النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الرق في الإسلام

  1. افتراضي الرق في الإسلام

    :: الإسلام والرّق ::

    بقلم : بسّام جرار


    عندما نزل القرآن الكريم كان الرّق من حقائق المجتمعات البشرية، ولم يشذ في ذلك مجتمع. ولم يكن الرق مجرد تسلط من الأقوياء على الضعفاء، بل كان قناعات راسخة حتى في عقول الفلاسفة والمفكرين، بل وفي عقول وقلوب الأرقاء أنفسهم. لم يكن هناك حُر يأمن الاسترقاق، فانتصار جيش في معركة يُحول الكثير من السّادة الأحرار إلى أرقّاء. حتى تتضح هذه المسألة نطرح السؤال الآتي : عندما يؤسر فارس ما من قبل قبيلة ما ويصبح مسترقاً، ما الذي يجعله يقبل الواقع الجديد، لماذا لا ينتهز فرصة للهرب إلى قومه الذين قد يبعدون فقط عشرات الكيلومترات، وعلى وجه الخصوص عندما نعلم أن الأرقاء كانوا يعملون في الزراعة ورعاية المواشي ويتجولون بحرية كاملة ؟
    ليس من السهل على الناس اليوم أن يستشعروا دوافع الرقيق في التزامه واحترامه لقوانين اللعبة، فهو يرى أنّ من الأخلاق الكريمة أن يلتزم بقوانين وأعراف المجتمعات، فلا يقبل لنفسه بعد أن أسر أن يفر إلى قومه لأن هذا يتناقض مع أخلاق الفارس، وحتى لو استطاع أن يفر إلى قومه فسوف يحتقرونه لأنه عبد آبق، وكان يجب أن يلتزم بأخلاق الأمم وأعرافها، وهذه الأعراف هي التي كانت تسهل التزام الأرقاء عن قناعة صادقة وإيمان راسخ، وهذا يجعل الأمور بالغة التعقيد في وجه كل من يريد أن يغيّر الواقع، فلا بد في البداية أن يغيّر في مفاهيم وقناعات الناس كل الناس حتى الأرقاء، ثم عليه أن يعالج التعقيدات الناتجة عن وجود الأرقاء في كل بيت أو كل مزرعة، وكل سوق، وكل تجمّع بشري. فهل يوجد عالم اجتماع يستطيع أن يزعم أن التغيير يمكن أن يكون بقرار فجائي فوقي؟!

    لا أظن أن مسألة الرّق عند المفكرين وعلماء الاجتماع تعالج بالطريقة التي يريدها من يعيشون في الخيال بعيداً عن الواقع وتعقيداته وملابساته، وقد يحتج البعض بالتجربة الأمريكية، حيث تم تحرير الرقيق على يد أبراهام لنكولن، وهنا يجدر بنا أن نقدم الملاحظات الآتية :


    1. لا ننسى أن تحرير العبيد في أمريكا جاء في عصور متأخرة بعد أن تطورت المجتمعات البشرية إلى المستوى الذي يؤهلها أن تقوم بمثل هذه الخطوة.

    2. لم يأت ذلك إلا عبر حرب أهلية هائلة أزهقت أرواح الآلاف المؤلفة من البشر.

    3. كان الشمال الأمريكي متطوراً صناعياً وهو بحاجة إلى اليد العاملة الرخيصة، في حين كان الجنوب زراعياً يحتاج للأرقاء في مزارعه، فكانت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب لهذه الاعتبارات، ولم تكن الدوافع الإنسانية والأخلاقية هي التي دفعت لنكولن للقيام بهذه الخطوة.

    4. يقول التاريخ بأن الكثير من الأرقاء استجدوا أصحاب المزارع لإبقائهم في مواقعهم، لأنهم لا يستطيعون العيش بعيداً عن الواقع الذي عاشوه طويلاً.

    5. لا يزال الأمريكي الأسود يعاني من التفرقة العنصريّة إلى أيامنا هذه، لأن السيد لا يزال مستعبداً لأفكاره، ولأن التحرير لم يأت في سياق التطور الطبيعي للمجتمع.

    6. إذا كان لا بد أن تحدث الحرب الأهلية حتى يتم تحرير الرقيق، فلماذا لم تحصل هذه الحرب في باقي المجتمعات البشرية، والتي لا يوجد فيها الآن رقيق ؟! واضح أن الأمر جاء كثمرة لتطوير الوعي البشري، وقد لا نبالغ إذا قلنا إنه ثمرة حتميّة، بدليل حصول إجماع بشري على رفض نظام الرق.


    الماركسية من الفلسفات المعاصرة التي شغلت الناس على مدى القرن العشرين بكامله،وجاء الواقع ليثبت خطأ كثير من أسس هذه الفلسفة، كيف لا والماركسية تقول:"إن التجربة هي مقياس الحقائق " فقد جاءت التجربة لتثبت خطأ هذه النظرية، وهذا لا يعني أن كل مقولات الماركسية هي خطأ، ولكن الحكم يكون على مُجمل المبادئ الأساسية. وفي موضوع الرّق كانت الماركسية تقول إنّ نظام الرق هو ضرورة من ضرورات تطور المجتمعات البشرية، والتي لا بد لها أن تمر عبر تطورها في المراحل الآتية: المشاعية، ثم الرق، ثم الإقطاع،ثم الرأسمالية، ثم الاشتراكية، ثم الشيوعية. ويكون ذلك نتيجة حتمية لتطور الاقتصاد، والذي لا بد أن يتطور على ضوء تطور قوى الإنتاج. على ضوء هذه المقولة الماركسية تعتبر مرحلة الرق مرحلة ضرورية من أجل تطور المجتمعات البشرية إلى المراحل التي تليها، ولا يكون ذلك بخيار الناس، بل يفرضه تطور قوى الإنتاج. نعم على ضوء هذه المقولة نستطيع أن نقول :

    1. إذا كان نظام الرق حتمياً في وجوده وحتمياً في زواله، فلماذا يصدر الإسلام قراراً ثورياً لمحوه وإزالته؟!

    2. إذا كان نظام الرق ضرورة تفرضها التطورات الاقتصادية، وإذا كان ضرورياً للانتقال إلى المراحل التي تليها، فلماذا يطلب من الإسلام أن يقف أمام التطور، فيهدم نظام الرق قبل الأوان؟! يكفي


    هنا إن أمكن أن يُسرّع في تطور قوى الإنتاج والتطور الاقتصادي ليزول نظام الرق، والذي لا بد أن نستند إليه من أجل الصعود إلى المراحل الأكثر تقدماً وفق النظرة الماركسيّة.

    واضح أن هذا المنطق يُلزم الماركسي ولا يُلزم العلماني، فليس بعجيب أن يناقش العلماني موقف الإسلام من الرق، ولكن العجيب أن يفعل الماركسي ذلك. وهدفنا هنا من حديثنا حول الماركسية أن يحيط القارئ ببعض المواقف الفكرية والفلسفية من قضية الرق حتى في فلسفات ومذاهب القرن العشرين.

    واضح تماماً أن التشريع الإسلامي لم يعمد إلى الأسلوب الثوري الفوري والفوقي في معالجة مسألة الرّق، ولا نظن أنه كان بإمكان البشر أن يتفاعلوا أو يطبقّوا أي تشريع من هذا القبيل، لأنه لن يكون واقعياً، ولا يراعي طبيعة المشكلة المطروحة. أمّا الحذلقات عند بعض المعاصرين، والتي تزعم أن بالإمكان فعل ذلك فهي من قبيل الشعارات لا أكثر، بدليل أنّ تشريعات الدول العلمانية قاطبة تأتي لتلبي حاجة الغالبية ورغباتها، بغض النظر عن صوابها أو أخلاقياتها، بل إذا أصبح أمر ما مطلباً شعبياً يصبح عندها مشروعاً وفق تشريعات الدول العلمانية، أمّا التشريع الإسلامي فجاء ليغير الواقع ويرتقي بوعي الناس، ويعدّل في اعتقادهم وسلوكهم، ويدين الانحرافات،ويضع الحلول. ولا شك أن الحلول تختلف باختلاف المرض الاجتماعي ومدى استفحاله.

    اللافت للانتباه أنّ القرآن الكريم لم ينص على إباحة الاسترقاق، وفي الوقت نفسه لم ينص على تحريمه. وهذا يعني أنّه يعتبر هذه القضية من القضايا التي تحتاج إلى علاج طويل الأمد، ثم هي من المسائل التي لا بد في النهاية أن تتلاشى. عندما تحدث القرآن الكريم عن الأسرى والموقف منهم وضع احتمالين للتعامل معهم. جاء في الآية 4 من سورة محمد : ) فإما مناً بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها ( فإما أن يطلق سراح الأسير من غير مقابل،أو أن يطلق سراحه بمقابل. وهنا يثور سؤال : لماذا لم يطرح الخيار الثالث فيقول : " وإما استرقاقاً " ؟! وهذا يعني أن القرآن ينزّه عن ذكر الاسترقاق المنافي للكرامة الإنسانية : ) ولقد كرمنا بني آدم …(فلا شك أن الاسترقاق هو اختراع بشري كما كانت عبادة الأصنام وغيرها من اختراع البشر، وعدم ذكر القرآن للاسترقاق لا يخلق في النفس نفوراً منه، ولكن يلاحظ أن القرآن الكريم اعتبر إعتاق الرقيق من أعظم القربات إلى الله تعالى، جاء في سورة البلد ) فلا اقتحم العقبة، وما أدراك ما العقبة، فك رقبة.. ( وجعل تحرير العبيد من مصارف الزكاة الثمانية، بل وقدّم تحرير الرقيق في الكفارات على ما سواه. وقد وردت صيغة "تحرير رقبة " خمس مرات في القرآن الكريم، ووردت صيغة" فك رقبة" مرّة، ووردت صيغة " في الرقاب " مرتين. وفي الوقت الذي يعتبر فيه القرآن الكريم تحرير العبيد من أعظم القربات إلى الله تعالى، فإنّ هذا يعني أنّ الاسترقاق يناقض روح الدين وأهدافه ومراميه. وعلى الرغم من ذلك فإننا نجد أنّ الممارسة العملية في زمن الرسول r،وزمن الخلفاء الراشدين، وعلى مدى قرون من الحكم الإسلامي، لم تجتث الرق بل مارسته فماذا يعني ذلك ؟!
    أن يخلو القرآن الكريم من ذكر الاسترقاق هو نوع من تنزيه القرآن عن الحديث حول ممارسة غير إيجابية. وأن يجعل القرآن الكريم تحرير الرقيق قربة عظيمة يتقرب بها المسلم إلى الله فإن هذا حكم ضمني بأن الاسترقاق منافٍ لرضى الله. فإذا كانت الصدقة والبذل قربة إلى الله، فإن هذا يعني أن البخل والإمساك مذموم، وهذا أمر بدهي. إذن لم يبق إلا أن يُنَصّ على التحريم، وواضح أن القرآن الكريم لم يفعله، بل سكت عن الممارسة العملية المقننة في أضيق صورها سواء في عصر الرسول عليه السلام أوالخلفاء الراشدين. ومعلوم أن ممارسة الرسول عليه السلام هي حكم شرعي بالإباحة، وأدى هذا الحكم بالإباحة إلى استمرار نظام الرق لقرون بعد عصر الرسالة.


    إن الدول اليوم تحتفظ بالأسرى لديها لمدد مختلفة، حتى أن القانون العالمي ينظم هذه العلاقة الحتمية، الناتجة عن الصراع بين الدول. لا شك أن الأسر هو نوع من الاسترقاق، وحجز للحرية، وهذا أمر مهين للكرامة البشرية، ولكن واقع البشرية يجعله حتمياً. وبارتقاء الوعي البشري، هذّب الإنسان هذا النوع من الاسترقاق، فلم يعد الإنسان يباع ويشترى، ولا تسمح القوانين العالمية باستخدام الأسير في أعمال السُّخرة، وهذه أمور إيجابية يستطيع أن يفتخر بها نظام الرّق المعاصر على النظام القديم. أما النظام القديم فيستطيع أن يفتخر على النظام المعاصر بأنه جعل الأسير أكثر حرية، بل هو شريك في العمل والمبيت والمأكل والملبس، جاء في الحديث الشريف في حق الرقيق:"فليطعمه مما يطعم وليلبسه مما يلبس" ولا يستطيع النظام المعاصر أن يعطي الأسير الحرية –كما سبق- مع بقائه أسيراً، لأن القيم والأعراف المعاصرة تحث الأسير على الهرب والتحرر، على خلاف النظم القديمة التي جعلت للتحرر وسائله. إذن ستبقى قضية الرق قائمة كعارض من عوارض القصور البشري. ولكنه يأخذ صوراً تتناسب مع القيم والأعراف والمفاهيم والوسائل.


    لا شك أنه من المفيد هنا أن نبين للقارئ النقلة الهائلة التي نقلها الإسلام للسيد والعبد في سبيل تغيير الواقع، وكذلك التشريعات التي تخفف من مساوئ هذا النظام. والمتدبر لهذه التشريعات وتطبيقاتها العملية في الدولة الإسلامية يدهش من قدرة هذه التشريعات على رفع مكانة الرقيق مع بقائه رقيقاً إلى درجة أنك كنت تجد العالم الذي يدّرس في الحلقة العلمية هو من الرقيق، وسيده جالس يتتلمذ على يديه، وإلى درجة أن الأرقاء استطاعوا أن يقيموا دولة إسلامية سمّيت دولة المماليك…..عجيب!! ولا نريد هنا أن نستفيض في هذا الأمر، لأن أكثر من يكتب في هذه المسألة يفصّل في هذه الأحكام، حتى أصبحت الأمور معلومة للكثيرين، على الرغم من أن قضية الرق قد أمست قضية تاريخية لا واقع لها في صورتها القديمة.

    ولكن يبقى السؤال قائماً : لماذا لم يُنَص على التحريم؟

    أتوقع أن يكون القارئ قد أخذ الإجابة من قراءته لهذه الرسالة، ولكن الإجابة الحقيقية كما أراها تتلخص فيما يأتي:

    الإنسان في منظور الإسلام هو خليفة في الأرض، ولكنه يموت، وهذا يعني أن الخلافة مؤقتة، وهي مرحلة ومقدمة لمرحلة أرقى، والتي هي الآخرة. والرحلة الأولى بالنسبة للثانية هي (دنيا) أما (الآخرة) فهي الخلود الذي لا تكون له نهاية، وبالتالي تبقى آخرة. وقد سخر الله تعالى للإنسان السماوات والأرض، وهذا يشير إلى أهمية هذا المخلوق المكرم. معلوم أن الرسالات السماوية نزلت لهداية الإنسان وتنويره وتعديل سلوكه، ولكن هذا لا يلغي وظيفته في الأرض. من هنا جاءت الرسالات في مجال ما يسمى اليوم بالعلوم الإنسانية، كالفلسفة، وعلم التربية، وعلم الاجتماع، والأخلاق، والقانون…….لأن طبيعة هذه العلوم تجعل الإنسان يختلف فيها كثيراً، وينشأ عن اختلافه فيها النزاعات والحروب…في حين نجد أن ما يسمى بالعلوم الطبيعية ليست من اختصاص الدين، لأن هذه من شأن الإنسان، ويسهل على الإنسان أن يصل فيها إلى الحقائق، ثم لا ينتج عن الاختلاف فيها تنازع.


    هذا يعني أن الدين نزل في الأمور التي لا يسهل على الإنسان أن يصل فيها إلى الحقيقة، ولا يسهل على البشرية أن تلتقي عندها وتلتزم. أما الأمور التي يمكن أن يحسمها الإنسان مهما طال الزمن، ثم هو قادر على أن يجد لها حلاً ولو بعد حين، ثم هو يمكن أن يُجمع عليها، ويتوحد حولها، فقد تركها الدين للإنسان لتكون من مهامه.

    مثال: من يقرأ التاريخ يجد أن مرض الطاعون مثلاً قد فتك بالآلاف بل بالملايين عبر العصور المختلفة، حتى أن الإمبراطورية الرومانية قد انهارت لأكثر من سبب على رأس هذه الأسباب انتشار الطاعون القاتل. على الرغم من ذلك لم يبعث الله رسولاً ليحل هذه المشكلة، لأنها من التحديات التي تواجه الإنسان، ويطلب منه أن يجد لها حلاً، وهو قادر على ذلك. والآن نسأل: أين الطاعون؟ لماذا لم يعد يفتك بالملايين؟ نجد الجواب عند أهل العلم، ولو حصل أن انتشر الطاعون اليوم في بلد ما لوجدنا العالم يستنفر طاقاته للقضاء عليه. وعليه ما الداعي لنزول رسالة، أو بعث نبي من أجل هذا الأمر، ومن قال أن التحديات للإنسان ستتوقف طالما أنه على هذه الأرض؟

    مثال آخر: حرّم الإسلام الزنا، وهذا يعني أن هذه المسألة لا يمكن للبشر أن يجدوا لها حلاً، وهي مسألة تختلف فيها الأنظار، وينشأ عن الاختلاف فيها صراعات وإشكاليات. لو افترضنا أن الإنسان توصل في يوم من الأيام عن طريق العلم إلى الحكم البات في أضرار الزنا الجسدية والنفسية والاجتماعية، فهل هذا يكفي لمنع الناس من ممارسة الزنا؟!

    واضح أن لا أمل في ذلك عندما يترك الإنسان وحده ليحل المشكلة عبر تطور وعيه وعلمه. بل إن التطور في الوعي والعلم زاد المشكلة تعقيداً على المستوى الاجتماعي، والجسدي، والنفسي، والتربوي،……..الخ.


    والآن لنسأل: هل استطاعت البشرية أن تجد حلاً لمشكلة الرق القديم، وهل أجمعت على رفضه، وهل استطاعت أن تقضي عليه فلم يعد أحد يمارسه؟ من منا اليوم لو سأل نفسه يجد أنه يؤيد أو يرغب في عودة هذا النظام؟ وإذا وجد من يشذ ويقبل بنظام الرق هل يجرؤ أن يصرّح بذلك؟ وإذا صرح بذلك هل يُنظر إليه على أنه شخص طبيعي؟ ومن الذي يستطيع اليوم أن يسترق إنساناً ثم ينزله إلى الشارع ويبقى مسترقاً؟.

    إذن هذه مسألة يمكن للإنسان أن يوجد لها حلاً، وهي مسألة يمكن للبشر أن يجمعوا على حلها، بل يدهشك اليوم الإجماع البشري الهائل على هذه المسألة، مهما اختلفت العقائد والفلسفات والشرائع والأديان. هذا يدل على أن أساسها يكمن في الفطرة الإنسانية السليمة، ثم هي قضية وعي وتطور. إذن لا دخل للدين فيها، ولا يطلب من الدين أن يضع الحل البات لها، بل إن الدين خفف من غلوائها، وهذب من مساوئها، وسرّع في دفع الإنسان في اتجاه حلها. أما تنظيم العلاقة بين السيد والعبد فهذه مسألة من اختصاص الدين حتى لا يكون ظلم وتجاوز، وحتى يصل الإنسان إلى الوعي الكافي لحل المشكلة.

    هل يمكن أن يعود نظام الرق؟

    لا ضمانة أن لا تنحرف الفطرة البشرية مرة أخرى بابتعادها عن دين الله وهديه، ولا ضمانة لدى العلمانيين والماديين، بل إن الفكر المادي الذي لا ينهل من الوحي الرباني، والذي لا يؤمن بقيم أخروية، يؤسس لعودة الرق, لأن القيم الإنسانية هي من اختراع الإنسان في نظر الماديين، وبالتالي لا ضمانة للالتزام بها، بل تصبح موازين القوى هي المنشئة للقيم والممارسات، ويبقى الدين الإسلامي بنصوصه المقدسة يشعرك بأن هذا مناف لروحه، ومناقض للفطرة التي فطر الله الناس عليها، ويبقى هو الصوت الذي يذكرك بالاخوة الإنسانية المنتمية إلى أصل واحد كرمه الله وأسجد له الملائكة.

    يستحسن قبل أن نختم أن نتطرق لقضية الإماء، حيث يتساءل البعض عن العلاقة الجنسيّة المباحة بين السيد والأمة المستعبدة. كيف تباح هذه العلاقة ولم تقم بينهما زوجية ؟! كيف تباح مثل هذه العلاقة القسريّة المهدرة للكرامة البشريّة ؟! ونحن هنا نلخص الإجابة في الآتية :
    1. قلنا إن العبودية من صناعة الإنسان، وهي مخلة بالكرامة البشريّة، والعجيب أن نسأل عن العلاقة الجنسية بين السيد والأمة، إذ الأجدر بنا أن نسأل عن ملكية السيد للأمة، لأن هذا هو الخلل الأساس، وما سواه منبثق عنه.

    2. عقد الزوجية عقد رضائي بين طرفين متكافئين، ينتج عنه حقوق وواجبات. أمّا الملكية فهي علاقة أقوى، وطبيعة هذه العلاقة تجعل الخيارات لطرف دون الآخر.

    3. كيف يمكن أن نأذن بالملكية وبالتالي بتواجد السيد والأمة في بيت واحد، وبمخالطة دائمة، ثم نمنع علاقة هي في حقيقتها فطرية وطبيعيّة؟! فالعبوديّة هي المنافية للفطرة السليمة، أما اللقاء الجنسي فهو مطلب، وفطرة، وأساس من أسس الوفاق الإنساني.

    4. واضح أنّه ليس للأمة خيار في كونها مملوكة، ولكن من قال أنه ليس لها خيار في علاقتها بالسيد، ومن قال إنها لا تحب ذلك؟! بل إن هذه العلاقة قد توجد توافقاً بين الطرفين ومودة ورحمة. ولا ننسى أن العلاقة شرعية بمنظار الطرفين، والخلل هو في العلاقات غير الشرعية.

    5. من قال إن الزوجات يكن دائماً في حالة من الرضى في علاقتهن بأزواجهن؟ ومن قال إن الأزواج أيضاً يكونون دائماً في حالة من الرضى في علاقتهم الجنسية بزوجاتهم؟ ويبدو أن التربية والقناعات لها دور كبير في القدرة على التعامل والتفاعل أو العكس.

    6. كون الإنسان في مجتمع يجعل له حقوقاً ويلقي عليه ثقل الواجبات، وغالباً يحب الناس أخذ حقوقهم، وينفرون من أداء الواجبات. بما أنّه لا بد من أداء الواجب من أجل مصلحة الفرد والجماعة، لذا علينا أن نعد الإنسان ليس فقط لأداء الواجب، بل ليصبح محباً للقيام بالواجبات إلى درجة التضحية ونكران الذات.

    ويبعد في العقل أن تستطيع الفلسفات الماديّة أن تحل مثل هذه المشكلة، لأن الأمر يحتاج إلى بُعد ديني وأخروي، ويحتاج إلى الإيمان بفكرة الثواب والعقاب الأخروي، وليس الدنيوي فقط. من هنا فقد استطاعت التربية الإسلامية ذات البعد الغيبي أن تعد الفرد لينسجم مع حقائق الواقع الاجتماعي، فكان الحل للإشكاليات من داخل النفس قبل أن يكون من خارجها، وفي مسألة الرق استطاع الإسلام أن يغير في عقلية السيد والعبد، وكذلك خلق لدى الإنسان القدرة على التعامل مع ضغوط الواقع التي لا بد أن توجد دائماً في كل زمان ومكان. وليست المشكلة قاصرة على واقع الأمة التي وجدت نفسها مستبعدة، بل إننا نجد كما قلنا سابقاً أن الزوجة أو الزوج قد يقعان في مثل هذا الإشكال أو المشكلة، فالتربية الدينية تخلق التكيّف والتوافق، وبالتالي قد يكون واقع الإماء على خلاف ما نتوقعه بمقاييس عصرنا وأحكامه.

    7. واضح أن علاقة السيد بالأمة مجرد أمر مباح نظراً للتعقيدات والملابسات، لأن في تحريم هذه العلاقة إحراجاً وإضراراً بالأمة قبل السيد، لأن هذه العلاقة من حاجاتها الفطرية، وهي ترغب أن تكون مطلوبة، ولكن لا بد من التنبيه إلى أنّ هذا الحق للسيد فقط، لا يشاركه فيه أحد، كحق الزوج لدى زوجته، وهو يفقد هذا الحق إذا قَبِل أن تتزوج من رجل آخر. والدين يمنع أية إساءة للإنسان، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد.

    إذا كنت تقرأ هذا المقال وشعرت بالامتعاض عندما ذكرّناك بأمور حدثت في التاريخ، وأصبحت أثراً بعد عين، فإن هذا الشعور لديك دليل على أنّ فطرتك في هذا الجانب لم تتلوث. قد تتمنى في داخلك أن يكون الإسلام قد بتّ التحريم على الرغم من كل ما قلناه، ونحن بدورنا نقول لك: بإمكانك أن تتصور الواقع البشري لو لم ينزل الله الرسالات للناس. من هنا ندرك ضرورة الدين للبشرية، لأننا نطلب الدين بإلحاح حتى في الأمور التي هي ليست من اختصاص الدين كما أوضحنا آنفاً.

  2. #2

    افتراضي

    الحمد لله
    تحرير العيبد من الاعجاز التشريعي في الاسلام الذي يثبت أن القرآن من عند الله تعالى ولس قول بشر.

    فالعبودية مشكلة اجتماعية ورثها المجتمع المسلم والمشاكل الاجتماعية مثل البطالة أو العنوسة أو الفقر أو العبودية لا تحل بالتحريم بل بالعلاج التدريجي ولو كانت المشاكل الاجتماعية تحل بالتحريم لنزل علينا في الكتاب تحريم الفقر وتحرير العنوسة وتحريم البطالة وتحريم العبودية .وهل يتصور عاقل أن تختفي العنوسة مثلا كمشكل اجتماعي غدا في الصباح الباكر بمجرد تحريمها
    وعلماء الاجتماع يعلمون أن علاج أي مشكل اجتماعي يتم بثلاث طرق
    أولا ايقاف الأسباب المفضية للمشكل الاجتماعي
    ثانيا التصفية التدريجية للمشكل الاجتماعي
    ثالثا ايجاد اطار تشريعي للاحاطة بالمشكل الاجتماعي

    وبالفعل فقد أنهى حرم الاسلام استعباد الناس بشكل نهائي -عدا العبيد المحصل عليهم من طائفة من أسرى الحروب- وفتح عشرات الأبواب لتصفية ما تبقى من العبيد وأوجد لهم اطار تشريعي يضمن حقوقهم طالما وجودوا في حالة رق حتى لا يقعون في حالة فراغ تشريعي فيدوس الناس على حقوقهم.
    ومن الغباء تصوراطلاق سراح جميع العبيد مرة واحدة وقد كان النظام الاجتماعي والاقتصادي قائما عليهم وكان العبيد دون مأوى أو مصدر للرزق أو وشائج اجتماعية فيكون تحريرهم مرة واحدة كارثة اجتماعية واقتصادية لهم ولمجتمعهم.فتحرير العبد ليس كما يفهم السذج هو رميه في الشارع دون مأوى أو عمل أو مال أو وشائج اجتماعية خصوصا في الحضارات القديمة التي لا يوجد فيها مفهوم الدولة التي تكفل الفئات الهشة. وقد حدث اطلاق سراح العبيد دفعة واحدة في أمريكا فقاموا بمظاهرات عارمة للعودة للعبودية لأنهم وجدوا أنفسهم دون أي مصدر للاسترزاق أو علائق اجتماعية.

    ويجب أن يفهم المثقف أن العبودية كمشكل اجتماعي قد يعود في أي لحظة من التاريخ لأن المشكل الاجتماعي يظهر متى ظهرت أسبابه بطريقة آلية فسبب اطلاق الرأسماليين لسراح العبيد كان زوال الاقطاع من أوربا حيث فقد الاقطاعيون الأراضي الشاسعة من جهة و توفر الآلات من جهة فأصبح العبيد عبئا اقتصاديا على أسيادهم فقرروا اطلاق سراحهم.
    ولو نفذت مصادر الطاقة أو تعطلت - كمثال- لعاد الرأسماليون الى وحشيتهم واستعبدوا الانس والجان
    لذلك يمكننا تلخيص الاعجاز التشريعي للاسلام في معالجة هاته المشكلة الاجتماعية كالتالي
    ايقاف السبل المفضية للاستعباد+ فتح الباب لتصفية العبودية+ تخليص العبيد من الفراغ التشريعي
    هذا موضوع مفيد جدا
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...CD%D1%ED%E3%E5
    [/SIZE]

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    والله من اجمل المقالات واروعها ,ويثبت هذا تسطيح الفكر الالحادى .

    ثم يقول الملحد ان الامر لديكم مقدس ولابد من الرق ,لأنكم تخالفون النص المقدس.

    الرد هو أن الملحد جاهل بالشرع ومقاصده .

    فقد قال شيخ الاسلام بن تيمية بما نقله من اجماع السلف ان الامر تخيير للامام بين التحرير والفداء والقتل والرق.

    يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين فى شرحه لكتاب السياسة الشرعية ان التخيير مصلحى وليس تشهى .

    أى أن التخيير لابد ان تكون فيه مصلحة للأمة وليس أمر تشهى وهوى.

    ولذا قادة الفتح الاسلامى لم يكن الرق هو سيرتهم بل دخلوا امصارا فاتحين لها ولم يسترقوا واحدا من الناس .

    وقد ذكر الشيخ الالبانى ان العالم اذا تواطأ على منع الرق فلا مانع من عدم العمل به ,لأنه تقييد لمباح ,وهو على المشروعية وليس على الوجوب.
    ونذكر ابان الجهاد القوزى كيف لم يبيح قادة الجهاد سبى الكفار ,لما فيه من المفسدة .
    فحتى فى الجهاد الذى فيه أمر بالقتال وهو على الوجوب,وقائم على المصلحة والمفسدة لأنها قاعدة الشريعة , فلو جنح العدو للسلم اما بدفع الجزية او الصلح لجاز لنا ترك الجهاد ,إلا أن الترك ليس أبديا وانما مؤقت وهذا امر بسيط لأنه لا توجد بالاصل معاهدات أبدية.

    وقد قال علماء السلف ان المعاهدة الابدية تؤول الى ترك الجهاد ,هذا إن كان هناك معاهدة أبدية .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

  4. افتراضي

    الاسلام حارب الرق بجميع اشكاله الا في حالة الحرب .قبل الحرب يخير اهل الكفر بين ثلاث بين اسلامهم او دفع الجزية او الحرب التي قد ينهزم فيها المسلمون لان النصر بيد الله ثم عند النصر يوجد احتمالات عديدة للاسرى من الحرب حسب ما تقتضيه المصلحة العامة و ليس الشخصية.

    في اخر الزمن سيسبي المسلمون بعضا من الروم والدليل قول الروم خلو بيننا وبين الدين سبو منا فيرد عليهم المسلمون بالرفض لانهم اخوتنا فيدل على انهم اسلمو بعد الاسر مما يؤكد ان الجهاد ادا قام في الامة مستقبلا سيعود الامر كما كان عليه سابقا.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    هناك الكثير من الفلاسفة من عد السبى أمر أخلاقى ,وقد قرروا أن الرجال تقتل أثناء الحرب فمن غير ألاخلاقى أن تترك النساء والاطفال دونما رعاية .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء