النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ما لا تعرفه عن الفلسفة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المشاركات
    965
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي ما لا تعرفه عن الفلسفة

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    فإن مما يبعدني عن الكتابة هذه الأيام في المواضيع الدقيقة ضيق الوقت وحرصي على أن آخذ بحظي من التحصيل ، غير أنه لا يفوتني حديث ( اللهم أعطي منفقاً خلفاً ) ، فأبتغي مزيد علم بشيء من إنفاق العلم ونشره بين الناس

    كثير من الناس حقيقة الفلسفة عندهم مغيبة ، بعضهم يظن أنها الإلحاد الصريح ! ، وبعضهم يظن أن الفلسفة إطلاق عبارات غامضة

    وعامة الناس لا يعرف عقائد الفلاسفة في الأمور التي انقسمت فيها الأديان

    وهي الإلهيات والنبوات والمعاد

    ولا يختلف الناس في فضل الفلاسفة اليونانيين على البشر من الناحية التجريبية

    وأن العرب والمسلمين أخذوا علومهم وطوروها ثم وصلت الراية إلى الغرب ليكملوا هذا المشوار البشري العام

    ويأتي من يتحدث وكأن العلم التجريبي بدأ اليوم ولولا ما قدمه المتقدمون لما تمكن المتأخر من الابتداء من حيث انتهوا فلا يمكن نكران فضل الفلاسفة والمتدينين على الحضارة الحديثة باعتبارهم واضعي الأسس العلمية والخاطين خطوات طويلة في باب البحث التجريبي

    وخذ هنا عدة حقائق عن الفلاسفة

    الحقيقة الأولى : أن الحكمة عند الفلاسفة تنقسم إلى قسمين قسم علمي وقسم عملي

    ويعتقدون أن المرء لا يمكن أن يحصل الحكمة العلمية بمعنى إدراك حقائق الأشياء ومعرفة عللها وإدراك سبل الصلاح إلا بالتحلي بالأخلاق الكريمة والتسامي عن الشهوات

    َقَالَ أفلاطون من أَرَادَ قِرَاءَة الفلسفة فليطهر أخلاقه من الرذائل فَإِنَّهُ لَا يتَعَلَّم الفلسفة الطاهرة من كَانَ نجسا كَمَا لَا يُمكن أحد أَن يرى وَجهه فِي مَاء كدر ومرآة صدئة.

    ولهذا كان من الفلاسفة من يذهب للتخلي ويبتعد عن الناس ليتأمل بشكل جيد وكثير من الفلاسفة كانوا يميلون للخلوة لهذا الاعتبار وقد أخذ هذا منهم متأخري الصوفية الإسلاميين

    وقد ذهب سقراط إلى الجبال واعتزل أقاربه لهذا الداعي كما هو مذكور في تراجمه ، وذكره صاحب الملل والنحل الشهرستاني

    الحقيقة الثانية : للاعتبار الأول كان للفلاسفة عبارات كثيرة ظاهرها الحكمة تشبه عبارات أعيان السلف كسعيد بن المسيب والحسن البصري

    والعامل المشترك بين هؤلاء أنهم جميعاً طهروا أخلاقهم أو سعوا في ذلك وأعملوا التفكر ، غير المتدينين اتصالهم بالإله أقوى وحكمتهم منضبطة بالشريعة وأقرب إلى التطبيق على الأرض

    فخذ مثلاً قول فيثاغورس : من كانت الوسائط بينه وبين مولاه أكثر فهو في رتبة العبودية أنقص.

    هذه عبارة تشبه عبارات الصوفية المتأخرين ، وأهل الحديث يفرقون بين الواسطة في التبليغ فهي ضرورة والواسطة في العبودية التي هي شرك

    وقد سئل بقراط: أي العيش خير؟ قال: الأمن مع الفقر، خير من الغنى مع الخوف.

    فهذه تشبه عبارات حكماء السلف

    الحقيقة الثالثة : أن عامة الفلاسفة المشاهير كأرسطو وأفلاطون وبقراط وسقراط وفيثاغورس كانوا يؤمنون بالخالق العظيم ثم اختلفت عباراتهم في تحديد صفاته بل كان لأرسطو موقف متشدد من الذي لا دين له وكان يأمر بقتله

    قال الشهرستاني في الملل والنحل وهو يتكلم عن أفلاطون :" وحكى عنه قوم ممن شاهده وتلمذ له مثل أرسطو طاليس وطيماوس, وثاوفرسطيس أنه قال: إن للعالم محدثا مبدعا، أزليا، واجبا بذاته، عالما بجميع معلوماته على نعت الأسباب الكلية، كان قي الأزل ولم يكن في الوجود رسم ولا طلل، إلا مثالا عند الباري تعالى، ربما يعبر عنه بالهيولى، وربما يعبر عنه بالعنصر، ولعله يشير إلى صور المعلومات في علمه تعالى. قال: فأبدع العقل الأول، وبتوسطه النفس الكلية، وقد انبعثت عن العقل انبعاث الصورة في المرآة، وبتوسطهما العنصر"


    وقال أفلاطون في كتاب "النواميس": إن الأشياء التي لا ينبغي للإنسان أن يجهلها، منها: أن له صانعا، وأن صانعه يعلم أفعاله. وذكر أن الله تعالى إنما يعرف بالسلب، أي لا شبيه له ولا مثال. أنه أبدع العالم من لا نظام إلى نظام، وأن كل مركب فهو إلى الانحلال، وأنه لن يسبق العالم زمان، ولم يبدع عن شيء.

    ثم إن الفلاسفة وقع بينهم الاختلاف في كون الأنفس قبل الأجسام أم العكس

    وقد كان فيثاغورس متصوفاً لدرجة زعمه أنه سمع العالم العلوي ، وقد ادعي أن فيثاغورس رأى سليمان النبي

    قال عنه بعض من ترجم له :" وبلغ في الرياضة إلى أن سمع حفيف الفلك، ووصل إلى مقام الملك، وقال: ما سمعت شيئا قط ألذ من حركاتها، ولا رأيت شيئا أبهى من صورها وهيئاتها"

