بسم الله الرحمان الرحيم :

هذه رسالة بعنوان: أختاه هل حجابك شرعي؟ و هي رسالة نافعة قيّمة كتبها أحد طلّاب العلم الجزائريين و قد زَكَّاهَا الشيخ أبو بكر جابر الجزائري الواعظ بمسجد المدينة المنوّرة، وهي على شكل مطوية تباع في مكتبة دار الامام مالك بباب الواد.صحيح أنها طويلة قليلا لكنها تحمل ما تحمله من الفوائد ، أسأل الله أن ينفع بها المسلمات ،آمين!

.
.
.
.
.
.
.

بِسْم الله الرحمان الرحيم :
والصلاة و السلام على رسول الله ، وبعد :

فهذه مقالة موجهة إلى أختي المحجبة أردت من خلالها النصح و التذكير ، والتنبيه ، و التعليم .

-الحجاب أنماط و أشكال متعددة

يقولون : "فلانة محجبة" وصف نسمعه كثيرا عند التعريف بامرأة ما،و لكن هل يتخيل السامع صورة معيّنة لزيّ هذه المرأة؟ أم أن هناك عدة صور و أشكال للحجاب تتداعى في مخيّلته،أحدها فقط هو الزيّ الحقيقي لها ؟
لقد أصبح الحجاب مصطلحا فضفاضا ، و أُهمِلت ضوابطه، و عند أول مقارنة بين مدلول كلمة الحجاب في الواقع و مدلولها الأصلي في الشّرع نجد بونا شاسعا،... كما أننا نجد أنفسنا بحاجة إلى مصطلحات كثيرة لتغطية الفارق الكبير بين الحجاب الشرعي و الحجاب الواقعي .
و لمعرفة حجم التنافر بين المفهومين الشّرعي و الواقعي للحجاب يمكن أن نقلب مفردات المفهوم الشّرعي كلّها، و رغم ذلك يحتمل الواقع أن يطلق عليها : محجبة، لمجرّد غطاء رأسها، و استعراض الأشكال المنتشرة للحجاب في المجتمع يُثبت ذلك ؛ فهناك غطاء الرأس مع كشف بعض الشّعر و الرّقبة و جزء من الصّدر و السّاقيْن ، و قد تكون الملابس ضيّقة و متشبّهة بالرّجال، ثم غطاء للرّأس و الرّقبة و الصدر مع ملابس طويلة و لكنّها زينة في نفسها، و قد تكون ضيّقة تصف الجسم، أو معطّرة ، ثم الخمار الطويل الذي يستر البدن مع كشف الوجه و الكفّين ، ثم الحجاب الكامل الذي يحقق الشروط كلّها"[الحجاب الإسلامي بين المدّ و الجزر -بتصرّف-]
لقد كان الأوّلون ملتزمين بهدي محمد - صلى الله عليه و سلم -، حتى جاء المتأخّرون فغيّروا كثيرا من شعائر الإسلام ، و أصبحت لا تكاد تجد أربعة متّفقين في صفة عبادة من العبادات.
يدلّك ذلك على بُعد كثير من المسلمين عمّا كان عليه الرّعيل الأوّل ... فمن هذه الشعائر التي غُيّرت : الحجاب الذي فرضه الله على نساء المؤمنين.

-هل الحجاب عادة أم عبادة ؟

هذا سؤال مهم ! هل الحجاب عادة ؟ فالعادة أوجدها الناس و صاروا يأمرون بها ، و يتحكّمون فيها، يغيّرونها بتغيّر الزّمان و المكان، و قد يعيلونها بالكلية و يعوّضونها بأخرى إذا شاؤوا ذلك... أم أن الحجاب عبادة جاء بها رسول الله - صلى الله عليه و سلم - بأمر من الله تعالى فلا يمكن أن يُغيَّر أو يُبدَّل أو يُزال...لا يشكّ مسلم و لا مسلمة تدين بالإسلام حقا ، أن الحجاب عبادة أمر الله بها المؤمنات قال الله تعالى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ...}[النور:١٣] ، فإذا علمت أختي المسلمة ذلك فتعالي إلى نقطة أخرى لا تقلُّ أهمية عن الأولى و هي تتمثّل فيما يلي :

-شروط قبول العبادة

فإذا كان الحجاب عبادة، و لم يكن من العادات و التقاليد، فإن العبادة لا تُقبل إِلَّا بشروط قد وضعها الشارع الحكيم، و التي قد بيّنها العلاَّمة التابعيّ الفضيل ابن عياض حيث قال في قوله تعالى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ}[الملك:٢]، قال: أخلصه و أصوبه، و الخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة.
فإذا عُلِم هذا كان الإخلاص في الحجاب واجبا، و يكفي أن تقصد الأخت المسلمة امتثال أمر الله تعالى و نيل مرضاته و النّجاة من عقابه ، و يبقى بعد ذلك أن تحقّق شروط المتابعة ،أي متابعة النبيّ - صلى الله عليه و سلم - فيه ، و هذا يجرّنا إلى الحديث عن شروطه و صفاته.

-شروط الحجاب

١-أن يكون ساترا لجميع البدن : قال الله تعالى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ...}[النور:١٣]
فقد أمر الله تعالى المرأة بستر زينتها كلّها ، و عدم إظهار شيء منها أمام الأجانب إلا ما ظهر منها بغير قصد، فلا تؤاخذ عليه، كالرّداء و الثّوب.
و قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[الأحزاب:٩٥] ، و معنى يُدْنِين أي : يُرْخين أو يَسْدلن عليهن. و بهذا استدلّ أكثر العلماء على وجوب تغطية وجه المرأة، خاصة و أن الوجه هو مجمع الجمال و مقصد النّظر، كما أنهم مُجمعون أيضا على أنه في زمن الفتنة يجب تغطيته. فالحجاب إذًا لا بد أن يكون منسدلا من أعلى الرّأس إلى القدمين.

٢-أن يكون ثخينا لا يشف : يُشترط في جلباب الخروج أن يكون ثخينا لا يشفّ عما تحته من بدنها، أو ثيابها المزيّنة التي تلبسها، أما الرّقيق الذي يشف عما تحته فلا يحلّ لها الخروج به، لأنه لا يزيد المرأة إلا تَبَرُّجا بزينة، و تعرّضا للفتنة،... و لذلك قال - صلى الله عليه و سلم - فيما أخرجه أحمد و مسلم عن أبي هُريرة "صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها ، وإن ريحها يوجد في مسيرة كذا وكذا ".

٣-أن يكون فضفاضا غير ضيّق : لأن الغرض من الثّوب إنَّما هو رفع الفتنة، و لا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع، و أما الضيّق فإنه و إن ستر لون البشرة، فإنه يصف حجم جسمها أو بعضه ، و يصوّره في أعين الرِّجَال .
و عن أبي هشام ابن عروة :"أن المنذر بْن الزبير قدم من العراق ، فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مروية وقوهية رقاق عتاق بعد ما كف بصرها ، قال : فلمستها بيدها ، ثم قالت : أف ، ردوا عليه كسوته ، قال : فشق ذلك عليه ، وقال : يا أمة ، إنه لا يشِف ، قالت : إنها إن لم تشف فإنها تصف"رواه ابن سعد بإسناد صحيح إلى المنذر.
قال مالك :" معنى تصف أي : تلصق بالجسم ."
فرحم الله نساء السَّلَف ، كنّ لا يلبسن ما يشف و لا ما يصف، فحدّث عن حجاب اليوم، بل عن الجلباب. حيث أن بعض الأخوات، تصنعه من قماش رقيق يحجّم أعضاءها، خاصة إذا كانت هناك رياح. فلينتبهن -بارك الله فيهن-.

٤-أن لا يكون مزيّنا في نفسه يستدعي أنظار الرِّجَال : فالأصل في حجاب المرأة أن يستُر جسدها، و يردّ أَعْيُن النّاظرين عنها. فإذا زُيِّن بنقوش جذّابة، و ألوان زاهية، أو طُرِّز بطرز أنيق، حتى صار هذا النّوع من الحجاب المُزيَّن تلبسه المرأة الدّميمة قبيحة المنظر لتصير به جميلة تلفت أنظار الرِّجَال، فصار لا يرُدّ عنها نظرة، و لا يدفع عن الرّجال خطرة، لهذا كان مِثْلُ هذا الحجاب منهيّا عنه لأنّه لم يعد جلباب الخروج الشّرعي الذي أُمِرت به المرأة لحكمة دلّ عليها قوله تعالى {وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} و قوله {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} فكان الواجب على هؤلاء المُحجَّبات أن يُدْنِين فوقهنّ الجلباب حتّى يستُر ذلك الحجاب...

٥-أن لا يكون مُطيّبا:عن أبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم- :"أَيُّما امرَأةٍ استَعْطَرَتْ فَمَرَّت على قَوْم لِيَجِدوا ريحها فهي زانية" [أحمد و النسائي ، و هو حسن].
و عن زينب الثقفية أن النبيّ -صلى الله عليه و سلم- قال: "إذا خَرَجَتْ إحداكُنّ إلى المَسْجِد فلا تَقْرَبَنَّ طيبا"[رواه مسلم].
و عن أبي هُريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم- :"أَيُّما امرأةٍ أصابت بُخورا فلا تَشْهَد معنا العِشاء الآخِرَةَ"[رواه مسلم].

٦-أن لا يكون لباس شهرة: قال -صلى الله عليه و سلم-:"مَنْ لَبسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ في الدُّنيا أَلْبَسَه الله ثَوْب مذلّةٍ يَوْمَ القِيامَةِ"[رواه أحمد و أبو دَاوُدَ و ابن ماجه، وهو حسن], قال الشّوكاني في نيل الأوطار: <"فالحديث يدلّ على تحريم لَبْس ثوب الشّهرة و ليس هذا الحديث مختصّا بنفيس الثّياب بل قد يحصل ذلك لمن يلبس ثوبا يُخالف ملبوس النَّاس من الفقراء ليراه النَّاس فيتعجبوا من لباسه و يعتقدوه".
وقال:قال ابن الأثير:"الشّهرة: ظُهُور الشّيء، و المراد أنّ ثوبه يشتهر بين النَّاس ، لمخالفة لونه لألوان ثيابهم، فيرفع النَّاس إليه أبصارهم، و يختال عليهم بالعجب و التكبّر">.

٧-أن لا يُشبه لباس الرِّجَال : فلا يحلّ للمرأة التشبُّه بالرّجال، و لا الرجال التشبُّه بالنّساء، في اللّباس و الصّوت،و الهيئة ، و المشية و الحركة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ " [رواه أبو دَاوُدَ بإسناد صحيح].
و عن عائشة - رضي الله عنها قالت :"لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجلة من النساء ." [ رواه أبو داود وهو صحيح].

٨-أن لا يُشبه لباس الكافرات: فلا يحِلّ للمُسلم أن يتشبّه بالكافرين في أقوالهم و أفعالهم، و لا في أعيادهم و ملابِسهم، و لا في أي شأن من شؤونهم الّتي يتميّزون بها عن غيرهم.
إنّ أكثر الألبسة الّتي يفتخر بها كثير من النَّاس اليوم، قد جاءتنا من بلاد الْكُفَّار و من دور الأزياء الّتي مُعظمُها يقوم عليها اليهود، بل إنّ بعض أنواع الحجابات التي دخلتها الموضة لا نشك أن من ورائها تخطيط اليهود. قال الله تعالى:{ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }[الجاثية:١٨].

-ختاما أُختاه:
فإذا توفّر حجابك على هذه الشّروط و الأوصاف، فهو حجاب شرعيّ يُحبّه الله و رسوله و كلّ مؤمن صادق الإيمان.
و لا يُمكن أن تجتمع هذه الأوصاف و الشّروط إلا في الحجاب الَّذِي يُسمّى الجلباب، مصداقا لقوله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[الأحزاب:٩٥] ، أما إن كان حجابك خلاف ذلك و هو الذي لا نرضاه لأخواتنا المسلمات، فهو حجاب يُبغضه الله و رسوله و الؤمنون الصادقون.
فاتّقي الله أختاه، و قدّمي إرضاء الله و إرضاء رسوله -صلى الله عليه و سلم-، على إرضاء الناس و هواك و الشَّيْطَان.
و إيّاك و الأعذار، فقد حفت الجنّة بالمكاره و حُفّت النار بالشّهوات، قال تعالى: {)فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ( وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81].


المرجع:حجاب المسلمة.

و الله أعلم و الصلاة و السلام على رسول الله.