الاستعارات فى القرآن و الأدبيات و الكتابات العلمية
يعرف قاموس ميريام ويبستر الاستعارة Metaphore على أنه كلمة أو عبارة دالة عن شىء معين تستخدم فى الإشارة إلى شىء آخر بغرض صرف الانتباه إلى التشابه فيما بينهما وتوظف الاستعارة فى صياغة المفاهيم و النظريات العلمية على نظاق واسع. ومن الأمثلة التى يمكن أن تضرب فى سياق الدلالة على ذلك مثال " الجين الأنانى" الحريص على الانتقال من جيل لآخر دون أن تؤخذ فى الاعتبار مصلحة الكائن الحى ككل مثل الجين المسئول عن غريزة ذكر العنكبوت فى التزاوج مع الاناث بالرغم من أن هذا السلوك الغريزى يعرضه للالتهام بواسطة الأنثى ، ومثال ظاهرة البيت الزجاجى أو " الصوبة" Greenhouse effect حيث تشبه قدرة الغلاف الجوى بما يحويه من غازات على الاحتفاظ بالحرارة وعدم السماح لها بالافلات إلى الفضاء الخارجى بتأثير الصوب أو البيوت الزجازجية التى تستخدم فى زراعة بعض النباتات, ومثال النسيج الزمكانى Space-time fabric وكيف أن الطاقة و الكتلة تحدث تموجا فى هذا النسيج يعرف بالموجات الثقالية Gavitional waves.
و الغرض من هذا التوظيف هو محاولة تقريب بعض المفاهيم العلمية المعقدة للذهن من خلال طرح نماذج تحاكيها من الواقع المشاهد فضلا عن صك مصطلحات خاصة بتلك المفاهيم تساعد على سهولة التواصل فيما بين المختصين عوضا عن إضاعة الوقت فى محاولة وصف تفصيلى لتلك المفاهيم. و فى هذا السياق يقول كاليب أ. شارف Caleb A. Scarf أستاذ علم الفلك فى جامعة كولومبيا: فى كتابى "محركات الجاذبية" تناولت أحد أكثر الظواهر الكونية تعقيدا وهى الثقوب السوداء بالنقاش من خلال توظيف ما يمكن تشبيهه بعتاد معركة من التشبيهات و الاستعارات وكل ما أمكن لى أن أضع يدى عليه من هذا القبيل ... لكن واقع الأمر هو أن العلماء أنفسهم يوظفون هذه الأدوات دائما. و فى بعض الأحيان يكون السبيل الوحيد لبناء تصور بديهى عن مشكلة ما من خلال تشبيهها بشىء آخر .... ولو أن الاستعارات و التشبيهات تؤدى الغرض منها ولو بطريقة شبه صحيحة و تنشط خيال القارىء فهذا ليس بالشىء السيىء من وجهة نظرى . بطبيعة الحال قد تأتى بعكس النتائج المرجوة وقد تكون عامل ارباك أكثر منها عامل ايضاح . اهـ
فإذا أخذنا هذه الحقيقة بعين الاعتبار فى التعامل مع النصوص القرآنية التى تتناول الكون و ظواهره وكيف فى واقع الأمر أنها توظف تلك النماذج البلاغية لتقريب بعض الظواهر الكونية لذهن المستمع وأن تلك النماذج ليست مقصودة لذاتها بل مجرد أداه لرسم تصور بديهى عن تلك الظواهر يمكن لعوام الناس استيعابه لانتفت الاشكاليات التى يطرحها المشككين فى النصوص القرآنية و الدعاوى حول تعارض القرآن مع الحقائق العلمية. فعندما يتحدث القرآن على السموات و الأرض فى حالتها الأولية البدائية بأنهما كانتا " رتقا" أى نسيج متصل بعضه ببعض ثم انفصل كما ينفتق الثوب و يهترىء فتتباعد خيوطه فهذا قريب الشبه بنموذج النسيج الكونى Cosmic web الذى تنتظم فيه المادة فى الكون فى صورة شبكة بها خيوط و عقد Filaments and Knots وكيف أن هذه الخيوط و العقد نتيجة تكدس المادة المظلمة بالأساس ، و التى تشكل 85 % من مجموع المادة، خلال نمو الكون. وكيف أن الكون يمكن تشبيهه بالبناء وأن هذه الشبكة الكونية هى بمثابة هيكل هذا البناء. Adrian Cho,Untangling Celestial Strings
Bookmarks