القواعد السبع الكافية في الرد على عدنان إبراهيم في منهجه التشكيكي للسنة النبوية
الحمد لله الذي حفظ سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأهل الحديث، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، أما بعد:
فهذه سبع قواعد مهمة تبين منهج العلماء في التعامل مع السنة النبوية، وتبين بُعد عدنان إبراهيم عن المنهج العلمي للعلماء في دراسة السنة المطهرة، وفيها كفاية في الرد على منهجه التشكيكي للسنة الصحيحة، حيث يرد منها ما يشاء، ويقبل منها ما يشاء، ويحسب أنه يحسن بذلك صنعا!!
وهذه هي القواعد:
القاعدة الأولى: الجزم في مقام الاحتمال القوي معيب.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" شرح صحيح البخاري (1/ 204): "طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف أن لا يجزم فيها بشيء بل يوردها على الاحتمال"، وهذه طريقة المنصفين من العلماء كما قال الشافعي رحمه الله: "قولي صواب يحتمل الخطأ وقولك خطأ يحتمل الصواب"، وقد عاب العلماء على الحافظ ابن حبان والعلامة الكرماني رحمهما الله الجزم في مقام الاحتمال، قال ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 122): "أبداه عياض والقرطبي احتمالا، وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته "، وقال أيضا في "فتح الباري" (7/ 67): "لم أعرف من أين تهيأ للكرماني الجزم بذلك مع الاحتمال؟!!"، وما أكثر ما يجزم عدنان إبراهيم مع وجود الاحتمال القوي مثل جزمه بأن أحاديث رجم الزاني المحصن منسوخة، ولم يأت بدليل مقبول على جزمه هذا، مع أن احتمال كونه غير منسوخ هو الظاهر وهو الأصل وهو اليقين والإجماع!!
والمراد بالاحتمال في هذه القاعدة ما كان احتمالاً قوياً له وجه شرعي يسنده، وقرائن احتفت به تقويه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى الكبرى (1/ 224): "كل احتمال لا يُسند إلى أمارة شرعية لم يُلتفت إليه". فإذا كان الاحتمال بعيدا فلا بأس بالجزم، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 461): "الشك لا يؤثر في الجزم".
القاعدة الثانية: تكذيب الخبر مع احتمال صدقه ضلال مبين.
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 52]، والحديث الصحيح وحي من الله، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]، وروى أحمد في مسنده (22215) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2178) عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما أَقُولُ مَا أُقَوَّلُ "، أي أقول لكم ما أوحاه الله إلي، وروى أحمد في مسنده (17174) وأبو داود في سننه (4604) بسند صحيح عن المقدام بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه".
قال ابن القيم رحمه الله في حاشيته على سنن أبي داود (7/ 348): "وأما رد الحديث بالقياس فلو لم يكن فيه إلا أنه قياس فاسد مصادم للنص لكفى ذلك في رد القياس، ومعلوم أن رد القياس بصريح السنة أولى من رد السنة بالقياس، وبالله التوفيق".
وما أكثر ما يرد عدنان إبراهيم كثيرا من الأحاديث الصحاح لأدنى شبهة تعرض له مثل أحاديث نزول عيسى بن مريم آخر الزمان، وأحاديث الشفاعة وخروج الموحدين من النار برحمة الله الواسعة، فهو يُكذِّبها ويكفر بها ويجحدها مع أنه لو أنصف لوجد أن احتمال صدقها قوي جدا والشبهة في ردها ضعيفة جدا!!
فطريقة العلماء ليست التكذيب والإنكار بما لم يحط الإنسان بعلمه ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 39]، ولا الجزم في مقام الاحتمال المعتبر، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: 36] أي لا تقل ما لا تعلم، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية (5/ 75): " نهى الله تعالى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال، كما قال تعالى: ﴿ اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وفي الحديث: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث"".
وقد بحثت في المكتبة الشاملة في كتب التفسير وعلوم القرآن والفقه وشروح الحديث والفتاوى وكتب ابن تيمية وابن القيم عن كلمة: (يحتمل) وما تصرف منها فوجدتها 68300 (قريب من سبعين ألفا في 1100 كتاب)!!
فانظروا إلى منهج العلماء رحمهم الله، لا كالمتعالمين الذين يجزمون في مقام الاحتمال، ولا كأهل البدع والضلال الذين يُكذِّبون بعض أحاديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم وينكرونها ويجحدونها بدعوى أنها لم تدخل عقل الواحد منهم!!
وقد قرن الله من يُكذِّب بالصدق بمن كذَب على الله، وحكم عليهما جميعا بأنهما ظالمين فقال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 32، 33].
القاعدة الثالثة: اليقين لا يزول بالشك، وخبر المتخصصين في علمٍ ما لا يصح أن يرده الجاهلون بذلك العلم بالظن.
فمثلا قواعد أهل الطب لا يُقبل ردها من الجاهلين بالطب، وقواعد النحاة لا يردها الجاهل بالنحو، وهكذا ما صححه المحدثون من الأحاديث لا يُقبل ردها بالظن، فإن الظن لا يغني من الحق شيئا، ونقول لمن أراد أن يشكك في حديث في الصحيحين أو في غيرهما مما صححه أهل الحديث: لن يُقبل ذلك منك إلا إذا أتيت بحجة بينة بحسب القواعد التي وضعها أهل الحديث رحمهم الله، فإنهم لا يضعفون الحديث إلا لطعن في أحد الرواة أو لسقط في الإسناد، فأثبت لنا أن أحد رواة الحديث غير ثقة أو أنه أخطأ في روايته، أو أثبت لنا أن هناك سقطا في الإسناد وانقطاعا، وإلا فاسكت خيرا لك.
فطريقة أهل الحديث أنهم يجمعون طرق الحديث فيتبين لهم الصواب من الخطأ، وبجمعهم للروايات يتبين لهم حال الرواة في الحفظ والإتقان، فمن وافق من الرواة أصحابه الذين يشاركونه في الرواية عن شيخهم تبين لهم ضبطه وإتقانه، فإن خالفهم بالزيادة والنقصان والخطأ تبين لهم ضعف حفظه، فإن أضاف إلى ذلك تفرده بروايات عن شيخهم الواحد ولم يذكرها غيره من طلاب ذلك الشيخ تبين لأهل الحديث كذب ذلك الراوي أو اتهموه بالكذب بحسب إكثاره من التفرد وبحسب مروياته ومخالفته لأقرانه الذين يروون عن شيخ واحد.
قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه (1/ 7): "وعلامة المنكر في حديث المحدث، إذا ما عُرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا، خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث، غير مقبوله".
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله في مقدمة كتابه الجرح والتعديل (1/ 5 -7 ): " وجب أن نميز بين عدول الرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة. ولما كان الدين هو الذي جاءنا عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقل الرواة حُق علينا معرفتهم، ووجب الفحص عن الناقلة والبحث عن أحوالهم، وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة والثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته، بأن يكونوا أمناء في أنفسهم، علماء بدينهم، أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث وإتقان به وتثبت فيه، وأن يكونوا أهل تمييز وتحصيل، لا يشوبهم كثير من الغفلات، ولا تغلب عليهم الأوهام فيما قد حفظوه ووعوه، ولا يشبه عليهم بالأغلوطات. وأن يُعزل عنهم الذين جرحهم أهل العدالة وكشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم، وما كان يعتريهم من غالب الغفلة وسوء الحفظ وكثرة الغلط والسهو والاشتباه، ليُعرف به أدلة هذا الدين.
وليُعرف أهل الكذب تخرصا، وأهل الكذب وهما، وأهل الغفلة والنسيان والغلط ورداءة الحفظ، فيُكشف عن حالهم، فيسقط حديث من وجب منهم أن يسقط حديثه ولا يُعبأ به ولا يُعمل عليه، ويُكتب حديث من وجب كتب حديثه منهم على معنى الاعتبار.
ثم احتيج إلى تبيين طبقاتهم ومقادير حالاتهم وتباين درجاتهم؛ ليُعرف من كان منهم في منزلة الانتقاد والبحث عن الرجال والمعرفة بهم، وهؤلاء هم أهل التزكية والتعديل والجرح. ويُعرف من كان منهم عدلا في نفسه من أهل الثبت في الحديث والحفظ له والإتقان فيه. ومنهم من قد ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال منهم الكذب، فهذا يُترك حديثه ويطرح روايته ويُسقط ولا يُشتغل به" انتهى بتصرف واختصار.
القاعدة الرابعة: إذا تعارض نصان ثابتان يُجمع بينهما ولا يُكذَّب أحدهما.
إذا تعارض نصان ثابتان سواء كانا آيتين أو آية وحديثا، أو حديثين، فإن العلماء يقولون: يُجمع بينهما فإن لم يمكن يُنظر الناسخ من المنسوخ، فإن لم يُعرف المتقدم من المتأخر يُرجح بينهما، والمرجحات عند العلماء أكثر من 100 مرجح لا يعلم منها المشككون في السنة إلا أن يُقدم القرآن على السنة أو المتواتر على الآحاد!! ثم إن لم يمكن الترجيح يقولون: نتوقف وفوق كل ذي علم عليم.
انظر في بيان هذا كتاب نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر ص 97، وانظر كتاب التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح للحافظ العراقي رحمه الله ص 286 وما بعدها فقد ذكر مائة وعشرة من المرجحات!!
فهذه طريقة أهل العلم قديما وحديثا، أما طريقة أهل الأهواء فالتكذيب والرد لما يظنونه لا يدخل عقولهم!!
وطريقتهم هذه مبتدعة ومتناقضة، وقد توصلهم إلى الكفر إن أعملوها في نصوص القرآن الكريم، وهم إن لم يعملوها في القرآن وأعملوها في السنة فقد تناقضوا؛ فإن القرآن والسنة الصحيحة كلاهما وحي وكلاهما حق، وإن صدَّقوا ببعض الآيات القرآنية وإن لم تدخل عقولهم فلماذا لا يقبلون بعض ما في السنة مما لم يدخل عقولهم؟!!
وهذا التناقض الواضح يكفي في بيان بطلان منهجهم، فإن في القرآن العظيم أشياء تحير العقل ويجب الإيمان بها وإن لم تدخل عقولنا، وسأذكر ثلاثة أمثلة من سورة واحدة وهي سورة الكهف:
1- قصة أصحاب الكهف العجيبة وفيها قال تعالى: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾ [الكهف: 25]، وهذا شيء عجيب جدا قد لا يدخل عقول الكفرة، ولكننا نؤمن به ولا نشك فيه لقول الله، ولو جاءت هذه القصة في حديث صحيح لما شككنا فيه أيضاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
2- قصة موسى مع الخضر عليهما الصلاة والسلام فيها عجائب كثيرة منها قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ﴾ [الكهف: 61] أي أحياه الله بعد موته واتخذ طريقاً في البحر، حيث حبس الله جرية الماء فصار هناك نفقاً في مكان دخول الحوت البحر!! وهذا شيء عجيب جدا كما قال فتى موسى: ﴿ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ﴾ [الكهف: 63]، فهل يدخل هذا العقل؟! نعم يدخل عقول المؤمنين، ومن كذَّب بهذا كفر، ولو كان هذا في حديث صحيح لآمنا به، ولم نقل: هذا من الإسرائيليات كما هو منهج المهندس عدنان إبراهيم!!
3- قصة ذي القرنين وبنائه الردم، قال تعالى حاكيا عنه: ﴿ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 96، 97]، وهذا أمر عجيب جدا يحير العقول ولكن ليس محالا، فالله آتى ذا القرنين من كل شيء سببا، ونحن نؤمن بهذه القصة التي أخبرنا الله عنها ولا نشك فيها، ومن شك فيها وقال: هذا من أساطير الأولين فقد كفر، ولو كانت هذه القصة في حديث صحيح ولو كان في صحيحي البخاري ومسلم لسمعنا عدنان إبراهيم يسارع بقوله: هذا من خرافات الأولين!! ولسمعنا أتباعه يرددون قوله كالببغاوات ويقولون: هذا لا يدخل العقل ولا يمكن أن نصدقه أبداً!!
وكأني بالإمام أبي محمد بن قتيبة رحمه الله المتوفى سنة 276هـ يرد على عدنان إبراهيم وأشباهه في كتابه تأويل مختلف الحديث ص 61: "قال أبو محمد: وقد تدبرت -رحمك الله- كلام العايبين فوجدتهم يقولون على الله ما لا يعلمون، ويعيبون الناس بما يأتون، ويبصرون القذى في عيون الناس، وعيونهم تطرف على الأجذاع، ويتهمون غيرهم في النقل، ولا يتهمون آراءهم في التأويل. ومعاني الكتاب والحديث، وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة، لا يدرك بالطفرة والكيفية والكمية والأينية، ولو ردوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما، وضح لهم المنهج، واتسع لهم المخرج" انتهى كلامه رحمه الله.
ومدرسة عدنان إبراهيم العقلية ليست جديدة، بل هي قديمة جداً من قبل عهد ابن قتيبة رحمه الله لكنها تتكرر في كل عصر، وما أكثر ضحايا هذه المدرسة التشكيكية، قال الله سبحانه: ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [يونس: 36]، وقال تعالى: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 147]، فكونوا يا عباد الله من الصدِّيقين ولا تكونوا من المرتابين!!
القاعدة الخامسة: باجتماعِ النقلِ الصحيح والعقلِ الصريح تُدْرَكُ الحقائق الشرعيَّةُ.
باجتماعِ النقلِ الصحيح والعقلِ الصريح تُدْرَكُ الحقائق الشرعيَّةُ؛ فلا النقلُ وحده يُفِيدُ فاقدَ العَقْلِ، ولا العقلُ وحده يُفِيدُ فاقدَ النَّقْل، فلا بد من اجتماعهما، وبنقصِ واحدٍ منهما تَنْقُصُ المعرفةُ بالحَقّ.
وليس في العقل الصريح ولا في شيء من النقل الصحيح من القرآن والسنة ما يوجب مخالفة الشرع أصلاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموعة الرسائل والمسائل (3 /64-65): "كل ما يدل عليه الكتاب والسنة فإنه موافق لصريح المعقول، والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، ولكن كثيراً من الناس يغلطون إما في هذا وإما في هذا، فمن عرف قول الرسول ومراده به كان عارفاً بالأدلة الشرعية وليس في المعقول ما يخالف المنقول، ولهذا كان أئمة السنة على ما قاله أحمد بن حنبل: معرفة الحديث والفقه فيه أحب إلي من حفظه، أي معرفته بالتمييز بين صحيحه وسقيمه، والفقه فيه معرفة مراد الرسول وتنزيله على المسائل الأصولية والفروعية أحب إلي من أن تحفظ من غير معرفة وفقه، وهكذا قال علي بن المديني وغيره من العلماء فإنه من احتج بلفظ ليس بثابت عن الرسول أو بلفظ ثابت عن الرسول وحمله على ما لم يدل عليه فإنما أتي من نفسه. وكذلك العقليات الصريحة إذا كانت مقدماتها وترتيبها صحيحاً لم تكن إلا حقاً لا تناقض شيئاً مما قاله الرسول، والقرآن قد دل على الأدلة العقلية التي بها لم تكن إلا حقاً وتوحيده وصفاته وصدق رسله وبها يعرف إمكان المعاد، ففي القرآن من بيان أصول الدين التي تعلم مقدماتها بالعقل الصريح ما لا يوجد مثله في كلام أحد من الناس " انتهى مختصرا.
القاعدة السادسة: إن تعارض النقل والعقل في الظاهِرِ قُدِّمَ النَّقْلُ على العقلِ.
إن تعارض النقل والعقل في الظاهِرِ قُدِّمَ النَّقْلُ على العقلِ؛ لأنَّ النَّقْلَ عِلْمُ الخالِقِ الكامِلِ، والعَقْلَ عِلْمُ المخلوقِ القاصِر، وهذا التعارض يكون بحسب الظاهر لا في حقيقة الأمر؛ فإنه لا يمكن أبداً حصول تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح، وإذا وجد تعارض فإما أن يكون النقل غير صحيح أو العقل غير صريح . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة العرشية ص35: " ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كله حق يصدق بعضه بعضا، وهو موافق لفطرة الخلائق، وما جعل فيهم من العقول الصريحة، والقصود الصحيحة، لا يخالف العقل الصريح، ولا القصد الصحيح، ولا الفطرة المستقيمة، ولا النقل الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنما يظن تعارضها: من صدَّق بباطل من النقول، أو فهم منه ما لم يدل عليه، أو اعتقد شيئا ظنه من العقليات وهو من الجهليات، أو من الكشوفات وهو من الكسوفات إن كان ذلك معارضا لمنقول صحيح وإلا عارض بالعقل الصريح، أو الكشف الصحيح، ما يظنه منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون كذبا عليه، أو ما يظنه لفظا دالا على شيء ولا يكون دالا عليه ".
والعقل كالبَصَر، والنقل كالنُّور؛ لا يَنتفِعُ المُبْصِرُ بعينِهِ في ظلامٍ دامِس، ولا يَنتفِعُ العاقلُ بعقلِهِ بلا وَحْي، وبِقَدْرِ النورِ تَهْتَدِي العَيْن، وبقدرِ الوحيِ يَهتَدِي العَقْل، وبكمالِ العقلِ والنقلِ تَكتمِلُ الهدايةُ والبصيرة؛ كما تَكتمِلُ الرؤيةُ حِينَ الظَّهِيرَة، فالمؤمنون أبصر الناس بالحقائق الشرعية لجمعهم بين النقل الصحيح والعقل الصريح قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122]، وقال سبحانه: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 14].
يتبع=============
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
{ درء التعارض : 1\357 }
Bookmarks