الإنسان والتربية

نحن نؤمن جميعا بوجود النفس البشرية ( الروح ) داخل جسد الإنسان بصرف النظر عن مكانها وعن كيفية اتصال هذه النفس بالجسد المادي والتي كانت محل خلاف مع أحد الأخوة في الرابط التالي :

http://www.eltwhed.com/vb/showthread...1%D1%E6%CD-%BF

وباختصار شديد
من النصوص الشرعية التي وردت فيها النفس ومشتقاتها سواء في الكتاب أو في السنة
يتبين أن الإنسان مركب ثنائي التركيب - يعني يتركب من : ( نفس + جسد )
النفس هي جوهر الإنسان أو حقيقته , الجسد هو الأداة أو الآلة التي تعمل بها النفس

النفس غذائها الروح ( الوحي ) , الجسد غذائه الطعام ( المادة )
النفس تتلقى غذائها الروحي في المسجد ( بيت الله ) , الجسد يتلقى غذائه المادي في المنزل ( بيت الإنسان )
إن المنزل هو البيت المادي لكل إنسان مؤمن وغير مؤمن حيث يتلقى فيه جسده الغذاء المادي
أما المسجد فهو البيت الروحي للإنسان المؤمن فقط حيث تتلقى فيه نفسه الغذاء الروحي

ولذلك الإنسان له بيتان , بيت مادي ( المنزل ) لينشأ ويتربى فيه جسده + بيت روحي ( المسجد ) لتنشأ وتتربى فيه نفسه
وبما أن الإنسان هو نفس وما الجسد إلا وسيلة تتحرك وتسعى به في الدنيا , فالنفس التي هي حقيقة الإنسان ( الجوهر ) هي المكلفة بالعبادة وهي المُحاسبة وهي التي تنال الجزاء في الدنيا وفي الآخرة وهي وهي وهي ............. أي هي كل شيء , فمن الطبيعي أن تكون للنفس الأولوية عند الله ورسله في التربية لا الجسد , مثل الأب الذي أعطى ابنه سيارة فلابد أن يربيه ويوجهه كيف يقود سيارته , فتعليمات القيادة توجه للابن قائد السيارة وليس للسيارة ذاتها حفاظا على سلامة سيارته وبيئته والعمل على سعادة الابن إذا التزم بتعليمات الأب , ولله المثل الأعلى

والله سبحانه وتعالى رب العالمين والنبي هو الإنسان الذي جعله الله خليفته في الأرض يؤم الناس ويهديهم على وجه الابتلاء ليس عجزا منه تعالى سبحانه عن ذلك , فالنبي يربي أنفس الناس مما رباه الله فهو بمثابة رب المؤمنين أي يتولى تربية أنفسهم تربية روحية , بالتالي يستحق لقب ( أب ) أبوة روحية , والنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم بالأبوة الروحية وأزواجه أمهاتهم أمومة روحية , فبما أن الله جعل أزواج النبي فقط أمهات المؤمنين فمن الطبيعي أيضا أن يكون النبي أب لهم , وهذا الحصر لأن الأبوة والبنوة التي كانت منتشرة آنذاك بين المؤمنين وأدعياءهم بعضهم البعض فهموها أنها أبوة مادية فكانت سببا في حرمة الزواج بينهم , وبما أن العرب آنذاك كانوا يعايروا الرجل الذي لم يكن له ولد من الذكور بأنه أبتر ولنفي كون محمد أبتر فقال : إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ@ ولكي يثبت أنه ليس أبتر كما قال – فنفى عنه أبوته المادية لأي أحد من الرجال وأثبت له الأبوة الروحية بالآية ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) , وبسبب سوء الفهم بين المؤمنين آنذاك أن الأبوة الشائعة هي أبوة مادية فقط , ولا ينتبهون أن هناك أبوة استحقا النبي من الله سبحانه بسبب تربيته أنفس المؤمنين تربية روحية ( بالوحي ) , هذا الفهم جعلهم يظاهرون من نسائهم , ولقطع الشك باليقين فقضى الله بزواج محمد من مطلقة زيد بعد أن قضى منها وطرا وهي بنت محمد روحيا وزوجة ابنه روحيا أيضا , ليسن الله سبحانه ذلك بين المؤمنين وأزواج أدعيائهم ويبدي ما فرض لرسله من سنة - أما الآية 40 من سورة الأحزاب فهي تنفي هذا النوع المادي من الأبوة عنه نفيا قطعيا وإثبات النوع الآخر أي الروحي
وبيت الله الذي جعله قبلة للمؤمنين في كوكب الأرض ( الكعبة ) هو بيت النبي الروحي , وهو أيضا بيت جميع الأنبياء من آدم عليه السلام إلى يوم القيامة وبالتالي هو بيت جميع المؤمنين أتباع كل نبي , يتولى أمرهم الروحي فيه وتتلقى أنفسهم جميعا غذائها الروحي في ذلك البيت ويتخذوه قبلة لهم أينما كانوا , في حياته وبعد وفاته أي في زمانه

الإنسان العادي له أهل واحد وهو أهل مادي ( أسرته وأقاربه )
الإنسان المؤمن له أهلان { أهل مادي ( أسرته وأقاربه ) } + { أهل روحي ( أتباعه المؤمنين ) } - فما بالكم بالنبي
الإنسان العادي له رعية واحدة وهي رعية مادية ( أسرته وأقاربه )
الإنسان المؤمن له رعيتان { رعية مادية ( أسرته وأقاربه ) } + { رعية روحية ( أتباعه المؤمنين ) }- فما بالكم بالنبي
يقول النبي :كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته , والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته).[/COLOR]
في الحديث الشريف رعية الإمام رعية روحية يعني بوحي من الله أما رعية الرجل لأفراد أسرته فهي رعية مادية - يعني ينفق عليهم ويتولى شئون حياتهم في الدنيا من مأكل ومشرب وملبس وغيره
فهناك فرق في تربية الرعية بينهما

خلاصة الموضوع :
إن لم نفهم النصوص الشرعية في ضوء ما تقدم في مسألة التربية وأنواعها بأن هناك تربية روحية للنفس البشرية وهناك تربية مادية للجسد المادي فعزرا لم نفهم شيئا - ولن نقطف من ثمار الدين شيئا - فلندع جميعا الفهم السطحي للنصوص الشرعية جانبا , ولنتعمق جيدا ولنتدبر فيها ولنتأمل لعل الله سبحانه وتعالى يهدينا جميعا للحق

والله تعالى أعلم