النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: المعنى الحقيقي للعبادة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2013
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    473
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي المعنى الحقيقي للعبادة

    المعنى الحقيقي للعبادة


    يقول تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
    لفظ العبادة عرفه العلماء بأنه :
    ( اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال سواء أقوال أو أعمال ظاهرة كانت أو باطنة )
    والعبادة ليس هي مجرد تأدية الشعائر الدينية أو تنفيذ الأوامر الإلهية والامتناع عن ارتكاب المعاصي والآثام المنهي عنها , صحيح إن القيام بكل هذه الأعمال ضروري من أجل تحقيق العبادة ولكنها ليست هي العبادة , إنما هي مجرد وسائل لتحقيق العبادة

    فما هي العبادة إذاً ؟؟
    يقول مُعجم لسان العرب : معنى العبادة في اللغة : الطاعة مع الخضوع ومنه طريق معبّد إذا كان مذللاً بكثرة الوطء , وقال ابن الأنباري فلان عابد وهو الخاضع لربه المستسلم المنقاد لأمره , والعبد هو المملوك لغيره الذي لا يملك من أمر نفسه شيئاً - كهذا العبد (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) , ومن المعلوم أن الإنسان قد يملك إنسان مثله فيكون عبداً له , ولكن الإنسان أيضاً قد يملك داراً يسكن فيه , وقد يملك سيارة ينتقل بها , وقد يملك أرضا يزرعها , وقد يملك أموالاً يستثمرها , وقد يملك كلباً يحرسه , وقد يملك حيوان أليف يعتني به , ولكن لا يُسمي شيئاً مما يملكه ( عبد ) اللهم إلا إذا كان بشر مثله , ومن هنا نستنتج أن كلمة عبد لا تُطلق إلا على كائن يتشابه في صفاته مع مالك هذا العبد , أي كان هناك صفات مشتركة ( بصرف النظر عن كم وكيف هذه الصفات ) بين السيد وعبده , وبصرف النظر عن قدرات وطاقة كل منهما , وعلى هذا تكون العبادة هي الفعل أو الأفعال التي يفعلها العبد ليتقارب أو يتشابه بها مع سيده , أي أن العبادة هي محاولة الاتصاف بالصفات التي يتصف بها السيد حتى يتم تحقيق التشابه بينهما , مع وجود القدر الفارق بين العبد والمعبود من حيث الكم والكيف , أي على الإنسان أن يسعى قدر طاقته وفي حدود بشريته كي يتصف بالصفات التي يتصف بها الله سبحانه وتعالى , أو يتخلق بأخلاق الله والتي تخلق بها الرسول ونحن نتأسى به , ولهذا فقد لخص رسول الله كل مهمته كرسول للإنسانية في جملة واحدة حيث قال (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)

    ومعنى في حدود بشريته :
    أي الإله إله والبشر بشر , البشر مهما يتشبه بالله فو لا يتعدى كونه بشر مادي , فالله سبحانه وتعالى يتصف من الصفات ما لا ينبغي أن يتصف بها البشر , والعكس صحيح , فالاتصاف أو التعبد أو التشبه أو التخلق لا تُؤخذ هذه الألفاظ على إطلاقها , وإلا :
    1- فلو بالغنا في نفي التماثل بين صفات الذات الإلهية والذات البشرية وقعنا في نفي كل أو بعض الصفات البشرية عن الله كالجهمية والمعتزلة وغيرهم , وفي ذلك نفي وتعطيل لصفات الله الثابتة شرعاً مما يؤدي هذا النفي المُبالغ فيه إلى جعل الله عدماً أو مساوياً للبشر والعياذ بالله
    2- ولو بالغنا في إثبات التماثل بين صفات الذات الإلهية والذات البشرية وقعنا في إثبات كل أو بعض الصفات الإلهية ل البشر كالفلاسفة والصوفية وغيرهم , وفي ذلك إثبات لصفات البشر كصفات الله مما يؤدي هذا الإثبات المُبالغ فيه إلى جعل البشر إله أو مساوياً لله والعياذ بالله ( أي تأليه للبشر )
    والمبالغة في كلا الحالتين مرفوض - فلكل مقال مقام , العبد عبد والإله إله


    ولا شك أن الإنسان الكامل الذي وصل إلى أعلى درجات العبادة وبلغ أسمى مقامات العبودية كان سيدنا رسول الله ولذلك كرمه الله تعالى إذ جعل أول أركان الإسلام الخمس أن يقر الإنسان بتوحيد الله تعالى بقوله ( أشهد أن لا إله إلا الله ) ويتبع ذلك بأن يقر ويشهد بعبودية ورسالة الله بقوله ( وأشهد أن محمد عبده ورسوله ) , لكن كيف وصل رسول الله لهذا المقام الرفيع من العبودية , لقد كرمه الله وأدبه بالأخلاق الربانية , ويقول صلى الله عليه وسلم في ذلك (أدبني ربي فأحسن تأديبي) , وبهذا تجلت على النبي الأخلاق الربانية , حتى أن من يراه فكأنما رأى الله , يعني كأنه صلى الله عليه وسلم أصبح كالمرآة التي تظهر فيها الشمس , فإذا كانت المرآة مواجهة للشمس ونظر فيها الإنسان فهو بيرى الشمس , لكن ما يراه الإنسان ليس هو الشمس حقيقة إنما هو ب يرى انعكاس أو تجلي للشمس في المرآة , الشمس لم تغادر مكانها ولم تغير من حجمها إذ يبلغ مليون مرة حجم الأرض , ومع ذلك فهي بتظهر في المرآة الصغيرة , وبنفس الطريقة الأخلاق الإلهية أو الصفات الربانية بتظهر في العبد الكامل وبتتجلى عليه كما تتجلى الشمس أو القمر في المرآة , ومن هنا كان ثناء الله تعالى على صفات عبده الكامل صلى الله عليه وسلم فقال له ( وإنك لعلى خلق عظيم ) , ولذلك ورد إلينا أن جبريل عليه السلام لم يستطع أن يصحب رسول الله لغاية آخر رحلته للقاء الله تعالى في المعراج , إنما قال له ( تقدم أنت يا محمد فلو تقدمت لاخترقت ولو تقدمت أنا لاحترقت ) , وهذا يدل على سمو مقام سيدنا خاتم النبيين فوق مقام الملائكة أجمعين , بسبب ما وصل إليه من خُلق عظيم كما وصفت السيدة عائشة رضي الله عنها أخلاق الرسول فقالت كان خُلقه القرآن , ولا شك أن أساس كل خُلق هو المعرفة الكاملة بالله تعالى في حدود القدرة البشرية والطاقة الإنسانية , والتعلق التام بالله تبارك وتعالى يقتضي إن الإنسان ينسلخ تماما من رفقة هذه الدنيا , وتموت فيه كل الأهواء النفسية فلا يملئ قلبه سوى حب الله سبحانه وتعالى وحب من يُحبه الله تعالى وهو الرسول الكريم والاقتداء به , إذ قال تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) , فعلينا كما أمرنا ربنا أن نتأسى بالإنسان العبد الكامل الذي وصل بخُلقه المحمود أسمى مقامات العبودية

    ولكي نحل الإشكال الذي قد يُولد عند البعض بسبب عبارة التخلق بأخلاق الله والتي حذّر العلماء من استعمالها , يمكن تبديل كلمة الخُلق بكلمة الحمد , وللعلم كلاهما واحد , يعني لو قلت الخُلق لله أو الحمد لله كلاهما صحيح , أفعال الله هي أخلاقه الحميدة صفاته صبغته إذا تجلت وظهرت آثارها في المخلوق تُنسب دائماُ للخالق , لأن الفضل في ظهور آثارها على المخلوق يرجع دائما للخالق صاحب الفضل , والقرآن الكريم بدأ بسورة الفاتحة والتي هي بمثابة جوهر القرآن , بدأت بالإقرار بأن ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) طيب .. مين هوه الله ده اللي بنُقِر إن الحمد له ؟ , أليس هو ( رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * ) ها .. وبعدين ؟ .. ثم نقول بعد ذلك الإقرار ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) إذاً العبادة الحقيقية هي التحمّد بحمد الله , يعني تكون أفعاله كلها قولا وعملا تجسيدا لأفعال الله أي لحمد الله أي لكتاب الله ( القرآن ) , فيُحمد هذا الإنسان الذي أُوتي الكتاب على أفعاله إن كانت تجسيداً للقرآن ( الحمد ) حتى يصير اسمه مُحمد بحمد الله أو محمود بحمد الله أو أحمد الناس بحمد الله , أما إن كانت أفعاله رجس من عمل الشيطان وليست حمد ويُحب أن يُحمد بما لم يفعل فجزائه كجزاء أهل الكتاب الذي قال فيهم رب العزة سبحانه وتعالى ( لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) , فالإنسان أعطاه القدرة على الاتصاف بصفاته أو التعبد بحمده يعني تتجلى على العبد الصفات الربانية , لهذا قيل في التوراة سفر التكوين الإصحاح الأول في العدد 26 قال ( وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ) , وفي العدد 27 قال ( فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا و أنثى خلقهم ) , وهذا تصديق لما قاله رسول الله : خلق الله آدم على صورته , وبهذه الصورة الربانية التي إذا تجلت وظهرت في الإنسان يكون بذلك إنسان رباني , ومش معنى رباني إن الله حلّ فيه أو اتحد بالمخلوق كما ذهب بعض الفلاسفة والصوفية
    هذا هو المعنى الحقيقي للعبودية وهذا هو الغرض من العبادة وهذا هو الغرض من بعثة جميع الأنبياء وهو تحويل الناس إلى ربانيين , يقول تعالى : مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) ومعنى الآية واضح : كونوا ربانيين أي عبادا لله وليس لي
    ومن أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم والتي تبين أن مهمته إتمام مكارم الأخلاق , إذ قال صلي الله عليه وسلم : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق , وقال : إن الله بعثني بتمام مكارم الأخلاق وكمال محاسن الأفعال , وقال : إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً , وقال : إن الله تعالى كريم يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها , وقال : إن الله كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق ويبغض سفسافها , وقال : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا , وقال : بعثت لأتمم صالح الأخلاق , وقال : البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس , وقال : إن أحبكم إلي وأقربكم مني أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مساويكم أخلاقا
    قال ابنُ القيّمِ -رحمه الله-: «...فإنَّه جميلٌ يحبُّ الجمالَ، عفوٌّ يحبُّ أهلَ العفوِ، كريمٌ يحبُّ أهل الكرمِ، عليمٌ يحبُّ أهلَ العلمِ، وترٌ يحبُّ أهلَ الوترِ، قويٌّ والمؤمنُ القويُّ أحبُّ إليه من المؤمنِ الضّعيفِ، صبورٌ يحبُّ الصّابرين، شكورٌ يحبُّ الشّاكرين، وإذا كان سبحانه يحبُّ المتَّصفين بآثارِ صفاتِه، فهو معهم بحسبِ نصيبِهم من هذا الاتِّصافِ، فهذه المعيَّةُ الخاصَّةُ عبّر عنها بقوله: «كُنْتُ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَيَدًا وَمُؤَيِّدًا» »

    فالجمال والعفو والكرم والعلم والوتر والقوة والصبر والشكر والرحمة والرأفة واللطف واللين و .......... الخ , هذه هي أخلاق من الله التي أراد سبحانه وتعالى أن يتخلق بها العبد الحقيقي لله تعالى وكان الرسول كذلك , القرآن كله هو أفعال من أفعال الله التي أراد ممن استخلفه في الأرض أن ينفذها , أو لنقل روح من روح الله التي يؤيد بها عباده المتقين وتحيى بها النفس الحياة الروحية الحقيقية , لاحظ أننا قلنا أفعال الحمد هي روح من روح الله ولم نقل هي روح الله لأن القرآن هو ( جزء من كل ) أي روح من روح , فهذا القرآن هو الجزء الذي يتعلق بالإنسان في الدنيا فقط وليس هو كل روح الله الذي يتعلق بالوجود كله , أو يشمل كل أوامره ونواهيه لجميع مخلوقاته في عالم الغيب والشهادة , وعليه فإن الإنسان مهما وُصف بأنه تخلق بأخلاق الله فلا تتعدى هذه الأخلاق كونها الجزء الذي يتعلق بالإنسان ودوره في الدنيا , وأفعال الله أو أخلاقه أو حمده أو صفاته أو صبغته أو أعماله كلها أوصاف صحيحة في حق الله وهي مطلقة لا حدود لها , وأفعال الله تشمل القول والعمل , والقول هو كلام الله فالقرآن كلامه فعلا والرسول نفّذ كلام الله بالحرف الواحد قولا وعملاً فكان خُلقه القرآن , وإذا كان القرآن هو الخُلق الذي تخلق به الرسول وهو الخُلق العظيم , فهذا قطعاً هو بالضبط ما كان عليه الأنبياء السابقين , إذ كان خُلق كل نبي من الأنبياء على وجه الأرض الوحي فقط الذي أُنزل عليه وأيده به ليهدي به الناس سواء نبي مُشرّع أو مجدد وليس الوحي مطلقاً
    حديث آخر : ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال "جَعَلَ اللهُ سُبحانَهُ مكارمَ الأخلاقِ صِلةً بينه وبين عبادِهِ فحسب أَحدِكُم أَن يتمسّكَ بخُلق مُتَّصل باللهِ"
    وبعبارة اُخرى: أنّ الباري تعالى هو المعلم المربي الأكبر للأخلاق ، فهو مربّي النّفوس ، ومصدر لكلّ الفضائل ، والقرب منه تعالى لا يتمّ إلاّ بالتّحلي بالأخلاق الإلهيّة , وعلى هذا نرى أنّ كلّ فضيلة يتحلى بها الإنسان ، تؤدي إلى تعميق العلاقة بينه وبين ربّه ، وتقربه من الذّات المقدّسة أكثر فأكثر .

    علاقة الخلافة بالعبادة :
    يقول تعالى : وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) , لا يكون الإنسان خليفة الله في الأرض إلا إذا كان عبداً لله تعالى يسبح أي ينزه الله بحمده أي أن العبادة من لزوم الخلافة , وخلافة الإنسان خلافة نسبية وليس مطلقة لأنه مخلوق بمعنى أنه يستطيع أن ينفذ فقط ما كلفه الله به في كتابه ( في حدود بشريته وفي حدود عالمه المادي الذي يعيش فيه ) ولا يستطيع غير ذلك , ومن كمال الخالق أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها لأنه الخبير بمخلوقاته ومدى قدرة كل مخلوق على تنفيذ ما يكلفه به , والإنسان فقط هو المخلوق الوحيد الذي خلقه الله في أحسن تقويم وسوى بنيته النفسية والجسدية بالصورة التي تمكنه من تنفيذ أمر الله , إذن الإنسان نفسه في وسعه واستطاعته تنفيذ فقط ما كلفه الله به في هذا العالم المادي , فالله تعالى لم يمنح الإنسان القدرة على فعل شيء خارج حدود بشريته المادية ( فوق طاقته ) أو خارج حدود عالمه المادي ( الذي يعيش فيه ) , فالإنسان مجرد مخلوق ضعيف لا يتعدى كونه دابة من بين الدواب التي تدب في الأرض , وما هي الأرض؟ , أليس هي مجرد كوكب صغير جدا لا يتعدى كونه حبة رمل في صحراء العالم المادي؟؟ - ومن يفهم من معنى العبادة الذي قدمناه بأن خلافة الإنسان تكون مطلقة في كل شيء فهو على باطل , هناك قدر فارق وقدر مشترك , للإنسان صفات - الله منزه عن الاتصاف بها , ولله صفات - البشر لا يرقى لأن يتصف بها , لكل مقال مقام
    وصفات الذات أياً كانت الذات ( ذات الله / ذات المَلَك / ذات البشر ) , هي بمثابة خصائص النفس سواء الإلهية أو الملائكية أو البشرية , والقسم العاقل في النفس ( أي العقل ) هو الذي يستخدم خاصية ما من هذه الخصائص ( كالرحمة والعفو والمغفرة والعدل و ........... الخ ) لموقف ما أو لحدث ما كيفما يشاء
    وللتقريب :
    كما أن من صفات الذات الإلهية الحكم فهو يحكم بها بين الناس في حدود قدرته الإلهية المطلقة
    أيضا من صفات الذات البشرية الحكم يمكن أن يحكم بها بين الناس في حدود قدرته البشرية النسبية
    و
    كما أن من صفات الذات الإلهية العدل فهو يعدل بها بين الناس في حدود قدرته الإلهية المطلقة
    أيضا من صفات الذات البشرية العدل يمكن أن يعدل بها بين الناس في حدود قدرته البشرية النسبية
    و
    كما أن من صفات الذات الإلهية الرحمة فهو يرحم بها الناس في حدود قدرته الإلهية المطلقة
    أيضا من صفات الذات البشرية الرحمة يمكن أن يرحم بها الناس في حدود قدرته البشرية النسبية
    و
    كما أن من صفات الذات الإلهية العفو فهو يعفو بها عن الناس في حدود قدرته الإلهية المطلقة
    أيضا من صفات الذات البشرية العفو يمكن أن يعفو بها بين الناس في حدود قدرته البشرية النسبية
    وهكذا في باقي صفات الحمد الإلهية كالكرم والمغفرة والسمع والبصر والعلم والكلام و ............. الخ - 99 صفة اشتُقت منها 99 اسماً - فالصفات الإلهية لا تنحصر في 99 فقط بل لا يعلم عددها إلا الله ولا نعلم من أسمائه إلا ما ورد في كتابه وفي سنته - فمثلا صفة الرحمة اشتُق منه اسم ( الرحمن و الرحيم ) , أو صفة المغفرة اشتُق منها اسم فاعل كـ ( غافر ) وصيغة مبالغة كـ ( الغفور و الغفار ) وهكذا كل الصفات , فكما أن الله تعالى ( الذات / النفس الإلهية ) يمتلك هذه الصفات المطلقة , الإنسان أيضاً ( الذات / النفس البشرية ) يمتلك صورة مصغرة نسبية من الأصل في حدود قدرة الإنسان