    وكانوا يؤمنون بالمعاد الروحاني دون الجسماني ويقيمون على ذلك الأدلة

    فمن أدلتهم على ذلك قولهم :" نجد الْإِنْسَان بِالْمُشَاهَدَةِ يبْدَأ طفْلا لَا يعلم شَيْئا ثمَّ لَا يزَال كلما نَشأ يترقى فِي المعارف وتكثر المعقولات فِي نَفسه حَتَّى يصير فيلسوفا حكيما
    فَلَا يَخْلُو مَا يستفيده من التَّمْيِيز والمعرفة أَن يكون
    من قبل جِسْمه فَقَط
    أَو من قبل نَفسه فَقَط
    أَو من قبلهمَا مَعًا
    فَإِن كَانَ من قبل جِسْمه فَيجب أَن يكون الْإِنْسَان كلما ضخم جِسْمه وَكَثُرت مادته كَانَ أقعد بِقبُول المعارف وَكلما ضؤل وَقلت مادته
    كَانَ أبعد عَن قبُول المعارف وَنحن نجد الْأَمر بعكس ذَلِك لأَنا نرى من بِهِ السلال والذبول ينقص جِسْمه كل يَوْم وذهنه بَاقٍ على كَمَاله إِلَى أَن تُفَارِقهُ النَّفس فَبَطل بِهَذَا الدَّلِيل أَن يكون ذَلِك من قبل جِسْمه
    وَبِنَحْوِ هَذَا الدَّلِيل يبطل أَن يكون ذَلِك من قبل نَفسه وجسمه مَعًا فَإِذن مَا يستفيده الْإِنْسَان من التَّمْيِيز والمعارف إِنَّمَا هُوَ من قبل النَّفس فَقَط ولاحظ فِي ذَلِك للجسم أَكثر من أَنه آلَة لَهَا بِمَنْزِلَة الْآلَات للصناعة وَلَا يَصح وجود التَّمْيِيز والمعارف من موَات وَإِنَّمَا يَصح وجودهما من حَيّ
    فَالنَّفْس إِذن حَيَّة بالطبع لِأَن فِي طبعها قبُول الْعُلُوم والمعارف
    والجسم موَات بالطبع إِذْ لَيْسَ فِي طبعه قبُول شَيْء من ذَلِك
    فَبَان بالبرهان أَن الْإِنْسَان مركب من جوهرين
    أَحدهمَا حَيّ بالطبع وَهِي النَّفس
    وَالْآخر موَات بالطبع وَهُوَ الْجِسْم
    وإنهما لما اقترنا عرض لكل وَاحِد مِنْهُمَا عرض من قبل صَاحبه فَعرض للجسم الْحَيَاة الَّتِي هِيَ الْحس من قبل النَّفس وَعرض للنَّفس الْمَوْت الَّذِي يُرَاد بِهِ الْجَهْل من قبل الْجِسْم
    فَالنَّفْس إِذن حَيَّة بالطبع ميتَة بِالْعرضِ والجسم ميت بالطبع حَيّ بِالْعرضِ فَإِذا انْفَصل كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه خلص للجسم الْمَوْت الْمَحْض الَّذِي هُوَ طبعه وفارقته الْحَيَاة العرضية الَّتِي كَانَ استفادها من النَّفس وخلص للنَّفس الْحَيَاة الْمَحْضَة الَّتِي هِيَ طبعها وفارقها الْمَوْت العرضي الَّذِي كَانَ عرضا لَهَا من قبل استغراقها فِي الْجِسْم"

    ولهم براهين أخرى في هذا الباب

    وأما معضلة الشر فقد أجاب عنها أرسطو ولخص كلامه ابن سينا تلخيصاً لطيفاً

    خلاصته أن الشر عارض ومن وجوده فائدة فهناك خير خالص ولا يوجد شر خالص

    وقد ضرب ابن سينا لذلك مثلاً بالنار حيث قال :" فإن الكون إنما يتم بأن يكون فيه نار ولن يتصور حصولها إلا على وجه تحرق وتسخن، ولم يكن بد من المصادمات الحادثة أن تصادف النار ثوب فقير ناسك فيحترق، والأمر الدائم والأكثري حصول الخير من النار، فأما الدائم فلأن أنواعا كثيرة لا تستحفظ على الدوام إلا بوجود النار، وأما الأكثر فلأن أكثر الأشخاص والأنواع في كنف السلامة من الاحتراق، فما كان يحسن أن تترك المنافع الأكثرية والدائمة لأعراض شرية أقلية، فأريدت الخيرات الكائنة عن مثل هذا الأشياء إرادة أولية على الوجه الذي يصلح أن يقال: إن الله تعالى يريد الأشياء، ويريد الشر أيضا على الوجه الذي بالعرض، فالخير مقتضى بالذات والشر مقتضى بالعرض، وكل بقدر. والحاصل أن الكل إنما رتبت فيه القوى الفعالة والمنفعلة: السماوية والأرضية الطبيعية والنفسانية، بحيث يؤدي إلى النظام الكلي مع استحالة أن تكون هي على ما هي عليه ولا تؤدي إلى شرور، فيلزم من أحوال العالم بعضها بالقياس إلى بعض أن يحدث في نفس: صورة اعتقاد رديء أو كفر أو شر آخر ويحدث في بدن: صورة قبيحة مشوهة، ولو لم يكن كذلك لم يكن النظام الكلي يثبت، فلم يعبأ ولم يلتفت إلى اللوازم الفاسدة التي تعرض بالضرورة"


    الحقيقة الرابعة :

    الفلاسفة يقسمون النفوس الحية إلى أربعة أقسام

    نفس حيوانية

    ونفس ناطقة ( إنسان )

    ونفس فلسفية ( تخوض في العميق )

    ونفس نبوية

    وهم معترفون أنهم لا يدركون دقة التعاليم النبوية كما ان العوام لا يفهمون دقة كلامهم

    "وَلذَلِك قَالَ أفلاطون
    نَحن عاجزون عَن فهم مَا جَاءَت بِهِ الشَّرَائِع وَإِنَّمَا نعلم من ذَلِك يَسِيرا ونجهل كثيرا وَلذَلِك كَانَ أرسطو يَأْمُرنَا بِالتَّسْلِيمِ لما جَاءَت بِهِ الشَّرَائِع ويأمرنا بتأديب من تعرض لتعليل أوامرها ونواهيها وتعاطي الْخَوْض فِيهَا" قاله البطليموسي

    فهذا هو التسليم بصورته السلفية !

    وكان بقراط يؤمن بمس الجن ويقول أن المس الذي نعالجه غير المس يعالجه أصحاب الهياكل

    والآن يأتي السؤال : ما هي عيوب الطريقة الفلسفية وما الفرق بينها وبين الرسالة المحمدية

    فيكون الجواب : عيبها أنها عويصة المسالك لا يفهمها عموم الناس وأما النبوات فهي مفهومة للعامة

    والمباحث العقلية في النصوص ممكنة الاستيعاب جداً

    فمثلاً ضرب المثل لإيصال إمكانية البعث في ذكر نزول المطر على الأرض الميتة وحياتها بالماء مثال مفهوم لعموم الناس

    وكذلك ضرب المثل بأن الله الذي بدأ الخلق قادر على أن يعيده وأن ذلك أسهل

    مثل ظاهر لعموم الناس

    وقوله تعالى ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم )

    وقوله ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون )

    وذكر قصة موسى والخضر وبيان أن من الأمور ما ظاهره الشر وفي باطنه الخير والعكس

    ما هو أقرب لعقول عموم الناس من الكلام الذي نقلته عن ابن سينا ملخصاً لكلام أرسطو

    ومن عيوب الطريقة الفلسفية أنه حين يأتي البحث في التفاصيل وكل يتكل على عقله تظهر خلافات شديدة بينهم وخلافاتهم أكثر من خلافات المتدينين الذي قللت النصوص خلافاتهم مع وجودها وما كثر الخلاف إلا بالإعراض عن النصوص

    لأن كلا منهم يتكل على عقله

    ومن عيوبها أنها طريقة للخاصة ولا تنفع للعامة ولهذا لم يقم لأهلها دولة وما استطاعوا إزالة الظلم والشرك بل كان اليونانيون الغالب عليهم الوثنية وسقراط لما أظهر الإنكار تم قتله

    ومن عيوبها أنهم لا يعرفون كيف يتعبدون لله عز وجل بغير الأخلاقيات العامة ، وليس عندهم رياضة للنفوس مستمرة تربي العوام على مكارم الأخلاق كما هو الأمر في الدين

    ثم إن لهم مقالات تخالف الشريعة كقولهم بالمعاد النفسي دون المعاد البدني وقولهم أن الله يعلم الجزئيات بعلم كلي وقد رأى الغزالي أن هذا تجهيل لله عز وجل

    ثم ميلهم إلى تعطيل الصفات وعدم إثبات صفات للخالق وقول كثير منهم أن الله خلق العقل ثم إنه فاض من العقل هذا العالم لأن الواحد لا يصدر منه إلا واحد ( والعقل واحد )!

    في عيوب أخرى

    ومشكلة ابن سينا وابن رشد والفارابي أنهم عظموا الفلاسفة ورأوا أن في كلام الفلاسفة ما يدل على تثبيت نبوة النبي

    من حيث أن النبي كان متصفاً بصفات كريمة تجعل من المستحيل أن يكون كذاباً ، فالفلاسفة يرون أن الكذاب يمتنع عليه الكلام بالحكمة

    ورأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأمي الذي بلغ الأربعين وهو في أميته وبدون قراءة استطاع الكلام بالحكمة المحضة وإزالة الكثير من مظاهر الشر وإقامة دولة عظيمة ، وتكلم بكل دقيق وجليل بحيث أن المسلم يجد في دينه كل ما يتعلق بأمور حياته وهذا أمر أعجز الفلاسفة

    ولهذا كان ابن سينا يقول بأن العقلاء أجمعوا أنه لم يطرق العالم ناموس خير من هذا الناموس ( يعني الوحي المحمدي )

    وكان الفارابي يقول بأن النبي هو فيلسوف العامة والفيلسوف هو نبي الخاصة

    وقد كتب الفارابي كتاباً جمع فيه القواعد المنطقية التي وردت في الأحاديث النبوية ليثبت أن الشريعة لا تخالف منطق أرسطو وأصاب في أمرو وأخطأ في أخرى

    فهؤلاء عظموا النبوة وعظموا الفلسفة فلما صار التعارض مالوا إلى طريقة عجيبة وهي السير على طريقة الفلاسفة !

    وتأويل الشريعة ، أو دعوى التخييل وهي أن النبي خاطب الناس بما يناسب عقولهم وليست تلك الحقيقة المطلقة خصوصاً فيما يتعلق بأمر الصفات

    كانوا يتناقضون وتارة يسيرون مع الفلاسفة وتارة يحاولون التلفيق

    ورد عليهم المتكلمون غير أن المتكلمين تأثروا ببعض أصولهم عند الرد عليهم

    ولهذا جاء نقد شيخ الإسلام ابن تيمية لهم وارتكز نقده على نقاط أساسية

    أهمها : أن كل ما في المباحث الفلسفية من صواب موجود في النصوص بشكل أيسر وأقرب للعامة

    وثانيها : أن الفلاسفة أنفسهم مضطربون وأن أبحاثهم في الإلهيات لا تتجاوز ما تدل عليه الفطرة البدائية غير أن تفاصيل الإلهيات والنبوات والمعاد لا بد لها من رسالة تشرحها ولو كان كل شيء يدرك بالعقل لما احتاج الناس إلى الرسالة

    ثالثها : أن هناك فرقاً بين العلوم التجريبية المبنية على المشاهدة فكلام الفلاسفة فيها قوي ، وبين الكلام في الإلهيات المبني على التأمل والاستنباط


    وقد قسم ابن تيمية وابن القيم علوم الفلاسفة إلى قسمين علوم صادقة مبنية على التجريب والمشاهدة وسفسطة تتعلق بالإلهيات وذمهم للمنطق والفلسفة متعلق بالثاني

    وقال ابن تيمية في الرد على المنطقيين :" وأيضا فان النظر في العلوم الدقيقة يفتق الذهن ويدر به ويقويه على العلم فيصير مثل كثرة الرمي بالنشاب وركوب الخيل تعين على قوة الرمي والركوب وإن لم يكن ذلك وقت قتال وهذا مقصد حسن.
    ولهذا كان كثير من علماء السنة يرغب في النظر في العلوم الصادقة الدقيقة كالجبر والمقابلة وعويص الفرائض والوصايا والدور لشحذ الذهن فانه علم صحيح في نفسه ولهذا يسمى الرياضي فان لفظ الرياضة يستعمل في ثلاثة أنواع في رياضة الأبدان بالحركة والمشي كما يذكر ذلك الأطباء وغيرهم وفي رياضة النفوس بالأخلاق الحسنة المعتدلة والآداب المحمودة وفي رياضة الأذهان بمعرفة دقيق العلم والبحث عن الأمور الغامضة.
    ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "إذا لهوتم فالهوا بالرمي وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض" أراد إذا لهوا بعمل أن يلهوا بعمل ينفعهم في دينهم وهو الرمي وإذا لهوا بكلام لهوا بكلام ينفعهم أيضا في عقلهم ودينهم وهو الفرائض"

    ففرق ابن تيمية بين ما ثبت بالتجربة من علومهم وبين كلامهم في الإلهيات، وهو القائل ( من تمنطق تزندق ) فإنه يعني بذلك كلامهم في الإلهيات فافهم هذا يا محمد آل الشيخ بدلاً من الثرثرة الفارغة

    وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان :" وكذلك كان أساطينهم ومتقدموهم، العارفون فيهم، معظمين للرسل والشرائع، موجبين لاتباعهم، خاضعين لأقوالهم، معترفين بأن ما جاءوا به آخر وراء طور العقل، وأن عقول الرسل وحكمتهم فوق عقول العالمين وحكمتهم.
    وكانوا لا يتكلمون فى الإلهيات، ويسلمون باب الكلام فيها إلى الرسل، ويقولون: علومنا إنما هى الرياضيات والطبيعيات وتوابعها. وكانوا يقرون بحدوث العالم.
    وقد حكى أرباب المقالات أن أول من عرف عنه القول بقدم هذا العالم إرسطو. وكان مشركا يعبد الأصنام. وله فى الإلهيات كلام كله خطأ من أوله إلى آخره، فقد تعقبه بالرد عليه طوائف المسلمين، حتى الجهمية والمعتزلة، والقدرية، والرافضة، وفلاسفة الإسلام أنكروه عليه، وجاء فيه بما يسخر منه العقلاء.
    وأنكر أن يكون الله سبحانه يعلم شيئا من الموجوادت، وقرر ذلك بأنه لو علم شيئا لكمل بمعلوماته، ولم يكن كاملا فى نفسه، وبأنه كان يلحقه التعب والكلال من تصور المعلومات"

    وخصص كتابه الرد على المنطقيين للرد على المتأثرين بمنطق أرسطو

    وكتابه ( درء تعارض العقل والنقل ) للرد على المتكلمين والفلاسفة في آن واحد وبيان تناقض الفريقين وسلامة طريقة أهل الحديث من التناقض

    وليعلم أن الفلسفة اليوم قد ضعف سلطانها بسبب ميل الناس إلى المادية المحضة مما أضعف أداء العقل ضعفاً عجيباً وازدهرت السفسطة

    ثم ميل الناس إلى الشهوانية وقد اعترف الفلاسفة بأن هذا الأمر يضيق أفق المرء كما قدمت في كلامهم

    وكثير من النظريات العلمية التي يزعم مناقضتها للدين إنما يزعم ذلك باستنتاجات فلسفية سمجة ومضحكة والقائل بأن العلماء التجريبيين فلاسفة فاشلون قد أخطأ بل هم لا يدرون ما الفلسفة

    فعلى سبيل المثال قول دارون بعد اكتشاف التطور بأن افتراض وجود قوة خارقة مجرد فرض زائد

    هو كلام فلسفي ومن أغبى الكلام فلسفياً فإن الخلية الأولى هو نفسه لا يستطيع الإجابة على القول من أين جاءت ثم إن القدرة على التطور هي برمجة في الكائنات فمن أين اكتسبت هذه البرمجة

    والعجيب أن الملاحدة يعترضون على أمر الحروب وينسون أن مالتوس الذي أعجب به دارون وضعف إيمانه بالدين بسبب كتاباته كان يرى أن المجاعات والحروب تساعد على ضبط عدد سكان الأرض في الحد المعقول الذي يمكن من خلاله أن يستفيد الجميع من الموارد ولا نهلك من الجوع

    فهو هنا يستخرج الخير من الشر ! وهذا أساس فلسفة الحكمة التي يعترض عليها هؤلاء

    علماً بأن الأمر في الدين يختلف عن نظرية مالتوس فهذه أمور ينظر إليها على أنها أوامر كونية والمسلم مأمور بإعانة الفقير وإغاثة اللهفان ومنهي عن إراقة الدم في غير وجه ومنهي عن القتال في غير الجهاد المضبوط بضوابط عديدة تبين لك أن الأمر ضرورة وليس هذا محل بسط البحث

    وأخيراً أذكر لطيفة

    وهي أن الفلاسفة جميعهم رجال ! وقد كان لهم نظرة متطرفة تجاه المرأة

    فهذا ديوجانس الكلبي وهو أكثرهم تطرفاً تجاهها

    رأى امرأة قد حملها الماء، فقال: على هذا المعنى جرى المثل, دع الشر يغسله الشر.
    ورأى امرأة تحمل نارا، فقال: نار على نار، وحامل شر من محمول.
    ورأى امرأة متزينة في ملعب، فقال: لم تخرج لترى، ولكن لتري.
    ورأى نساءً يتشاورن، فقال: على هذا جرى المثل؛ هو ذا الثعبان يستقرض من الأفاعي سما.
    ورأى جارية تتعلم الكتابة، فقال: يسقى هذا السهم سما، ليرمى به يوما ما.

    وفي الواقع القاريء في ثقافات الشعوب يجد أن هناك نظرة عجيبة من عموم الشعوب تجاه المرأة

    ففي الصين يقول إذا عجز الشيطان عن شيء أوفد امرأة

    وفي انجلترا يقولون شعر طويل وعقل قصير

    والأمر ليس كما يقول هؤلاء ولكنني أردت أن أوضح أن هذه نظرة سائدة وقد عالجتها الشريعة بما شرحه الأخوة كثيراً فلا داعي للبسط

    غير أن الذي لا يتنبه إليه كثيرون أن سبب قمع المرأة في عدد من المجتعمات هي المرأة نفسها

    بمعنى أخوات الزوج وأم الزوج هم أكثر من يحرض الرجل على زوجته في المجتمعات الشرقية بل وغير الشرقية والأمثلة الشعبية المشهورة في ذم النساء أكثر من يرددها النساء كبيرات السن في تقريع الشابات

    وليعلم أن أكثر المجتمعات قمعية للمرأة في صغر سنها ، عندهم تقدير كبير للمرأة إذا كبرت وصارت أماً وذلك يكون من أبنائها ومن في طبقتهم وهذا ظاهر في البدو وفي صعيد مصر

    وهذا أمر دقيق يغفل عنه كثيرون وهنا

    قال أحمد في مسنده 24565 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَرِفَ وَقَدْ نَفِسْتُ وَأَنَا مُنَكِّسَةٌ، فَقَالَ لِي: «أَنَفِسْتِ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا أَحْسِبُ النِّسَاءَ خُلِقْنَ إِلَّا لِلشَّرِّ، فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ ابْتُلِيَ بِهِ نِسَاءُ بَنِي آدَمَ»

    وبالنسبة لفلسفة نيتشة ففي الواقع هي لا يليق أن تسمى فلسفة إلا عند إيجاد اصطلاح جديد للفلسفة بل هي انفعالات عاطفية في كثير منها هي أشبه بالشعر الذي هو انفعالات عاطفية تقترن بها الحكمة والصدق أحياناً وتفارقها أخرى

    هذه مشاركة متواضعة أردت أن أبصر بها الأخوة المتخصصين في هذا المجال وأرد لهم شيئاً من جميلهم علينا في إيضاح عدد من الأمور التي لم نفقهها إلا منهم

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2013
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    473
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو جعفر المنصور مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    كثير من الناس حقيقة الفلسفة عندهم مغيبة ، بعضهم يظن أنها الإلحاد الصريح ! ، وبعضهم يظن أن الفلسفة إطلاق عبارات غامضة

    ---------------------------------------------------------------

    وكانوا يؤمنون بالمعاد الروحاني دون الجسماني ويقيمون على ذلك الأدلة

    فمن أدلتهم على ذلك قولهم :" نجد الْإِنْسَان بِالْمُشَاهَدَةِ يبْدَأ طفْلا لَا يعلم شَيْئا ثمَّ لَا يزَال كلما نَشأ يترقى فِي المعارف وتكثر المعقولات فِي نَفسه حَتَّى يصير فيلسوفا حكيما
    فَلَا يَخْلُو مَا يستفيده من التَّمْيِيز والمعرفة أَن يكون
    من قبل جِسْمه فَقَط
    أَو من قبل نَفسه فَقَط
    أَو من قبلهمَا مَعًا
    فَإِن كَانَ من قبل جِسْمه فَيجب أَن يكون الْإِنْسَان كلما ضخم جِسْمه وَكَثُرت مادته كَانَ أقعد بِقبُول المعارف وَكلما ضؤل وَقلت مادته
    كَانَ أبعد عَن قبُول المعارف وَنحن نجد الْأَمر بعكس ذَلِك لأَنا نرى من بِهِ السلال والذبول ينقص جِسْمه كل يَوْم وذهنه بَاقٍ على كَمَاله إِلَى أَن تُفَارِقهُ النَّفس فَبَطل بِهَذَا الدَّلِيل أَن يكون ذَلِك من قبل جِسْمه
    وَبِنَحْوِ هَذَا الدَّلِيل يبطل أَن يكون ذَلِك من قبل نَفسه وجسمه مَعًا فَإِذن مَا يستفيده الْإِنْسَان من التَّمْيِيز والمعارف إِنَّمَا هُوَ من قبل النَّفس فَقَط ولاحظ فِي ذَلِك للجسم أَكثر من أَنه آلَة لَهَا بِمَنْزِلَة الْآلَات للصناعة وَلَا يَصح وجود التَّمْيِيز والمعارف من موَات وَإِنَّمَا يَصح وجودهما من حَيّ
    فَالنَّفْس إِذن حَيَّة بالطبع لِأَن فِي طبعها قبُول الْعُلُوم والمعارف
    والجسم موَات بالطبع إِذْ لَيْسَ فِي طبعه قبُول شَيْء من ذَلِك
    فَبَان بالبرهان أَن الْإِنْسَان مركب من جوهرين
    أَحدهمَا حَيّ بالطبع وَهِي النَّفس
    وَالْآخر موَات بالطبع وَهُوَ الْجِسْم
    وإنهما لما اقترنا عرض لكل وَاحِد مِنْهُمَا عرض من قبل صَاحبه فَعرض للجسم الْحَيَاة الَّتِي هِيَ الْحس من قبل النَّفس وَعرض للنَّفس الْمَوْت الَّذِي يُرَاد بِهِ الْجَهْل من قبل الْجِسْم
    فَالنَّفْس إِذن حَيَّة بالطبع ميتَة بِالْعرضِ والجسم ميت بالطبع حَيّ بِالْعرضِ فَإِذا انْفَصل كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه خلص للجسم الْمَوْت الْمَحْض الَّذِي هُوَ طبعه وفارقته الْحَيَاة العرضية الَّتِي كَانَ استفادها من النَّفس وخلص للنَّفس الْحَيَاة الْمَحْضَة الَّتِي هِيَ طبعها وفارقها الْمَوْت العرضي الَّذِي كَانَ عرضا لَهَا من قبل استغراقها فِي الْجِسْم"
    بارك الله فيك ( موضوع رائع مفيد )
    أحيانا كلام الفلاسفة يؤكد ويُثبت صحة النقل الصحيح , وأحياناً يخالف فيجب أن نأخذ ما يتفق ويثبت صحة النقل ونترك ما يُخالف
    فمثلا : مثل هذا المقتبس من أقوال الفلاسفة هو الذي جعلني أكتب مثل هذا الموضوع
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...CA%D1%C8%ED%C9
    والله تعالى أعلم
    رسالتي في الحياة
    الدعوة إلى التوحيد الحقيقي
    ( جرأة في االحق - صدق في العرض - محبة في الحوار - إحترام للرأي الآخر )

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء