السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا منشور مخصص لشرح شيء من بلاغة القرآن بطريقة مبسطة جداً

خذا ورقة وحاول أن تكتب جملة باللغة العربية بدون حروف عطف وبدون حرف جر أو ظرف مكان أو ظرف زمان وبدون أفعال وتكون العبار سلسلة بحيث لا تحتاج إلى فواصل وفي الوقت نفسه تفيد معنى مشوقاً إلى ما بعده وباعثاً للأمل في إشارات أخرى خفية وبكلمات قليلة

لقد قلبت كلام العرب أشعارهم ونثرهم وتتبعت كلام الأدباء والبلغاء والوعاظ والناس العاديين فلم أجد شيئاً كهذا

غير أنك تجده في كتاب الله في السورة المحببة إلى قلوب الكثير من المؤمنين بشكل سورة الأمل سورة مريم

قال تعالى : ( ذكر رحمة ربك عبده زكرياً )

ها أنت تلاحظ أنه لا يوجد فعل ولا حرف جر ولا حرف عطف ولا اسم موصول ولا اسم إشارة ولا ظرف زمان ولا ظرف مكان وهي عبارة سلسة لا تحتاج إلى فواصل وتفيد معنى عميقاً ومشوقاً إلى ما بعده

فذكر الرحمة وذكر النبي بوصف العبودية كدلالة على أن الله عز وجل كلما كنت له عبداً كما ينبغي كام بك أرحم وكان ذلك مفتاح الكرامات والآيات

أعلم أخي المسلم أنك إذا قرأتها دائماً تحس بشيء عجيب ولا تدري ما سببه ، السبب أنك تقرأ جملة لا تشبه الجمل المعتادة أبداً ويعجز عنها كافة البلغاء

العرب قديماً كانوا بسليقتهم يدركون ما في هذه الآية ولكن اليوم يحتاج الأمر إلى شرح كالذي تقدم

وخذ مثالاً أيضاً الحروف المقطعة

الألف واللام والميم

لماذا هذا الترتيب وبهذا الانتظام ؟

الحروف التي ينطقها البشر إما أن تخرج من الحلق كالألف والحاء والهاء والعين والخاء

وإما أن تخرج من اللسان كاللام والضاد والصاد والطاء والظاء والجيم وغيرها ، وقولي تخرج من اللسان يعني يكون للسان حركة مؤثرة في خروجها

وإما أن تخرج من الشفتين كالباء والميم

فلنعد إلى (الم ) التي في القرآن

الألف من حروف الحلق ، واللام من حروف اللسان والميم من حروف الشفتين

وهكذا ترتيبها في الجسد من الأدنى إلى الأعلى !

فكأنك تدرب نفسك على الكلام بأن تنطق حرفاً من كل مخرج

وقد ذكر ابن القيم أن ما من فيه فيها (الم ) إلا وتذكر أمر البداية وأمر الأنبياء وهو الوسط وأمر الآخرة

نعم ( الم ) بداية وغاية ونهاية

والألف هو الحرف الأول من اسم أبينا ( آدم ) أول الأنبياء والميم هو الحرف الأول من اسم خاتم الأنبياء محمد واللام هو الحرف المشترك بين اسم الله واسم الملائكة واسم الرسل ، والملائكة هي الوصل بين الله وملائكته

هل قلت ( وصل ) ؟

حرف اللام من جديد ! وهو الحرف الأخير من كلمة ( تنزيل )

وتأمل ( حم ) الحاء من حروف الحلق والميم من حروف الشفتين وبقية الحروف بينهما

ومن حذق العربية أنهم اختاروا للتعبير عن تعلق القلب بشيء ما كلمة ( حب )

فالحاء من حروف الحلق والباء من حروف الشفتين كإشارة في هذه اللغة الحية إلى استغراق الذات في مثل هذه العلاقة وأن المحبة تبدأ من الباطن وتظهر على الجوارح وللشفتين في المحبة حال خاصة وهذا بحث آخر ليس فيما نحن فيه

وعوداً على الحاء والميم ، الحاء الحرف الأول في كلمة ( حياة ) والميم الحرف الأول في كلمة ( مصير ) و ( مآل )

وذكر ابن القيم أنه ما من سورة افتتحت بالحاء والميم إلا وقد ذكر أمر البداية وأمر النهاية

وقد تكلم ابن القيم بكلام بديع على الحروف المقطعة في كتابه بدائع الفوائد ولا يعني هذا أن هذا هو المعنى الوحيد لها بل لها معان ودلالات أخرى منها ما ذكره السلف في تفاسيرهم ولا يناقض ما ذكرنا ما ذكره السلف

غير أن حكمة الله أن أودع في كتابه أسراراً جعل نبيه يسكت عن بيانها وكذلك أصحابه مكتفين بظاهر البراهين على أنه كلام الله

حتى إذا جاء أناس فيهم كثافة ذهن _ يعني بلادة _ استخرج لهم من علوم الكتاب ما يناسب كثافة أذهانهم أو ضعف إحساسهم

والأمي لا يحسن تهجئة الحروف فيقول ( ما ) ولا يقول ( ميم ) ويقول ( لا ) ولا يقول ( لام ) لأن هذه لغة خاصة بمن يتعلم القراءة والكتابة وحال النبي في هذا الباب معروفة

هذه لفتة يسيرة أرجو أن تحوز على إعجابكم