    وصحيح ليس هناك دليل صريح صحيح منطوقه يدل على أنه ينبغي التخلق بأخلاق الله ، ولكن هناك نصوص قد يفهم منها ذلك والسلف فهموا هذه النصوص على أن التخلق بأخلاق الله ليس على إطلاقه فمن صفات الله ما يجب التخلق به، ومنها ما يحرم التخلق به وهذه هي عين العبادة

    فأرى والله تعالى أعلم أن هذا هو المفهوم الحقيقي للعبادة

    في انتظار تعقيب الأخوة الأفاضل على ذلك؟؟؟
    رسالتي في الحياة
    الدعوة إلى التوحيد الحقيقي
    ( جرأة في االحق - صدق في العرض - محبة في الحوار - إحترام للرأي الآخر )

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2013
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    473
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    وهناك بعض الأسئلة التي قد تثير الشك عند البعض وقد ترد في ذهن البعض - وسبق أن تعرضت لها فعلاً - ومنها :

    أولاً :
    قد يقول قائل : كيف يقول بالتشبه والمخلوق لا يمكن أن يشبه الخالق لا في ذاته ولا في صفاته ولا في كلامه!!
    فنقول : أنا لم أقل بأن المخلوق إذا عبد الخالق حق العبادة يُشبه الخالق بمعنى التساوي مع الخالق في ذاته أو في صفاته أو في كماله أو ................. الخ والعياذ بالله!!!! , الخالق حق واجب مطلق أما المخلوق كائن ممكن نسبي الوجود والصفات , فشتان بين الخالق والمخلوق , فمهما أنعم الخالق عليه بنعمه الروحية فهو مجرد مخلوق ( ملاك كان أو نبي أو غيره ) , ومهما سلك هذا المخلوق ( الإنسان ) صراط الخالق المستقيم الذي أوصله إلى العبادة الحقيقية بالمعنى الذي ذكرته سابقاً , ومهما صار العبد الذي استخلفه الخالق كمرآة تعكس صفات الخالق أي تتجلى وتظهر على العبد صفات الخالق ولكن في حدود القدرة البشرية فمهما كان ذلك لا يعني ولا يمكن أن يكون إله والعياذ بالله !! , لأن الخالق فعلاً ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
    أصل الصفات موجودة في ذات الله ( نفسه ) ولكن تظهر آثارها فقط في المخلوق , أي أن الخالق الغير محدود خلق المخلوق المحدود وأعطاه القدرة على الاتصاف بالصفات الإلهية إذا امتثل لأمر الخالق , أي :
    • كما أن الخالق سبحانه حليم حلم مطلق يليق بكمال ألوهيته , أيضا كان سيدنا إبراهيم عليه السلام عبداً لله فكان حليم أواه , وأيضاً بشره بغلام حليم حلم نسبي في حدود القدرة والطاقة البشرية
    • كما أن الخالق سبحانه حَفِيظٌ عَلِيمٌ حفظ وعلم مطلق يليق بكمال ألوهيته , أيضا كان سيدنا يوسف عليه السلام عبداً لله فكان حفيظ عليم حفظ وعلم نسبي في حدود بشريته على خزائن الأرض ,
    • وكما أن الخالق سبحانه بالعباد رؤوف رحيم رأفة ورحمة مطلقة تليق بكمال ألوهيته , أيضاً كان سيدنا محمد عبداً لله فكان بالمؤمنين رؤوف رحيم رأفة ورحمة نسبية في حدود بشريته ,
    وكما أن الخالق قدوس عزيز غفار حكيم حليم .............. الخ , يمكن لأي مؤمن بطاعته لأمر الله وعدم الحياد عن صراطه المستقيم أن يصل لدرجة ما من العبادة , وهذه الدرجة تتوقف على مدى التزامه وطاعته لمعبوده , بمعنى آخر كلما ازدادت طاعة المخلوق لخالقه كلما ازدادت درجة عبادته بالمعنى الذي تقدم
    إذن لا يعني أبداً مهما وصل المخلوق لمقام رفيع من العبودية كمقام رسول الله أنه أصبح إله والعياذ بالله , وهذا هو ما وقعت فيه المسيحية عندما وصل المسيح عليه السلام لدرجة عبودية عالية , فظنوا أنه إله والعياذ بالله كما ظنت الصوفيه والفلاسفة وغيرهم من وحدة الوجود والحلول والاتحاد وما إلى ذلك من عقائد باطلة
    ================================================== ==========
    ثانياً :
    قد يقول قائل : لا يوجد دليل صحيحاً صريحاً على هذا المفهوم للعبادة كما تقدم في نص الموضوع !!!!!
    القرآن كلام الله وكلام الله مظهر من مظاهر أخلاق الله , وكلام الله هو صبغة الله التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يصطبغ بها الإنسان قولاً وعملا , والإيمان بالله وبكلام الله لا يتحقق إلا إذا وقر في القلب وصدقه العمل , تأمل معي قوله تعالى : ( قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ :
    وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا
    • وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ
    • وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى
    • وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ
    لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)
    فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)

    قولوا آمنا بالله أولاً .. ثم بماذا بما ( أُنْزِلَ أو أُوتِيَ ) على أو إلى الأنبياء عموماً دون تفرقة بينهم , وما هو الذي ( أُنْزِلَ أو أُوتِيَ ) النبيون جميعاً من ربهم - أليس هو كلام الله ( الوحي ) ؟؟ , إذن الإيمان الحقيقي هو الذي يستقر في القلب ويصدقه عمل الجوارح , ( فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم ) , وهذا الإيمان الحقيقي بالله وبكتابه الذي أُنزل على جميع الأنبياء ووقر في قلب المؤمن وصدقه العمل هو صبغة الله التي أراد الخالق أن يصطبغ بها المخلوق , وهل هناك صبغة أحسن من صبغة الله؟؟ , ويؤكد سبحانه وتعالى في نهاية الآية أن هذه الصبغة الإيمانية التي يُصدّقها العمل بما ( أُنْزِلَ أو أُوتِيَ ) على الأنبياء , هي عين العبادة إذ قال تعالى (وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)
    ================================================== ========
    ثالثاً :
    وقد يقول قائل : تقول بالتخلق وخلافة سيدنا داوود عليه السلام خلافة مقيدة بالحكم فقط ولم يتخلق بأخلاق الله !!!!
    فنقول : كيف يحكم إنسان ( ناهيك عن أن يكون نبي كداود ) بين الناس بالحق دون أن يكون خُلقه كلام الله ؟!! , فهو يحكم ويعدل ويرحم ويعفو ويغفر ويهدي و ............ الخ في حدود بشريته , كما أن التخلق أو التعبد أو الاتصاف بأخلاق الله الذي أقصده لا يعنى إطلاق التخلق !! , إذ كيف يتخلق المخلوق المحدود النسبي بأخلاق الغير محدود المطلق ؟!! , لا يقول بذلك عاقل أبداً ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) , نفس الله مطلقة ونفس الإنسان محدودة السعة , وبما أن الله تعالى اصطفى الإنسان وجعله خليفته في الأرض وتحديداً الأنبياء قدوة الناس , لا يعني أن الخلافة المُعيّنة من قبل الله تعالى مطلقة !! , فهي خلافة محدودة بمحدودية المُستخلف , وهذا الاصطفاء يقتضي أن يكون الخليفة عبداً لله على النحو الذي تقدم لكي يُنفذ إرادة الله ومشيئته في الأرض على الوجه الأكمل والذي يليق بكمال الله , فلازم ذلك أن يهدي الخالق مخلوقه ( خليفته / جنده ) فيُنزّل عليه الكتاب لكي يتخلق به النبي ومن تبعه حتى يصل لدرجة العبادة التي خُلق لها , إذ قال تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) , وتختلف درجة العبادة من عبد لآخر باختلاف درجة الطاعة والخضوع لأمر الله
    ================================================== ==
    رابعاً :
    قد يقول قائل : كيف نأخذ بتفسير مغاير للتفاسير التقليدية وإجماع علماء الأمة على معنى العبادة؟ !!!!!
    ليس من حق أي باحث أو ناقد أن يرفض تفسيرا مغايرا لمجرد أنه يختلف عن التفاسير التقليدية الأخرى , فمن أسلوب النقد الصحيح هو ما إذا كان الرأي المُقدم :
    • هل يتفق مع بقية الآيات الكريمة أم لا ؟
    • أو أنه هل يتعارض مع العقل والمنطق أم لا ؟
    • أو أنه هل يشذ عن المعاني اللغوية التي نزل بها القرآن الكريم أم لا ؟
    • أو أنه هل يُخرج النص الشرعي من سياقه أم لا ؟
    أما أن يكون معيار الاعتراض الوحيد هو أن هذا الرأي لم يقل به المفسرون السابقون فهذا ما لا ينبغي أن يكون منهاجا سليما للبحث , ولا يصح أن يكون أساسا صحيحا للنقد
    فالباحث والناقد عليه أن ينتقد بموضوعية الباحث وعقلانية المفكر , أما أن يعترض على الرأي المقدم لا لشيء إلا لأنه لم يقل به أحد من قبل , أو أنه يخالف رأي المسلمين جميعا , وبطبيعة الحال فإن هذا الأسلوب مرفوض وغير مقبول , ولا ينم إلا عن عدم القدرة على الرد وتفنيد الحجة بالحجة , كما أنه يدل على الهروب والاختفاء وراء التمسك بآراء المفسرين الأقدمين وحسب
    الذي يريد الحقيقة عليه أن يضع في اعتباره أن الحقيقة تقتضي الموضوعية , وليس التمسك بأقوال الأقدمين لمجرد أنها أقوال السابقين من المفسرين رحمهم الله , وجزاهم الله خيراً على جهودهم وما قدموه لصالح الإسلام , وجعله الله في ميزان حسناتهم , ولذلك فالناقد والباحث لا ينبغي أن يبني نقده على آراء المفسرين في النص الشرعي , أو يطالب المسلمين بالالتزام بآراء المفسرين البشر كما هي بما فيها من غث وثمين , فهذا لا يدل على البحث السليم أو النقد الصحيح

    والله تعالى أعلى وأعلم
    وفقنا الله جميعاً للحق وهدانا سراطه المستقيم .. آمين
    رسالتي في الحياة
    الدعوة إلى التوحيد الحقيقي
    ( جرأة في االحق - صدق في العرض - محبة في الحوار - إحترام للرأي الآخر )

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء