النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: من حِكَم الابتلاء (لأهلنا في الشام و غيرها و لكل المبتلين)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي من حِكَم الابتلاء (لأهلنا في الشام و غيرها و لكل المبتلين)

    الابتلاء سنّة الله في خلقه

    من حِكَم الابتلاء

    لا شك في مدار الأقدار على حكمة الملك الجبار ، الذي  لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْأَلُونَ  [ الأنبياء : 23 ] و لا في أنّ الحكمة المقدرة في الخلق و التدبير قد تكون مما استأثر الله تعالى بعِلمه ، و قد تكون مما أخبر به في كتابه أو على لسان نبيّه ، و قد تكون مما وفّق من يشاء من عباده لمعرفته باستنباطه أو الاجتهاد في الوقوف عليه ، بإلهام أو دُربةٍ أو غير ذلك .
    و من تأمل فيما عاناه ، أو ما وَقَعَت عليه – من معاناة غيره - عيناه من صور الابتلاء ، سيدرك و لا شك بعض الحكم الربانية في ذلك كله ، و من أَجَلّ تلك الحِكَم تمحيص المعبود لعباده { حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } [ آل عمران : 173 ] .
    فقد يكون الابتلاء لتمحيص الصف المسلم و تنقيته من الدَغَل و الدَخَل و الدُخلاء ، و من صور الابتلاء للتمحيص ما قد تتعرّض إليه الصفوة من أبناء الأمة من الكرب أو الأسر أو النفي أو القتل أو غير ذلك مما هو معروف مشاهد في كل زمان و مكان .
    قال تعالى : { وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَ الأَنْفُسِ وَ الثَّمَرَاتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [ البقرة : 155 ] .
    و قد يكون الابتلاء قصاصاً في الدنيا مما تقترفه أيدي العباد ، و جزاءً لهم بالسيئة على السيئة .
    قال تعالى : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَ هَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ } [ سبأ : 17 ] و قال سبحانه : { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً } [ النساء : 160 ] . و قال أيضاً : { وَ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] .
    كما قد ينزل البلاء على العباد رفعاً للدرجات ، أو وضعاً للآصار و تكفيراً للخطايا و السيئات .
    فمما يكون لرفع درجات العباد ، و يراد لهم الخير به ما رواه البخاري في صحيحه أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( من يرد الله به خيراً يُصِبْ منه ) . أي : يبتليه بالمصائب و المحن ليرفع درجاته و يزيد في حسناتة على ما يكون من صبره و احتسابه .
    و مما يكون لتكفير السيئات ما جاء في الحديث المتفق على صحته عند الشيخين أن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : ( ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه ، حتى الشوكة يُشاكها ) .
    قال الإمام المناوي رحمه الله شارحاً هذا الحديث في فيض القدير : ( ما من مصيبة ) أي : نازلة ، و أصلها الرمي بالسهم ثم استعيرت لما ذكر ( إلا كفر اللّه بها عنه) ذنوبه أي محي خطيئاته بمقابلتها ( حتى الشوكة ) قال القاضي : حتى إما ابتدائية فالجملة بعدها خبرها أو عاطفة ( يشاكها) أي : حتى الشوكة يشاك المسلم بتلك الشوكة أي يجرح بشوكة ، و الشوكة هنا المرة من شاكه ، و لو أراد واحدة النبات قال يشاك بها ، و الدليل على أنها المرة من المصدر جعلها غاية للمصائب .اهـ.
    و مما اتفق عليه الشيخان أيضاً حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن رسول الله قال : ( ما يصيب المسلم من هم و لا غم و لا نصب و لا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) .
    قال الإمام الغزالي رحمه الله : قال عيسى عليه السلام : لا يكون عالماً من لم يفرح بدخول المصائب و الأمراض عليه لما يرجوه من ذلك من كفارة خطاياه .

    الابتلاء سنة عامة تتفاوت مراتب الناس فيه :

    ليس الابتلاء قاصراً على أحد ، و لا ينجو منه بر و لا فاجر ، و إن تباينت صوره ، و تفاوتت مراتبه و مراتب الناس فيه تبعاً لذلك .
    و ما ادعى أحدٌ إيماناً بالله و رسوله إلا كان له نصيب من الابتلاء كما أخبر بذلك رب الأرض و السماء ، فقال تعالى : { أ لم  أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ  وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } [ العنكبوت : 1-3 ] .
    و لو نجى من هذا الابتلاء أحد لنجى منه الأنبياء و المرسلون ، و من تابعهم من الأولياء و الصالحين .
    و لكن ؛ ما من نبي أوتي الكتاب و الحكمة إلا و هو معرض لأصناف البلاء حتى يبلغ رسالة الله إلى الناس ، فالأنبياء أكمل الناس إيماناً و أكثرهم بلاءً ، و ذلك لأن الابتلاء على قدر العطاء ، فقد قال ربنا تعالى : { لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ } [ المائدة : 48 ] .
    و لو تأملنا ما قصه الله تعالى علينا من معاناة الأنبياء لوجدنا ما يذيب الحديد ، و يشيب الوليد .

    ألم تَرَ كيف ابتلى الله أبا البشر آدم عليه السلام بالسراء فكرمه و أسجد له الملائكة ، ثم ابتلاه بالضراء فأهبطه من جنة عدن إلى دار الهم و الغم و الحزن .

    و ابتلى نوحاً عليه السلام في أهله و ولده بكفرهم و صدهم عن سبيل الله و إعراضهم عن دعوته إلى دين الله ، و أي ابتلاء أعظم من أن يرى الأب ابنه يغرق أمامه في موج كالجبال مع من كفر من قومه ، و هو لا يملك صرف الضر عنه و لا تحويلاً .

    و ابتلي إبراهيم عليه السلام في أبيه الذي كان يصنع أصناماً تعبد من دون الله ، و ابتلي في جسمه فقذف في النار ، و ابتلي في ولده و فلذة كبده فأمر بذبحه ، و ابتلي إلى ذلك بابتلاء من نوع خاص ، و هو تحميله أمانة الإمامة ، حيث قال تعالى : { وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } [ البقرة : 142 ] .
    و يالها من أمانة ثقيلة و ابتلاء عظيم على من تصدر له فأناط بعنقه مسؤولية أمة أو طائفة من العباد .

    و ابتُليَ أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام بأقوام لا يرعون ذمة و لا حرمة فقتلوا أنبياءهم و حرفوا كتبهم و شرائعهم ، وكان من آخر من قَتَلوا يحيى و زكريا عليهما السلام .
    و ابتلي نبي الله يوسف عليه السلام بالطعن في أمانته حينما قال إخوته : { إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ } [ يوسف : 77 ] ، و أُلقِيَ في غيابة الجب كما تلقى الأحجار ، و بيع في سوق النخاسة كما يباع العبيد ، و شري بثمن بخس دراهم معدودة ، و كان من اشتراه فيه من الزاهدين ، و خدم في البيوت كما يخدم العبيد ، و اتهم في عرضه تهمة يتنزه عنها العقلاء فكيف بالأنبياء ؟ و ألقي بسببها في السجن كما يلقى المجرمون ، فلبث فيه بضع سنين.

    (و لا ننسى بلاء نبي الله أيوب عليه السلام بمرض مزمن لم يفارقه 18 سنة فرّق بينه و بين أهله و ذويه .. و بلاء يونس عليه السلام بضيق الحوت و ظلمات بعضها فوق بعض)

    هذه حياة الأنبياء ، و هذه نماذج من ابتلاء الله تعالى لهم ، و من تأمل ما لحقهم من صنوف البلاء لوجد عامته من الابتلاء بالشدائد و المحن ، و لا يخرج عن ذلك إلا صور معدودة جاءت مقرونة بالعز و التمكين كما في قصتي داود و سليمان عليهما و على نبينا الصلاة و السلام .
    و من الملاحظ أيضاً ابتلاء الكثيرين منهم في ولده لأن الولد أقرب الناس إلى أبيه ، و مصاب أبيه فيه جلل .
    فهذا آدم عليه السلام ؛ يقتل أحد ولديه أخاه في أول جريمة عرفتها البشرية في إراقة الدماء .
    و هذا نوح عليه السلام ؛ يحول الموج بينه و بين ولده فيكون الولد من المغرقين على مرأى الأب و مسمعه ، و هو ينهى عن التدخل لإنقاذه و يقال له : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } [ هود : 46 ] ؛ لكفره و إعراضه عن دين الله .
    و هذا خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يؤمر بذبح ولده البار إسماعيل فيسن شفرته و يتُلُّهُ للجبين امتثالاً لأمر رب العالمين ، فيكاد يذبحه لولا ما تداركه ربه به من الفداء بذبح عظيم .
    و هذه أم موسى تبتلى في ابنها موسى الكليم عليه السلام فلا تجد بداً من إلقائه في اليم ، و قلبها يتفطر حزناً عليه .
    ثم يبتلى موسى الكليم بقتلة الأنبياء من بني إسرائيل من جهة ، و بالفراعنة الأشداء من جهة أخرى ، فيهدد بالقتل ، و يخرج من بلدته خائفاً يترقب ، و الملأ يأتمرون به ليقتلوه ، و تتوالى عليه الأيام ؛ و هي حبلى بالأحداث و صنوف البلاء بعد بعثته ، من ملاحقة فرعون و ملأه لموسى و من معه إلى اليمّ ، إلى ارتداد قومه و اتخاذهم العجل ، حتى لا تكاد تخلو صفحة من صفحات سيرته التي كادت تذهب بالقرآن لكثرة أحداثها ، من صنف من صنوف الابتلاء .
    و تُبتلى الطاهرة البتول مريم العذراء فتضع طفلاً نبياً من غير أب ، و تؤذى بسببه ، فيتسلط عليها اليهود و يتهمونها في عرضها ، و هي الصديقة الطاهرة المطهرة .
    و يُبتلي محمد صلى الله عليه و سلم في أبنائه الذكور خاصة فلا يعيش له منهم أحد ، حتى سماه المشركون أبتراً ، و هو صابر محتسب يجود ابنه إبراهيم بنفسه بين يديه الشريفتين ، و هو لا يزيد على أن يقول و عيناه تذرفان الدموع : ( إن العين لتدمع ، و إن القلب ليجزع ، و إنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ) و ( لا نقول إلا ما يرضي ربنا )

    نعم أيها الأحباب الكرام ... هكذا يبتلي الله أولياءه ، و من أشدهم بلاءً نبيّه المختار ، و صحابته الأخيار رضوان الله عليهم ؛ جرياً على سنّة مضت و تمضي { فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً  [ فاطر : 43 ] و لا محيص لأحدٍ عن التمحيص ، و لذلك  ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا } [ الأحزاب : 11 ] .
    و عانى الصحابة مع نبيهم أشد أنواع الابتلاء ، فقُتِّلوا ، و شُرِّدوا ، و أخرجوا من ديارهم ، حتى قال رسول الله ( ما أوذي أحد ما أوذيت في الله ) [ رواه أبو نعيم في الحلية و رواه بنحوه الترمذي و حسّنه – و هو كما قال ، و ابن ماجة و أحمد ] .
    و اختص الله تعالى المجاهدين و المرابطين في سبيله بأصناف البلاء ، و لم يذكر غيرهم على سبيل التخصيص رغم عموم سنة الابتلاء لعموم البشر .
    قال تعالى : { وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُـجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَ الصَّابِرِينَ وَ نَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } [ محمد : 31] .
    و قال سبحانه : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ التوبة : 16 ] .
    و قال و هو أصدق القائلين : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } [ البقرة : 214 ] .
    و ليس هذا خاصاً بهذه الأمة ، و لكنها سنّة مضت و تمضي إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، و لا يعدُ الابتلاء أن يكون { سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } [ الأحزاب : 62 ] ، كما دلّ عليه صدر سورة العنكبوت ، و قد تقدم .
    و عن خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه قال : شكونا إلى رسول الله و هو متوسد بُردةً له في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال : ( قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ، ثم يجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، و يمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه و عَظمِه ، فما يصده ذلك عن دينه .. و الله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء حتى حضر موت لا يخاف إلا الله و الذئب على غنمه ، و لكنكم تستعجلون ) [ رواه البخاري ] .
    و هاهنا فائدة يحسن التنبيه إليها ، و هي متعلقة بمسألة الدعاء على الظالم سواء كان وليَ أمرٍ كافراً ، أو عدواً متسلّطاً ، أو غير ذلك ، حيث كثر عند من يجادل عن المنافقين ، و الحكام الظالمين التذرع بأن النبي ترك الدعاء لخباب و من معه رضي الله عنهم ، و لم يزد على أن أوصاهم بالصبر ، و وعدهم بالظفر و التمكين و لو بعد حين .
    فيقال لهؤلاء : ليس في هذا الحديث ما يدل على أنّه لم يدع لخباب و من معه ، و لا النهي عن الدعاء لهم ، بل قد يكون مما فعله و لم يُروَ عنه لعدم وجود المناسبة أو المقتضي ، أو ممّا فعله عليه الصلاة و السلام لاحقاً .
    و إذا سلّم جدلاً إعراضه عليه الصلاة و السلام عن الدعاء و الاستنصار لأصحابه في الحال المذكورة ، فتوجيهه على ما ذكره الحافظ [ في الفتح : 12 / 391 ، 392 ] حيث أورد قول ابن بطال رحمه الله : ( إنما لم يُجب النبي سؤال خباب و من معه بالدعاء على الكفار مع قوله تعالى : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60 ] و قوله : { فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا } [ الأنعام : 43 ] لأنه علم أنه قد سبق القدر بما جرى عليهم من البلوى ليُؤجروا عليها ، كما جرت به عادة الله تعالى في من اتَّبَعَ الأنبياء فصبروا على الشدة في ذات الله ، ثم كانت لهم العافية بالنصر و جزيل الأجر ، فأما غير الأنبياء فواجب عليهم الدعاء عند كل نازلة لأنهم لم يطَّلِّعوا على ما اطلع عليه النبي ) .
    و مما تقدم في الآي و الأثر يتقرر أن الابتلاء سنة عامّة لا ينجو منه مؤمن قط ، و إن كان ما يصيب العباد من البلاء متفاوتاً بحسب قوة إيمان العبد و ضعفه فـ ( أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض و ما عليه خطيئة ) [ كما أخرج النسائي ( في الكبرى ) و ابن ماجه و الترمذي و قال : ( ‏هذا ‏ ‏حديث حسن صحيح ) و ابن حبان و الحاكم ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، و بوّب عليه البخاري في صحيحه ] .
    و قد يكون الابتلاء بالغير ، أو بالشر و الخير .
    و من أصعب صور الابتلاء بالغير أن يبتلى المرء في أقرب الناس إليه ؛ و هم أهله و ولده .
    قال تعالى : { وَ جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَ كَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } [ الفرقان : 20 ] .
    و قال تعالى : { وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَ أَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ الأنفال : 28 ] .
    و ما أكثر من نعرف ممن ابتُليَ بولد عاق أو مريض ، أو زوج نشاز أو ناشز تلطخ ما ابيض من صفحات زوجها بسوء أخلاقها أو أفعالها .
    كما يكون الابتلاء بالخير تارةً و بالشر تارةً أخرى ، و قد يكون بهما معاً ، قال تعالى : { وَ بَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَ السَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الأعراف : 168 ] .
    و قال سبحانه { وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [ الأنبياء : 35 ] ، و على المؤمن أن يوطن نفسه على مقابلة الابتلاء في كلتي الحالتين على مرضاة الله التي في تحصيل سعادة الدارين ، و بذلك يحوز خير الخيرَين ، و أفضل الأمرين .
    و روى مسلم ‏عن ‏ ‏صهيب رضي الله عنه ،‏ ‏قال ‏:‏ قال رسول الله ‏ : ( عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر ، فكان خيراً له ، و إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) .
    أما من يُسَرُّ بالسرّاء ، و يستاء بالضراء فيسخط و يضجر و ينقلب على وجهه ، فهو على جرف هار يوشك أن ينهار به في نار جهنم و العياذ بالله .
    قال تعالى : { و من الناس من يعبد الله على حرف ، فإن أصابه خير اطمأن به ، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين } [ الحج : 11 ] .
    قال الإمام الغزالي رحمه الله : قال عيسى عليه السلام : لا يكون عالماً من لم يفرح بدخول المصائب و الأمراض عليه لما يرجوه في ذلك من كفارة خطاياه .اهـ .
    و يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله ( ما أغبط أحداً لم يصبه في هذا الأمر بلاء ) [ من كتاب المحن ، لأبي العرب التميمي ، ص : 283 ] .
    فلينظر امرؤٌ أن يضع قدمه ، فإن الأرض مزلة مزلقة ، و الموفق من ثبته الله حتى يلقاه ، و ما من عبدٍ لله طوعاً أو كرهاً إلا و هو معرّضٌ لأن يُبتلى فيما آتاه الله من أوجه النعماء ، قال تعالى : = ليبلوكم فيما آتاكم  [ المائدة : 48 ] ، فما أوتي أحد نعمة إلا كانت ابتلاء له و اختباراً لشكره أو صبره .
    فالغني يبتلى بغناه و الفقير يبتلى بفقره .
    و القوي يبتلى بقوته و الضعيف يبتلى بضعفه .
    و العالم يبتلى بعلمه و الجاهل يبتلى بجهله .
    و هكذا دواليك ...
    كلنا مبتلى ، و إلى أقدارنا سائرون { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَ مَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ } [ آل عمران : 185 ] .

    عوامل الثبات عند المُلِمَّات :

    إن من لطف الله تعالى ؛ و { اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } [ الشورى : 19 ] أن لا يبتليهم إلا بما يطيقون ، و أن يلطف بهم فيما ابتلاهم به ، فيعينهم و يثبتهم ، على ما يرضيه عنهم و يرتضيه لهم .
    و في دينه الذي ارتضاه لعباده من العوامل المساعدة على ثبات العباد على ضراوة الفتن و البلاء الشيء الكثير ، الذي لا يستصحبه عبد في شدّة إلا خفف عنه ، و ربط على قلبه ، و من هذه العوامل :

    أوّلاً : التعرف على الله في الرخاء :

    من كان مع الله كان الله معه بلا ريب ، كيف و لا جزاء للإحسان إلا بالإحسان ، و من تقرّب إلى الله شبراً تقربّ إليه باعاً ، و من تقربّ إليه باعاً تقرّب إليه ذراعاً ، و من أتى ربّه ماشياً أتاه ربُّه هرولة ، كما ثبت ذلك فيما رواه الشيخان و غيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال النبي : ( يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، و أنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، و إن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، و إن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ، و إن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً ، و إن أتاني يمشي أتيته هرولة ) .
    قال الإمام الترمذي بعد أن روى هذا الحديث في سننه : و يروى عَن الأَعْمَشِ في تفسيرِ هَذَا الحَدِيثِ ( من تقرَّبَ منِّي شِبراً تقرَّبتُ منهُ ذراعاً ) يعني : بالمغفرةِ و الرَّحمةِ ، و هكذا فسَّرَ بعضُ أهلِ العلمِ هَذَا الحَدِيثَ . قَالُوا : إنَّما معناهُ يقولُ : إذا تقرَّبَ إليَّ العبدُ بطَاعَتي و بما أَمَرْتُ تُسَارِعُ إليهِ مغفرتي و رَحْمَتِي .اهـ .
    و روى الإمام أحمد في مسنده ‏عن ‏عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أنه قال : ‏كنت ‏ ‏رديف ‏ ‏النبي‏ ‏فقال : ( يا غلام ‏ ‏أو يا ‏ ‏غُلَيم ‏ ‏ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟ ) فقلت : بلى ، فقال : ( ‏احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة ، و إذا سألت فاسأل الله ، و إذا استعنت فاستعن بالله ، قد جف القلم بما هو ‏ ‏كائن ‏؛ ‏فلو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه ، و إن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه ، و اعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، و أن النصر مع الصبر ، و أن الفَرَجَ مع الكرب ، ‏و أن مع العُسر يُسراً ) .
    و مما تقدم و نحوه يتبين لنا فضل الإقبال على الله في ساعات الرخاء ، و تتأكد ثمرة ذلك في ساعات الشدائد و البلاء ؛ حيث تتجلى مكافأة بالأولى ، و هو نصرة الله و تسديده و تثبيته لعبده حين يكون أحوج ما يكون إلى رحمة من يقول : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الحجر : 49 ] .

    ثانياً : الإيمان بالقدر :

    لا شيء يبعث على التسليم و الطمأنينة عند نزول القضاء مثل التسليم لله في قضائه و قدره ، و البعد عن التسخط و الضجر .
    قال تعالى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [ الحديد : 22 ] .
    فلا يكمل إيمان عبد و لا يستقيم حتى يؤمن بالقدر خيره و شرّه ، و يعرف أن من صفته تعالى أن يُقَّدر و يلطف ، و يبتلي و يخفف ، و من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ } [ يوسف : 100 ] .
    ‏روى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن ‏عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال‏ ‏لابنه : يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، و ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، سمعت رسول الله ‏ ‏ ‏ ‏يقول ‏: ( ‏إن أول ما خلق الله القلم فقال له : اكتب . قال : ربِّ ! و ماذا أكتب ؟ قال : اكتُب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ) يا بُنَيَّ ! إني سمعت رسول الله ‏ ‏ ‏ ‏يقول : ( من مات على غير هذا فليس مني ) .
    و ثبت في المسند و عند الطبراني ( في الأوسط ) عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، ‏عن النبي ‏ ‏ ، ‏قال :‏ ( لكل شيء حقيقة ، و ما بلغ عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ‏ ‏ليُخطئه ، و ما أخطأه لم يكن ليصيبه ) .
    قال الإمام المناوي رحمه الله شارحاً هذا الحديث =[ في فيض القدير ] : ( إن لكل شيء حقيقة ) أي : كنهاً ( و ما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم ) علماً جازماً ( أن ) أي : بأن ( ما أصابه ) من المقادير ، أي : وصل إليه منها ( لم يكن ليُخطئه ) ؛ لأن ما قُدر عليه في الأزل لا بد أن يصيبه ، و لا يصيب غيره منه شيئاً ، ( و ما أخطأه ) منها ( لم يكن ليُصيبه ) ، و إن تعرَّضَ له ؛ لأنه بان أنه ليس مقدراً عليه ، و لا يُصيبه إلا ما قُدِّرَ عليه . و المراد : أن من تَلَبَّسَ بكمال الإيمان ، و وَلَجَ نورُه في قلبه حقيقةً ؛ عَلِمَ أنه قد فُرِغ مما أصابه أو أخطأه من خيرٍ و شرٍّ ، فما أصابَه فإِصابَتُهُ له مُتَحتِّمةٌ ، لا يُتَصوَّر أن يُخطئه ، و ما أخطأَهُ فسلامَتُهُ منه مُتَحتِّمةٌ ؛ لأنَّها سهامٌ صائبةٌ وُجِّهَت في الأَزَل ؛ فلا بد أن تقع مواقعها . اهـ .

    ثالثاً : النظر إلى ما حلّ بالعبد على أنّه مصيبة و لكنها أهون من غيرها :

    جاء في الحكمة : ( من نظر إلى مصاب غيره هانت عليه مصيبته ) .
    و من ثمرات إعمال هذه الحكمة الإقرار بأن مصيبة الدنيا أهون من مصيبة الدين ، و قد علمنا رسول الله أن نقول في دعائنا : ( اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ، و لا تجعل الدنيا أكبر همنا و لا مبلغ علمنا ) رواه الترمذي في سننه ( و قال : ‏هذا ‏ ‏حديث حسن غريب ) و الحاكم في مستدركه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
    و تحمُّل البلاء العاجل خوفاً مما يترتب على فتنة الدين من العذاب في الآجل ؛ هو اختيار الأنبياء ، و من اتبعهم بإحسان من الصالحين الأولياء ، فقد حكى الله تعالى عن نبيه يوسف عليه و على نبينا الصلاة و السلام قوله : { رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } [ يوسف : 33 ] ، فقد آثر السجن على ما فيه من الكرب و الضيق و اللأواء على ما كان ينتظره من نعيم الدنيا في كنف العزيز و فتنة النساء .
    و لما كان عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، صار اختيارَ من يدرك العواقب ، بما أوتي من بصيرة و نظر ثاقب ، كما أنّ اختيار أهون الشرين ، و أخف الضررين في أمور الدنيا هو مقتضى العقل و التشريع معاً .
    و ما فتئ العقلاء يوازنون بين مصاب و مصاب فيجدون العزاء و السلوان في أنّهم كفوا أضعاف ما ألم بهم ، و هذا ما نلمحه من موقف أئمة السلف الصالح رضوان الله عليهم ، و منهم عروة بن الزبير ، و هو أحد أئمة التابعين ، و من جملة الفقهاء العشرة الذين كان عمر بن عبد العزيز يرجع إليهم في زمن ولايته على المدينة .
    قال الحافظ ابن كثير [ في البداية و النهاية : 9 / 120 ، 121 ] : قد ذكر غير واحد أن عروة بن الزبير لما خرج من المدينة متوجهاً إلى دمشق ليجتمع بالوليد ، وقعت الأكلة في رجله في واد قرب المدينة ، و كان مبدؤها هناك ، فظن أنها لا يكون منها ما كان ، فذهب في وجهه ذلك فما وصل إلى دمشق إلا وهي قد أكلت نصف ساقه ، فدخل على الوليد فجمع له الأطباء العارفين بذلك ، فأجمعوا على أنه إن لم يقطعها أكلت رجله كلها إلى وركه ، و ربما ترَقَّت إلى الجسد فأكلته . فطابَتْ نفسُه بنشرها . و قالوا له : ألا نَسقيك مُرَقِّداً حتى يذهب عقلك منه ؛ فلا تُحس بألم النشر ؟ فقال : لا ! و الله ما كنت أظن أن أحداً يشرب شراباً أو يأكل شيئاً يُذهِب عقله ، و لكن إن كنتم لا بد فاعلين فافعلوا ذلك و أنا في الصلاة ، فإني لا أحس بذلك ، و لا أشعر به . قال : فنشروا رجله من فوق الأكلة ، من المكان الحي ؛ احتياطاً أنه لا يبقى منها شيء ، و هو قائم يصلي ، فما تضوّرَ و لا اختلَج ، فلما انصرف من الصلاة عزّاه الوليد في رِجله . فقال : اللهم لك الحمد ، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحداً ، فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت ، و إن كنت قد أبليت فلطالما عافيت ، فلك الحمد على ما أخذت و على ما عافيت . قال : و كان قد صحب معه بعض أولاده من جملتهم ابنه محمد ، و كان أحبهم إليه ، فدخل دار الدواب فرفسته فرس فمات ، فأتوه فعزَّوه فيه ، فقال : الحمد لله كانوا سبعة فأخذتَ منهم واحداً و أبقيت ستةً ، فلئن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت ، و لئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت . فلما قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة . قال : فما سمعناه ذكر رجله و لا ولده ، و لا شكا ذلك إلى أحد حتى دخل وادي القرى ، فلما كان في المكان الذي أصابته الأكلة فيه قال : { لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً } [ الكهف : 62 ] ، فلما دخل المدينة أتاه الناس يسلمون عليه ، و يُعزُّونه في رجله و ولده ، فبلغه أن بعض الناس قال : إنما أصابه هذا بذنب عظيم أحدثه . فأنشد عروة في ذلك أبياتاً لمعن بن أوس يقول فيها :

    لعمـرك ما أهويـت كفى لريبـة *** و لا حملتنـي نحو فاحشة رجلي
    و لا قادني سمعي و لا بصري لها *** و لا دلني رأيي عليها و لا عقلي
    و لسـت بماش ما حييـت لمنكـر *** من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي
    و لا مؤثـر نفسي على ذي قرابـة *** و أوثر ضيفي ما أقام على أهلي
    و أعلـم أني لـم تصبني مصيبـة *** من الدهر إلا قد أصابت فتى مثلي

    فارض اللهم عن سلف ما انحطت لهم همة عن قمّة ، و اجعلنا من خيرة أتباعهم ، و اجمعنا بهم على ما يرضيك عنا ، بمنك و فضلك و رحمتك يا أرحم الراحمين .

    رابعاً : احتساب الأجر عند الله تعالى :

    إن الله لا يظلم الناس شيئاً ، و لكن الناس أنفسهم يظلمون ، و من عدل الله تعالى في خلقه أن ينصف المظلوم و يكافئ المحروم .
    فما من عبد يصاب فيحتسب إلا استحق البشارة بالأجر الجزيل و الخير العميم و لو بعد حين ، إنجازاً لما وعد الله به عباده في كتابه ، و على لسان نبيّه القائل : ( ما يصيب المسلم من هم و لا غم و لا نصب و لا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) رواه الشيخان عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، و قد تقدم شرحه .
    كما تقدم معنا أن الابتلاء عام في نزوله على بني البشر ، و هو من سنن الله الكونية التي لا مفر منها ، و لا قبل لأحد نحوها إلا بالرضا و الصبر و التسليم ، الذي أُمرنا به و نُدبنا إليه ، كما في قول ربنا تعالى : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ ) [ آل عمران : 186 ] .
    و إذا كان ( مثل المؤمن تصيبه الوعكة من البلاء كمثل الحديدة تدخل النار فيذهب خبثها ويبقى طيبها ) ؛ فلن تكون عاقبة الجلد الصبور إلا إلى خير الأمور .
    قد روى ابن ماجة و الحاكم و الترمذي ( بإسناد قال عنه : حسن غريب ) عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي أنه قال : ( أن عِظَم الجزاء مع عظم البلاء ، و إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، و من سخط فله السخط ) .
    و روى النسائي و ابن ماجة و ابن حبان و الحاكم و الترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله قال : ( ما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض و ما عليه من خطيئة ) ، قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
    و ما أبلغ ما قال الرافعي : ( ما أشبه النكبة بالبيضة ، تُحسب سجناً لما فيها و هي تحوطه ، و تربيه و تعينه على تمامه ، و ليس عليه إلا الصبر إلى مدة ، و الرضا إلى غاية ، ثم تفقس البيضة ، فيخرج خلقاً آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين ، و ما المؤمن في دنياه إلا كالفرخ في بيضته ) .
    فطوبى للصابرين ، و العاقبة للمتقين .

    خاتمة في موقف المسلم من الابتلاء :

    يختلف المؤمن في موقفه من المقدور عن سائر البريّات ، فهو يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، و ما أخطأه لم يكن ليصيبة ، و هذا ما يحدوه لتسليم أمره ، و زمام قياده إلى ربّه الرؤوف الرحيم ، الذي وعد المؤمنين و المؤمنات بالتثبيت عند الشدائد و الملمّات .
    { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ فِي الآخِرَةِ وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [ إبراهيم : 27 ] .
    و المؤمن باحتسابه الأجر فيما يلحقه من لأواء ، موعود بجزيل الأجر ، و عظم الجزاء ، و لذلك يتلقاه بتثبيت الله تعالى له ، راضياً مطمئناً ، و إن لم يكن يتمناه .
    يقول مسروق الوادعي رحمه الله ( إن أهل البلاء في الدنيا إذا لبثوا على بلائهم في الآخرة إن أحدهم ليتمنى أن جلده كان قرض بالمقاريض ( [ من كتاب المحن ، لأبي العرب التميمي ، ص : 283 ] .
    و في مقابل المؤمن الثابت كالطود الشامخ أمام نوائب الدهر ، صنف آخر من البشر لا يلوح له البلاء إلا و تنهار قواه ، و يهتز كيانه ، و لا يلبث أن يسقط في ما يعترض سبيله من فتن ، و هذا شأن المنافقين ، و من قالوا آمنّا بألسنتهم و لم يدخل الإيمان في قلوبهم .
    فهم كخُشبٍ مسنّدةٍ ، لا حياة فيها و لا إيمان يقويها .

    ليس من مات فاستراح بِمَيْتٍ *** إنما المَيْتُ ميِّتُ الأحياء!
    إنما المَيْتُ من يعيش كئيبـاً *** كاسِفاً بالَهُ قليلَ الرجـاء !

    وكأن هؤلاء لم يستمعوا إلى قوله تعالى : { وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ } [ العنكبوت : 10 ] .
    قال الشيخ العلامة محمد الأمين بن المختار الشنقيطي رحمه الله مفسراً هذه الآية الكريمة : ( يعني أن من الناس من يقول : آمنا بلسانه فإذا أوذي في الله أي آذاه الكفار إيذائهم للمسلمين جعل فتنة الناس صارفة له عن الدين إلى الردة ، و العياذ بالله ، كعذاب الله فإنَّه صارف رادع عن الكفر و المعاصي ، و معنى فتنةَ الناس ، الأذى الذي يصيبه من الكفار ، و إيذاء الكفار للمؤمنين من أنواع الابتلاء الذي هو الفتنة ) [ أضواء البيان : 6/462 ] .

    و لعلّ من المناسب في ختام هذا الكلمات التذكير بقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله ( ما أغبط أحداً لم يصبه في هذا الأمر بلاء ) [ من كتاب المحن ، لأبي العرب التميمي ، ص : 283 ] .
    و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
    و صلى الله و سلّم و بارك على نبيّه محمّد و آله و صحبه أجمعين

  2. #2

    افتراضي

    بارك الله فيك ، كم أنا بحاجة لمثل هكذا موضوع اسأل الله أن يصبرنا في ابتلاءات الحياة الدنيا وأن ينتقم لنا من شياطين الإنس والجن إن لم يكتب لهم الهداية.









    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
    (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) الحج (18)

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي


    بوستات جميلة و طيبة أخي بارك الله فيك .. و الحاجة إلى مثل هذا الموضوع تشملنا جميعا .. فلكل منا نصيبه.


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2013
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    473
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    موضوع قيم والتعقيب أقيم - فعلا :

    1- قد تكون عقابا على ارتكاب المعاصي والتقصير في العبادة
    2- أو تكون امتحانا واختبارا
    3- أو تكون تكفيرا للذنوب ورفعا للدرجات

    وما ينبغي علينا فعله هو ( الرضا بقضاء الله وقدره ) , ولا نتدخل في حكمة الحكيم الخبير , كل اللي علينا فقط , أن نأتمر بما أمرنا الله به , وننتهي عما نهانا الله عنه , ونأخذ بالأسباب , أما النتيجة حيث قدرها وكتبها فهي على الله سبحانه وتعالى

    والله المستعان
    رسالتي في الحياة
    الدعوة إلى التوحيد الحقيقي
    ( جرأة في االحق - صدق في العرض - محبة في الحوار - إحترام للرأي الآخر )

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

  7. #7

    افتراضي

    ماذا عن ابتلاء الكفار؟ هل يكون اختبارا و تكفيرا للذنوب؟ ام يكون عقابا على ارتكاب المعاصي فقط؟

  8. #8

    افتراضي

    (( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ))
    (( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ))
    (( وتلك الأيام نداولها بين الناس ))

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الكافر باختياره للكفر على الإيمان واستحبابه العمى على الهدى طبعا يكون فشل في الابتلاء المصيري والجوهري بإعراضه عن الله خالقه وعن دينه الذي هو طريق سعادته ونجاته واتباعه طريق الشقاء والهلاك فلا يلتفت إلى ما دونه من ابتلاءات من شرور تصيبه ومخازي تلاحقه من جراء كفره لأن على قدر كفران نعمة الله وجحود آياته يقع الشر بالعبد أو القوم والدمار والهلاك لكن من رحمة الله تعالى الواسعة ببعض الكافرين أو كثير منهم أنه لا يعجل لهم العذاب الأكبر بل يمهلهم حتى يتذكروا حقيقة أنفسهم وحاجتهم المطلقة إلى بارئهم وأنهم لا ولن ينتفعوا بكفرهم وإعراضهم فيقروا ويتوبوا عن غيهم وضلالهم ومصداقا للآيات أعلاه وقوله تعالى (لعلهم يذكرون) (لعلهم يرجعون) وكما في قوله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون). ولهذا رأينا وما زلنا نرى بحمد الله كثيرين منهم تعقلوا قبل الموت وفوات الأوان مصائب حلت بهم من شؤم الكفر والإعراض فكان ذلك رحمة بهم ، نسأل الله الثبات على الهدى وأن يثبت قلوبنا على دينه أمام الابتلاءات والفتن خاصة في زماننا ولبعد ما بيننا وبين أيام الله.

    هذا مزيد من التفصيل من تفسير الإمام بن عاشور رحمه الله لقوله تعالى : (ظهر الفساد في البر والبحر ... ) الآية :

    وتقديره : بما كسبته أيدي الناس ، أي بسبب أعمالهم . وأعظم ما كسبته أيدي الناس من الأعمال السيئة الإشراك وهو المقصود هنا وإن كان الحكم عاماً . ويعلم أن مراتب ظهور الفساد حاصلة على مقادير ما كسبت أيدي الناس ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُئِلَ : أي الذنب أعظم؟ « أن تدعُو لله نِدّاً وهو خلقك » وقال تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } [ الشورى : 30 ] وقال : { وأنْ لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً } [ الجن : 16 ] .
    ويجري حكمُ تعريف { الناس } على نحو ما يجري في تعريف { الفساد } من عهد أو عموم ، فالمعهود هم المشركون وقد شاع في القرآن تغليب اسم { الناس } عليهم .
    والإذاقة : استعارة مكنية؛ شبه ما يصيبهم من الآلام فيُحسون بها بإصابة الطعام حاسة المطعم . ولما كان ما عملوه لا يصيبهم بعينه تعين أن بعض الذي عملوا أطلق على جزاء العمل ولذلك فالبعضية تبعيض للجزاء ، فالمراد بعض الجزاء على جميع العمل لا الجزاء على بعض العمل ، أي أن ما يذيقهم من العذاب هو بعض ما يستحقونه . وفي هذا تهديد إن لم يُقلعوا عن مساوىء أعمالهم كقوله تعالى :
    { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة } [ فاطر : 45 ] ، ثم وراء ذلك عذاب الآخرة كما قال تعالى : { ولعذاب الآخرة أشد وأبقى } [ طه : 127 ] .
    والعدول عن أن يقال : بعض أعمالهم إلى { بعضَ الذي عملوا } للإيماء إلى ما في الموصول من قوة التعريف ، أي أعمالهم المعروفة عندهم المتقرر صدورها منهم .
    والرجاء المستفاد من ( لعلَّ ) يشير إلى أن ما ظهر من فساد كاف لإقلاعهم عما هم اكتسبوه ، وأن حالهم حال من يُرجى رجوعه فإن هم لم يرجعوا فقد تبين تمردهم وعدم إجداء الموعظة فيهم ، وهذا كقوله تعالى : { أو لا يَرْون أنهم يُفْتَنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكرون } [ التوبة : 126 ] .
    والرجوع مستعار للإقلاع عن المعاصي كأنَّ الذي عصى ربه عبد أبق عن سيّده ، أو دابة قد أبدت ، ثم رجع . وفي الحديث « الله أفرحُ بتوبة عبده من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة ، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال : أرجع إلى مكاني ، فرجع فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا دابته عنده » . انتهى من التحرير والتنوير

  10. #10

    افتراضي

    ماذا عن الكفار الذين لم يسمعوا عن الاسلام او سمعوا عنه بصورة مشوهة, لماذا يبتليهم الله؟

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جميل، إذا كنت تقصد على طول الابتلاء بالمصائب والشرور على اختلاف أنواعها فالأصل فيها أن الله تعالى يبتلي العباد ويمحصهم في حدود إدراكهم للحق بعقولهم وفطرهم فينظر في قلوبهم ومدى نزوعها للحق والصدق والعدل أو للضلال والكذب والظلم فيهدي للحق بحسب ذلك من شاء منهم. فالأصل أن الله خلق عباده جميعهم للابتلاء علموا بالحق أم جهلوه فهو يبتليهم على حسب ما آتاهم وما اكتسبوه من قدرات عقلية ونفسية أيهم أحسن عملا وبهذا يميز الخبيث من الطيب ويهدي طيبهم وصادقهم إلى البر ثم الجنة كما يهدي كاذبهم وهو أعلم بهم إلى الفجور ثم النار كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين. ثم من يتصور أن الله تعالى يمنح الهداية بغير استحقاق فإذا كان سبحانه يمنح بعض نعم الدنيا جزاء كسب العبد ولو كان كافرا فكيف بأعظم نعمة في الوجود كله وهي الهداية إلى طريق السعادة الأبدية فعلى هذا تبتلى القلوب وتمحص ومن أجله وضع كل واحد موضعه بحكمة الله .. والعجيب أنك تجد البلاء بالمصائب يقرب العباد من ربهم وأن أكثر أهل الجنة من أهل المحن كالفقراء المستضعفين فيكون ذلك خيرا لهم حال ضلالهم وجهلهم بأن يعينهم على تبين سبيل الحق لأنهم متخففون غير لاهين وهذا كان حال أكثر أتباع الأنبياء من جميع الأمم حتى في زماننا وبالعكس تجد أن
    أكثر الفاسدين المفسدين ممن يسمون محظوظين بمتع الحياة الزائدة إلا من رحم الله. والله بحكمته وإحاطته بالقلوب وعلمه بذات الصدور يعلم أين وكيف وبم يبتلي عباده ومقدار ما يصيبهم به من البلاء فهو مدبر الأمر له الخلق وله الأمر وليس لعباده من الأمر شيء ولا يكون في حكمه واختياره شيء من العبث بل كل أمره وتصريفه العباد حكمة ولذلك نعجب من قصص كثير من المهتدين بعد جهل وضلال بل والمنتكسين بعد هدى والعياذ بالله لكن لا عجب من أمر الله العليم بأسرار عباده وأخفى فهو خالقهم ومدبر أرزاقهم وأسباب ابتلائهم و
    آجالهم وهو الذي يقسم رحماته وأفضاله عليهم بعلمه .. ولو كان ظاهرها الشر والمصيبة والحرمان لقوله تعالى : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. وإذا شاهدت قصص المهتدين اليوم من الغرب وأنحاء العالم ستتبين سبحان الله ما قلناه واقعا و ستجد أن أكثرهم دفعه صدقه أولا ثم البلاء بالشر ثانيا وبفضل ربه إلى طرح الأسئلة الوجودية الكبرى هذا بدل أن يظل غارقا في شهواته وفي غمرة ساه حتى لا يملك فتنة بها أن يفكر فيما خلق من أجله.

    أيضا لا أحد من العباد خلق عالما لكنهم جميعا خلقوا على الفطرة والبصيرة بالصدق والكذب ولا كل العباد أدرك أو استوعب الرسالة الإلهية بتمامها إلا من هيأ الله تعالى لهم أسباب ذلك. ومن لم يبتلى في الدنيا ببلوغ الرسالة لا بد سيمتحن يوم القيامة ثم يمحص الله فيه ما كان سيمحص هنا لكن يبقى أن أصل الهداية والضلال والسعادة والشقاء كما قلنا مركوز في البشر وأن الله وحده على علم كامل بهم.

  12. #12

    افتراضي

    يعنى عندما يبتلى الله هذا الصنف من الكفار يكون من اجل الهداية او العقاب؟ و كيف يعوض الله الكافر الذى ابتلى فى الدنيا؟ هل يخفف عذابه؟

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    حكم الله تعالى في الابتلاء لا تحصى منها ما ذكرت ومنها ما لا نحيط بعلمه .. الأصل أن كل الشرور على الأرض هي بما كسبت أيدي العباد .. بل إنزال الله بني آدم إليها كان من كسب يده ليقضي الله أمرا كان مفعولا هل كان إنزال آدم عقابا لا طبعا لأن الله تاب عليه لكن ابتلاء من الله ومصيبة كتبها على آدم وبنيه حتى يعلموا قدر الجنة والرضوان وينالوهما باستحقاق.. أما طرد إبليس من ملكوت السموات فطبعا كان عقابا على جرم واضح لم يتب إبليس منه حتى وبالتالي فلسنا نحكم على أحد على التعيين ما فعل الله به وما كان تصريفه له إلا ما جاءنا من طريق الوحي عن أفعال الله لكن يمكننا الحكم بالعموم على الكافرين كما قلنا آنفا بأن شؤم الكفر يورث شرور البلايا ويجعل المرء في فتنة ومحنة أكبر وبالكاد يسلم بعد كفره إلا من رحم الله وعلم من قلبه خيرا ورشدا أو ربما لاقترافه عملا واحدا أخلص له فيه كدعاء بالغيب كما شاهدنا في بعض قصص المهتدين ..

    أما النظر في سبب الابتلاء وحكمته هل يمكن أن يكون لهداية المرء أو عقابه هذا كما قلنا من الحكم لكنها عادة تكون متداخلة فيكون لله تعالى في الفعل والشأن الواحد مع عبده ما ندركه من الحكم وما لا ندركه فالله واسع عليم. يكفي أن تقرأ قصص القرآن وأنبياء الله وأولياءه وأعداءه وتصريفه أمور هؤلاء وهؤلاء وتدبير أحوالهم لتستشف ذلك وتراه جليا .. فهذا بحسب ما يعلمه الله تعالى من حال العبد وإحاطته بجميع أمره أوله وآخره.

    والله تعالى أعلم ولا نقول عليه ما لا نعلم

    أرجو أن الإجابة كانت واضحة.
    التعديل الأخير تم 07-05-2018 الساعة 11:53 PM

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء