النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: إجابة الدعاء ووجود الله

  1. #1

    افتراضي إجابة الدعاء ووجود الله

    من حساب ask الدكتور حسام الدين حامد

    سـ1 : طالت السنين عليّ وأنا أدعو الله في كل مكان وحال. حتّى صرت الآن أشكّ في كل مقال عنه وعن الإسلام. هلّا نصحت وأفصحت في إجابة سؤالي. - لو أنَّ الله أجاب دعائي وأنقذني مما أنا فيه, لما شككت فيه, ولكن لو دعوت بوذا أو أي شئ غيره وأجابني لما كان هناك فرق بينهما غير تفسيرنا للحالة. فردّ مقالتي إن كنتُ مخطئاً ؟

    جـ1 : "غاية ما في الأمر أن الشر عربيدٌ ذو صخبٍ ومرتفعُ الصوت، وأن الإنسان يتذكر ما يؤلمه أكثر مما يسره"
    نجيب محفوظ

    سـ2 : غاية ما في ردّك هذا هو التقنّع بالخطابة عن إجابة السؤال. حيل الوعّاظ خدّاعة السذّج, ولست منهم

    جـ2 : صدقت فأنت لست من السذج الذين تخدعهم حيل الوعاظ -مذ كان نجيب محفوظ واعظًا- ولكنك من الذين يخدعون أنفسهم أن كل رد هو حيلة الوعاظ تتقنع بالخطابة، صدقتَ أنك لستَ منهم ولكنّك من آخرين لا ينفعهم شيءٌ لأنهم يحسبون أنفسهم أذكى العالمين وكل من سواهم سذّج!
    وغاية قولك هو أنّك تنقل انطباعك ووجدانك أن الله لم يستجب لك في كثيرٍ من الأمور فأجبتك بما هو -في أسوإ حالاته- انطباعٌ آخر يتعادل مع انطباعك فلا يبقى لهما أثر في الاستدلال.. وهذه حقيقة الاستدلال بإجابة الدعاء على وجود الله تعالى، فهي في حقّ بعض الناس قد تقوم مقام الضروريات التي لا يقبل فيها نقضًا مهما قيل، واللجوء إليها في مقام الضيق الشديد يشير إلى تجذّر الاعتقاد الديني في الإنسان .. إلا أنّه لا أحد -بعيدًا عن وعاظك الذين تمثّل أنت ردة فعل لسذاجتهم ليس إلا- يقول إن دعاء فرد أو فردين مما يناظر به على وجود الله تعالى، فالوجدانيات لا تصلح في مقام المناظرة، فمقالتك أصلًا ليست شيئًا يرد في هذا المقام، ولا يضعها كذلك إلا الذين انطلت عليهم حيل الوعاظ بالفعل!!

    سـ 3 : أغلب ما جئت به غير ذي صلة بما سألتك."إلا أنه لا أحد...مما يناظر به على وجود الله" كأن قول إبراهيم(يا أبت لم تعبد ما لا يسمع...إلخ) والآية(والذين تدعوهم لا يملكون من قطمير...إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو...إلخ) هل هذا من الساذج الذي أنا ردة فعله؟!

    جــ 3 : هو عندك ليس ذا صلة لأنك لم تفهم كلامي ولا تعرف أصلا على أي شيء بُني كلامك أنت شخصيا، وحيث إنك أتيت من سوء الأدب ما كان الأولى بك تركه فتعال أفكك لك سذاجتك من خلال أسئلتك:
    سؤالك الأول:
    "وأنا أدعو الله في كل مكان وحال حتّى صرت الآن أشكّ في كل مقال عنه وعن الإسلام"
    "لو أنَّ الله أجاب دعائي وأنقذني مما أنا فيه, لما شككت فيه"
    "لو دعوت بوذا أو أي شئ غيره وأجابني لما كان هناك فرق بينهما غير تفسيرنا للحالة"
    هذا كلامك يعني لو استجاب الله لك فإذن هو موجود، ولو لم يستجب لك فإذن تشك فيه، وإن استجاب بوذا لما شككت فيه، وهكذا.. وهذا الكلام معتمد على مقدمتين:
    - حكمك أن الله لم يستجب لك "في كل مكان وحال".
    - أن الإله الذي لا يستجيب لك في أي مكان وحال غير موجود.
    أمّا معتمدك الأول فيكفي في نقضه أمران: أن أشكك في مصداقية وموضوعية حكمك فتسقط المقدمة الأولى، وأن أقابل حكمك بحكم غيرك ممن يرى أن الله استجاب دعاءه فتكون مقدمتك الأولى غير مسلّمة فلا يصح الاستنتاج، وهذان الأمران متحققان بكلام نجيب محفوظ إذ كلامه يشكك في حكمك لأنك تنسى الحسنات وتحب أن تعيش في دور الضحية وكأنك الآن تتسكع في الشوارع لا تملك لقمة ولا تحس بنعمة، وفي نفس الوقت كلامه يتضمن شهادته أنه يستشعر أن هناك من الخير ما قد تحقق له بما يفوق الشر.
    فماذا فعلتَ أنت مع هذا الرد..
    انظر سؤالك الثاني !
    لا شيء! أكلشيه جاهز أن هذا كلام وعاظ ينطلي على السذج! تتوقع أني سمعت هذه الجملة كم مرة من أمثالك؟! كثيرًا .. وفي كل مرة يظهر أنهم هم السذج! في كل مرة بلا استثناء! وطبعا لأنك لم تفهم علاقة كلام نجيب محفوظ بكلامك ولا كيف ينقضه اكتفيت برمي جوابي بالخطابة والتحيّل ولم تستطع أكثر من ذلك.. وقد كان يمكنني أن أرد عليك بأنك لم تفهم وجه الرد أصلا وينتهي الأمر، ولكني أعرف أنك مسكين عقلك، وأسير غرورك، فبينت لك دلالة جوابي وقلتُ "وغاية قولك هو أنّك تنقل انطباعك ووجدانك أن الله لم يستجب لك في كثيرٍ من الأمور فأجبتك بما هو -في أسوإ حالاته- انطباعٌ آخر يتعادل مع انطباعك فلا يبقى لهما أثر في الاستدلال" فهذا فيما يتعلق بالمقدمة الأولى ...
    ثم انتقلت إلى المقدمة الثانية التي لم أتعرض لها في الجواب الأول علّك تفهم الرد، ولكن يبدو أنك أصلا لا تفهم المقدمات التي بني عليها سؤالك الأول، قلتُ لك في الجواب الثاني إن إجابة الدعاء قد تقوم مقام الضرورة عند من استجاب الله له، وهذا مثل أن يحتار الأطباء في علاج العقم مثلا فيدعو الرجل بالولد فيرزق الولد بعد عشر سنين دون سعي منه بغير الدعاء، هذا الرجل يقوم عنده الدعاء واستجابته مقام اليقين على وجود الله .. ومثل أن يصاب رجل بالسرطان أو بالعمى ويحتار الأطباء فيه، ثم يدعو فيستجاب له.. فهذا الرجل يكون عنده الدعاء دليلًا على وجود الله .. ومعظم أصحاب النفوس السوية يجدون مثل ذلك في دعائهم .. لكن هذا لا يعني أنني أستطيع أن ألزمك في مقام المناظرة أن تتبع إلهي لأنه استجاب لي في بعض الأمور.. على أن هناك وجهًا في إجابة الدعاء يصلح في مقام المناظرة بإلحاقه بإقامة مصالح العباد وتنظيم أمورهم سواء بالإجابة أو عدمها، وقد احترزت لهذا الوجه في جواب الثاني، ولكن هذا وجه دقيق لا علاقة له بسؤالك ولا أظنك ستفهمه ولا ستلتقط الاحتراز منه في جوابي أصلا!

    نرجع لكلامنا .. لماذا لا يصلح الاستدلال بإجابة الدعاء أو عدمها بطريقتك تلك في مقام المناظرة؟ لأننا لا نقول إن الله يستجيب لكل دعاء، ولا نقول إن الله يستجيب لكل أحد، ولأننا نقول إن الله قد لا يستجيب للمؤمن ويكون له إحدى خصلتين بخلاف الجواب وهما ادخاره الدعوة له في الآخرة أو أن يصرف عنه من السوء مثلها، ونقول إن الله قد يستجيب للكافر لاضطراره أو لاستدراجه .. فإن كانت هذه الأحوال تعرض للدعاء، وكان الدعاء يختلف من فرد لآخر، والاستجابة له تختلف من فرد لآخر، فكيف يصلح ذلك في مقام المناظرة والرد؟! فكلامك عن تجربتك الشخصية –والتي هي كاذبة لأنك تنسى الخير كما قال محفوظ- لا وزن له في مقام الاستدلال على وجود الله الذي هو كبرى اليقينيات.
    أما الآيات التي ذكرتها وأظن أنه لم يعد غريبا عليك أنك لا تفهم ما تورده، فإبراهيم عليه السلام يقول لأبيه إن الأصنام التي تعبدها لا تملك شيئًا من أمر نفسها ولا من أمرك ولا من أمر الكون فهي بالتالي غير مستحقة للعبادة، أما الذي له الملك والتصرف ويملك لك النفع والضر فهو الله وحده، لكن هذا لا يعني أن الله أن يستجيب دعاء والد إبراهيم عليه السلام في جل أو بعض أو معظم دعائه، هذا خارج محل النقاش أصلا..
    وكذلك الخطاب للكفار الذين يدعون من دون الله أصناما وآلهة اتخذوها فالمقصود هنا توجههم لها بالعبادة، وقد سبقتها آيات تبين نفس المعنى الذي ذكرناه في خطاب إبراهيم عليه السلام، أن الله تعالى هو الذي له الملك والأمر والتصرف وأنه ليس شيءٌ من الشركاء المزعومة يستطيع ذلك وبالتالي ليس شيءٌ منها مستحقًا للعبادة، وفي الآيات السابقة ستجد قوله تعالى "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وهو العزيز الحكيم"، فتدبير الله لأمورنا تتجلى فيه صفات العزة والحكمة والقدرة والرحمة، والله لم يخلق الدنيا للنعيم وإنما هي دار ابتلاء ..
    يقول ابن تيمية رحمه الله :
    "أمَّا قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الآية ، الحج/73 ، وقوله : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا) الآية ، النّساء/117 ، وقوله : (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ) الآية ، فصلت/48 ، وكل موضعٍ ذكر فيه دعاءُ المشركين لأوثانهم ، فالمراد به دعاءُ العبادة المتضمن دعاءَ المسألة ، فهو في دعاء العبادة أظهر" ثم يقول "وأمَّا قوله : (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ) القصص/64 ، فهذا دعاءُ المسألة ، يبكتهم الله ويخزيهم يوم القيامة بآرائهم ؛ أنَّ شركاءَهم لا يستجيبون لهم دعوتَهم ، وليس المراد : اعبدوهم ، وهو نظير قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَقولُ نَادُوا شُرَكائِي الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فلمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) الكهف/52 ... "
    وهذا آخر ما عندي لك ..
    إن عرفتَ أنك مُخلط ، مُخبط ، مهملٌ لحدود الله ، فأرحنا منك ؛ فبعد قليل ينكشف البهرج ، وَيَنْكَبُّ الزغلُ ، ولا يحيقُ المكرُ السيء إلا بأهلِهِ .
    [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
    قال من قد سلف : ( لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، و يؤكد الجهل عليك ، و لكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق ) . [ جامع بيان العلم و فضله 1/148 ].

  2. افتراضي

    موضوع رائع أشكرك
    د. هشام عزمي

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء