هل أخطأت الأمة وعلماؤها طيلة 1400 سنة في سن أمنا عائشة 18 سنة ؟
حيث كما رأينا في إجابة المداخلة السابقة أن زواج النبي صلى الله عليه وسـلم بأمنا عائشة رضي الله عنها وهي في سن 6 سنوات ودخل بها في سن 9 سنوات : قد مر طيلة 14 قرن من الزمان وأكثر بلا حادثة استنكار ولا استهجان واحدة لا مِن العرب ولا مِن الغرب !! وإنما بدأ التناوش حولها مع النزعة العقلانية والعصرانية التي ألقت بظلال المبالغة الشديدة على كل ما يوصف بالتمدن في بلاد الأجانب ومقارنته ببلاد المسلمين أو العرب .

فساعتها ظهرت دعاوى غريبة لتأويل بل وتكذيب معاني نصوص صريحة في القرآن والسنة تحت ذريعة أن الغرب المتمدن والحضاري العلمي المادي يشمئز مِنها في ديننا بل وفي كل الأديان عمومًا !! وكان كل مَن رفع راية هذه الدعاوى مُصابًا في إنكاره للسنة جزئيًا أو كليًا – وإنكار السنة كليًا يُعد كفرًا والعياذ بالله - فظهر مِنهم مَن لا يعترف بوجود الجن تارة وكذلك الملائكة تارة أخرى !! أو يصف الجن بأنهم مرض الطاعون ويصف الملائكة بأنهم القوانين الطبيعية التي تسير الكون وهكذا....

فلما وصل ذلك التناوش – وفي سعي الكافرين الحثيث لتشويه سيرة نبي الإسلام بأي طريقة – إلى مسألة زواجه صلى الله عليه وسلـم ، وحتى صاروا يطعنون في تعدد زوجاته تارة – وهو الذي لم يكن العالم يستهجنه أصلا قديمًا ولا حديثا في ظل الإباحية الماجنة اليوم والخيانات الزوجية – انتقلوا بطعنهم إلى زواجه المبكر مِن أمنا عائشة : حيث بدأت تجاهر هذه الفرقة العقلانية والعصرانية بأكاذيبها وتدليساتها وتأويلاتها التي ما أنزل الله تعالى بها مِن سلطان ، ثم يلصقونها بدين الله عز وجل وسيرة رسوله.

بدأ الأمر مع كاتب أجنبي يُدعى الدكتور (تي. أو. شانافاز) Dr. T.O. Shanavas بمقال باللغة الإسبانية في الموقع الإسلامي المشبوه لتحريف الإسلام (ويب إسلام – وهو غير موقع إسلام ويب الشهير وفقهم الله) وذلك بتاريخ 16/07/2006م ، وقد افترى فيه مِن الافتراءات على علم الحديث وتكذيب روايات الصحيحين في إثبات زواج النبي بعائشة في سن 6 وبنائه بها في سن 9 ، ثم تدليساته باقتطاع فقرات مِن كتب التاريخ والسيرة مِن غير حتى أن يُبين أماكنها بالجزء والصفحة حتى لا يفضحه أحد العوام والبسطاء مِن المسلمين غير المتحدثين بالعربية أو مِن العرب غير المُختصين والذين ستمر أكاذيبه عليهم.

وبالطبع تم تلقف هذا المقال مِن الرجل بعد ترجمته بأيدي مَن يظنون أنهم يُحسنون صنعًا وهم الفاشلون الذين لم يعرفوا كيفية الرد على شبهة اتهام الشهوانية لنبي الإسلام ، فمالوا إلى قول الرجل بإنكار حديث زواج النبي بعائشة من أساسه !! ولم يلتفتوا للأسف إلى ما في المقال مِن دعوى صريحة للطعن في أصح كتب الحديث – بل في أساسيات علم الحديث نفسه والاستهزاء بها واستصغارها – وما سيتبعه ذلك من إسقاط مكانة الحديث والسنة في بيان تفاصيل الدين ، وعلى ذلك قام المدعو (إسلام بحيري) الجاهل بنشر مقال له عن عمر أمنا عائشة رضي الله عنها باسم (زواج النبى مِن عائشة وهى بنت 9 سنين كذبة كبيرة فى كتب الحديث) وذلك بتاريخ 16 أكتوبر 2008 بالجريدة المصرية سيئة السمعة دينيًا وسياسيا (اليوم السابع) والمشهورة بتدليساتها حول الإسلام وشرعه.

