هل يُقدم النقل على العقل؟
لا تُمكن الإجابة عن هذا السؤال إلا بعد التفريق بين ثلاثة أشياء:
1- مُخالفة العقل: والمقصود به ما يُحيل العقلُ قبوله كالقول بأن الجزء أكبر من الكل، أو القول بأن الواحد يُمكن أن يكون في مكانين مختلفين في وقت واحد....إلخ فهذه الأحكام متفق عليها بين كل العقلاء ولا تتغير بتغير الزمان والمكان.
2 - مُخالفة العادة: والعادة هي خبرات الإنسان المتحصلة له؛ فلو قلت مثلًا لرجل في العصور السابقة إن بإمكانك أن تمسك لوحة بلاستيكية تُكلم وترى من خلالها من هم في أقصى الأرض؛ فإنه سيعد كلامك ضربًا من الخيال؛ فهل هذا لأنه يُخالف العقل؟ لا وأكبر دليل على عدم مخالفته للعقل هو أنه تحقق بعد ذلك، ولو كان مخالفًا للعقل لما تحقق أبدًا، وإنما تعجبه كان لأن هذا الكلام يُخالف عادته.
فالعادة إذن تتغير بتغير الزمان والمكان.
3 - مخالفة الرأي: وهي وجهة نظر الإنسان ولكنه لا يحكم على المخالف بعدم العقل، كمسألة تعدد الزوجات؛ فمن عقلاء الناس من يقبلونها، ومنهم من يرفضونها؛ فالأمر مجرد رأي.
فإن تقرر هذا نقول:
1 - يُقدم الدين على العادة؛ فمن ثم يؤمن المرء بالغيب المخالف لعادته إن ثبت من طريق صحيح، كما آمن المؤمنون قديمًا برحلة الإسراء والمعراج، وأظن أنه لو كانت هذه الرحلة الآن لما تعجبوا بنفس هذه الدرجة، وذلك للتقدم الهائل في وسائل المواصلات الذي يُسهل عليك تصور شيء كهذا، وهذا دليل على تغير العادة وعدم ثباتها.
2 - يُقدم الدين على الرأي؛ لأن هناك مليون رأي، وكل يرى صواب رأيه، وهذه قمة العقلانية؛ لأن العاقل يترك رأيه إن رآه مخالفًا لرأي كبار المتخصصين، فكيف لو رآه مخالفًا للخالق عز وجل؟
3 - أما العقل بالمفهوم المبين أعلاه؛ فإن الدين لا يُقدم عليه؛ لأنه لا يمكن أن يخالفه أصلًا، بل لو فُرض أنه وُجد حديث مثلًا يُخالف العقل في ظاهره، ولم يُمكن تأويله بما يتفق مع العقل فإن هذا يدل على بطلان الحديث:
قال الخطيب البغدادي: "وَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي مُنَافَاةِ حُكْمِ الْعَقْلِ"
وقال ابن الجوزي: "فَكل حَدِيث رَأَيْته يُخَالف الْمَعْقُول....، فَاعْلَم أَنه مَوْضُوع "
فالخلاصة:
- أن عبارة:"تقديم النقل على العقل" عبارة صحيحة إن كان المقصود بالعقل هنا يشمل العادة والرأي، أما إن كان المقصود بها الأحكام العقلية القطعية التي لا خلاف عليها فلا يُمكن أن تكون مؤخرة، بل العقل مناط التكليف، وتكليف المجنون أيسر من تكليف العاقل بما يُخالف العقل!
محمد العبادى
https://www.facebook.com/profile.php...671033&fref=ts
Bookmarks