صفحة 8 من 12 الأولىالأولى ... 678910 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 106 إلى 120 من 177

الموضوع: فى المعجزات وخوارق العادات بين الانكار والاثبات .

  1. #106
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    المشايخ العلمانيون
    الأحد, 23 شوال 1436

    د. أحمد بن فارس السلوم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
    قد يكون من نافلة القول أن نذكِّر بنشأة العلمانية في القرون الوسطى المظلمة في أوروبا، ردةَ فعلٍ على الجَور الذي كانت تُعانيه من رجالات الكنسية المتحالفين مع سلاطين السوء؛ فقد أدى هذا الطغيان إلى النفور من الدين المحرف أصلًا، وإلى الانحراف عن الله عز وجل؛ إذ إن هؤلاء الطواغيت كانوا يوقعون باسمه، ويمنحون الخلق نيابة عنه الجنة، ويعاقبونهم بالنار، فنشأت فكرة العلمانية على أنها المخلص من الظلم والطغيان الذي كانت تعيشه القارة الأوربية.

    وتمخضت الصراعات الأوربية الطاحنة بين الحاكم والمحكوم عن هذا النظام القائم على قصر الدين على العلاقة بين المرء وربه فيما بينه وبين نفسه، دون أن يكون للتعاليم الدينية أي دور في توجيه أنظمة الحياة المختلفة؛ فالعلمانية: هي فصل الدين عن الحياة.

    لقد كانت النصرانية ورجالاتها السبب الرئيس لثورة الأوربيين على نظام الحكم الديني النصراني، ولا غرابة في ذلك؛ لأن النصرانية الحاكمة آنذاك لم تكن دينًا سماويًّا صحيحًا، ولا الإنجيل المعتمد عليه بكتاب سماوي صحيح، بمعنى أنه لم يكن على هيئته يوم نزل من السماء؛ فإن الأهواء البشرية عَبِثت به، واجتالته شياطين الإنس ذات اليمين وذات الشمال.

    لقد كان فساد رجال الدين وتسلطهم على كتابهم تحريفًا وتغييرًا أمرًا قديمًا جدًّا؛ لأنه بدأ بُعَيد رفع المسيح عليه السلام بقليل، وقد قص الله عز وجل علينا في كتابه طرفًا من أحوالهم فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 34].

    وقال عن الطغيان الديني الذي جرهم إلى استعباد الناس: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ﴾ [التوبة: 31].

    ولذلك لم يكن مستغربًا أن يثور الناس على هكذا نظام يحكم، يسترقُّ البشر للبشر، ويستعبد الناس لبعض الأجناس؛ فإن الله عز وجل غرز في طبائع البشر حب الحرية، وجعل ذلك هو الأصل، وفطر خلقه على أن يتوجهوا بالعبادة إليه وحده.

    بقي العالم الإسلامي بعيدًا عن تجاذبات العلمانية، وعن إفسادها للفطرة؛ لأن الداعي لظهورها في أوربا لا يوجد مثله بين المسلمين.

    ولم يعرف العالم الإسلامي العلمانية طيلة قرون العزة والمجد، ولا ما بعدها، ولا حتى في زمن الدولة العثمانية التي ضعف في آخرها الدين، وكثر فيها الوهن، حتى كان منذ قرن تقريبًا، بدأت العلمانية تتردد في شوارع المسلمين على أيدي المحتل الأوربي، الذي سمى نفسه زورًا وبهتانًا بـ: المستعمر، وتلقَّيْنا منه هذه التسمية.

    خرج هذا المستعمر المزعوم مهزومًا عسكريًّا على أيدي مَن جاهد لإعلاء كلمة الله، ولرفع راية الدين، ولكن الغاية مِن جهاد هؤلاء لم تتحقق؛ إذ لم تعد الأمة الإسلامية بعد خروج المستعمر إلى ما كانت عليه قبل دخوله؛ فقد استبدلت بنظام الحياة فيها نظامَ الأوربيين، القائم على العلمانية، ووجد هذا الأمر من النخبة المصنوعة من المستعمر استحسانًا وتزويرًا، مررت به ما تريد على الدَّهماء، ودخلت بذلك العلمانية - من غير سيف أو دم مهراق - إلى العالم الإسلامي.

    وما هو إلا قليل حتى ذهبت الغمرة، وجاءت الفكرة، فعلم الناس ومَن بذل وجاهد، ومَن علم وتعلم، أنهم على شفا جرف هارٍ، وأن جهادهم منقوص، وتحررهم مشوه؛ فتنحية حكم الله عز وجل من الأرض طامة لم تعشها الأمة الإسلامية مِن قبل، وهذا النظام البديل فاسد سيهلك الحرث والنسل.

    لم يكن الذين مكنوا للعلمانية عقلاء ولا مفكرين، ولا أئمة مبرزين، ولم يقدموا مبررات أكثر من أن الغرب أخذ بها، وحسبك أن تأخذ أوربا بأمرٍ كي يكون صحيحًا.

    لقد كانت تنحية شريعة الله عز وجل عن الأرض المسلمة عودة إلى الجاهلية، وانتكاسة في الضلالة، ولكن الأمة لم تشعر بذلك في حينها؛ فقد كانت الفرحة بطرد المحتل الأوربي طاغية، والرغبة بالعصرنة والتجديد جامحة؛ فقاوم هذا المدَّ الجارف ثلةٌ من العلماء الربانيين، وبينوا خطر ذلك، وما فيه من المهالك؛ فديننا ليس بدين مستبد، ولا يرعى الاستبداد، وليس هو بدين كهنوتي يعطي رجاله هالة من القدسية، ومنزلة من التعظيم، بل هو دين شرائعي؛ أي: إنه يمتلك نظامًا ساميًا، ودستورًا سامقًا، يغطي جوانب الحياة كلها، ولا سيما الأنظمة الثلاثة التي يدور عليها صلاح الأمم والشعوب، ويكثر فيها كلام المفكرين والفلاسفة: النظام السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي.

    إلا أن صوتهم لم يُسمع، لا سيما مع تسلط الحكام الذين خلفهم المحتل الأوربي بعده، وملَّكهم على رقاب المسلمين.

    وانقسمت الأمة الإسلامية إزاء هذا الواقع إلى أقسام:
    1 - قسم يؤمن بالعلمانية ويدعو لها، ويعلق عليها آمال التقدم والرقي، ويعلل الهزيمة والتخلف بالتمسك بالدين، وعامة الطبقة الحاكمة كانت من هؤلاء؛ فإن المحتل ما خرج حتى رباهم على عينه، واصطنعهم بأدواته.

    2 - وقسم لا يدري ما الأمر، إلا أنه رأى في العلمانية تفلتًا من التكاليف الشرعية، وهذا أمر تتوق له النفوس الشهوانية، والطباع البطالة، ولكنه - على ذلك - لو ذُكر تذكر، ولو وُعظ انتبه.

    3 - وقسم أدرك هذا الخطر، وهم الطائفة المنصورة - كما سماهم النبي صلى الله عليه وسلم - لم تختلف عليهم الحقائق، ولم تبهرجهم المسميات؛ فأنكروا، وأمروا بالمعروف، ونهَوا عن المنكر، وحاربوا فحُوربوا، وقاوموا فقُمعوا؛ فكانت السجون منازل خير الناس.

    ومن هذا الصراع بين أهل الحق والعلم وبين النخبة العلمانية الحاكمة، ومع هذا التفلت من التكاليف الشرعية التي كانت تعيشه العامة، نشأ واقع للأمة الإسلامية لم أرَ له نظيرًا في تاريخ المسلمين، ونشأ كذلك نوع من المشايخ لم يكن معروفًا من قبل: إنهم المشايخ العلمانيون، وهم القسم الرابع.

    طبيعة العلمانية تتصادم مع الإسلام؛ لأنها تلغي هيمنة القرآن، ومصدريته في التشريع، وتجعل الحُكم حقًّا للخلق دون الخالق.

    فالله عز وجل يقول: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [المائدة: 48].

    وقال: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49].

    والعلمانية تفتن الناس عن كل ما أنزل الله، وليس عن بعضه.

    فإذا كانت العلمانية بهذه الصورة، فكيف يمكن أن يكون هناك علماء ومشايخ علمانيون؟ وكيف يجتمع الضدان؟

    ثمت أمور كثيرة دعت لظهور مثل هذا التيار المشيخي، المهادن للعلمانية، المعادي للطائفة المنصورة، ولكن قبل أن أذكر هذه الأسباب والجذور الفكرية لهذا التيار من المشايخ؛ (العلماشيخي)، لا بد أن أقول: إن هذا التيار يلتئم تحته صنفان من الناس متضادان مختلفان، أحدهما ينتسب إلى من مضى من السلف، والآخر يدعي التنوير والتجديد، وسأعرِّف بهؤلاء وهؤلاء من خلال سيماهم ولحنهم في القول.

    أما الأولون فيعرفون بما يلي:
    أولًا - يُكثر هؤلاء المشايخ من الخطاب التبريري للهيمنة العلمانية، ومن الدعوة لإحسان الظن بأقطابها الدعاة إليها، والتماس الأعذار لهم.

    فهم رحماء على أهل العلمانية، غلاظ على من خالفهم من أهل العلم.

    ثانيًا - مِن ديدنهم التخذيلُ عن نصرة المسلمين هنا أو هناك، وَلَيُّ النص الشرعي لتبرير هذا التخاذل.

    ثالثًا - التجافي عن الحديث السياسي، والبعد عنه، فتجد منهم من يستعيذ من السياسة، وتجد منهم من يطعن في أهل العلم إذا تكلم في مسألة من السياسة، مما تهم أمر العامة، ولسان حاله يقول: دع السياسة لأهلها، وليت شعري ماذا ترك بعد هذه القالة للعلمانيين!

    رابعًا - إضفاء الصفة الشرعية على بعض مخلفات المحتل الأوربي.

    مِن ذلك: استحداث أوثان يجمعون الأمة عليها، ومِن ثَم تقديس هذه الأوثان، وإظهارها وكأنها مِن مسلمات الدين، ثم تأتي المرحلة الأخطر، وهي الاستعاضة بهذه الأوثان عن حقائق الإسلام، واستبدال السنة بالبدعة والهدى بالضلالة.

    كالدعوة إلى رابطة الولاء على الوطن، أو الجنسية، أو الإقليم، وتكييف الدين على قوالب الحدود الوهمية التي صنعها المحتل، واشتهرت باسم حدود سايس بيكو.

    كان بعض المؤرخين من المستشرقين يقول: إن أوروبا كانت تخشى من الرجل المريض - يريد الدولة العثمانية رغم ضعفها - لأن وراءها ثلاثمائة مليون مسلم، وهذا ما يبرر لك حرصهم على تفتيت الأمة الإسلامية، ثم رعاية هذا التفتيت عبر المشايخ العلمانيين.

    فأصبحت الحدود الداخلية مسألة ولاء وبراء لدى هذا التيار (العلماشيخي).

    خامسًا - محاربة أي جماعة تدعو إلى تطبيق حكم الله في أي مصرٍ من أمصار المسلمين، وانتقاده، والطعن فيه، ليس لأجل إصلاحه، بل للإيقاع به.

    فإذا اتفق أن حُورب هذا البلد مِن قِبل الصليبين يصب هؤلاء جام غضبهم ومكتل لومهم على المسلمين، ويعتذرون عن الصليبين، ويوجدون لهم المبررات.

    وهذا نَفَسهم دائمًا، وتلك هِجِّيراهم، والشنشنة العظمى التي بها يعرفون.

    سادسًا - موالاة المستعمر السابق لبلاد المسلمين، موالاة باطنة، وإن كان ظاهر خطابهم النهي عن موالاة الكافرين، إلا أن من صفات هذا التيار (العلماشيخي) المخالفة بين القول والعمل.

    وفي تبريرهم لهذا الأمر ينيطون الحكم بالتعقل والعقلانية والحكمة؛ فالعقل والحكمة يقتضيان مهادنة المستعمر وعدم استعدائه؛ ولذلك تجد بينهم وبين الجهاد عداوة لا صلح بعدها.
    يتبع ======

  2. #107
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    سابعًا - الشدة والغلظة على المؤمنين، وعلى الدعاة والعلماء خاصة، وعلى القائمين منهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد دون غيرهم.

    فقد تخلَّق أهل هذا التيار بنقيض ما أمر الله به المؤمن من التعامل مع الكافرين والمؤمنين؛ حيث أمر الله عز وجل بلين الجانب، وخفض الجناح للمؤمنين، والشدة والغلظة على الكافرين؛ كما قال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].

    وليس لأحد أن يحمل كلامي هذا على التحامل أو القياس البعيد؛ فإن الله عز وجل قد حذر من هذا الأمر - أعني قلب المفاهيم - وأخبر أنه حين تنقلب المفاهيم في التعامل بين المسلمين إلى ما ذكرنا، فإن أوان الاستبدال قد حان، ووقت التغيير قد وجب؛ فإن الله عز وجل قد خاطب المؤمنين بأكثرَ من ذلك فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ [المائدة: 54].

    وليس الارتداد المعنيُّ في هذا الآية الردةَ إلى الكفر فحسب، بل ما دون ذلك من الارتداد عن الحق مطلقًا.

    فقد روى ابن جرير بإسناده عن محمد بن كعب: أن عمر بن عبدالعزيز أرسل إليه يومًا، وعمر أمير المدينة يومئذ، فقال: يا أبا حمزة، آية أسهرتني البارحة! قال محمدٌ: وما هي أيها الأمير؟ قال: قول الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ﴾ [المائدة: 54] حتى بلغ: ﴿ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ [المائدة: 54]،فقال محمد: أيها الأمير، إنما عنى الله بالذين آمنوا الولاةَ من قريش، من يرتد عن الحق.

    قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرًا عن قدرته العظيمة: إن من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته، فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه، وأشد منعة، وأقوم سبيلًا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]، وقال تعالى: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ﴾ [النساء: 133]، وقال تعالى: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [إبراهيم: 19، 20]؛ أي: بممتنع ولا صعب.

    وقال تعالى ها هنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ﴾ [المائدة: 54]؛ أي: يرجع عن الحق إلى الباطل...

    وقوله تعالى: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54] هذه صفات المؤمنين الكُمَّلِ، أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه، متعززًا على خَصمه وعدوه؛ كما قال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه: "الضَّحُوك القَتَّال"؛ فهو ضحوكٌ لأوليائه، قَتَّال لأعدائه.

    وقوله: ﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ [المائدة: 54]؛ أي: لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله، وقتال أعدائه، وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لا يردهم عن ذلك رادٌّ، ولا يصدهم عنه صادٌّ، ولا يحيك فيهم لوم لائم، ولا عذل عاذل...؛ اهـ.

    ثامنًا - احتكار الحق ومنهج السلف في عباءة شيخ، أو ثنايا مسألة، أو موالاة حاكم، يمتحنون الناس في ذلك؛ فمن وافقهم على ما عندهم فهو على الحق، ومن خالفهم نبزوه بأسوأ الأوصاف؛ فلا يتورعون أن يصفوهم بالخوارج، أو الباطنية، أو التكفير، أو ما شاؤوا من أوصاف وألقاب.

    وهذا الداء قديم، قد اشتكاه الأئمة قبلنا، واكتوَوْا بناره، لكنه لم يثبط عزائمهم، ولم يَحُلْ بينهم وبين القيام بأمر الله.

    ولعل الإمام الشاطبي يتحدث على لسان الجميع - في مقولته المشهورة - حين قال: فتردد النظر بين أن أتبع السنة على شرط مخالفة ما اعتاد الناس، فلا بد من حصول نحو مما حصل لمخالفي العوائد، لا سيما إذا ادعى أهلها أن ما هم عليه هو السنة لا سواها، إلا أن في ذلك العبء الثقيل ما فيه من الأجر الجزيل، وبين أن أتبعهم على شرط مخالفة السنة والسلف الصالح، فأدخل تحت ترجمة الضلال، عائذًا بالله من ذلك، إلا أني أوافق المعتاد وأُعد من المؤالفين، لا من المخالفين، فرأيت أن الهلاك في اتباع السنة هو النجاة، وأن الناس لن يغنوا عني من الله شيئًا، فأخذت في ذلك على حكم التدريج في بعض الأمور؛ فقامت عليَّ القيامة، وتواترت عليَّ الملامة، وفَوَّق إليَّ العتابُ سهامَه، ونُسبت إلى البدعة والضلالة، وأنزلت منزلة أهل الغباوة والجهالة، وإني لو التمست لتلك المحدثات مخرجًا، لوجدت، غير أن ضِيق العَطَن، والبُعد عن أهل الفطن، رقى بي مرتقى صعبًا، وضيق عليًّ مجالًا رحبًا، وهو كلام يشير بظاهره إلى أن اتباع المتشابهات لموافقات العادات أولى من اتباع الواضحات، وإن خالفت السلف الأول، وربما ألموا في تقبيح ما وجهت إليه وجهتي بما تشمئز منه القلوب، أو خرَّجوا بالنسبة إلى بعض الفرق الخارجة عن السنة شهادةً ستكتب ويسألون عنها يوم القيامة.

    فتارة نُسبت إلى القول بأن الدعاء لا ينفع ولا فائدة فيه، كما يعزي إليَّ بعض الناس؛ بسبب أني لم ألتزم الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلاة حالة الإمامة، وسيأتي ما في ذلك من المخالفة للسنة وللسلف الصالح والعلماء.

    وتارة نُسبت إلى الرفض وبُغض الصحابة رضي الله عنهم؛ بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء الراشدين منهم - في الخطبة على الخصوص؛ إذ لم يكن ذلك من شأن السلف في خطبهم، ولا ذكره أحد من العلماء المعتبرين في أجزاء الخطب.

    وتارة أُضيفَ إليَّ القولُ بجواز القيام على الأئمة، وما أضافوه إلا من عدم ذكري لهم في الخطبة، وذكرهم فيها محدَثٌ، لم يكن عليه من تقدَّم.

    وتارة نُسبت إلى معاداة أولياء الله؛ وسبب ذلك أني عاديت بعض الفقراء المبتدعين المخالفين للسنة، المنتصبين بزعمهم لهداية الخلق.

    وتارة نُسبت إلى مخالفة السنة والجماعة، بناءً منهم على أن الجماعة التي أُمِر باتباعها، وهي الناجية، ما عليه العموم، ولم يعلموا أن الجماعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعون لهم بإحسان.

    فكنت على حالة تشبه حالة الإمام الشهير عبدالرحمن بن بطة الحافظ مع أهل زمانه؛ إذ حكى عن نفسه فقال: عجبتُ من حالي في سفري وحضري مع الأقربين مني والأبعدين، والعارفين والمنكرين؛ فإني وجدت بمكة وخراسان وغيرهما من الأماكن أكثر من لقيت بها موافقًا أو مخالفًا دعاني إلى متابعته على ما يقوله، وتصديق قوله، والشهادة له، فإن كنت صدقته فيما يقول وأجزت له ذلك، كما يفعله أهل هذا الزمان، سماني موافقًا، وإن وقفت في حرف من قوله، أو في شيء من فعله، سماني مخالفًا، وإن ذكرت في واحد منها أن الكتاب والسنة بخلاف ذلك واردٌ، سماني خارجيًّا، وإن قرأت عليه حديثًا في التوحيد، سماني مشبِّهًا، وإن كان في الرؤية، سماني سالميًّا، وإن كان في الإيمان، سماني مرجئيًّا، وإن كان في الأعمال، سماني قدريًّا، وإن كان في المعرفة، سماني كرَّاميًّا، وإن كان في فضائل أبي بكر وعمر، سماني ناصبيًّا، وإن كان في فضائل أهل البيت، سماني رافضيًّا، وإن سكتُّ عن تفسير آية أو حديث فلم أجب فيهما إلا بهما، سماني ظاهريًّا، وإن أجبت بغيرهما، سماني باطنيًّا، وإن أجبت بتأويل، سماني أشعريًّا، وإن جحدتهما، سماني معتزليًّا، وإن كان في السنن، مثل القراءة، سماني شفعويًّا، وإن كان في القنوت، سماني حنفيًّا، وإن كان في القرآن، سماني حنبليًّا، وإن ذكرت رجحان ما ذهب كل واحد إليه من الأخبار؛ إذ ليس في الحكم والحديث محاباة، قالوا: طعن في تزكيتهم، ثم أعجب من ذلك أنهم يسمونني فيما يقرؤون عليَّ من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشتهون من هذه الأسامي، ومهما وافقت بعضهم، عاداني غيره، وإن داهنت جماعتهم، أسخطتُ اللهَ تبارك وتعالى، ولن يغنوا عني من الله شيئًا، وإني مستمسك بالكتاب والسنة، وأستغفر الله الذي لا إله إلا هو، وهو الغفور الرحيم.

    هذا تمام الحكاية، فكأنه - رحمه الله - تكلم على لسان الجميع.

    فقلما تجد عالِمًا مشهورًا، أو فاضلًا مذكورًا إلا وقد نُبِزَ بهذه الأمور أو بعضها؛ لأن الهوى قد يداخل المخالف، بل سبب الخروج عن السنة الجهل بها، والهوى المتبع الغالب على أهل الخلاف، فإذا كان كذلك، حُمِل على صاحب السنة أنه غير صاحبها، ورُجِع بالتشنيع عليه، والتقبيح لقوله وفعله، حتى ينسب هذه المناسب.

    وقد نُقل عن سيد العباد بعد الصحابة أويس القرني: أنه قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدَعَا للمؤمن صديقًا، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا، ويجدون على ذلك أعوانًا من الفاسقين، حتى والله لقد رمَوْني بالعظائم، وايم الله لا أدع أن أقوم فيهم بحقه.

    فمن هذا الباب يرجع الإسلام غريبًا كما بدأ؛ لأن المؤالف فيه على وصفه الأول قليل، فصار المخالف هو الكثير؛ فاندرَسْت رسومُ السنَّة، حتى مدت البدع أعناقها، فأشكل مرماها على الجمهور؛ فظهر مصداقُ الحديث الصحيح.. اهـ.

    وأما الفريق الآخر من المشايخ العلمانيين، فإنهم يشتركون مع الأولين في بعض المقالات، من حيث نتائجها، لا من حيث ألفاظها، ولهم مقالات يختصون بها، منها:
    أولًا - يدَّعون أنهم يتحررون من القيود، ويطلقون زمام العقل، ويحاولون الدفاع عن الإسلام.

    ثانيًا - يطعنون في مسلمات الأمة، وثوابتها، من باب الحرص عليها، والشفقة على عقيدتها، بزعمهم، ويستدلون على ذلك بأفعال بعض العلماء الكبار، فتراهم مثلًا يطعنون في أحاديثَ من صحيح البخاري، بدعوى أنها لا تلائم العصر، ويستدلون بنقد بعض الأئمة للبخاري ومسلم وغيرهما.

    ثالثًا - دعواهم الكبرى هي التجديد، تجديد علوم الدين المختلفة، ويهوِّلون عليك بألفاظ ينتقونها، وجُمَل يزيِّنونها، ولهم في ذلك كتب ورسائل، عناوينها ضخمة ترهب القارئ، وتربك المتعلم، ولكنها دعاوى جوفاء، لا ينطلي بَهْرَجُها إلا على من لم يباشر العلم ولم يخالط العلماء.

    رابعًا - تحالفهم مع القوى المخالفة للإسلام، ونفورهم من القوى المسلمة الداعية لتحكيم شرع الله عز وجل في الأرض.

    فيتحالفون مع التيارات العلمانية، وينفِّرون من إخوانهم في الدين والعقيدة، حجتهم التألُّف، والوسطية، والنفور من التشدد؛ ولذلك تراهم في المؤتمرات جنبًا إلى جنب مع العلمانيين والعلمانيات.

    هذا، ويمكن أن ألخص أسباب نشوء هذا التيار (العلماشيخي) من هذين الفريقين في عدة أسباب:
    أولها - الواقع المعاصر؛ فإن واقع الأمة المنهزم عسكريًّا وثقافيًّا، ثم نشأة هؤلاء في هذا الواقع دهرًا من الزمن حتى أَلِفوه، وسكنت نفوسهم إليه، واطمأنت أحوالهم معه - جعلتهم يطأطئون رؤوسهم، ويسيرون وهم كذلك مطأطئون.

    ولذلك تجد في كلامهم الاستسلام لهذا الواقع، بل والدعاء بألا يتغير عليهم ما هم فيه، وكأنهم يعيشون في عصر الخلافة الراشدة!

    ثانيًا - الهزيمة النفسية، وهذا مترتب على ما قبله.

    ثالثًا - دخول الوهن إلى قلوب هؤلاء.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلةُ إلى قصعتها))، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن))، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: ((حب الدنيا، وكراهية الموت)).

    هذه الأسباب وغيرها لا تعدو أن تكون ثانوية، ولكن كان لها تأثير قوي على سلوكيات هؤلاء الدعوية، ومواقفهم العلمية، وما هذا إلا لأنها تتوافق مع أصل فكري مكين لديهم، هذا الأصل هو الموجِّهُ لهم.

    أما الفريق الأول: فالباعث على ما ترى من أحوالهم: الفكر الإرجائي.
    وأما الفريق الثاني: فقد أُتِيَ من قِبَل ضعف العقيدة، ولا سيما عقيدة الولاء والبراء.

    الإرجاء بدعة ظهرت في فكر الأمة الإسلامية، تتلخص بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر معصية.

    وإنما سمَّوْه إرجاءً؛ لأنه يؤخر العمل، ويخرجه من تعريف الإيمان.

    لا يقول هؤلاء المشايخ في خطابهم الديني: إن العمل ليس ركنًا في الإيمان، بل هم يأنفون من ذلك، ويحاربونه في دروسهم وأقوالهم، ولكنهم يقررون ذلك بأفعالهم وأعمالهم؛ فأصبحت العقيدة عندهم لا تعدو أن تكون أقوالًا ومسائل يحفظونها، ولا تمتُّ إلى واقعهم بصلة.

    الفكر الإرجائي يوجِدُ المبرر الذي يفزع إليه علماء هذا التيار؛ للتخلص من ثقل التكاليف الشرعية الثقيلة؛ كما وصفها الله عز وجل في قوله: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: 5]، الثقل إنما هو بالعمل به.

    قال الحسن البصري: العمل به، إن الرجل لَيَهُذُّ السورة، ولكن العمل به ثقيل، وقال قتادة: ثقيل والله فرائضُه وحدودُه؛ أخرجه ابن جرير.

    في الفكر الإرجائي الراحة من هذا الثقل، والمبرر للتخلي عن القيام بالقسط، الذي هو الحكمة من إرسال الرسل وإنزال الكتب؛ كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25].

    قال ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ [الحديد: 25]؛ أي: بالمعجزات، والحجج الباهرات، والدلائل القاطعات، ﴿ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ ﴾ [الحديد: 25]، وهو: النقل المصدق، ﴿ وَالْمِيزَانَ ﴾ [الحديد: 25] وهو: العدل، وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة، المخالفة للآراء السقيمة...

    ولهذا قال في هذه الآية: ﴿ لِيَقُومَ النَّاسُ ﴾ [الحديد: 25]؛ أي: بالحقِّ والعدل، وهو: اتباع الرسل فيما أخبروا به، وطاعتُهم فيما أمروا به؛ فإن الذي جاؤوا به هو الحق الذي ليس وراءه حق؛ كما قال: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ﴾ [الأنعام: 115]؛ أي: صدقًا في الإخبار، وعدلًا في الأوامر والنواهي..

    وقوله: ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ﴾ [الحديد: 25]؛ أي: وجعلنا الحديد رادعًا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه؛ ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السورُ المكية، وكلها جدال مع المشركين، وبيان وإيضاح للتوحيد، وتبيان ودلائل، فلما قامت الحجة على مَن خالف، شرع الله الهجرة، وأمرهم بالقتال بالسيوف، وضربِ الرقاب والهامِ لمن خالف القرآن، وكذب به وعانده.

    وقد روى الإمام أحمد وأبو داود، من حديث عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن حسان بن عطية، عن أبي المنيب الجرشي الشامي، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بُعِثت بالسيف بين يدي الساعة؛ حتى يُعبَدَ اللهُ وحده لا شريك له، وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعِل الذِّلة والصَّغار على مَن خالف أمري، ومَن تشبَّه بقوم فهو منهم)).

    ولهذا قال تعالى: ﴿ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ﴾ [الحديد: 25] يعني: السلاح؛ كالسيوف، والحِراب، والسنان، والنصال، والدروع، ونحوها، ﴿ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ [الحديد: 25]؛ أي: في معايشهم.

    وقوله: ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [الحديد: 25]؛ أي: مَن نيَّتُه في حمل السلاح نصرةُ الله ورسله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25]؛ أي: هو قوي عزيز، ينصر مَن نصره، مِن غير احتياج منه إلى الناس، وإنما شرع الجهاد؛ ليبلوَ بعضكم ببعض؛ اهـ.

    فهذه الآية العظيمة لخصت الحكمة من إرسال الرسل وإنزال الكتب، وبينت مراد الله عز وجل من خلقه؛ فأهل الحق والعلم يأخذون بطرفي الآية.

    يأخذون بالقسط وبيان الحق؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأخذون بالحديد والبأس الشديد؛ كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، لمن عصى واستكبر، وفي هذا المنهج امتثال للآية الكريم، واقتداء بالمصطفى الهادي صلى الله عليه وسلم.

    وأما أصحاب هذا التيار (العلماشيخي)، فإنهم أعداء الشق الثاني من الآية، ولا يكادون يذكرونه إلا انتقاصًا وامتعاضًا واشمئزازًا.

    والسبب أن العمل يكمُنُ في الشق الثاني؛ فالشق الثاني أشق، وهم في الأصل استقر الإرجاءُ في بواطنهم وبواعثهم.

    أما الصنف الثاني: فإن انفتاحهم على أهل البدع والعلمانيين هوَّن عليهم أمر العقيدة، وهذا تيار في الأمة قوي ترعاه بعض المؤسسات الدينية؛ فالعقيدة عندهم ثانوية؛ ولذلك يَهْوُون في هذه المزالق.

    مكث النبي صلى الله عليه وسلم جل حياته وهو يقرر العقيدة الإسلامية في مكة المكرمة، ويؤكد على ثوابتها، ويخوض الابتلاءات من أجلها، ثم لما هاجر إلى المدينة، كانت حقائق هذه العقيدة بارزة في التشريعات والقوانين التي يسُوس بها أمته.

    وهؤلاء المعاصرون من المشايخ العلمانيين لا ثوابت لديهم، بل كل شيء قابل للتفاوض والتقارب، حتى مع اليهود والنصارى، لا سيما في الولاء والبراء، والحُكم بغير ما أنزل الله.

    يقول الله عز وجل:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51].

    الموالاة تعني التبعية؛ فمن والى قومًا فهو منهم.

    قال القرطبي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة: 51]؛ أي: يعضدهم على المسلمين، ﴿ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51]، بيَّن تعالى أن حكمه كحكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم ابنُ أُبَيٍّ، ثم هذا الحكم باقٍ إلى يوم القيامة في قطع الموالاة، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ [هود: 113]، وقال تعالى في "آل عمران": ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 28]، وقال تعالى: ﴿ لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ ﴾ [آل عمران: 118].

    وقيل: إن معنى ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [المائدة: 51]؛ أي: في النصرة.

    ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51] شرطٌ وجوابه؛ أي: لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم، ووجبت له النار كما وجبت لهم، فصار منهم؛ أي: من أصحابهم؛ اهـ.

    وقال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران: 28]: نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار فيتخذوهم أولياء؛ اهـ.

    وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118].

    أكد الله تعالى الزجر عن الركون إلى الكفار..وبطانة الرجل خاصته الذين يستبطنون أمره...نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أمورهم.

    ويقال: كل من كان على خلاف مذهبك ودينك، فلا ينبغي لك أن تحادثه، ثم بيَّن تعالى المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة؛ فقال: ﴿ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا ﴾ [آل عمران: 118]، يقول: فسادًا.

    يعني: لا يتركون الجهد في فسادكم، يعني: أنهم وإن لم يقاتلوكم في الظاهر، فإنهم لا يتركون الجهد في المكر والخديعة، على ما يأتي بيانه...

    وروي أن أبا موسى الأشعري استكتب ذميًّا، فكتب إليه عمر يُعنِّفُه، وتلا عليه هذه الآية.

    وقدم أبو موسى الأشعري على عمر رضي الله عنهما بحساب، فرفعه إلى عمر فأعجبه، وجاء عمر كتاب فقال لأبي موسى: أين كاتبك يقرأ هذا الكتاب على الناس؟ فقال: إنه لا يدخل المسجد، فقال: لِمَ؟ أجُنُبٌ هو؟ قال: إنه نصراني، فانتهره، وقال: لا تُدْنِهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله، ولا تأمنهم وقد خوَّنهم الله..

    وقيل لعمر رضي الله عنه: إن ها هنا رجلًا من نصارى الحيرة، لا أحد أكتب منه، ولا أخط بقلم، أفلا يكتب عنك؟ فقال: لا آخذ بطانة من دون المؤمنين.

    فلا يجوز استكتاب أهل الذمة، ولا غير ذلك من تصرفاتهم في البيع والشراء والاستنابة إليهم.

    قلت: وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان، باتخاذ أهل الكتاب كتبة وأمناء، وتسوَّدوا بذلك عند الجهلة الأغبياء من الولاة والأمراء؛ انتهى كلامه رحمه الله، فكيف لو رأى ما أحدث أهل زماننا من موالاة من لا يؤمن بشريعة الله ورسوله.

    إن هذا التيار (العلماشيخي) من أسباب تخلُّف النهوض الفكري في الأمة الإسلامية، ومن عوامل خِذلانها، ولن تستطيع الأمة النهوض بدينها والقيام بالقسط ما دام هذا التيار ظاهرًا، يضرب بأطنابه، ويصد الناس عن العمل، وعن الجهاد، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويُهوِّن عليها أمرَ عقيدتها.

    إن واجب العلماء الربانيين في التصدي لهذا التيار كبير؛ فقد أظهرت ثورة الشام - وما قبلها - خطر الدور الذي يقوم به هؤلاء على الأمة، وعظيم إرجافهم الذي لا ينتهي، حتى إنهم كانوا كما قال أبو الفضل الهَمْداني: مبتدعة الإسلام والكذابون والواضعون للحديث أشد من الملحدين، قصدوا إفساد الدين من خارج، وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل؛ فهم كأهل بلد سعَوْا في فساد أحواله، والملحدون كالمحاصرين من خارج؛ فالدخلاء يفتحون الحصن؛ فهم شر على الإسلام من غير الملابسين له؛ اهـ.

    وقانا الله شرهم، وكف عن المسلمين عبثهم، وردهم إلى دينه ردًّا جميلًا.

    فيا لله كم لقي منهم المخلصون! وكم آذَوْا من عبادٍ لله مقربين! والواجب على أهل الحق المضي قُدمًا في دعوتهم، وعدم الالتفات إلى ما يقول هؤلاء، وهجرهم هجرًا جميلًا، ولو أن كل واحد من هؤلاء ترك الحق لمحاباته، أو لاتقاء لسانه، لما بقي للدين قائم، ولكن الله عز وجل خاذل هؤلاء ولا ريب، وناصر دينه وعباده الصالحين.

    إلا أن التحذير من هؤلاء واجب شرعي؛ حتى تُتقى شرورهم، ويدفع عن المسلمين ضررهم، والله الموفق. انتهى

  3. #108
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الرد على عدنان إبراهيم لطعنه في معاوية رضي الله عنه
    رد علمي مقنع على طريقة التنزل مع الخصم

    الحمد لله الذي عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة، ويسر لها في كل زمان مَن ينفي عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبي الرحمة الذي أرسله الله رحمة للعالمين، ما ترك من خير إلا دل الأمة عليه، ولا ترك من شر إلا حذر الأمة منه، فتركنا على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ورضي الله عن جميع أصحابه السابقين واللاحقين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

    فقد سمعت مقطعًا لعدنان إبراهيم خصصه للطعن في معاوية رضي الله عنه، وكان يسلقه بلسان حادٍّ لم نسمعه يقول مثله في النصارى الضالين، بل قد سمعت عدنان في مقطع آخر لا يُكفِّر اليهودي والنصراني الذي لا يقول بالتثليث إذا كان مؤمنًا بالله واليوم الآخر، فواعجبًا من شحه بالخير على معاوية وهو من أهل الإسلام، ودفاعه عن أهل الكتاب الكفار!

    وقد رد كثير من العلماء على ضلالات عدنان إبراهيم، وأردت أن أشاركهم في الأجر؛ نصحًا للمسلمين، وبحمد الله لي عدة ردود عليه منشورة، وهي:
    1- القواعد السبع الكافية في الرد على عدنان إبراهيم في منهجه التشكيكي للسنة النبوية.
    2- إثبات أن حد رجم الزاني ثابت في القرآن، وأن إنكاره من سنن اليهود.
    3- عدد أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه (تحقيق واستقراء).
    4- سيرة أبي هريرة رضي الله عنه.

    وأنا - بحمد الله - أحرص في ردودي أن تكون بأسلوب جديد؛ حتى لا يكون الرد مجرد تكرار أو تلخيص لما كتبه أهل العلم في الرد على عدنان، وهذا هو الرد الخامس، كتبته نصحًا للأمة، وضمنته فوائد لا يجدها الناظر في غيره، وجعلته بأسلوب جديد يقلع - بإذن الله - شبهات عدنان إبراهيم من الجذور في مسألة طعنه في معاوية رضي الله عنه، فبعض من يحسن الظن بعدنان قد لا ينتفع بالردود العلمية المعتادة؛ لأن كثيرًا من العلماء الذين ردوا على طعن عدنان في معاوية يذكرون ضعفَ الكثير من الروايات التي يذكرها عدنان، ويبينون بالتفصيل أنها من رواية المتروكين؛ كأبي مخنف لوط بن يحيى الإخباري، وهو تالفٌ لا يوثق به؛ قال الحافظ ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (7/ 241): حدَّث بأخبار من تقدم من السلف الصالحين، ولا يبعد منه أن يتناولهم، وهو شيعي محترق صاحب أخبارهم"، ونصر بن مزاحم صاحب كتاب صِفِّين، وهو رافضي متروك الحديث، كما في ميزان الاعتدال للمؤرخ الحافظ الذهبي (4/ 253)، ومحمد بن السائب الكلبي المفسر الإخباري، وهو متروك الحديث، كما في كتاب التهذيب للحافظ المزي (3/ 569) والميزان (3/ 556)، ومحمد بن عمر الواقدي، وهو متروك؛ قال البخاري: الواقدي مدنيٌّ سكن بغداد، متروك الحديث، تركه أحمد، وابن المبارك، وابن نمير، وإسماعيل بن زكريا، وقال أبو زرعةَ الرازي وأبو بِشر الدولابي والعقيلي: متروك الحديث، وقال الذهبي في الميزان (3/ 666): استقر الإجماع على وهنِ الواقدي.

    فأنا لن أبين في ردي هذا عدم صحة الكثير من الروايات الضعيفة، بل سأتكلم على فرض أنها ثابتة!

    وبعض العلماء في ردهم على عدنان في طعنه في معاوية يذكرون ما ثبت في فضل معاوية من آثار، مثل ما في صحيح البخاري (3765) أنه قيل لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية؛ فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: أصاب، إنه فقيه.

    وروى أبو نعيم في حلية الأولياء (8/ 275) من طريق سعيد بن عبدالعزيز عن إسماعيل بن عبدالله عن قيس بن الحارث عن الصنابحي عن أبي الدرداء قال: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول الله من أميركم هذا - يعني معاوية - قيل لقيس: أين صلاتُه من صلاة عمر؟ قال: لا إخالها إلا مثلها.

    وروى الخلاَّل في كتاب السنة (2/ 442)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 173) من طريق جبلة بن سحيم، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه قال: ما رأيتُ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسودَ مِن معاوية، فقيل: ولا أبوك؟ قال: أبي عمرُ - رحمه الله - خيرٌ مِن معاوية، وكان معاوية أسودَ منه.

    وروى الخلاَّل في كتاب السنة (2/ 440)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 175) من طريق وهب بن منبه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت رجلًا كان أخلقَ للمُلك من معاوية، كان الناس يرِدون منه على أرجاء وادٍ رحب، ولم يكن بالضيِّق الحصِر العُصعُص المتغضب.

    وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 185) عن هشام بن عروة قال: صلى بنا عبدالله بن الزبير يومًا من الأيام، فوجم بعد الصلاة ساعة، فقال الناس: لقد حدث نفسه، ثم التفت إلينا فقال: لا يبعدنَّ ابن هند، إن كانت فيه لمخارج لا نجدها في أحد بعده أبدًا! والله إن كنا لنفرقه وما الليث على براثنه بأجرأَ منه فيتفارق لنا، وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، والله لوددتُ أنَّا مُتِّعنا به ما دام في هذا الجبل حجر - وأشار إلى جبل أبي قبيس - لا يتحول له عقل، ولا ينقص له قوة.

    وروى الآجري في الشريعة (5/ 2465)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 172) عن التابعي الجليل مجاهد بن جبر قال: لو رأيتم معاويةَ لقلتم: هذا المَهديُّ!

    وروى اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (8/ 1532) عن الميموني قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ صِهر ونسَبٍ ينقطع إلا صِهري ونسَبي))؟ قال: بلى، قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: نعم، له صهر ونسب، قال: وسمعت ابن حنبل يقول: ما لهم ولمعاوية؟! نسأل الله العافية! وقصد الإمام أحمد بن حنبل أن معاوية صهرُ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أخته أمَّ حبيبة بنت أبي سفيان هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذا سماه بعض العلماء خالَ المؤمنين؛ لأن أخته هي أم المؤمنين رضي الله عنهما؛ فهو صهرُ النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أيضًا من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن جدهما واحد، وهو عبدمناف بن قصي، فله صهر ونسب مع النبي صلى الله عليه وسلم.

    وروى الخلاَّل في السنة (2/ 438) من طريق أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق السَّبيعي الهَمْداني، وهو معدود من شيعة الكوفة الثقات، قال: ما رأيت بعده مثله، يعني معاوية.

    فهذه الروايات كلها بأسانيد صحيحة، ويوجد غيرها أيضًا، ولكني لن أقف عندها لأثبت للمخالف صحتها، ولكن سأتكلم في ردي هذا على فرض أن هذه الروايات - وغيرها - الواردة في فضل معاوية ومناقبه كلها روايات ضعيفة غير ثابتة!

    إذًا سيكون ردي بأسلوب جديد من باب التسليم للخصم بأن كل ما قيل في معاوية من مثالب صحيحٌ ثابت، وأن كل ما ورد فيه من مناقب لا يصح منه شيء!

    فهل يمكننا أن نواجه معاوية ونعد عليه كل سيئاته ونتركه ليدافع عن نفسه بنفسه؟!
    قد كفانا هذا صحابي جليل؛ فروى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (1/ 208)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (58/ 168) من طريق ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير أن المِسورَ بن مخرمة رضي الله عنه قدم وافدًا إلى معاوية بن أبي سفيان، فقضى حاجته، ثم دعاه فأخلاه، فقال: يا مسورُ، ما فعل طعنك على الأئمة؟! قال المسور: دعنا من هذا، وأحسِنْ فيما قدمنا له، فقال معاوية: لا والله لتكلمن بذات نفسك والذي نقمت علي، قال المسور: فلم أترك شيئًا أعيبه عليه إلا بيَّنته له، فقال معاوية: لا أبرأُ من ذنب! فهل تعد لنا يا مسور مما نلي من الإصلاح في أمر العامة؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها، أم تعد الذنوب؟! فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنباه، فهل لك يا مسورُ ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلِك إن لم يعفُ الله لك؟! فقال المسور: نعم، فقال معاوية: فما جعلك برجاء المغفرة أحق مني؟! فوالله لَمَا آلِي من الإصلاح أكثرُ مما تلي، ولكن والله لا أخير بين أمرين أمرٍ لله وغيره إلا اخترت أمر الله على ما سواه، وإني لعلى دين يُقبل فيه العمل، ويُجزى فيه بالحسنات والذنوب إلا أن يعفو الله عنها، فإني أحسب كل حسنة عملتها بأضعافها من الأجر، وألي أمورًا عظامًا لا أحصيها ولا يحصيها من عمل بها لله في إقامة الصلوات للمسلمين، والجهاد في سبيل الله، والحكم بما أنزل الله، والأمور التي لست أحصيها وإن عددتها فتكفي في ذلك، قال مِسور: فعرفت أن معاوية قد خصمني حين ذكر ما ذكر، قال عروة بن الزبير: فلم أسمع المسور بعدُ يذكر معاوية إلا صلى عليه!

    فهذه القصة صحيحة ثابتة، وقد رواها أيضًا عبدالرزاق الصنعاني في مصنفه (7/ 207) عن شيخه معمَرٍ، عن الزهري، عن حميد بن عبدالرحمن، عن المسور، وهذا إسنادٌ صحيح، رجاله من رجال البخاري ومسلم.

    قال ابن عبدالبر في الاستيعاب (3/ 1422): "وهذا الخبرُ مِن أصح ما يُروى من حديث ابن شهاب، رواه عنه معمر وجماعة من أصحابه".

    ورواه بنحوه البلاذري في أنساب الأشراف (5/ 53) من طريق عبدالحميد بن جعفر، عن عبدالرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبيه.

    فهذا الصحابيُّ الجليل المِسور بن مخرمة صارَح معاوية بكل سيئاته، حتى قال: لم أترك شيئًا أعيبه عليه إلا بينته له، وأقر بها معاوية وقال: لا أبرأ من ذنب! وأخبر أنه يرجو رحمة الله كما يرجوها كل مسلم، وأنكر معاوية على المسور أنه ذكر سيئاته ولم يذكر حسناته، وقال له: إنا نعترف لله بكل ذنب أذنباه، فهل لك ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلك إن لم يعفُ الله لك؟! فما جعلك برجاء المغفرة أحق مني؟! فخصمه معاوية، فلم يعد يذكره المِسور إلا بخير، وصار يدعو له بعد أن كان يطعن فيه!

    فهل في هذه القصة كفاية لكل ذي عقل؟!
    هذا على فرض أن معاوية لم يكن صحابيًّا، ولم يصلِّ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ممن كتب بين يديه، وعلى فرض أنه لم يصح الحديث الذي رواه الترمذي (3842) عن عبدالرحمن بن أبي عميرة، وكان مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية: ((اللهم اجعَلْه هاديًا مَهديًّا، واهدِ به))، وقد صحح هذا الحديث جماعة من المحدثين، منهم الألباني، ولكن لنفرض تنزلاً للخصم أنه لم يصح هذا الحديث، ولنفرض أن معاوية لم يكن ممن جاهَد في سبيل الله في الشام، ولم يكن أول من أسس أول أسطول بحري وجاهَد الروم في البحار، ولم يكن هو الذي فتح قبرص وقيسارية، ولم يكن صاحب أول جيش غزا القسطنطينية، ولم يكن يغزو في خلافته كل سنة مرتين، مرة في الصيف، ومرة في الشتاء، ولم يكن في خلافته حليمًا مقيمًا للعدل، فكيف إذا كانت له هذه الفضائل والمناقب وغيرها كما هو معروف في كتب التاريخ؟! فهل في تلك القصة كفاية لكل منصف؟!

    ألا يستحق مَن كانت له هذه الفضائل أن نقول عنه: رضي الله عنه؟! فإن لم تكن له هذه الفضائل، ألا يجوز أن نقول لأي مسلم: رضي الله عنه من باب الدعاء لا الإخبار؟!

    ألا يجوز أن ندعو لأي مسلم عاصٍ بالرحمة والرضوان وإن كان عاصيًا؟! بلى يجوز أن ندعو له ولو ثبت أنه يُعذَّب ما دام أنه مسلم، فمثلاً روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، ففتح الله علينا، فلم نغنَمْ ذهبًا ولا وَرِقًا، غنِمْنا المتاع والطعام والثياب، ثم انطلقنا إلى الوادي، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له، وهبه له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب، فلما نزلنا الوادي، قام عبدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل رحله، فرُمي بسهم، فكان فيه حتفه، فقلنا: هنيئًا له الشهادة يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلا، والذي نفس محمد بيده، إن الشَّملة لتلتهب عليه نارًا، أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم))، فهذا العبد الغالُّ صحابيٌّ مسلم، ألا يجوز أن ندعو له بالرحمة ونترضى عنه ولو ثبت أنه يُعذَّب في قبره بسبب معصيته؟! فغُلوله ليس كفرًا، بل كبيرة من الكبائر، وإن عذَّب الله صاحب الكبيرة فإنه لا يخلده في النار؛ قال الله سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]، وأحاديث الشفاعة وخروج عصاة الموحِّدين من النار متواترة، لا يُنكرها إلا أهلُ البدع والضلالة، والصحابة أَوْلى الناس بالشفاعة، ومعلوم أن الصحابي قد يقع في كبيرة؛ فهم غير معصومين، وقد ثبَت أن أحد الصحابة قتل نفسه؛ كما في صحيح مسلم (978)، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقصَ، فلم يصلِّ عليه)، قال النووي في شرح صحيح مسلم (7/ 47): "المشاقِصُ سِهامٌ عراض، وفي هذا الحديث دليل لمن يقول: لا يصلَّى على قاتل نفسه لعصيانه، وهذا مذهب عمر بن عبدالعزيز والأوزاعي، وقال الحسن والنخَعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: يصلى عليه، وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ عليه بنفسه؛ زجرًا للناس عن مِثلِ فعله، وصلت عليه الصحابة، وهذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في أول الأمر على مَن عليه دَينٌ؛ زجرًا لهم عن التساهل في الاستدانة، وعن إهمال وفائه، وأمر أصحابه بالصلاة عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: ((صلُّوا على صاحبكم))، قال القاضي عياض: مذهب العلماء كافة الصلاة على كل مسلم، ومحدود، ومرجوم، وقاتل نفسه، وولد الزنا، وعن مالك وغيره: أن الإمام يجتنب الصلاة على مقتول في حد، وأن أهل الفضل لا يصلون على الفسَّاق؛ زجرًا لهم"؛ انتهى المراد منه، فهذا صحابي ارتكب كبيرة وقتل نفسه، ولم يصلِّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ زجرًا للناس عن فعله، ولم يَنْهَ أصحابه عن الصلاة عليه، ولا نهاهم عن الدعاء له، ويجوز أن نقول عن هذا الصحابي الذي قتل نفسه: رحمه الله، وأن نقول: رضي الله عنه، ودعاؤنا له بالرحمة والرضوان هو من باب الدعاء، لا من باب الإخبار؛ فإنَّا لا ندري هل يغفر الله له أو يعذبه، ولكن إن عذبه فإنه لا يخلده في نار جهنم، وإنما يخلد الله في جهنم الكفار، وقد روى مسلم في صحيحه (116) عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: هاجر الطفيل بن عمرو الدوسي وهاجر معه رجل من قومه، فاجتوَوُا المدينة، فمرض، فجزع، فأخذ مشاقصَ له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطيًا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لي أراك مغطيًا يديك؟! قال: قيل لي: لن نُصلحَ منك ما أفسدتَ، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم وَلِيَدَيْهِ فاغفِرْ))، والظاهر أن هذا الصحابي رضي الله عنه هو نفس الصحابي الذي قتل نفسه ولم يصلِّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا دعا له نبي الرحمة بالمغفرة، فنحن ندعو لكل مسلم بالمغفرة والرحمة وإن كان عاصيًا، وإن كان فاسقًا، وإن ارتكب كبيرة، ما دام أنه مسلم، كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الصحابي، ونقول عنه: رضي الله عنه دعاءً لا خبرًا.

    وهذه مسألة مهمة جدًّا، فنحن عندما نترضى على المبشرين بالجنة - كالخلفاء الراشدين، وبقية العشَرة، وأصحاب بدر والحديبية - فهذا من باب الإخبار والدعاء، أما عندما نترضى عن غيرهم ممن لم يثبت بالنص كونُهم من أهل الجنة فهذا من باب الدعاء لا الإخبار، وبهذا يزول كثير من الإشكال.

    فليس ترضِّينا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، كترضِّينا عن صحابي قتَل نفسه، أو ظلَم نفسه بالغُلول أو غير ذلك، فترضِّينا عن الأولين إخبارٌ ودعاءٌ، وترضِّينا عن الآخرين دعاءٌ لا إخبارٌ.

    ثم ها هنا مسألة مهمة أيضًا، وهي هل كل من ثبت له شرف الصحبة أفضل مِن كل من ليس من الصحابة؟
    هذه المسألة فيها قولان مشهوران لأهل العلم؛ فجمهور العلماء أن كل مَن ثبت له شرف الصحبة أفضل من كل من جاء بعد الصحابة، حتى وإن كان ذلك الصحابي ممن ظلم نفسه بكبيرة من الكبائر؛ كقاتل نفسه، أو الغالِّ، أو كان من الأعراب الذين قالوا: آمنا، فقال الله: قل: لم تؤمنوا ولكن قولوا: أسلمنا، فعند جماهير العلماء أن كل من ثبت له لقيا النبي صلى الله عليه وسلم وآمَن به أنه أفضل مِن كل من جاء بعده، ولو كان من أكابر علماء الأمة، أو مجاهديها، أو زهَّادها، وقالوا: شرف الصحبة لا يعدله شيء، والقول الثاني: أنه يمكن لبعض من جاء بعد الصحابة أن يكون أفضل من بعض الصحابة.

    قال الحافظ العلائي في كتابه تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة ص 74: "ذهب بعضهم إلى أنه لا يلزم من تفضيل مجموع القرن الأول على من بعده تفضيل كل فرد فرد من القرن الأول، على كل فرد فرد ممن بعدهم، ورأوا أن في آخر الزمان من يكون أفضل من بعض آحاد الصحابة رضي الله عنهم، وهذا اختيار ابن عبدالبر والقرطبي؛ للجمع بين جميع الأحاديث، واستثنى ابن عبدالبر أهل بدر والحديبية؛ للتنصيصِ على فضلهم على كل هذه الأمة".

    والذي يظهر لي أن القول الثاني أصح، وقد وجدت دليلاً عليه من القرآن لم أجد أحدًا نبه عليه، فإن كان الاستدلال صحيحًا فهذا من فضل الله، وإن كان خطأ فهو من نفسي والشيطان، وتبقى المسألة اجتهادية يُتكلم فيها بالحجج العلمية، ولا يُضلل المخالف، والدليل هو قوله تعالى في سورة الواقعة: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ﴾ [الواقعة: 10 - 14]، ثم قال سبحانه عن أصحاب اليمين: ﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ﴾ [الواقعة: 39، 40]، رجح ابن كثير في تفسيره (7/ 518): أن المراد بقوله: ﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الواقعة: 39]؛ أي: من صدر هذه الأمة، ﴿ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ﴾ [الواقعة: 14] أي: من هذه الأمة، ونقل هذا عن الحسن البصري وابن سيرين، فهذه الآيات واضحة الدلالة على أن بعض آخر هذه الأمة أفضل من أولها، فإن الله أخبر أن السابقين المقربين - وهم قطعًا أفضل الناس - هم جماعة كثيرة من الأولين، وجماعة قليلة من الآخرين، وأخبر الله أن أصحاب اليمين - وهم دون المقربين في الفضل - جماعة كثيرة من الأولين، وجماعة كثيرة من الآخرين، فدلَّ هذا بوضوح على أن مِن الآخِرين مَن هم من المقربين، وأن من الأولين من هم من أصحاب اليمين، وهذا دليل واضح جدًّا على أن بعض الآخرين يكونون أفضل من الأولين؛ لأن الآيات تنص على أن بعض الآخرين هم من المقربين السابقين، وأن بعض الأولين هم من أصحاب اليمين، وهذا الدليل نص في هذه المسألة، ويؤيد هذا دليلٌ آخر من القرآن لم أجد أيضًا مَن نبه عليه مع وضوحه، وهو قوله تعالى: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 14]، فهؤلاء الأعراب رضي الله عنهم لهم شرف الصحبة، ومع هذا أخبر الله أنهم لم يصِلوا إلى مرتبة الإيمان التي أنكر عليهم ادعاءَها، ولا شك أن كثيرًا من الذين جاؤوا بعد الصحابة وصلوا إلى مرتبة الإيمان؛ فهم أفضل من كثير من هؤلاء الأعراب رضي الله عنهم، ويدل على هذا أيضا أحاديث صحيحة، منها:
    ما رواه أحمد في مسنده (16976) عن ابن محيريز قال: قلت لأبي جمعة: حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: نعم، أحدثك حديثًا جيدًا، تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال: يا رسول الله، هل أحدٌ خيرٌ منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك، قال: ((نعم، قومٌ مِن بعدكم يؤمنون بي ولم يرَوْني))، وهذا الحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3310)، والأرناؤوط في تحقيق المسند (28/ 182).

    والظاهر أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث تفضيل بعض آخر هذه الأمة على بعض أصحابه مِن غير أهل بدر والحديبية؛ لأن أهل بدر والحديبية قد فضَّلهم الله على كل من جاء بعدهم، فقال سبحانه: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 10]، وأبو عبيدةَ بنُ الجراح رضي الله عنه ممن أنفَق مِن قبلِ الفتح وقاتَل؛ فهو أفضل من كل من جاء بعده، ولكن يحمل الحديث على ما ذكرته؛ جمعًا بين الآية والحديث، وقد يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة ويريد بعضهم؛ كما في حديث أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبُّوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مِثل أُحد ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم، ولا نَصِيفه))؛ متفق عليه.

    ومما يدل على تفضيل بعض صالحي المتأخرين على بعض مَن كان من جملة الصحابة ما رواه مسلم (249) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة، فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددتُ أنَّا قد رأينا إخواننا))، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: ((أنتم أصحابي، وإخوانُنا الذين لم يأتوا بعدُ))، فقالوا: كيف تعرف مَن لم يأتِ بعدُ من أمتك يا رسول الله؟ فقال: ((أرأيت لو أن رجلاً له خيل غُرٌّ محجلة بين ظَهْرَيْ خيل دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يعرف خيله؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فإنهم يأتون غُرًّا محجَّلين من الوضوء، وأنا فرَطُهم على الحوض، ألا لَيُذادنَّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلمَّ، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا)).

    قال القاضي عياض اليحصبي - رحمه الله - تعليقًا على هذا الحديث في كتابه إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 49): "ذهب أبو عمر بن عبدالبر في هذا الحديث وغيره من الأحاديث في فضل مَن يأتي آخر الزمان إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل ممن كان من جملة الصحابة، وأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((خيركم قرني)) على الخصوص، معناه: خير الناس قرني؛ أي: السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، ومن سلك مسلكهم، فهؤلاء أفضل الأمة، وهم المرادون بالحديث، وأما من خلط في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم وإن رآه وصحبه ولم يكن له سابقة ولا أثر في الدين، فقد يكون في القرون التي تأتي بعد القرن الأول مَن يفضلهم، على ما دلت عليه الآثار، وذهب إلى هذا غيره من المتكلمين على المعاني، وذهب معظم العلماء إلى خلاف هذا، وأن من صحب النبي صلى الله عليه وسلم مرة من عمره، وحصلت له مزية الصحبة: أفضل من كل من يأتي بعده، وأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل، قالوا: وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفه))، وحجة الآخر عن هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبعضهم عن بعض، فدل أن ذلك للخصوص لا للعموم"، والظاهر من كلام القاضي عياض أنه يتابع ابن عبدالبر في القول بأنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل ممن كان من جملة الصحابة.

    ومما يدل على تفضيل بعض صالحي المتأخرين على بعض من كان من جملة الصحابة: الحديث الذي رواه ابن نصر في كتاب السنة مرفوعًا: ((إن مِن ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهنَّ يومئذ بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم))، قالوا: يا نبي الله، أو منهم؟ قال: ((بل منكم))، صححه الألباني، وذكر شواهده في سلسلة الأحاديث الصحيحة (494).

    وروى أحمد (22138) عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرار))، وحسنه الأرناؤوط، وصححه الألباني.

    ومما يدل على فضل من يأتي في آخر الزمان: ما رواه مسلم في صحيحه (2897) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تقوم الساعة حتى ينزل الرومُ بالأعماق أو بدابَق، فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافُّوا، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سَبَوْا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدًا، ويقتل ثلثهم، أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبدًا، فيفتتحون قسطنطينية)).

    ويكفي في الدلالة على تفضيل بعض آخر هذه الأمة: ما رواه الترمذي (2869) عن أنس رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مثَل أمتي مثَل المطر، لا يُدرى أوله خير أم آخره))، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/ 355)، وذكر أنه جاء من حديث أنس، وعمار بن ياسر، وعبدالله بن عمر، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن عمرو رضي الله عنهم.

    وختامًا أنبه على أن الله أمرنا أن نستغفر لمن سبقونا بالإيمان، وهذا يدل بوضوح على أنهم غير معصومين، فطوبى لمن أحسن الظن بإخوانه المسلمين، لا سيما إن كان من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ودعا لهم جميعًا بالمغفرة كما أمره الله في كتابه، ولم يجعل في قلبه غلاًّ للذين آمنوا، واجتنب كثيرًا مِن الظن الذي يجعله يسيء إلى السابقين له بالإيمان بما لا يعلم وقوعه منهم، ولو أُوقف لِيحلف بالله إن ذلك وقع منهم، لَمَا تجرأ على الحلف إن كان ذا تقوى؛ لأنه لم يرَ ولم يسمع، فكيف يصيب قومًا بجهالة بسبب أخبار باطلة، أو أخبار صحيحة لكن قد زِيد فيها ونقص، وما آفة الأخبار إلا رواتها، أو أخبار لا يعلم وجهها، ولا يعلم حقيقتها، أو أخبار قد تاب أصحابها، أو أخبار لأصحابها من الحسنات ما يكفر الله بها سيئاتهم؟! ولم لا يدعو المسلم لهم وإن أخطؤوا، ويترضى عنهم بدلاً من سبِّهم ولعنهم وسوء الظن بهم؟! حتى وإن عذَّب الله من يشاء من هذه الأمة ببعض ذنوبهم فلن يخلدهم الرحمن في النار؛ لأنهم مسلمون موحدون، فلم لا نسأل الله أن يغفر لهم، والله أرحم الراحمين؟!

    فيا أخي المسلم، احذر من الذين يريدون أن يوغروا صدرك على المؤمنين السابقين، واعلم أن الصحابة بشر غير معصومين، فهل ستكون من أهل هذه الآية الكريمة العاملين بها: ﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]؟!

    اللهم اغفِرْ لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.


    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/84553/#ixzz3nQFz5Azy
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

  4. #109
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    القواعد السبع الكافية
    في الرد على عدنان إبراهيم في منهجه التشكيكي للسنة النبوية

    الحمد لله الذي حفظ سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأهل الحديث، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، أما بعد:
    فهذه سبع قواعد مهمة تبين منهج العلماء في التعامل مع السنة النبوية، وتبين بُعد عدنان إبراهيم عن المنهج العلمي للعلماء في دراسة السنة المطهرة، وفيها كفاية في الرد على منهجه التشكيكي للسنة الصحيحة، حيث يرد منها ما يشاء، ويقبل منها ما يشاء، ويحسب أنه يحسن بذلك صنعا!!

    وهذه هي القواعد:
    القاعدة الأولى: الجزم في مقام الاحتمال القوي معيب.
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" شرح صحيح البخاري (1/ 204): "طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف أن لا يجزم فيها بشيء بل يوردها على الاحتمال"، وهذه طريقة المنصفين من العلماء كما قال الشافعي رحمه الله: "قولي صواب يحتمل الخطأ وقولك خطأ يحتمل الصواب"، وقد عاب العلماء على الحافظ ابن حبان والعلامة الكرماني رحمهما الله الجزم في مقام الاحتمال، قال ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 122): "أبداه عياض والقرطبي احتمالا، وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته "، وقال أيضا في "فتح الباري" (7/ 67): "لم أعرف من أين تهيأ للكرماني الجزم بذلك مع الاحتمال؟!!"، وما أكثر ما يجزم عدنان إبراهيم مع وجود الاحتمال القوي مثل جزمه بأن أحاديث رجم الزاني المحصن منسوخة، ولم يأت بدليل مقبول على جزمه هذا، مع أن احتمال كونه غير منسوخ هو الظاهر وهو الأصل وهو اليقين والإجماع!!

    والمراد بالاحتمال في هذه القاعدة ما كان احتمالاً قوياً له وجه شرعي يسنده، وقرائن احتفت به تقويه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى الكبرى (1/ 224): "كل احتمال لا يُسند إلى أمارة شرعية لم يُلتفت إليه". فإذا كان الاحتمال بعيدا فلا بأس بالجزم، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 461): "الشك لا يؤثر في الجزم".

    القاعدة الثانية: تكذيب الخبر مع احتمال صدقه ضلال مبين.
    قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 52]، والحديث الصحيح وحي من الله، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]، وروى أحمد في مسنده (22215) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2178) عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما أَقُولُ مَا أُقَوَّلُ "، أي أقول لكم ما أوحاه الله إلي، وروى أحمد في مسنده (17174) وأبو داود في سننه (4604) بسند صحيح عن المقدام بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه".

    قال ابن القيم رحمه الله في حاشيته على سنن أبي داود (7/ 348): "وأما رد الحديث بالقياس فلو لم يكن فيه إلا أنه قياس فاسد مصادم للنص لكفى ذلك في رد القياس، ومعلوم أن رد القياس بصريح السنة أولى من رد السنة بالقياس، وبالله التوفيق".

    وما أكثر ما يرد عدنان إبراهيم كثيرا من الأحاديث الصحاح لأدنى شبهة تعرض له مثل أحاديث نزول عيسى بن مريم آخر الزمان، وأحاديث الشفاعة وخروج الموحدين من النار برحمة الله الواسعة، فهو يُكذِّبها ويكفر بها ويجحدها مع أنه لو أنصف لوجد أن احتمال صدقها قوي جدا والشبهة في ردها ضعيفة جدا!!

    فطريقة العلماء ليست التكذيب والإنكار بما لم يحط الإنسان بعلمه ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 39]، ولا الجزم في مقام الاحتمال المعتبر، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: 36] أي لا تقل ما لا تعلم، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية (5/ 75): " نهى الله تعالى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال، كما قال تعالى: ﴿ اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وفي الحديث: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث"".

    وقد بحثت في المكتبة الشاملة في كتب التفسير وعلوم القرآن والفقه وشروح الحديث والفتاوى وكتب ابن تيمية وابن القيم عن كلمة: (يحتمل) وما تصرف منها فوجدتها 68300 (قريب من سبعين ألفا في 1100 كتاب)!!

    فانظروا إلى منهج العلماء رحمهم الله، لا كالمتعالمين الذين يجزمون في مقام الاحتمال، ولا كأهل البدع والضلال الذين يُكذِّبون بعض أحاديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم وينكرونها ويجحدونها بدعوى أنها لم تدخل عقل الواحد منهم!!

    وقد قرن الله من يُكذِّب بالصدق بمن كذَب على الله، وحكم عليهما جميعا بأنهما ظالمين فقال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 32، 33].

    القاعدة الثالثة: اليقين لا يزول بالشك، وخبر المتخصصين في علمٍ ما لا يصح أن يرده الجاهلون بذلك العلم بالظن.
    فمثلا قواعد أهل الطب لا يُقبل ردها من الجاهلين بالطب، وقواعد النحاة لا يردها الجاهل بالنحو، وهكذا ما صححه المحدثون من الأحاديث لا يُقبل ردها بالظن، فإن الظن لا يغني من الحق شيئا، ونقول لمن أراد أن يشكك في حديث في الصحيحين أو في غيرهما مما صححه أهل الحديث: لن يُقبل ذلك منك إلا إذا أتيت بحجة بينة بحسب القواعد التي وضعها أهل الحديث رحمهم الله، فإنهم لا يضعفون الحديث إلا لطعن في أحد الرواة أو لسقط في الإسناد، فأثبت لنا أن أحد رواة الحديث غير ثقة أو أنه أخطأ في روايته، أو أثبت لنا أن هناك سقطا في الإسناد وانقطاعا، وإلا فاسكت خيرا لك.

    فطريقة أهل الحديث أنهم يجمعون طرق الحديث فيتبين لهم الصواب من الخطأ، وبجمعهم للروايات يتبين لهم حال الرواة في الحفظ والإتقان، فمن وافق من الرواة أصحابه الذين يشاركونه في الرواية عن شيخهم تبين لهم ضبطه وإتقانه، فإن خالفهم بالزيادة والنقصان والخطأ تبين لهم ضعف حفظه، فإن أضاف إلى ذلك تفرده بروايات عن شيخهم الواحد ولم يذكرها غيره من طلاب ذلك الشيخ تبين لأهل الحديث كذب ذلك الراوي أو اتهموه بالكذب بحسب إكثاره من التفرد وبحسب مروياته ومخالفته لأقرانه الذين يروون عن شيخ واحد.

    قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه (1/ 7): "وعلامة المنكر في حديث المحدث، إذا ما عُرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا، خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث، غير مقبوله".

    وقال ابن أبي حاتم رحمه الله في مقدمة كتابه الجرح والتعديل (1/ 5 -7 ): " وجب أن نميز بين عدول الرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة. ولما كان الدين هو الذي جاءنا عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقل الرواة حُق علينا معرفتهم، ووجب الفحص عن الناقلة والبحث عن أحوالهم، وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة والثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته، بأن يكونوا أمناء في أنفسهم، علماء بدينهم، أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث وإتقان به وتثبت فيه، وأن يكونوا أهل تمييز وتحصيل، لا يشوبهم كثير من الغفلات، ولا تغلب عليهم الأوهام فيما قد حفظوه ووعوه، ولا يشبه عليهم بالأغلوطات. وأن يُعزل عنهم الذين جرحهم أهل العدالة وكشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم، وما كان يعتريهم من غالب الغفلة وسوء الحفظ وكثرة الغلط والسهو والاشتباه، ليُعرف به أدلة هذا الدين.

    وليُعرف أهل الكذب تخرصا، وأهل الكذب وهما، وأهل الغفلة والنسيان والغلط ورداءة الحفظ، فيُكشف عن حالهم، فيسقط حديث من وجب منهم أن يسقط حديثه ولا يُعبأ به ولا يُعمل عليه، ويُكتب حديث من وجب كتب حديثه منهم على معنى الاعتبار.

    ثم احتيج إلى تبيين طبقاتهم ومقادير حالاتهم وتباين درجاتهم؛ ليُعرف من كان منهم في منزلة الانتقاد والبحث عن الرجال والمعرفة بهم، وهؤلاء هم أهل التزكية والتعديل والجرح. ويُعرف من كان منهم عدلا في نفسه من أهل الثبت في الحديث والحفظ له والإتقان فيه. ومنهم من قد ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال منهم الكذب، فهذا يُترك حديثه ويطرح روايته ويُسقط ولا يُشتغل به" انتهى بتصرف واختصار.

    القاعدة الرابعة: إذا تعارض نصان ثابتان يُجمع بينهما ولا يُكذَّب أحدهما.
    إذا تعارض نصان ثابتان سواء كانا آيتين أو آية وحديثا، أو حديثين، فإن العلماء يقولون: يُجمع بينهما فإن لم يمكن يُنظر الناسخ من المنسوخ، فإن لم يُعرف المتقدم من المتأخر يُرجح بينهما، والمرجحات عند العلماء أكثر من 100 مرجح لا يعلم منها المشككون في السنة إلا أن يُقدم القرآن على السنة أو المتواتر على الآحاد!! ثم إن لم يمكن الترجيح يقولون: نتوقف وفوق كل ذي علم عليم.

    انظر في بيان هذا كتاب نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر ص 97، وانظر كتاب التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح للحافظ العراقي رحمه الله ص 286 وما بعدها فقد ذكر مائة وعشرة من المرجحات!!

    فهذه طريقة أهل العلم قديما وحديثا، أما طريقة أهل الأهواء فالتكذيب والرد لما يظنونه لا يدخل عقولهم!!

    وطريقتهم هذه مبتدعة ومتناقضة، وقد توصلهم إلى الكفر إن أعملوها في نصوص القرآن الكريم، وهم إن لم يعملوها في القرآن وأعملوها في السنة فقد تناقضوا؛ فإن القرآن والسنة الصحيحة كلاهما وحي وكلاهما حق، وإن صدَّقوا ببعض الآيات القرآنية وإن لم تدخل عقولهم فلماذا لا يقبلون بعض ما في السنة مما لم يدخل عقولهم؟!!

    وهذا التناقض الواضح يكفي في بيان بطلان منهجهم، فإن في القرآن العظيم أشياء تحير العقل ويجب الإيمان بها وإن لم تدخل عقولنا، وسأذكر ثلاثة أمثلة من سورة واحدة وهي سورة الكهف:
    1- قصة أصحاب الكهف العجيبة وفيها قال تعالى: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾ [الكهف: 25]، وهذا شيء عجيب جدا قد لا يدخل عقول الكفرة، ولكننا نؤمن به ولا نشك فيه لقول الله، ولو جاءت هذه القصة في حديث صحيح لما شككنا فيه أيضاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

    2- قصة موسى مع الخضر عليهما الصلاة والسلام فيها عجائب كثيرة منها قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ﴾ [الكهف: 61] أي أحياه الله بعد موته واتخذ طريقاً في البحر، حيث حبس الله جرية الماء فصار هناك نفقاً في مكان دخول الحوت البحر!! وهذا شيء عجيب جدا كما قال فتى موسى: ﴿ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ﴾ [الكهف: 63]، فهل يدخل هذا العقل؟! نعم يدخل عقول المؤمنين، ومن كذَّب بهذا كفر، ولو كان هذا في حديث صحيح لآمنا به، ولم نقل: هذا من الإسرائيليات كما هو منهج المهندس عدنان إبراهيم!!

    3- قصة ذي القرنين وبنائه الردم، قال تعالى حاكيا عنه: ﴿ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 96، 97]، وهذا أمر عجيب جدا يحير العقول ولكن ليس محالا، فالله آتى ذا القرنين من كل شيء سببا، ونحن نؤمن بهذه القصة التي أخبرنا الله عنها ولا نشك فيها، ومن شك فيها وقال: هذا من أساطير الأولين فقد كفر، ولو كانت هذه القصة في حديث صحيح ولو كان في صحيحي البخاري ومسلم لسمعنا عدنان إبراهيم يسارع بقوله: هذا من خرافات الأولين!! ولسمعنا أتباعه يرددون قوله كالببغاوات ويقولون: هذا لا يدخل العقل ولا يمكن أن نصدقه أبداً!!

    وكأني بالإمام أبي محمد بن قتيبة رحمه الله المتوفى سنة 276هـ يرد على عدنان إبراهيم وأشباهه في كتابه تأويل مختلف الحديث ص 61: "قال أبو محمد: وقد تدبرت -رحمك الله- كلام العايبين فوجدتهم يقولون على الله ما لا يعلمون، ويعيبون الناس بما يأتون، ويبصرون القذى في عيون الناس، وعيونهم تطرف على الأجذاع، ويتهمون غيرهم في النقل، ولا يتهمون آراءهم في التأويل. ومعاني الكتاب والحديث، وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة، لا يدرك بالطفرة والكيفية والكمية والأينية، ولو ردوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما، وضح لهم المنهج، واتسع لهم المخرج" انتهى كلامه رحمه الله.

    ومدرسة عدنان إبراهيم العقلية ليست جديدة، بل هي قديمة جداً من قبل عهد ابن قتيبة رحمه الله لكنها تتكرر في كل عصر، وما أكثر ضحايا هذه المدرسة التشكيكية، قال الله سبحانه: ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [يونس: 36]، وقال تعالى: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 147]، فكونوا يا عباد الله من الصدِّيقين ولا تكونوا من المرتابين!!

    القاعدة الخامسة: باجتماعِ النقلِ الصحيح والعقلِ الصريح تُدْرَكُ الحقائق الشرعيَّةُ.
    باجتماعِ النقلِ الصحيح والعقلِ الصريح تُدْرَكُ الحقائق الشرعيَّةُ؛ فلا النقلُ وحده يُفِيدُ فاقدَ العَقْلِ، ولا العقلُ وحده يُفِيدُ فاقدَ النَّقْل، فلا بد من اجتماعهما، وبنقصِ واحدٍ منهما تَنْقُصُ المعرفةُ بالحَقّ.

    وليس في العقل الصريح ولا في شيء من النقل الصحيح من القرآن والسنة ما يوجب مخالفة الشرع أصلاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموعة الرسائل والمسائل (3 /64-65): "كل ما يدل عليه الكتاب والسنة فإنه موافق لصريح المعقول، والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، ولكن كثيراً من الناس يغلطون إما في هذا وإما في هذا، فمن عرف قول الرسول ومراده به كان عارفاً بالأدلة الشرعية وليس في المعقول ما يخالف المنقول، ولهذا كان أئمة السنة على ما قاله أحمد بن حنبل: معرفة الحديث والفقه فيه أحب إلي من حفظه، أي معرفته بالتمييز بين صحيحه وسقيمه، والفقه فيه معرفة مراد الرسول وتنزيله على المسائل الأصولية والفروعية أحب إلي من أن تحفظ من غير معرفة وفقه، وهكذا قال علي بن المديني وغيره من العلماء فإنه من احتج بلفظ ليس بثابت عن الرسول أو بلفظ ثابت عن الرسول وحمله على ما لم يدل عليه فإنما أتي من نفسه. وكذلك العقليات الصريحة إذا كانت مقدماتها وترتيبها صحيحاً لم تكن إلا حقاً لا تناقض شيئاً مما قاله الرسول، والقرآن قد دل على الأدلة العقلية التي بها لم تكن إلا حقاً وتوحيده وصفاته وصدق رسله وبها يعرف إمكان المعاد، ففي القرآن من بيان أصول الدين التي تعلم مقدماتها بالعقل الصريح ما لا يوجد مثله في كلام أحد من الناس " انتهى مختصرا.

    القاعدة السادسة: إن تعارض النقل والعقل في الظاهِرِ قُدِّمَ النَّقْلُ على العقلِ.
    إن تعارض النقل والعقل في الظاهِرِ قُدِّمَ النَّقْلُ على العقلِ؛ لأنَّ النَّقْلَ عِلْمُ الخالِقِ الكامِلِ، والعَقْلَ عِلْمُ المخلوقِ القاصِر، وهذا التعارض يكون بحسب الظاهر لا في حقيقة الأمر؛ فإنه لا يمكن أبداً حصول تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح، وإذا وجد تعارض فإما أن يكون النقل غير صحيح أو العقل غير صريح . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة العرشية ص35: " ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كله حق يصدق بعضه بعضا، وهو موافق لفطرة الخلائق، وما جعل فيهم من العقول الصريحة، والقصود الصحيحة، لا يخالف العقل الصريح، ولا القصد الصحيح، ولا الفطرة المستقيمة، ولا النقل الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وإنما يظن تعارضها: من صدَّق بباطل من النقول، أو فهم منه ما لم يدل عليه، أو اعتقد شيئا ظنه من العقليات وهو من الجهليات، أو من الكشوفات وهو من الكسوفات إن كان ذلك معارضا لمنقول صحيح وإلا عارض بالعقل الصريح، أو الكشف الصحيح، ما يظنه منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون كذبا عليه، أو ما يظنه لفظا دالا على شيء ولا يكون دالا عليه ".

    والعقل كالبَصَر، والنقل كالنُّور؛ لا يَنتفِعُ المُبْصِرُ بعينِهِ في ظلامٍ دامِس، ولا يَنتفِعُ العاقلُ بعقلِهِ بلا وَحْي، وبِقَدْرِ النورِ تَهْتَدِي العَيْن، وبقدرِ الوحيِ يَهتَدِي العَقْل، وبكمالِ العقلِ والنقلِ تَكتمِلُ الهدايةُ والبصيرة؛ كما تَكتمِلُ الرؤيةُ حِينَ الظَّهِيرَة، فالمؤمنون أبصر الناس بالحقائق الشرعية لجمعهم بين النقل الصحيح والعقل الصريح قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122]، وقال سبحانه: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 14].

    القاعدة السابعة: يجب اتباع الوحي وعدم الاستغناء عنه بالعقل وحده.
    يجب اتباع الوحي وعدم الاستغناء عنه بالعقل وحده، ومَنْ قالَ: إِنَّهُ يَهتَدِي إلى اللهِ بعقلِهِ المُجرَّدِ بلا وحيٍ، فهو كمَنْ قالَ: إنَّهُ يَهْتَدِي إلى طريقِهِ بعينِهِ المُجرَّدَةِ بلا ضياءٍ، وكُلٌّ منهما جاحدٌ لقطعيٍّ ضروريٍّ، والأوَّلُ بلا دِين، والثاني بلا دُنْيَا. والأول بلا بصيرة، والثاني بلا بصر، قال تعالى: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

    والوحي هو الذي يَهْدِي الأنبياءَ، ويَهْدِي أَتْبَاعَهُمْ، ويدل على هذا قول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾ [سبأ: 50]، وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54]، فلا هداية إلا لمن اتبع الوحي ومن لم يتبعه فقد ضل ضلالا مبينا قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء:136]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

    وقد ضل مَنْ يقول: لا أُصدِّق بأي حديث إلَّا إذا أدرَكَهُ عقلي، وما لا يُدْرِكُهُ لا أُؤمِنُ به، فإن هذا قَدَّمَ العقلَ القاصر الناقص الذي يجهل أكثر مما يعلم على الحديث الصحيح الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فالمؤمن العاقل يقدم الحديث الصحيح على كل عقل، فما لا يُدرِكُهُ العقلُ لا يَعْنِي عدَمَ وجودِهِ، ولكنَّهُ هو غيرُ مُدْرِكٍ له، فللعقلِ حَدٌّ يَنتهِي إليه، كما أنَّ لِلْبَصَرِ حَدًّا ينتهِي إليه لا ينتهي الكونُ والوجودُ بنهايتِهِ، وللسمعِ حَدٌّ لا تنتهِي الأصواتُ بنهايتِهِ؛ فللنَّمْلَةِ صوتٌ لا يُسْمَع، وفي الكونِ فَضَاءٌ وكواكبُ ونجومٌ لا تُرَى.

    ومعلوم أن النصوص الشرعية منها ما يفهمه غالب الناس، ومنها مما لا يفهمه إلا العلماء، ومنها ما لا يفهمه ويعرف دلالته إلا الراسخون من أهل العلم، فيكون موقفنا هو العمل بالمحكم والوقوف عند المتشابه. والمتشابه: هو ما لا يعلمه إلا الراسخون من أهل العلم، وأما جعل هذا المتشابه أصلا، أو التشكيك في المحكمات بضربها بالمتشابهات فهذا سبيل أهل الغي، يقول الله سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7].

    والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح بحال، ومتى توهم متوهم أن نصا من النصوص الشرعية الثابتة مخالف للعقل فليتهم عقله هو، والشريعة الإسلامية - بحمد الله- تأتي بما تحار فيه العقول ولا تأتي أبدأ بما تحيله العقول كما قرر ذلك المحققون من العلماء، بمعنى أن الشريعة لا تأتي بما تعده العقول السليمة أمرا مستحيلا.

    ويجب التسليم للنقل الصحيح أخبارا وأحكاما سواء عَرَفْنا العِلَّةَ أو لم نَعْرِفْها، قال الزهري رحمه الله: "من الله الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم ".

    فبعض القضايا العقلية الثابتة بالأدلة القطعية لا تدركها بعض العقول لعدم فهمها لها، فكيف بالقضايا التي لا تحيط بها العقول وهي كثيرة جدا مما نراه ونشاهده؟! ومن أقربها سبب تثاؤب بعض الناس عند تثاؤب شخص آخر في المكان الذي هو فيه!! فلا تعرف العقول سبب ذلك، ومن تكلم في سبب ذلك بالظن لا يمكنه أن يطلب من جميع الناس أن يسلموا بتفسيره، ومثل ذلك الروح لا تحيط العقول بحقيقتها قال الله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85] قال الشوكاني رحمه الله في تفسيره فتح القدير (3 /302): " أي: هو من جنس ما استأثر الله بعلمه من الأشياء التي لم يعلم بها عباده، ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله سبحانه: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85] أي: أن علمكم الذي علمكم الله، ليس إلا المقدار القليل بالنسبة إلى علم الخالق سبحانه، وإن أوتي حظا من العلم وافرا، بل علم الأنبياء عليهم السلام ليس هو بالنسبة إلى علم الله سبحانه إلا كما يأخذ الطائر في منقاره من البحر، كما في حديث موسى والخضر عليهما السلام" انتهى.

    وبالجملة يجب على المسلم أن يقدم قول الله ورسوله على كل قول وعلى كل قياس وعلى كل ذوق وعلى كل استحسان، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1] قال ابن كثير في تفسيره: " أي: لا تسرعوا في الأشياء بين يديه، أي: قبله، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور، وعن ابن عباس قال: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1]: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة، وقال الضحاك: لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم. وقال سفيان الثوري: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1] بقول ولا فعل " انتهى.

    ومن أشكل عليه حديثاً صحيحاً فلا يبادر إلى إنكاره وتكذيبه ورده، بل يرجع إلى كلام أهل العلم في شرحه وتوجيهه، روى ابن ماجه (20) بسند صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فظنوا به الذي هو أهناه، وأهداه، وأتقاه»، وقد ألف العلماء كثيرا من الكتب في بيان مشكل الحديث وتكلموا في توجيه ما يشكل منها أو ما يخالف بعضها بعض في الظاهر، كما تكلموا في توجيه الآيات القرآنية المتعارضة في الظاهر، وألفوا كتبا كثيرة في ذلك من أجمعها كتاب العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" وأكتفي هنا بذكر مثالين يبينان توجيه العلماء للآيات المتعارضة في الظاهر:
    المثال الأول: قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ [البقرة: 29] هذه الآية تعارض في الظاهر آيات سورة النازعات ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴾ [النازعات: 27 - 31]، حيث تدل آية سورة البقرة على أن خلق الأرض قبل خلق السماء بدليل لفظة: «ثم»، ومثلها آيات سورة فصلت: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [فصلت: 9 - 12] بينما آيات سورة النازعات تدل على أن خلق الأرض بعد خلق السماء!!

    وقد سُئل عن هذا الإشكال حبر القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فأجاب بأن الله تعالى خلق الأرض أولاً قبل السماء غير مدحوة، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبعا في يومين ثم دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي والأنهار وغير ذلك، فأصل خلق الأرض قبل خلق السماء، ودحوها بجبالها وأشجارها ونحو ذلك بعد خلق السماء، ويدل لهذا أنه قال: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [النازعات: 30] ولم يقل: خلقها، ثم فسر دحوه إياها بقوله: ﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴾ [النازعات: 31]، وجمع بعض العلماء بجمع آخر وجيه وهو أن معنى قوله: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [النازعات: 30] أي مع ذلك، فلفظة «بعد» بمعنى مع، ونظيره قوله تعالى: ﴿ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ [القلم: 13]، فهذان وجهان صحيحان للجمع بين الآيتين، ولو كانت آية سورة النازعات واردة في حديث صحيح لسارع المبطلين أمثال عدنان إبراهيم بالتكذيب به بدعوى التعارض بين القرآن والحديث!!

    المثال الثاني: قوله تعالى في سورة المرسلات: ﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [المرسلات: 35، 36] هذه الآية الكريمة تدل على أن أهل النار لا ينطقون ولا يعتذرون، وقد جاءت آيات أخرى تدل على أنهم ينطقون ويعتذرون، كقوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾، وقوله: ﴿ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ﴾ [غافر: 71 - 74]، فهذه الآيات تعارض في الظاهر آية سورة المرسلات، ولو كانت آية سورة المرسلات حديثاً صحيحاً لسارع المبطلين إلى رده بدعوى مخالفته للقرآن، مع أن الجمع ممكن فقد قال أهل العلم: القيامة مواطن كثيرة، ففي بعضها ينطقون وفي بعضها لا ينطقون، وبهذا نصدق بجميع النصوص، وكلها حق، ولا تُرد بعض النصوص ببعض بدعوى التعارض كما هو منهج عدنان إبراهيم، فهذا جهل عظيم بمنهج العلماء فإنهم لا يقولون بالتعارض إلا إذا لم يمكن الجمع كما تقدم تقريره، ولكن زيِّن له سوء صنعه ويحسب أنه يحسن صنعاً، وقد حذرنا الله من مخالفة منهج الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين بأنه يعاقب من فعل ذلك بأن يوله ما تولى أي يُزيِّن له الباطل في عينيه، قال الله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].

    فأنصح لوجه الله كل من اغتر بالدكتور عدنان إبراهيم أن يحذره فإنه صاحب ضلالة، ولا تغتروا بذكائه وفصاحته وثقافته، فليس بأذكى من الفيلسوف ابن سيناء صاحب التصانيف في الطب والفلسفة والمنطق الذي كفَّره العلامة أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابيه "تهافت الفلاسفة" و"المنقذ من الضلال" لكونه ينكر علم الله بالجزئيات وينكر البعث بعد الموت، وليس عدنان إبراهيم بأفصح ولا أوسع علماً وفنوناً من فخر الدين الرازي صاحب التفسير الكبير في 32 مجلداً ومع هذا ضلله أهل العلم بسبب عقائده الباطلة وآرائه المحدثة التي أضل بها كثيرا من الخلق، وقد قال عنه الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء" (21/ 500): "العلامة الكبير، ذو الفنون، فخر الدين، محمد بن عمر بن الحسين القرشي، البكري، الطبرستاني، الأصولي، المفسر، كبير الأذكياء والحكماء والمصنفين، انتشرت تواليفه في البلاد شرقاً وغرباً، وكان يتوقد ذكاء، وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم وسحر وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه، فإنه توفي على طريقة حميدة، والله يتولى السرائر، وقد اعترف في آخر عمره حيث يقول: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن" انتهى المراد منه مختصرا.

    وما أحسن ما قاله الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (14/ 62):" لعن الله الذكاء بلا إيمان، ورضي الله عن البلادة مع التقوى".

    فليست العبرة بالتوسع في جمع المعلومات أو الثقافة الواسعة أو الفصاحة الزائدة، العبرة في البحث العلمي بالنقول الصحيحة، والتمسك بالقرآن والسنة واتباع سبيل المؤمنين، ولا يشك منصف أن عدنان إبراهيم غير متبع لسبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين ومن اتبعهم بإحسان، وقد روى أبو داود والترمذي وصححه الألباني عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».

    وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "من كان مستنًا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا خير هذه الأمة، وأبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم، وطرائقهم، فهم كانوا على الهدي المستقيم".

    وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله: "عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول"، وقال أيضًا: "اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا: وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم".

    وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدع".

    وما أحسن ما قال أبو بكر بن أبي داود السجستاني:
    تمسك بحبل الله واتبع الهدى
    ولا تك بدعيا لعلك تفلح
    ودن بكتاب الله والسنن التي
    أتت عن رسول الله تنجو وتربح
    ودع عنك آراء الرجال وقولهم
    فقول رسول الله أزكى وأشرح
    ولا تك من قوم تلهو بدينهم
    فتطعن في أهل الحديث وتقدح

    وما أكثر طعن عدنان إبراهيم لأهل الحديث وقدحه في صحاح الأحاديث، ولا ينطلي كلامه إلا على غير المتخصصين في الحديث، وإني لأتعجب من إخفائه لبعض الحقائق في بعض الأحاديث النبوية التي ينكرها!! فإما أنه لم يبحث الحديث بتوسع أو علم ما يرد كلامه فأخفاه على أتباعه تدليسا، والله حسيبه.

    مثال ذلك: سمعته يرد حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " خلق الله آدم على صورته"، قال عدنان إبراهيم: رواه همام عن أبي هريرة وكان همام يهوديا!! ولم يذكر أنه رواه أبو أيوب بشير بن كعب عن أبي هريرة كما في صحيح مسلم (2612)، فقد توبع همام، وهذا على فرض أن هماماً غير ثقة!! مع أن همام بن منبه ثقة ثبت متقن عند أهل الحديث، وهم المتخصصون الذي يرجع إليهم في معرفة حال الرواة.

    والعجيب أن عدنان لم يذكر تتمة الحديث من صحيح البخاري؛ لأن تتمته ترد عليه ما شنع به!! قال البخاري في صحيحه (6227): حدثنا يحيى بن جعفر، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا"!!

    ولم يذكر عدنان إبراهيم كلام شراح الحديث ومن ذلك ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري " (5/ 183): "واختلف في الضمير على من يعود، فالأكثر على أنه يعود على المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها، وقال القرطبي: أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكا بما ورد في بعض طرقه: "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن" قال: وكأن من رواه أورده بالمعنى متمسكا بما توهمه فغلط في ذلك، وقد أنكر المازري ومن تبعه صحة هذه الزيادة ثم قال: وعلى تقدير صحتها فيحمل على ما يليق بالباري سبحانه وتعالى".

    وقال الألباني رحمه الله في شرح هذا الحديث في "صحيح الأدب المفرد" ص 86: "أي: على صورة آدم عليه السلام، وقد جاء ذلك صراحة في حديث آخر لأبي هريرة بلفظ: " خلق الله آدم على صورته، وطوله ستون ذراعا" متفق عليه، فإذا شتم المسلم أخاه وقال له: " قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك" شمل الشتم آدم أيضا؛ فإن وجه المشتوم يشبه وجه آدم، والله خلق آدم على هذه الصورة التي نشاهدها في ذريته، إلا أن الفرق أن آدم خلقه الله بيده، ولم يمر بالأدوار والأطوار التي يمر بها بنوه، وإنما خلقه من تراب. قال تعالى في أول سورة المؤمنون: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14]" انتهى كلام الألباني الذي لم يطلع عليه عدنان أو عرفه وأخفاه؛ لأنه يريد أن يطعن في السنة ويشكك الناس بها!!

    ولم يذكر عدنان أيضا أن حديث الصورة رواه ابن عمر مع أبي هريرة رضي الله عنهم؛ لأن هذا سيبطل كلامه من أصله، فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير (13580) عن ابن عمر، وهذا لا يعجب عدنان إبراهيم؛ لأنه يتجرأ على أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه أكثر من غيره!!

    ودعواه أن هذا الحديث مذكور في التوراة لا يُرد به الحديث، فما أكثر ما في التوراة مما في القرآن والسنة!! فالتوراة أصلها من عند الله، فإذا وجدنا فيها ما يوافق القرآن أو السنة صدقنا به، ولعله مما سلم من التحريف، لا أن نرد ما في السنة مما وافق التوراة بدعوى أنها إسرائيليات، فأفٍ لهذا المنهج الضال الذي يشكك الناس في سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

    مثال آخر: سمعت خطبة جمعة ألقاها عدنان إبراهيم في النمسا، وكل الخطبة في إنكار أحاديث رجم المحصن الزاني، فتعجبت من جرأته على رد السنة بالعقل والهوى بلا بحث علمي ولا حجة مقبولة، ودعاويه كثيرة وكبيرة مثل قوله: أحاديث الرجم من دسائس مسيلمة الكذاب أو ابن المقفع!!!

    هل لهم يا قوم في بعدتهم من فقيه أو إمام يتبع؟!!
    أين الأدلة على دعاويه، لا شك أنه ضال مضل نعيذ المسلمين بالله من شره وضلالاته.

    وأحب في آخر البحث أن أسأل عدنان إبراهيم وأتباعه: هل تؤمنون بهذا الحديث الذي في الصحيحين [رواه البخاري رقم (3471) ومسلم رقم (2388) ] من طريق سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بينما رجل يسوق بقرة له، قد حمل عليها، التفتت إليه البقرة فقالت: إني لم أُخلق لهذا، ولكني إنما خُلقت للحرث " فقال الناس: سبحان الله بقرة تكلَّم؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإني أومن به وأبو بكر، وعمر». ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا راعٍ في غنمه، عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي حتى استنقذها منه، فالتفت إليه الذئب فقال له: من لها يوم السَّبُعِ، يوم ليس لها راعٍ غيري؟ " فقال الناس: سبحان الله!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإني أومن بذلك، أنا وأبو بكر وعمر»؟!

    فهل تصدقون بهذا يا أيها المرتابون في السنة النبوية؟!
    لعل بعضكم ينكره، وبعضكم يشك فيه، وبعضكم يصدق به، أما نحن أهل السنة فنقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإني أومن بذلك، أنا وأبو بكر وعمر»، ونحن نصدق بما هو أعجب منه في القرآن الكريم كقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ﴾ [النمل: 82]، وقال تعالى عن النبي سليمان عليه الصلاة والسلام: ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 38 - 40]، ولو كانت قصة سليمان عليه السلام وإتيان العرش له من أرض سبأ إلى بلاد الشام قبل أن يرتد إليه طرفه في أحاديث صحيحة لردها عدنان إبراهيم بكل جرأة، لكونها أحاديث آحاد، وأنكروا على من يصدق بها، وقالوا عنهم: هؤلاء خرافيون، وقالوا: أنؤمن بهذا كما آمن السفهاء؟! لا يمكن أن نصدق ما يخالف العقل!! ولو كان الراوي لهذه القصة أبا هريرة رضي الله عنه لازداد تجرؤهم في رد هذه القصة، ولو كانت مذكورة في التوراة لجزموا بأنها من الإسرائيليات!!

    لكن هاهم يصدقون بها مع أنها لم تدخل عقولهم فلِمَ لا يُصدِّقون الأحاديث الصحاح التي يزعمون أنها لا تدخل عقولهم وكلها وحي من الله أو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!

    وختاما: الإيمان مبني على التصديق بخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي أول المصحف الكريم في بيان صفات المتقين: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 2، 3]، أي يصدِّقون بالغيب، والغيب هو خبر الله وخبر رسوله، فلا يُكذَّب خبر الله وخبر رسوله لشبهة، ولا يُعارض أمر الله وأمر رسوله لشهوة، وهذا خلاصة الدين الإسلامي:
    التصديق بالأخبار، والعمل بالأحكام، قال الله تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 115 - 117]، وبالله التوفيق.

    هذا بحمد الله ما يسر الله لي إيراده باختصار، نصحا للمسلمين، ودفاعا عن سنة خاتم المرسلين.


    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/78091/#ixzz3nQGKcxV3
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

  5. #110
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    القواعد السبع الكافية في الرد على عدنان إبراهيم في منهجه التشكيكي للسنة النبوية

    الحمد لله الذي حفظ سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأهل الحديث، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، أما بعد:
    فهذه سبع قواعد مهمة تبين منهج العلماء في التعامل مع السنة النبوية، وتبين بُعد عدنان إبراهيم عن المنهج العلمي للعلماء في دراسة السنة المطهرة، وفيها كفاية في الرد على منهجه التشكيكي للسنة الصحيحة، حيث يرد منها ما يشاء، ويقبل منها ما يشاء، ويحسب أنه يحسن بذلك صنعا!!

    وهذه هي القواعد:
    القاعدة الأولى: الجزم في مقام الاحتمال القوي معيب.
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" شرح صحيح البخاري (1/ 204): "طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف أن لا يجزم فيها بشيء بل يوردها على الاحتمال"، وهذه طريقة المنصفين من العلماء كما قال الشافعي رحمه الله: "قولي صواب يحتمل الخطأ وقولك خطأ يحتمل الصواب"، وقد عاب العلماء على الحافظ ابن حبان والعلامة الكرماني رحمهما الله الجزم في مقام الاحتمال، قال ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 122): "أبداه عياض والقرطبي احتمالا، وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته "، وقال أيضا في "فتح الباري" (7/ 67): "لم أعرف من أين تهيأ للكرماني الجزم بذلك مع الاحتمال؟!!"، وما أكثر ما يجزم عدنان إبراهيم مع وجود الاحتمال القوي مثل جزمه بأن أحاديث رجم الزاني المحصن منسوخة، ولم يأت بدليل مقبول على جزمه هذا، مع أن احتمال كونه غير منسوخ هو الظاهر وهو الأصل وهو اليقين والإجماع!!

    والمراد بالاحتمال في هذه القاعدة ما كان احتمالاً قوياً له وجه شرعي يسنده، وقرائن احتفت به تقويه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى الكبرى (1/ 224): "كل احتمال لا يُسند إلى أمارة شرعية لم يُلتفت إليه". فإذا كان الاحتمال بعيدا فلا بأس بالجزم، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 461): "الشك لا يؤثر في الجزم".

    القاعدة الثانية: تكذيب الخبر مع احتمال صدقه ضلال مبين.
    قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 52]، والحديث الصحيح وحي من الله، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]، وروى أحمد في مسنده (22215) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2178) عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما أَقُولُ مَا أُقَوَّلُ "، أي أقول لكم ما أوحاه الله إلي، وروى أحمد في مسنده (17174) وأبو داود في سننه (4604) بسند صحيح عن المقدام بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه".

    قال ابن القيم رحمه الله في حاشيته على سنن أبي داود (7/ 348): "وأما رد الحديث بالقياس فلو لم يكن فيه إلا أنه قياس فاسد مصادم للنص لكفى ذلك في رد القياس، ومعلوم أن رد القياس بصريح السنة أولى من رد السنة بالقياس، وبالله التوفيق".

    وما أكثر ما يرد عدنان إبراهيم كثيرا من الأحاديث الصحاح لأدنى شبهة تعرض له مثل أحاديث نزول عيسى بن مريم آخر الزمان، وأحاديث الشفاعة وخروج الموحدين من النار برحمة الله الواسعة، فهو يُكذِّبها ويكفر بها ويجحدها مع أنه لو أنصف لوجد أن احتمال صدقها قوي جدا والشبهة في ردها ضعيفة جدا!!

    فطريقة العلماء ليست التكذيب والإنكار بما لم يحط الإنسان بعلمه ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 39]، ولا الجزم في مقام الاحتمال المعتبر، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: 36] أي لا تقل ما لا تعلم، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية (5/ 75): " نهى الله تعالى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال، كما قال تعالى: ﴿ اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وفي الحديث: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث"".

    وقد بحثت في المكتبة الشاملة في كتب التفسير وعلوم القرآن والفقه وشروح الحديث والفتاوى وكتب ابن تيمية وابن القيم عن كلمة: (يحتمل) وما تصرف منها فوجدتها 68300 (قريب من سبعين ألفا في 1100 كتاب)!!

    فانظروا إلى منهج العلماء رحمهم الله، لا كالمتعالمين الذين يجزمون في مقام الاحتمال، ولا كأهل البدع والضلال الذين يُكذِّبون بعض أحاديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم وينكرونها ويجحدونها بدعوى أنها لم تدخل عقل الواحد منهم!!

    وقد قرن الله من يُكذِّب بالصدق بمن كذَب على الله، وحكم عليهما جميعا بأنهما ظالمين فقال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 32، 33].

    القاعدة الثالثة: اليقين لا يزول بالشك، وخبر المتخصصين في علمٍ ما لا يصح أن يرده الجاهلون بذلك العلم بالظن.
    فمثلا قواعد أهل الطب لا يُقبل ردها من الجاهلين بالطب، وقواعد النحاة لا يردها الجاهل بالنحو، وهكذا ما صححه المحدثون من الأحاديث لا يُقبل ردها بالظن، فإن الظن لا يغني من الحق شيئا، ونقول لمن أراد أن يشكك في حديث في الصحيحين أو في غيرهما مما صححه أهل الحديث: لن يُقبل ذلك منك إلا إذا أتيت بحجة بينة بحسب القواعد التي وضعها أهل الحديث رحمهم الله، فإنهم لا يضعفون الحديث إلا لطعن في أحد الرواة أو لسقط في الإسناد، فأثبت لنا أن أحد رواة الحديث غير ثقة أو أنه أخطأ في روايته، أو أثبت لنا أن هناك سقطا في الإسناد وانقطاعا، وإلا فاسكت خيرا لك.

    فطريقة أهل الحديث أنهم يجمعون طرق الحديث فيتبين لهم الصواب من الخطأ، وبجمعهم للروايات يتبين لهم حال الرواة في الحفظ والإتقان، فمن وافق من الرواة أصحابه الذين يشاركونه في الرواية عن شيخهم تبين لهم ضبطه وإتقانه، فإن خالفهم بالزيادة والنقصان والخطأ تبين لهم ضعف حفظه، فإن أضاف إلى ذلك تفرده بروايات عن شيخهم الواحد ولم يذكرها غيره من طلاب ذلك الشيخ تبين لأهل الحديث كذب ذلك الراوي أو اتهموه بالكذب بحسب إكثاره من التفرد وبحسب مروياته ومخالفته لأقرانه الذين يروون عن شيخ واحد.

    قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه (1/ 7): "وعلامة المنكر في حديث المحدث، إذا ما عُرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا، خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث، غير مقبوله".

    وقال ابن أبي حاتم رحمه الله في مقدمة كتابه الجرح والتعديل (1/ 5 -7 ): " وجب أن نميز بين عدول الرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة. ولما كان الدين هو الذي جاءنا عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقل الرواة حُق علينا معرفتهم، ووجب الفحص عن الناقلة والبحث عن أحوالهم، وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة والثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته، بأن يكونوا أمناء في أنفسهم، علماء بدينهم، أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث وإتقان به وتثبت فيه، وأن يكونوا أهل تمييز وتحصيل، لا يشوبهم كثير من الغفلات، ولا تغلب عليهم الأوهام فيما قد حفظوه ووعوه، ولا يشبه عليهم بالأغلوطات. وأن يُعزل عنهم الذين جرحهم أهل العدالة وكشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم، وما كان يعتريهم من غالب الغفلة وسوء الحفظ وكثرة الغلط والسهو والاشتباه، ليُعرف به أدلة هذا الدين.

    وليُعرف أهل الكذب تخرصا، وأهل الكذب وهما، وأهل الغفلة والنسيان والغلط ورداءة الحفظ، فيُكشف عن حالهم، فيسقط حديث من وجب منهم أن يسقط حديثه ولا يُعبأ به ولا يُعمل عليه، ويُكتب حديث من وجب كتب حديثه منهم على معنى الاعتبار.

    ثم احتيج إلى تبيين طبقاتهم ومقادير حالاتهم وتباين درجاتهم؛ ليُعرف من كان منهم في منزلة الانتقاد والبحث عن الرجال والمعرفة بهم، وهؤلاء هم أهل التزكية والتعديل والجرح. ويُعرف من كان منهم عدلا في نفسه من أهل الثبت في الحديث والحفظ له والإتقان فيه. ومنهم من قد ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال منهم الكذب، فهذا يُترك حديثه ويطرح روايته ويُسقط ولا يُشتغل به" انتهى بتصرف واختصار.

    القاعدة الرابعة: إذا تعارض نصان ثابتان يُجمع بينهما ولا يُكذَّب أحدهما.
    إذا تعارض نصان ثابتان سواء كانا آيتين أو آية وحديثا، أو حديثين، فإن العلماء يقولون: يُجمع بينهما فإن لم يمكن يُنظر الناسخ من المنسوخ، فإن لم يُعرف المتقدم من المتأخر يُرجح بينهما، والمرجحات عند العلماء أكثر من 100 مرجح لا يعلم منها المشككون في السنة إلا أن يُقدم القرآن على السنة أو المتواتر على الآحاد!! ثم إن لم يمكن الترجيح يقولون: نتوقف وفوق كل ذي علم عليم.

    انظر في بيان هذا كتاب نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر ص 97، وانظر كتاب التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح للحافظ العراقي رحمه الله ص 286 وما بعدها فقد ذكر مائة وعشرة من المرجحات!!

    فهذه طريقة أهل العلم قديما وحديثا، أما طريقة أهل الأهواء فالتكذيب والرد لما يظنونه لا يدخل عقولهم!!

    وطريقتهم هذه مبتدعة ومتناقضة، وقد توصلهم إلى الكفر إن أعملوها في نصوص القرآن الكريم، وهم إن لم يعملوها في القرآن وأعملوها في السنة فقد تناقضوا؛ فإن القرآن والسنة الصحيحة كلاهما وحي وكلاهما حق، وإن صدَّقوا ببعض الآيات القرآنية وإن لم تدخل عقولهم فلماذا لا يقبلون بعض ما في السنة مما لم يدخل عقولهم؟!!

    وهذا التناقض الواضح يكفي في بيان بطلان منهجهم، فإن في القرآن العظيم أشياء تحير العقل ويجب الإيمان بها وإن لم تدخل عقولنا، وسأذكر ثلاثة أمثلة من سورة واحدة وهي سورة الكهف:
    1- قصة أصحاب الكهف العجيبة وفيها قال تعالى: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾ [الكهف: 25]، وهذا شيء عجيب جدا قد لا يدخل عقول الكفرة، ولكننا نؤمن به ولا نشك فيه لقول الله، ولو جاءت هذه القصة في حديث صحيح لما شككنا فيه أيضاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

    2- قصة موسى مع الخضر عليهما الصلاة والسلام فيها عجائب كثيرة منها قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ﴾ [الكهف: 61] أي أحياه الله بعد موته واتخذ طريقاً في البحر، حيث حبس الله جرية الماء فصار هناك نفقاً في مكان دخول الحوت البحر!! وهذا شيء عجيب جدا كما قال فتى موسى: ﴿ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ﴾ [الكهف: 63]، فهل يدخل هذا العقل؟! نعم يدخل عقول المؤمنين، ومن كذَّب بهذا كفر، ولو كان هذا في حديث صحيح لآمنا به، ولم نقل: هذا من الإسرائيليات كما هو منهج المهندس عدنان إبراهيم!!

    3- قصة ذي القرنين وبنائه الردم، قال تعالى حاكيا عنه: ﴿ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 96، 97]، وهذا أمر عجيب جدا يحير العقول ولكن ليس محالا، فالله آتى ذا القرنين من كل شيء سببا، ونحن نؤمن بهذه القصة التي أخبرنا الله عنها ولا نشك فيها، ومن شك فيها وقال: هذا من أساطير الأولين فقد كفر، ولو كانت هذه القصة في حديث صحيح ولو كان في صحيحي البخاري ومسلم لسمعنا عدنان إبراهيم يسارع بقوله: هذا من خرافات الأولين!! ولسمعنا أتباعه يرددون قوله كالببغاوات ويقولون: هذا لا يدخل العقل ولا يمكن أن نصدقه أبداً!!

    وكأني بالإمام أبي محمد بن قتيبة رحمه الله المتوفى سنة 276هـ يرد على عدنان إبراهيم وأشباهه في كتابه تأويل مختلف الحديث ص 61: "قال أبو محمد: وقد تدبرت -رحمك الله- كلام العايبين فوجدتهم يقولون على الله ما لا يعلمون، ويعيبون الناس بما يأتون، ويبصرون القذى في عيون الناس، وعيونهم تطرف على الأجذاع، ويتهمون غيرهم في النقل، ولا يتهمون آراءهم في التأويل. ومعاني الكتاب والحديث، وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة، لا يدرك بالطفرة والكيفية والكمية والأينية، ولو ردوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما، وضح لهم المنهج، واتسع لهم المخرج" انتهى كلامه رحمه الله.

    ومدرسة عدنان إبراهيم العقلية ليست جديدة، بل هي قديمة جداً من قبل عهد ابن قتيبة رحمه الله لكنها تتكرر في كل عصر، وما أكثر ضحايا هذه المدرسة التشكيكية، قال الله سبحانه: ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [يونس: 36]، وقال تعالى: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 147]، فكونوا يا عباد الله من الصدِّيقين ولا تكونوا من المرتابين!!

    القاعدة الخامسة: باجتماعِ النقلِ الصحيح والعقلِ الصريح تُدْرَكُ الحقائق الشرعيَّةُ.
    باجتماعِ النقلِ الصحيح والعقلِ الصريح تُدْرَكُ الحقائق الشرعيَّةُ؛ فلا النقلُ وحده يُفِيدُ فاقدَ العَقْلِ، ولا العقلُ وحده يُفِيدُ فاقدَ النَّقْل، فلا بد من اجتماعهما، وبنقصِ واحدٍ منهما تَنْقُصُ المعرفةُ بالحَقّ.

    وليس في العقل الصريح ولا في شيء من النقل الصحيح من القرآن والسنة ما يوجب مخالفة الشرع أصلاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموعة الرسائل والمسائل (3 /64-65): "كل ما يدل عليه الكتاب والسنة فإنه موافق لصريح المعقول، والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، ولكن كثيراً من الناس يغلطون إما في هذا وإما في هذا، فمن عرف قول الرسول ومراده به كان عارفاً بالأدلة الشرعية وليس في المعقول ما يخالف المنقول، ولهذا كان أئمة السنة على ما قاله أحمد بن حنبل: معرفة الحديث والفقه فيه أحب إلي من حفظه، أي معرفته بالتمييز بين صحيحه وسقيمه، والفقه فيه معرفة مراد الرسول وتنزيله على المسائل الأصولية والفروعية أحب إلي من أن تحفظ من غير معرفة وفقه، وهكذا قال علي بن المديني وغيره من العلماء فإنه من احتج بلفظ ليس بثابت عن الرسول أو بلفظ ثابت عن الرسول وحمله على ما لم يدل عليه فإنما أتي من نفسه. وكذلك العقليات الصريحة إذا كانت مقدماتها وترتيبها صحيحاً لم تكن إلا حقاً لا تناقض شيئاً مما قاله الرسول، والقرآن قد دل على الأدلة العقلية التي بها لم تكن إلا حقاً وتوحيده وصفاته وصدق رسله وبها يعرف إمكان المعاد، ففي القرآن من بيان أصول الدين التي تعلم مقدماتها بالعقل الصريح ما لا يوجد مثله في كلام أحد من الناس " انتهى مختصرا.

    القاعدة السادسة: إن تعارض النقل والعقل في الظاهِرِ قُدِّمَ النَّقْلُ على العقلِ.
    إن تعارض النقل والعقل في الظاهِرِ قُدِّمَ النَّقْلُ على العقلِ؛ لأنَّ النَّقْلَ عِلْمُ الخالِقِ الكامِلِ، والعَقْلَ عِلْمُ المخلوقِ القاصِر، وهذا التعارض يكون بحسب الظاهر لا في حقيقة الأمر؛ فإنه لا يمكن أبداً حصول تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح، وإذا وجد تعارض فإما أن يكون النقل غير صحيح أو العقل غير صريح . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة العرشية ص35: " ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كله حق يصدق بعضه بعضا، وهو موافق لفطرة الخلائق، وما جعل فيهم من العقول الصريحة، والقصود الصحيحة، لا يخالف العقل الصريح، ولا القصد الصحيح، ولا الفطرة المستقيمة، ولا النقل الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وإنما يظن تعارضها: من صدَّق بباطل من النقول، أو فهم منه ما لم يدل عليه، أو اعتقد شيئا ظنه من العقليات وهو من الجهليات، أو من الكشوفات وهو من الكسوفات إن كان ذلك معارضا لمنقول صحيح وإلا عارض بالعقل الصريح، أو الكشف الصحيح، ما يظنه منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون كذبا عليه، أو ما يظنه لفظا دالا على شيء ولا يكون دالا عليه ".

    والعقل كالبَصَر، والنقل كالنُّور؛ لا يَنتفِعُ المُبْصِرُ بعينِهِ في ظلامٍ دامِس، ولا يَنتفِعُ العاقلُ بعقلِهِ بلا وَحْي، وبِقَدْرِ النورِ تَهْتَدِي العَيْن، وبقدرِ الوحيِ يَهتَدِي العَقْل، وبكمالِ العقلِ والنقلِ تَكتمِلُ الهدايةُ والبصيرة؛ كما تَكتمِلُ الرؤيةُ حِينَ الظَّهِيرَة، فالمؤمنون أبصر الناس بالحقائق الشرعية لجمعهم بين النقل الصحيح والعقل الصريح قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122]، وقال سبحانه: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 14].
    يتبع=============
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

  6. #111
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    القاعدة السابعة: يجب اتباع الوحي وعدم الاستغناء عنه بالعقل وحده.
    يجب اتباع الوحي وعدم الاستغناء عنه بالعقل وحده، ومَنْ قالَ: إِنَّهُ يَهتَدِي إلى اللهِ بعقلِهِ المُجرَّدِ بلا وحيٍ، فهو كمَنْ قالَ: إنَّهُ يَهْتَدِي إلى طريقِهِ بعينِهِ المُجرَّدَةِ بلا ضياءٍ، وكُلٌّ منهما جاحدٌ لقطعيٍّ ضروريٍّ، والأوَّلُ بلا دِين، والثاني بلا دُنْيَا. والأول بلا بصيرة، والثاني بلا بصر، قال تعالى: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

    والوحي هو الذي يَهْدِي الأنبياءَ، ويَهْدِي أَتْبَاعَهُمْ، ويدل على هذا قول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾ [سبأ: 50]، وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54]، فلا هداية إلا لمن اتبع الوحي ومن لم يتبعه فقد ضل ضلالا مبينا قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء:136]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

    وقد ضل مَنْ يقول: لا أُصدِّق بأي حديث إلَّا إذا أدرَكَهُ عقلي، وما لا يُدْرِكُهُ لا أُؤمِنُ به، فإن هذا قَدَّمَ العقلَ القاصر الناقص الذي يجهل أكثر مما يعلم على الحديث الصحيح الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فالمؤمن العاقل يقدم الحديث الصحيح على كل عقل، فما لا يُدرِكُهُ العقلُ لا يَعْنِي عدَمَ وجودِهِ، ولكنَّهُ هو غيرُ مُدْرِكٍ له، فللعقلِ حَدٌّ يَنتهِي إليه، كما أنَّ لِلْبَصَرِ حَدًّا ينتهِي إليه لا ينتهي الكونُ والوجودُ بنهايتِهِ، وللسمعِ حَدٌّ لا تنتهِي الأصواتُ بنهايتِهِ؛ فللنَّمْلَةِ صوتٌ لا يُسْمَع، وفي الكونِ فَضَاءٌ وكواكبُ ونجومٌ لا تُرَى.

    ومعلوم أن النصوص الشرعية منها ما يفهمه غالب الناس، ومنها مما لا يفهمه إلا العلماء، ومنها ما لا يفهمه ويعرف دلالته إلا الراسخون من أهل العلم، فيكون موقفنا هو العمل بالمحكم والوقوف عند المتشابه. والمتشابه: هو ما لا يعلمه إلا الراسخون من أهل العلم، وأما جعل هذا المتشابه أصلا، أو التشكيك في المحكمات بضربها بالمتشابهات فهذا سبيل أهل الغي، يقول الله سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7].

    والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح بحال، ومتى توهم متوهم أن نصا من النصوص الشرعية الثابتة مخالف للعقل فليتهم عقله هو، والشريعة الإسلامية - بحمد الله- تأتي بما تحار فيه العقول ولا تأتي أبدأ بما تحيله العقول كما قرر ذلك المحققون من العلماء، بمعنى أن الشريعة لا تأتي بما تعده العقول السليمة أمرا مستحيلا.

    ويجب التسليم للنقل الصحيح أخبارا وأحكاما سواء عَرَفْنا العِلَّةَ أو لم نَعْرِفْها، قال الزهري رحمه الله: "من الله الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم ".

    فبعض القضايا العقلية الثابتة بالأدلة القطعية لا تدركها بعض العقول لعدم فهمها لها، فكيف بالقضايا التي لا تحيط بها العقول وهي كثيرة جدا مما نراه ونشاهده؟! ومن أقربها سبب تثاؤب بعض الناس عند تثاؤب شخص آخر في المكان الذي هو فيه!! فلا تعرف العقول سبب ذلك، ومن تكلم في سبب ذلك بالظن لا يمكنه أن يطلب من جميع الناس أن يسلموا بتفسيره، ومثل ذلك الروح لا تحيط العقول بحقيقتها قال الله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85] قال الشوكاني رحمه الله في تفسيره فتح القدير (3 /302): " أي: هو من جنس ما استأثر الله بعلمه من الأشياء التي لم يعلم بها عباده، ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله سبحانه: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85] أي: أن علمكم الذي علمكم الله، ليس إلا المقدار القليل بالنسبة إلى علم الخالق سبحانه، وإن أوتي حظا من العلم وافرا، بل علم الأنبياء عليهم السلام ليس هو بالنسبة إلى علم الله سبحانه إلا كما يأخذ الطائر في منقاره من البحر، كما في حديث موسى والخضر عليهما السلام" انتهى.

    وبالجملة يجب على المسلم أن يقدم قول الله ورسوله على كل قول وعلى كل قياس وعلى كل ذوق وعلى كل استحسان، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1] قال ابن كثير في تفسيره: " أي: لا تسرعوا في الأشياء بين يديه، أي: قبله، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور، وعن ابن عباس قال: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1]: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة، وقال الضحاك: لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم. وقال سفيان الثوري: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1] بقول ولا فعل " انتهى.

    ومن أشكل عليه حديثاً صحيحاً فلا يبادر إلى إنكاره وتكذيبه ورده، بل يرجع إلى كلام أهل العلم في شرحه وتوجيهه، روى ابن ماجه (20) بسند صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فظنوا به الذي هو أهناه، وأهداه، وأتقاه»، وقد ألف العلماء كثيرا من الكتب في بيان مشكل الحديث وتكلموا في توجيه ما يشكل منها أو ما يخالف بعضها بعض في الظاهر، كما تكلموا في توجيه الآيات القرآنية المتعارضة في الظاهر، وألفوا كتبا كثيرة في ذلك من أجمعها كتاب العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" وأكتفي هنا بذكر مثالين يبينان توجيه العلماء للآيات المتعارضة في الظاهر:
    المثال الأول: قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ [البقرة: 29] هذه الآية تعارض في الظاهر آيات سورة النازعات ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴾ [النازعات: 27 - 31]، حيث تدل آية سورة البقرة على أن خلق الأرض قبل خلق السماء بدليل لفظة: «ثم»، ومثلها آيات سورة فصلت: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [فصلت: 9 - 12] بينما آيات سورة النازعات تدل على أن خلق الأرض بعد خلق السماء!!

    وقد سُئل عن هذا الإشكال حبر القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فأجاب بأن الله تعالى خلق الأرض أولاً قبل السماء غير مدحوة، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبعا في يومين ثم دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي والأنهار وغير ذلك، فأصل خلق الأرض قبل خلق السماء، ودحوها بجبالها وأشجارها ونحو ذلك بعد خلق السماء، ويدل لهذا أنه قال: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [النازعات: 30] ولم يقل: خلقها، ثم فسر دحوه إياها بقوله: ﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴾ [النازعات: 31]، وجمع بعض العلماء بجمع آخر وجيه وهو أن معنى قوله: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [النازعات: 30] أي مع ذلك، فلفظة «بعد» بمعنى مع، ونظيره قوله تعالى: ﴿ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ [القلم: 13]، فهذان وجهان صحيحان للجمع بين الآيتين، ولو كانت آية سورة النازعات واردة في حديث صحيح لسارع المبطلين أمثال عدنان إبراهيم بالتكذيب به بدعوى التعارض بين القرآن والحديث!!

    المثال الثاني: قوله تعالى في سورة المرسلات: ﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [المرسلات: 35، 36] هذه الآية الكريمة تدل على أن أهل النار لا ينطقون ولا يعتذرون، وقد جاءت آيات أخرى تدل على أنهم ينطقون ويعتذرون، كقوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾، وقوله: ﴿ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ﴾ [غافر: 71 - 74]، فهذه الآيات تعارض في الظاهر آية سورة المرسلات، ولو كانت آية سورة المرسلات حديثاً صحيحاً لسارع المبطلين إلى رده بدعوى مخالفته للقرآن، مع أن الجمع ممكن فقد قال أهل العلم: القيامة مواطن كثيرة، ففي بعضها ينطقون وفي بعضها لا ينطقون، وبهذا نصدق بجميع النصوص، وكلها حق، ولا تُرد بعض النصوص ببعض بدعوى التعارض كما هو منهج عدنان إبراهيم، فهذا جهل عظيم بمنهج العلماء فإنهم لا يقولون بالتعارض إلا إذا لم يمكن الجمع كما تقدم تقريره، ولكن زيِّن له سوء صنعه ويحسب أنه يحسن صنعاً، وقد حذرنا الله من مخالفة منهج الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين بأنه يعاقب من فعل ذلك بأن يوله ما تولى أي يُزيِّن له الباطل في عينيه، قال الله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].

    فأنصح لوجه الله كل من اغتر بالدكتور عدنان إبراهيم أن يحذره فإنه صاحب ضلالة، ولا تغتروا بذكائه وفصاحته وثقافته، فليس بأذكى من الفيلسوف ابن سيناء صاحب التصانيف في الطب والفلسفة والمنطق الذي كفَّره العلامة أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابيه "تهافت الفلاسفة" و"المنقذ من الضلال" لكونه ينكر علم الله بالجزئيات وينكر البعث بعد الموت، وليس عدنان إبراهيم بأفصح ولا أوسع علماً وفنوناً من فخر الدين الرازي صاحب التفسير الكبير في 32 مجلداً ومع هذا ضلله أهل العلم بسبب عقائده الباطلة وآرائه المحدثة التي أضل بها كثيرا من الخلق، وقد قال عنه الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء" (21/ 500): "العلامة الكبير، ذو الفنون، فخر الدين، محمد بن عمر بن الحسين القرشي، البكري، الطبرستاني، الأصولي، المفسر، كبير الأذكياء والحكماء والمصنفين، انتشرت تواليفه في البلاد شرقاً وغرباً، وكان يتوقد ذكاء، وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم وسحر وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه، فإنه توفي على طريقة حميدة، والله يتولى السرائر، وقد اعترف في آخر عمره حيث يقول: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن" انتهى المراد منه مختصرا.

    وما أحسن ما قاله الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (14/ 62):" لعن الله الذكاء بلا إيمان، ورضي الله عن البلادة مع التقوى".

    فليست العبرة بالتوسع في جمع المعلومات أو الثقافة الواسعة أو الفصاحة الزائدة، العبرة في البحث العلمي بالنقول الصحيحة، والتمسك بالقرآن والسنة واتباع سبيل المؤمنين، ولا يشك منصف أن عدنان إبراهيم غير متبع لسبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين ومن اتبعهم بإحسان، وقد روى أبو داود والترمذي وصححه الألباني عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».

    وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "من كان مستنًا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا خير هذه الأمة، وأبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم، وطرائقهم، فهم كانوا على الهدي المستقيم".

    وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله: "عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول"، وقال أيضًا: "اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا: وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم".

    وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدع".

    وما أحسن ما قال أبو بكر بن أبي داود السجستاني:
    تمسك بحبل الله واتبع الهدى
    ولا تك بدعيا لعلك تفلح
    ودن بكتاب الله والسنن التي
    أتت عن رسول الله تنجو وتربح
    ودع عنك آراء الرجال وقولهم
    فقول رسول الله أزكى وأشرح
    ولا تك من قوم تلهو بدينهم
    فتطعن في أهل الحديث وتقدح

    وما أكثر طعن عدنان إبراهيم لأهل الحديث وقدحه في صحاح الأحاديث، ولا ينطلي كلامه إلا على غير المتخصصين في الحديث، وإني لأتعجب من إخفائه لبعض الحقائق في بعض الأحاديث النبوية التي ينكرها!! فإما أنه لم يبحث الحديث بتوسع أو علم ما يرد كلامه فأخفاه على أتباعه تدليسا، والله حسيبه.

    مثال ذلك: سمعته يرد حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " خلق الله آدم على صورته"، قال عدنان إبراهيم: رواه همام عن أبي هريرة وكان همام يهوديا!! ولم يذكر أنه رواه أبو أيوب بشير بن كعب عن أبي هريرة كما في صحيح مسلم (2612)، فقد توبع همام، وهذا على فرض أن هماماً غير ثقة!! مع أن همام بن منبه ثقة ثبت متقن عند أهل الحديث، وهم المتخصصون الذي يرجع إليهم في معرفة حال الرواة.

    والعجيب أن عدنان لم يذكر تتمة الحديث من صحيح البخاري؛ لأن تتمته ترد عليه ما شنع به!! قال البخاري في صحيحه (6227): حدثنا يحيى بن جعفر، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا"!!

    ولم يذكر عدنان إبراهيم كلام شراح الحديث ومن ذلك ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري " (5/ 183): "واختلف في الضمير على من يعود، فالأكثر على أنه يعود على المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها، وقال القرطبي: أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكا بما ورد في بعض طرقه: "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن" قال: وكأن من رواه أورده بالمعنى متمسكا بما توهمه فغلط في ذلك، وقد أنكر المازري ومن تبعه صحة هذه الزيادة ثم قال: وعلى تقدير صحتها فيحمل على ما يليق بالباري سبحانه وتعالى".

    وقال الألباني رحمه الله في شرح هذا الحديث في "صحيح الأدب المفرد" ص 86: "أي: على صورة آدم عليه السلام، وقد جاء ذلك صراحة في حديث آخر لأبي هريرة بلفظ: " خلق الله آدم على صورته، وطوله ستون ذراعا" متفق عليه، فإذا شتم المسلم أخاه وقال له: " قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك" شمل الشتم آدم أيضا؛ فإن وجه المشتوم يشبه وجه آدم، والله خلق آدم على هذه الصورة التي نشاهدها في ذريته، إلا أن الفرق أن آدم خلقه الله بيده، ولم يمر بالأدوار والأطوار التي يمر بها بنوه، وإنما خلقه من تراب. قال تعالى في أول سورة المؤمنون: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14]" انتهى كلام الألباني الذي لم يطلع عليه عدنان أو عرفه وأخفاه؛ لأنه يريد أن يطعن في السنة ويشكك الناس بها!!

    ولم يذكر عدنان أيضا أن حديث الصورة رواه ابن عمر مع أبي هريرة رضي الله عنهم؛ لأن هذا سيبطل كلامه من أصله، فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير (13580) عن ابن عمر، وهذا لا يعجب عدنان إبراهيم؛ لأنه يتجرأ على أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه أكثر من غيره!!

    ودعواه أن هذا الحديث مذكور في التوراة لا يُرد به الحديث، فما أكثر ما في التوراة مما في القرآن والسنة!! فالتوراة أصلها من عند الله، فإذا وجدنا فيها ما يوافق القرآن أو السنة صدقنا به، ولعله مما سلم من التحريف، لا أن نرد ما في السنة مما وافق التوراة بدعوى أنها إسرائيليات، فأفٍ لهذا المنهج الضال الذي يشكك الناس في سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

    مثال آخر: سمعت خطبة جمعة ألقاها عدنان إبراهيم في النمسا، وكل الخطبة في إنكار أحاديث رجم المحصن الزاني، فتعجبت من جرأته على رد السنة بالعقل والهوى بلا بحث علمي ولا حجة مقبولة، ودعاويه كثيرة وكبيرة مثل قوله: أحاديث الرجم من دسائس مسيلمة الكذاب أو ابن المقفع!!!

    هل لهم يا قوم في بعدتهم من فقيه أو إمام يتبع؟!!
    أين الأدلة على دعاويه، لا شك أنه ضال مضل نعيذ المسلمين بالله من شره وضلالاته.

    وأحب في آخر البحث أن أسأل عدنان إبراهيم وأتباعه: هل تؤمنون بهذا الحديث الذي في الصحيحين [رواه البخاري رقم (3471) ومسلم رقم (2388) ] من طريق سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بينما رجل يسوق بقرة له، قد حمل عليها، التفتت إليه البقرة فقالت: إني لم أُخلق لهذا، ولكني إنما خُلقت للحرث " فقال الناس: سبحان الله بقرة تكلَّم؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإني أومن به وأبو بكر، وعمر». ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا راعٍ في غنمه، عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي حتى استنقذها منه، فالتفت إليه الذئب فقال له: من لها يوم السَّبُعِ، يوم ليس لها راعٍ غيري؟ " فقال الناس: سبحان الله!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإني أومن بذلك، أنا وأبو بكر وعمر»؟!

    فهل تصدقون بهذا يا أيها المرتابون في السنة النبوية؟!
    لعل بعضكم ينكره، وبعضكم يشك فيه، وبعضكم يصدق به، أما نحن أهل السنة فنقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإني أومن بذلك، أنا وأبو بكر وعمر»، ونحن نصدق بما هو أعجب منه في القرآن الكريم كقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ﴾ [النمل: 82]، وقال تعالى عن النبي سليمان عليه الصلاة والسلام: ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 38 - 40]، ولو كانت قصة سليمان عليه السلام وإتيان العرش له من أرض سبأ إلى بلاد الشام قبل أن يرتد إليه طرفه في أحاديث صحيحة لردها عدنان إبراهيم بكل جرأة، لكونها أحاديث آحاد، وأنكروا على من يصدق بها، وقالوا عنهم: هؤلاء خرافيون، وقالوا: أنؤمن بهذا كما آمن السفهاء؟! لا يمكن أن نصدق ما يخالف العقل!! ولو كان الراوي لهذه القصة أبا هريرة رضي الله عنه لازداد تجرؤهم في رد هذه القصة، ولو كانت مذكورة في التوراة لجزموا بأنها من الإسرائيليات!!

    لكن هاهم يصدقون بها مع أنها لم تدخل عقولهم فلِمَ لا يُصدِّقون الأحاديث الصحاح التي يزعمون أنها لا تدخل عقولهم وكلها وحي من الله أو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!

    وختاما: الإيمان مبني على التصديق بخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي أول المصحف الكريم في بيان صفات المتقين: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 2، 3]، أي يصدِّقون بالغيب، والغيب هو خبر الله وخبر رسوله، فلا يُكذَّب خبر الله وخبر رسوله لشبهة، ولا يُعارض أمر الله وأمر رسوله لشهوة، وهذا خلاصة الدين الإسلامي:
    التصديق بالأخبار، والعمل بالأحكام، قال الله تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 115 - 117]، وبالله التوفيق.

    هذا بحمد الله ما يسر الله لي إيراده باختصار، نصحا للمسلمين، ودفاعا عن سنة خاتم المرسلين.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

  7. #112
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الرد على المخالف عقدياً
    رد ابن تيمية على أبي حامد الغزالي رحمهما الله أنموذجاً
    لا زالت قضية النقد تثير أشجاناً عريضة في قلوب المسلمين، بل وعبر تاريخهم ومواقف علمائهم، يتعدى ذلك إلى واقعهم وماضيهم العلمي والعملي، والحضاري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.

    وينال النقد العلمي من ذلك المحل الأعلى، ويتبوأ منه مكان الرأس من الجسد، وهو يقوم على أسس دينية عقدية منهجية مدارها على اتباع الحق لا الهوى، والعدل والإنصاف لا الظلم والإجحاف، والتدليل والتعليل الصحيح لا الرمي بالتخرص والظنون، والتجرد لا التعصب، والعلم لا الجهل....

    كما قال العلامة ابن القيم في نونيته:
    وتعرَّ من ثوبين من يلبسهما
    يَلقى الردى بمذمة وهوان
    ثوب من الجهل المركب فوقه
    ثوب التعصب بئست الثوبان
    وتحلُّ بالإنصاف أفخر حُلةٍ
    زينت بها الأعطاف والكتفان

    ثم يأتي النقد العقدي المنهجي في عين النقد العلمي، وهو الذي وافق الغيرة على العقيدة والإيمان، وباعثه النصح لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولكتابه وللمؤمنين، ومستمده الكتاب العزيز والسنة النبوية الصحيحة، وما درج عليه سلف الأمة وعلماء الإسلام في مأثورهم وسطورهم ومنقول أحوالهم.

    فإذا جنح عن هذا المنهج بتعصب، أو اتباع هوى، أو محض تقليد بغير هدي، أو تحزّب وتصنيف مذمومين... الخ. ظل داعيته وزلَّ في نفسه وفي قوله وظلَّل من يتبعه في قوله ومسلكه، وإن ظنَّ جهلاً أو تعالما أن يسير على نهج أهل السنة والجماعة بدعواه وادعائه.

    لأجل هذا كله ولغيره تداعت البواعث، وتحققت الحاجات إلى ترسّم منهج أهل السنة والجماعة في النقد العقدي خصوصاً فضلا عن النقد العلمي من حيث العموم.

    ولا أحسن في تطبيق هذا المنهج من استمداده من الوحي الشريف في الكتاب والسنة والله عز وجل يقول في آية المائدة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].

    ومن خلال الأنموذج العملي نحتاج تتبع طرائق راسخي العلم من محققي العلماء في تأصيل ذلك، ومن ثم في إعماله وتطبيقه.

    وهذا شيخ الإسلام يرسم شأن النقد ومنهج أهل السنة فيه إجمالاً بقوله: ((...وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الرَّجُلَ الْعَظِيمَ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ، قَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ نَوْعٌ مِنَ الِاجْتِهَادِ مَقْرُونًا بِالظَّنِّ، وَنَوْعٌ مِنَ الْهَوَى الْخَفِيِّ، فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَا لَا يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ.

    وَمِثْلُ هَذَا إِذَا وَقَعَ يَصِيرُ فِتْنَةً لِطَائِفَتَيْنِ: طَائِفَةٌ تُعَظِّمُهُ فَتُرِيدُ تَصْوِيبَ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَاتِّبَاعَهُ عَلَيْهِ، وَطَائِفَةٌ تَذُمُّهُ فَتَجْعَلُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي وِلَايَتِهِ وَتَقْوَاهُ، بَلْ فِي بِرِّهِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، بَلْ فِي إِيمَانِهِ حَتَّى تُخْرِجَهُ عَنِ الْإِيمَانِ. وَكِلَا هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ فَاسِدٌ.

    وَالْخَوَارِجُ وَالرَّوَافِضُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَهْوَاءِ دَخَلَ عَلَيْهِمُ الدَّاخِلُ مِنْ هَذَا. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الِاعْتِدَالِ عَظَّمَ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ، وَأَحَبَّهُ وَوَالَاهُ، وَأَعْطَى الْحَقَّ حَقَّهُ، فَيُعَظِّمُ الْحَقَّ، وَيَرْحَمُ الْخَلْقَ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ تَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ، فَيُحْمَدُ وَيُذَمُّ، وَيُثَابُ وَيُعَاقَبُ، وَيُحَبُّ مِنْ وَجْهٍ وَيُبْغَضُ مِنْ وَجْهٍ. هَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ. وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ)) "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية": (4/543)).

    إذا تقرر هذا فإنه من المعلوم عند علماء أهل السنة والجماعة تميز شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصدد وهو المنهج النقدي العلمي علمياً وعقدياً، وتأصيلاً وتفريعاً..

    لأجل هذا فقد تأملت في تاريخ المسلمين العلمي، وفي شواهده النقدية، فرأيت شيخ الإسلام تناول علمين بارزين بالنقد العلمي العقدي كثيراً، وأطراهما عديداً، ونوعَّ الكلام فيهما بسطاً عظيماً، وهما:
    1- الإمام أبو حامد الغزالي.
    2- والشيخ أبو عبد الله الفخر الرازي.

    وكلامه ومناقشاته وردوده على الثاني أكثر منه على الأول، فاخترت مدارسة كلامه ونقده للشيخ أبي حامد محمد بن محمد بن الغزالي ليكون عنواناً لمنهج حريٍّ بالبحث والدرس من مناهج أهل السنة والجماعة في نقد المخالف، بعيداً عن الظلم والتعَّسف، والحيف والتخلُّف... فجاء هذا البحث منتظماً بهذه المقدمة.

    • تعريف موجز لشيخ الإسلام ابن تيمية من ترجمة تلميذه الحافظ الذهبي.

    • ثم تعريف موجز بالإمام الغزالي.

    • ثم تمهيد مرحلي تاريخي عقدي: في دخول المذهب الأشعري على الصوفية.

    • ثم جاءت المعالم العامة في نقد شيخ الإسلام للإمام أبي حامد الغزالي مبثوثة من خلال سبعة مباحث:
    1- المبحث الأول: مذهب الغزالي في الاعتقاد ومنهجه فيه.
    2- المبحث الثاني: المراحل التي مرَّ بها أبو حامد الغزالي.
    3- المبحث الثالث: المصادر التي أثرت جلياً على أبي حامد الغزالي.
    4- المبحث الرابع: تعريف شيخ الإسلام لبعض ما في كتب أبي حامد الغزالي.
    5- المبحث الخامس: نقد كتاب "إحياء علوم الدين".
    6- المبحث السادس: نقد العلماء لكتاب "إحياء علوم الدين".
    7- المبحث السابع: اعتذار شيخ الإسلام لأبي حامد الغزالي وتحسين بعض أجوبته.

    ثم جاءت خاتمة البحث.
    للتحميل للمطوية:

    http://www.alukah.net/library/0/78048/#ixzz3nQGyeb15
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

  8. #113
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    مجموع الردود على العقلاني المعتزلي «عدنان إبراهيم»

    الرد الأول: على العقلاني عدنان إبراهيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:

    أرسل لي بعض المشايخ الفضلاء مقطعاً صوتياً للعقلاني عدنان إبراهيم ، ذكر في مقطعه أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوج عائشة رضي الله عنها وعمرها إحدى وعشرين سنة لا تسع سنين ، واستدل بأدلة أوهى من بيت العنكبوت ، هي:

    قوله: بأن زواج النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة وهي بنت تسع هذا يخالف العقل.اهـ

    يجاب عنه: أن هذا هو قول عامة أهل الزيغ والضلال يقدمون العقل على النقل ، وهذا من اتباع الهوى.
    قال تعالى (أفرءيت من اتخذ إلـٰهه هوىٰه وأضله الله على علمـ وختمـ على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشـٰوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون) فهؤلاء أهل كلام يقدمون أهوائهم على النصوص.
    وقوله هذا مخالف لإجماع الأئمة أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوج عائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين.
    قال الإمام ابن عبدالبر في الاستيعاب(4/356): تزوج النبي عليه الصلاة والسلام عائشة وبنى بها وهي بنت تسع لا أعلم مختلف في ذلك.اهـ

    قوله: رواية عائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوجها وهي بنت تسع سنين ، لم يروها أحد من أهل المدينة من تلاميذ هشام بن عروة وإنما رواها أهل العراق فأين تلاميذ هشام منها؟اهـ

    يجاب عنه: بأن الراوي قد يحدث في موضع دون موضع ، وقد يحفظ حديثه بعض طلابه دون بعض.
    وهذا ليس بغريب، فكم من حديث لشيخ مكثر لم يروه عنه إلا شخص واحد وكم من شيخ حدث أمام الملأ ولم يحفظ حديثه سوى واحد ،
    كحديث عمر رضي الله عنه(إنما الأعمال بالنيات)
    قاله على المنبر ولم يروه عنه سوى علقمة بن وقاص الليثي.
    وهذا ليس بمستغرب وهو كثير في كتب الحديث ،
    يتفرد راوٍ عن راوٍ ويتفرد أهل بلد عن راوٍ ، فتجد المدني يتفرد بالرواية عن شيخ مصري وتجد أهل الشام يتفردون بالرواية عن شيخ مكي ، وهكذا ، ولم َيرد الأئمة هذه التفردات بل قبلوها.

    قوله: بأن حديث هشام رواه عنه العراقيون فقط ورواية العراقيين عنه لا تثبت.اهـ

    يجاب عنه: بأن رواية العراقيين عن هشام مخرجه في الصحيحين ، وهما أصح كتب الحديث بلا خلاف ، وقد أنعقد الإجماع على صحة كل ما فيهما.

    - تخرج حديث هشام وذكر متابعاته وشواهده:
    حديث هشام:
    رواه البخاري(3896) ومسلم(1422)عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت(بنى بها النبي عليه الصلاة والسلام وهي بنت تسع سنين)
    ورواه البخاري (3894) من طريق علي بن مسهر عن هشام.
    ورواه أيضاً(5133) من طريق سفيان عن هشام.
    ورواه أيضاً(5134)من طريق وهيب عن هشام
    ورواه مسلم(1422)من طريق عبده بن سليمان عن هشام.
    ورواه أبو داود(2121) من طريق حماد بن زيد عن هشام.
    ورواه النسائي(3255)من طريق أبي معاوية عن هشام.

    - متابعة الزهري لهشام روى مسلم (1422) عن عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة (أنها زفت للنبي عليه الصلاة والسلام وهي بنت تسع سنين) وهذه متابعة تامة.

    - متابعة إبراهيم النخعي لهشام رواه مسلم (1422) والنسائي (3258) عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: (تزوجها رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي بنت ست وبنى بها وهي بنت تسع)، وهذه متابعة قاصرة.

    - وله شاهد عن ابن مسعود رضي الله عنه.
    رواه ابن ماجه (1877) عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه قال(تزوج النبي عليه الصلاة والسلام وهي بنت سبع وبنى بها وهي بنت تسع)، وهذا رجاله ثقات وفيه انقطاع بين أبي عبيده وأبيه لكنه معتضد بما قبله ، بل وهناك من الحفاظ من قبل رواية أبي عبيدة عن أبيه ، وقالوا بأن أبا عبيدة يروي عن أهل بيته عن أبيه ، وأهل بيت ابن مسعود كلهم ثقات ، فإذا عُلمت الواسطة وكان ثقة قُبل الحديث.

    قوله: إن حفظ هشام تغير ، ثم طعن في رواية العراقيين عنه.

    يجاب عنه: بأنه قال في أول كلامه(هشام إمام حافظ كبير) ثم بعد ذلك تناقض وطعن في حفظه.
    وهذا يدل على أنه يقول ما لا يعلم ويدعي أنه يعلم.
    قال ابن حجر في هدي الساري(471):
    هشام بن عروة من صغار التابعين مجمع على تثبته ، إلا أنه في كبره تغير حفظه ، فتغير حديث من سمع منه في قدمته الثالثة إلى العراق ، قال يعقوب بن شيبة: هشام ثبت ثقة لم ينكر عليه شيء إلا بعد ما صار إلى العراق فإنه انبسط في الرواية عن أبيه فأنكر ذلك عليه أهل بلده. والذي نراه أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمع منه فكان تساهله أنه أرسل عن أبيه ما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه. قلت: هذا هو التدليس ، وأما قول ابن خراش كان مالك لا يرضاه ، فقد حكى عن مالك فيه شيء أشد من هذا وهو محمول على ما قال يعقوب ، وقد احتج بهشام جميع الأئمة.اهـ

    قوله: (الجارية في اللغة هي من عمرها 11 سنة)، يجاب عنه: أن الجارية في اللغة هي الفتية من النساء.
    قاله ابن منظور في اللسان (3/135) والفيزوز آبادي في القاموس (275) وغيرهما والفتية من النساء تشمل من بلغت سن السابعة والثامنة والتاسعة وغير ذلك.

    - قوله: (ولدت عائشة قبل البعثة بأربع سنين)

    يجاب عنه: أن هذا خلاف ما عليه أهل العلم ، والمعروف أنها ولدت بعد البعثة لا قبلها ولا يعلم أن أحداً من أهل العلم قال بقوله.
    قال ابن حجر في الإصابة(4/359): ولدت عائشة رضي الله عنها بعد المبعث بأربع أو خمس سنين.اهـ
    قلت وهذا هو المعروف في كتب التراجم.

    كتبه
    بدر بن محمد البدر العنزي
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

  9. #114
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الرد الثاني / على المعتزلي عدنان إبراهيم
    الرد الثاني: طعن عدنان إبراهيم بالصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:

    قال عدنان إبراهيم قبحه الله ساخراً في مقطع صوته له في موقعه: معاوية لا أشبع الله بطنه هذه دعوة النبي عليه الصلاة والسلام عليه وأصابته الدعوة ، فهو ليس له إلا الأكل.اهـ

    يجاب على قوله من عدة أوجه:
    أولاً: أن السخرية بالآخرين محرمة.
    قال تعالى: (يـٰٓأيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهمـ) الآية.
    والسخرية هي الاستهزاء ، يقال هزئ به واستهزأ.

    قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (1747): نهى تعالى عن السخرية بالناس ، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم ، والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم وهذا حرام فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدراً عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له.اهـ

    ولاشك أن معاوية رضي الله عنه أعظم قدراً من هذا المستهزيء.

    ثانياً: أن السخرية بالآخرين من فعل الجهال.
    قال تعالى: (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركمـ أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجـٰهلين)
    فعد السخرين من فعل الجاهلين.

    قال العلامة السعدي في تفسيره (46): الجاهل هو الذي يتكلم بالكلام الذي لا فائدة فيه وهو الذي يستهزئ بالناس ، وأما العاقل فيرى أن من أكبر العيوب المزرية بالدين والعقل استهزاءه بمن هو آدمي مثله.

    ثالثاً: أن السخرية بالصالحين من فعل أهل النفاق:
    قال تعالى: ( وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شيـٰطينهمـ قالوا إنا معكمـ إنما نحن مستهزءون)
    قال الإمام القرطبي في تفسيره(1/150): أنزلت هذه الآية في ذكر المنافقين.اهـ

    رابعاً: أن السخرية بالصحابة أذية لهم ، وأذية الصحابة مما يؤذي النبي عليه الصلاة والسلام، قال عبد الله بن المغفل رضي الله عنه: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الله الله في أصحابي لا تتخذوا أصحابي غرضاً من أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله)رواه الترمذي(3871)وقال:حديث حسن غريب ، وصححه ابن حبان (7212).
    وآذية الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام من كبائر الذنوب ، قال تعالى: ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً).
    قال الحافظ ابن كثير في تفسيرة(1525): والآية عامة في كل من آذاه بشيء فقد آذى الله.اهـ

    خامساً: حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له (اذهب وادع لي معاوية) قال: فجئت فقلت: هو يأكل فقال (لا أشبع الله بطنه) رواه مسلم (2604)
    قال الحافظ النووي في شرح مسلم (1552): دعاؤه على معاوية: أن لا يشبع حين تأخر ففيه جوابان:
    أحدهما: أنه جرى على اللسان بلا قصد.
    والثاني: أنه عقوبة له لتأخره.اهـ.

    قلت: والقول الأول أرجح ، وأن هذا الكلام يجري على اللسان ولا يراد منه وقوعه ، ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ (ثكلتك أمك يا معاذ)، رواه الترمذي (2616) وقال حديث حسن صحيح.

    قال الحافظ أبو العلا المباركفوري في تحفة الأحوذي (7/28): قوله (ثكلتك) بكسر الكاف أي فقدتك، وهو دعاء عليه بالموت على ظاهره ، ولا يراد وقوعه ، بل هو تأديب وتنبيه من الغفلة.اهـ.

    ونظيره أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام لصفية رضي الله عنها لما حاضت (عَقرى حَلقى) رواه البخاري (1762)، قال الحافظ ابن حجر في الفتح(3/668):
    قوله (عقرى حلقى) معناه الدعاء بالعقر والحلق ، ثم معنى عقرى عقرها الله أي جرحها وقيل جعلها عاقراً لا تلد وقيل عقر قومها ، ومعنى حلقى حلق شعرها وهو زينة المرأة أو أصابها وجع في حلقها.

    وحكى القرطبي أنها كلمة تقولها اليهود للحائض ، فهذا أصل هاتين الكلمتين ، ثم اتسع العرب في قولهما بغير إرادة حقيقتهما كما قالوا: قاتله الله ، وتربت يداه ، ونحو ذلك.اهـ
    كتبه
    بدر محمد البدر العنزي
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

  10. #115
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الرد الثالث: طعن المعتزلي عدنان إبراهيم في الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
    - قال عدنان إبراهيم في تسجيل صوتي له في موقعه وهو يسخر: من عقيدة أهل السنة عدم شتم معاوية ، فهل عدم سب معاوية أصبح من العقيدة.اهـ

    يجاب عن قوله السيء بما يلي:
    أولاً: أنه قد استفاض عن النبي عليه الصلاة والسلام نهيه عن سب صحابته ، وقد أجمع أهل السنة والجماعة على حُرمة سبهم ، وأن سبهم من علامات المبتدعة كالخوارج والنواصب والروافض وغيرهم.

    قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال النبي عليه الصلاة والسلام لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)رواه البخاري (3673) ومسلم (2541).

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) رواه الإسماعيلي كما في صحيح الجامع (6285).

    قال ابن عمر رضي الله عنهما: (لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عبادة أحدكم أربعين سنة) رواه أحمد في فضائل الصحابة (1/57) وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما، رواه عنه ابن بطة بإسناد صحيح كما في شرح الطحاوية لابن أبي العز (669).

    قال الإمام مالك: ( الذي يشتم أصحاب النبي ﷺ ليس لهم إسم أو قال نصيب في اﻷسلام ) السنة للخلال-2/557.

    ثانياً: أن عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم: حبهم والترضي عليهم والذب عنهم ، والكف عما شجر بينهم ، ولا يذكرون إلا بجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل ، وهم الذين اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه فنعم الصحب لنبيهم عليه الصلاة والسلام قال ابن مسعود رضي الله عنه( نظر الله في قلوب العباد بعد قلب محمد عليه الصلاة والسلام فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه) رواه أحمد وحسنه الألباني كما في الطحاوية(672) ، وهم خير الناس بعد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لحديث عمران رضي الله عنه في الصحيحين (خير الناس قرني).

    قال تعالى: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفرلنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبناً غلاً للذين ءامنوا)، قال الإمام الطحاوي في الطحاوية(467): ونحب أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان… ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأزواجه الطاهرات من كل دنس وذرياته المقدسين من كل رجس فقد برئ من النفاق.اهـ

    قال العلامة ابن أبي العز في شرح الطحاوية (490): قوله (فقد برئ من النفاق) لأن أصل الرفض إنما أحدثه منافق زنديق قصده إبطال دين الإسلام والقدح في الرسول عليه الصلاة والسلام.اهـ

    وقال الإمام البربهاري في شرح السنة(134): وإذا رأيت الرجل يطعن على أحد من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فاعلم أنه صاحب قول سوء وهوى لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام(إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) قد علم النبي عليه الصلاة والسلام ما يكون منهم من الزلل بعد موته فلم يقل فيهم إلا خيراً ، وقال (ذروا أصحابي لا تفولوا فيهم إلا خيراً.اهـ.

    ثالثاً: أن الطعن في معاوية رضي الله عنه طعن في سائر الصحابة رضي الله عنهم.
    قال الميموني سمعت الإمام أحمد يقول: ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية ، وقال لي: يا أبا الحسن إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام بسوء فاتهمه على الإسلام).
    رواه ابن بطة في الشرح والإبانة (231) واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (2359)، وقال المزي في تهذيب الكمال(1/339): سُئل أبو عبدالرحمن النسائي عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: إنما الإسلام كدار لها باب ، فباب الإسلام الصحابة ، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام كمن نقر الباب يريد دخول الدار ، قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة.اهـ

    ختاماً:
    قال إبراهيم بن ميسرة: (ما رأيت عمر بن عبدالعزيز ضرب إنساناً قط إلا إنساناً شم معاوية فضربه أسواطاً)، رواه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (2385).

    كتبه:
    بدر بن محمد البدر العنزي
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

  11. #116
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الرد الرابع: إنكار المعتزلي عدنان إبراهيم نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان.

    أنكر عدنان إبراهيم في تسجيل صوتي له نزول عيسى عليه السلام ، وقال إنه لا يؤمن بهذا ، وإن الإيمان به هو عقيدة اليهود والنصارى.

    يجاب على قوله السيء بما يلي:

    أولاً: أن عيسى عليه السلام لم يمت بل رفعه الله حياً إليه إلى السماء.
    قال تعالى: ( بل رفعه الله إليه)، وقال تعالى: ( وقولهم إنا قتلنا المسيح ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)، وقال تعالى: ( إذ قال الله يـٰعسى إني متوفيك ورافعك إلى)، والنوم يسمى وفاة ، قال تعالى: ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها)، وقال تعالى: (وهو الذي يتوفىـٰكم باليل ويعلم ما جرحتمـ بالنهار).

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (2/419): وأجمعت الأمة على أن الله عزوجل رفع عيسى إليه إلى السماء.اهـ

    ثانياً: تواتر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان ، حكماً عدلاً ويكسر الصليب ويقتل الدجال والخنزير.
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير) رواه البخاري (3448) ومسلم (155).

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ...وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم وإنه نازل... ويلبث بالأرض أربعين سنة ثم يتوفى) رواه أحمد (2/406) والآجري في الشريعة (888) وصححه ابن حجر في الفتح (6/555) والألباني في الصحيحة (2182).

    قال الحافظ ابن كثير في النهاية(1/142): ثم ينزل عيسى من السماء قبل يوم القيامة كما دلت عليه الأحاديث المتواترة.

    قال المحدث العظيم آبادي في عون المعبود(11/457): تواتر الأخبار عن النبي عليه الصلاة والسلام في نزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء بجسده إلى الأرض عند قرب الساعة وهذا هو مذهب أهل السنة.اهـ

    قال المحدث الألباني في في الطحاوية (501): اعلم أن أحاديث الدجال ونزول عيسى عليه السلام متواتر.اهـ

    وإنكار نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان تكذيب لخبر النبي عليه الصلاة والسلام ، الذي أقسم عليه بقوله: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم)، وهذا الأفاك المعتزلي يكذب ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه ، قال تعالى عن نبيه عليه الصلاة والسلام(وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى)، قال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً)، وهذا وعيد شديد لمن يشاقق الرسول.

    ثالثاً: أجمع أهل السنة والجماعة على نزول عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان.
    قال الإمام أحمد كما في الطبقات (1/344): والدجال خارج في هذه الأمة لا محالة وينزل عيسى بن مريم عليه السلام ويقتله بباب لد.اهـ
    قال الإمام أبو القاسم الأصبهاني في المجحة(2/463): وأهل السنة يؤمنون بنزول عيسى عليه السلام.اهـ

    قال القاضي عياض في شرح مسلم(8/492): ونزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال حق صحيح عند أهل السنة لصحيح الآثار الواردة في ذلك ولأنه لم يرد ما يبطله ويضعفه خلافاً لبعض المعتزلة والجهمية ومن رأى رأيهم في إنكار ذلك.اهـ

    قال العلامة المناوي في فيض القدير(394): وأجمعوا على نزول عيسى عليه السلام نبياً لكنه بشريعة نبيناً محمد عليه الصلاة والسلام.اهـ

    وإنكار نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان إنكار لإجماع الأمة على نزوله.
    وهذا الأفاك المعتزلي ممن يرد إجماع هذه الأمة ولا يقبله.
    قال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً)، قال العلامة القرطبي في تفسيره(3/248): هذه الآية فيها دليل على صحة القول بالإجماع.اهـ

    وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره(533): والذي عول عليه الشافعي رحمه الله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة.اهـ

    وأمة النبي عليه الصلاة والسلام لا تجتمع على ضلالة تشريفاً لهم.

    قال كعب الأشعري أنه سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول( إن الله قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة)، رواه ابن أبي عاصم في السنة (79) وحسنه بطرقه الألباني في الصحيحة (1331)، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (533): وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ ، وقد ذكرنا منها طرفاً صالحاً في كتاب(أحاديث الأصول) ومن العلماء من ادعى تواتر معناها.اهـ

    كتبه:
    بدر بن محمد البدر العنزي
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

  12. #117
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الرد الخامس: على المعتزلي عدنان إبراهيم بقوله بأن أبا هريرة كان مولعاً برواية الاسرائليات.

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
    قال المعتزلي عدنان إبراهيم: بأن أبا هريرة كان مولعاً برواية الاسرائليات ، وكان كثيراً ما يحدث عن كعب الأحبار.

    يجاب عن قوله بما يلي:
    أولاً: هل قال أحد من أئمة الحديث المعتبرين بأن أبا هريرة رضي الله عنه كان مولعاً برواية الاسرائليات؟
    الجواب: لم يقل أحد بهذا القول فيما أعلم ، وإنما هي فرية جاء بها أبو رية ومن هو على شاكلته من
    من أهل الدجل والافتراء أهل الزيغ والأهواء ، للطعن في السنة النبوية ، وتبعهم على هذه الفرية عدنان إبراهيم.

    وأما ما ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ(1/36): قال أبو داود الطيالسي أخبرنا عمران القطان عن بكر بن عبدالله عن أبي رافع عن أبي هريرة أنه لقي كعباً فجعل يحدثه ويسأله ، فقال كعب:ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة.اهـ

    - عمران القطان وهو ابن داور ، لين الحديث ، وله تفردات لا يتابع عليها.
    وقد ذكره ابن عدي في الضعفاء (5/87)
    وذكره العقيلي في الضعفاء (3/1014)
    وقال الذهبي في الميزان (3/236): عمران القطان ضعفه النسائي وأبو داود وابن معين وقال أحمد:أرجو أن يكون صالح الحديث
    وقال يزيد بن زريع:كان حرورياً يرى السيف.اهـ
    وذكر ابن حجر في التهذيب (4/381)الخلاف فيه.

    - فلا تصح هذه القصة ، وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها بأن أبا هريرة رضي الله عنه كان مولعاً برواية الاسرائليات ، وإنما هي في بيان معرفة أبي هريرة لما في التوراة ، لا إنه حدث عما في التوراة ، وفرق بين الرواية والعلم فتأمل.

    ثانياً: أن الهدف من هذه الفرية التي جاء بها عدنان وغيره ، هي التشكيك في كل روايات أبي هريرة رضي الله عنه ، فأرادوا بفريتهم التشكيك في الحديث المرفوع الصريح ،
    لكي يقال: هل هو قول النبي عليه الصلاة والسلام أم هو من الاسرائليات التي حدث بها أبو هريرة ولم يفصح.
    وأرادوا أيضاً بهذه الفرية رد الحديث المرفوع حكماً بحجت أنه من الاسرائليات وليس له حكم الرفع.
    هذا هو قصدهم من هذه الفرية ، أرادوا رد كل روايات أبي هريرة رضي الله عنه لأنه راوية الإسلام وأكثر الصحابة رضي الله عنهم رواية للحديث.
    قال الذهبي في تذكرة الحفاظ(1/36): قال ابن عمر رضي الله عنهما لأبي هريرة رضي الله عنه يا أبا هريرة إنك كنت لألزمنا لرسول الله عليه الصلاة والسلام وأعلمنا بحديثه).

    ثالثاً: الكلام عن رواية أبي هريرة عن التابعي كعب الأحبار رحمه الله.
    اعلم أن رواية الصحابة رضي الله عنهم عن التابعين نادرة جداً ، كما قال ذلك الذهبي في السير(3/490) ، وهي من رواية الأكابر عن الأصغار ، ولم يرو الصحابة عن التابعين مما قيل عنه إنه من الاسرائليات شيء في الحلال لا والحرام ولا العقائد ونحوها ، وإنما رووا بعض ما جاء عن بني إسرائيل مما لم يخالف شرعنا ، وإذا روى الصحابي عن تابعي فإنه يبين ذلك ولا ينسبه للنبي عليه الصلاة والسلام فقط ، ما لم يكن وهماً وقع لأحد رواة الحديث.

    مثال ما وقع فيه وهم من أحد الرواة:
    ما رواه ابن خزيمة في صحيحه (1729)
    أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار عن عبدالله بن فروخ عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة)
    قال أبوبكر ابن خزيمة: قد اختلفوا في هذه اللفظة في قوله(فيه خلق آدم) إلى قوله(وفيه تقوم الساعة) أهو عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أو عن أبي هريرة عن كعب الأحبار؟
    والقلب إلى رواية من جعل هذا الكلام عن أبي هريرة عن كعب أميل ، لأن محمد بن المثنى حدثنا قال أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة(خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أسكن الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة)قال:قلت له:أشيء سمعته من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال بل شيء حدثناه كعب.
    وهكذا رواه أبان بن يزيد العطار وشيبان بن عبدالرحمن عن يحيى بن أبي كثير.
    قال أبو بكر: وأما قوله(خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة) فهو عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام لاشك ولا مرية فيه ، والزيادة بعدها(فيه خلق آدم) إلى آخره ، هذا الذي اختلفوا فيه ، فقال بعضهم: عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وقال بعضهم: عن كعب.اهـ

    كتبه:
    بدر محمد البدر العنزي
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

  13. #118
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الرد السادس: على المعتزلي عدنان إبراهيم في رده خبر الآحاد.

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
    قال المعتزلي عدنان إبراهيم: بعدم العمل بخبر الآحاد لأن دلالته ظنية لا قطعية.
    ويجاب عليه بما يلي:
    أولاً: أن قوله هذا فيه مخالفة لقول الله تعالى
    قال تعالى: ( وما ءاتىٰكم الرسول فخذوه وما نهىٰكم عنه فانتهوا) وهذا لفظ عام يشمل كل ما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام سواء كان متواتراً أو غير متواتر.

    ثانياً: أن قوله هذا مخالف لقول النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)، رواه مسلم (1337) عن أبي هريرة.
    وهذا لفظ عام يشمل كل ما صح عنه عليه الصلاة والسلام سواء كان متواتراً أو غير متواتر.

    ثالثاً: أن قوله هذا مخالف لإجماع أهل العلم.
    فإن الذي عليه أهل العلم أن الحديث إذا صح فقد أفاد العلم والعمل ما لم يكن منسوخاً.
    قال الإمام ابن عبدالبر المالكي في التمهيد(1/4): أجمع أهل العلم على قبول خبر الواحد العدل وإيجاب العمل به إذا ثبت ولم ينسخه غيره من أثر أو إجماع وعلى هذا جميع الفقهاء في كل عصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا إلا الخوارج وطوائف من أهل البدع شذرمة لا تعد خلاف.اهـ

    وقال الخطيب في الكفاية(31): وعلى العمل بخبر الواحد كان عامة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار ذلك.اهـ
    وقال الإمام ابن القيم في مختصر الصواعق(1/332): ومعلوم ومشهور استدلال أهل السنة بأحاديث الآحاد فهذا إجماع منهم على قبول أحاديث الآحاد.اهـ
    وقال الحافظ بدرالدين العيني الحنفي في نخب الأفكار (7/68): مذهب فقهاء الأمصار أن خبر الواحد تقوم به الحجة ويجب به العمل في أمور الدين.اهـ

    كتبه:
    بدر بن محمد البدر العنزي
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

  14. #119
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الرد السابع: على المعتزلي عدنان إبراهيم في إنكاره أحاديث الدجال.

    قال المعتزلي عدنان إبراهيم في مقطع صوتي له: بأن أحاديث الدجال مكذوبة وهي أقاويل اليهود موجودة في كتبهم.

    يجاب عليه بما يلي:

    أولاً: التعريف بالدجال:
    الدجال من الدجل وهو التغطية وسمي الكذاب دجالاً لأنه يغطي الحق بباطله.
    وسمي الدجال بالمسيح : لمسح إحدى عينيه.
    كما جاء في صحيح مسلم(2933) عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: (الدجال ممسوح العين مكتوب بين عينيه ك ف ر يقرؤه كل مسلم)

    والدجال رجل يدعي الربوبية ، ويعطيه الله تعالى من الآيات كما جاء في الأحاديث ما يكون سبباً للفتنة وما من نبي من الأنبياء إلا وحذر أمته من فتنة الدجال ، قال أنس رضي الله عنه قال النبي عليه الصلاة والسلام(ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب) رواه البخاري (7131) ومسلم (2933).

    وخروجه من علامات الساعة الكبرى.
    قال حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ( إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات...) وذكر (الدجال) رواه مسلم (2901).

    ويمكث الدجال في الأرض أربعين يوماً اليوم الأول بمقدار سنة والثاني بمقدار شهر والثالث بمقدار أسبوع وبقية الأيام كأيامنا.
    قال النواس بن سمعان رضي الله عنه ذكر رسول الله عليه الصلاة والسلام الدجال ذات غداة قاليخرج ما بين الشام والعراق فعاث يميناً وشمالاً )
    قلنا:يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: (أربعين يوماً ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم)، رواه مسلم (2937) وأبوداود (4321) والترمذي (2390).

    ثم ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء ويقتل الدجال بباب لد.
    قال مجمِّع الأنصاري رضي الله عنه سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول(يقتل ابن مريم الدجال بباب لُد) رواه الترمذي (2394) وقال: حديث صحيح ؛ وفي الباب عن عمران بن حصين ونافع بن عتبة وأبي برزة وحذيفة بن أسيد وأبي هريرة وكيسان وعثمان بن أبي العاص وسمرة بن جندب والنواس بن سمعان وعمرو بن عوف وحذيفة بن اليمان.اهـ

    ثانياً: تواتر أحاديث الدجال:
    - قال الحافظ السخاوي في فتح المغيث(3/411): ومن التواتر المعنوي أخبار الدجال.اهـ
    - وقال العلامة الكتاني في نظم المتواتر(290): أحاديث خروج المسيح الدجال. ذكر غير واحد أنها واردة من طرق كثيرة صحيحة عن جماعة من الصحابة ، وفي التوضيح للشوكاني منها مائة حديث وهي في الصحاح والمعاجم والمسانيد ، والتواتر يحصل بدونها فكيف بمجموعها ، وقال بعضهم أحاديث الدجال تحتمل مجلدات وقد أفردها غير واحد من الأئمة بالتأليف.اهـ
    - وقال المحدث الألباني في قصة الدجال(13): أحاديث الدجال متواترة.اهـ
    - وجاء في فتاوى هيئة كبار العلماء(3/105): أحاديث ظهور الدجال صحيحة صريحة متواترة.اهـ

    ثالثاً: إجماع أهل السنة والجماعة على الإيمان بخروج الدجال في آخر الزمان.

    قال الإمام أحمد كما في الطبقات(1/344): والدجال خارج في هذه الأمة لا محالة وينزل عيسى ابن مريم عليه السلام ويقتله بباب لد.اهـ

    وقال الإمام البربهاري في شرح السنة(184): والإيمان بالمسيح الدجال وبنزول عيسى ابن مريم ينزل فيقتل الدجال.اهـ

    وقال الحافظ النووي في شرح مسلم(2932): قال القاضي: هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من أحياء الميت الذي يقتله ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه وجنته وناره ونهريه واتباع كنوز الأرض له ، وأمره السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ويبطل أمره ، ويقتله عيسى عليه السلام
    هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار خلافاً لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة.اهـ

    ونقل العلامة حمود التويجري في إتحاف الجماعة (3/90): إجماع أهل السنة والجماعة على الإيمان بخروج الدجال.

    رابعاً: من أنكر خروج الدجال:
    لم ينكر خروج الدجال سوى طوائف من أهل البدع من المعتزلة والخوارج والفلاسفة وقالوا بأن أحاديث الدجال خيالات لا حقيقة لها ، وكذا قال الكذاب الدجال ميرزا غلام أحمد القادياني الهندي مدعي النبوة وأصحابه ، وتابعهم على هذه العقيدة الفاسدة عدنان إبراهيم المعتزلي فأنكر نزول عيسى عليه السلام وأنكر خروج الدجال.

    وخالفوا بعقولهم الضالة المنحرفة ، ما تواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام وما أجمعت عليه الأئمة بخروج الدجال في آخر الزمان.
    قال الله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً)
    وهذه الآية في بيان خطر مخالفة ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام وخطر مخالفة إجماع الأمة.

    كتبه:
    بدر بن محمد البدر العنزي
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

  15. #120
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الرد الثامن: على المعتزلي عدنان إبراهيم

    في إنكاره النسخ في القرآن.



    قال المعتزلي عدنان إبراهيم: النسخ لا يكون في القرآن.



    يجاب عليه بما يلي:



    أولاً: معنى النسخ:

    النسخ لغة: الرفع والإزالة والنقل.

    وشرعاً: هو رفع حكم شرعي متقدم بحكم شرعي متأخر.



    ثانياً: الإجماع على وقوع النسخ:

    أجمع أهل الإسلام على وقوع النسخ في القرآن والسنة.

    قال تعالى( ما ننسخ من ءاية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير)



    قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه(ما ننسخ من ءاية) ما نبدل من آية.

    وابن جريج عن مجاهد ما ننسخ من ءاية) أي: ما نمح من آية.

    وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد(ما ننسخ من ءاية)قال: نثبت خطها ونبدل حكمها.حدّث به عن أصحاب عبدالله بن مسعود.

    (ذكره ابن كثير في تفسيره-181)



    قال الإمام الزركشي في البرهان(2/32): لا خلاف في جواز نسخ الكتاب بالكتاب.اهـ



    قال العلامة المرداوي في التحرير(261): أهل الشرائع على جوازه عقلاً ووقوعه شرعاً وخالف أكثر اليهود في الجواز وأبو مسلم في الوقوع.اهـ



    قال الحافظ السيوطي في الإتقان في علوم القرآن(2/89): النسخ مما خص الله به هذه الأمة لحكم منها التيسير ، وقد أجمع المسلمون على جوازه ، وأنكره اليهود ظناً منهم أنه بداء كالذي يرى الرأي ثم يبدو له. وهو باطل ؛ لأنه بيان مدة الحكم ، كالإحياء بعد الإماتة وعكسه ، والمرض بعد الصحة وعكسه ، والفقر بعد الغنى وعكسه ، وذلك لا يكون بداء ، فكذا الأمر والنهي.اهـ



    ثالثاً: من أنكر النسخ:

    لم ينكر النسخ سوى اليهود وتابعهم أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني المعتزلي وتابعه عدنان إبراهيم المعتزلي

    وكلهم محجوج ، فاليهود محجوجون بما جاء في التوارة من النسخ والأصفهاني وعدنان محجوجون بالإجماع على جواز النسخ.



    قال الإمام القرطبي في تفسيره(2/45): أنكرت طوائف من المنتمين للإسلام المتأخير جواز النسخ وهم محجوجون بإجماع السلف السابق على وقوعه في الشريعة ، وأنكرته أيضاً طوائف من اليهود وهم محجوجون بما جاء في توراتهم بزعمهم أن الله تعالى قال لنوح عليه السلام عند خروجه من السفينة: إني قد جعلت كل دابة مأكلاً لك ولذريتك وأطلقت ذلك لكم كنبات العشب ما خلا الدم فلا تأكلوه ، ثم قد حرّم على موسى عليه السلام وعلى بني إسرائيل كثيراً من الحيوانات ، وبما كان آدم عليه السلام يزوج الأخ من الأخت وقد حرم الله ذلك على موسى عليه السلام وعلى غيره ، وبأن إبراهيم الخليل عليه السلام أمر بذبح ابنه ثم قال له:لا تذبحه.اهـ



    رابعاً: يكون النسخ إلى بدل ، وإلى غير بدل:

    النسخ يكون إلى بدل ويكون إلى غير بدل.

    -مثال النسخ إلى بدل:

    نسخ استقبال بيت المقدس إلى مكة في الصلاة ، قال تعالى(قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضىـٰها فول وجهك شطر المسجد الحرامـ وحيث ما كنتمـ فولوا وجوهكم شطره)



    -مثال النسخ إلى غير بدل:

    نسخ تقديم الصدقة بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام لمن أراد أن يناجيه أي يحدثه سراً ، قال تعالى( يـٰأيها الذين ءامنوا إذا نـٰجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجوىـٰكم صدقة) نسخت بقوله تعالى( ءأشفقتم أن تقدموا بين يدى نجوىـٰكم صدقـٰت فإذ لمـ تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلوٰة وءاتوا الزكوٰة)



    خامساً: أقسام النسخ في كتاب الله:

    ينقسم النسخ في كتاب الله إلى ثلاثة أقسام:

    الأول: ما نسخ حكمه وبقي لفظه.

    مثاله ( إن يكن منكم عشرون صـٰبرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهمـ قوم لا يفقهون)

    نسخها قوله تعالى( الئـٰن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين)

    الثاني: ما نسخ لفظه وبقي حكمه.

    مثاله: آية الرجم ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: ما أجد الرجم في كتاب الله ، وقد قرأتها : (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله) رواه ابن ماجه(2553) وصححه الألباني.

    الثالث: ما نسخ لفظه وحكمه.

    مثاله: قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن) رواه مسلم(1452)

    كتبه:
    بدر محمد البدر العنزي
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

صفحة 8 من 12 الأولىالأولى ... 678910 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء