النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: التفكيكية: لامركزية جاك دريدا وأثرها في دعوات تجديد الخطاب الديني

  1. #1

    افتراضي التفكيكية: لامركزية جاك دريدا وأثرها في دعوات تجديد الخطاب الديني

    تمهيد
    عانت الفلسفة الغربية تاريخيا من صراع الثنائيات صراع الذات والموضوع الداخل والخارج العقل والحواس الوعي واللاوعي وعرف تاريخها مراحل متقلبة وفق جدلية الخفاء والتجلي الحضور والغياب ، فقد غابت الحواس أمام مركزية العقل الذي أحيط بهالة من القدسية في عهد ديكارت واسبينوزا وليبينتز ومَثَّلَ السلطة الوحيدة التي منها يستمد الإنسان معرفته اليقينية ثم ما لبث أن اندثر سلطان العقل لينتقل إلى الغياب ويترك محل الحضور للطرف الآخر من الثنائية، فتجريبية القرن السابع عشر أسست لليقين بالإعتماد على الحواس والثقة في المعرفة التي يمكن التحقق منها تجريبيا مقابل الشك في جدوى الطرف الآخر العقل واستدلالاته الميتافيزقية الغير قابلة للتجريب، واستمر الوثوق في التجريب إلى حدود ظهور الفلسفة الألمانية المثالية (مثالية كانط) التي شككت في قدرة الخارج على تحقيق اليقين لتنقل الوثوقية مرة أخرى من الحواس إلى العقل بمقولاته الميتافيزيقية العليا وشككت في ما هو دونه. ثم بدأت حلقة أخرى من جدلية الخفاء والتجلي في عصر العلم والتكنولوجيا لينتقل الوثوق مرة أخرى إلى المنهج التجريبي على حساب المنهج العقلي وهي الرؤية التي جسدتها البنيوية في تلك الحقية. وثوق لم يدم طويلا فما أحدثته الحرب العالمية الثانية وما أحدثته التكنولوجيا والعلم من دمار عزز الإحساس في الغرب باللامعنى والعبث واللامعقول، واقع مثلته الوجودية في مرحلة أولى ولكن مع انحسارها وانصراف الكثير من المثقفين عنها بدأت مرحلة أخرى من مراحل سطوة الشك المطلق شكا جاء أكثر عمقا وشمولا من الشك في أحد طرفي الثنائيات التقليدية حيث استغل جاك دريدا حركية المركز في تاريخ الفلسفة الغربية وانتقاله في كل مرة ما بين الحضور والغياب ليؤسس نسبية المعرفة. نسبية تقوم على استحضار ماهو غائب للتشكيك في ما هو حاضر وقائم. فلا وجود لمركز ثابت طالما أن ما هو غائب هو في ذات الوقت حضور مؤجل يهدد المعنى الحاضر ويشكك فيه على الدوام حتى ينتزع منه قدسيته مرجعيته وثباته وهذا المركز هو ما يعبر عنه دريدا باللغوس أي كلمة الله كلمة العقل كلمة الأخلاق أو المنطق أي كل ما كانت تستمد منه الفلسفة والميتافيزيقا الغربية معاني الأشياء وثباتها.. فلم يعد لدينا مركز ثابت نحتكم إليه بل صار لدينا مراكز متحركة لانهائية تدور جميعها في فلك من النسبية العدمية. هذه الفلسفة هي ما يعرف بالتفكيكية deconstruction اللابنائية أو التقويضية وهي جميعها ألفاظ مرادفة للمصطلح الشهير ما بعد الحداثة أو ما بعد البنيوية.

    ما بعد الحداثة: آلية التفكيك وتقويض مركزية اللوغوس
    يُرجِع دريدا مركزية اللغوس في التراث الغربي إلى الإعتقاد بمركزية الصوت وأسبقية المنطوق على المكتوب وهو النسق الميتافيزيقي الذي يمتد حسب دريدا من أفلاطون وأرسطو إلى حدود ليفي ستروس وفردينان دي سوسور مؤسسي الإناسة البنيوية والبنيوية اللغوية. وهو تمركز يعزُ دوما الحقيقة إلى المنطق والكلمة المنطوقة وصوت العقل أو كلمة الله ذلك أن أسبقية الصوت على الكتابة تفترض أن الكلام في علاقة مباشرة وطبيعية مع المعنى ارتباطا لا فكاك منه فالأصوات ترمز إلى المفاهيم التي من المفترض أنها تشكلت في العقل بالإستقلال عن اللغة وأن رموز اللغة ما هي إلا تجسيد لتطابق الدال والمدلول في الذهن. الأمر الذي يعني توجيه الفلسفة نحو نظام من المعنى يجعل من المنطق هو الأساس. ولنقض مركزية المعنى وتطابق الدال والمدلول دعى دريدا إلى النقيض وقال بأسبقية الكتابة على الصوت وهو ما يعني أن الكتابة هي التي تولد المفاهيم والأفكار وليس العكس أي أن طبيعة المفاهيم صارت معلقة على طبيعة الكتابة. والكتابة في الفلسفة التفكيكية لا تعني سوى الإختلاف وتأجيل لا متناهي للمعنى.
    لا يوجد في اللغة إلا الإختلاف هي الفكرة التي اقتنصها دريدا من الفلسفة البنيوية وتحديدا من فردينان دي سوسور مؤسس البنيوية اللغوية ليجعلها منطلقا له في تأسيس استراتيجية تنطلق من اللغة وتتجه نحو نقد التراث الغربي الذي يعتبره ميتافيزيقا متمركزة حول اللوغوس. ويعتمد دريدا في هذه الإستراتيجية على فكرة النصية أو التناص intertextuality والتي ترتكز بدورها على افتراضين أو بالأحرى "تحريرين" .. الأول هو تحرير النص من المؤلف فالبحث عن معنى قصيدة أو نص أدبي يكون دون الرجوع إلى قصد المؤلف. أما التحرير الثاني فهو تحرير النص من "سجن اللغة" أي أن دريدا يريد إحلال علم الكتابة ( grammatologie) -التي يُقَدَّم فيها المكتوب على المنطوق- محل قواعد النحو بوصفها علم كلام (grammaire) تسعى إلى تجذير مركزية الصوت وأسبقية المنطوق على المكتوب. فدريدا 'أهمل الإفادة من تحليل اللغة العادية...فهو لم يتناول لا قواعد اللغة ولا منطق استعمالها'.(1)
    ويعتمد دريدا في هذا الإجراء ما يسميه الإختلاف الذي يقود إلى الإحالة أو الإرجاء، فاللفظ اللغوي أو الدال لا يحمل في ذاته دلالة أو تعريف محدد وأن مدلول كل كلمة يتحدد من خلال غياب المدلولات الأخرى أي يتحدد من خلال الإختلاف عن غيره. فمعنى كلمة قطة مثلا لا يحمل في ذاته أي دلالة أو معنى، إنما معناه يتحدد بالقول أن القطة هي ليست بطة ليست أرنب ليست كلب ليست إنسان هكذا إلى ما لا نهاية مما يعني أن المعنى الثابت لكلمة قطة لا يمكن الإحاطة به فهو متناثر بين سلسلة لامتناهية من الدوال الأخرى. سلسلة تمثلها سارة كوفمان بالبحث عن معنى كلمة في قاموس. فلو بحثنا عن كلمة قطة لأحالنا القاموس إلى كلمة أخرى هي "حيوان" ولو بحثنا عن كلمة "حيوان" لأحالنا إلى "كائن حي ذو أربعة أرجل" وهذه تحيلنا إلى البحث عن معنى كلمة "كائن" وكلمة "حي" و"أربعة أرجل" هكذا إلى ما لا نهاية في لعبة يتحول فيها المدلول في كل مرة إلى دال يبحث بدوره عن مدلول ولا يجد غير سلسلة لا متناهية من الدوال. مما يعني أن معنى كل كلمة هو مرجأ إلى ما لانهاية ولا يمكن مسكه.

    وبهذين التحريرين وبلعبة الإختلاف والإرجاء تصبح علاقة القارئ بالنص علاقة توحد صوفي تتفجر فيها المعاني بلا قيد أو ضابط يمارس تأويلات شديدة الغرابة ويتلاعب بالألفاظ تلاعبا عشوائيا.. ويصح بتعدد القراء أن نجد القراءة ونقيضها. فلو أخذنا مثلا جملة: حطاب يقطع شجرة..إن المعنى الصريح واضح في هذه الجملة غير أن التفكيك يعتبره احتمالا من بين احتمالات لانهائية للمعنى وليس هو المعنى المعتمد أو الموثوق فيصح أن يأتي قارئ آخر ويعتبر أن لا وجود للحطاب ولا وجود للشجرة أصلا، فالجملة تتحدث عن عقدة أوديب مثلا! وهو تفسير يتساوى في حجيته مع النقيض الذي يرى أن هناك حطابا يقطع شجرة. وبما أن المعنى الحقيقي لا يمكن الإمساك به فهذا يعني أن جميع القراءات هي إساءة قراءات all readings are Misreadings وأن كل التفسيرات هي إساءة تفسيرات All interpretations are Misinterpretations ..فلا يجوز لأي قراءة او أي تفسير أن يدعي لنفسه الصواب أو يُخطئ غيره. إن فلسفة التفكيك بإيجاز تتبنى مقولة الروائي الإنجليزي وكاتب القصص الخيالية أوسكار وايلد: (( الحقيقة هي ما كانت نقيضها هو أيضا حقيقة )) (( le vrai est ce dont le contraire est egalement vrai )) ولهذا يصح لهواة التصنيف أن يعتبروا التفكيكية باصطلاحاتها الفلسفية ما بعد البنيوية أو ما بعد الحداثة تمثيل جديد (بعد التمثيل النيتشوي) لمذهب السفسطة زمن الإغريق.

    أثرها في دعوات تجديد الخطاب الديني
    هذه الفكرة وكما هي عادة المفكرين العرب تم استيرادها من الفلسفة الغربية وإسقاطها على نصوص القرآن والسنة والتراث وقُدمت تحت عنوان تجديد الخطاب الديني والقراءات المعاصرة للقرآن. فصارت تفاسير المفسرين لا تعبر عن المعاني التي يختزنها النص. وإنما تعبر عن رؤية المفسر الخاصة والتي يجوز أن نأتي برؤية أخرى تختلف عنها أو تناقضها. ولا يحق لأي تاويل أو تفسير أن يقول أنا هو الإسلام مهما كانت التفاسير غريبة أو حتى متناقضة.
    أسماء عديدة انخرطت في هذا التيار أمثال عبد الكبير الخطيبي..أودونيس..عبد السلام بنعبد العالي.. هاشم صالح....عبد العزيز بن عرفة. ومحمد أركون الذي يعتبر أبرز من حاول تفكيك النص القرآني وأسماء أخرى كثيرة تقبع جميعها تحت مظلة الحداثة والتجديد وأسماء أخرى تندرج تحت ما صار يصطلح عليه باليسار الإسلامي. وقد تم الترويج لها بقوة حتى صرنا نرى العلماني والملحد والشاذ والجاهل ينتحل ألقاب من قبيل دكتور في التاريخ الإسلامي يحلل الزنا واللواط وباحث في الفقه الإسلامي يجيز الخمر والربا وآخر يشكك في الحجاب وحجية السنة ولكل منهم تأويله الخاص لنصوص القرآن. وفي المقابل صنفت حركات التوحيد والشمول والكلية على أنها حركات رجعية بحكم أن الحداثة تتمثل في فلسفة الإختلاف. ومن هنا برزت أيضا فكرة احترام الأقليات وحرية الأفراد وإن كانت تعنى بالشواذ وبالممارسات اللاأخلاقية. وهو الوجه الآخر لفلسفة الحضور والغياب التي تم إسقاطها على هوية البلدان وصارت أداة في يد الإستعمار الحداثي المتنور. إن بلدا عربيا أو إسلاميا يقع البحث في سجلات هوياته التاريخية المتعاقبة وإخراجها من الغياب إلى الحضور فتستخرج مثلا الهوية البربرية أو الأمازيغية أو الفرعوية أو القبطية أو القرطاجنية ويقع الترويج لتلك الهويات لإبراز أن الهوية الإسلامية الحاضرة ما هو إلا وضع مؤقت وأن ما هو غائب هو في الآن نفسه حضور مؤجل. فيقع تقويض المركزية الإسلامية كهوية إذ أن الأرض هي دال بمدلول متحرك غير ثابت. هذا ما يعني جواز قبول هويات أخرى مفروضة أو معروضة من الخارج تختلف من حيث اللغة أو الأخلاق أو الأعراف والتقاليد عما هو كائن.

    ما بعد ما بعد الحداثة البنيوية : نقد آليات التفكيك
    تعرض دريدا لنقد لاذع من شتى الإتجاهات والمدارس النقدية. جاءت أبرزها من تيار التحليل المنطقي الأنجلوساكسوني القائم على حس الإدراك المشترك (common sense) وأبرز الأسماء جون سيرل عميد فلسفة الفعل الكلامي..ومدرسة فرانكفورت النقدية ممثلة بأشهر علماء الإجتماع والسياسة في عالمنا المعاصر يورغن هابرماس الذي أخضع التفكيكية الدريدية إلى النقد الفلسفي المفصل وأدرجها ضمن أشكال الفكر الإيديولوجي المناوئ للعقلانية، إضافة إلى انتقادات جاءت من فلاسفة ومفكرين كبار في الألسنية أمثال جون إليس وليونارد جاكسون صاحب كتاب بؤس البنيوية الذي يعتبر مرجعا فريدا في نقض دعاوى الحداثة البنيوية وما بعد الحداثة البنيوية.
    فكرة أن اللغة تبني مفاهيمنا يعتبرها عالم الألسنية ليونارد جاكسون نكتة سخيفة ويتساءل مؤلف الثلاثية الشهيرة "أسس النظرية الأدبية الحديثة" عن علة امتلاك الإسكيمو وليس غيرهم ثلاثا وخمسين كلمة للدلالة على الثلج فلو كانت اللغة هي من تولد المفاهيم كما تقول التفكيكية لتوقعنا أن نجد لدى قبيلة إفريقية مثل قبيلة الهوتنتوت ثلاثا وخمسين كلمة للدلالة على الثلج..ويعتبر جاكسون أن التفسير المنطقي هو أن الإسكيمو لديهم أنواع كثيرة من الثلج والتي تحتاج في ثقافتهم لأن يُميز بينها على نحو منتظم على خلاف الهوتنتوت. إن أسبقية اللغة على المفاهيم تفترض أن يتمكن شعب من فرض تصنيفا مفاهيميا دقيقا على مادة لم يقع عليها بصر أحدهم. إن التفكيكية تسوقنا إلى توقع حدوث مثل هذه الظواهر على وجه التحديد!. إن جاكسون بهذا المثال يكون قد وجه ضربة قاسمة لفكرة أسبقية الكتابة على المنطق وهي الفكرة التي تأسست عليه فلسفة اللامعنى برمتها.
    ويضيف جاكسون بأن نظرية دريدا في الإختلاف لا تسمح بوضع معجما وافيا فضلا عن نقد قصيدة ذلك أن علم الدلالة القائم على الإختلاف لا يتيح تمثيل العلاقات المنطقية التي تربط بين الدوال كما أنه لا يتيح وصف أبسط الكلمات في لغة ما. فلو أخذنا مصطلح من مصطلحات القرابة مثل "aunt" والتي تعني أخت أحد الوالدين لوجدنا أن تمثيلها حسب نظريات الإختلاف سيكون كالآتي: ليس أبا ليس أما ليس صبيا ليس بنتا ليس نمرا وهلما جرا إلى ما لانهاية فهذه هي الطريقة التي يعتمدها علم الدلالة القائم على الإختلاف ليمثل بها معنى كلمة aunt أو غيرها من الكلمات البسيطة مثلها. كما أن نظام الإختلاف لا يتعرض للربط المنطقي الذي تعنيه ( أخت أحد الوالدين )..يقول ليونارد جاكسون: 'من غير المستطاع مطلقا في مثل هذا النظام تمثيل المعنى "sister of parents" (أخت أحد الوالدين) إذ يحتوي هذا المعنى على of. ومن غير المستطاع أيضا تمثيل العلاقة المنطقية "or" "أو" في العبارة "father or mother" "أب أو أم" وحين يعجز المرء عن تمثيل كلمة مثل aunt فمن المؤكد أنه سيعجز عن تمثيل كلمات أعقد بكثير.. إننا أمام استحالة منطقية هنا....حيث من السهل أن نرى أنه حين يكون من المستحيل أن تنشأ على هذا النحو حتى المعاني البسيطة كمعنى كلمة "aunt" فإن المعاني المعقدة والمهمة لن تكون مطروحة على بساط البحث أصلا'.(2)
    وهي الفكرة التي يتفق معه فيها جون إليس الذي يقول أن 'العلامة التي لا يمكن التعرف عليها بوصفها أي شيء بوجه خاص لن تدل على شيء بالمرة'(3) ويؤكد أني: 'حين أختار كلمة أكون قد أمسكت بكل معنى متضمن فيها لا في كلمة أخرى. وينطوي صنيعي على احتياز المعنى الذي يمكنها أن تحوزه فورا وحالا...كل الكلمات حاضرة –بمعنى ما- لأجل احتمال الخيار من بينها وحين يقع الإختيار فعلا تغيب كل الكلمات عدا الكلمة المختارة. تلك هي الطريقة التي تعمل بها اللغة. فالغياب ليس بالأمر الذي يستوجب بحث المعنى الغائب وتحليله. الغياب له معنى حين يقع اختيار نسقي..إن فكرة اللعب اللامتناهي بلا تمييز فكرة مستحيلة في أي سياق يتطلب التمييز. فالدلالة والتمايز يشكلان معا السياق '.(4)

    إن فكرة إعادة الهيبة للكتابة على حساب الصوت والتي بنى عليها دريدا نسبية المعنى لا يوافقه فيها الكثير من علماء الألسنية فليونارد جاكسون يعتبر أن فكرة التراث الإنساني بكونه متمركزا حول الصوت إلى حدود ديسوسور هي محض أسطورة من اختراع دريدا فما يبينه سجل التاريخ هو أن جميع الحضارات قد فضلت الكتابة على الكلام من جميع النواحي وذلك منذ مصر القديمة على الأقل. إن من يعرفون الكتابة قد تمتعوا بمزايا سياسية لدرجة نجاتهم من الموت مقابل كفارة معينة أما دريدا فيلقي شبكته الكبيرة في تاريخ الفكر كله ليلتقط أشياء صغيرة كتذمر أفلاطون. هذا من حيث المبدأ أما عن أسبقية الكتابة على الكلام فهي بدورها غير مسلم بها لدى علماء التاريخ والألسنية الذين يفترضون العكس. ويلخص جون إليس الإعتراضات في أن التاريخ يؤكد على أن الكلام اكتشف قبل اختراع الكتابة بوقت طويل. ويعترض آخرون بأنه لا يزال في بقاع الأرض اليوم لغات منطوقة غير مكتوبة ولا لغة منها كتبت دون أن تكون منطوقة كما أن الطفال الصغار يتعلمون الكلام قبل تعلم الكتابة وثمة أعدادا هائلة من الناس تتكلم دون معرفة لكتابة.
    كلها اعتراضات دفعت دريدا إلى الللجوء لمغالطة خلط التعاريف أمام الخصوم في محاولة للإبقاء على فكرته الأم القائلة بأسبقية الكتابة ويوضح إليس الخطأ المنهجي في تجاوز تلك الإعتراضات. حيث أن محور الجدل يدور حول الثالوث ( اللغة ..الكلام ..الكتابة ) الكلمة الأولى تتضمن الثانية والثالثة ويكمن الإشكال في أي من هاتين الكلمتين الثانيتين له الأسبقية على الأخرى. يحاول دريدا إثبات أن الكلمة الثالثة لها الأسبقية على الثانية في مقابل بعض الدراسات الواضحة التي تثبت العكس. ولكي يثبت دريدا قوله يعتمد لعبته المفضلة في الخلط بين الدوال واستعمال الألفاظ بطريقة عشوائية حيث يستبدل الثالوث (( لغة كلام كتابة ) بثالوث آخر ( كتابة صوت خط ) وهكذا تغدو للكتابة أسبقية على الكلام!..يقول إليس: 'ليس من العسير الإمساك بالخطأ في هذا الإجراء: ينطوي هذا الإجراء على استعمال اللغة الأنجليزية استعمالا خاطئا: فكلمة اللغة لا تعني كلمة الكتابة. ولو استخدمنا كلمة "الكتابة" محل كلمة " اللغة" نكون قد تحدثنا بشكل خاطئ. والحق أن بناء المناقشة على هذا النحو يعني إدخال عنصر الفشل إليها منذ البداية. فلو أن مناقشة تقول بأن "أ" لا أسبقية له على "ب" وكل الحقائق أو الوقائع تفترض العكس. سيكون الحل الأخير تغيير معنى المصطلح "أ" كأن يعاد تعريفه على نحو يجعله مندرجا تحت الفئة "ب". وهذا الإجراء لا يجعل المناقشة سليمة أو صحيحة إلا على حساب جعلها بلامعنى'.(5) ويرى إليس أن المغالطة تكمن في أن المناقشة تدور حول علاقة بين كيانين يسلم تمايزهما ابتداءً واستأناف المناقشة يكون بتناول الفروق التي تمايز بينهما. وقد بدأ دريدا بالتسليم بالفرق بين الكلام والكتابة وألح على وجود هذا الفرق ولكن لم يكن قادرا على إثبات غرضه إلا بالتخلي عن هذا الفرق والإلحاح على أن الكلام والكتابة شيء واحد. يقول إليس: 'أي قام بإعادة تعريف أحد طرفي الفرْق ليغطي الطرفين معا. لكن من الواضح ان كلمة "الكتابة " التي أعاد تعريفها ( ليس بالمعنى الذي نستخدمها به جميعا) لا يستعملها في أي موضع آخر من مناقشته: فاستعمالها الوحيد –بذلك التعريف الجديد لها كان من أجل صيانة فرضيته عند هذه المرحلة المحددة في لمناقشة. أما في غير هذا الموضع المحدد –سواء قبل هذه المرحلة في المناقشة أو بعدها- فتعني كلمة "الكتابة" عنده -أي دريدا- المعنى الذي نقصده عادة من استعمال هذه الكلمة'.(6)
    إن التصرف الأخير هو تعبير حي عن طريقة تعامل التفكيكيين مع النصوص وكيف يقع التعسف على اللفظ لفرض معنى غير موجود أو مناقض لما هو موجود في النص. إن هذه الطريقة تعبر عن الإعتقاد السائد في المنهج التفكيكي الذي يعتبر اللغة أشكال لا تقوم على ربط منطقي وبرهنة واقعية وأن فك ارتباط المعنى يقوم على التلاعب بالألفاظ دون الأخذ بالإعتبار كل ارتباط منطقي أو واقعي وهي النقطة التي أشار إليها عالم الإنسانيات بول ريكور حينما التقى بدريدا في المؤتمر الدولي للفلسفة بمونتريال سنة 1973 وأخبره أن: 'هناك علو في التركيز على إشكاليات الكتابة مصدره أنك تتعرض لقضايا لا تعالجها كما ينبغي في ميدانها العلمي الصحيح. لقد وقفت عند الحدود السمبولوجية ( مستوى العلامات ) ولم تقترب قط من التخوم السيمانطيقية (مستوى منطق نسق العلامات الذي يتجه نحو الوجود)' (7)

    هذا من الناحية المنهجية أما من الناحية العملية فإن خصوم دريدا يعتبرون لعب الدوال اللامتناهي المقوض للمعنى مذهبا غير نافع من ناحية الممارسة إذ من يتبنى هاته المنهجية سيجد تعقيدا لا ينتهي ابتداء من طلب فنجان قهوة يقول جاكسون: 'وبالطبع فإنه من غير الممكن لي أن أتعاطف مع دريدا هنا. فأنا أعتقد أن هنالك سجلا جديا وسويا لاستخدام اللغة. وأن وجود هذا السجل هو من أجل بقاء الإنسان فهو السجل لذي نستخدمه للشراء من البقالية أو التعامل مع حادث سير.' (8)
    ويقول هابرماس: 'إن ألعاب اللغة لا تعمل إلا لأنها تفترض عمليات نمذجة ( des idealisation) تتجاوز اللغة اللعب اللغوية وينبثق عنه منظور اتفاق قابل للنقد باسم بعض مطالب المصداقية. ذلك هو شرط ضروري لكل تفاهم ممكن. وهكذا فإن لغة تعمل تحت ضغط مثل هذه الشروط تخضع لاختبار مستمر. إن الممارسة اليومية للتواصل حيث يُلزم الممثلون بالتفاهم حول وقائع موجودة في العالم..تخضع لاختبارات ملزمة جُعلت ممكنة بافتراضات منمذجة الصورة المثالية (idealisante) وبالإستناد إلى هذه الإختبارات يمكننا التمييز بين الإستعمال العادي والإستعمال الطفيلي للغة.' (9)
    إن الممارسة الكلامية في الحياة اليومية تتطلب نوعا من التفاهم والتواصل الذي لا يمكن أن يتوفر مع لغة مراوغة لا تفهم إلا من خلال سياق خاص بكل فرد إن هكذا منهجية تجعل من الإتفاق أمرا مستحيلا مما يؤدي إلى اضطراب العلاقات بين الأفراد من جهة وبين الشعوب من جهة أخرى ما يطرح دعوة إلى حروب لا نهاية لها نتيجة نقض العهود والمواثيق في كل مرة بحجة أن السياق قد تغير بالنسبة لأحدهما. كما أنها من الناحية الإبداعية والأدبية هي أيضا سلبية فهي تدعونا إلى إيقاف التمييز وإيقاف التفكير في التآويل واختبار مدى قوتها أو ضعفها..ويعني عدم القدرة على استبعاد أكثرها وهما أو استبقاء أكثرها إقناعا كما تتجاهل الإبداع وهو مظهر حيوي في أي فكر سواء منه الأدبي والفني أو حتى في مجالات حيوية كالرياضيات والفيزياء والإختراعات التكنولوجية. 'والسؤال المثير الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا كان على نقاد الأدب أن يجدوا في الميتافيزيقا المتمركزة على العقل ضربا من الشر إذا ما كنت هذه الميتافيزيقا هي المسؤولة عن منجزات العلوم الطبيعية والرياضيات. والحق أن واحدة من الإجابات الواضحة عن هذا السؤال هي أن خطاب العلم والرياضيات يجعل نقاد الأدب يشعرون أنهم أدنى'. (10)

    إن الإنتقادات الموجهة للتفكيك تكاد لا تنتهي لكن ما يثير الإنتباه هو ردة فعل دريدا على هذه الإنتقادات فهو لم يخض في تفاصيل نقد سيرل وهابرماس وباقي الخصوم وإنما اكتفي بالقول أنها مؤامرة من المركزية العقلانية الغربية ضده وأن النقد الذي وجه له هو ضد أخلاقيات الحوار وأن خصومه وتحديدا سيرل لم يحسن قراءة أفكاره. إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا يضجر دريدا من هذا النقد وهو الذي يقول في كتابه "فقه الكتابه": (( إن قراءة النص يجب أن تصوب في اتجاه ما لا يدركه كاتب النص )) إن التفكيك يتبنى مقولة oscar wilde أوسكار وايلد: (( الحقيقة هي ما كانت نقيضها هو أيضا حقيقة )) ودريدا حين يقول أن ما يقصده هو المعنى من نصه وأن المعنى كان واضحا من البداية وسيرل قد أوله التأويل الخاطئ يكون قد تناقض مع كل مواقفه ويلحظ ميتشل فيشر في كتابه Does deconstruction any difference أن بعض أتباع دريدا يحيرهم شعور بعدم انسجام واضح بين موقف دريدا العام من حيث رفض المعنى ونبرته الغاضبة باتهامه لسيرل بأنه أساء فهم أقواله ويؤكد فيشر على أن تلك الإتهامات تعمل على تقويض الموقف الضمني وأن دريدا قد شعر بالإهانة حين أحس أن أفكاره تتعرض للإفساد.
    والمفارقة الأخرى هي أن دريدا بلجوئه إلى حجج معيارية من قبيل أخلاقيات الحوار يكون بذلك قد بنى اعتراضاته على مبادئ استقاها من فلسفات معارضيه وهي مبادئ من المفترض أن يعاديها دريدا وتكون منهجيته التفكيكية قد فككتها وقوضتها يقول راينر روشليتز هنا: 'إن دريدا يلجأ في هذا السجال إلى مبادئ لا يستقيها من منهجه التفكيكي ولكنه يستعيرها من الأصول المنطقية العقلانية لخصومه فهو حين يرد على نقاده يستند بالضرورة إلى قواعد معيارية حول أخلاقيات الحوار والديمقراطية ومساحة بروتوكول أو عهد الوفاق ما بين ذوات يستحيل استنباطها بالمنهج التفكيكي الذي يظل دائما متطفلا على على النظريات والمذاهب التي يفككها'.(11)
    من الملاحظ إذن إن التفكيكية وبعد أن هاجمت المركزية والمقدس والثابت قد صنعت لنفسها مركزية جديدة وقدسية تحرم على كل من يخالفها الإقتراب منها والنقاش وهي من المفارقات التي نلحضها حتى لدى الحداثيين والمجددين العرب حيث ينعت كل من يختلف مع تلك الرؤى أو يرفضها بالتخلف والرجعية ومعاداة قيم الحداثة. وهي من من المفارقات اللافتة إذ 'أن الحداثة البنيوية على وجه التحديد ادعت لنفسها في البداية أنها جاءت لذبح بعض الأبقار المقدسة التي تربت في حظيرة النقد الجديد. لكن نفس هذه البنيوية ومن بعدها التفكيك تحولا بأسرع مما تحول فيه النقد الجديد إلى أوثان مقدسة يحرم على غير المؤمنين بها الإقتراب منها. سواء بالتبسيط وفك الطلاسم أو بالإختلاف'.(12)

    التفكيك ومنهجية التأويل في التحليل النفسي الفرويدي
    يقول دريدا: 'فرويد يقول شيئا مبهجا..لا أحد حلل -أي فكك- سلطة المبدأ الأرخوني (الأبوي) أفضل مما فعل' ويضيف: 'لقد كرست جهدا غير قليل للتأكيد على دين ما لفرويد وهيدغر وفي الوقت ذاته على تغاير ما أيضا عنهما'.(13)
    إن علاقة فرويد بمنهجية التفكيك كما ورد في اعتراف دريدا ينسحب كذلك على كل تيارات النقد الأدبي القريبة منه كالمنهج الموضوعي. يقول جون بيير ريشار وهو أحد أقطاب هذا التيار: 'أن النقد الموضوعي الذي يكشف هنا عن معنى الرغبة إنما يستوجب علاقته القوية بالتحليل النفسي وعلم الدلالة' (14)
    ومرد هذه العلاقة القوية أن آلية اللاشعور التي يعتمدها فرويد تُقَدِّم بدورها الكتابة على الكلام والفكر، ولهذا اهتم فرويد في تحليله النفسي بالرموز مؤكدا أنها متعددة الدلالة ..وأن المألوف في دلالة الرمز اللاشعوري أن يأتي الشيء في صورة نقيضه أو ضده للتمويه على الرقيب الشعوري. ويرى فرويد أن قواعد المنطق القاطعة لا قيمة لها في اللاشعور، بل يمكن القول بأنه مملكة اللامنطق. وهكذا ينظر التأويل الفرويدي إلى الرموز بصفتها فضاء مكثف للمعاني وليست دلائل لمعنى أصلي. وإسقاط هذ المنهج على النصوص الأدبية يعني التعامل مع المؤلف على أنه مريض نفسي كتاباته هي بمثابة رموز أفرزها اللاوعي دون وعي أو قصد. ثم يأتي دور القارئ ليتقمص دور الطبيب فيضع النص الأدبي على كنبة الإعتراف ويستنطقه ليفك شيفرة تلك الكتابات وبما أن الرمز في التحليل النفسي متعدد الدلالة وقد يأتي في صورة بعيدة أو مناقضة للمعنى الإعتيادي فإنه يحق للقارئ أن يحرف قصد المؤلف ويترجم المعنى الذي يبدو معتمدا وثابتا إلى التأويل الذي يراه هو مناسبا بطريقة هي أشبه بالإتحاد الصوفي مع النص تختلف تأويلاته باختلاف عدد القراء او لنقل عدد الأطباء! فالتفكيك إذن هو نوع من التحليل النفسي الفرويدي الذي يهدف إلى تأويل أشكال ورموز النحت اللغوي إلى صور خيالية فيدخل في حالة من الهذيان وفقدان العقل فبدل أن يقول بالمعنى يقول بالا معنى.

    وبهذا المنطق الذي يدفع اللغة لقول ما لم تقله يدخل الدال الكتابي في مغامرة مع المجهول ليفصح عن المكبوت ولهذا دفع دريدا مفكرين كبار أمثال روسو وهيغل وهوسرل وسوسور للإعتراف قسرا بما يعارض المحتوى الفكري الصريح. تماما كما فعل استاذه فرويد من قبل حين فسر الأعمال الفنية والبطولية للمشاهير أمثال ليوناردو ودوستويفسكي على أنها شكل من اشكال الإضطرابات النفسية. يقول كولن ولسن: 'هذا التعامي الغريب من قبل فرويد أدى به إلى القيام بدراسات تحليلية سخيفة لعدد من العباقرة مثل ليوناردو ودوستويفسكي...وقد كان هذا انتصارا للتجريد على المنطق السليم'.(15)
    إن أهم الإشكاليات التي تعترض هذا الأسلوب التأويلي هو عجزه وعدم قدرته على تفسير السبب الذي يدفع الملايين من البشر أن يضفوا على نص ما المعنى ذاته بصورة تكاد أن تكون متطابقة يقول جاكسون: 'غير أن ما يمكن لأحد سكان المريخ أن يلاحظه هو تماثل المعنى الشديد ويقينيته. فلو قرأ مليون قارئ الرويات الجاسوسية ذاتها لافترض كل واحد منهم أنها قصة عن الجواسيس. ولن يخطئ أي منهم فيخلط بينها وبين كتاب في الكيمياء الكهربائية. أما لو كان المعنى نتاجا للتأويل لتوقعنا ان نجد بعض النقاد ممن يرون أن "الدكتور فاوست لا" كتيب في الكيمياء الكهربائية وأن جيمس بوند اسم مادة كيماوية. وما يمكن للمريخي أن يقوله هو أن للنصوص سمة مميزة تتمثل في أن لها معان متقنة ومحددة مرتبطة بها وأن هذا واحد من الأشياء التي تميزها عن الأشياء الثقافية الأخرى مثل أحجار البناء أو الناس التي ليس لها مثل هذه المعاني.' (16)

    إن نظرية اللاوعي وما يتبعها من تأويل في التحليل النفسي الفرويد ليست بالنظرية العلمية وقد أظهر المناطقة والإبستيمولوجيين أنها نظرية ضد المنطق وضد العلم ( راجع مقالنا: الفرويدية لا منهجية التأويل وإشكالية رموز اللبيدو)..وأن الأهمية الوحيدة التي يمكن أن نمنحها للفرويدية فهي أهميتها في علاج بعض الأمراض النفسية دون الخروج عن هذا الإطار بإسقاطها على الأسوياء وجعلها نظرية عامة في المعنى أو إسقاطها على مجال ليس مجالها فمن منطلق ألسني بحت يقول ليونارد جاكسون: 'وأتوقف هنا لأشير إلى أمر واضح وهو أننا قد خرجنا تماما من ميدان العلم الألسني ورحنا نُعنى بما في الوضع التحليل النفسي من استعارات حية وناشطة فعبارة " المدلول ينزلق تحت السلسلة الدالة" تتوافق برأيي مع وااقعة أن المريض الخاضع للتحليل يقول سلسلة من الأشياء في حين تكون في لاوعيه سلسلة أخرى مختلفة تماما وما من صلة تربط بين هذين السلسلتين معا سوى الصلة القائمة على المصادفة وربما كان في ذلك نصيحة مفيدة للمحلل النفساني بيد أنه ما من سبيل لرؤية ذلك بوصفه نظرية عامة في المعنى.'(17)
    إن معاني الألفاظ اللغوية تحكمها قيود اللغة والأعراف فلا مجال للقول بلانهائية المعنى أو الدلالة فلا معنى مثلا 'للإلحاح على لانهائية ما تدل عليه كلمة "شجرة" من معنى حين لا يُشار إلى نوع محدد من الشجر..إذ من الواضح أن الكلمة تنطوي على بعض القيود التي تحد من لاتناهيها (فهي ليست زهرة مثلا) في الوقت الذي لا يوجد قيد يحد من إمكان دلالتها على أي نوع من أنواع الشجر' (18)

    التفكيك: ما بين التراث اليهودي والصوفية النصية المعادية للعلم والواقع
    يقول دريدا بوصفه فيلسوفا يهوديا: 'نحن اليهود هذه الــ(نحن) المؤرقة إلى حد بعيد موجودة في صميم ما يشغلني أكثر من سواه في فكري' (19) ويضيف: 'إن الأمر يتعلق بيهودية ما متجلية كميلاد وكعشق للكتابة..حب ومكابرة للحرف..حين لا ندري إذا ما كان الموضوع هو اليهودي أو الحرف ذاته لربما تعلق الأمر بجذر مشترك بين شعب وبين الكتابة قدر لا يمكن تقديره بأية حال لكنه يلج تاريخ "سلالة منبثقة من الكتاب"...ماضي يمتزج ماضيه واستمراريته بماضي واستمرارية الكتابة' (20)
    إن دريدا شهادة حية على تحيز استراتيجية التفكيك فالأطروحات التي تعتمدها ليست سوى رؤية يهودية للعالم. إذ يؤكد العديد من النقاد أن دريدا يعتقد بقصة برج بابل المذكورة في التراث اليهودي. ففكرة انعدام المعنى وأن الناس لا يفهمون بعضهم البعض هو عين ما يقوله الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين وهو أن الرب يهوه قد غضب من تطاول البشر ببنائهم برج بابل فكان العقاب أن بلبل ألسنتهم وشتتها فلم يعد الناس على الأرض يفهمون بعضهم البعض. يقول الإصحاح: 'بلبل هناك لغتهم حتى لا يفهم بعضهم لغة بعض'.‏ تكوين 11:‏7‏
    كما تعتبر أطروحة التفكيك أيضا محصلة فلسفية للتراث التفسيري للتوراة والتراث القبالي الذي يعتمد على الهرطقة التأويلية الصوفية للنصوص لضمان استمراريتها في الزمان تقول سوزان هاندلمان وهي باحثة أمريكية يهودية : 'إن دريدا والهرطقة التأويلية في الفقه اليهودي لا يفعلان شيئا آخر غير تأكيد استمرارية التوراة في الزمان وفقا لمذاهبهم التحريفية متعددة الأوجه'(21) وتذهب هاندلمان إلى أبعد من ذلك فهي ترى أن التعددية عند دريدا هي محاولة لنقل الشرك إلى عالم الكتابة وأن تعدد المعنى يحل محل تعدد الآلهة وهي نوع من التعددية المفرطة المنزلقة التي تقوض المدلول المتجاوز (الإله/اللوغوس) الذي يمنح الواقع تماسكه ومعناه.
    ويربط بختي بن عودة أسلوب كتابة دريدا في كتابه أجراس glas بالنص اليهودي إذ يرى أن تقسيم كل صفحة من صفحات الكتاب على عمودين في شكل فسيفساء نصية تذكر بترتيب التلمود مما يجعل كتابة دريدا مضبوطة الإيقاع وفق النص الديني. ولهذا يقول يورغن هابرماس : 'لهذا السبب بالذات يضل متشبثا بشكل أدق بممارسة متبحرة في الكتاب المقدس. إن برنامج علم كتابة يطمح لنقد الميتافيزيقا يتغذى من منابع دينية.' (22)
    كما أن فكرة النكوص عن المعنى المعتمد هو تعبير متقدم عن الممارسة اليهودية التاريخية في نقض العهود والمواثيق. وفكرة الشتات والإرجاء اللانهائي للمعنى هو تعبير عن تجربة الشتات اليهودي والرحيل اللانهائي من مكان لآخر وهو ما يؤكده دريدا ففي حوار كان قد دار في مدينة بوردو الفرسية يوم 18 ماي 1988 جمع دريدا بمجموعة من المثقفين بدعوة من دار مولا للكتاب. حوار كان قد حضره وشارك فيه عبد العزيز بن عرفة صاحب كتاب الدال والإستبدال والذي نشر فيه تعريب للحوار الذي دار بينهما ..ومن ضمن ما ورد في هذا الحوار:
    '- عبد العزيز بن عرفة: إنكم تقولون سيد دريدا بمبدأ الهجرة والنزوح ولا تقولون بمبدأ الإقامة ؟..دريدا: أجل! إن أعمالي هي تمجيد لمبدأ التيه ورفض لمبدأ الإقامة' (23)

    وإن كان في هذا الكلام تجسيد لحالة الشتات اليهودي فإنها أيضا تتقاطع مع الرؤية الصوفية للوجود إن الصوفي هو 'ذاك الذي لا يفتأ يسافر وهو متيقين من أن الذي يبحث عنه ليس شيئا معينا أو مكانا محددا إنه مُقر العزم دوما على عدم المكوث "هنا" أو "هناك" وعدم الرضا "بذا" أو "ذاك"'(24) كما أن مقولة دريدا " لا يوجد شيء خارج النص" هي مقولة صوفية يفهم منها دعوة للإنصراف عن الواقع ومشاكله الإقتصادية والإجتماعية والجنوح إلى العزلة الخيالية المعادية للعلم والإبداع وبذلك تحول دريدا إلى سفسطائي عبثي دفع العديد من المفكرين وعلماء الألسنية إلى تصنيف التفكيك على أنه شكل من أشكال الصوفية يراها جاكسون بأنها نوع من أنواع ميتافيزيقا النص تنتمي إلى حقل المثالية النصية الأليسي نسبة للقصة الشهيرة أليس في بلاد العجائب .يقول : 'إن هذه الميتافيزيقا هي التي توفر الأساس لنوع من التعمية النصية التي يستحيل معها اسخلاص النظريات من النصوص المبسوطة فيها..إن هذا الإطار لا يرى أن ثمة عالم خارج النص ومثل هذا الإطار لا يمكن أن يكون معقولا كرؤية عامة للعالم إلا في عالم خلا من العلوم الطبيعية ومن التقنية حيث نتدبر أمورنا بسحر الألفاظ. وفي عالم العمى التقني يكون المُنَظِّر الأدبي مَلِكًا. الأمر الذي يشكل سببا للإعتقاد بأن هذه النظرية الصوفية برمتها هي طريقة متقنة للفرار من خطاب العلوم وعدم تفسير أي شيء...لقد سيطرت عليها ميتافيزيقا ألسنية جديدة هي أشكال من المثالية الألسنية أو الخطابية تثق بالساحر المشعوذ أكثر مما تثق بعالم الألسنية وتطلق مزاعم مفادها أن الواقع أو واقعنا على الأقل مخلوق أو محكوم أو مبني على الأقل عن طريق اللغة أو بالخطاب '(25).

    التفكيك: أسطورة أوزيريس الجسد المبعثر..
    تقول الأسطورة أن جسد أوزيريس قد وقع تمزيقه إلى أربع عشر قطعة على يد "سيث" الذي نثرها كيفما اتفق هنا وهناك قبل أن يتم تجميعه وبعثه في وحدة جديدة على يد إزيس ونيفتيس. ويرى بعض النقاد أن لهاته الأسطورة تأثيرا كبيرا على الحركات الأدبية التفكيكية والقريبة منها نظرا لما تعنيه الأسطورة لهؤلاء من تمثيل لمأساة الوجود الإنساني..وأن هاته الأسطورة ساهمت في إفراز آلية تفكك المعنى إلى جزئيات متناثرة ومن ثم يجمع أو يبعث هذا المعنى في كل مرة متخذا مظهرا جديدا في حركة تفكيك وانبعاث لانهائية. وعلاقة الأسطورة بهذا النوع من الأدب يؤكدها الفيلسوف الإيطالي بيك دو لا ميراندول pic de la Mirandole بقوله: 'الأدب سلم ننزل درجاته فنمزق وحدته بقوة عملاقة ونفتتها على غرار ما حل بجسد أوزيريس ونصعد درجاته حينا آخر بكل ما تمنحنا إياه طاقة "أوبولون" فنجمع في وحدة جديدة ما تبعثر من أشلاء أوزيريس' (26)..وأبولون حسب الأساطير اليونانية هو أحد آلهة الشمس بينما أوزيريس إله أرضي ينتمي إلى العالم السفلي مندفع بأهوائه وعواطفه على غرار دينزيوس. ومن ضمن القراءات الرمزية لهاته الأسطورة أن أوزيريس يمثل المضمون بينما أبولون يمثل الشكل ولهذا يرى نيتشه أن روعة التراجيديا اليونانية تتمثل في لحظة التلاقي بين أبولون ودينزيوس الذي يمثل ظهورا من ظهورات أوزيريس أي لحظة إتحاد الشكل مع أحد المضامين المتجددة ونيشتة كما هو معلوم أصل من أهم الأصول التي استقى منها دريدا فلسفته التفكيكية وهو أول من اعتمد النموذج اللغوي مدخلا لتقويض الميتافيزيقا الغربية.
    إن لهاته الأسطور تأثير ولا شك على فلسفة النقد التفكيكي وهو ما يؤكده جون بيير ريتشار وهو يصف منهجه النقدي (المنهج لموضوعي) : 'فهذا النقد يحتاج إلى اللاتجانس من أجل اكتشاف التجانس. إنه لا يمكنه التوصل إلى روعة أبولون الطالع للنهار إلا من خلال عذاب أوزيريس الممزق الضائع في ظلال اللامعنى' (27)

    التفكيك: خصوصية غربية..
    لمنهجية التفكيك خصوصية لا تسمح بنقلها وزرعها بغير أرضها إنها تعبير عن حالة الشتات والشك المطلق الذي سيطر على المجتمع الغربي عقب الحرب العالمية الثانية كما أن فكرة قتل المؤلف هي قتل لفكرة الوساطة التي مارستها الكنيسة بين الإنسان الغربي والحقيقة. إن مفهوم رفض الوساطة هي إحدى الأفكار الخفية الميتافيزيقية المحركة للمنهج التفكيكي الذي ينص على أن لكل إنسان الحق في قراءة النصوص وبلوغ الحقيقة كما يراها هو رافضا كل وساطة بين القارئ والمقروء وهي الفكرة التي ساهمت بشكل كبير في انتشار التفكيك داخل أروبا وأمريكا. يقول الناقد التفكيكي الأمريكي ج.هيلز ميللر في إشارة إلى سبب إنجذابه إلى دريدا والتفكيك : 'لقد فكرت في السبب الذي يجعل أمريكيا بخلفيتي البروتستانتية ينجذب إلى دريدا مثلا وأعتقد أنني توصلت إلى الجواب. فهناك شبه بين أحد أوجه البروتستانتية والتراث اليهودي أو التراث العقلاني اليهودي في أروبا وذلك أن الإثنين لا يطمئنان إلى التماثيل والرموز والصور المنحوتة كما أنهما يشكان قد لا تكون لما هو أصلح في عالم هو أفضل العوالم الممكنة. إنه نوع من ظلام الرؤية الغريزي نوع من الصراع الذي أحمله في داخلي بين إلتزام بالحقيقة بالبحث عن الحقيقة بوصفها القيمة الأعلى من ناحية والقيم الأخلاقية من ناحية أخرى....إن البروتستانتية...لو أخذت خطوة واحدة إلى الأمام فستشك في قدرة أي شيء على التوسط حتى المسيح نفسه.' (28)

    إن التفكيك هو تعبير عن إشكالية حضارية عانت منها الحضارة الغربية لعقود. ونقل هاته المنهجية إلى الثقافة العربية يعني نقل النتائج الأخيرة للفكر الغربي دون أن تكون لهذا النقل مقدماته المنطقية في الواقع العربي. إن المجتمع العربي والإسلامي لم يعاني يوما من صراعات ضد العلم والمعرفة أو صراعات مع سلطة كهنوتية تلعب دور الوسيط. إن نقل فلسفة التفكيك لهكذا واقع يعني نقل حلول لإشكاليات غير مطروحة أصلا وقد حاول المفكرون العرب في السابق نقل الماركسية والوجودية وأصبغوا عليها في البداية هالة من الجدة إلا أن الإفتتان سرعان ما يذبل فهاته المنهجيات لم تستطع أن تتأصل وتنمو لأن الخلفية التي قامت وراء بروزها في الغرب لم تكن قائمة في أرض العرب. وهذا ما يطرح إشكالية أمام ما يصنفون بالمجددين أو المفكرين. وهو هل أن فكرهم التجديدي هذا إبداع أم اتباع ؟..إن نقدهم ورفضهم للتراث الإسلامي جاء بحجة رفض التقليد ولكن أليس قبولهم بمنهجية التفكيك هو أيضا تقليد أعمى لا يراعي توفر المقدمات الذي يعتبر شرطا ضروريا لاستخلاص النتائج. ألا يقدح هذا التقليد الأعمى واللإفتتان بمناهج الغرب في القيمة العلمية لهؤلاء المجددين ويلقي بها إلى ما دون الصفر. أليس عند التحقيق نجد منهجية التفكيك هي ذاتها منهجية الصوفية وشطحاتهم في تفسير القرآن الكريم أليست هي المنهجية التي قادت الباطِنِيِّينَ إلى الضلال والانحراف حَيْثُ طَغَتْ عِنْدَهُم الذات على الموضوع والخيال الذي لا يعتمد على قواعد ثابتة أو أصول مقررة فجاوزوا حدود التفسير وشطحوا بخيالهم الجارف معتمدين على حدس ذاتي يحتكمون إليه في قراءة النص!
    أليس من المفارقات أن يحارب المجددون ما يرونه تقليدا بتقليد غيره قبلوه بالتصديق دون التحقيق! يقول الغزالي رحمه الله 'إن التكايس في النزوع عن تقليد الحق بالشروع في تقليد الباطل جمال..وغفلة منهم عن أن الإنتقال إلى تقليد عن تقليد خرق وخبال..فأي رتبة في عالم أخس من رتبة من يعمل بترك الحق المعتقد تقليدا بالمتسارع إلى قبول الباطل تصديقا دون ان يقبله خبرا وتحقيقا' (29)
    إن التجديدية المقترحة اليوم هي تجديـديـة عدمـيـة ولا نحسب أن مسلماً عاقلاً يهتم لقراءات تحاول أن تخترع لنا لغة لا تدركها الأفهام وكأنما لغة مجنون يطلب: (( حليب أنا سكر )) إنه مذهب السفسطة والجنون متقنع بلباس ما بعد الحداثة وقد قالها كبيرهم دريدا من قبل: (( أنا أرضى بالجنون ))..جنون يخرق قواعد الحكي ليفر من المواجهة..إن القول بأن كل قراءة للنص هي فقط إساءة قراءة هو هروب من مواجهة النص هروب يجعل أحدهم ينادي وبأعلى صوته: إنني وإياك لمن الضالين!
    إن التفسير والتأويل وحرصا على النص القرآني قد أحيط بشروط تحيل من أن تقتحمه الشطحات الذاتية، والتصوُّرَات الشخصية، والخَيَال الجامح. لقد اشترط المفسرون أن لا يقتحم ساحة التأويل من لم يكن ملما بعلوم اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة، ومن لم يكن ملما بمعرفة القراءات، وأصولِ الفقه، ومعرفةِ الحديث وأسباب النزول وكل ما من شأنه أن يضع النص في إطاره الصحيح وكل ما شأنه أن تنضبط به ذات المفسر وتمنح التوازن المطلوب بين الذات والموضوع. تمنح الذات حقها في التأمل والإجتهاد وتمنح الموضوع منهجية الإستناد إلى قوانين اللغة وضوابط النص..
    وهذا ما يؤكده كبار النقاد وعلماء الألسنية يقول جورج زيناتي: 'نحن نعرف وكل علماء الألسنية يعرفون بأن ليس في اللغة إلا مجموعة إختلافات ..ولو لا هذا الإختلاف في الدال والمدلول لما كانت أي لغة ممكنة. ولكن هل يجوز نقل هذه الحقيقة بالطريقة التي فعلها دريدا حين جعلها نقطة إنطلاق للبحث عن أصل الحقيقة..كل الحقيقة ؟..يقول كبير ألسنيي عصرنا فردينان دي سوسور بأن مشكلة الأصل ليست مشكلة ألسنية لأن الألسنية تنطلق دائما من لغة قائمة وقد تشكلت. باختصار هذه المشكلة لا معنى لها على الإطلاق وهي دخيلة على كل علوم اللغة.' (30)..ويؤكد ليونارد جاكسون الشروط الموضوعية التي وضعها علماء التفسير بقوله: 'أن المعنى المتاح للعموم في نص من النصوص يحدده موضوعيا ترتيب محدد للكلمات التي يشتمل عليها هذا النص واللغة التي كتب بها والأعراف التي تقرر كيفية قراءته والإحالات السياقية التي يمكن لهذا النص أن يطلقها في أزمنة محددة وفي سياقات قراءة محددة...لأن مجتمعا وحسب هو من يمكنه أن يوفر أعرافا للقراءة والتي تتغير بتغير الزمن ويمكن لأفراد المجتمع سواء كانوا كتابا أم قراءً أن يتعاملوا مع هذه الأعراف ويتدبوا أمرها إنما لا يمكنهم أن يقفزوا عنها ويتجاوزوها.' (31)
    والخلاف الحاصل بين التيارات الألسنية هو في عدم القدرة على تفسير ما الذي يجعل اللغة لغة ومالذي يملأ المعنى بالمعنى إن ما يفر منه دريدا وأنصاره هو القول بأن بنية اللغة مصممة تقودنا للقول بمركزية الإنسان مركزية تستمد ثباتها من مركز أعلى يوقف لعب الإختلاف ويملأ المعنى بالمعنى وربما هذا ما نستخلصه من شهادة ليوانارد جاكسون حين يقول 'ما ينغي أن نعرفه هو أن بنية لغتنا مصمَّمة كي تمكننا من بناء مفاهيم معقدة واستعادتها من ثم بأشكال ألسنية بسيطة. وهذا في رأيي هو الأمر الأساسي في اللغة البشرية. أما الإتصال فأمر ثانوي. فاللغة البشرية هي عبارة عن مضخِّم أو مكبٍّر ذكي. ولا شك أننا بحاجة أن نبين على نحو واضح قواعد اللغة وقواعد استخدامها التي تمكننا من فعل ذلك وهذا ما لم يتم بعد' (32).

    1- القول الفلسفي للحداثة ص258 يورغن هابرماس
    2- بؤس البنيوية ص300 -301 ليونارد جاكسون
    3- ضد التفكيك ص162 جون إليس
    4- المرجع السابق ص74-73
    5- المرجع السابق ص44
    6-المرجع السابق ص45
    7- جاك دريدا والتفكيك ص302 رسائل فلسفية
    8- بؤس النيوية ص269
    9- القول الفلسفي للحداثة ص307
    10- بؤس البنيوية ص245
    11- جاك دريدا والتفكيك ص311
    12- المرايا المحدبة ص155 عبد العزيز حمودة
    13- فلسفة الحضور والغياب عند دريدا ص45 حبيبة دباش
    14- المنهج الموضوعي ص148 عبد الكريم حسن
    15- أصول الدافع الجنسي ص276 كولن ولسن
    16- بؤس البنيوية ص370
    17- بؤس البنيوية ص350
    18- ضد التفكيك ص171.
    19- فلسفة الحضور والغياب عند دريدا ص79
    20- فلسفة الحضور والغياب عند دريدا ص96
    21- جاك دريدا والتفكيك 323
    22- القول الفلسفي للحداثة ص261
    23- الدال والإستبدال ص35 عبد العزيز بن عرفة
    24- الدال والإستبدال ص30 (نقلا عن ميشال دي سيرتو)
    25- بؤس البنيوية ص279-286
    26- المنهج الموضوعي ص7
    27- المرجع السابق ص9
    28- جاك دريدا والتفكيك ص123
    29- تهافت الفلاسفة ص73-74 الغزالي تحقيق د.سليمان دنيا
    30- رحلات داخل لفلسفة الغربية ص123 جورج زيناتي
    31- بؤس البنيوية ص373
    32- المرجع السابق ص316
    التعديل الأخير تم 03-23-2023 الساعة 03:44 PM
    التعقيد في الفلسفة بمثابة أوثان مقدسة يُحرَّمُ الإقتراب منها بالتبسيط أو فك الطلاسم
    فمن خلال التبسيط يتكشَّف المعنى السخيف -لبداهَتِه أو لبلاهَتِه- المُتخفي وراء بهرج التعقيد وغموض التركيب..

    مقالاتي حول المذاهب والفلسفات المعاصرة


  2. #2

    افتراضي

    موضوع متقن محكم محرر وفيه مجهود بارز ، ما شاء الله !!
    إن عرفتَ أنك مُخلط ، مُخبط ، مهملٌ لحدود الله ، فأرحنا منك ؛ فبعد قليل ينكشف البهرج ، وَيَنْكَبُّ الزغلُ ، ولا يحيقُ المكرُ السيء إلا بأهلِهِ .
    [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
    قال من قد سلف : ( لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، و يؤكد الجهل عليك ، و لكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق ) . [ جامع بيان العلم و فضله 1/148 ].

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء