ومن قال أن العذاب الأبدي لا يساوي عمل الكفار ؟
الله سبحانه وتعالى يقول فيمن نسب إليه الولد فقط بالقول : (( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ))..هؤلاء قالوا ولم يفعلوا شيئا..هو مجرد قول..مجرد كلمة وحيدة صاحبها اعتقاد..ماذا كانت عاقبتها ؟..(( تكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ))..تخيل المشهد تخيل حال السماوات والتي بالنسبة إلينا غير محدودة تخيل حال الأرض تخيل حال الجبال..هذا المشهد المرعب لمجرد قول كلمة في حق الله..فما بالك بمن اتخذ هذا الولد المزعوم إلاها وخصه بالعبدودية من دون الله !
ولمن يقول أن العذاب الأبدي عقاب غير منطقي وغير عقلي والفعل لا يستحق هكذا عقاب..نقول من يقرر إن كان الأمر يستحق او لا يستحق..عادل أم غير عادل ؟
نحن البشر ؟..البشر لم يتفقوا في ما هو أوهن من ذلك بكثير..انظر إلى من يرى في الإعدام عدلا وغيره يراه ظلما أو من يرى سجن مدمن الخمر عدلا في حين يرى غيره أنه ظلم والحل في العلاج..العقل ؟..العقل قاصر في مسائل تافهة كهذه فهل نجعله حكما على الخالق مطلق العلم والحكمة والعدل ؟..فهل من الحكمة أن يُقِّيم الناقص القاصر ..الكامل ؟..
ثم ألا توجد في محاكم العالم ما يسمى بحكم المؤبد -مع الإختلاف حسب الدول-..ألا يعتبر هذا الحكم عادلا قضائيا..تخيل لو استمر عمر المحكوم عليه إلى ما لا نهاية هل تقدح هذه الإسمرارية في عدالة حكم المؤبد ؟..القاضي حينما يصدر حكم المؤبد يصدره من منطلق انه حكم عادل..ولا ينظر هل سيعيش ذلك الشخص خمسين سنة مائة مائتين أو حتى ألفي سنة..فتأمل..
ثم لو قيل لك أن العدل هو أن يسجن السارق على قدر الفترة الزمنية التي سرق فيها..أو أن يسجن المغتصب مدة الإغتصاب..وأي فترة زمنية تفوق فترة الجرم هو ظلم....صحيح الطرح ساذج ولكن للأسف هذا هو طرحك ونظرتك للعذاب الأبدي..فكأني بك تطالب بنفس ما طالب به السارق والمغتصب..فتأمل بارك الله فيك..أما قولك : (( عدل الإلهي يقتضي بأن يكون الجزاء محدود على قدر العمل وإلا كان ظلما والعياذ بالله , والله العدل منزه عن ظلم الناس , وكلمة محدود ليس معناه أن الإنسان الكافر لو عاش في الدنيا مدة زمنية بالحسابات الأرضية 60 عاما مثلاً , ليس معناه أن يمكث في عذاب جهنم 60 عاما أيضا بالحسابات الأرضية المعروفة , كلا - هذا كلام لا يقول به عاقل - يا أخي الفاضل حسابات الدنيا شيء وحسابات الآخرة شيء آخر علمها عند الله تعالى في عالم الغيب ولا نعلم سوى ما أخبرنا الله عنه , فمثلا يقول تعالى ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) , فهل يشك في ذلك أحد ؟
وبناءا على هذه القاعدة بأن اليوم الواحد في عالم الغيب = 1000 ألف سنة بالحسابات الأرضية ))
نقول:
هل من العدل وفق نفس المنطق الذي تتبعه أن يقترف المذنب ذنب بحجم يوم أرضي فيحاسب بعقاب في حجم ألف سنة أرضية !!!!
بنفس المنطق الذي احتججتَ به نُقض طرحك..فتأمل !
من جهة اخرى أثر العقوبة هي تدليل على قدر من وقعت معصيته..تخيل أنك عصيتَ زميل لك..أقصى عقوبة ممكن ان تصدر من هذا الصديق هو الهجر..تخيل لو كانت المعصية لأمر أمين شرطة..العقوبة ستكون ضرب أو سجن ليوم أو يومين..تخيل لو كان وزير أقلها ستكون سنوات سجن ثم تصور لو كان الرئيس أو الملك هو الإعدام بعيد عنك..ألم تلاحظ أن العقوبة ترتفع كلما ارتفع قدر من وقعت معصيته...ولو لاحضت أيضا ان التدرج في العقوبة لم يتأثر بنوع المعصية فجميعها رفض تنفيذ أمر ولكن كلما ارتفع قدر الآمر اشتدت العقوبة..
تخليد الكافر في النار لم يخرج عن هذا التسلسل المنطقي..فالله سبحانه وتعالى يقول في الكفار (( وما قدروا الله حق قدره ))..تخيل لو مكثوا في جهنم ألف سنة هل هذا هو قدر الله ؟ ألف سنة !!..تخيل لو ألف ألف ألف ألف سنة ؟....نفس الشيء والله العظيم..فالله سبحانه وتعالى مطلق وأي فترة زمنية منتهية (إلا ان تكون رحمة منه) هي قدح في قدر الله عز وجل..فوجبت بذلك اللا نهاية في العقوبة كدليل على اللا نهاية في معرفة قدر الله ووبالخلود فقط يعرف الكافر قدر من عصاه..
وأما قولك : (( عصيان آدم عليه السلام والذي صدر منه عن نسيان , بأن تكون عقوبته غير محدودة لأنها في حق الله الغير محدود ؟؟ !!!! ))
نقول: غاب عنك أهم معطى..وهو ان آدم عليه السلام تاب (وضع تحتها سطرين)..فتاب الله عليه وأدخله في رحمته..ولكن الذي لم يتب ؟..ومن لم يكن في قلبه ذرة إيمان تدخله في رحمة الله ؟..ومن أخرجه الله من رحمته ؟..أرأيت أن القياس فاسد ولا يصمد في الإستدلال..
من جهة العدل أيضا هو حكم عادل أولا لأنه صدر من إله حرم الظلم على نفسه وهو إله خبير بنفوس هؤلاء الذين خلدوا في جهنم ويعلم سبحانه انهم مستحقون للعذاب ولم يظلمهم وسيشهدون هم بذلك على أنفسهم..ثانيا لو خلد هذا الكافر في الدنيا لاستمر في كفره وطغيانه إلى ما لا نهاية فكان تخليده في جهنم من باب العدل ..
أما قولك :
(( باختصار شديد - لا نهائية العذاب تتعارض مع الغاية من خلق الإنسان وهي العبادة , برغم أن الكافر لبث في جهنم أحقاب وآماد وذاق العذاب أشكال وألوان ومن شكله أزواج و ......... الخ , وكل ذلك كان وفق ما عمل في الدنيا أو بما كسبت نفسه , يعني نال جزائه الذي استحقه أي تحقق العدل الإلهي فيه , فإذا بقي الإنسان الكافر في عذاب جهنم إلى ما لا نهاية دون الخروج منها , فلن تتحقق الغاية من خلق الإنسان حيث قال تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ))
نقول:
ألم يقل سبحانه : (( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين..بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ))
يعني لو أخرجهم الله من جهنم -بنص القرآن- فسيعودن لكفرهم...يعني لن يتحقق بخروجهم معنى العبادة الذي تحتج به ..وقد جزم القرآن في هذا !!!
بل على العكس تماما..مكوثهم في جهنم يتحقق من خلاله معنى العبادة..أقتبس من كلام الأخ horisonsen هذا الكلام البديع:
(( بالنسبة للعذاب الأبدي فقد نص الله على حكمة لذلك في هذه الآية:
{ولَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}
فنص على أنهم لن يؤمنوا إذا أخرجوا من النار، فكان العدل أن يبقوا فيها مؤمنين، ولننظر في هذه الآية:
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
أي أن بعض القلوب كقلوب اليهود قاسية أكثر من الحجارة فلا تؤمن ولا تلين للإيمان، فكانت كالحجارة لا تلين إلا مع التعرض للنار في عذاب الجحيم، وبهذا تنصهر وتؤمن بالله {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} لكن مع إيمانها بوحدانية الله فيما يختص به، في حال الانصهار فهي كالحجارة المنصهرة إذا أخرجت من الجحيم تعود فتتجمد لتصبح جلمودا صلبا فتعود قاسية لا تؤمن بالله{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}، وقد أخبرني أحد زنادقة الفلاسفة الإيرانيين شخصيا أن الجحيم فرضا لو أنه دخلها فإنه لن يؤمن بها لأنه من الاحتمال أن تكون خيالا وأحلاما وسرابا، فقلت له ما فائدة السراب أو المنام إن كان أبديا؟ فتلعثم ولم يحر جوابا، فقلت في نفسي أنه سيحكم أنها سراب فقط في حال خروجه من العذاب الأليم. )
Bookmarks