المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو حب الله
أهلا بك أخي من جديد (وأعتذر عن الانقطاع المفاجيء لظروف الانشغال أعاننا الله وإياك)
بالنسبة لي : فأنا لم أشكك في محبتك لهذا الدين وكل ما فيه - بالعكس : قد أوضحت لك فقط من أين أوتيت للأسف في هذا التفكير أو الوساوس التي لديك
وعلى ذكر موضوع التطور
فأنت وقعت في مشكلة شبيهة جدا بشبهة التطوريين بالمناسبة ..!
حيث أنهم ينظرون إلى الإعجاز الرهيب في الأعضاء وتكاملها وغايتها ودقتها : فيقولون أنها هكذا لأنها لم تكن تصلح في النهاية بعد تجارب العشوائية واختيار الانتخاب الطبيعي إلا أن تكون هكذا !!
في حين أن العقل والمنطق يقولان أنها هكذا نتيجة فعل واختيار ومشيئة عليم حكيم خبير !!
فعلى نفس المنوال أنت تقول أن كل محاسن الرسول صلى الله عليه وسلم التي اطلعت أنت على بعضها : هي ليست منه ولم يتعب فيها وإنما صنعها له الله كلها !!
في حين لو صح ذلك : لكان في قولك للأسف اتهام لله تعالى (الذي تحبه) بالظلم وحاشاه !!
أتعرف لماذا ؟
لأن منزلة وثواب وأجر النبي صلى الله عليه وسلم الذين نص عليهم القرآن والسنة لن يكونوا مُستحقين له على فعل منه !!
في حين (ويا للعجب) : لم ترض أن تنسب لأكابر الصحابة نفس الكلام : رغم أنه لا لديك دليل على ما قلته في حق الرسول من القرآن والسنة : ولا لديك ما يمنع (بنفس النهج) أن تكرر ما قلته في حق الصحابة !! فلماذا الكيل هنا بمكيالين ؟!!
بل : وهذه الشبهة لو عممناها : لكان للناس حُجة على الله تعالى في ألا يطيعوه !! إذ يقولون : طاعة الله لا ولم يستطيعها إلا الذين (عصمهم) الله من الأنبياء والرسل !! فلن نستطيع أن نصبر مثل صبرهم !! ولا أن ننتظم في دينه مثلهم !! (ولذلك لم يُنزل الله تعالى ملائكة كرسل !!)
بل : ولكانت هناك حُجة لكل كافر أن يتوسع في هذه الشبهة ويقول : أن المؤمنين قد آمنوا لأن الله تعالى جهزهم لذلك !! وهداهم لذلك !! إلى آخر هذا الكلام
ولكان لكل مسلم ساعتها أن يقول مثلك أيضا (وطالما الأمر ليس فيه كسب من الرسول ولا تعب ومجاهدة نفس) :
لماذا لم يخترني أنا الله ويجعلني رسولا ؟!!!
فعلا : لماذا ساعتها وماذا سيكون الرد ؟!! أو ماذا سيكون ردك أنت لو وجه لك أحدهم هذا السؤال ؟!!
بل ........ (وهنا الأخطر) :
قد يذهب به شيطانه لعقد مقارنة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم !!
ولربما قال في نفسه : لقد كان النبي فقيرا وأنا غني (مثلا) !! أو كان كذا وأنا كذا .. أو كذا وأنا كذا ....!
وسبحان الله العظيم ....
إنها شبهة ووسوسة شيطانية قديمة وليست جديدة للأسف أخي الكريم .. ولازم قولها هو الطعن في الله تعالى : علمه وعدله !
يقول عز وجل :
" وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته " !!
هل تأملتها من قبل ؟
" الله أعلم حيث يجعل رسالته " ؟!!
ويقول تعالى عن شبهات الشيطان لهم في أنه لديهم مَن هو أفضل من رسول الله قدرا ومالا وجاها لاستحقاق الرسالة :
" وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " ؟!!
سبحان الله العظيم ...
----------------------------
والصواب أخي الكريم حتى لا أطيل عليك ...
الأنبياء والرسل هم أفضل البشر على الإطلاق - ولهذه الأفضلية ومناسبة الوحي : اختارهم الله عز وجل
ومَن اختاره الله تعالى لهذه المهمة الجليلة : فهو يرعاه منذ الصغر ليحميه من لمم المعاصي أو الأخطاء والذنوب التي تقدح في رسالته وفي أمانته وفي أخلاقه وفي سلوكياته .. فالأمر يتكامل من الطرفين
وللتشبيه فقط ولله المثل الأعلى :
عندما يكون لدى المدير نظر ثاقب في نوعية التلاميذ الصغار الذين عنده : فيرى أحدهم متميزا بشكل ملحوظ : فيقوم بتوليته رعاية خاصة تناسب هذا التميز ..
فهل يُقال هنا أن التلميذ صار متميزا لتولية المدير له بالرعاية الخاصة ؟
أم يقال أنه متميز ولكن أظهر ذلك التميز وثبته رعاية المدير له ؟!
ولله تعالى المثل الأعلى كما قلنا ...
يقول تعالى في حق موسى عليه السلام :
" ولتصنع على عيني "
ويقول في حق النبي صلى الله عليه وسلم :
" واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا "
ولذلك كله :
كانت لقصص الأنبياء والمرسلين الأهمية الخاصة في تعليم البشر محاسن الأخلاق والصبر على الدعوة والبلاء بمختلف صوره .. ولو لم يكن ذلك منهم بالكسب الشخصي والتميز أولا عن سائر الناس : لما كانوا أهلا للمدح من أحد !! إذ كيف تمدحهم فيما ليس لهم فيه يد ولا تعب ؟!
ومن هنا : أنصحك بقراءة كتب قصص الأنبياء (على ما قد تجد في بعضها من إسرائيليات للأسف) - ثم قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لتدرك مدى معاناته وصبره وتحمله الأذى وتميزه بالخير الذي تعلم منه صحابته كمثل أعلى وتعلم منه المسلمون :
فعن أبي حمزة عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت : " يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا ؟ قال : أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت : ذلك أن لك أجرين ؟ قال : أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها " !!
ولهذا وغيره : فإن المتدبر في كتاب الله القرآن ليرى كيف عاتب الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على بعض الأفعال أو الأقوال التي فعلها النبي بغير وحي فجانبه الصواب فيها (مثل حكمه في أسارى بدر ومثل توليه عن الأعمى ومثل تغاضيه عن المنافقين في الجهاد إلخ)
فالله الله أخي الكريم في دينك ....
فإن هؤلاء الصحابة الذين تحبهم (مثل أبي بكر وعمر) لو فهموا من رسول الله ما فهمته أنت لم تكن بلغة محبتهم له ما بلغت وهم أقرب منك إليه !! أفلا يستحق ذلك منك وقفة للتفكير ؟!
وعن نفسي : أجد واحدة من أكبر لذات حياتي عندما أنفرد بكتاب عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أو أحاديثه (مثل كتاب رياض الصالحين)
هدانا وهداك الله إلى ما يحب ويرضى
Bookmarks