من شدة الكلام على الأعراض كما في نصوصه القديمة !

ويسمح باليسير من الربا أو حتى الكثير مجاراة للبنوك العالمية

وينزل وحياً يذكر فيه أنه لا يهم موقف الإنسان منه سبحانه كما لا يهم لونه أو جنسه

وينزل وحياً يقر فيه الشذوذ الجنسي كما حاربه قديماً

فعليه أن يصير تابعاً للإنسان إذا صار جشعاً وشهوانياً ولا مبالياً به سبحانه

هذه هي الصورة التي يرسمها البعض للإله في عقولهم !

وإذا كنا سندرك دقائق الحكمة في كل شيء من أفعال الإله من نظرة أولية مع ثقافتنا القاصرة فلن يكون هذا إلهاً حكيماً

وقد أبرز لنا الحكمة من أمور كثيرة ، ومنها ما جعلها محل إدراك العباد المتفكرين ، ومنها ما لا يدركه أحد

وخذ مثالاً : تكون في وظيفة تحبها أو أنت متضايق منها قليلاً ولكنها توفر لك مصدر رزق لا بأس به وتأخذ كل وقتك ثم فجأة تحصل مشكلة وتظلم ويتم طردك من العمل وتتأذى لذلك نفسياً أذية عظيمة ، ثم بعد ذلك تجد وظيفة خيراً منها وأكثر إراحة لك مع دخل مقارب أو أفضل وما كنت لتحصل على الوظيفة الثانية لو كنت على رأس وظيفتك الأولى التي كانت تأخذ كل وقتك

هذا مثال يصيب كثيراً منا وله أمثلة مقاربة فإذا كان الإنسان لا يدرك الخير المطلق فيما يتعلق بحياته الشخصية أنى له أن يصير حاكماً على حكمة الإله

لولا حروب الردة لما كانت هناك دولة إسلامية تمتد من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق ، ولولا قيام هذه الدولة الكبيرة لما كانت هناك فرصة لترجمة الكثير من العلوم القديمة ومن ثم تطويرها على يد المسلمين المتوزعين في البلدان والساعين لخدمة الأمة الموحدة الضخمة والتي كانت نواة لخير عظيم عم البشرية أجمع

رأيت صورة أبكتني لامرأة وضعت طفلها اللقيط والذي كان نتاج الخطيئة على أبواب أحد المساجد وكتبت له رسالة اعتذار وختمتها (بأمك التي تحبك ) ووضعت آيات قرآنية تحسب أنها تحفظه مما يدل على ثقافة شرعية ضحلة

مثل هذه الصورة التي تقطع القلب كيف كانت بداية القصة لها ؟!

خلوة غير شرعية وقبلها ابتسامة ونوع تبرج أمور يسيرة في نظر البعض وإذا تكلم عنها بعض الدعاة سخر منهم الجهلة ولكن معظم النار من مستصغر الشرر ، ومن لا يفهم الحكمة لا يفهم العلاقة بين بعض الأمور اليسيرة التي يستصغرها السطحيون والكوارث الكبرى فكل حالات الإجهاض في العالم بدأت بتبادل ابتسامات واختلاط غير منضبط والركن الأساسي في كل حالات الاغتصاب الخلوة غير الشرعية

ومعالجة الاغتصاب بعقوبة المغتصب والابتزاز بعقوبة المبتز فقط ، طريقة عرجاء فإذا كانت الضحية قد ساهمت بتساهل زائد منها أو تبرج زائد فلا بد أن يراعى هذا في الحكم إنصافاً وعدلاً وتأديباً والذي أزعمه أن كثيراً من هذه الجرائم الضحية هي جزء من الجريمة شعرت أم لم تشعر

وبعض يسير الربا يراه الإنسان هيناً ولكن إذا تراكم الأمر سيؤدي إلى كارثة اقتصادية كالتي أصابت أمريكا فكيف بدأ الأمر قبل هذه الكارثة العظيمة التي أضرب بالملايين إنما بدأ بتعاملات صغيرة

والذي يربط بين منع الاختلاط والشذوذ الجنسي مع كثرته في البلدان التي تمنع الاختلاط لا أدري لماذا لا يربط بين الخلوة والتبرج والاختلاط والاغتصاب والخيانات الزوجية وهذه أركانها الكبرى

ولكن بعض الناس حقاً يعاني من إعاقة ذهنية

يعلقون على تصرفات بعض المسلمين ممن ينعتونهم ب( الإرهابيين ) وينسون تنديد مسلمين آخرين بها ، وينسون معتقلات أمن الدولة وما يحصل فيها وما حصل في غوانتامو وأبو غريب وما حصل في بورما والصومال ونيجيريا وما يحصل لمسلمي الصين وتدمير العراق وما حصل من طاغوت الشام من إجبار البشر على تأليهه ورميهم بالغازات السامة والاستهزاء بالمقدسات والرسوم الكاراكتيرية المسيئة والتي يفضل كل مسلم أن يموت قبل أن يراها وما حصل من انتهاك للأعراض في عدد من المعتقلات في العراق والشام

ولا يضع العبقري الذي يربط بين الشذوذ ومنع الاختلاط أن مثل هذه الأفعال خالفناها أو وافقناها هي ردة فعل طبيعية على استبداد خارج عن الحد ، ومع كونه ردة فعل فليس فيه اغتصاب ولا تعرية للناس وتصويرهم ولا استخدام غازات سامة ضد المدنيين ولا قصف عشوائي ولا حصار اقتصادي يذهب ضحيته آلاف الأطفال الذين يموتون من نقص العلاج ، والاستدلال ببعض النصوص عليه يناقشه المخالفون لهم من المسلمين بتوجيه النصوص والاستدلال بالنصوص الأخرى المبينة وهو خلاف إسلامي إسلامي يحل بالطريقة الإسلامية

يضج الضاج من أجل الجزية التي توضع على النصارى وتؤخذ منهم كل عام بناءً وهي زهيدة جداً ، وقد حثهم المسيح على أداء الجزية كما في الكتاب المقدس ، ولا يضج لقوانين الإقامة والتي امتصت دماء الكثير من المسلمين في بلاد الإسلام مع فرض وجود كفيل وقد يكون هذا الكفيل تاجراً مبتزاً حتى صارت التجارة بالإقامات نخاسة عصرية بامتياز

وينسون أمر الضرائب في البلدان المتقدمة ولا تقارن بالجزية نهائياً

يضج الضاج من هدم ضريح تنص المذاهب الفقهية المشهورة على حرمة بنائه وحدوثه في الإسلام ولا ينظر إلى مساجد عطلت وهدمت باسم حرب الإرهاب أو الإسلام

ألا يرى الرائي منهم أن كذبهم على الإرهابيين كما يسمونهم ونشرهم في صحفهم الأكاذيب بشكل مستمر عليهم حتى لو أن بعضهم فعل جناية حقاً فلن تصدق وربط الاستهزاء بهم بالاستهزاء بثوابت دينية لا يخالف فيها أحد من أهل القبلة من أعظم الدعاية لهم فكثير مما يمسى حرباً على الإرهاب هو في واقعه دعاية للإرهاب

فحين تقف عضو الكونغرس وتقول ( الحرب اليوم ليست على الإرهاب بل على الإسلام ) فأي هدية ينتظرها من تسمونه ب( الإرهابي ) أجمل من هذه لكسب تعاطف أكثر من مليار منتسب للإسلام

هذه خاطرة يسيرة جاءت في وقت صفاء ذهني

تقبل الله منا ومنكم وعمر أيامكم بالفرح والسرور والأمن والإيمان