النتائج 1 إلى 15 من 15

الموضوع: حتى الأنبياء لم تُستجب كل دعواتهم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي حتى الأنبياء لم تُستجب كل دعواتهم


    الحمد لله و صلى الله على محمد بن عبد الله و آله و صحبه،

    كثيرا ما يرد على المنتدى سؤال في مسألة عدم استجابة الدعاء و يكون ذلك سببا عند البعض في سوء الظن بربّه و حصول الشك .. كأن المظنون بالله أن يستجيب كل دعوة من كل أحد في كل حين بمجرد أن يدعو و أقل ما في هذا المسلك أنه تألٍّ على الله و جهل بحكمته و ما تقتضيه من تأخير الإستجابة أو عدمها. فليس بالضرورة أن يكون الداعي قد دعى بما يوافق الحكمة لصالحه أو لصالح غيره .. فالله تعالى هو أحكم الحاكمين و هو الحكيم العليم فقد يستعجل الانسان بدعائه حصول ما يحسبه خيرا و يكون شرا و قد يستعجل به دفع ما يحسبه شرا و يكون خيرا له كما قال تعالى : (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
    فعلى هذا الأساس يجب أن نفهم حكمة الله تعالى و تصريفه في استجابة الدعاء أو عدمها أو تأخيرها.
    و بالنظر في سير الأنبياء عليهم السلام نجد كيف أنهم كانوا يحملون الدعاء على محمل الرجاء و إحسان الظن بالله و ليس على محمل اليقين بأن ما سألوه هو الأوفق و الأحكم و الأسلم فقد كانوا في كل أمرهم متوكلين على الله مستخيرين الله مفوّضين إليه لأن علم الله بالخير و الشر مطلق بخلاف العباد فإنهم لا يعلمون حقائق الأمور و لا مآلاتها. فلذلك كانت دعوات الأنبياء على الرجاء.

    نعلم ذلك من حال الأنبياء عليهم السلام فقد كانوا مكثرين في الدعاء لا يفترون عنه لكن يظهر في بعض الأحيان أن الله أحاط بعلمه و حكمته بما لم يحيطوا به فلم يستجب دعائهم، و كأمثلة على ذلك : أن الله لم يستجب لنوح عليه السلام في إبنه و لم يستجب لإبراهيم عليه السلام دعائه لكل ذريته في قوله : ( قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)
    و لم يستجب لأيوب عليه السلام إلا بعد مرور 18 عاما على بلائه كما صح في الحديث.
    و قد مات للنبي صلى الله عليه و سلم أولاده الثلاثة من الذكور و هم القاسم و عبد الله و إبراهيم، و من المعلوم أن النبي صلى الله عليه و سلم كنا كثير الدعاء لأهله و ولده و الاستعاذة لهم و مع ذلك ابتلاه الله فيهم بلاءً شديدا فماتوا .. سنة الله في العباد.

    و قال البخاري رحمه الله " حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ
    أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ { لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }
    وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَزَلَتْ { لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }
    وقال الله تعالى له في المنافقين : (استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)
    و من ذلك حديث مسلم رحمه الله : " سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا ".

    قال الشيخ عبد الكريم الخضير - حفظه الله - في " شرح الموطأ " :
    ''فلا يلزم من كل دعوة يدعو بها النبي -عليه الصلاة والسلام- أو غيره من الأنبياء أن تجاب، إنما المضمون دعوة بخلاف غيره، فغير الأنبياء جميع دعواتهم على الرجاء، فالمضمون للأنبياء دعوة مستجابة، وما عدا ذلك على الرجاء، وهم أولى الناس بإجابة الدعاء؛ لأنهم لا يدعون إلا مع توافر الأسباب، ومع انتفاء الموانع، فإذا توافرت الأسباب وانتفت الموانع ترتب الأثر، لكن لا يلزم من ذلك أن يجاب بنفس ما دعا به''.اهـ

    و في جواب لمركز الفتوى على موقع إسلام ويب على سؤال :
    هل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يرد ولا يستجاب أحيانا، كما جاء مثلا في قوله تعالى: استغفر لهم أو لا تستغفرلهم؟.

    كان الجواب :

    فإن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم مستجاب على سبيل العموم والإجمال، وقد لا يستجاب له في مسألة بعينها، فقد روى مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها.

    قال الحافظ في الفتح: وأما الدعوات الخاصة ـ يعني بالأنبياء ـ فمنها ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب.

    وجاء في تفسير السراج المنير للشربيني: وإجابة دعاء الأنبياء غالبة لا لازمة، فقد يتخلف لقضاء اللّه تعالى بخلافه كما في دعاء إبراهيم عليه السلام في حق أبيه، وكما في دعاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها.

    ولكن الإجابة ليست محصورة في نفس مطلب الداعي، بل تكون بأحد ثلاثة أمور، كما ورد في الحديث الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. رواه أحمد وغيره، وقال الأناؤوط: إسناده جيد.

    والله أعلم.


  2. افتراضي

    جزاك الله خيرا أخي ابن سلامة على الموضوع الموضوع أفادني كثيرا وأضاف لي معلومات وإشارات لم أنتبه لها لكن سؤال لو سمحت أنا أعرف أن من خصائص الأنبياء أن دعوتهم مستجابة وأنت تقول أنها على العموم لا على الخصوص بصراحة لم أفهم بالضبط معيار العموم ومعيار الخصوص هل يمكنك أن توضح أكثر إذا سمحت؟

    لأنني مثلا أسمع بعض الدعاة يقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم رحيم بأمته وكان يستطيع بمنتهى السهولة واليسر عندما تعرض الصحابة للتعذيب أن يرفع يديه إلى السماء وتنكشف الغمة لكنه كان يأمرهم بالصبر والمصابرة لإيمانه أن أي ثمرة تريد حصادها فلا بد من دفع ثمنها

    فالسؤال هنا هل هذا صحيح أم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أنه حتى لو دعا لهم فلن تجاب دعوته لأن الله قدر كل شيء بقدر ووضع لكل أمر سننا كونية؟

    بعدما قرأت موضوعك أحسست ان الأمر لله تعالى ولا قاعدة تحكم ذلك

    لكنني بانتظار توضيحك وشكرا لك

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المشاركات
    965
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاك الله خيراً وهنا إضافة

    هناك أسباب شرعية وهناك أسباب كونية

    وكل منها مؤثر ولكن لا بد لتأثيرها من توفر الشروط وانتفاء الموانع

    فإن قلت ما معنى هذا ؟

    قلت لك : أكلك للفاكهة الفلانية سبب في حصول جسمك على ما يحتاجه من الجلوكوز ، غير أن هذا السبب قد لا يؤثر لوجود مانع وهو تعطل البنكرياس

    فكون زيد من الناس لم ينتفع من هذا الطعام ليس معناه أن الطعام ليس سبباً مؤثراً ولكن قد قام مانع في زيد منعه من الانتفاع

    ونظير ذلك نزول المطر على الأرض هو من أسباب إنباتها بشرط عدم وجود مانع ككون الأرض لا تنبت أصلاً

    ومثال ذلك في الأسباب الشرعية صلة الرحم من أسباب دخول الجنة وكذلك الصدقة ولكن بشرط أن يكون ذلك لوجه الله ولا يتبعه من ولا أذى فإن وجد ذلك كان بمنزلة المانع من انتفاعك بالحسنات الوارد فضلها في الأخبار

    ولأضرب لك مثلاً بالدعاء ، قد وعد الله عباده باستجابة الدعاء وإذا دعا العبد بغير إثم لا قطيعة رحم فإنه إما يعطى ما أراد وإما يدفع عنه من الشر مثله أو يدخر له في الآخرة

    ولكن قد توجد موانع من استجابة الدعاء ولو دعا المرء بأسماء الله الحسنى كلها

    قال مسلم في صحيحه 2309- [65-1015] وحَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وَقَالَ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟.

    فهذا رجل ملهوف ويرفع يديه قد توفرت فيه أسباب الإجابة ولكن يوجد مانع وهو أنه يأكل الحرام منع ذلك من استجابة الدعاء

    وكذلك من يدعو بإثم كامرأة تدعو الله أن تقبل في جامعة اختلاطية فيكون من رحمة الله بها ألا يستجيب هذا الدعاء

    وكذلك الاستعجال من موانع الاستجابة

    وهذه الأمور فيها حكمة بالغة ولو كان الأمر مفتوحاً لكان دعاء البر كدعاء الفاجر ، ورقية البر كرقية الفاجر

    والرقية أيضاً من هذا الباب ربما لا تنفع لوجود مانع ، وتراها تنفع بقوة في أماكن أخرى

    وهذا يحل لك إشكالاً عظيماً ، وقد ذهب الأشاعرة إلى أن الأسباب غير مؤثرة حقيقة واستدلوا على ذلك بتعطلها في مواطن عديدة ، واستدلوا بأن الإنسان لو داوم على أكل صحي ورياضة وداوم على كل أسباب الصحة فإن صحته لا محالة تنهار في يوم من الأيام ويموت والقياس أن يستمر في الحياة

    والحق أن الأسباب مؤثرة ولا شك ، ولكن يبقى تدخل الإرادة الإلهية فإنه سبحانه له حكمة ربما أوقف تأثير بعض الأسباب من أجلها

    وربما كانت عدم الاستجابة لأن في الاستجابة تفويت للأصلح للعبد الذي يجهل هو أنه الأصلح لقصور علمه

    وهذا معنى قول محمد بن علي الباقر : ندعو الله فيما نُحِبُّ،فإذا وَقَع الذي نكْرَهُ لم نُخالِف اللهَ عز وجل فِيمَا أَحَبَّ
    التعديل الأخير تم 01-24-2015 الساعة 12:56 AM

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي


    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة متحري الحقيقة مشاهدة المشاركة
    أعرف أن من خصائص الأنبياء أن دعوتهم مستجابة وأنت تقول أنها على العموم لا على الخصوص بصراحة لم أفهم بالضبط معيار العموم ومعيار الخصوص

    مرحبا بك أخي متحري الحقيقة و جزاك الله خيرا على تعليقاتك الجيدة التي تثري الموضوع فعلا.
    هناك ثلاث مراتب في المسألة :
    - مرتبة دعاء الأنبياء و رجائهم المتعلق بحاجاتهم و حاجات الخلق و تتحقق به عبوديتهم لله (الدعاء كفعل تعبدي مطلوب من العبد على كل حال تحقيقا لصفة العبودية اللازمة له تجاه ربه لفقره المطلق إليه و لأن الله هو الغني الحميد)
    - مرتبة الدعاء المتعلق بغاية ما ينتهي إليه علم الأنبياء من المنافع و الأعمال الدينية و الدنيوية و منه كل دعاء مستجاب لهم علما بأنهم لا يدعون إلا بما هو خير و أنفع لأنفسهم و للناس أو ما غلب على ظنهم أنه كذلك و لا يتنزه عن الظن إلا الله تعالى العليم بكل شيء.
    - و مرتبة دعاء الأنبياء فيما يدخل في علم الله المطلق و ما لا يحيط الأنبياء بعلمه كمدى استحقاق إنسان ما للهداية أو الضلال على سبيل المثال فذلك من شأن الله تعالى و دعاء الأنبياء فيه هو على الرجاء المطلق مع إحسان الظن بالله تعالى فيما يقضيه على كل حال و هو شبيه بالالتماس و الشفاعة.

    لأنني مثلا أسمع بعض الدعاة يقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم رحيم بأمته وكان يستطيع بمنتهى السهولة واليسر عندما تعرض الصحابة للتعذيب أن يرفع يديه إلى السماء وتنكشف الغمة لكنه كان يأمرهم بالصبر والمصابرة لإيمانه أن أي ثمرة تريد حصادها فلا بد من دفع ثمنها

    فالسؤال هنا هل هذا صحيح أم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أنه حتى لو دعا لهم فلن تجاب دعوته لأن الله قدر كل شيء بقدر ووضع لكل أمر سننا كونية؟

    من قال إن النبي صلى الله عليه و سلم لم يدعو لصحابته بالخلاص أو على الأقل بتعجيل الخلاص و النصر ؟ لكن موقف النبي صلى الله عليه و سلم هنا لم ينصب أبدا في هذا الاتجاه بل أراد بقوله تعليم الصحابة مبدأ الصبر و الثبات و عدم الاستعجال و النظر إلى حال أنفسهم إن كانوا أخلصوا دينهم لله بحق بحيث يستحقون نصره .. فنصر الله وتأييده ليس بالسهل .. و ما عند الله لا ينال إلا بطاعته .. كما أن النبي صلى الله عليه و سلم يعلم أن سنة الابتلاء حتمية حتى مع وجود الدعاء و لا تنافي بينهما لأن المؤمن عندما يدعو يرجو الخير و عندما يُصاب يرجو الخير أيضا .. و هكذا كانت ثقة الأنبياء بربهم على الرغم من اشتداد البلاء بهم فذلك لا يُثنيهم لا عن الدعاء و لا عن الصبر و لزوم طاعة الله فيما آتاهم و فيما قضاه لهم .. و بين هذا و ذاك يفوضون الأمر كله لله و يحسنون الظن به سبحانه غاية الإحسان فيما قضاه لهم لأنه أحكم الحاكمين و العليم وحده بما يصلح للعباد على وجه الحقيقة، و تشريع صلاة الإستخارة دليل على ذلك، قال تعالى حاكياً عن ملائكته : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا، رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ) : هذا هو معنى القنوت لله و التوكل عليه فلا تنافي بين مقام الدعاء و بين العمل المراد أداءه من العبد للدنيا أو للأخرى فكلاهما مطلوب.

    ثم ما معنى أن يكون النبي عليه السلام رحيما ؟ أليس الله تعالى رحيما و رحمة النبي عليه السلام من رحمة الله ؟ و عليه هل نفهم منها أنها رحمة طبعية كالرحمة التي في قلوب النساء و الأطفال التي لا تخلو من ضعف و عجز أم رحمة القوي المقتدر الذي يربي الإنسان على ركوب الشدائد و على القوة و التحمل و الرضى و الثقة و الثبات و المثابرة ؟
    فرحمة الله لا تنفي الحكمة من الابتلاء و لا مقاصد الشرع التي تصلح بها أحوال العباد بدءأ من المصائب التي تصيبهم كفارة لذنوبهم و انتهاء بالحدود التي بها حياتهم و طهارة مجتمعهم فالكل متداخل بعضه في بعض و يجمع ذلك معنى الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيراً.

    أحسست ان الأمر لله تعالى ولا قاعدة تحكم ذلك
    أكيد أن الأمر كله لله و مسألة الدعاء يدخل نصفها في (إياك نعبد) و معنى عبادة الإنسان لخالقه و أدائه للدور المنوط به من الاستخلاف في الأرض و اتخاذه للأسباب دينية و دنيوية، و نصفه الثاني يدخل في معنى (إياك نستعين) و هو التوكل الحق على الله في السراء و الضراء لعلم الله المحيط بكل شيء و لحكمته المطلقة و ما لا يطلع العباد منه على شيء إلا بما شاء.


  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو جعفر المنصور مشاهدة المشاركة
    وكذلك الاستعجال من موانع الاستجابة

    فوائد قيمة شيخنا الفاضل جعلها الله في موازين حسناتك .. و هنا تذكرت شيئا في السياق .. ذلك أن الله تعالى ينظر في قلب من يدعوه فإن كان قلبا لاهيا أن متعجلا لا قائما بحق الدعاء و أدبه بين يدي الملك العظيم جل و علا و لم يراع مقامه كان جوابه بحسب ذلك و العكس .. و حتى حين قال الله تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (البقرة: 186) فقد بيّن سبحانه من هو الداعي الحقيق بالإجابة و أنه ليس أي داعٍ.

    كما أوصى سبحانه أن ندعوه بأدب العبودية الحقة فقال : {أدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } (الأعراف: 55)

    هذا و الموضوع قصدنا فيه لما بعد تحقق هذه الشروط و لماذا قد لا يستجب الله تعالى بعدها رغم تحققها كما في حال الأنبياء، و ذكرنا أن المسألة مئالها إلى الحكمة و علم الله المحيط بما يصلح للعبد و ما يليق به و ما لا يصلح و ما لا يليق.

  6. #6

    افتراضي

    دعوة المؤمن مجابة على وجه الإطلاق إذا ما حقق المؤمن شروط الإجابة..وفي رأيي دعوة الأنبياء أولى..
    هذا الرابط قد يبين وجهة النظر المخالفة لما جاء في هذا الموضوع عن هذه النقطة وشخصيا أرجحها لقوة الأدلة: هل دعاء الأنبياء مستجاب على وجه التحقيق بعين ما يدعو به النبي؟..
    والله أعلم..
    التعقيد في الفلسفة عقيدة، يُحرَّمُ الإقتراب منها بالتبسيط أو فك الطلاسم.
    ذلك أنه من خلال التبسيط يتكشَّف المعنى السخيف -لبداهَتِه أو لبلاهَتِه- المُتخفي وراء بهرج التعقيد وغموض التركيب..

    مقالاتي حول المذاهب والفلسفات المعاصرة


  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي


    أخي الحبيب مستفيد أعتقد أن قول النبي صلى الله عليه و سلم بنفسه ''فمنعنيها'' يسقط القول بالإطلاق بلا أدنى خلاف أو تأويل (ومثله حديث منع شفاعة النبي عليه السلام في أمه عندما أتى قبرها). بل في قولك أنت : إذا ما حقق المؤمن شروط الإجابة نفي لما أثبتته لأن شروط الإجابة يدخل فيها ما ذكرنا و ما سنبينه هنا إن شاء الله.

    جاء في حاشية العلامة السندي على ابن ماجه قوله رحمه الله شارحا لهذا الحديث :
    وفيه أن الاستجابة بإعطاء عين المدعو له ليست كلية ، بل قد تتخلف مع تحقق شرائط الدعاء.
    و عن سبب تخلف عين المدعو به مع تحقق شرائط الدعاء يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :

    فالدعوة التى ليس فيها اعتداء يحصل بها المطلوب أو مثله ، وهذا غاية الإجابة ، فإن المطلوب بعينه قد يكون ممتنعاً أو مفسداً للداعى أو لغيره ، والداعي جاهل لايعلم ما فيه المفسدة عليه ، والرب قريب مجيب وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها ، والكريم الرحيم إذا سئل شيئاً بعينه وعلم أنه لا يصلح للعبد إعطاؤه : أعطاه نظيره ، كما يصنع الوالد بولده إذا طلب منه ما ليس له ، فإنه يعطيه من ماله نظيره ، ولله المثل الأعلى .

    " مجموع الفتاوى " ( 14 / 368 ) .

    وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
    " كل داع يستجاب له ، لكن تتنوع الإجابة : فتارة تقع بعين ما دعا به ، وتارة بعوضه ، وقد ورد في ذلك حديث صحيح " انتهى .
    "فتح الباري" (11 /95)
    وقال ابن حجر أيضا رحمه الله : فِي شَرْحِ حَدِيثِ : " يَنْزِل رَبُّنَا . . . " :
    " لاَ يُعْتَرَضُ عَلَى ذَلِكَ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ بَعْضِ الدَّاعِينَ ؛ لأِنَّ سَبَبَ التَّخَلُّفِ وُقُوعُ الْخَلَل فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الدُّعَاءِ كَالاِحْتِرَازِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ أَوْ لاِسْتِعْجَال الدَّاعِي أَوْ بِأَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ تَحْصُل الإْجَابَةُ بِهِ . وَيَتَأَخَّرُ وُجُودُ الْمَطْلُوبِ لِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ أَوْ لأِمْرٍ يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى " . انتهى من " فتح الباري" (3/31) .

    و تأكيدا لذلك فممّا جاء في تفسير قول الله تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
    قال القرطبي : فإن قيل : فما للداعي قد يدعو فلا يجاب ؟ فالجواب أن يعلم أن قوله الحق في الآيتين أجيب أستجب لا يقتضي الاستجابة مطلقا لكل داع على التفصيل ، ولا بكل مطلوب على التفصيل ، فقد قال ربنا تبارك وتعالى في آية أخرى : ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين وكل مصر على كبيرة عالما بها أو جاهلا فهو معتد ، وقد أخبر أنه لا يحب المعتدين فكيف يستجيب له ، وأنواع الاعتداء كثيرة ، يأتي بيانها هنا وفي [ الأعراف ] إن شاء الله تعالى ، وقال بعض العلماء : أجيب إن شئت ، كما قال : فيكشف ما تدعون إليه إن شاء فيكون هذا من باب المطلق والمقيد ، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث فأعطي اثنتين ومنع واحدة ، على ما يأتي بيانه في ( الأنعام ) إن شاء الله تعالى . وقيل : إنما مقصود هذا الإخبار تعريف جميع المؤمنين أن هذا وصف ربهم سبحانه أن يجيب دعاء الداعين في الجملة ، وأنه قريب من العبد يسمع دعاءه ويعلم اضطراره فيجيبه بما شاء وكيف شاء ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الآية . وقد يجيب السيد عبده والوالد ولده ثم لا يعطيه رسوله ، فالإجابة كانت حاصلة لا محالة عند وجود الدعوة ; لأن أجيب وأستجب خبر لا ينسخ فيصير المخبر كذابا . يدل على هذا التأويل ما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من فتح له في الدعاء فتحت له أبواب الإجابة . وأوحى الله تعالى إلى داود : أن قل للظلمة من عبادي لا يدعوني فإني أوجبت على نفسي أن أجيب من دعاني وإني إذا أجبت الظلمة لعنتهم وقال قوم : إن الله يجيب كل الدعاء ، فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا ، وإما أن يكفر عنه ، وإما أن يدخر له في الآخرة ، لما رواه أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث ؛ إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخر له ، وإما أن يكف عنه من السوء بمثلها . قالوا : إذن نكثر ؟ قال : الله أكثر.

    و قال الرازي : ثم إنا نرى الداعي يبالغ في الدعاء والتضرع فلا يجاب.

    والجواب: أن هذه الآية وإن كانت مطلقة إلا أنه قد وردت آية أخرى مقيدة، وهو قوله تعالى:
    { بَلْ إِيَّـاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء }
    [الأنعام: 41] ولا شك أن المطلق محمول على المقيد، ثم تقرير المعنى فيه وجوه أحدها: أن الداعي لا بد وأن يجد من دعائه عوضاً، إما إسعافاً بطلبته التي لأجلها دعا وذلك إذا وافق القضاء، فإذا لم يساعده القضاء فإنه يعطي سكينة في نفسه، وإنشراحاً في صدره، وصبراً يسهل معه احتمال البلاء الحاضر، وعلى كل حال فلا يعدم فائدة، وهو نوع من الاستجابة وثانيها: ما روى القفال في تفسيره عن أبـي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوة المسلم لا ترد إلا لإحدى ثلاثة: ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، إما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء بقدر ما دعا ".

    وهذا الخبر تمام البيان في الكشف عن هذا السؤال، لأنه تعالى قال: { ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ولم يقل: أستجب لكم في الحال فإذا استجاب له ولو في الآخرة كان الوعد صدقاً وثالثها: أن قوله: { ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ } يقتضي أن يكون الداعي عارفاً بربه وإلا لم يكن داعياً له، بل لشيء متخيل لا وجود له ألبتة، فثبت أن الشرط الداعي أن يكون عارفاً بربه ومن صفات الرب سبحانه أن لا يفعل إلا ما وافق قضاءه وقدره وعلمه وحكمته فإذا علم أن صفة الرب هكذا استحال منه أن يقول بقلبه وبعقله: يا رب افعل الفعل الفلاني لا محالة، بل لا بد وأن يقول: افعل هذا الفعل إن كان موافقاً لقضائك وقدرك وحكمتك، وعند هذا يصير الدعاء الذي دلت الآية على ترتيب الإجابة عليه مشروطاً بهذه الشرائط.

    و قد ذكرنا دعاء الإستخارة و هو من الدعاء في سياق ما ذكره الرازي هنا، للدلالة على أن العبد لا بد أن يفوض أمر ما دعا به إلى الله لعلمه بما هو خير و أصلح فليس واجب التحقق بعينه و لا أحد قال إن هذا لمن دون الأنبياء، ففي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (إذا همَّ أحدكم بالأمْر فليَركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدِرك بقدرَتِك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدِر، وتعلَم ولا أعلَم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنتَ تعلَم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاقدره لي، ويَسِّرْه لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضِنِي به).

    و يقول ابن عاشور أيضا في تفسيره للآية : والآية دلت على أن إجابة دعاء الداعي تفضل من الله على عباده غير أن ذلك لا يقتضي التزام إجابة الدعوة من كل أحد وفي كل زمان، لأن الخبر لا يقتضي العموم، ولا يقال: إنه وقع في حيز الشرط فيفيد التلازم، لأن الشرط هنا ربط الجواب بالسؤال وليس ربط للدعاء بالإجابة، لأنه لم يقل: إن دعوني أجبتهم.اهـ

    ثم إن الأمر كله لله فحتى إذا دعا النبي أو غيره فليس على الله أن يجيب إلى عين ما دعا به مطلقا لقول الله تعالى و هو صريح في الباب حين دعا النبي عليه السلام على بعض قومه : (ليس لك من الأمر شيء)
    و الحديث رواه البخاري رحمه الله في ''باب الدعاء على المشركين'' : وقال ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف وقال اللهم عليك بأبي جهل وقال ابن عمر دعا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة اللهم العن فلانا وفلانا حتى أنزل الله عز وجل : ليس لك من الأمر شيء.

    فهذان شاهدان من القرآن و السنة كافيان ينقضان القول بإطلاق الإجابة إلى عين ما يدعو به العبد المؤمن مع ما يقوم بنفسه من شرائطها : حديث المنع و هذه الآية الكريمة دون التطرق إلى باقي الأدلة و الشواهد. فإما أن الله تعالى يجيب بإطلاق أو لا يجيب بإطلاق لوجود مانع و هذا ما قصدنا في حديثنا عن الأنبياء عليهم السلام.

    و إتماما للفائدة يقول فضيلة الشيخ محمد نصر الدين عويضة في كتابه ''فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب'' :

    كذلك عدم استجابة الدعاء لا تدل على فساد الداعي في كل الأحوال؛ فهناك سؤال منعه الله نبينا محمدًا"قال _ عليه الصلاة والسلام _:=سألت ربي ثلاثًا فأعطاني ثنتين، ومنعني واحدة، سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسَّنة فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها. (2)
    فالله _ عز وجل _ منع نبيه محمدًا"الدعوة الثالثة، وليس ذلك دليلاً على أن الرسول"لا مكانة له عند ربه، أو أنه غير مستجاب الدعوة، بل هو سيد البشر، ودعاؤه مستجاب، ولكن الله _ عز وجل _ منعه تلك الدعوة لحكم عظيمة؛ منها أن يُعْلَمَ أن الرسول"بشر، ليس له من الأمر شيء، وأن الأمر كله لله، بيده الضر والنفع، والعطاء والنفع.


    و في نهاية التعليقات على الرابط الذي أدرجته أخي مستفيد كلام وافٍ مستوفٍ من قبل شارح الموطأ الشيخ عبد الكريم الخضير و لا حاجة لإعادته.


  8. #8

    افتراضي

    مرحبا أخي بن سلامة ..
    لنُضيِّق دائرة النقاش أكثر ونحصر محل النزاع..لأن الكثير مما ذكرت هو محل اتفاق وليس العكس...بمعنى أن الإشكال ليس في تأخر إجابة الدعوة في الدنيا أو في الآخرة أو أن يُدفع بها شرا فهذه من صور الإجابة ولا شك..ووقوع أي من تلك الصور هو تحقق لمعنى الإجابة ولا شك..وليس الإشكال في ما ذكرتَ من استثناءات بخصوص الانبياء فنحن لا ننكرها وإنما الإشكال هو في هل يصح الإستشهاد بتلك الإستثناءات على إصدار حكم مطلق دون تفصيل بنفي الإطلاق على إجابة دعوة الانبياء..في رأيي كما قلت لا يصح..لأن الدعاء ينقسم إلى جائز شرعا وممتنع شرعا والذي نقصده بالإطلاق في الإجابة هو الدعاء الجائز شرعا وليس الممتنع شرعا..وهو دعاء مستجاب على الإطلاق للمؤمنين في أحد الثلاث المذكورة، ومستجاب على الإطلاق وعلى عين المطلوب للأنبياء..بينما الحكم الذي أصدرته بنفي الإطلاق يشمل الجائز والممتنع وهذا في رأيي خطأ لأن القضية تحتاج لتفصيل أولا لبيان الوجه الذي يحتمله الإطلاق وهو ثابت بالنص ومن جهة أخرى لتجنب عدم السقوط في سوء الظن بالله والحث عليه فعند التقرير أن الدعاء وإن كان جائزا شرعا مكتمل الشروط يحتمل عدم الإجابة فهذا فتح لباب عدم التيقين من الإجابة عند الدعاء ولا شك وقد أمرنا بخلافه بل ومن أسباب عدم الإجابة أن يدعو الإنسان بغير تيقن من الإجابة..
    يقول شيخ الإسلام بعد أن ذكر الدعاء كسبب في وقوع المطلوب: (( السبب المعين لا يستقبل بالمطلوب بل لا بد معه من أسباب أخر..ومع هذا فلها موانع فإن لم يكمل الله الأسباب ويدفع الموانع لم يحصل المقصود )) ويقول رحمه: (( وقد قال تعالى "ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين" في الدعاء..ومن الإعتداء في الدعاء أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله مثل أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم..أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك..أو يسأله ما فيه معصية لله...فالشفيع الذي أذن الله له في الشفاعة..شفاعته في الدعاء الذي ليس فيه عدوان..ولو سأل أحدهم دعاء لا يصلح له لا يقر عليه..فإنهم معصومون ان يقروا على ذلك..كما قال نوح" إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين"..قال تعالى " قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين* قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين"..مجموعة التوحيد ص70-74..تحقيق أبو عبد الرحمن المكي
    وهذا القول أراه يتماشى تماما مع ما ذكره الأخ في الألوكة أنقله للفائدة:
    أولا أراك لا تفرق بين إجابة دعاء الأنبياء على الإطلاق، وبين إجابة دعائكم على عين ما يطلبون، فهما شيئان مختلفان..
    فالأول لا غضاضة فيه فالمسلم المستقيم مجاب الدعوة على الإطلاق –فضلا عن النبي- وبذلك ثبتت النصوص،ولاخلاف في ذلك بين المحققين..
    لكن المختلف فيه هو هل إجابة دعاء الأنبياء على عين المطلوب أم أنه بمثابة دعاء غيرهم من المسلمين، إماإجابته على عين المطلوب، أو بدفع البلاء به عنهم في الدنيا، أو يدخر لهم في الآخرة..
    فصاحب الموضوع اعتمد على قيل ابن حجر على تسوية دعاء الأنبياء مع دعاء غيرهم من المؤمنين، وهذا ما خالفناه فيه معتمدين على ماسبق ذكره لك…
    وبقي لي الآن أن أوضح لك الدعاء الجائز والممنوع،أراك تخلط الحابل بالنابل..
    فدعاء إبراهيم لأبيه، ونوح –إن صح – لابنه، ورسولنا بعد غزوة أحد، إنما علمهم الله تعالى بعدم جواز ما فعلوا، إذ هو معصية يأثم عليها مع العلم، وعليه فإن إنما يعلم أنبياءه هنا بخطئهم حتى لا يعودوا…
    ولو لم يكن كذلك، لجاز لهم إن لم يستجاب لهم أن يستمروا أو يعودوا إليه على أمل الإجابة في زمن آخر، كما هو الحال عند كل كل مؤمن..
    فالدعاء الممنوع لا يبحث في إجابته إذ هو بالأصل معصية لله. ولكن البحث في الدعاء الجائز شرعا، فهو مستجاب على الإطلاق للمؤمنين في أحد الثلاث المذكورة، ومستجاب على الإطلاق وعلى عين المطلوب للأنبياء.. ولا نص صريح ينقض ذلك، بل النصوص الكثيرة الصحيحة تؤيده.. وقد ذكر بعضها لك..
    وأما حديث الذي أنت به متعلق، وهو العمدة عندك ( …فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة..)
    فهو طلب معارض لقوله تعالى( أو يلبسكم شيعا…)
    وكذلك دعاؤه على الثلاثة، إنما أتى من بعد قوله (كيف يهدي الله قوما فعلوا كذا وكذا بنبيهم…)أوكما قال.
    هذا منه حكم عليهم بعدم الفلاح، وهذا لا يجوز له إلا بنص من الله له، ولما لم يكن كذلك فنهاه الله تعالى عن مثل ذلك وتدبر في قوله (ليس لك من الأمر شيء)
    وأنا أتحداك أن تأتيني بدعاء دعا به نبي من الأنبياء وبقي معلقا أمره، ولم يرد عليه عتاب على عدم جوازه،كدعاء إبراهيم ونوح ونبينا بعد أحد عليهم صلوات ربي وسلامه
    ذكرت شيئا عن الإستخارة وليس هذا مما يقطع في المسألة لأن الإستخارة في حد ذاتها دعاء وأنت قد أوكلت الخيار في دعائك لله وبالتالي في كلتا الحالتين أجيبت مسألتك..بل لو فرضنا أن العبد دعا بما يظن أنه خير وما هو بخير ولم يستخر الله في دعوته تلك فلم يجب فإن الله سيدفع عنه بتلك الدعوة شرا وهو من صور الإجابة ولا شك..
    نفس الشيء بخصوص آية { بَلْ إِيَّـاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء } فكل شيء معلق بمشيئة الله وهذا من الطبيعي فلا شيء يخرج عن مشيئة الله..وهذا لكي لا تتعلق القلوب بالأسباب يقول شيخ الإسلام (( والدعاء من جملة الأسباب التي قدرها الله سبحانه وتعالى..وإن كان كذلك فالإلتفات للإسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب ان تكون أسبابا نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع ))..وقد نهانا النبي كما في الصحيح (( لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت..اللهم ارحمني إن شئت..ليعزم المسألة فإن الله لا مكره الله )) قال شيخ الإسلام ((فيه مسائل الأولى النهي عن الإستثناء في الدعاء))
    بالإضافة إلى كون التعليق بالمشيئة لا يعني الإنقطاع بالضرورة فقد استعمله الله في القرآن للدلالة على الثبوت والاستمرار..كقوله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللهُ}..فهل يقال قد يملك لنفسه ضرا أو نفعا لتعلقه بالمشيئة..

    هذا والله أعلم..
    التعديل الأخير تم 01-25-2015 الساعة 02:58 PM
    التعقيد في الفلسفة عقيدة، يُحرَّمُ الإقتراب منها بالتبسيط أو فك الطلاسم.
    ذلك أنه من خلال التبسيط يتكشَّف المعنى السخيف -لبداهَتِه أو لبلاهَتِه- المُتخفي وراء بهرج التعقيد وغموض التركيب..

    مقالاتي حول المذاهب والفلسفات المعاصرة


  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي


    أخي مستفيد بارك الله فيك، أود أن أقول لم التضييق و لم الحصر ما دام النقاش متعلقا بالمطلق ؟ لماذا يتم تقسيم الدعاء فقط إلى جائز و ممتنع مادامت هناك حالات أخرى كالتي ذكر بعضها الإمام ابن حجر بقوله :
    ''لأِنَّ سَبَبَ التَّخَلُّفِ وُقُوعُ الْخَلَل فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الدُّعَاءِ كَالاِحْتِرَازِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ أَوْ لاِسْتِعْجَال الدَّاعِي أَوْ بِأَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ تَحْصُل الإْجَابَةُ بِهِ .
    وَيَتَأَخَّرُ وُجُودُ الْمَطْلُوبِ لِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ
    أَوْ لأِمْرٍ يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى''

    و لماذا تم تصنيف الدعاء ممتنع الإجابة بحسبك و بحسب أخينا عضو الألوكة على أنه فقط كل دعاء منهي عنه أو تعدى الخطوط الحمراء كالدعاء بإثم أو قطيعة رحم أو الدعاء للمشرك بالمغفرة ؟ لماذا لا يكون دعاء بعين ما لم يحط النبي أو الولي بعلمه و هذا باب واسع لا تقيده النصوص كما نعلم و منه ما لم تضع له تصنيفا كالدعاء الذي دعا به النبي صلى الله عليه و سلم و مُنِع إجابته بأن لا يجعل الله بأس الأمة بينهم، و ذكرت أو ذكر الأخ بأنه طلب معارض لقوله تعالى ( أو يلبسكم شيعا…) معارض من أي وجه و كل ما في الأمر أن الآية إنما تحدثت عن قدرة الله على ذلك و ليس على أنه أمر لازم الحدوث كونا أو شرعا ؟ فحتى عندما قال الله تعالى : (ولا يزالون مختلفين) فقد قال بعدها : (إلا من رحم ربك) فلماذا يمتنع أن تُستثنى أمة النبي عليه السلام من ذلك إلا بمانع يعلمه الله تعالى و لا نعلمه ؟

    و لماذا تجاوزت حديث الإحتمالات الثلات و لم تعتبر أن أحدها فقط بالعين و غيرها بالمثل أو العوض أو التأجيل ؟

    أما عن الإستخارة فهي و إن اقتضت أن يوكل العبد الخيار إلى الله تعالى فهذا معنى لا يقتصر عليها ما دام أصل الدعاء كله قائما على مبدأ رجاء المؤمن فيما عند الله مما هو خير له و أوفق و أفضل فلا يكون مقصورا بالضرورة على العين. فحتى عندما تسأل الله تعالى جلب منفعة أو دفع مضرة فأنت تحتسب عند الله أن يكون تصريفه لك خيرا لك من مرادك منه و لا تجزم عليه أو توقن بأن خيارك لنفسك لا بد و أن يوافق خياره لك أو أن ما طلبته هو عين الحكمة و الصواب لأن علم الله بما بين يديك و ما خلفك و ما في يديك أحاط و سبق كما قلنا ظنك و اختيارك و هو سبحانه يعلم وجه الحكمة فيما يقضيه لك فإن أجابك إلى عين ما دعاك و كنت مؤمنا فقد أجابك و إن لم يجبك إليه و لكن إلى غيره بمقتضى حكمته فقد أجابك لكن ليس بعين ما دعوت فتأمل .. و هذا شامل في الأنبياء و غيرهم من المؤمنين و المسلمين.

    و على هذا يكون اليقين في الإجابة أن توقن بتحققها على الفعل و الحال لا على العين إلا أن تتألى على الله و تريد أن تسابق علمه و تواطئ حكمته.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    و لكي أكون وسطاً لا أحيد برأيي عن صميم رأيك لست أخالفك في أن دعاء الأنبياء أحظى بالإجابة من الله تعالى بعين ما دعوا إليه من دعاء غيرهم .. فهم أكثر الناس موافقة للخير المحض و أهلا له و لطلبه.


  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2013
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    473
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الأخوة الكرام
    مع كامل احترامي وتقديري , أرى ذلك النقاش تدخل صارخ في إرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته وحكمته بخصوص استجابته الدعاء من عدمه !!!
    رسالتي في الحياة
    الدعوة إلى التوحيد الحقيقي
    ( جرأة في االحق - صدق في العرض - محبة في الحوار - إحترام للرأي الآخر )

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رمضان مطاوع مشاهدة المشاركة
    الأخوة الكرام
    مع كامل احترامي وتقديري , أرى ذلك النقاش تدخل صارخ في إرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته وحكمته بخصوص استجابته الدعاء من عدمه !!!

    أخي الحبيب أشكر لك حرصك فقد مرّ بي مثل هذا الإحساس أثناء مناقشتي و إني أستغفر الله إن جاوزت حدِّي لكن أحب أن تعلم أن ما ذكرتَه أنت هو مقصدنا بالذات من هذا النقاش. فهل قصدنا إلا أن نجنّب أنفسنا و الناس التدخل في إرادة الله تعالى ومشيئته وحكمته بخصوص استجابته الدعاء من عدمه فلا يغتروا بأنفسهم عند الإجابة و لا يسيئوا الظن بربهم عند عدمها و يعلموا أن الدعاء لا يستجاب مطلقا و لا إلزاماً لمن أساء فهم قول الله تعالى (أدعوني أستجب لكم) ، و قوله (أجيب دعوة الداعي إذا دعاني) بل يراعوا أسباب الإجابة و موانعها .. و كيفياتها في حال تحققها .. و يعلموا أيضا أن مقامات الأنبياء عليهم السلام في ذلك أعلى من مقامات غيرهم من المؤمنين ثم من عامة الناس .. و أن مقام الله تعالى أعلى من كل ذلك فلا يتألىّ أحد على الله بل يحسن الأدب معه سبحانه و يظن به خيرا على كل حال.
    ثم إننا لم نزد أخي على ما جاء في كتاب الله و سنة رسوله شيئا بل هو فقه فحسب فقهناه منهما عن سلف الأمة رضي الله عنهم و الله أعلى و أعلم و أحكم فما أصبنا فيه فمن عند ربنا و ما أخطأنا به فمن أنفسنا و من الشيطان.


  13. افتراضي

    أعتذر بشدة على تأخري عن متابعة الموضوع خصوصا لأخي ابن سلامة وأشكر جميع الأخوة الأعزاء على إثرائهم للموضوع

    النتيجة الأخيرة التي يمكن أن أخرج بها من هذا النقاش الثري هو أن الأمر لله أولا وأخيرا وأقنعني رد الأخ ابن سلامة على قضية (أو يلبسكم شيعا)

    بخصوص دعاء سيدنا زكريا عليه السلام ليس بالضرورة أن يكون رأي ابن كثير هو الصائب حتما بل ربما يكون قصد سيدنا زكريا هي الراحة النفسية التي تصحبه عندما يدعو الله تعالى أو إيمانه بخير الدعوة التي يدعوها بأنها تمنع عنه شرا أو يدخرها الله له للآخرة والله أعلم ,وحتى لو كان الله يستجيب كل دعوة يدعوها إياه عليه السلام فلا نستطيع قياس حاله على كل الأنبياء لمجرد كونه نبيا فالأنبياء ولو كان خطهم وهدفهم واحد إلا أن ظروفهم ومزاياهم مختلفة فكل نبي له معجزة خاصة به و هناك أولوا العزم من الرسل وغيرهم ليسوا كذلك ...إلخ

    وأحب هنا أن أضرب مثالين:

    1- أحد الصحابة لا أذكر اسمه من قبيلة دوس على ما أظن أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم لدعوة قومه فلم يؤمن معه إلا قليل جدا فعاد حزينا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم أن تسلم قبيلته فأسلموا بكل سهولة ,ربما يفسر البعض حدوث ذلك بأنهم لم يحاربوا الله ورسوله وكانت قلوبهم بيضاء لذلك من الله عليهم بالإسلام لكن لو لاحظتم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة الأثر في إسلامهم

    2-أيضا أم أبو هريرة رضي الله عنه كانت تسب الإسلام وتقع بالرسول صلى الله عليه وسلم فذهب أبو هريرة حزينا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فبكل سهولة رفع بده ودعا لها بالإسلام فأسلمت بعد 5 دقائق من سبها للإسلام وسبحان الله وربما يفسر البعض ذلك بأنه كرامة من الله تعالى لأبي هريرة أن هدى أمه للإسلام

    ففي المثال الأول ربما كان الأمر كرامة من الله لقوم قلوبهم بيضاء فهداهم إلى الإسلام وفي المثال الثاني ربما كان الأمر كرامة من الله لعبد صالح حتى ولو كان قلب أم أبي هريرة أسود -ولا نستطيع الجزم بذلك فربما قلبها أبيض لكنها فعلت ما فعلت من باب الإغاظة لابنها لا أكثر-

    لكننا في نفس الوقت لا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يده بسهولة رغم تضحيات خباب رضي الله عنه كتضحيات الصحابي الذي دعا قومه للإسلام أو أشد ورغم أنه عبد صالح مثل أبو هريرة

    نعم ربما يكون الدعاء بالنصر دون تضحيات ممتنع شرعا لكن لماذا لا يكون الدعاء لمن يقع في الله والرسول ممتنع شرعا ؟

    وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش الأحزاب بأن يملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا لأنهم شغلوه عن صلاة العصر

    ونعلم أن الكثيرين من جيش الأحزاب أسلموا وحسن إسلامهم على رأسهم أبو سفيان رضي الله عنه فهل سيملأ الله قبره نارا إجابة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة له على ذلك رغم إسلامه؟

    هناك الكثير من الأمور غير المحسومة ويبقى الأمر أولا وأخيرا لله تعالى

  14. #14

    افتراضي

    عن ( أو يلبسكم شيعا )..الآية تقول (( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ))
    الله سبحانه وتعالى يقول في الآية بأنه قادر أن يفعل بكم كذا أو كذا أو كذا..فعندما أدعو الله بأن يجعل هؤلاء الخيارات الثلاث ممتنعة الوقوع وتجاب الدعوة يصبح قوله سبحانه بأنه قادر على أن يفعل كذا أو كذا أو كذا لا معنى له وبالتالي تصير الآية لا معنى لها..فالقدرة هنا تصير ممتنعة بمجرد إجابة الدعوة وإقرارها..
    ولهذا نقول بأن الدعاء الجائز في هذه الآية هو أن تدعو الله بإلغاء خيارين فقط..والمطالبة بإلغاء الخيارات الثلاثة هو دعاء ممتنع معارض للآية..ولهذا نجد ان النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: (( لما نزَلَتْ هذه الآيةُ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم . قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أعوذُ بوجْهِك . قال أو من تحت أرجلكم قال : أَعُوذُ بوجهِك أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال: رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : هذا أهونُ ، أو : هذا أَيْسَرُ )) ...فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أنه لا بد من واحدة ولهذا قال هذا أهون هذا أيسر في الثالثة..ولكن من حبه عليه الصلاة والسلام لأمته وخوفه عليها أراد رفع الثالثة ولكن كما قلنا هذا ممتنع ولعل الأثر الذي يروى عن بن عباس في تفسير الرازي يجلي المسألة أكثر (( لما نزل جبريل - عليه السلام - بهذه الآية شق ذلك على الرسول - عليه الصلاة والسلام - وقال : ما بقاء أمتي إن عوملوا بذلك فقال له جبريل : إنما أنا عبد مثلك فادع ربك لأمتك ، فسأل ربه أن لا يفعل بهم ذلك ، فقال جبريل : إن الله قد أمنهم من خصلتين أن لا يبعث عليهم عذابا من فوقهم كما بعثه على قوم نوح ولوط ، ولا من تحت أرجلهم كما خسف بقارون ، ولم يجرهم من أن يلبسهم شيعا بالأهواء المختلفة ، ويذيق بعضهم بأس بعض بالسيف ))

    وما نراه أن إجابة الله لدعوة النبي برفع العذابين الأولين كانت على عين المطلوب ورد الثالثة لا يقع ضمن ذلك ولا يقطع في المسألة لما سبق ذكره..
    والأصل عندي أن الدعاء الجائز هو مسجاب على عين التحقيق بالنسبة للأنبياء ومستجاب على الإطلاق للمؤمنين في أحد الثلاث المذكورة في الحديث..ولا دليل ينقض ذلك إلا أن يكون من باب الإمتناع الشرعي..

    والله أعلم
    التعديل الأخير تم 02-08-2015 الساعة 02:00 PM
    التعقيد في الفلسفة عقيدة، يُحرَّمُ الإقتراب منها بالتبسيط أو فك الطلاسم.
    ذلك أنه من خلال التبسيط يتكشَّف المعنى السخيف -لبداهَتِه أو لبلاهَتِه- المُتخفي وراء بهرج التعقيد وغموض التركيب..

    مقالاتي حول المذاهب والفلسفات المعاصرة


  15. #15

    افتراضي

    كلام نفيس للشيخ المغامسي : (( وينبغي أن تعلم أن لله جل وعلا قضاء كونياً قدرياً، وقضاء شرعياً، وقد يجتمعان في آن واحد، ولكن لا يلزم اجتماعهما.... وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ عليه جبريل هذه الآية: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ قال: (أعوذ بوجهه) أي: استعاذ بوجه الله جل وعلا من هذا، ثم تلا جبريل: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ، فقال صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بوجهه) ثم تلا جبريل يكمل الآية: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ، فلم يجر الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ كما استعاذ في الأوليين، وإنما قال: (هاتان أهون وأيسر)، وذلك لأن الأولى كانت تتكلم عن عذاب استئصال بالكلية، أي: لا يبقي على الأمة، وأما الثالثة فليست من عذاب الاستئصال، ثم إن الله جل وعلا كتبها في الأزل، فستجري لأن الله كتبها، فما كان الله ليمنعها لدعوة أحد كائناً من كان، ولو كان الداعي نبينا صلى الله عليه وسلم....وقد قال لنبيه: (إنني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد)، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم عاقبة هذا، فسأل ربه، ولكن الله جل وعلا منعه لحكمة أرادها جل وعلا، وهو العليم الخبير والعزيز الحكيم ))

    ويرى بن تيمية بأن الجمع بين الآية (قل هو القادر) والحديث يقتضي وقوع الثالثة مع كونه وقوع يندفع بالإستغفار: (( وإذا كان كذلك فقوله تعالى : { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض } مع ما قد ثبت في الصحيحين عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " { أنه لما نزل قوله : { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم } قال : أعوذ بوجهك { أو من تحت أرجلكم } قال : أعوذ بوجهك { أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض } قال : هاتان أهون } " يقتضي أن لبسنا شيعا وإذاقة بعضنا بأس بعض هو من العذاب الذي يندفع بالاستغفار كما قال : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } وإنما تنفى الفتنة بالاستغفار من الذنوب والعمل الصالح ))

    والله أعلم
    التعديل الأخير تم 02-09-2015 الساعة 03:58 PM
    التعقيد في الفلسفة عقيدة، يُحرَّمُ الإقتراب منها بالتبسيط أو فك الطلاسم.
    ذلك أنه من خلال التبسيط يتكشَّف المعنى السخيف -لبداهَتِه أو لبلاهَتِه- المُتخفي وراء بهرج التعقيد وغموض التركيب..

    مقالاتي حول المذاهب والفلسفات المعاصرة


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء