رمضان شهر انتصارات المسلمين
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أقول وبالله التوفيق
بأن شهر رمضان هو حقا أعظم شهور السنة , ويكفي أن الله من على المسلمين فيه بعدة انتصارات فاصلة في تاريخ أمة الاسلام يقول ربنا عز وجل: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 190-193 ونحاول الاشارة الى هذه الانتصارات كما يلى :-
أولا :-أول خروج للمسلمين لقتال مشركي قريش كان في رمضان، وليس المقصود هنا غزوة بدر، فقبْل بدر خرج جيش إسلامي لأول مرة لقتال المشركين بعد الإذن بالقتال وكان في رمضان سنة 1هـ، ولم يكن صيام رمضان قد فُرض بعد، وكانت هذه هي سرية حمزة بن عبد المطلب عمِّ رسول الله، وكانت السرية في مكان يُعرف باسم (سَيف البحر). إذن أول مرَّة يرفع المسلمون سيوفهم للدفاع عن حقوقهم وأنفسهم كانت في رمضان، ولم يحدث قتال في هذه المرَّة؛ فقد حجز بينهم أحد حلفاء الفريقين، كان اسمه مجدي بن عمرو الجهني.
ثانيا :-غزوة بدر الكبرى في 17 رمضان سنة 2هـ، وقد انتهت بالنصر الباهر للمسلمين، وهي أول صدام حقيقي بين المسلمين وبين مشركي قريش، وكانت قريش تحمل لواء الكفر في الجزيرة العربية.
ثالثا :-أما في سنة 8هـ فكان الموعد مع حدث من أهم أحداث التاريخ، إنه فتح مكة، اللقاء الأخير والفيصل مع مشركي قريش؛ فقد خرج الرسول وجيش المؤمنين من المدينة المنورة قاصدًا مكة في 10 رمضان سنة 8هـ، وفتحها في 21 رمضان.
والموقف في فتح مكة مختلف عن بدر؛ ففي غزوة بدر كان الخروج في رمضان على غير اختيار المؤمنين؛ لأن القافلة المشركة بقيادة أبي سفيان جاءت في ذلك التوقيت فخرجوا لها، لكن الخروج في فتح مكة كان بتخطيط وتدبير من رسول الله ومن المؤمنين،
رابعا :- أما في سنة 13هـ فحدث في منتهى الأهمية، إذ استطاع المسلمون في موقعة البويب بقيادة البطل الإسلامي الفذ المثنى بن الحارثة، وكان عدد المسلمين في هذه الموقعة 8 آلاف فقط، والفرس مائة ألف بقيادة (مهران) وهو من أعظم قُوَّاد الفرس، وتم اللقاء في الأسبوع الأخير من شهر رمضان سنة 13هـ، ودارت موقعة من أشدِّ مواقع المسلمين، أمر فيها المثنى جنوده أن يُفطروا؛ ليتقوَّوا على قتال عدوهم، اقتدى بفعل الرسول في فتح مكة، وثبت المسلمون ثباتًا عجيبًا، وأبلى المثنى وبقية الجيش بلاءًً حسنًا، وتنزَّلت رحمات الله وبركاته على الجيش الصابر، فانتصر المسلمون انتصارًا رمضانيًّا هائلاً.وقد
تجاوز القتلى 90 ألف فارسي من أصل مائة ألف، هزيمة مروعة للجيش الفارسي بعد شهر واحد من هزيمة المسلمين في موقعة الجسر. ولنفكر ونتدبَّر كيف لثمانية آلاف أن يهزموا أكثر من 90 ألفًا، وفي عُدة أضعف من عدتهم، وفي عقر دارهم، كيف يحدث هذا؟ لن تعرف تفسيرها أبدًا إلاَّ أن تقول: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال: 17]. هذا هو التفسير الوحيد لهذه الموقعة، التي لا تُنْسَى في التاريخ الإسلامي.
خامسا :- وتمرُّ الأيام ويأتي رمضان جديد على المسلمين سنة 53هـ، تفتح فيه جزيرة رودس في البحر الأبيض المتوسط، فقد أرسل إليها أمير المؤمنين الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أحد التابعين الأبرار لفتحها، وهو جنادة بن أبي أمية الأَزْدِي من قبيلة الأزد اليمنية ومَنَّ الله عليهم بفتح الجزيرة في رمضان سنة 53هـ.
سادسا :-ويتسلسل بنا التاريخ لنصل إلى رمضان سنة 91هـ، ليفتح المسلمون أولى صفحاتهم في سِفْر الأندلس الضخم، في رمضان سنة 91هـ تنزل الفرقة الاستكشافية المسلمة التي أرسلها موسى بن نصير -رحمه الله- بقيادة طريف بن مالك رحمه الله؛ لاستكشاف الأندلس.
سابعا :-وفي رمضان سنة 92هـ يلتقي المسلمون -وهم 12 ألف رجل- بقيادة طارق بن زياد رحمه الله بمائة ألف إسباني صليبي بقيادة رودريك -أو في الروايات العربية يسمونه لوذريق- معركة هائلة داخل أرض الإسبان وفي عقر دارهم، والفارق هائل في العدد، ومع ذلك انتصر المسلمون فيها، وقد استمرت ثمانية أيام متصلة؛ ليبدأ المسلمون قصة طويلة في الأندلس استمرت أكثر من 800 سنة، هذا الانتصار الباهر كان في رمضان سنة 92هـ، وراجعوا ذلك في فتح الأندلس أو موقعة وادي برباط، فهي معجزة عسكرية بكل المقاييس، تغيَّر على إثرها كل تاريخ المنطقة في شمال إفريقيا وفي غرب أوربا، بل تاريخ أوربا كله.
ثامنا :-أما عن جهاد صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- فحدث ولا حرج؛ إذ ما كان يُفَرِّق بين رمضان وبين أي شهر من شهور السنة، كل الشهور عنده جهاد، ليست هناك راحة، فما أن انتهى من حطين وفتح بيت المقدس اتجه مباشرة إلى حصار صور في 9 رمضان سنة 583هـ.
معارك متصلة في كل شهر إلى أن حرَّر -رحمه الله- صفد في رمضان سنة 584هـ، بعد سنة من حطين، وعندما كان بعض الوزراء يعرضون عليه تأجيل القتال بعد شهر الصوم، كان -رحمه الله- يرفض ويصر على الجهاد.
تاسعا :-وفي 25 رمضان سنة 658هـ حدثت الموقعة التي هزَّت الأرض بكاملها موقعة عين جالوت، وفيها كان الانتصار الإسلامي الباهر بقيادة سيف الدين قطز -رحمه الله- على جحافل التتار، وكانت جيوش التتار تنتصر على جيوش المسلمين انتصارات متتالية بلا هزائم ولسنوات عديدة، مذابح من أبشع مذابح التاريخ، إبادة لكل ما هو حضاري، تدمير لكل شيء في البلاد الإسلامية، من أول يوم دخل فيه التتار في أرض المسلمين سنة 616هـ وإلى هذه السنة سنة 658هـ؛ 42 سنة متصلة وصل المسلمون فيها إلى أدنى درجات الذل والهوان، ثم تغيَّر الوضع، وعادت الكرامة والعزة للمسلمين مرة أخرى في رمضان سنة 658هـ، وليس كأي انتصار؛ لقد فني جيش التتار بكامله.
عاشرا :-في 10 رمضان سنة 1393هـ، التي اشتهرت بحرب 6 أكتوبر سنة 1973م، فتحررت سيناء، وهو انتصار مجيد؛ فالحواجز التي عبرها الجيش المصري تدخل في عداد المعجزات العسكرية، والروح الإيمانية كانت مرتفعة جدًّا عند الجيش وعند الشعب، فكانت النزعة والتربية الإسلامية في الجيش ملموسة وواضحة، ونداء (الله أكبر) كان يخرج من قلب كل مسلم، والوحدة الإسلامية كانت في أبهى صورها.
إذن لا يوجد عدوٌّ من أعداء الإسلام إلاَّ وحاربناه وانتصرنا عليه في رمضان؛ سواء كانوا مشركين أو صليبيين أو تتارًا أو فرسًا أو يهودًا، ولا يأتي رمضان إلاَّ ونتذكر هذه الانتصارات، وهذه نعمة عظيمة مَنَّ الله عز وجل بها علينا؛ لنظلَّ نتذكر الجهاد والانتصار إلى يوم القيامة.
هذا والله أعلم
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
راجع موقع د راغب السرجانى مقالة ( رمضان شهر الانتصارات)