بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العليم الحكيم ، و أفضل الصّلاة و أتمّ التّسليم ، على الرسول الأمين الكريم ، و بعد ،،،
انطلاقا من تجربتي البسيطة المتواضعة في الحوار مع اللادينيين خاصّة الملحدين منهم ، أودّ تقديم هذه النصائح العامة إلى إخوتي المسلمين المهتمّين بمحاورة الملحدين و اللادينيين . و في بادئ البدأ لا يُشترط كثيرا في من يتصدّى للحوار مع الملحدين أن يكون ذا علم غزير بالعلوم الشرعيّة ؛ إذ الحوار لن يكون في فقهيات دينية أو ماشابه ذلك .. لكن يُشترط أن يكون المسلم عارفا على الأقل بالسبب الذي جعله مقتنعا بالإسلام ؛ لأن الحوار سيكون حول ذلك في الغالب . و من ثمّ معرفة عامة بما يتوجّب على كلّ مسلم معرفته ممّا هو معلوم من الدين بالضرورة .. كما أنّ التفكير المنطقي مهم جدا في حوارات من هذا النوع ؛ لأن الاعتماد في الغالب سيكون على العقل أكثر من النقل ؛ كون الطرف الآخر لا يقرّ بالنقل . فإن كان الطرف المسلم يرى أنه لا يمتلك التفكر المنطقي الكافي فيجب أن يملأ ذلك الفراغ بالقراءات العلميّة التي لها علاقة بنشأة الكون و تنوّع الكائنات الحيّة و غير ذلك .
ثمّ بعد ذلك ، لنا أن نتّبع الخطوات الآتية :
أولا : اطلب من الطرف الآخر أن يعرّف بنفسه من خلال بيان أيدلوجيّته . و حينها سيقول لك بأنه ربوبي أو لا أدري أو ملحد .. و بتعريف الملحد نفسه بكونه ملحد ، تكون وضعت الأساس الصحيح للحوار . فتستطيع ببساطة أن تقول له : مالذي جعلك تختار أن تكون ملحدا ؟ في حين كان من الممكن أن تكون لا أدريا أو تكون ربوبيّا ؟ و إن كانت عندك مشكلة مع الإسلام ، مع الذي جعلك تختار أن تكون ملحدا ، و لم تبحث عن دين آخر صحيح ؟ و حينها ستجد الملحد يحاول تبرير موقفه ، فيتحوّل إلى مدافع و أنت هنا المهاجم . و لا أسهل من أن تكون السائل و الآخر هو المجيب.
ثانيا : سيصرّ الملحد أن يكون هو المهاجم و يكون المسلم هو المدافع ! و لهذا سيبدأ بطرح أسئلة استنكارية و في بعض الأحيان استفزازيّة حول الإسلام و القرآن و الرسول صلى الله عليه و آله و سلم . و هنا تظهر خبرة المتحاور المسلم ، فقد ينجرّ متحمّسا للدفاع و دحض تلك الشبهات و توضيح الإستشكلات ، و لكن و للأسف إذا دخل في هذا الطريق غالبا سيجد نفسه واقعا في دواّمة لا يستطيع المسلم الخروج منها ! و ذلك أن الملحد سيظلّ يقفز من سؤال لسؤال ، و المؤمن يلاحقه في القفز من جواب إلى جواب دون الوصول إلى نتيجة .. و عليه ،، لا يتمّ الدخول في قضيّة في داخل الدين الإسلامي إلا إذا كان الحوار في أصله حول تلك القضيّة دون سواها .
ثالثا : يجب أن يكون واضحا لكلّ مسلم أن الإسلام متمثّل في شهادتين لا ثالث لهما : الأولى : شهادة أنّه لا إله إلا الله . و الثانية : شهادة أنّ محمّدا رسول الله . و كلّ العقائد و التشريعات و الأخلاق الإسلامية هي فرع من الشهادة الثانية . و الشهادة الثانية فرع من الشهادة الأولى . فإذا جاءك ملحد يحاورك في عقيدة ما ، فقل له أن تلك العقيدة متفرّعة من الاعتقاد بأن محمد رسول الله . فلولا الاعتقاد بأن محمدا رسول الله لما اعتقدنا أن تلك العقيدة صيحة ، فهو من أخبرنا أنّها صحيحة . و إذا جاءك الملحد يحاورك في تشريع ما ، فقل له أن ذلك التشريع منصوص عليه بآية قرآنية . و القرآن فرع من الاعتقاد بأن محمد رسول الله . فلولا اعتقادنا أن محمدا رسول الله ، لما اعتقدنا أن الكتاب الذي أتى به هو من عند الله . فناقشنا في الأصل و دع الفروع . فطالبه بإبطال الأصل لتبطل جميع الفروع . و عليه ، فكلّ ملحد يريد الحوار في الإسلام يجب أن يختار الشهادة التي يرى أنّها غير صحيحة . إما أن يختار شهادة أن لا إله إلا الله أو يختار شهادة أن محمدا رسول الله .
رابعا : إذا اختار الملحد شهادة أنّ محمدا رسول الله و طلب دليلا عليها . فيجب إلزامه بأنّه لا يحقّ له الحوار في هذه الشهادة ؛ لأنه لا يؤمن بوجود الله أصلا ! فشهادة أن محمدا رسول الله متفرّعة من الشهادة بأن هناك إله واحد لا إله إلا هو و هو الله .. و هذا الإله أرسل رسلا من ضمنهم محمد .. فلكي تعترض على كون محمد واحدا منهم ، يجب أن تكون مقرّا بوجود ذلك الإله و بوجود رسل قبل محمد ، فتكون مشكلتك الوحيدة هو في كون محمد من المرسلين أو ليس منهم . و كلّ هذا غير متوفّر في الملحد . فمنطقيا لا ينبغي الحوار في هذه الشهادة إلا مع الربوبيين أو اللا أدرين أو أصحاب الأديان الأخرى كالمسيحين أو القاديانيين أو البهائيين غيرهم . و بالتالي لا يبقى أمام الملحد خيار إلا أن يحاور في الشهادة الأولى و هي شهادة أنه لا إله إلا الله .
خامسا : إذا اقتنع الملحد أن الإسلام في أصله مبني على شهادة التوحيد و أنه يجب هدمها لهدم الإسلام . فحينها يجب سؤاله كالتالي : ما مشكلتك بالضبط أيها الملحد ؟ اختر أحد الخيارات الأربعة ! هل تعتقد بأنّ شهادة الإسلام غير صحيحة ؛ لأن هناك أكثر من إله و الإسلام يقول بأن الإله واحد ؟ أم أنّك تعتقد بأن الإله واحد و لكن ليس الله ؟ أم أنّك تعتقد بأن الإله الواحد هو الله و لكن ليس بالأسماء و الصفات الموجودة في الإسلام ؟ أم أنّك تعتقد بأن لا إله أصلا ، فضلا على أن يكون واحد فضلا على أن يكون ذلك الواحد هو الله ؟ هذا السؤال المفصلي الذي يجعل الحوار مع الملحد في الطريق الصحيح فمتى ما وصل إليه المسلم ، فإنّه بهذا قد جعل حواره مثمرا له و للآخر و للمتابعين له . أما إذا عجز المسلم عن إلزام الملحد بأن يختار ما يعتقده من الخيارات الأربعة ، فإنّ الحوار لن يجني ثمارا تذكر .. و إن وُجدت ثمار فهي تكون بإزالة شبهة معيّنة من الشبهات التي تعشعش في رأس الملحد دون إزالة أصل المشكلة .
سادسا : معظم الملحدين سيمتنعون عن اختيار خيار من الخيارات الأربعة ، بحجّة أنّه لا يدري إن كان هناك إله أو لا ، و إن وُجد فهو لا يدري إن كان واحدا أو ثلاثة أو عشرة ، و إن كان واحدا فهو لا يدري إن كان هو إله الإسلام أو إله المسيحية أو إله البوذية أو إله الهندوسيّة ! و عليه سيطلب من المؤمن أن يثبت له بأن هناك إله ، ثم يثبت له أن الإله واحد و ليس أكثر ، ثمّ يثبت له أن هذا الواحد هو إله الإسلام و ليس إله المسيحيّة أو غيرها من الأديان . و إن استطعت أيها المسلم إثبات كلّ ذلك سوف يطالبك بإثبات بأن إله الإسلام الذي هو الإله الحقيقي قد أرسل محمدا فعلا . و إن كان قد أرسله ، فسيطالبك بإثبات أن القرآن الذي بين يدينا هو نفسه القرآن الذي أتى به الرسول ، و لم يتعرّض للتحريف . و إن أثبت ذلك ، سيطالبك بإثبات أنه صالح لكل زمان و مكان . ثم بعد ذلك ، يفتح ملف السنّة النبويّة و إثبات حجيّتها و وصولها إلينا بلا تحريف . فمن الواضح أن الطريق طويل ... و عليه ، فلا يظنّ المسلم أن الحوار مع الملحد ينتهي بجرّة قلم ، خاصة إذا كان ملحدا ينطلق من منطلقات فلسفية عميقة ، فحينها سيأخذ الطريق المراحل التي ذكرتها . و هنا المسلم أمامه خيارين ، إما أن يبدأ بالخطوة الأولى و هو إثبات وجود إله . أو يأخذ بالخيار الثاني و هو إلزام الملحد باختيار أحد الخيارات الأربعة ؛ لأنّه في بداية الحوار كان قد عرّف نفسه من خلال النقطة ( أولا ) . فسيحاول المحلد أن يتحوّل إلى لا أدري ، في حين أنه عرّف نفسه في البداية أنّه ملحد ، و بهذا وقع في فخ التناقض و ينتهي الحوار . فمن لا يفهم ما يعتقده ليس مؤهلا أن يفهم ما يعتقده الآخرون .
سابعا : إذا اختار الملحد الخيار الرابع القائل بأنه لا إله أصلا ! فهو بهذا لم يتناقض مع نفسه و بالتالي يمكن متابعة الحوار معه . و الإشكاليّة الكبرى هو أنّه سيطالب المؤمن بأن يأتي بالدليل على وجود الله . و أدلّة وجود الله الأساسيّة لن تخرج عن ثلاثة : الأول : مبدأ العليّة و السببيّة التي تنتهي بعلّة أولى . الثاني : مبدأ النظم و التصميم التي توجب وجود مصمّم . الثالث : مبدأ الغائية التي تلزم وجود هدف من الحياة و العالم و لن يكون ذلك إلا بوجود خالق حكيم . و للمسلم أن يختار الدليل المفضّل لديه من الأدلّة الثلاثة و يخوض فيه . لكنّي أنصح كل المسلمين المتحاورين ، قبل البدء في طرح الأدلة ، يجب الاتفاق مع الملحد أنّ مجرّد الاعتقاد بعدم وجود خالق هو نفسه ادعاء يحتاج إلى دليل . و هذا ما يرفضه معظم الملحدين إلى يومنا هذا ، و يصرّون أن الإلحاد لا يحتاج إلى دليل و أن الإيمان هو فقط يحتاج إلى دليل . و هذا كلام خاطئ . فالإلحاد يحتاج إلى دليل و الإيمان يحتاج إلى دليل . و الذي لا يحتاج إلى دليل هو " اللا أدرية " .. فالأفضل إلزام الملحد بأن إلحاده بلا دليل ، فهذا أولى من إثبات أن إيماننا جاء بدليل .. فافتقار الملحد إلى الدليل ، يجيز لنا الإيمان بلا دليل أصلا .. فإما هو يأتي بأدلته و نحن حينها نأتي بأدلتنا ، أو أنّه لا يطالبنا بدليل يوم أنّه ألحد بلا دليل .. و بهذا ستجد نفسك أوصلت الملحد إلى برّ الأمان ، و أثبت له أن كلّ تلك الغطرسة التي يتوهّمها من عقل و ذكاء و علم ، لا تقف دقيقة أمام مؤمن مسلم مدرك لحقيقة إيمانه و إسلامه .
و في الختام ،،، يجب أن يكون واضحا لكل المسلمين ، أنّه ليس كلّ الملحدين يحاورون من أجل الوصول إلى الحق .. بل كثير منهم يهدف إلى الطعن في الدين أو الذات الإلهيّة .. و هؤلاء سيتمّ كشفهم من الخطوة الأولى ، إذا تمّ السير وفق الخطوات التي ذكرتها آنفا ...
و أدعو المولى الكريم أن يهدي الجميع إلى الحق و إلى سواء السبيل . إنّه نعم المولى و نعم النصير ...
)( .... بقلم أبو عمر النفيس ... )(
Bookmarks