السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

رحلة في عقل ملحد , ومحاولة لفهم الخلل في منهج الإلحاد

سنحاول في هذه الجولة السريعة إكتشاف منهج تفكير الملحدين، وكيف يستدل على عدم وجود الإله، وحتى إن افترض وجوده فهو ليس إله بلا مُوجد

تتميز طريقة تفكير الملحدين بخلط بين ثلاثة مفاهيم، السببية والغائية والكيفية، فهي وإن بدا بينها ترابط، إلا أن الملحد يراها كمفهوم واحد!ـ
عندما يتمكن العلم من معرفة "الكيفية" التي يعمل بها الكون، فالملحد يفترض أنه أجاب عن سؤال "السببية" بـ(لا)ولم يعد يحتاج للإجابة على سؤال "الغائية"؟

مثال للتبسيط:

إذا اكتشفنا "كيفية" عمل جهاز الكمبيوتر، فهل هذا يعني أنه جاء للوجود دون صانع؟
نحن لم نر المهندس الذي صمم الجهاز، ولا خطوات صناعته من المواد الأولية، لكننا تمكنا بعقولنا من سبر أغوار الجهاز ومعرفة مكوناته، وطريقة تفاعلها مع بعض والروابط البينية، بل وتخيّلنا خطوات صناعته،، وقد نتمكن من "محاكاة" الجهاز وصناعة نسخة منه!ـ

أين المشكلة؟:

هناك عدة أسئلة "مشوشة" في عقل الملحد، وهي:
ــ(1) الجهاز لا يحتاج لصانع لأننا تعرفنا على خطوات صناعته ومكوناته موجودة، والطريقة معروفةـ
ـ(2) إذا استطعنا تقليد الجهاز، فنحن أيضاً خلقنا، بافتراض أن الجهاز مخلوق!ـ
ــ(3) الغاية من الجهاز لا تهمنا! هو يستطيع عمل العديد من الأشياء وقد تكون إستخدامته لاحقة على صناعته!ـ

نعود بالزمن للوارء قليلاً،، قبل ظهور هذه الآلة (الكمبيوتر) للوجود كان "صورة" في ذهن المهندس، تخيّل شكله ومكوناته، وقد يرسمه على ورق، يضع عليه أرقام ورموز، وهو ما يُعرف بالـ
Blueprint
هذه الصورة ليست هي الجهاز، أضف إلى ذلك أن هناك "غاية" وسبب وهدف من صنع هذا الجهاز، قبل صناعته!
ولتحقيق هذا الهدف/الأهداف، صمّمه المهندس بشكل مُعين يُناسب الغاية التي سيُصنع لأجلها

نحن الآن في مرحلة ما قبل ظهور الجهاز للوجود، وعندنا صورتان له، أو كما تقول الفلسفة "علّتان" من العلل الأربعة للشيء، العلّة الغائية (لماذا) والعلّة (الصورية) وهي شكل الصنّعة في عقل الصانع

يقوم المهندس فيما بعد، أو من ينوب عنه بتنفيذ المرسوم في المخطط بدقة، بدايةً من إختيار المكونات، وترابطها بتريتب معيّن للوصول إلى المنتج النهائي.
المواد المستخدمة تُمثل العلّة المادية،
والصانع الذي يقوم بالتنفيد يُسمى العلّة الفاعلية.
المُخطط الذي يقوم الصانع بتنفيذه يُعرف في عالم الصناعة بـ "سر الصنعة" أو المُكوِّن المعرفي أو
Know how
وهو أهم مرحلة في أي صناعة وتحميها الشركات الكبرى بكل ما تملك (سر صناعة المشروبات الغازية، الخلطة السريّة لبعض المأكولات الشهيرة)، في أحيان كثيرة لا يكون الصانع الفاعل هو نفسه المهندس، ولهذا وُجد المخطط!ـ

نوجز ما تقدم:

هناك علل أربعة لأي شي موجود:
ــ1) علّة غائية: السبب من وجوده
ـ2) علّة صورية: صورته في ذهن الصانع قبل وجوده
ـ3) علّة مادية: مكوناته
ـ4) علّة فاعلية: كيفية صناعته وإيجاده ونقله من عالم الخيال إلى عالم الواقع

ملاحظ هامة:

العلّة الغائية تأتي في الترتيب الأول بالنسبة للصانع -منطقياً- فهو لن يصنع آلة مُعقّدة بمكونات عديدة ثّم يرى فيما يمكن إستخدامها!،
لكنها تأتي في الترتيب الأخير بالنسبة للمستخدم!
فهو يرى ويكتشف إستخدامات الجهاز بعد أن يظهر للوجود


ملاحظة أخرى أهم!:

العلّة المادية هي الوحيدة التي تخضع للأدلة الحسيّة "المادية"، نراها ونلمسها ونعرف خصائصها الكيمائية والفيزيائية.
العلّة الفاعلية، يُمكن الإستدلال عليها مادياً في بعض أجزائها، وعقلياً في أجزاء أخرى، نتصوّر عقلاً خطوات الصناعة وإن لم نراها.
العلّة الصورية: يستحيل الإحاطة بها ولا دليل قطعي عليها بتفاصيلها إلّا ما يرويه المصمم!
العلّة الغائية: قد نُدرك بعض جوانبها بالأدلة العقلية، لكن معرفة (كل) أهداف وغايات الصنّعة لن نتوصل إليها إلّا عن طريق الصانع!

واضح إلى الآن؟
أتمنى ذلك


كيف يفكر الملحد؟

الملحد عندما تمكن من معرفة الكيفية التي تم صناعة الآلة بها، بدايةّ من المخطط "الشفرة الوراثية على سبيل المثال" ومروراً بمراحل الصناعة "التطور أو خلق الجنين على سبيل المثال" ونهاية بظهور الكائن الحي =الإنسان، بقدراته،، تصوّر أنه لم يعد بحاجة للصانع!ـ
أو لم يعد هناك حاجة لإفتراض وجود صانع!ـ
وللهروب من سؤال "الغائية"، إفترض الصدفة كإجابة ولهذا ليست هناك غاية أو هدف من ظهور الحياة بهذا الشكل!ـ

لماذا؟

لأن إفتراض الغائية ومحاولة الإجابة عن "لماذا؟" تقتضي إفتراض وجود ذات "قبل" الحياة/الكون، وهو ما سيجعله يعترف بوجود ذات خارج الزمان والمكان، لها غاية من وراء الخلق، وصورة لما سيكون عليه الخلق، وفاعلية أوجدت هذا الخلق على النحو الذي أرادته، وللسبب الذي ستخلقه عليه،
وهذا تم من مواد ومكونات، بكيفية لم يحجبها الصانع!ـ

سؤال:

ماذا لو تمكن الإنسان من "تقليد" الصنعة؟
التقليد لا يعني الخلق من عدم!ـ
سر الصنعة هو المحك والتحدي!ـ
مكونات محرك أفخم سيارة في العالم قد لا تساوي بضعة مئات من الدولارات لو تم بيعها قطعاً متناثرة كلٌ على حده.
ثمن المحرك في التعقيد الذي تترابط به هذه المكونات لتحقيق الوظيفة المطلوبة منها، وهذا هو سر الصنعة، وليس نوعية المكونات!ـ

وعليه، فالمواد التي تتكون منها الكائنات الحية متوفرة، والرسم الهندسي الذي يبيّن آلية عمل هذه المكونات أصبح معروفاً لدى العلماء "الشفرةالوراثية"، إذا فتقليد الصنعة لم يعد مُستحيلاً! ـ


تجربة العالم "كريج فنتر" في 2010 فيما عُرف بخلق خلية حية في المعمل، كان أقرب لإعادة برمجة برنامج تشغيل ووضعه على قرص مضغوط وتحميله على جهاز كمبيوتر بعد إزالة برنامج التشغيل القديم!، كريج فنتر لم يخلق حياة من لا شيء، أو حتى لم يخلق حياة من مكونات مختلفة عن أي خلية حية، هو لم يقترب حتى من خلق حياة، بل قام بتقليد الشفرة الوراثية للبكتريا في المعمل، مع إضافة برنامج معين مكتوب بنفس اللغة التي تكتب به الشفرات الوراثية، وزرع هذا المنتج النهائي في خلية بعد إزالة الجينوم الأصلي منها، فلا هو خلق الخلية، ولا هو خلق جينوم من مكونات مُغايرة، ولا حتى خلق لغة للكتابة غير الموجودة داخل الجينوم!ـ

حتى لو تمكن العلم في يومٍ ما من خلق حياة في المعمل، فالتحدي الذي يواجهه هو خلق حياة من عدم!، أو على أقل تقدير، خلق حياة بمكونات وآلية ومخطط يختلف تماماً عن المكونات والآلية والرسم الهندسي الذي يُنظم عملية الخلق والصيانة!ـ


سؤال هام: ما الفرق بين أسماء الله الحسنى: الخالق والبارئ والمُصوّر؟
الخالق: المُقدِّر، فخلق الشيء يعني تقدير وجوده ويعني أيضاً المُقلِّب للشيء!
كما ورد في قوله تعالى
"يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ"
الزُّمَرِ: 6
فالخلق قد يعني الخلق من عدم، أو التقليب من طور إلى طور آخر، والمعنى الأخير يقوم به الإنسان، لكن المعنى الأول هو مما اختص الله به ذاته.

البارئ:المُنشئ من عدم إلى الوجود، أو المُنفِّذ، وهي صفة "إظهار" ما قدّره الله

المُصوِّر: تنفيذ ما قدّره الله على الصورة التي يريدها

الإعجاز في الإيجاد من عدم، وهذا يستحيل على كل الخلق.
والإعجاز في كتابة "سر الصنعة" وليس في مكونات وكيفية الصناعة


الله سبحانه وتعالى لم يحجب سر الصنعة، بالعكس فنحن مأمورون بالبحث عن سر الصنعة (= كيف)
"قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ"
العنكبوت: 20
أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ
وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ
وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ
الغاشية: 17-20
الآيات اللاحقة تُبين دورنا ولمن الخطاب، وجزاء المكابر!ـ


هذا أبلغ في الإعجاز والتحدي!
فالخالق لم يحتفظ بسر الصنعة ، بالعكس فالمكونات متوافرة أمامنا والرسم الهندسي مكننا الله من قراءته!

إذاً أين المعجزة؟

المعجزة هي ما الذي يجعل ترتيب الأحماض الأمينية على هذا النحو يمتلك من القدرة على تشفير ملايين المعلومات والأعجب تحويل هذه المعلومات إلى كائن حي!

مثال للتوضيح:

تخيّل رواية طويلة جداً مكتوبة فقط من لغة مكوّنة من أربعة حروف!
ليس هذا فحسب،
الرواية تحوي ملايين الصفحات ومحفوظة على شريط بحجم رأس الدبوس!
ليس هذا فحسب!!
الرواية تصف الشخصيات الرئيسية على نحو دقيق للغاية، وصف للشكل الخارجي وطريقة الحركة والكلام، ووصف للطباع وما يختلج في النفوس.
وليس هذا فحسب!
هذه الرواية لديها القدرة على تحويل هذه المعلومات إلى كائنات حية
Morphogenesis
بنفس الأوصاف المكتوبة بالتفصيل وبِلُغَةٍ من أربعة حروف، على مساحة أقل من رأس الدبوس!

حالياً يعكف العلماء على إستخدام الشريط الوراثي ـDNAـ كقرص صلب لتخزين المعلومات، ويمكن لجرام واحد منه حفظ ما يقرب من 700 تيرابيت من المعلومات (1 تيرا = 1000 جيجابيت، مساحة الدي في دي = 4.7 جيجابيت)
700 تيرابيت، تعني تخزين كل الإنتاج البشري المكتوب منذ إختراع الكتابة!
جرام واحد في ظروف تخزين سهلة (محيط بارد جاف ومظلم) يمكنه الإحتفاظ بالمعلومات لملايين السنين، وبقدرة إسترجاع 99-100% (ما صنعته عقول البشر من وسائط التخزين لا يعيش لعشرات السنين)ـ
رجاءً: لا تقول أن هذا جاء بالصدفة!!

نحن الآن نعرف "الكيفية" التي تحدث بها هذه المراحل،ولكن لم ولن نستطيع كتابة شفرة بلغة أخرى ومكونات أخرى وبآلية عمل مغايرة!

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ"
الحج: 73


الآن: أين الخلل في عقل الملحد؟
معرفة الكيفية عنده تساوي الإستغناء عن السببية!ـ
والإستغناء عن السببية يعني لا معنى للسؤال عن الغائية!ـ
فهو أجاب على السؤال بمن ولماذا، من خلال إجابته على السؤال بكيف !


من خلق الكون والحياة؟ولماذا كان الخلق.
يكون جواب الملحد: لقد عرف العلم كيف حدث الخلق!ـ


هذه ليست الإجابة !


نعود إلى مثال جهاز الكمبيوتر:

قد تتمكن من تفكيك الجهاز، ومعرفة مكوناته وتحاول إعادة تركيبه، ولكن يستحيل عليك معرفة "ذات" الصانع من خلال النظر للجهاز ومكوناته وطريقة عمله!ـ
قد تعرف بعضاً من صفاته، وقدراته، لكن يستحيل عليك معرفة ذاته

قد تتمكن أيضاً من معرفة (بعض) إستخدامات الجهاز دون الحاجة لدليل الإستخدام، لكن يستحيل عليك أيضاً معرفة (كل) إستخدامات الجهاز دون مساعدة من الصانع أو الشركة أو أحد آخر

من السذاجة أن يتصور أحد أن "أسرار الويندوز أو أسرار الأيباد/ الأيفون" لا يعرفها الصانع، أو لم يُرد لها أن تكون على النحو الذي هي عليه!ـ


ما زلنا في المثال السابق (عندما تُفكر أجهزة الكمبيوتر!!):ـ
معظمنا يعرف أن لغة الحواسب الآلية هي الثنائية (صفر/واحد) ،
نتخيّل الآن أن هذه الحواسب لها عقل وإدراك، تعالوا نتأمل هذا الحوار بينهم:ـ

كيف يستطيع المهندس الذي صمّمنا العمل، هل هو يُشحن بالكهرباء أم عنده بطارية شحن عملاقة؟؟

من الذي قام بتوصيل أجزاء المهندس ببعضها البعض، نحن لا نرى أي براغي أو مفاصل؟؟

سمعنا المهندس يقول إنه "يُحب" هذه الأغنية، و"يكره" الأخرى، فماذا يعني هذا؟

المهندس يتحدث بلغة، لكنها ليست اللغة التي نتكلم بها؟!؟

الحواسب لا تعرف معنى الحب والكراهية والإستمتاع والملل، لا تعرف حتى أن عقولنا تحسب 1+1 بشكل يختلف عن الطريقة التي تحسب بها نفس المعادلة!ـ

من السذاجة أن تتخيل الحواسب أننا مرتبطون حيوياً بالكهرباء أو بطاريات شحن!ـ
كما أنه من السذاجة أن يتصور الإنسان أن الخالق لابد أن يكون على صورته من العجز والقصور!ـ

قياس التمثيل هو أحد المعضلات المنطقية التي أوردت الملحدين هذا المهلك!ـ

ما هو قياس التمثيل؟:

هو حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما
أو
انتقال الذهن من حكم معين إلى حكم معين، لاشتراكهما في ذلك المعنى المشترك الكلي.

مثال للتوضيح:

نحن لنا ذات موجودة، ونسمع ونرى ونتكلم، ولنا مُوجد..
الله له ذات، ويسمع ويرى، إذاً له مُوجد!ـ

بمعنى آخر:

بما أن لكل سبب مُسبب، ولكل موجود مُوجِد، فالله لابد له من مُسبب، لأنه "يشترك" معنا في أن له ذات موجودة!

أين الخلل في هذا الإستنتاج؟

الله ليس كمثله شيء!ـ
مهندس الكمبيوتر ليس كأجهزة الكمبيوتر!ـ

مهما حاولنا أن نشرح لأجهزة الكمبيوتر أن هناك ذوات لا تحتاج لشحن كهربائي، وأنها لا تتركب من براغي وحديد ومعادن، وأنها تتكلم بلغة غير (صفر/واحد) بل وأيضاً عندها ملكات الشعور، الذي لا تعرف الحواسيب عنه شيئاً ، فيستحيل أن تفهمنا الحواسيب!
لأن إدراكاتها قاصرة..

مثال صارخ في حياتنا اليومية يرد على منهج الملحد:

لو دخلت الغرفة وجدت زوجتك وإبنك الرضيع نائمان على الأرض، ثم خرجت وعدت بعد فترة، ووجدت زوجتك تُشاهد التلفاز في الصالة، وإبنك الرضيع على السرير،
أي السؤالين منطقي:ـ
من الذي نقل زوجتي من الغرفة للصالة؟
من الذي رفع الرضيع من الأرض للسرير؟

عقل الملحد سيفترض أن زوجتك لابد لها ممن ينقلها من الغرفة للصالة، بما أن الرضيع يحتاج لأحد كي يرفعه من الأرض للسرير!ـ

مشكلة الملحد في خلل المنهج الذي يُفكر به، خلط في المفاهيم، وسوء إستخدام للمنطق (يعكس جهلاً أو تعمداً)ـ
لماذا الهروب من فكرة "وجود إله"؟
هل هو الهروب من تبعات هذه الفكرة؟ التكاليف والحساب؟

الملحدون لا "ينكرون" وجود الله، بل "يكرهون" وجوده!
لأنه يُنازعهم سُلطانهم على أنفسهم!!

غاية ما نستطيع عمله، هو إعادة ترتيب للأدلة العقلية ووضعها في مكانها الصحيح، ثم ترك الملحد ليفكر في ضوء المنهج العقلي المنطقي، كما وضعه العلماء!ـ

"فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ"
الطور: 29

"أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ"
الطور: 35

تأمّل: الله سبحانه وتعالى لم يضع الجواب الصحيح من ضمن الخيارات!،
فالإحتمالات العقلية للخلق، إما أنه من دون مُسبب، أو بمُسبب
وهذا السبب إما أننا خلقنا أنفسنا!
أو أن الله خلقنا..
الإحتمال الأخير الصحيح لم يرد في الآية، بل تركه الله للعقل المتدبر يهتدي إليه!

سؤال: هل يُمكن للعقل أن يُعاند في المنطق؟

القرآن يجيب:
"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ"
الجاثية:23

ويقول أيضاً:

"أَرَأيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأنت تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً"
الفرقان: 43


ختاماً:

الله سبحانه وتعالى (خارج) الزمان والمكان، لأنه خلقهما فهو لا يخضع لهما!
الأمثلة السابقة هي للتوضيح فقط، فالله -عز وجل- لم يطرأ عليه طاريء، فهو لم يتصور الخلق بعد أن لم يكن يتصوره، ثم قرر أن يخلقه!ـ
ليس عند الله ماضي وحاضر ومستقبل، هذه التعريفات متعلقة بالزمن المخلوق، والله لا يخضع للزمن..

قبل أن يغترّ أحدنا بعقله، فعقول البشر "يستحيل" عليها تصوّر وجود "أزلي" بلا بداية!
نعم نستطيع تصوّر وجود أبدي بلا نهاية، ولكن الأزلي لا!ـ

عقولنا قاصرة على تصور بعض المفاهيم، فكيف بإدراك ذات الله ؟؟

إذا كنّا مأمورين من الخالق -عز وجل- بالتفكر في خلقه، فنحن أيضاً مأمورون بالتوقف عن التفكير في ذاته!ـ
"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"
الشورى: 11

وورد في الحديث الشريف:عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله"
الطبراني


""لا يستطيع المحدود إدراك شئ غير محدود""


سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ
وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

ملاحظة هامة: هذا الموضوع الرائع نقلته من صفحة الدكتور احمد جلال (جزاه الله جيراً).