بسم الله الرحمن الرحيم.

هذه النقولات التى اطلعت عليها من كلام شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله وغفر له واسكنه فسيح الجنات وقدس روحه.


وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "إن تكفير المُعَيَّن وجواز قتله، موقوف على أن تبلغَه الحجة النَّبويَّة، التي يَكْفُر مَن خَالَفَها، وإلاَّ فليس مَن جهل شيئًا مِن الدِّين يَكْفُر"""الاستغاثة" 1/ 381، 382.


وقال شيخ الإسلام أيضًا عند كلامه على بعض المُكَفِّرات: "لكن مِن الناس مَن يكون جاهِلاً ببعض هذه الأحكام جهلاً يُعْذَر به، فلا يُحْكَم بكُفْر أحدٍ، حتى تقومَ عليه الحجة مِن جهة بلاغ الرِّسالة"مجموع الفتاوى" 11/ 406.


قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:

(إن المتأول الذي قصده متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكفر ولا يفسق، إذا إجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية، أما مسائل العقائد فكثير من الناس كفر المخطئين فيها، وهذا القول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن أحد من أئمة المسلمين، إنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم كالخوارج والمعتزلة والجهمية، ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم)
منهاج السنة النبوية: 5/239 - 240.

قال ابن تيمية رحمه الله: (والخوارج تكفر أهل الجماعة وكذلك المعتزلة يكفرون من خالفهم وكذلك الرافضة، ومن لم يكفر فسق، وكذلك أكثر أهل الأهواء يبتدعون رأياً ويكفرون من خالفهم فيه، وأهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكفرون من خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق)
منهاج السنة النبوية: 5/158.


قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فالمجتهد المستدل - من إمام وحاكم وعالم وناظر ومناظر ومفت وغير ذلك - إذا اجتهد واستدل، فاتقى الله ما استطاع، كان هذا هو الذي كلفه الله إياه، وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع، ولا يعاقبه الله البتة خلافاً للجهمية المجبرة، وهو مصيب بمعنى أنه مطيع لله لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر، وقد لا يعلمه خلافاً للقدرية والمعتزلة في قولهم: كل من استفرغ وسعه علم الحق، فإن هذا باطل كما تقدم، بل كل من استفرغ وسعه استحق الثواب) منهاج السنة النبوية: 5/111.



قال ابن تيمية: (هذا قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي - إمام أهل الظاهر - وغيرهم: لا يؤثمون مجتهداً مخطئاً لا في المسائل الأصولية ولا في الفرعية، كما ذكر ذلك ابن حزم وغيره، ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ويصححون الصلاة خلفهم، والكافر لا تقبل شهادته على المسلمين ولا يصلى خلفه.

وقالوا: هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين، أنهم لايكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحداً من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة عملية ولا علمية. قالوا: والفرق بين مسائل الأصول والفروع إنما هو من أقوال أهل البدع من أهل الكلام والمعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم، وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلمو بذلك في أصول الفقه ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غوره) منهاج السنة النبوية5/87


وقال رحمه الله: "لكن المقصود هنا أنه لا يجعل أحد بمجرد ذنب يذنبه ولا ببدعة ابتدعها -ولو دعا الناس إليها- كافراً في الباطن إلا إذا كان منافقاً؛ فأما من كان في قلبه الإيمان بالرسول وما جاء به وقد غلط في بعض ما تأوله من البدع؛ فهذا ليس بكافر أصلاً، والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتالاً للأمة وتكفيراً لها، ولم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره؛ بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع. وكذلك سائر الثنتين والسبعين فرقة من كان منهم منافقاً فهو كافر في الباطن، ومن لم يكن منافقاً بل كان مؤمناً بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافراً في الباطن وإن أخطأ في التأويل كائناً ما كان خطؤه، وقد يكون في بعضهم شعبة من شعب النفاق ولا يكون فيه النفاق الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار. ومن قال: إن الثنتين والسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفراً ينقل عن الملة فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؛ بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة؛ فليس فيهم من كفر كل واحد من الثنتين وسبعين فرقة" (مجموع الفتاوى 7/217-218)


"ولكن المقصود هنا أن مذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل بين النوع والعين، ولهذا حكى طائفة عنهم الخلاف في ذلك، ولم يفهموا غور قولهم؛ فطائفة تحكي عن أحمد في تكفير أهل البدع روايتين مطلقاً حتى تجعل الخلاف في تكفير المرجئة والشيعة المفضلة لعلي، وربما رجحت التكفير والتخليد في النار، وليس هذا مذهب أحمد ولا غيره من أئمة الإسلام؛ بل لا يختلف قوله أنه لا يكفر المرجئة الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل ولا يكفر من يفضل علياً على عثمان؛ بل نصوصه صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم، وإنما كان يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته؛ لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرة بينة، ولأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق، وكان قد ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم، وأنه يدور على التعطيل، وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة، لكن ما كان يكفر أعيانهم () فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به، والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط، والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقبه، ومع هذا؛ فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية: إن القرآن مخلوق وإن الله لا يرى في الآخرة وغير ذلك، ويدعون الناس إلى ذلك ويمتحنونهم ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم ويكفرون من لم يجبهم حتى أنهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لم يطلقوه حتى يقر بقول الجهمية: إن القرآن مخلوق وغير ذلك. ولا يولون متولياً ولا يعطون رزقاً من بيت المال إلا لمن يقول ذلك، ومع هذا فالإمام أحمد رحمه الله تعالى ترحم عليهم، واستغفر لهم لعلمه بأنهم لمن يبين لهم أنهم مكذبون للرسول، ولا جاحدون لما جاء به، ولكن تأولوا فأخطئوا وقلدوا من قال لهم ذلك ()"اهـ (مجموع الفتاوى 23/348-349)


قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لم تكفِّر الصحابة الخوارجَ، مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومَن والاهُما، واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفين لهم""منهاج السنة" 5/ 95


ومن أجل هذا المانع أيضًا - وهو مانع التأويل - صرَّح بعض العلماء بعدم تكفير بعض المعيَّنين من الجهمية، الذين يعتقدون بعض الاعتقادات الكفرية في صفات الله - تعالى منهج ابن تيمية في التكفير" 1/ 198، 199.




قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "المحفوظ عن أحمدَ وغيرِه من الأئمة، إنما هو تكفير الجهمية المُشَبِّهة وأمثال هؤلاء... مع أن أحمدَ لم يكفِّر أعيان الجهمية، ولا كل مَن قال: "إنه جهمي" كفَّره، ولا كل مَن وافق الجهمية في بعض بدعهم؛ بل صلَّى خلف الجهمية الذين دعَوْا إلى قولهم، وامتحنوا الناس، وعاقبوا مَن لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفِّرهم أحمدُ وأمثاله؛ بل كان يعتقد إيمانَهم وإمامتهم، ويدعو لهم، ويرى الائتمام بهم في الصلوات خلفهم، والحج والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم، ما يراه لأمثالهم من الأئمة"؛ انتهى كلام شيخ الإسلام ملخصًامجموع الفتاوى" 7/ 507، 508

وقال شيخ الإسلام أيضًا، بعد ذِكره لقصة قدامة، ولقصة الذي طلب من أولاده أن يحرقوا جسده بعد موته السابقتين: "ولهذا كنتُ أقول للجهمية من الحلولية والنُّفاة، الذين نفوا أن الله - تعالى - فوق العرش، لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافرًا؛ لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون؛ لأنكم جُهَّال، وكان هذا خطابًا لعلمائهم، وقضاتهم، وشيوخهم، وأمرائهم، وأصلُ جهلهم شبهاتٌ عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من معرفة المنقول الصحيح، والمعقول الصريح الموافق له""الاستغاثة" 1/ 383، 384