النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: عقيدة أهل السنة في كلام الله والقرآن المعجز

  1. افتراضي عقيدة أهل السنة في كلام الله والقرآن المعجز

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله
    قال الإمام السفاريني في لوامع الأنوار البهية
    و ) يجب له - سبحانه وتعالى - ( الكلام ) ، أي [ ص: 133 ] يجب الجزم بأنه - تعالى - متكلم بكلام قديم ذاتي وجودي ، غير مخلوق ولا محدث ولا حادث ، لا يشبه كلام الخلق ، قال شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين ابن تيمية في شرح " رسالة الأصفهاني " الإمام المتكلم الأشعري : قد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الله - تعالى - متكلم بكلام قائم بذاته ، وأن كلامه - تعالى - غير مخلوق ، وأنكروا على الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم في قولهم : إن كلامه - تعالى - مخلوق ، خلقه في غيره ، وأنه كلم موسى بكلام خلقه في الشجرة ، وكلم جبريل بكلام خلقه في الهواء ، واتفق أئمة السلف على أن كلام الله منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود . قال : ومعنى قولهم منه بدأ : أي هو المتكلم به ، لم يخلقه في غيره ، كما قالت الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم بأنه بدأ من بعض المخلوقات ، وأنه - سبحانه - لم يقم به كلام . قال : ولم يرد السلف أنه كلام فارق ذاته ، فإن الكلام وغيره من الصفات لا يفارق الموصوف ، بل صفة المخلوق لا تفارقه وتنتقل إلى غيره ، فكيف صفة الخالق تفارقه وتنتقل إلى غيره ؟ ولهذا قال سيدنا الإمام أحمد : كلام الله ليس ببائن من خلقه في بعض الأجسام . قال شيخ الإسلام : ومعنى قول السلف " وإليه يعود " ، ما جاء في الآثار " إن القرآن يسرى به حتى لا يبقى في المصاحف منه حرف ، ولا في القلوب منه آية ، وما جاءت به الآثار عن النبي المختار - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين لهم بإحسان وغيرهم من أئمة المسلمين ، كالحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند ، وكتبه إلى المتوكل في رسالته التي أرسل بها إليه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه . يعني القرآن ، وفي لفظ : " بأحب إليه مما خرج منه " ، وقول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لما سمع كلام مسيلمة - إن هذا كلام لم يخرج من ال - أي من رب ، وقول ابن عباس - رضي الله عنهما - لما سمع قائلا يقول لميت لما وضع في لحده : اللهم رب القرآن ، اغفر له ، فالتفت إليه ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال : مه ، القرآن كلام الله ليس بمربوب ، منه بدأ وإليه يعود . وهذا الكلام معروف عن ابن عباس - رضي الله عنهما .

    وقول السلف : القرآن كلام الله غير [ ص: 134 ] مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، كما استفاضت الآثار عنهم بذلك ، كما هو منقول عنهم في الكتب المسطورة بالأسانيد المشهورة ، ( قال ) شيخ الإسلام في شرح " الأصفهانية " : وهذه الروايات لا يدل شيء منها على أن الكلام يفارق المتكلم وينتقل إلى غيره ، وإنما تدل على أن الله هو المتكلم بالقرآن ومنه سمع ، لا أنه خلقه في غيره ، كما فسره بذلك الإمام أحمد - رضي الله عنه - وغيره من الأئمة ، قال أبو بكر الخلال : سئل الإمام أحمد عن قوله : القرآن كلام الله ، منه خرج وإليه يعود ، فقال الإمام أحمد : منه خرج هو المتكلم به ، وإليه يعود يعني ما قدمنا . فإن قيل : هل كلام الباري - جل وعلا - صفة ذات أو صفة فعل ؟ فالجواب مذهب سلف الأمة ومحققي الأئمة ، أنه صفة ذات وفعل معا ، فإن صفة الكلام لله - عز شأنه - ثابتة بإجماع الأنبياء على ذلك ، فيتكلم إذا شاء ومتى شاء بلا كيف ، فإن الكلام صفة كمال لا نقص فيه ، فالرب أحق أن يتصف بالكلام من كل موصوف بالكلام ، إذ كل كمال لا نقص فيه يثبت للمخلوق ، فالخالق أولى به ; لأن القديم الواجب الخالق أحق بالكمال المطلق من المحدث الممكن المخلوق ، ولأن كل كمال يثبت للمخلوق فإنما هو من الخالق ، وما جاز اتصافه به من الكمال وجب له ، فإنه لو لم يجب له لكان إما ممتنعا ، وهو محال بخلاف الفرض ، وإما ممكنا فيتوقف ثبوته له على غيره ، والرب - تعالى - لا يحتاج في ثبوت كماله إلى غيره ، فإن معطي الكمال أحق بالكمال ، فيلزم أن يكون غيره أكمل منه لو كان غيره معطيا له الكمال ، وهذا محال ، بل هو - جل شأنه - بنفسه المقدسة مستحق لصفات الكمال ، فلا يتوقف ثبوت كونه متكلما على غيره ، فيجب ثبوت كونه متكلما وأن ذلك لم يزل ولا يزال ، والمتكلم بمشيئته وقدرته أكمل ممن يكون الكلام لازما له بدون قدرته ومشيئته ، والذي لم يزل يتكلم إذا شاء أكمل ممن صار الكلام يمكنه بعد أن لم يكن الكلام ممكنا له ، وحينئذ فكلامه ( قديم ) مع أنه يتكلم بمشيئته وقدرته .

    ( وقال ابن كلاب ) ومن وافقه : كلامه - تعالى - صفة ذات لازم لذاته كلزوم الحياة ، ليس هو متعلقا بمشيئته وقدرته ، بل هو قديم كقدم الحياة ، إذ لو - قلنا إنه بقدرته ومشيئته ، لزم أن يكون حادثا ، فيلزم أن يكون [ ص: 135 ] مخلوقا أو قائما بذات الرب ، فيلزم قيام الحوادث به ، وذلك يستلزم تسلسل الحوادث ; لأن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده ، قالوا : وتسلسل الحوادث ممتنع إذ التفريع على هذا الأصل . ثم إن هؤلاء لما قالوا بقدم عين الكلام تنازعوا ، فقالت طائفة : القديم لا يكون حروفا ولا أصواتا ; لأن الصوت يستحيل بقاؤه كما يستحيل بقاء الحركة ، وما امتنع بقاؤه امتنع قدم عينه بطريق الأولى والأحرى ، فيمتنع قدم شيء من الأصوات المعينة ، كما يمتنع قدم شيء من الحركات المعينة ; لأن تلك لا تكون كلاما إلا إذا كانت متعاقبة ، والقديم لا يكون مسبوقا بغيره ، فلو كانت الميم من بسم الله قديمة مع كونها مسبوقة بغيرها ، لكان القديم مسبوقا بغيره ، وهذا ممتنع ، فيلزم أن يكون القديم هو المعنى فقط ، ولا يجوز تعدده ; لأنه لو تعدد ، لكان اختصاصه بقدر دون قدر ترجيحا بلا مرجح ، وإن كان لا يتناهى لزم وجود أعداد لا نهاية لها في آن واحد ، قالوا : وهذا ممتنع ، فيلزم أن يكون معنى واحدا هو الأمر والنهي والخبر وهو معنى التوراة والإنجيل والزبور والفرقان . قال شيخ الإسلام ابن تيمية - روح الله روحه : وهذا أصل قول الكلابية والأشعرية ومن وافقهم .

    وقالت طائفة من أهل الكلام والحديث والفقهاء وغيرهم : إنه حروف قديمة الأعيان ، لم تزل ولا تزال ، وهي مترتبة في ذاتها لا في وجودها ، كالحروف الموجودة في المصحف ، وليس بأصوات قديمة . ومنهم من قال : بل هو أصوات أيضا قديمة . ولم يفرق هؤلاء بين الحروف المنطوقة التي لا توجد إلا متعاقبة ، وبين الحروف المكتوبة التي توجد في آن واحد ، كما يفرق بين الأصوات والمداد ، ويمتنع أن يكون الصوت المعين قديما ; لأن ما وجب قدمه لزم بقاؤه وامتنع عدمه ، والصوت لا يبقى . وأما الحروف المكتوبة فقد يراد بها نفس الشكل القائم بالمداد ، أو ما يقدر بقدر المداد ، كالشكل المصنوع في حجر أو ورق بإزالة بعض أجزائه ، وقد يراد بالحروف نفس المداد . وأما الحروف المنطوقة ، فقد يراد بها أيضا الأصوات المقطعة المؤلفة ، وقد يراد بها حدود الأصوات وأطرافها ، كما يراد بالحرف في الجسم حده [ ص: 136 ] ومنتهاه ، فيقال : حرف الرغيف وحرف الجبل ، ومنه قوله - تعالى : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ) ، وقد يراد بالحروف الحروف الحالية ، وهو ما يتشكل في باطن الإنسان من الكلام المؤلف المنظوم قبل أن يتكلم به . وقد تنازع الناس ، هل يمكن وجود حروف بدون أصوات في الحي الناطق ؟ على قولين لهم ، وعلى هذا تنازعت هذه الطائفة القائلة بقدم أعيان الحروف ، هل تكون قديمة بدون أصوات ، أم لا بد من أصوات قديمة لم تزل ولا تزال ؟ ثم القائلون بقدم الأصوات المعينة تنازعوا في المسموع من القارئ ، هل يسمع منه الصوت القديم ؟ فقيل : المسموع منه هو الصوت القديم ، وقيل : بل صوتان : أحدهما القديم ، والآخر المحدث ، فما لا بد منه في وجود القرآن فهو القديم ، وما زاد على ذلك فهو المحدث . وقيل : بل الصوت القديم غير المسموع من العبد . وهذا كله كلام من لا يعول على كلامه من الفرق المائلة . والذين قالوا إن كلامه - تعالى - صفة فعل ، هم الذين يقولون إن القرآن مخلوق ، وبين الفريقين بون ، الأولون يقولون إن التكليم والنداء ليس إلا مجرد خلق إدراك المخلوق ، بحيث يسمع ما لم يزل ولا يزال ، لا أنه يكون هناك كلام يتكلم الله به بمشيئته وقدرته ولا تكليم ، بل تكليمه عندهم جعل العبد سامعا لما كان موجودا قبل سمعه بمنزلة جعل الأعمى بصيرا لما كان موجودا قبل رؤيته عن غير إحداث شيء منفصل عن الأعمى ، فعندهم لما جاء موسى لميقات ربه سمع النداء القديم لا أنه حينئذ نودي ، ولهذا يقولون : إنه يسمع كلامه لخلقه بدل قول الناس إنه يكلم خلقه . وأما الآخرون وهم الخلقية الذين يقولون : إن القرآن مخلوق ، خلقه الله - تعالى - في جسم من الأجسام المخلوقة ، كما هو قول الجهميين الذين قالوا بخلق القرآن من المعتزلة والنجارية والضرارية ، ولا يخفى أن قوله - تعالى : ( منزل من ربك ) مبطل لهذا ولقول من يقول : إن القرآن العربي ليس منزلا من الله ، بل مخلوق ، إما في جبريل أو محمد أو الهواء ، أو ألهمه جبريل أو محمد أو الهواء ، أو ألهمه جبريل فعبر عنه بالقرآن العربي ، أو يكون أخذه جبريل من اللوح المحفوظ أو غيره ، فهذا قول من يقول [ ص: 137 ] : إن القرآن العربي ليس هو كلام الله ، وإنما كلامه المعني القائم بذاته ، والقرآن العربي خلق ليدل على ذلك المعنى ، وهذا قول الكلابية والأشعرية في نفس القرآن العربي الذي جاء به جبريل من رب العالمين ، فبلغه للنبي الأمين ، وأخبرنا الله ورسوله أنه كلام رب العالمين ، نزل به الروح الأمين . وقالت طائفة : بل الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم ، ويمتنع أن يكون كلامه مخلوقا في غيره ، والحق - جل شأنه - متكلم بمشيئته وقدرته ، فيكون كلامه حادثا كان بعد أن لم يكن ، وهذا قول الكرامية ومن نحا نحوهم ، ثم من هؤلاء من يقول : كلامه كله حادث لا محدث ، ومنهم من يقول هو حادث ومحدث .

    مذهب السلف في الكلام

    وتحرير مذهب السلف أن الله - تعالى - متكلم كما مر ، وأن كلامه قديم ، وأن القرآن كلام الله ، وأنه قديم حروفه ومعانيه ، وقد توعد الله - جل شأنه - من جعله قول البشر بقوله : ( إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر ) ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بشر ، فمن قال إنه قول محمد فقد كفر ، ولا فرق بين أن يقول بشر أو جني أو ملك ، فمن جعله قولا لأحد من هؤلاء ، فقد كفر . وأما قوله - تعالى : ( إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر ) ، فالمراد أن الرسول بلغه عن مرسله ، لا أنه قوله من تلقاء نفسه ، وهو كلام الله الذي أرسله ، كما قال : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، فالذي بلغه الرسول هو كلام الله لا كلامه ، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على الناس في المواسم ، ويقول : " ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي ، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي " . رواه أبو داود وغيره ، والكلام كلام من قاله مبتدئا به ، لا كلام من قاله مبلغا مؤديا ، وموسى - عليه السلام - سمع كلام الله من الله بلا واسطة ، والمؤمنون يسمعه بعضهم [ ص: 138 ] من بعض ، فسماع موسى مطلق بلا واسطة ، وسماع الناس مقيد بواسطة ، كما قال - تعالى : ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ) ، ففرق بين التكليم من وراء حجاب كما كلم موسى وكلم نبينا - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء ، وبين التكليم بواسطة الرسول كما كلم سائر الأنبياء بإرسال رسول إليهم ، والناس يعلمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تكلم بكلام ، تكلم بحروفه ومعانيه بصوته - صلى الله عليه وسلم ، ثم المبلغون عنه يبلغون كلامه بحركاتهم وأصواتهم ، كما قال - صلى الله عليه وسلم : " نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه كما سمعه " ، فالمستمع منه يبلغ حديثه كما سمعه لكن بصوت نفسه لا بصوت الرسول ، فالكلام كلام الرسول ، تكلم به بصوته ، والمبلغ بلغ كلام الرسول بصوت نفسه ، وإذا كان هذا معلوما فيمن يبلغ كلام المخلوق ، فكلام الخالق أولى بذلك ، ولهذا قال - تعالى : ( فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم : " زينوا القرآن بأصواتكم " ، فجعل الكلام كلام الباري ، وجعل الصوت الذي يقرؤه به العبد صوت القارئ ، وأصوات العباد ليست هي الصوت الذي ينادي الله به ويتكلم به كما نطقت النصوص بذلك ، بل ولا مثله ، فإن الله ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فليس علمه كمثل علم المخلوقين ، ولا قدرته مثل قدرتهم ، ولا كلامه مثل كلامهم ، ولا نداؤه مثل ندائهم ، ولا صوته مثل أصواتهم ، فمن قال عن القرآن الذي يقرؤه المسلمون : ليس هو كلام الله ، أو هو كلام غيره ، فهو ملحد مبتدع ضال ، ومن قال : إن أصوات العباد أو المداد الذي يكتب به القرآن قديم أزلي ، فهو ملحد مبتدع ضال ، بل هذا القرآن هو كلام الله ، وهو مثبت في المصاحف ، وهو كلام الله مبلغا عنه مسموعا من القراء ، ليس هو مسموعا منه - تعالى ، فكلام الله قديم ، وصوت العبد مخلوق .

    والحاصل أن مذهب الحنابلة كسائر السلف أن الله - تعالى - يتكلم بحرف وصوت . قال الإمام الموفق في رسالته - البرهان في حقيقة القرآن : قال تعالى : ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ) [ ص: 139 ] ، وقال : ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ) ، وهو هذا الكتاب العربي الذي هو مائة وأربع عشرة سورة ، أولها الفاتحة ، وآخرها قل أعوذ برب الناس ، مكتوب في المصاحف ، متلو في المحاريب ، مسموع بالآذان ، متلو بالألسن ، محفوظ في الصدور ، له أول وآخر وأجزاء وأبعاض ، وهو كلام الله - تعالى .

    وقولهم : إن القديم لا يتجزأ ولا يتعدد غير صحيح ، فإن أسماء الله - تعالى - متعددة ، قال - تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى ) ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم " : إن لله تسعة وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنة " ، وهي قديمة ، وقد نص الإمام الشافعي أن أسماء الله غير مخلوقة ، وقال الإمام أحمد : من قال إن أسماء الله - تعالى - مخلوقة فقد كفر . وكذا كتب الله التوراة والإنجيل والزبور والفرقان متعددة ، وهي كلام الله - تعالى ، وقد ورد السمع بأن القرآن ذو عدد ، وأقر المسلمون بأنه كلام الله - تعالى . وقد عد الأشعري صفات الله سبع عشرة صفة ، بين أن منها ما لا يعلم إلا بالسمع ، فإذا جاز أن يوصف بصفات متعددة ، لم يلزم بدخول العدد في الحروف شيء .

    قال سيدنا الإمام أحمد - رضي الله عنه : القرآن كيف تصرف فهو غير مخلوق . ولا نرى القول بالحكاية والعبارة . وغلط من قال بهما وجهله ، فقال : من قال إن القرآن عبارة عن كلام الله ، فقد غلط وجهل . قال : وقوله - تعالى : ( تكليما ) يبطل الحكاية ، منه بدأ وإليه يعود . قال الإمام موفق الدين ابن قدامة : وأما قولهم : إن كلام الله يجب أن لا يكون حروفا يشبه كلام الآدميين ، فالجواب أن الاتفاق في أصل الحقيقة ليس بتشبيه ، كما أن اتفاق البصر في أنه إدراك المبصرات ، والسمع في أنه إدراك المسموعات ، والعلم في أنه إدراك المعلومات ليس بتشبيه ، كذلك هذا . وأيضا يلزمهم إن نفوا هذه الصفة لكون هذا تشبيها ، أن ينفوا سائر الصفات من الوجود والحياة والسمع والبصر وغيرها ، وأما قولهم إن الحروف تحتاج إلى مخارج وأدوات ، فالجواب أن احتياجها إلى ذلك في حقنا لا يوجب ذلك في كلام ربنا ، تعالي عن ذلك .

    على أن بعض المخلوقات لم تحتج إلى مخارج في كلامها ، كالأيدي والأرجل والجلود التي تتكلم يوم القيامة ، والحجر الذي سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم ، والحصى الذي سبح في كفه ، والذراع [ ص: 140 ] المسمومة التي كلمته ، وقال ابن مسعود : كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل . وإذا قالوا : إن الله - تعالى - يحتاج كحاجتنا قياسا علينا ، فهو عين التشبيه الذي يفرون منه . وقولهم إن التعاقب يدخل في الحروف ، قلنا : إنما كان ذلك في حق من ينطق بالمخارج والأدوات ، والله - سبحانه - لا يوصف بذلك . قال الحافظ أبو نصر : إنما يتعين التعاقب في من يتكلم بأداة ، يعجز عن أداء شيء إلا بعد الفراغ من غيره ، وأما المتكلم بلا جارحة فلا يلزم في كلامه التعاقب ، وقد اتفقت العلماء على أن الله - سبحانه وتعالى - يتولى الحساب بين خلقه يوم القيامة في حالة واحدة ، وعند كل واحد منهم أن المخاطب في الحال هو وحده ، وهذا خلاف التعاقب .

    قال الإمام الموفق في قوله - تعالى : ( وكلم الله موسى تكليما ) ، ( وكلمه ربه ) ، وقال - تعالى : ( وناديناه من جانب الطور الأيمن ) ، وقال - تعالى : ( إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ) : أجمعنا على أن موسى - عليه الصلاة والسلام - سمع كلام الله - تعالى - من الله ، لا من شجرة ولا من حجر ولا من غيره ; لأنه لو سمع من غير الله - تعالى - لكان بنو إسرائيل أفضل في ذلك منه ; لأنهم سمعوا من أفضل ممن سمع منه موسى ، لكونهم سمعوا من موسى - عليه السلام - وهو على زعمهم إنما سمع من الشجرة . ثم يقال لهم : لم سمي موسى كليم الله ؟ وإذا ثبت أن موسى - عليه السلام - إنما سمع من الله - عز وجل - لم يجز أن يكون الكلام الذي سمعه إلا صوتا وحرفا ، فإنه لو كان معنى في النفس وفكرة ورؤية ، لم يكن ذلك تكليما لموسى ولا هو شيء يسمع ، والفكر لا يسمى مناداة ، فإن قالوا : نحن لا نسميه صوتا مع كونه مسموعا ، قلنا : هذا مخالفة في اللفظ مع الموافقة في المعنى ، فإنه لا يعنى بالصوت إلا ما كان مسموعا 0 ثم إن لفظ الصوت قد صحت به الأخبار 0

    قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : ومن نفى الصوت ، يلزمه أن الله - تعالى - لم يسمع أحدا من ملائكته ولا رسله كلامه ، بل ألهمهم إياه إلهاما . قال : وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين ; لأنها التي عهدت ذات مخارج ، ولا يخفى ما فيه إذ الصوت قد يكون من غير مخارج ، كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة ، ولئن سلم فليمنع القياس المذكور ; لأن صفة الخالق لا تقاس على صفة المخلوقين ، وحيث ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث [ ص: 141 ] الصحيحة وجب الإيمان به ، ثم إما التفويض وإما التأويل .

    وقال ابن حجر أيضا في موضع آخر من شرح البخاري : قوله - صلى الله عليه وسلم : " ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب " ، حمله بعض الأئمة على مجاز الحذف ، أي يأمر من ينادي ، فاستبعده بعض من أثبت الصوت بأن في قوله يسمعه من بعد إشارة إلى أنه ليس من المخلوقات ; لأنه لم يعهد مثل هذا فيهم ، وبأن الملائكة إذا سمعوه صعقوا ، وإذا سمع بعضهم بعضا لم يصعقوا . قال : فعلى هذا فصوته صفة من صفات ذاته ، لا يشبه صوت غيره ، إذ ليس يوجد شيء من صفاته في صفات المخلوقين . قال : وهكذا قرره المصنف ، يعني الإمام البخاري في كتاب خلق أفعال العباد . انتهى .

    ومن الأحاديث في إثبات الصوت ما روى جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : خرجت إلى الشام إلى عبد الله بن أنيس الأنصاري - رضي الله عنه - فقال عبد الله بن أنيس : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يحشر الله العباد - أو قال الناس - وأومأ بيده إلى الشام ، حفاة عراة غرلا بهما " ، قال قلت : ما بهما ؟ قال : ليس معهم شيء " ، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد ، كما يسمعه من قرب : " أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة حتى اللطمة ، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة " ، قلنا : كيف وإنما نأتي الله حفاة عراة غرلا ؟ قال : " بالحسنات والسيئات " ، أخرج أصله البخاري في صحيحه تعليقا مستشهدا به إلى قوله : أنا الملك أنا الديان . وأخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى الموصلي والطبراني ، وأخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي بسنده إلى جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : بلغني أن للنبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا في القصاص ، وكان صاحب الحديث بمصر ، فاشتريت بعيرا فشددت عليه رحلا ، وسرت حتى وردت مصر ، فمضيت إلى باب الرجل الذي بلغني عنه الحديث ، فقرعت بابه فخرج إلي مملوكه ، فنظر في وجهي ولم يكلمني ، فدخل إلى سيده فقال : أعرابي ، فقال : سله من أنت ؟ فقال : جابر بن عبد الله الأنصاري . فخرج إلي مولاه ، فلما تراءينا اعتنق أحدنا صاحبه ، فقال : يا جابر ، ما جئت تعرف ؟ فقلت : [ ص: 142 ] حديثا بلغني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القصاص ، ولا أظن أن أحدا ممن مضى وممن بقي أحفظ له منك . قال : نعم يا جابر ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله - تبارك وتعالى - يبعثكم يوم القيامة من قبوركم حفاة عراة غرلا بهما ، ثم ينادي بصوت رفيع غير قطيع ، يسمعه من بعد كمن قرب : أنا الديان ، لا تظالم اليوم ، أما وعزتي لا يجاورني اليوم ظالم ولو لطمة بكف أو يدا على يد . ألا وإن أشد ما أتخوف على أمتي من بعدي عمل قوم لوط ، فلترتقب أمتي العذاب إذا تكافأ النساء بالنساء ، والرجال بالرجال " . وقد رواه عبد الحق الإشبيلي من طريق الحارث بن أبي أسامة ، ومن مسنده نقله ، وخرجه علي بن معبد البغوي المالكي وغيره ، وفيه : فابتعت بعيرا ، فشددت عليه رحلي ، ثم سرت إليه ، فسرت شهرا حتى قدمت الشام ، فإذا عبد الله بن أنيس الأنصاري ، فأتيت منزله ، فأرسلت إليه أن جابرا على الباب ، فرجع الرسول إلي فقال : جابر بن عبد الله ؟ قلت : نعم ، فرجع إليه فخرج فاعتنقته ، فقلت : حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المظالم لم أسمعه 0 قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يحشر الله العباد - أو قال الناس - الحديث .

    وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إن الله إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا ، فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل - عليه السلام ، فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم ، فيقولون : يا جبريل ، ماذا قال ربك ؟ قال : يقول الحق . فينادون : الحق الحق " . أخرجه أبو داود ، ورجاله ثقات ، ونحوه من حديث أبي هريرة رواه البخاري وأبو داود ، والترمذي وابن ماجه ، وكذا رواه الإمام أحمد وابنه عبد الله ، وقال : سألت أبي فقلت : يا أبي ، الجهمية يزعمون أن الله لا يتكلم بصوت ، فقال : كذبوا ، إنما يدورون على التعطيل . ثم روى الإمام أحمد - رضي الله عنه - بسنده إلى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : " إذا تكلم الله بالوحي ، سمع صوته أهل السماء " ، قال السجزي : وما في رواة هذا الخبر إلا إمام مقبول 0 انتهى 0 وتتمة الخبر : " فيخرون سجدا ، حتى إذا فزع عن قلوبهم - أو قال سكن عن قلوبهم - قال أهل السماء : ماذا قال ربكم ، قالوا : الحق ، قال كذا [ ص: 143 ] وكذا .

    قال القاضي أبو الحسين وغيره : ومثل هذا لا يقوله ابن مسعود - رضي الله عنه - إلا توقيفا ; لأنه إثبات صفة للذات . انتهى . وقد روي في إثبات الحرف والصوت أحاديث تزيد على أربعين حديثا ، بعضها صحاح وبعضها حسان ويحتج بها ، أخرجها الإمام الحافظ ضياء الدين المقدسي وغيره . وأخرج سيدنا الإمام أحمد غالبها واحتج به ، وأخرج الحافظ ابن حجر غالبها أيضا في شرح البخاري ، واحتج بها البخاري وغيره من أئمة الحديث على أن الحق - جل شأنه - يتكلم بحرف وصوت ، وقد صححوا هذا الأصل واعتقدوه ، واعتمدوا على ذلك منزهين الله - تعالى - عما لا يليق بجلاله من شبهات الحدوث وسمات النقص ، كما قالوا في سائر الصفات ، فإذا رأينا أحدا من الناس مما لا يقدر عشر معشار هؤلاء يقول : لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث واحد أنه تكلم بحرف وصوت ، ورأيت هؤلاء الأئمة قد دونوا هذه الأخبار وعملوا بها ، ودانوا الله - سبحانه وتعالى - بها ، وصرحوا بأن الله - تعالى - تكلم بحرف وصوت لا يشبهان صوت مخلوق ولا حرفه بوجه ألبتة ، معتمدين على ما صح عندهم عن صاحب الشريعة المعصوم في أقواله وأفعاله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، مع اعتقادهم الجازم الذي لا يعتريه شك ولا وهم ولا خيال - نفي التشبيه والتمثيل ، والتحريف والتعطيل ، بل يقولون في صفة الكلام كما يقولون في سائر الصفات ، إثبات بلا تمثيل ، وتنزيه بلا تعطيل ، كما عليه سلف الأمة وفحول الأئمة ، فهو حق اليقين بلا محال ، وهل بعد الحق إلا الضلال .

    ( تنبيه ) : ممن ذهب إلى مذهب السلف والحنابلة من قدم كلامه - تعالى - وأنه بحرف وصوت من متأخري محققيالأشاعرة صاحب المواقف ، وإن رد عليه جمع منهم من متحذلق ومجازف ، وسيأتي لذلك تتمة عند ذكر القرآن الكريم والفرقان القديم ، وبالله التوفيق


    " فصل في مبحث القرآن العظيم والكلام المنزل القديم "

    اعلم - رحمك الله - أن الناس اختلفوا في هذا الكتاب المنزل على النبي المرسل - صلى الله عليه وسلم - ما نزل قطر وهطل ، فمذهب السلف الصالح وأئمة أهل الأثر هو ما أشير إليه بقوله ( ( وأن ) ) أي نجزم ونتحقق فهو معطوف على قوله بأنه واحد البيت وما بعده فالواجب اعتقاده ، والملزوم اعتماده ، بأن ( ( ما ) ) أي الوحي والكلام الذي ( ( جاء ) ) من الله ( ( مع جبريل ) ) الملك المكرم أمين الله على وحيه لأنبيائه ورسله ، وفيه لغات عديدة منها : جبرائيل ( ( وجبرئيل ) ) كجبرعيل وكحزقيل كما في النظم وجبرين بنون وغيرها .

    ( ( من محكم القرآن ) ) العظيم ( ( و ) ) محكم ( ( التنزيل ) ) الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بواسطة أمينه الفضيل الملك المعظم جبريل فهو عطف مرادف ( ( كلامه سبحانه ) ) وتعالى ( ( قديم ) ) ، قال الشيخ الإمام [ ص: 162 ] أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرخي الشافعي في كتابه الذي سماه ( الفصول في الأصول ) : سمعت الإمام أبا منصور محمد بن أحمد ، يقول : سمعت الإمام أبا بكر عبد الله بن أحمد ، يقول : سمعت الشيخ أبا حامد الإسفرايني ، يقول : مذهبي ، ومذهب الشافعي ، وفقهاء الأمصار أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال مخلوق فهو كافر ، والقرآن حمله جبريل - عليه السلام - مسموعا من الله تعالى ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه من جبريل ، والصحابة - رضي الله عنهم - سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم -

    قال وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا وفيما بين الدفتين ، وما في صدورنا مسموعا ومكتوبا ومحفوظا ومقروءا ، وكل حرف منه كالباء والتاء كلام الله غير مخلوق ، ومن قال مخلوق فهو كافر عليه لعائن الله والملائكة والناس أجمعين . انتهى كلامه بحروفه .

    وقد أخبر الله تعالى بتنزيله وشهد بإنزاله على رسوله ، فقال تعالى : ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ) ، وقال : وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا وقال جل شأنه : لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ، والمنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو هذا الكتاب ، وقد أمر سبحانه بترتيله ، فقال : ورتل القرآن ترتيلا ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقال : لا تحرك به لسانك لتعجل به وأمر سبحانه بقراءته والاستماع له والإنصات إليه وأخبر أنه يسمع ويتلى ، فقال ( حتى يسمع كلام الله ) ، وقال فاقرؤوا ما تيسر من القرآن وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا وكل هذا من صفات هذا الموجود عندنا لا من صفات ما في النفس الذي لا يظهر لحس ، ولا يدرى ما هو .

    وأخبر سبحانه أن منه سورا وآيات وكلمات ، قال الإمام الموفق في كتابه " البرهان في حقيقة القرآن " : القرآن كتاب الله العربي الذي أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو كتاب الله الذي هو هذا الذي هو سور وآيات وحروف وكلمات بغير خلاف ، قال تعالى : تلك آيات الكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا حم والكتاب المبين ، إنا جعلناه قرآنا عربيا [ ص: 163 ] والآيات في هذا كثيرة جدا وكذا الأحاديث النبوية والأخبار الأثرية كقوله - صلى الله عليه وسلم - " إن هذا القرآن حبل الله وهو ، النور المبين ، والشفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ، نجاة لمن اتبعه - الحديث . وفيه - فاتلوه ؛ فإن الله يؤجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات ، ألا إني لا أقول : الم حرف ، ولكن ألف عشر ، ولام عشر ، وميم عشر .

    وقال - صلى الله عليه وسلم - : " من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ، ومن قرأ فلحن فيه ، فله بكل حرف حسنة " حديث صحيح ( ؟ ) وأجمع المسلمون على أن القرآن أنزل على محمد ، وأنه معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - المستمرة الذي تحدى الله الخلق بالإتيان بمثله فعجزوا ، وأجمعوا على أنه يقرأ ويسمع ويحفظ ويكتب ، وكل هذه الصفات لا تعلق لها بالكلام النفسي .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدته التي في بيان أن القرآن كلام الله تعالى ، ليس شيء منه كلاما لغيره لا جبريل ولا محمد ولا غيرهما ، قال في قوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إلى قوله قل نزله روح القدس من ربك بالحق بيان لنزول جبريل به من الله ؛ فإن روح القدس هذا جبريل ، بدليل قوله من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله وهو الروح الأمين في قوله تعالى : وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين .

    وفي قوله " الأمين " دلالة على أنه مؤتمن على ما أرسل به لا يزيد فيه ولا ينقص منه ؛ فإن الرسول الخائن قد يغير الرسالة . وقال في صفته في الآية الأخرى : إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين ، وفي قوله : قل نزله روح القدس - منزل من ربك دلالة على أمور ، منها بطلان قول من يقول إنه كلام مخلوق خلقه في جسم من الأجسام المخلوقة ، كما هو قول الجهميين الذين قالوا بخلق القرآن من المعتزلة والنجارية والضرارية وغيرهم ، فإن السلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات وقال : إن القرآن مخلوق ، وإن الله لا يرى في الآخرة جهميا لأن بدعة نفي الأسماء والصفات أول ما ظهرت من جهم ، فإنه بالغ في نفي ذلك فله في هذه البدعة مزية المبالغة ، وكثرة إظهار ذلك ، والدعوة إليه ، وإن [ ص: 164 ] كان الجعد بن درهم قد سبقه إلى بعض ذلك ، فإنه أول من أحدث ذلك في الإسلام ، فضحى به خالد بن عبد الله القسري بواسط يوم النحر ، فقال : أيها الناس ، ضحوا تقبل الله ضحاياكم ، فإني مضح بالجعد بن درهم ، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ، ولم يكلم موسى تكليما ، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا - ثم نزل فذبحه .

    فالمعتزلة وإن وافقوا جهما على بعض ذلك ، فهم يخالفونه في مسائل غير ذلك ، كمسائل الإيمان بالقدر ، وبعض مسائل الصفات ، ولا يبالغون في النفي مبالغته ، فإن جهما يقول : إن الله لا يتكلم أو يتكلم بطريق المجاز ، وأما المعتزلة فيقولون : يتكلم حقيقة لكن قولهم في المعنى هو قول جهم ، وجهم ينفي الأسماء ، كما نفتها الباطنية ومن وافقهم من الفلاسفة بخلاف المعتزلة فلا ينفون الأسماء ، وفي قوله تعالى : منزل من ربك دلالة على بطلان قول من يجعله فاض على نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - من العقل الفعال أو غيره كما يقوله طوائف من الفلاسفة والصابئة ، وهذا القول أعظم كفرا من الذي قبله .

    وفيها دلالة أيضا على بطلان قول من يقول إن القرآن العربي ليس منزلا من الله بل مخلوق إما في جبريل أو محمد أو في جسم آخر كالهواء ، كما يقول ذلك الكلابية والأشعرية القائلين بأن القرآن العربي ليس هو كلام الله وإنما كلامه المعنى القائم بذاته ، والقرآن العربي خلق ليدل على ذلك المعنى ، وهذا يوافق قول المعتزلة ونحوهم في إثبات خلق القرآن العربي .

    قلت ذكر جماعة من محققي الأشعرية كالسعد التفتازاني والجلال الدواني وشرح جواهر العضد لتلميذه الكرماني أنه لا نزاع بين الأشاعرة وبين المعتزلة في تسمية الله تعالى متكلما بمعنى أنه يوجد الأصوات والحروف في الغير وهو اللوح المحفوظ أو جبريل أو النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما النزاع أن المعتزلة لم يثبتوا غير هذه الأصوات والحروف الموجدة في الغير معنى قائما بذات الباري ، قالوا : ونحن - يعني معاشر الأشاعرة - نثبته ، فإنهم يقولون كلام الله تعالى معنى قائم بذات الباري تعالى ، معبر عنه بالعبارات والألفاظ ، وهو الطلب الذي يجد كل واحد منه عند الأمر بالشيء قبل التلفظ بصيغة أفعل . قالوا فهو يغاير العبارات والعلم والإرادة ، أما العبارات فلأنها تختلف بحسب الأزمنة [ ص: 165 ] والأقوام دون المعنى القائم بذاته تعالى ، وأما العلم فلأنه تعالى أمر أبا لهب بالإيمان ، وكان عالما بأنه لا يؤمن لأن معلومه تعالى واجب الوقوع ، فلو كان إيمان أبي لهب واقعا في علمه تعالى لوقع ، ولم يقع ، وأما الإرادة فلأنه تعالى أمره به ولم يرده ولذلك لم يقع ، قالوا : فما قالت المعتزلة على حدوث الكلام لا ينفي قولنا بقدمه ، لأن ما قالوا في حدوثه وجهان معقول ومنقول فالمعقول :

    أنه لو كان قديما يلزم تحقق الأمر بلا مأمور ، وهو سفه وعبث ، وهذا إنما يدل على حدوث لفظه ، لا على حدوث المعنى القائم بذاته ، لأن معنى أمره في الأزل أنه تعالى يطلب في الأزل المأمور به من المأمورين عند وجودهم في اللايزال ، كطلب الوالد التعلم من ولد سيوجد ، ولا سفه في ذلك ولا عبث ، قالوا : والمنقول أن القرآن ذكر ، والذكر محدث ، ونقلوا من جنس هذا الكلام ضروبا .

    والحاصل أن المعتزلة موافقة الأشعرية ، والأشعرية موافقة المعتزلة في أن هذا القرآن الذي بين دفتي المصحف مخلوق محدث وإنما الخلاف بين الطائفتين أن المعتزلة لم تثبت لله كلاما سوى هذا ، والأشعرية أثبتت الكلام النفسي القائم بذاته تعالى ، وأن المعتزلة يقولون : إن المخلوق كلام الله ، والأشعرية لا يقولون أنه كلام الله ، نعم يسمونه كلام الله مجازا هذا قول جمهور متقدميهم ، وقالت طائفة من متأخريهم : لفظ كلام يقال على هذا المنزل الذي نقرؤه ونكتبه في مصاحفنا ، وعلى الكلام النفسي بالاشتراك اللفظي .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : لكن هذا ينقض أصلهم في إبطال قيام الكلام بغير المتكلم به ، وهم مع هذا لا يقولون إن المخلوق كلام الله حقيقة كما يقوله المعتزلة مع قولهم أنه كلامه حقيقة ، بل يجعلون القرآن العربي كلاما لغير الله ، وهو كلامه حقيقة .

    قال شيخ الإسلام : وهذا شر من قول المعتزلة ، وهذا حقيقة قول الجهمية . ومن هذا الوجه فقول المعتزلة أقرب . قال : وقول الآخرين هو قول الجهمية المحضة ، لكن المعتزلة في المعنى موافقون لهؤلاء ، وإنما ينازعونهم في اللفظ الثاني ، إذا هؤلاء يقولون لله كلام هو معنى قديم قائم بذاته ، والخلقية يقولون لا يقوم بذاته كلام ، ومن هذا الوجه فالكلابية خير من الخلقية في الظاهر ، لكن جمهور المحققين من علماء السلف يقولون : إن أصحاب هذا القول عند التحقيق [ ص: 166 ] لم يثبتوا كلاما له حقيقة غير المخلوق لأنهم يقولون عن الكلام النفسي إنه معنى واحد هو الأمر والنهي ، والخبر إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا ، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة ، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا .

    وجمهور العقلاء يقولون : إن فساد هذا معلوم بالضرورة بعد التصور التام ، فإنا إذا عربنا التوراة والإنجيل لم يكن معناهما معنى القرآن بل معاني هذا ليست معاني هذا ، وكذلك " قل هو الله أحد " ليس هو معنى " تبت يدا أبي لهب " ولا معنى آية الكرسي آية الدين ، وقالوا : إذا جوزتم أن تكون الحقائق المتنوعة شيئا واحدا فجوزوا أن يكون العلم والقدرة والكلام والسمع والبصر صفة واحدة ، فاعترف أئمة هذا القول بأن هذا الإلزام ليس لهم عنه جواب عقلي ، ثم منهم من قال : الناس في الصفات إما مثبت لها ، وإما ناف لها ، وأما إثباتها واتحادها فخلاف الإجماع ، وممن اعترف بأن ليس له عنه جواب أبو حسن الآمدي وغيره من المحققين .

    والمقصود أن النص القرآني يبين فساد هذا القول ، فإن قوله : نزله روح القدس من ربك يقتضي نزول القرآن من رب العالمين ، والقرآن اسم لهذا الكتاب العربي لفظه ومعناه بدليل قوله : فإذا قرأت القرآن فإنه من يقرأ القرآن العربي لا معانيه المجردة .

    وأيضا فضمير المفعول في قوله " نزله " عائد إلى ما في قوله تعالى : والله أعلم بما ينزل فالذي أنزله الله هو الذي أنزله روح القدس ، فإذا كان روح القدس نزل بالقرآن العربي لزم أن يكون نزله من الله فلا يكون شيء منه نزله من عين من الأعيان المخلوقة ، ولا نزله من نفسه ، وأيضا فإنه تعالى عقب هذه الآية : ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين .

    وهذا ظاهر الدلالة على بطلان زعمهم فقد اشتهر في التفسير أن بعض الكفار كانوا يزعمون أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - تعلم القرآن من شخص كان بمكة أعجمي ، قيل أنه كان مولى لابن الحضرمي ، فإذا كان الكفار جعلوا الذي يعلمه ما نزل به روح القدس بشرا ، والله عز وجل أبطل ذلك بأن لسان ذلك أعجمي ، وهذا لسان عربي مبين علم أن روح القدس نزل باللسان العربي المبين وأن محمدا لم يؤلف نظم القرآن بل سمعه من روح القدس [ ص: 167 ] وإذا كان روح القدس : نزل به من الله علم أنه سمعه منه تبارك وتعالى لم يؤلفه روح القدس ، وهذا بيان من الله تعالى أن القرآن الذي هو باللسان العربي المبين سمعه روح القدس من الله سبحانه وتعالى ، ونزل به منه ، وقد قال الله تعالى : وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين .

    والكتاب اسم للقرآن العربي بالضرورة والاتفاق ، فإن الكلابية أو بعضهم ، ومن وافقهم يفرقون بين كلام الله ، وكتاب الله ، فيقولون كلامه هو القائم بالذات ، وهو غير مخلوق ، وكتابه المنظوم المؤلف من الحروف العربي وهو مخلوق ، والقرآن يراد به هذا تارة ، وهذا تارة .

    وقد سمى الله تعالى نفس مجموع اللفظ والمعنى قرآنا وكتابا وكلاما ، فقال الله تعالى : الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ، وقال طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين ، وقال وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن إلى قوله تعالى : ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى فبين أن الذي سمعوه هو القرآن وهو الكتاب ، وقال بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون .

    والمقصود أن قوله تعالى هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا يتناول نزول القرآن العربي على كل قول ، وقد أخبر تعالى إن الذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق إخبار مستشهد بهم لا مكذب لهم .

    وقال : إنهم يعلمون ذلك ، ولم يقل : إنهم يظنونه أو يقولونه ، والعلم لا يكون إلا حقا مطابقا للمعلوم بخلاف القول ، والظن الذي ينقسم إلى حق وباطل فعلم أن القرآن العربي منزل من الله تعالى لا من الهواء ، ولا من اللوح ، ولا من جسم آخر ، ولا من جبريل ، ولا من محمد - عليهما السلام - ولا من غيرهما ، فمن لم يقر بذلك من هذه الأمة كان أهل الكتاب خيرا منه من هذا الوجه .

    فإن قلت قد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره من السلف في تفسير قوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر أنزل إلى بيت العزة في السماء الدنيا ثم أنزله بعد ذلك منجما مفرقا بحسب الحوادث قد أخبر الله تعالى أن القرآن الكريم مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله كما قال تعالى : بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ وقال تعالى [ ص: 168 ] إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون وقال تعالى كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة وقوله تعالى وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم فالجواب أن كون القرآن العظيم مكتوبا في اللوح المحفوظ وفي الصحف المطهرة بأيدي الملائكة الكرام لا ينافي أن يكون جبريل نزل به من الله تعالى ، سواء كتبه الله قبل أن يرسل به جبريل أو بعد ذلك ، وإذا كان قد أنزله مكتوبا إلى بيت العزة جملة واحدة ليلة القدر فقد كتبه كله قبل أن ينزله ، قاله شيخ الإسلام ابن تيمية .

    وقال : والله تعالى يعلم ما كان ، وما يكون ، وما لا يكون ولو كان كيف كان يكون ، وهو تعالى قدر مقادير الخلائق ، وكتب أعمال العباد قبل أن يعملوها ، كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة وآثار السلف ، ثم أنه يأمر الملائكة بكتابتها ، بعدما يعملونها فيقابل بين الكتابة المتقدمة على الوجود والكتابة المتأخرة عنه فلا يكون بينهما تفاوت .

    هكذا قال ابن عباس - رضي الله عنها - وغيره من السلف ، وهو حق فإذا كان ما يخلقه بائنا عنه قد كتبه قبل أن يخلقه فكيف يستبعد أن يكون كلامه الذي يرسل به ملائكته مكتوبا قبل أن يرسلهم به .

    ومن زعم أن جبريل أخذ القرآن من الكتاب ، ولم يسمعه من الله تعالى ، كان هذا باطلا من وجوه منها : أن الله تعالى قد كتب التوراة لموسى - عليه السلام - بيده فبنو إسرائيل أخذوا كلام الله من الكتاب الذي كتبه الله سبحانه فيه ، فإن كان محمد أخذه عن جبريل ، وجبريل عن الكتاب ، كان بنو إسرائيل أعلى من محمد - صلى الله عليه وسلم - بدرجة .

    وهكذا من قال أنه ألقي إلى جبريل معاني القرآن ، وإن جبريل عبر عنها بالكلام العربي ، فقوله يستلزم أن يكون جبريل ألهمه إلهاما ، وهذا الإلهام لآحاد المؤمنين ، ما قال تعالى : وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي ، وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه وقد أوحى إلى سائر النبيين ، فيكون هذا الوحي الذي يكون لآحاد الأنبياء والمؤمنين أعلى من أخذ محمد - صلى الله عليه وسلم - القرآن العظيم عن جبريل - عليه السلام - لأن جبريل هو الذي علمه لمحمد بمنزلة الواحد من هؤلاء .

    ولهذا زعم بعض الصوفية أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء ، وزعم أنه يأخذ من [ ص: 169 ] المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول ، فجعل أخذه وأخذ الملك الذي جاء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من معدن واحد ، وادعى أن أخذه عن الله أعلى من أخذ الرسول للقرآن .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومعلوم أن هذا من أعظم الكفر . قال : وهذا القول من جنسه . والآيات القرآنية تدل دلالة صريحة على أن القرآن منزل من الله لا من غيره ، كقوله تعالى تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم حم تنزيل من الرحمن الرحيم وكذا قوله : بلغ ما أنزل إليك من ربك .

    وأيضا الكلابية يقولون : أنه معنى واحد فإن كان موسى سمع جميع المعنى ، فقد سمع جميع كلام الله ، وإن سمع بعضه فقد تبعض ، وكلاهما ينقض عليهم وقولهم فإنهم يقولون أنه معنى واحد لا يتعدد ولا يتبعض فإن كان ما يسمعه موسى والملائكة هو ذلك المعنى كله ، كان كل من موسى والملائكة سمع جميع كلام الله وكلامه متضمن لجميع خبره وجميع أمره ، فيلزم أن يكون كل واحد ممن كلمه الله تعالى أو أنزل عليه شيئا من كلامه عالما بجميع أخبار الله وأوامره ، وهذا معلوم الفساد بالضرورة ، إن كان الواحد من هؤلاء إنما يسمع بعضه فقد تبعض كلامه ، وذلك مناقض لقولهم .

    وأيضا فقول الله تعالى : وكلم الله موسى تكليما ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا فلما أتاها نودي ياموسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى الآيات دليل على تكليم يسمعه موسى ، والمعنى المجرد لا يسمع بالضرورة ، ومن قال أنه يسمع فهو مكابر ، ودل الدليل على أنه ناداه والنداء لا يكون إلا صوتا مسموعا فلا يعقل في لغة العرب لفظ النداء لغير صوت مسموع لا حقيقة ولا مجازا كما تقدم

    وذكر الإمام الموفق في البرهان أن الله تعالى لما كلم موسى - عليه السلام - فناداه ربه يا موسى فأجاب سريعا استئناسا بالصوت : لبيك لبيك ، أسمع صوتك ، ولا أرى مكانك ، فأين أنت ؟ قال : " يا موسى ، أنا فوقك ، وعن يمينك ، وعن شمالك ، وأنا أمامك ، وعن ورائك " فعلم أن هذه الصفة لا تكون إلا لله تعالى ، قال : فكذلك أنت يا إلهي ؟ أفكلامك أسمع أم كلام رسولك ؟ [ ص: 170 ] قال : بل كلامي يا موسى . كما في الخبر .

    قال : وجاء في خبر آخر أن بني إسرائيل قالوا : يا موسى ، بما شبهت صوت ربك ؟ قال : إنه لا شبه له .

    قال وروي أن موسى عليه السلام لما كلمه ربه ثم سمع كلام الآدميين مقتهم ؛ لما وقر في مسامعه من كلام الله تعالى . قال الإمام الموفق ، وهذه الأخبار ونحوها ، لم تزل متداولة بين أهل العلم من الصحابة والتابعين يرويها بعضهم عن بعض لم ينكرها منكر فيكون اجتماعا . كذا قال .

    ولما بين الناظم أن القرآن العظيم الذي أنزله الله تعالى مع جبريل - عليه السلام - إلى النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وأثبت أنه كلام الله ، وأنه قديم ، أعقب ذلك ببعض نعوت هذا الكلام المنزل على النبي المرسل .

    فقال ( ( أعيا ) ) أي أعجز ( ( الورى ) ) أي جميع الخلق من الإنس والجن ، قال في القاموس : الورى كفتى : الخلق ( ( بالنص ) ) القرآني والتنزيل الرحماني ( ( يا عليم ) ) أي يا عالم ( ( يعني ) ) المبالغ في العلم ، فإن العليم صفة مبالغة كما هو معروف قال تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .

    فتحدى الخلق بالإتيان بمثله ، وقال تعالى أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين .

    فلما عجزوا عن الإتيان بمثله تحداهم بعشر سور فقال جل شأنه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات .

    فلما عجزوا تحداهم بالإتيان بسورة واحدة ، فقال تعالى قل فأتونا بسورة من مثله أي من مثل القرآن العظيم فعجزوا ، وفي قوله تعالى أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين غاية التحدي والتبكيت والرد عليهم والتنكيت أي إن كانوا صادقين في زعمهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول القرآن العظيم ، فليأتوا بحديث مثله .

    فإنه إذا كان محمد - صلى الله عليه وسلم - قادرا على أن يتقوله كما يقدر الإنسان أن يتكلم بما يتكلم به من نظم ونثر كان هذا ممكنا للناس الذين هم من جنسه ، فيمكن للناس أن يأتوا بمثله ، ولما تحداهم الله تعالى بسورة واحدة في قوله قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين بعد أن تحداهم بالإتيان بعشر [ ص: 171 ] سور هم ومن استطاعوا ، قال جل شأنه فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا إنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون كما قال لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا أي هو سبحانه يعلم أنه مفترى .

    كما قال وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله أي ما كان لأن يفترى ، يقول ما كان ليفعل هذا فلم ينف مجرد فعله بل نفى احتمال فعله ، وأخبر بأن مثل هذا لا يقع بل يمتنع وقوعه فيكون المعنى لا يمكن ، ولا يحتمل ، ولا يجوز أن يفترى هذا القرآن من دون الله ، فإن الذي يفتريه من دون الله مخلوق .


    ( ( وليس في طوق ) )
    أي ليس في وسع ( ( الورى ) ) من جميع الخلق وطاقتهم فالطوق الوسع والطاقة ، كما في القاموس ، وفي حديث أبي قتادة - رضى الله عنه - ومراجعته النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصوم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " وددت أني طوقت ذلك " أي ليته جعل داخلا في طاقتي وقدرتي ، ولم يكن عاجزا عن ذلك غير قادر عليه لضعف فيه ، ولكن يحتمل أنه خاف العجز عنه للحقوق التي تلزمه لنسائه ، فإن إدامة الصوم تخل بحظوظهن منه ، كما في النهاية .

    ومنه حديث عامر بن فهيرة - رضى الله عنه - : كل امرئ مجاهد بطوقه . أي أقصى غايته ، وهو اسم لمقدار ما يمكن أن يفعله بمشقة منه ، فالمعنى ليس في قدرة الخلق ولا طاقتهم ، ولو بذلوا جهدهم بغاية ما يمكنهم ولو مع تمام المشقة الحاصلة لهم ( ( من أصله ) ) أي الورى يعني الخلق أي من أولهم إلى آخرهم .

    ويحتمل المراد أنه ليس في طوق الخلق من الأصل ( ( أن يستطيعوا ) ) الإتيان بأقصر ( ( سورة ) ) من القرآن فليس في طوق جميع الخلق من أصل خلقتهم وجبلتهم وقدرتهم واستطاعتهم ، من غير أن يسلبهم الله تعالى ذلك الإتيان بأقصر سورة .

    ( ( من مثله ) ) أي القرآن كما تحدى الديان أهل الفصاحة والبلاغة واللسن وذوي الرزانة والدراية والفطن ، فاعترفوا بالعجز عن الإتيان بمثل أقصر سورة في القرآن . قال الإمام الحافظ ابن الجوزي - رحمة الله تعالى - : لما تحيروا عند سماع القرآن ، وأدهشهم أسلوبه نودي عليهم بالعجز عن مماثلته بقوله فأتوا بسورة من مثله انتهى . هذا وهم مصاقيع الكلام ، وبلغاء النثر ، والنظام [ ص: 172 ] فعدلوا عن مصاقعة اللسان إلى مقارعة السنان .
    القرآن العظيم كلام الله القديم ، ونوره المبين ، وحبله المتين ، وفيه الحجة والدعوة ، فله بذلك اختصاص على غيره كما ثبت عنه في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " .

    قال الحافظ ابن حجر في الفتح يعني أن معجزتي التي تحديت بها الوحي الذي أنزل علي وهو القرآن لما اشتمل عليه من الإعجاز الواضح ، قال : وليس المراد حصر معجزاته فيه ، ولا أنه لم يؤت من المعجزات ما أوتي من تقدمه بل المراد المعجزة العظمى والآية الكبرى التي اختص بها دون غيره - صلى الله عليه وسلم - من الأنبياء عليهم السلام . انتهى .

    ولا يخفى أن كون دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي هي شريعته المنعوت بها ، فيها معجزته التي تحدى الخلق بها من أعظم الآيات ، وأبهر المعجزات ، وأظهر الدلالات . ولهذا استمرت معجزته العظمى باستمرار شريعته الغراء ، وفيه إشارة وتنبيه وإيماء وتنويه إلى أن هذا النبي الأمين خاتم الأنبياء والمرسلين ، فشريعته دائمة ما دام الملوان ، ومعجزته باقية ما كر الجديدان ، وبالله التوفيق
    من لوامع الأنوار البهية للامام السفاريني الحنبلي وهو كتاب مهم مفيد في الاعتقاد السني الصحيح أنصحكم بقراءته وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

  2. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله

    قال الإمام ابن القيم رحمه الله في الصواعق المرسلة
    فصل

    وإذا قيل حروف المعجم قديمة أو مخلوقة ، فجوابه أن الحرف حرفان : فالحرف الواقع في كلام المخلوقين مخلوق ، وحروف القرآن غير مخلوقة .

    فإن قيل : كيف الحرف الواحد مخلوق وغير مخلوق .

    قيل : ليس بواحد بالعين وإن كان واحدا بالنوع ، كما أن الكلام ينقسم إلى مخلوق وغير مخلوق ، فهو واحد بالنوع لا بالعين .

    وتحقيق ذلك أن الشيء له أربع مراتب : مرتبة في الأعيان ، ومرتبة في الأذهان ، ومرتبة في اللسان ، ومرتبة في الخط ، فالمرتبة الأولى وجوده العيني ، والثانية وجوده الذهني ، والثالثة وجوده اللفظي ، والرابعة وجوده الرسمي ، وهذه المراتب الأربعة تظهر في الأعيان القائمة بنفسها ، كالشمس مثلا وفي أكثر الأعراض أيضا كالألوان وغيرها ، ويعسر تمييزه في بعضها كالعلم والكلام ، أما العلم فلا يكاد يحصل الفرق بين مرتبته في الخارج ومرتبته في الذهن ، بل وجوده الخارجي مماثل لوجوده الذهني ، وأما الكلام فإن وجوده الخارجي ما قام باللسان ، ووجوده الذهني ما قام بالقلب ، ووجوده الرسمي ما أظهر الرسم ، فأما وجوده اللفظي فقد اتحدت فيه المرتبتان الخارجية [ ص: 509 ] واللفظية ، ومن مواقع الاشتباه أيضا أن الصوت الذي يحصل له إنشاء الكلام مثل الصوت الذي يحصل به أداؤه وتبليغه ، وكذلك الحرف ، فصوت امرئ القيس وحروفه من قوله :


    قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل


    كصوت المنشد لذلك حكاية عنه وحرفه ، فإذا قال القائل : هذا كلامك أو كلام امرئ القيس ؟ كان السؤال مجملا تحتمل الإشارة فيه معنيين أحدهما : أن يراد الإشارة إلى صوت المؤدي وحروفه ، والثاني : أن يراد الإشارة إلى الكلام المؤدى بصوت هذا وحروفه ، والغالب إرادته هو الثاني ، ولهذا يحمد القائل له أولا أو يذم ، وإنما يحمد الثاني أو يذم على كيفية الأداء وحسن الصوت وقبحه .

    والكلام يضاف إلى من قاله مبتديا لا إلى من قاله مبلغا مؤديا ، فإذا قال الواحد منا : الأعمال بالنيات ، مؤديا له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل أحد إن هذا قولك وكلامك .

    وإن قيل إنك حسن الأداء له ، حسن التلفظ به ، وهذا الذي قام به وهو حسنه وفعله وعليه يقع اسم الخلق ، ولشدة ارتباطه بأصل الكلام عسر التمييز .

    ومن هاهنا غلطت الطائفتان إحداهما : جعلت الكل مخلوقا منفصلا ، والثانية : جعلت الكل قديما ، وهو عين صفة الرب نظرا إلى من تكلم به أولا .

    والحق ما عليه أئمة الإسلام كالإمام أحمد والبخاري وأهل الحديث : أن الصوت صوت القارئ والكلام كلام الباري .

    وقد اختلف الناس هل التلاوة غير المتلو أم هي المتلو ؟ على قولين ، والذين قالوا : التلاوة هي المتلو ، فليست حركات الإنسان عندهم هي التلاوة ، وإنما أظهرت التلاوة وكانت سببا لظهورها ، وإلا فالتلاوة عندهم هي نفس الحروف والأصوات وهي قديمة ، والذين قالوا التلاوة غير المتلو طائفتان :

    إحداهما قالت : التلاوة هي هذه الحروف والأصوات المسموعة ، وهي مخلوقة ، والمتلو هي المعنى القائم بالنفس وهو قديم ، وهذا قول الأشعري .

    والطائفة الثانية قالوا : التلاوة هي قراءتنا وتلفظنا بالقرآن ، والمتلو هو القرآن العزيز والمسموع بالآذان بالأداء من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ( المص ) ( حم ) ( عسق ) ( كهيعص ) حروف وكلمات وسور وآيات تلاه عليه جبرائيل كذلك وتلاه هو على الأمة كما تلاه عليه جبرائيل ، وبلغه جبرائيل عن الله تعالى كما سمعه ، وهذا [ ص: 510 ] قول السلف وأئمة السنة والحديث ، فهم يميزون بين ما قام بالعبد وما قام بالرب ، والقرآن عندهم جميعه كلام الله ، حروفه ومعانيه ، وأصوات العباد وحركاتهم ، وأداؤهم وتلفظهم ، كل ذلك مخلوق بائن عن الله .

    فإن قيل : فإذا كان الأمر كما قررتم فكيف أنكر الإمام أحمد على من قال : لفظي بالقرآن مخلوق . وبدعه ونسبه إلى التجهم ، وهل كانت محنة أبي عبد الله البخاري إلا على ذلك حتى هجره أهل الحديث ونسبوه إلى القول بخلق القرآن .

    قيل : معاذ الله أن يظن بأئمة الإسلام هذا الظن الفاسد ، فقد صرح البخاري في كتابه ( خلق أفعال العباد ) وفي آخر ( الجامع ) بأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وقال : حدثنا سفيان بن عيينة قال : أدركت مشيختنا منذ سبعين سنة ، منهم عمرو بن دينار يقولون : القرآن كلام الله غير مخلوق .

    قال البخاري : وقال أحمد بن الحسين حدثنا أبو نعيم حدثنا سليم القاري قال سمعت سفيان الثوري يقول : قال حماد بن أبي سليمان : أبلغ أبا فلان المشرك أني بريء من دينه ، وكان يقول : القرآن مخلوق ، ثم ساق قصة خالد بن عبد الله القسري وأنه ضحى بالجعد بن درهم وقال إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما ثم نزل فذبحه .

    هذا مذهب الإمام البخاري ومذهب الإمام أحمد وأصحابهما من سائر أهل السنة ، فخفي تفريق البخاري وتمييزه على جماعة من أهل السنة والحديث ، ولم يفهم بعضهم مراده وتعلقوا بالمنقول عن أحمد نقلا مستفيضا أنه قال : من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي : ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع ، وساعد ذلك نوع حسد باطن للبخاري لما كان الله نشر له من الصيت والمحبة في قلوب الخلق واجتماع الناس عليه حيث حل ، حتى هضم كثير من رياسة أهل العلم وامتعضوا لذلك ، فوافق الهوى الباطن الشبهة الناشئة من القول المجمل ، وتمسكوا بإطلاق الإمام أحمد وإنكاره على من قال [ ص: 511 ] لفظي بالقرآن مخلوق وأنه جهمي ، فتركب من مجموع هذه الأمور فتنة وقعت بين أهل الحديث .

    قال الحاكم أبو عبد الله : سمعت أبا القاسم طاهر بن أحمد الوراق يقول : سمعت محمد بن شاذان الهاشمي يقول : لما وقع بين محمد بن يحيى ومحمد بن إسماعيل دخلت على محمد بن إسماعيل فقلت : يا أبا عبد الله إيش الحيلة لنا فيما بينك وبين محمد بن يحيى ، كل من يختلف إليك يطرد من منزله وليس لكم منزل ، قال : محمد بن يحيى كم يعتريه الحسد في العلم ، والعلم رزق من الله تعالى يعطيه من يشاء ، فقلت : يا أبا عبد الله ، هذه المسألة التي تحكى عندك ، فقال لي هذه مسألة مشئومة رأيت أحمد بن حنبل وما ناله من هذه المسألة جعلت على نفسي لا أتكلم فيها ، والمسألة التي كانت بينهما كان محمد بن يحيى لا يجيب فيها إلا ما يحكيه عن أحمد بن حنبل ، فسئل محمد بن إسماعيل فوقف عنها ، وهي أن اللفظ بالقرآن مخلوق ، فلما وقف عنها البخاري تكلم فيه محمد بن يحيى وقال : قد أظهر هذا البخاري قول اللفظية ، واللفظية شر من الجهمية .

    قال الحاكم : سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد العدل يقول : سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول : سمعت محمد بن يحيى يقول : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، وهو قول أئمتنا مالك بن أنس ، وعبد الرحمن بن عمر والأوزاعي وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري ، والكلام كلام الله غير مخلوق من جميع جهاته ، وحيث تصرف ، فمن لزم ما قلنا استغنى عن اللفظ وعما سواه من الكلام في القرآن ، ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر وخرج من الإيمان وبانت منه امرأته يستتاب ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه ، وجعل ماله فيئا بين المسلمين ، ولم يدفن في مقابر المسلمين ، ومن زعم أن لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع ولا يجالس ولا يكلم ، ومن وقف وقال لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق فقد ضاهى الكفر ، ومن ذهب بعد مجلسنا هذا إلى مجلس محمد بن إسماعيل فاتهموه فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مذهبه .

    قال الحاكم : وسمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول : سمعت محمد بن نعيم يقول سألت محمد بن إسماعيل البخاري لما وقع ما وقع من شأنه عن الإيمان فقال : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، والقرآن كلام الله غير مخلوق ، وأفضل أصحاب رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم ، على هذا حييت [ ص: 512 ] وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله تعالى ، ثم قال أبو الوليد : أي عين أصابت محمد بن إسماعيل بما نقم عليه محمد بن يحيى ، فقلت له إن محمد بن إسماعيل قد بوب في آخر الجامع الصحيح بابا مترجما ( ذكر قراءة الفاجر والمنافق وأن أصواتهم لا تجاوز حناجرهم ) نذكر فيه حديث قتادة عن أنس عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة . . . " الحديث ، وحديث أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان . . . " الحديث ، فقال لي كيف قلت ؟ فأعدته عليه ، فأعجبه ذلك ، وقال : ما بلغني هذا عنه .

    ومراد أبي عبد الله بهذا الاستدلال أن الثقل في الميزان والخفة على اللسان متعلق بفعل العبد وكسبه ، وهو صوته وتلفظه لا يعود إلى ما قام بالرب تعالى من كلامه وصفاته ، وكذلك قراءة البر والفاجر ، فإن قراءة الفاجر لا تجاوز حنجرته ، فلو كانت قراءته هي نفس ما قام بالرب من الكلام وهي غير مخلوقة لم تكن كذلك ، فإنها متصلة بالرب حينئذ .

    فالبخاري أعلم بهذه المسألة وأولى بالصواب فيها من جميع من خالفه ، وكلامه أوضح وأمتن من كلام أبي عبد الله ، فإن الإمام أحمد سد الذريعة حيث منع إطلاق لفظ المخلوق نفيا وإثباتا على اللفظ ، فقالت طائفة : أراد سد باب الكلام في ذلك ، وقالت طائفة منهم ابن قتيبة : إنما كره أحمد ذلك ومنع ; لأن اللفظ في اللغة الرمي والإسقاط يقال لفظ الطعام من فيه ولفظ الشيء من يده إذا رمى به ، فكره أحمد إطلاق ذلك على القرآن ، وقال طائفة : إنما مراد أحمد أن اللفظ غير الملفوظ فلذلك قال : إن من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق فهو جهمي .

    وأما منعه أن يقال : لفظي بالقرآن غير مخلوق ، فإنما منع ذلك لأنه عدول عن نفس قول السلف ، فإنهم قالوا القرآن غير مخلوق ، والقرآن اسم يتناول اللفظ والمعنى ، فإذا خص اللفظ بكونه غير مخلوق كان ذلك زيادة في الكلام أو نقصا من المعنى ، فإن القرآن كله غير مخلوق ، فلا وجه لتخصيص ذلك بألفاظ خاصة ، وهذا كما لو قال قائل : السبع الطوال من القرآن غير مخلوقة فإنه وإن كان صحيحا ، لكن هذا التخصيص ممنوع منه ، وكل هذا عدول عما أراده الإمام أحمد .

    [ ص: 513 ] وهذا المنع في النفي والإثبات من كمال علمه باللغة والسنة وتحقيقه لهذا الباب فإنه امتحن به ما لم يمتحن به غيره ، وصار كلامه قدوة وإماما لحزب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ، والذي قصده أحمد أن اللفظ يراد به أمران أحدهما : الملفوظ نفسه وهو غير مقدور للعبد ولا فعل له ، الثاني : التلفظ به والأداء له وفعل العبد ، فإطلاق الخلق على اللفظ قد توهم المعنى الأول وهو خطأ ، وإطلاق نفي الخلق عليه قد يوهم المعنى الثاني وهو خطأ ، فمنع الإطلاقين .

    وأبو عبد الله البخاري ميز وفصل وأشبع الكلام في ذلك وفرق بين ما قام بالرب وبين ما قام بالعبد ، وأوقع المخلوق على تلفظ العباد وأصواتهم وحركاتهم وأكسابهم ، ونفى اسم الخلق عن الملفوظ وهو القرآن الذي سمعه جبرائيل من الله تعالى وسمعه محمد من جبرائيل ، وقد شفى في هذه المسألة في كتاب ( خلق أفعال العباد ) وأتى فيها من الفرقان والبيان بما يزيل الشبهة ، ويوضح الحق ، ويبين محله من الإمامة والدين ، ورد على الطائفتين أحسن الرد .

    وقال أبو عبد الله البخاري : فأما ما احتج الفريقان لمذهب أحمد ويدعيه كل لنفسه فليس بثابت كثير من أخبارهم ، وربما لم يفهموا دقة مذهبه ، بل المعروف عن أحمد وأهل العلم أن كلام الله تعالى غير مخلوق ، وما سواه فهو مخلوق ، وأنهم كرهوا البحث والتفتيش عن الأشياء الغامضة وتجنب أهل الكلام والخوض والتنازع إلا فيما جاء به العلم وبينه النبي صلى الله عليه وسلم .

    والفريقان اللذان عناهما البخاري وتصدى للرد عليهما وإبطال قولهما ، ثم أخبر البخاري أن كل واحدة من الطائفتين الزائغتين تحتج بأحمد ، وتزعم أن قولها قوله ، وهو كما قال رحمه الله تعالى فإن أولئك اللفظية يزعمون أنه كان يقول لفظي بالقرآن غير مخلوق ، وأنه على ذلك استقر أمره ، وهذا قول من يقول التلاوة هي المتلو والقراءة هي المقروء والكتابة هي المكتوب .

    والطائفة الثانية الذين يقولون : التلاوة والقراءة مخلوقة ، ويقولون : ألفاظنا بالقرآن مخلوقة ، ومرادهم بالتلاوة والقرآن نفس ألفاظ القرآن العربي الذي سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتلو المقروء عندهم هو المعنى القائم بالنفس وهو غير مخلوق ، وهو اسم للقرآن ، فإذا قالوا : القرآن غير مخلوق أرادوا به ذلك المعنى وهو المتلو المقروء ، وأما المقروء المسموع المثبت في المصاحف فهو عبارة عنه وهو مخلوق ، وهؤلاء يقولون [ ص: 514 ] التلاوة غير المتلو ، والقراءة غير المقروء ، والكتابة غير المكتوب وهي مخلوقة ، والمتلو المقروء غير مخلوق ، وهو غير مسموع ، فإنه ليس بحروف ولا أصوات .

    والفريقان مع كل منهما حق وباطل ، فنقول وبالله التوفيق : أما الفريق الأول فأصابوا في قولهم إن الله تعالى تكلم بهذا القرآن على الحقيقة حروفه ومعانيه تكلم به بصوته وأسمعه من شاء من ملائكته ، وليس هذا القرآن العربي مخلوقا من جملة المخلوقات ، وأخطئوا في قولهم : إن هذا الصوت المسموع من القارئ هو الصوت القائم بذات الرب تعالى وأنه غير مخلوق ، وأن تلاوتهم وقراءتهم وألفاظهم القائمة بهم غير مخلوقة ، فهذا غلو في الإثبات يجمع بين الحق والباطل .

    وأما الفريق الثاني فأصابوا في قولهم : إن أصوات العباد وتلاوتهم وقراءتهم وما قام بهم من أفعالهم وتلفظهم بالقرآن وكتابتهم له مخلوق ، وأخطئوا في قولهم إن هذا القرآن العربي الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله مخلوق ، ولم يكلم به الرب ولا سمع منه ، وأن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه ليس بحرف ولا سور ولا آيات ، ولا له بعض ولا كل وليس بعربي ولا عبراني ، بل هذه عبارات مخلوقة تدل على ذلك المعنى .

    والحرب واقع بين هذين الفريقين من بعد موت الإمام أحمد إلى الآن ، فإنه لما مات الإمام أحمد قال طائفة ممن ينسب إليه ، منهم محمد بن داود المصيصي وغيره : ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقة ، وحكوا ذلك عن الإمام أحمد فأنكر عليهم صاحب الإمام أحمد وأخص الناس به أبو بكر المروذي ذلك ، وصنف كتابا مشهورا ذكره الخلال في السنة ثم نصر هذا القول أبو عبد الله بن حامد وأبو نصر السجزي وغيرهما ، ثم نصره بعدهم القاضي أبو يعلى وغيره ثم ابن الزاغوني وهو خطأ على أحمد .

    فقابل هؤلاء الفريق الثاني وقالوا : إن نفس هذه الألفاظ مخلوقة لم يتكلم الله بها ولم تسمع منه ، وإنما كلامه هو المعنى القائم بنفسه ، وقالوا : هذا قول أحمد .

    والبخاري وأئمة السنة برآء من هذين القولين ، والثابت المتواتر عن الإمام أحمد هو ما نقله عنه خواص أصحابه وثقاتهم ، كما بينه صالح وعبد الله المروذي وغيرهم : من الإنكار على الطائفتين جميعا كما ذكره البخاري ، فأحمد والبخاري على خلاف قول الفريقين ، وكان يقول : من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع ، وإن القرآن الذي يقرأه المسلمون هو كلام الله على الحقيقة [ ص: 515 ] وحيث تصرف كلام الله فهو غير مخلوق ، وكان يقول بخلق أفعال العباد وأصواتهم ، وإن الصوت المسموع من القارئ هو صوته وهو مخلوق ، ويقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " معناه يحسنه بصوته ، كما قال " زينوا القرآن بأصواتكم " .

    ولما كان كل من احتج بكلام أحمد على شيء فلا بد من أمرين أحدهما : صحة النقل عن ذلك القائل ، والثاني : معرفة كلامه ، قال البخاري : فما احتج به الفريقان من كلام أحمد ليس بثابت كثير من أخبارهم ، وربما لم يفهموا دقة مذهبه فذكر أن من المنقول عنه ما ليس بثابت ، والثابت عنه قد لا يفهمون مراده لدقته على أفهامهم .

    وقال إبراهيم الحربي : كنت جالسا عند أحمد بن حنبل إذ جاءه رجل فقال : يا أبا عبد الله إن عندنا قوما يقولون إن ألفاظهم بالقرآن مخلوقة ، قال أبو عبد الله : يتوجه العبد لله بالقرآن بخمسة أوجه وهو فيها غير مخلوق : حفظ بقلب ، وتلاوة بلسان ، وسمع بأذن ، ونظرة ببصر ، وخط بيد ، فالقلب مخلوق والمحفوظ غير مخلوق ، والتلاوة مخلوقة والمتلو غير مخلوق ، والسمع مخلوق والمسموع غير مخلوق ، والنظر مخلوق والمنظور إليه غير مخلوق ، والكتابة مخلوقة والمكتوب غير مخلوق ، قال إبراهيم : فمات أحمد فرأيته في النوم وعليه ثياب خضر وبيض ، وعلى رأسه تاج من الذهب مكلل بالجواهر وفي رجليه نعلان من ذهب ، فقلت له : ما فعل الله بك ؟ قال غفر لي وقربني وأدناني ، فقال : قد غفرت لك ، فقلت له : يا رب بماذا ؟ قال : بقولك كلامي غير مخلوق .

    ففرق أحمد بين فعل العبد وكسبه وما قام به فهو مخلوق ، وبين ما تعلق به كسبه وهو غير ، ومن لم يفرق هذا التفريق لم يستقر له قدم في الحق .

    فإن قيل : كيف يكون المسموع غير مخلوق ، وإنما هو صوت العبد ، وأما كلامه سبحانه القائم به فإنا لا نسمعه ، وكيف يكون المنظور إليه غير مخلوق ، وإنما هو المداد والورق ، وكيف يكون المحفوظ غير مخلوق وإنما هو الصدر وما حواه واشتمل عليه ، فهل انتقل القديم وحل في المحدث أو اتحد به وظهر فيه فإن أزلتم هذه الشبهة انجلى الحق وظهر الثواب ، إلا فالغبش موجود والظلمة منعقدة .

    قيل : قد زال الغبش بحمد الله وزالت الظلمة ببعض ما تقدم ، ولكن ما حيلة [ ص: 516 ] الكحال في العميان ؟ فمن يشك في القلب وصفاته ، واللسان وحركاته ، والحق وأصواته والبصر ومرئياته ، والورق ومداده ، والكاتب وآلاته .

    قال الشعبي في بيع المصاحف : لا يبيع كتاب الله وإنما يبيع عمل يده ، وقال زياد مولى سعيد : سألت ابن عباس فقال : لا نرى أن تجعله متجرا ولكن ما عملت يداك فلا بأس ، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في بيع المصاحف : إنما هم مصورون يبيعون عملهم ، عمل أيديهم ، وذكر ذلك البخاري قال ، ويذكر عن علي قال : يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ، ولا من القرآن إلا رسمه .

    قال البخاري : قال الله عز وجل : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا قال ولكنه كلام الله تلفظ به العباد والملائكة ، قال : وقد قال تعالى : فإنما يسرناه بلسانك ولقد يسرنا القرآن للذكر قال وسمع عمر معاذا القارئ يرفع صوته بالقراءة وقال : إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ثم روي عن أبي عثمان النهدي قال : ما سمعت صنجا قط ولا بربطا ولا مزمارا أحسن من صوت أبي موسى الأشعري إلا فلان إن كان ليصلي بنا فنود أنه قرأ البقرة لحسن صوته .

    ثم قال البخاري : فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أصوات الخلق ودراستهم وقراءتهم وتعلمهم وألسنتهم مختلفة بعضها أحسن من بعض ، وأتلى وأزين وأصوت وأرتل وألحن وأعلى وأخف وأغض وأخشع ، قال تعالى : وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا وأجهر وأخفى وأمد وأخفض وألين من بعض ، ثم ذكر حديث عائشة المتفق عليه " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يشتد عليه له أجران " ومراده أن قراءته في الموضعين علمه وسعيه .

    وذكر حديث قتادة : سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " كان يمد مدا " وفي رواية " يمد صوته مدا " ثم ذكر حديث قطبة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الفجر : والنخل باسقات لها طلع نضيد يمد بها صوته يعني فالمد والصوت له صلى الله عليه وسلم [ ص: 517 ] قال أبو عبد الله : فأما المتلو فقوله عز وجل الذي ليس كمثله شيء ، قال تعالى : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق وقال عبد الله بن عمر : يمثل القرآن يوم القيامة فيشفع لصاحبه ، قال أبو عبد الله : وهو اكتسابه وفعله ، قال تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .

    ثم قال البخاري : فالمقروء كلام رب العالمين الذي قال لموسى : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني إلا المعتزلة فإنهم ادعوا أن قول الله مخلوق ، وهذا خلاف ما عليه المسلمون ، ثم قال البخاري : فالقراءة هي التلاوة ، والتلاوة غير المتلو ، قال وقد بينه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر حديث " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : يقول العبد : الحمد لله رب العالمين ، يقول الله حمدني عبدي . . . " الحديث ، فالعبد يقول : الحمد لله رب العالمين حقيقة تاليا لما قاله الله عز وجل فهذا قول الله الذي قاله وتكلم به مبتدئا تاليا وقارئا ، كما هو قول الرسول مبلغا له ومؤديا ، كما قال تعالى : قل ياأيها الكافرون قل أعوذ برب الفلق قل هو الله أحد فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أمر أن يقوله ، فكان قوله تبليغا محضا لما قاله ، فمن زعم أن التالي والقارئ لم يقل شيئا فهو مكابر جاحد للحس والضرورة ، ومن عزم أن الله لم يقل هذا الكلام الذي نقرأه ونتلوه بأصواتنا فهو معطل جاحد جهمي زاعم أن القرآن قول البشر .

    قال البخاري : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرءوا إن شئتم " فالقراءة لا تكون إلا من الناس ، وقد تكلم الله بالقرآن من قبل خلقه ، فبين أن الله سبحانه هو المتكلم بالقرآن قبل أن يتكلم به العباد ، بخلاف قول المعتزلة والجهمية الذين يقولون إن الله خلقه على لسان العبد ، فتكلم العبد بما خلقه الله على لسانه من كلامه في ذلك الوقت ، ولم يتكلم به الله قبل ذلك .

    [ ص: 518 ] قال البخاري : ويقال فلان حسن القراءة ورديء القراءة ، ولا يقال حسن القرآن ، وإنما ينسب إلى العباد القراءة ؛ لأن القرآن كلام الرب ، والقراءة فعل العبد ، قال ولا تخفى معرفة هذا القدر إلا على من أعمى الله قلبه ولم يوفقه ولم يهده سبيل الرشاد .

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء