المحاكمة العلمية للداروينية الحديثةالحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله، و على آله و صحبه ومن اتبع هداه، و بعد:
إعداد: بوودن دحمان
من النظريات الهدّامة التي تسلّلت إلى مدارس المسلمين، وصارت تدرس على أنها حقيقة علمية، نظرية تشارلز دارون،تنص النظرية على أنّ كل كائن حي تطور عن كائن هو أبسط منه، وهكذا حتى ينتهي الأمر إلى خلية واحدة، هي الأصل الذي تفرعت منه جميع الكائنات تدريجيا عبر ملايين السنين.
و قد اعتمد دارون في هذا الطرح على آلية الانتخاب الطبيعي الذي ينص على أنّ البقاء للأقوى و أنّ التنوع في الكائنات يحدث نتيجة تأقلمها مع الوسط الذي تعيش فيه،فعندما تُهاجم مجموعة أرانب مثلا من قبل حيوان مفترس، فإنّ الأفراد السريعة تنجوا بنفسها، و عليه فإنّ الجيل الذي ينتج من هذه الأفراد الناجية سيتكون من الأرانب السريعة فقط -هذا صحيح- لكن مهما طالت هذه العملية و تكررت، فليس بمقدورها أن تحول الأرنب إلى ثعلب مثلا، فالدور الذي يلعبه الانتخاب الطبيعي لا يزيد على كونه آلية لتقوية بعض الخصائص الموجودة ابتداءً داخل النوع الواحد، ولا يستطيع أن ينشئ نوعا جديد أو عضوا كالعين مثلا،لأنها لا تؤذي وظيفتها إلا بكامل أجزائها.
ثم إنّ ذلك التأقلم ليس له أي أثر في التنوع، فإذا كانت الزرافة قد احتاجت إلى استطالة عُنقها لتلحق الأغصان العالية تتغذى عليها كما يقول دارون، فلماذا لم ينقرض الخروف ذو العنق القصيرة من الجوع و هو و الزرافة أبناء عُمومة ويتغذيان على نفس الطعام؟! وعليه فإنّ الإشكال يبقى مطروحا: كيف حدث هذا التنوع في الكائنات الحية؟
و هنا تأتي الداروينية الحديثة بآلية الطفرة الوراثية لتجيب عن هذا التساؤل، مؤكدة بأنّ النقلة النوعية سببها تلك التغيرات التي تطرأ في جينات الكائن الحي،وذلك نتيجة الإشعاعات الطبيعية و غيرها من المؤثرات الخارجية، ثم يأتي دور الانتخاب الطبيعي بتوريث هذه الطفرة إلى الأجيال اللاحقة مشكلة بذلك نوعا جديدا!
لكن الدراسات الحديثة و الوقائع المشاهدة أثبتت بأنّ الطفرة الوراثية لا تحدث إلا ضارّة، وكل المحاولات لخلق طفرة نافعة باءت بالفشل،و إضافة إلى كون الطفرة ناذره في الطبيعة، فإنّ الطفرة لا تُنقل إلى الجيل اللاحق إلا إذا حدثت في الخلايا التناسلية للكائن الحي،و عليه فإنّ الطفرة على قانون "البقاء للأقوى" هي آلية هدم و ليست آلية تطور.
و هكذا يتبيّن لنا أنّ دارون لم يُشر إطلاقا إلى أصل الحياة،فقد كان الاعتقاد السائد في وقته قائمًا على فكرة التولد الذاتي، و قد أبطله"مندل" بتجاربه و أثبت أنّ تلك الكائنات التي تظهر على الطعام المتعفن لم تتولد منه، بل حُملت هنالك بواسطة حشرات لا تُرى بالعين المجردة، ووضع قانونه الذي يهدم النظرية من أول وهلة:"الحياة لا تأتي من الجماد، الحياة تأتي من الحياة"
ثم إنّ عناصر الحياة كجزيء أ. د. ن مثلا،لم يكن معروفا في زمن دارون، بل كان يتصوّر أنّ الخلية في غاية البساطة،فما كاد ينتهي القرن العشرين حتى أصبحت الخلية أعقد تركيبا من مدينة نيويورك، فكيف نُصدق أنّ الخلية نشأت في ظل الظروف البدائية للأرض، و قد عجزت أحدث المخابر عن صنع بروتين واحد داخل الخلية بله الخلية نفسها.
وإذا كانت الحياة بدأت في المياه ثم انتقلت إلى اليابسة على النحو الذي يفترضه دارون، فليُخبرنا إذا كيف استطاع السمك أن يعيش خارج الماء تلك المدة الطويلة حتى تطورت منه الزواحف؟!فإن قال: إنّ الانتقال حصل عن طريق البرمائيات، قلنا له: إنّ بيض البرمائيات يختلف عن بيض الزواحف،فالأول ينمو في الماء و الثاني ينمو في اليابسة، فهل هنالك بيض برمائي أيضا!
ثم إنّ مبدأ "شاتوليه " في الكيمياء،يقضي باستحالة حدوث تفاعل كيميائي في وسط مائي، فلا يجمل بأنصار التطور إذا أن يغيروا رأيهم و يقولوا: إنّ الحياة ظهرت أولا في اليابسة،لأننا نعلم أنّ المياه هي المكان الآمن للأحماض الامينية من الفساد، بفعل الأشعة فوق البنفسجية التي تتعرّض لها لو كانت على اليابسة.
أما البحث عن أصل الحياة في الفضاء الخارجي،فهذا تعبير منهم على اليأس، و استبقاءً لهذه النظرية على قيد الحياة لا أكثر، لأنّه حتى لو أمكن وصول الأحماض الأمينية إلى الأرض عبر نيزك، مخترقةً الغلاف الجوي دون احتراق، فإنّ السؤال يبقى مطروحا: كيف نشأت هذه الأحماض هنالك بالصدفة؟! فهذا يجعلنا نُدير عجلة البحث دورة إلى الوراء فقط.
ثم نحن إذا ما نظرنا في سجل الحفريات،فإنّنا نجدُ عكس ما تدعيه النظرية من أنّ الكائنات تطورت من الأبسط إلى الأكثر تعقيدا، فهذه صخور العصر الكمبري التي هي أقدم الصخور الرسوبية، نجد فيها كائنات كثيرة و معقدة جدًا كثلاثيات الفصوص...و لا توجد أية علامة للانتقال التدريجي -أو لما يُسمى بالحلقة المفقودة-بينها و بين وحيدات الخلايا، التي تمثل أول شكل من أشكال الحياة قبل العصر الكمبري، حتى إنّ علماء الجيولوجيا يسمون هذا الظهور المفاجئ للكائنات"بالانفجار الكمبري"
و لمّا كانت الداروينية هي النظرية الوحيدة التي تستطيع أن تُعطي تفسير ماديا"مزيفا" لوجود الكائنات، فقد بذل الملحدون قُصارى جهودهم لنشر هذه النظرية في جميع أرجاء العالم، و من أبرز الوسائل المستخدمة في ذلك،ترديدهم لكذبة "لقد عثرنا على الحلقة المفقودة"و الغرض من هذا تحقيق مقولة "اكذب ثم اكذب حتى تصدق"و من الخُدع التي يحتال بها أنصار التطور على العامة، استعمال المصطلحات العلمية المعقدة،من أجل خلق انطباع لديهم أنّ هذا العلم صعب فهمه، و لذلك من الأحسن تركه للعلماء، فكل ما يقوله العلماء حق!و من الخُدع طرح تساؤلات تفصيلية، مثل:هل نحن أقرب رحما إلى الكنغر؟ هل انتصب الإنسان للمشي بسبب الجوع؟...فالعامي إذا ترددت عليه مثل هذه التساؤلات، قد يخلق لديه انطباع أنّ كل شيء عن التطور قد اتّضح، إلا أمور يسيرة سوف يكشفها العلم الحديث وهيهات،و من الخُدع أيضا ترديدهم لكذبة "لقد خلقنا خلية اصطناعية"نعم قد نستطيع بالمخابر الحديثة التي لم تتوفر عليها الظروف البدائية للأرض تغيير شيء مكان شيء و لكن لن نستطيع أبدا إيجاد شيء من العدم،كما يُركز أنصار التطور في نشر نظريتهم على استعمال الوسائل المرئية من رسوم و نحوها، لأنها أشد تأثير على عقول العامة،بحيث أنّ الواحد منهم إذا اعتاد مشاهدة تلك الصور، فإنّه يُصبح غير محتاج أن يسأل عن الأدلّة العلميّة التي تُصدّق ذلك،لكن المصدر الوحيد لتلك الرسوم هو قوة التخيّل لذلك الرسّام، و إلاّ كيف يُعقل أن يُصوّر إنسان "نبراسكا" في كامل هيئته، بل مع أولاده يصيد و يلعب، و كل ذلك بناء على سنّ واحدة عُثر عليها عام 1922م!
و في الختام نقول: إنّ العلم قد نقض نظرية التطور من غير قصد، و أن هذه النظرية لا تزيد على كونها خدعة علمية،امن بها ملاحدة الغرب ولا تزال مُتوهجة في قلوب الكثير من مثقفيهم بل و علمائهم حتى اليوم،لأنّها المبرر المادي الوحيد لتفسير نشأة الكائنات، و لكن ذلك التبرير أو بالأحرى التزوير ليس له مستند علمي صحيح،فالاختلاف البنيوي الكبير و المُعقّد في الكائنات الحية منذ أوّل ظهورها،لا يمكن أن يكون وليد الصدفة العمياء التي استترت وراء ستار الانتخاب الطبيعي و الطفرة الوراثية، فالظهور الكامل و المفاجئ للكائنات الحية لا يوجد له أي تفسير سوى الخلق المباشر الذي نصّت عليه الأديان و ارتضته العقول، و هذه هي العقيدة التي نعتقدها و نموت عليها إن شاء الله، و لا يعمى عنها إلا من ختم الله على قلبه و سمعه و جعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله، نسأل الله السلامة و العافية،و صلى الله و سلم على نبينا محمد، و على آله و صحبه و من اقتفى أثره إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
Bookmarks