ثم أثنى على المقال ونشره وساعد في شهرته أحد أكابر رموز إنكار السنة في مصر وهو العجوز المدعو (جمال البنا) - والذي مات قريبًا – وهو صاحب الآراء الكفرية الشاذة مِن ادعائه أن الصلوات هي ثلاث وليست خمس في اليوم والليلة !! وأن شرب السجائر والدخان لا يُفطران في رمضان !! وأنه لا كبير إشكال في القبلات المُحرمة بين الجنسين بحُجة أنها مِن اللمم المغفور !!

وهكذا نرى أن أصل الشبهات الحديثية والتاريخية التشكيكية المُثارة : لم تصدر عن موقع أو جريدة محل ثقة ودين !! ولم تمر على عالم واحد مُحترم أو متخصص واحد في علم الحديث ليُعلق عليها ويُبين كذبها وتدليسها واستغفالها لعوام المسلمين وبسطائهم وغير المختصين مِنهم !! ورغم أن الأمر أكبر مِن مجرد مسألة زواج النبي بأمنا عائشة – لأنها دعوة صريحة إلى الاستخفاف بعلم الحديث الذي حفظ به الله تعالى سنة النبي الشارحة والمُبينة والمُفصِلة للقرآن مِن الضعيف والموضوع والمُنكر والباطل المنسوب إليه – إلا أننا سنتناول في عجالة إسقاط وبيان كل شبهاتهم وكما وضحها الشيوخ والدكاترة المختصين الأفاضل في مصر نفسها وفي غيرها.

#1 فأما أولى كذباتهم وتدليساتهم فهي ادعاء أنه لم يروي حديث أمنا عائشة الذي أخبرت فيه بزواجها مِن النبي في سن السادسة وبنائه بها في سن التاسعة إلا (عروة بن الزبير) ، فيقولون أنه تفرد بروايته عنها ، في حين يعرف أصغر طالب علم مُلم بروايات الأحاديث الصحيحة أنه رواه عنها أيضًا كلٌ مِن : (الأسود بن يزيد) – (القاسم بن عبد الرحمن) – (القاسم بن محمد بن أبي بكر) – (عمرة بنت عبد الرحمن) – (يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب) !!
فلا عجب أن يصدر مثل هذا الكلام مِن منكري سنة لم يمسك أحدهم كتاب حديث قط في حياته !!

#2 وأما ثاني فرياتهم فهو ادعاء تفرد (هشام بن عروة) في رواية هذا الحديث عن أبيه (عروة بن الزبير) !! في حين معلومٌ لدينا أيضًا أنه رواه عن (عروة) آخرون غير (هشام) مثل : (أبو حمزة ميمون) وهو مولى (هشام) – (ابن شهاب الزهري) وحديثه في صحيح مسلم !!

#3 ادعاؤهم أنه لم يرو هذا الحديث عن (هشام بن عروة بن الزبير) أي راو مديني واحد (أي مِن المدينة) بل كل رواته مِن العراق – يريدون بذلك إيهام القارئ بأن الحديث كان مِن تأليف الرواة عن هشام في العراق !!) ، وبالطبع يترجم لنا ذلك ويُجسد لنا جهلهم الكبير في الإحاطة بطرق هذا الحديث – أو غيره – لأنه عند دخول (هشام) العراق لم يدخل إلا الكوفة فقط ، في حين روى هذا الحديث عنه مِن أهل العراق مِن غير الكوفيين : (حماد بن سلمة) – (حماد بن زيد) – (أهيب بن خالد) وغيرهم مِن أهل البصرة !! ورواه عنه كذلك : (جرير بن عبد الحميد الضبي) وهو مِن أهل الري : وهي بعيدة عن العراق !! وأما المفاجأة : فهي أنه روى الحديث عن (هشام) أناس بالفعل مِن أهل المدينة مثل : (أبو الزناد عبد الله بن ذكوان) - وابنه (عبد الرحمن بن أبي الزناد) – (عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة) !! ورواه عنه كذلك مِن أهل مكة : (سفيان بن عيينة)...

#4 وأما ادعائهم أن (هشام بن عروة) قد اختلط في كبره لما دخل العراق (أي اختلطت ذاكرته) ، ثم إيرادهم لبعض أقوال العلماء في أنه كان يُدلس (أي يُسقط أحد الرواة مِن السند) فنقول قبل الرد : سنتنازل جدلا ونفترض إسقاط كل الروايات المنقولة عن (هشام) في العراق ، السؤال :
أليس يتبقى لنا روايات العراقيين عنه في غير العراق ؟ (كأن يسمعوها مِنه في الحج مثلا) ، وكذلك تتبقى لنا روايات أهل الري عنه وهي بعيدة عن العراق ؟ وكذلك روايات أهل المدينة عنه وأهل مكة ؟!! هذه أولا ....
وأما ثانيًا : فهو خطأ حكمهم على هشام بالخلط عند دخوله العراق بإطلاق !! وذلك لأنه لم يحكم عليه بالخلط إلا (أبو الحسن بن القطان) في كتابه (دلائل الوهم والإيهام) ، وفيه ذكر هشام في موضعين فقط ، فوثّقه في موضع ، ثم قال عنه في الموضع الآخر : اختلط !!
ويرد على ذلك الإمام (الذهبي) رحمه الله في كتابه (ميزان الاعتدال في نقل الرجال) فيقول :
" هشام بن عروة : أحد الأعلام ، حُجة إمام ، لكن في الكبر تناقص حفظه ولكنه لم يختلط أبدًا ، ولا عبرة بما قاله أبو الحسن بن القطان مِن أنه وسهيل بن أبي صالح اختلطا و تغيرا ، نعم : تغير الرجل قليلا ولم يبق حفظه كهو في حال الشبيبة فنسي بعض محفوظه أو وهم فكان ماذا ؟!! أهو معصوم مِن النسيان ؟ ولما قدم العراق في آخر عمره حدث بجملة كثيرة مِن العلم في غضون ذلك يسير أحاديث لم يجودها ، ومثل هذا يقع لمالك ولشعبة ولوكيع ولكبار الحفاظ !! (أي عند الكبر لظرف السن) فدع عنك الخبط وذر خلط الأئمة الأثبات بالضعفاء والمخلطين ، فهشام شيخ الإسلام ، ولكن أحسن الله عزاءنا فيك يا ابن القطان " !!
وثالثا نقول : دخل (هشام) العراق – والكوفة تحديدًا - ثلاث مرات : واختلفت صيغة تحمل الحديث في مروياته عن أبيه عن (عائشة) رضي الله عنها ، فكان في المرة الأولى يقول (حدثني أبي قال : سمعت عائشة) وهي أعلى وأقوى درجات تحمل الرواية ، ثم في المرة الثانية يقول : (حدثني أبي عن عائشة) فلم يأت فيها صراحة بسماع أبيه عن عائشة ، ثم في الثالثة يقول : (عن أبي عن عائشة) .. فأما الصيغتان الأوليتان فمقبولتان في علم الحديث ، وأما الثالثة فهي التي قد توحي بخلط بالفعل ولكنه يزول بالنظر إلى حُجة الراوي نفسه وكبر سنه في ذلك الوقت !! ولذلك لم نر عالمًا واحدا مختصًا في الحديث قدح في راوية (هشام) لهذه الحُجة بل يترجم لنا رصد هذه الثلاث صيغ في تحمل رواية كل راوي : دقة علماء السند في تتبع الأحاديث للحكم عليها !! وكذلك بالنظر في مَن أسقطهم (هشام) مِن السند في بعض مروياته نجدهم مِن الثقات إذن : لم يصح أيضًا القدح فيه بالتدليس في السند بمعنى إسقاط روايته وعدم الاحتجاج بها كما فهم غير المختصين مِن منكري السنة وغيرهم !
ولذلك قال عنه عبد الرحمن بن خيراسج :
" كان مالك لا يرضاه .. وكان هشامًا صدوقا : تدخل أخباره في الصحيح (أي روى له البخاري ومسلم وكفى بهما حُجة لمَن يعلم) ، بلغني أن مالكا نقم عليه حديثه لأهل العراق ، قدم الكوفة ثلاث مرات ، قدمه كان يقول حدثني أبي قال : قال سمعت عائشة ، وقدمه الثانية فكان يقول : أخبرني أبي عن عائشة ، وقدم الثالثة فكان يقول : أبي عن عائشة ، سمع منه بآخره وكيع وابن نمير ومحاضر ".
وقال عنه ابن حبان في ثقاته :
" هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي ، كنيته أبو المنذر وقد قيل أبو بكر ..... إلى أن قال : وكان متقنا حافظا ورعًا فاضلا ".
وقال عنه العجيلي رحمه الله : " كان ثقة ".
وقال في وصفه محمد بن سعيد رحمه الله : " ثبتا ، كثير الحديث ، حُجة ، كان ثقة ".
وقال عنه أبو حاتم رحمه الله : " ثقة ، إمام في الحديث ".
وقال عنه يعقوب بن شيبة رحمه الله : " ثقة ثبت ، لم ينكر عليه شيئا إلا بعدما صار إلى العراق ، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه ، فأنكر ذلك عليه أهل بلده ، والذي نراه : أن هشامًا تسهل لأهل العراق : أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه منه : فكان تسهله أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه مِن غير أبيه عن أبيه ".
وأما رابعًا فنقول – ويا للمفارقة ! – أن أحد أهم حُجج المتلاعبين في سن أمنا عائشة – كما سنرى بعد لحظات – هي روايات عن سن أختها (أسماء بنت أبي بكر) رضي الله عنها ، ويشاء الله تعالى أن تكون هذه الروايات – التي يحتجون بها – كلها عن طريق (هشام بن عروة) ومِن مروياته في العراق – والتي يرفضونها – ولكنها هذه المرة منقطعة السند وضعيفة !! ورغم ذلك – ولأنهم أهل هوى وزيغ – فقد أخذوا بها ولم يطعنوا فيها وتركوا الروايات الصحيحة السند المتصلة عنه !! وكفى بهذه دلالة وعلامة على عدم امانتهم لكل مَن يعرف.

#5 والآن نبدأ النظر في الروايات التي اختاروها وهي إما ضعيفة السند أو مقطوعة ، وإما اقتطعوها مِن سياقها ليُدلسوا على القراء ، مِن ذلك مثلا اعتمادهم على رواية شيعية يرويها (الواقدي) الكذاب تبجل السيدة فاطمة رضي الله عنها بنت النبي فتنسب لها مولدها في أثناء بناء الكعبة !! وقد استقطعوا هذا القول مِن كلام (ابن حجر العسقلاني) رحمه الله (كتاب الإصابة في تمييز الصحابة ج 4 ص 377) ومِن بعد حذفهم لجملة هامة في أوله وهي قوله : " واختـُلف في سنة مولدها " وقوله : " وقيل غير ذلك " ، ليجعلوا القارئ يتوهم أن هذا القول لا غبار عليه ولا شك ، وإليكم نص كلامه الأصلي رحمه الله :
" واختـُلف في سنة مولدها ، فروى الواقدي عن طريق أبي جعفر الباقر قال : قال العباس : وُلدت فاطمة والكعبة تبنى ، والنبي صلى الله عليه وسلم بن خمس وثلاثين سنة !! وبهذا جزم المدائني ، ونقل أبو عمر عن عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي : أنها ولدت سنة إحدى وأربعين مِن مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان مولدها قبل البعثة بقليل نحو سنة أو أكثر ، وهي أسن مِن عائشة بنحو خمس سنين ، وتزوجها عليّ أوائل المحرم سنة اثنتين بعد زواج عائشة بأربعة أشهر ، وقيل غير ذلك " !!
فأما أن (فاطمة) أكبر مِن أو أسن مِن (عائشة) بخمس سنوات رضي الله عنهما : فهذا صحيح ومثبوت بين العلماء الثقات بالأسانيد الصحيحة ، وأما كون فاطمة وُلدت عام بناء الكعبة والنبي عمره 35 عام ، فهذه كذبة عن (الواقدي) كما قلنا وهو الذي قال فيه الإمام أحمد رحمه الله : الواقدي كذاب !!
ويقول الإمام النسائي رحمه الله : " الكذابون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة ، منهم الواقدي بالمدينة " !!
وقال عنه الإمام البخاري رحمه الله : متروك !!
وبالنظر لمَن يروي عنه الواقدي نجده (أبو جعفر الباقر) وهو (محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب) رضي الله عنهما ، وهو أحد الأئمة الأثني عشر الذين يفتري الشيعة والرافضة على لسانهم الكذب ، وقد وُلد (أبو جعفر) سنة 56 هجرية ، وبذلك يستحيل أن يكون قد سمع مِن (العباس) رضي الله عنه الذي مات سنة 33 هجرية !! وبذلك تسقط الرواية بأكملها لكذب (الواقدي) ولانقطاع سندها بين (أبي جعفر) و (العباس) !!

#6 أيضًا رواية أخرى يعتمدون عليها ذكرها المؤرخ (ابن أبي زناد) عن جماعة عن (هشام بن عروة) كما قلنا وفيها أن (أسماء) أكبر مِن (عائشة) بعشر سنوات فقط !! وبجانب أن (ابن أبي زناد) قد ضعفه بعض علماء الحديث ، فسند الذين روى عنهم كذلك مقطوع ولم يعاصروا (أسماء) رضي الله عنها !! و(ابن أبي زناد) نفسه يُعد مِن تابعي التابعين (والتابعي هو الذي عاصر صحابيًا – وتابع التابعي هو الذي عاصر تابعيًا) ، والغريب أن هذه الرواية الضعيفة المقطوعة تتعارض هي الأخرى مع ما ثبت في الصحيح عن (هشام بن عروة) نفسه مِن أن (أسماء) عاشت مائة سنة لم يسقط لها سن !!

#7 والآن بعد هاتين الفريتين نقف مع كتب الحديث الصحيحة والأخبار الصحيحة السند وقفة لترتيب الأوراق فنقول :
وُلدت (أسماء) رضي الله عنها قبل الهجرة بـ 27 عام ، ووُلدت (فاطمة) بنت النبي صلى الله عليه وسلم قبل (عائشة) بـ 5 سنوات ، وقد جاء في الأحاديث الصحيحة عند أحمد والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي والحاكم والطبراني : أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج (عائشة) رضي الله عنها وسنها 6 أو 7 سنين في مكة (قبل الهجرة) كعادتهم في تقريب العُمر بعام أو عامين ، واتفق الكل أنه دخل بها وسنها 9 سنوات – أي بعد عامين تقريبًا مِن الهجرة - ، وبما أن مبعث النبي كان حوالي 13 عام قبل الهجرة وعمره آنذاك 40 عاما على التقريب ، فإن ميلاد (عائشة) رضي الله عنها كان بعد مبعثه بـ 4 : 6 سنوات على طريقة العرب في حساب التأريخ في ذلك الوقت.
وهذا موافق لما رواه (ابن حجر العسقلاني) رحمه الله في ترجمتها رضي الله عنها بأنها وُلدت بعد البعثة بـ 4 : 5 سنوات ، ووافقه كذلك (ابن عبد البر) رحمه الله وغيره مِن جزمهم بأن (فاطمة) بنت النبي رضي الله عنها قد وُلدت قبل البعثة بعام أو أكثر بقليل ، فيتوافق ذلك أيضًا مع حقيقة كونها أكبر
مِن أمنا (عائشة) بـ 5 سنوات كما تقدم ، وهو نفس ما قرره (الزركلي) أيضًا حيث قال في كتابه (الأعلام 3/240 ط 7 دار الإعلام للملايين) :
" وُلدت (أي عائشة) قبل الهجرة بتسع سنين
بعد البعثة بـ 4 سنوات) وماتت سنة ثمان وخمسين ".

#8 أيضًا حاول المغرضون المتلاعبون استغلال ما جاء في الحديث الصحيح عند البخاري في باب التفسير عن (عائشة) رضي الله عنها أنها حضرت مِن سورة القمر وهي جارية صغيرة نزول قوله تعالى (بل الساعة موعدهم * والساعة أدهى وأمر) ، ونحن نسأل : ما دليلهم أن (كل) سورة القمر نزلت بمكة ؟! إن ما لا يعرفه الكاتب الأجنبي (شانافاز) وبالطبع مُنكرو السنة أمثال (إسلام البحيري) و (جمال البنا) وغيرهم : هو أن الكثير مِن سور القرآن كانت تنزل آياتها متفرقات ثم يجمعها النبي بوحي الله تعالى له في أماكنها ، وفي سورة القمر يقول الإمام المُفسر (مقاتل بن سليمان) :
" أُنزلت سورة القمر بمكة ، إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة " !!

#9 كذلك حاولوا الاحتجاج زورًا وتلبيسًا على البسطاء بحديث صحيح مسلم الذي فيه تحديد النبي لـ (عبد الله ابن عمر) بأقل سن للمشاركة في القتال في الخطوط الأمامية للذكور بـ 15 سنة ، فأرادوا سحب نفس الحكم على مَن في الخطوط الخلفية مِن النساء – وكانت منهن أمنا عائشة كما في غزوة بدر – وهن اللاتي جعلهن النبي لمداواة الجرحى وملاقاة العطشان ونحوه !! وهذا فهم سقيم مقطوع لا سند له ولا مُناصر قديمًا ولا حديثا ، فها هو الإمام (النووي) رحمه الله يُعلق على الحديث في شرحه على صحيح مسلم (باب : بيان سن البلوغ - 12 /13) فيقول :
" وهو السن الذي يجعل صاحبه مِن المقاتلين ويجري عليه حكم الرجال في أحكام القتال وغير ذلك " !
وحتى نتأكد أن ذلك التحديد هو خاص بالقتال في الخطوط الأمامية وأنه ليس بإطلاق بسبب استثناء النبي لبعض الغلمان الذكور أنفسهم للقتال في الخطوط الخلفية ، فقد روى البخاري بسنده عن أبي إسحاق عن حميد قال : سمعت أنسًا رضي الله عنه يقول :
" أصيب الحارثة يوم بدر وهو غلام (وقد أصيب بسهم لا يُعرف راميه وهو يشرب مِن الحوض) ، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، قد عرفت منزلة حارثة مني ، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب ، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع !! فقال : ويحك !! أوَ جنة واحدة هي ؟! إنها جنان كثيرة ، وإنه في جنة الفردوس ".
وكذلك ما رواه البخاري بسنده أيضًا عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال : قال عبد الرحمن بن عوف :
" إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت : فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن !! فكأني لم آمن بمكانهما (أي خاف عليهما) ، إذ قال لي أحدهما سرًا مِن صاحبه : يا عم ، أرني أبا جهل ، فقلت : يا ابن أخي ، وما تصنع به ؟!! قال : عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه !! فقال لي الآخر سرًا مِن
صاحبه مثله !! قال : فما سرني أني بين رجلين مكانهما !! فأشرت لهما إليه ، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه !! وهما ابنا عفراء " !!

#10 ورغم أن أكثر اعتماد المُدلسين وأصحاب الشبهات – سواء مِن منكري السنة أو النصارى أو الملاحدة وغيرهم – يكون على كتب السيرة والتاريخ لأن غالب أخبارها مقطوعة السند أو ضعيفة – فهدفها تجميع ما قيل وليس تجميع ما هو صحيح كما يعترف كاتبوها أنفسهم بذلك - ، إلا أننا سنرى الآن هل التزم أولئك المُشككين بدقة النقل حتى أو حُسن الفهم فيما أخذوه منها ؟ وسنأخذ هنا مثالا وهو ما ساقه أحدهم – ومِن دون أن يذكر تخريجه بدقة كرقم الصفحة أو الحديث – فقال :
" وطبقا لرواية الطبري : أن أبا بكر ولد له أربع أبناء كلهم في الجاهلية , ويتضح مِن ذلك أن عائشة وُلدت في الجاهلية !! أي أنها لم تكن أقل مِن 14 سنة عند زواجها " !!
ونقول ، أن هذا الذي اقتطعه الرجل – وبغير أمانة في الفهم ولا الطرح كما سنرى الآن – هو مِن تاريخ الطبري (2/ 351) حيث كان يستعرض زواج أبي بكر رضي الله عنه بكل مِن (قتيلة) و (أم رومان) وأن زواجه بهما كان في الجاهلية – ولم يقصد أن أبناءهما الذين ولدهم منهما وُلدوا في الجاهلية !! والفرق كبير بالطبع – وإليكم النص الأصلي كاملا :
" حَدَّث عليٌ بن محمد ، عمّن حدثه ومَن ذكرت مِن شيوخه قال : تزوج أبو بكر في الجاهلية قتيلة (وهو اسم زوجته) – ووافقه على ذلك الكلبي – ، قالوا : وهي قتيلة بنت عبد العزى بن عبد بن أسعد بن جابر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، فولدت له عبد الله وأسماء ، وتزوج أيضًا في الجاهلية مِن أم رومان بنت عامر بن عمير بن ذهل بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالم بن كنانة ، وقال بعضهم هي أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عب شمس بن عتاب بن أذنية بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة ، فولدت له عبد الرحمن وعائشة ، فكل هؤلاء الأربعة مِن أولاده (وركزوا في التعبير القادم جيدًا) : وُلدوا مِن زوجتيه اللتين سميناهما في الجاهلية " !!
ومثل هذه الرواية – وعلى عدم أمانة نقل معناها مِن هؤلاء المُدلسين – إلا أنها كالكثير مِن أخبار كتب التاريخ والسير كما قلنا : ضعيفة السند !! أي لا يُحتج بها في نزاع أصلا وإنما قد يُستأنس بها فقط عند الحاجة لتعضيد رأي صحيح في مسألة ما.

#11 فإذا كان هذا هو فعلهم فيما ينقلونه مِن كتب السيرة والتاريخ المعروفة بعدم دقة رواياتها وأسانيدها ، فما بالنا عندما يريدون تغيير معاني الأحاديث الصحيحة عن عمد ؟!! فها هو صحيح البخاري الذي يشككون فيه متى يريدون ثم يأخذون عنه متى يشاءون : فنرى عجيبة مِن عجائب اللغة العربية عندما يستدل المدعو (إسلام بحيري) بالحديث الصحيح (وهو مِن رواية عروة عن عائشة !!) فيحرفه قائلا عنها :
" لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية ، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا قبل هجرة الحبشة..." !!
فنلاحظ أولا أنه لم يقم بتشكيل كلمة (قبل) فاستخدمها كظرف زمان رغم أنها في الحديث الصحيح (قِبَـل الحبشة) أي قاصدًا جهة الحبشة ، فهي مكانية لا زمانية !! وأما الذي يدلنا على تعمده التدليس فهو زيادته كلمة (هجرة) التي وضعها بين كلمتي (قِبَـل) و (الحبشة) !! وللنظر إلى الفرق بين التعبيرين ، تعبير هذا المُدلس عن عمد :
" خرج أبو بكر مهاجرًا قبل هجرة الحبشة " !! وتعبير نص الحديث بغير تحريف :
" خرج أبو بكر مهاجرًا قِبَلَ الحبشة" ..
حيث يحكي الحديث أنه لما أوذي أبا بكر رضي الله عنه واشتد إيذاء قريش له خرج نحو الحبشة مهاجرًا ، وكان خروجه هذا قبل فترة قريبة مِن هجرة المدينة - يعني في أواخر الدعوة المكية وهذا في صالح تأكيد صغر أمنا عائشة وقتها وهو ما لا يريده ذلك المُدلس - ، فلقيه ابن الدغنة فأجاره وأعلن حمايته له مِن قريش فرجع أبو بكر ولم يهاجر إلى الحبشة - حيث لم تنقطع الهجرة إلى الحبشة كما هو معروف إلا بإعلان الهجرة إلى المدينة – فلما لم يكف أبو بكر مجاهرته بالقرآن وسط قريش ، فشكوه لابن الدغنة ، وعندها لم يشأ أبو بكر أن يتسبب في أذاه أو الإحراج له فرد عليه جواره قائلا : " إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله " ، فما لبث قليلا حتى أعلمهم النبي بوجهة الهجرة التي بشره بها الله عز وجل وهي المدينة : " قد أُريت دار هجرتكم ، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين ..." !!
فهل لمسنا الآن إلى أي مدى يستخف أمثال أولئك بمرويات الحديث فيُبدلون الكلام أو يحذفون أو يُضيفون مِن عندهم بدون مراعاة حتى لأيسر قواعد الأمانة العلمية ووثوق القراء بهم ؟!!

#12 وأخيرًا – وليس آخرًا لأنه يشق التعرض لكل أكاذيبهم - :
فإنه يكفي العاقل أن ينظر في أحاديث أمنا (عائشة) رضي الله عنها الكثيرة – والتي رواها عنها الكثيرون – ليتيقن مِن تصريحها بصغر سنها وإتيانها مِن التصرفات ما يدل على ذلك في أول زواجها بالنبي ، والتي عبرت عنها بأفصح لسان فيما بعد حينما حكت كل هذه الأحاديث مُفتخرة بل ومُعلمة للمسلمين كيف يقتدون بالنبي الرحيم في مراعاته لحداثة سنها وحاجتها للهو والترويج عن النفس والتدليل ، حيث يتأكد العاقل أنه يستحيل أن يجتمع كل أولئك الرواة على الكذب فتأتلف مروياتهم وتتناسق بهذه الصورة الطبيعية غير المفتعلة وتتكامل مع بعضها البعض ولا تتناقض ، ومِن ذلك مثلا ما ترويه رضي الله عنها كما في البخاري ومسلم :
" والله ، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه (حيث كانت تقف خلف ظهره يسترها عنهم) لأنظر إلى لعبهم بين أذنه وعاتقه ، ثم يقوم مِن أجلي (أي يظل قائمًا على هذا الحال مِن أجل أن تروح عن نفسها بمشاهدتهم) حتى أكون أنا التي أنصرف (أي حتى تقرر هي أنها شبعت مِن الترويح عن نفسها) !! فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو " !!
وهذا الحديث فيه عدة إشارات – وهي ما نختم به - مِنها :
رحمة رسول الله صلـى الله عليه وسلم بها وحِلمه عليها وتقديره لصغر سنها ، واعترافها بحداثة سنها ، وأنها لم تكن بتلك الفتاة الصغيرة الجسد الضئيلة القصيرة كما يُصورها المُغرضون – ومعلوم أن الفتيات أسرع نموًا وطولا مِن الأولاد عند البلوغ – لدرجة أنها بلغت أن تنظر مِن بين أذنه وعاتقه صلى الله عليه وسلم .
وهذه ثلاث فديوهات ترد على هذه الشبهة وتنسفها نسفاً :-
سن زواج عائشة (الجزء الأول)
https://www.youtube.com/watch?v=Q3EblPrqk7g
سن زواج السيدة عائشة (الجزء الثاني)
https://www.youtube.com/watch?v=BoLt1VZ7sXE
سن زواج السيدة عائشة (الجزء الثالث والأخير)
https://www.youtube.com/watch?v=CrqhR9fbmLQ