لقد كانت غزوات الرسول ﷺ هى السياق الذى نزلت فيه آيات القرآن الخاصة بالقتال، و بدون هذا السياق لا يمكن فهم معنى الجهاد و غايته، و لذلك فنحن بصدد شرح الغايات التى قامت عليها غزوات الرسول حتى نفهم معنى الجهاد و غاياته..!
ففى غزوة بدر كانت الغاية بادىء اﻷمر هى استرداد أموال المسلمين التى نهبت فى مكة عن طريق اﻹستيلاء على قافلة أبو سفيان.. فلما نجت العير و أبى المشركون الا القتال، و نزلوا بجيوشهم ديار بدر، صارت غاية القتال هى دفع العدوان..
و فى قينقاع، انكشفت سوأة المرأة المسلمة و قتل اليهود المسلم الذى دافع عنها، ففرض الرسول ﷺ الحصار على بنى قينقاع؛ حتى أجلاهم عن المدينة.. فكان ذلك ردا لعدوان اليهود على أعراض المسلمين و دماءهم..
و فى "أحد" قامت قريش بعقد اﻷحلاف و استكملت عدتها و خرجت فى ثلاثة ألاف مقاتل، لتنتقم لقتلاها فى بدر، فتجهز النبى و خرج لملاقاتهم عند جبل أحد، للدفاع عن المدينة و الدفاع عن الدعوة التى أراد رؤوس الكفر وأدها!
و بعد هزيمة المسلمين فى أحد، طمع أعراب البدو فى المسلمين، و تجهزوا للعدوان عليهم، فأرسل اليهم النبى سراياه ليباغتهم فى أرضهم قبل أن يباغتوه، و من تلك السرايا سرية أبى سلمة على رأس مائة و خمسون رجلا لملاقاة بنى أسد الذين خططوا لغزو المدينة..
و تعرض الدعاة المسلمون للغدر من قبائل عضل و القارة الذين استصرخوا فبيلة هذيل على هؤلاء الدعاة فقاتلوهم و استشهد الدعاة دفاعا عن أنفسهم.. و طلب أبو براء بن عامر من النبى أن يرسل وفدا من الدعاة ينشرون اﻹسلام بين قبائل نجد، فهجمت عليهم قبائل: رعل و ذكوان و القارة فقتلوا هؤلاء الداعاة الوادعين!
و تمهيدا للدعوة و تهيئة المناخ لها، قام النبى بتأديب هؤلا اﻷعراب الغادرين، و خرج يجول بجيشه فى فيافى نجد فيلقى الرعب فى قلوب هؤلاء البدو القساة، فلا يجرؤوا أن يمنعوا الدعاة الى الله مرة أخرى..
و تجمعت اﻷحزاب على دار اﻹسلام فى المدينة فتحصن المسلمون بها و حفروا الخندق ليمنعوا اﻷحزاب من غزوها، فكان ذلك دفاعا عن دولتهم و دعوتهم فى آن واحد..
و نقضت قريظة العهد المبرم بينها و بين المسلمين، و عرضت أهل الدعوة لﻹبادة و القتل بإعانتهم الكافرين، فكان قتالهم و قتلهم عذابا من الله بأيدى المسلمين، و دفاعا عن اﻹسلام الذى عاداه اليهود من أول يوم دون وفاء لعهد أو عقد..
و لازالت عداوة اليهود و مكرهم باقية، فقد تجمعوا فى خيبر و شرعوا يتحالفون من غطفان و أعرابها القاطنين حولها ليؤلفوا ضد اﻹسلام جبهة جديدة فكان ما كان فى غزوة خيبر..
و بعد الحديبية أرسل الرسول ﷺ رسله الى الملوك و اﻷمراء يدعوهم الى اﻹسلام بالتى هى أحسن، فلم يقاتلهم عندما رفضوا دعوته. لكن كانت خسة أمير بصرى و قتله لرسول رسول الله و منعه من أداء دعوته؛ دافعا لغزوهم فى ديارهم فى مؤته.. و اعقبتها غزوة ذات السلاسل..
و قامت قريش بنقض صلح الحديبية و عاونت بنى بكر على قتل خزاعة - حلفاء المسلمين - فكان فتح مكة العظيم..!
بعد فتح مكة أجتمعت قبائل هوازن و ثقيف على مالك بن عوف لقتال المسلمون، و كانت لهم الدائرة فى بادىء اﻷمر، ثم استأصلهم المسلمون نهاية المعركة و غنموا أموالهم و نعمهم و نسائهم، وتلك هى غزوة حنين التى أرادت - من خلالها - تلك القبائل أن تبقى على ما بقى من الوثنية بوأد الدعوة.. و لنفس السبب كان حصار الطائف..
بعد قتل الدعاة فى الشام، و بعد ترامى للنبى أنباء عن اعداد كنيسة الروم و ملكها المكائد لقتال المسلمين و وأد دعوتهم، فالكنيسة تريد أن تنفرد بدينها و شركها، دون عقيدة التوحيد، و ملك الروم يريد أن يحفظ ملكه المرتبط بالكنيسة و شركها، فكانت غزوة تبوك، و سمى جيش المسلمين: بجيش العسرة، فجبن الروم عن القتال، و عقد الرسول ﷺ مع العهود مع القبائل المتنصرة هناك، فلم يكن القتال غاية فى ذاتها!
كان فروة بن عمرو الجذامى واليا من قبل الروم على "معان" و ما حولها فإعتنق اﻹسلام، فغضب الرومان فقاموا بحملة على فروة و ألقوه فى السجن حتى قتلوه حتى يرهبوا غيره أن يفكر مجرد تفكير فى الدخول فى اﻹسلام!!.. فأعد الرسول ﷺ جيشا عظيما و أمر عليه: أسامة بن زيد؛ لغزو الروم.. و لكن النبى ﷺ بلغ الرفيق اﻷعلى حين شرع أسامة بالتحرك بالجيش..
من تلك الغزوات يتضح أن السلام هو اﻷصل فى اﻹسلام، فهو مبدأ عمقه اﻹسلام فى نفوس المسلمين، و أن الحرب لا تكون الا فى حالتين:
- الحالة اﻷول: هى الدفاع عن النفس و العرض و المال، و الوطن عند اﻹعتداء..
- الحالة الثانية: هى حالة الدفاع عن الدعوة الى الله اذا وقف أحد فى سبيلها بتعذيب من آمن بها، أو بصد من أراد الدخول فيها، أو بمنع الداعى من تبليغها..
و هذا هو معنى الجهاد و غايته طبقا لغزوات الرسول..
Bookmarks