صفحة 1 من 4 123 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 51

الموضوع: إلا ليعبدون أم إلا لآمرهم أن يعبدون؟

  1. #1

    افتراضي إلا ليعبدون أم إلا لآمرهم أن يعبدون؟

    " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "

    ( سأقوم بترقيم استشكالاتي حتى يسهل عليكم تحديد النقاط التي أخطأت في استنباطها فتخبرونني بأرقامها)

    1-استخدم الله أسلوب نفى واستثناء ليفيد القصر
    2-إذن فالسبب " الأوحد " وراء خلق الله للجن والإنس هو أن يعبدوه
    3- هناك من الإنس من هم كفار ولن يعبدوه
    4- إذن خلق الله من لن يعبدوه وهذه حقيقة واقعة
    5- هناك تعارض بين 4 و 2
    6- إذن هناك خطأ في صياغة الآية لأنها تنفي وجود شيء هو بالفعل موجود أمام أعيننا

    أما إن كان يقصد " إلا لآمرهم أن يعبدون "
    7- فما الدليل على ذلك؟
    8-أليست الآية بصيغة " لآمرهم " أفضل مما هي عليه الآن ؟
    وشكرا مقدما على سعة صدوركم

  2. #2

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة zinder مشاهدة المشاركة
    "
    أما إن كان يقصد " إلا لآمرهم أن يعبدون "
    7- فما الدليل على ذلك؟
    8-أليست الآية بصيغة " لآمرهم " أفضل مما هي عليه الآن ؟
    وشكرا مقدما على سعة صدوركم
    1- لماذا اخترتَ آمرهم ولم تختر أريدهم مع أن الثاني أولى ؟ ودليله تضمنته الآية: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون "
    فالمعنى أني خلقتهم لأني أريدهم أن يعبدون لا أريد منهم رزق ولا أن يطعمون. وأن يكون هناك من لا يعبد الله فهذا لا ينفي معنى الآية وهو ما ذهب إليه بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير بقوله: (( واللام في " ليعبدون " لام العلة ، أي : ما خلقتهم لعلة إلا علة عبادتهم إياي . والتقدير : لإرادتي أن يعبدون ، ويدل على هذا التقدير قوله في جملة البيان ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون .
    وهذا التقدير يلاحظ في كل لام ترد في القرآن تعليلا لفعل الله تعالى ، أي : ما أرضى لوجودهم إلا أن يعترفوا لي بالتفرد بالإلهية .
    فمعنى الإرادة هنا : الرضا والمحبة ، وليس معناها الصفة الإلهية التي تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه على وفق العلم ، التي اشتق منه اسمه تعالى ( المريد ) ؛ لأن إطلاق الإرادة على ذلك إطلاق آخر ، فليس المراد هنا تعليل تصرفات الخلق الناشئة عن اكتسابهم على اصطلاح الأشاعرة ، أو عن قدرتهم على اصطلاح المعتزلة على تقارب ما بين الاصطلاحين لظهور أن تصرفات الخلق قد تكون مناقضة لإرادة الله منهم بمعنى الإرادة الصفة ، فالله تعالى خلق الناس [ ص: 26 ] على تركيب يقتضي النظر في وجود الإله ويسوق إلى توحيده ، ولكن كسب الناس يجرف أعمالهم عن المهيع الذي خلقوا لأجله ، وأسباب تمكنهم من الانحراف كثيرة راجعة إلى تشابك الدواعي والتصرفات والآلات والموانع .
    وهذا يغني عن احتمالات في تأويل التعليل من قوله " ليعبدون " من جعل عموم الجن والإنس مخصوصا بالمؤمنين منهم ، أو تقدير محذوف في الكلام ، أي : إلا لآمرهم بعبادتي ، أو حمل العبادة بمعنى التذلل والتضرع الذي لا يخلو منه الجميع في أحوال الحاجة إلى التذلل والتضرع كالمرض والقحط وقد ذكرها ابن عطية .
    ويرد على جميع تلك الاحتمالات أن كثيرا من الإنس غير عابد بدليل المشاهدة ، وأن الله حكى عن بعض الجن أنهم غير عابدين . )) انتهى كلام بن عاشور.

    2- لا مانع أن يكون المعنى بالشكل الذي فهمته أنتَ..فالله سبحانه وتعالى لم يقل وما أنزلت الإنس والجن إلى الأرض إلا ليعبدون: لو كانت الآية بهذا الشكل لكان اعتراضك في محله.
    ولكنه تعالى قال: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون..فالعبادة هنا لم يجعلها الله واجبة في الدنيا فهي لم تقرن بمكان أو زمان. وعليه فإن من كفر ولم يعبد الله طوعا في الدنيا لا نقول أن حاله مناقض لما جاء في الآية لأنه قد يعبد الله كرها في الآخرة فيتحقق فيه معنى الآية بدليل قوله تعالى في سورة مريم: ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ) أي وكما جاء في التفسير : (( إلا آتيه يوم القيامة ( عبدا ) ذليلا خاضعا يعني : أن الخلق كلهم عبيده )) وقوله تعالى (( وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ )) داخرين أي صاغرين..وقوله تعالى (( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال )) وتفسير الطبري لهذه الآية: (( فإن امتنع هؤلاء الذين يدعون من دون الله الأوثان والأصنام لله شركاء من إفراد الطاعة والإخلاص بالعبادة له فلله يسجد من في السماوات من الملائكة الكرام ومن في الأرض من المؤمنين به طوعا ، فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كرها حين يكرهون على السجود ))..وقال سبحانه كذلك في وصف حال الكفار يوم القيامة (( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا ))

    إذن لا إشكال إن شاء الله في المعننين.
    التعديل الأخير تم 09-04-2016 الساعة 02:48 AM
    التعقيد في الفلسفة بمثابة أوثان مقدسة يُحرَّمُ الإقتراب منها بالتبسيط أو فك الطلاسم
    فمن خلال التبسيط يتكشَّف المعنى السخيف -لبداهَتِه أو لبلاهَتِه- المُتخفي وراء بهرج التعقيد وغموض التركيب..

    مقالاتي حول المذاهب والفلسفات المعاصرة


  3. #3

    افتراضي

    لنبدأ بالردود التي استبعدتها قبل البدء بتلك التي رجحتها

    {جعل عموم الجن والإنس مخصوصا بالمؤمنين منهم }

    لا يوجد بالآية ما يدل على تخصيص ولو أراد التخصيص لاستثنى منهم الكفار


    { أو تقدير محذوف في الكلام ، أي : إلا لآمرهم بعبادتي }

    هذا لا يختلف كثيرا عما رجحته أنت من تقدير محذوف في الكلام وسوف أرد عليه لاحقا


    {أو حمل العبادة بمعنى التذلل والتضرع الذي لا يخلو منه الجميع في أحوال الحاجة إلى التذلل والتضرع كالمرض والقحط }

    ولكن هناك من لا يلجأ للتذلل أو التضرع في القحط والمرض

    أما ما رجحته أنت من تقدير محذوف علته كلمة " أريد " في الآية التالية
    فهذا ما يحتاج دليلا
    هل هناك قاعدة مثلا تقول إن لام التعليل تتبع بحذف يستدل عليه بما تلاها؟!
    يعني لماذا تم الحذف ابتداء؟
    وعلى أي أساس تم استنباط تقدير ما حذف من آية تالية؟
    ماذا لو قررت أنا أن المحذوف " لأمنعهم أن يعبدون "؟
    هل وجود كلمة أريد دليل كاف على وجود محذوف بنفس معناها؟
    خلاصة القول أني أرى استناد المفسر إلى تقدير محذوف من الكلام ما هو إلا حيلة لتبرير تناقض واقع لم يجد له حلا سوى تقدير محذوف من الكلام
    بل وزاد أنه أتى بدليل ضعيف على الكلمة المحذوفة وهو أن كلمة ذكرت في آية تلتها

    أما عن حمل المعنى على المعنى الحقيقي الواضح دون تأويل أو تقدير محذوف

    {فالعبادة هنا لم يجعلها الله واجبة في الدنيا فهي لم تقرن بمكان أو زمان}
    {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال}

    فهذا يشبه تماما ردكم على كيفية استواء الرحمن على العرش وكيفية سجود الشمس تحت عرش الرحمن
    " بكيفية لا نعلمها ولكننا نؤمن بها "
    فأنت اعتبرت أنه حتى الكفار يعبدون الله بطريقة لا نعلمها في الدنيا ويسجدون له بطريقة لا نعلمها وليس عليها ثم دليل
    وذلك لمجرد أنك تؤمن أن ذلك كلام الله ولا بد أن يكون كلام الله حقا حتى لو كان منافيا لما نراه نحن بأعيننا في الواقع


    أما أن العبادة ربما تكون كرها في الآخرة
    فهذا أيضا مما لم ترد عليه دليلا وأما آيات القيامة وأن الجميع صاغر وعبد وذليل فأين معنى " يعبدون" في ذلك أصلا؟
    هل كون الإنسان عبدا لله يقتضي منه أنه فعلا يعبد الله؟!

    {فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كرها حين يكرهون على السجود }

    لم أفهم ما تقصده بأنهم يكرهون على السجود
    فما أعلمه عن يوم القيامة أنهم يدعون إلى السجود فلا يستطيعون


    وفي النهاية
    لو كان سبب خلق الله للجن والإنس الكافرين كما تدعي هو أنهم سيعبدونه ولو يوم القيامة فقط
    وأضف على ذلك أنهم سيكونون مكرهين وهم يعبدونه
    إذن فالسبب الوحيد لخلقهم في الدنيا بكل ما فيها من مرض وفقر وبؤس وحزن ثم تألمهم في سكرات موتهم ثم عذابهم في قبورهم في حفر النيران ثم معاناتهم و إذلالهم وصغارهم يوم القيامة ثم عذابهم في جهنم إلى أبد الآبدين
    كل ذلك من أجل سبب وحيد وهو أن يجعلهم يعبدونه مرة واحدة يوم القيامة.... بل وهم مكرهون أيضا؟!
    فقد حقق إذن مراده من خلقهم فلماذا يعذبهم ويجعلهم يعانون... ولماذا يكلفهم بعبادته في الدنيا أصلا... ولماذا... ولماذا...؟!
    فهذا التبرير يثير تساؤلات أكثر مما يجيب

    .

  4. #4

    افتراضي

    يبدو أنك من هواة الجدل ومن محبي اللت والعجن.
    باختصااااااار
    1- الجملة العربية تفهم بالسياق. وابن عاشور الذي جئتك بتفسيره هو عالم لغة عربية قبل أن يكون مفسر وقوله واضح: "ويدل على هذا التقدير قوله في جملة البيان ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون . " يعني لو قلتها لطفل صغير لقال: طالما أنه لا يريدنا أن نرزقه أو نطعمه فهو قطعا لا يريدنا إلا أن نعبده. انتهى
    لو عندك دليل يناقض هذ السياق اللغوي: فأتنا به. غير ذلك: آرئك المخالفة للسياق والتي لا تنهض على دليل: لا تلزمنا في شيء

    2- لم أستبعد أي تفسير كما زعمت. هذا افتراءٌ منك. وإنما على العكس سلمتُ لك بفهمك تسليما تاما في النقطة (2) من المداخلة السابقة. وتبين أنك تقصر العبادة على الحياة الدنيا. وهذا فهم مغلوط منك ولا يلزمنا. ولو بحثتَ قليلاً عن حال أهل الفترة وكيف انهم غير مأمورين في الدنيا وإنما عبادتهم وامتثلالهم لأمر الله يكون في الآخرة لعلمتَ أن العبادة أعم وأشمل من أن تقصرها على زمان أو مكان. وبإمكانك اعتبار دليل أهل الفترة دليل إضافي على إمكان وقوع العبادة في الآخرة لا في الدنيا وهذا ثابت بالنصوص عندنا.

    3- تقول:
    فهذا يشبه تماما ردكم على كيفية استواء الرحمن على العرش وكيفية سجود الشمس تحت عرش الرحمن
    " بكيفية لا نعلمها ولكننا نؤمن بها "
    فأنت اعتبرت أنه حتى الكفار يعبدون الله بطريقة لا نعلمها في الدنيا ويسجدون له بطريقة لا نعلمها وليس عليها ثم دليل
    وذلك لمجرد أنك تؤمن أن ذلك كلام الله ولا بد أن يكون كلام الله حقا حتى لو كان منافيا لما نراه نحن بأعيننا في الواقع
    أنتَ كاااااذب !..كااااااذب !..كااااذب !
    هذا افتراء من عندك..لم أشر إلى شيء من هذا ولا حتى تلميحا !

    4- باقي كلامك عن يوم القيامة -وأيضا باختصاااااااار-:
    ما هو تعريف العبادة لغةً لديك ؟
    العبادة لغةً هو الخضوع والتذلل..وهو تعريف لا يعترض عليه أشد أهل الأرض إلحادا..
    فإن كانت لغة العرب تسعفك في إيجاد تعريفٍ غيره بل وتحصره في هذا التعريف فأنرنا.

    واعتراضاتك الأخرى من قبيل لماذا مكرهون..أو لماذا يعذبهم بعد ذلك..فهذه قفزة لولبية منك..لا علاقة لها بالقرينين: آية الخلق والعبادة: موضوع هذا الشريط.
    هذه الأسئلة لا تطرح إلا بعد التسليم بانتفاء التناقض الذي تزعمه انتَ. وطرحها قبل التسليم بانتفاء التناقض هو كمن يضع ساقٍ بمصرَ وساقٍ بالعراق.
    التعديل الأخير تم 09-04-2016 الساعة 02:45 PM
    التعقيد في الفلسفة بمثابة أوثان مقدسة يُحرَّمُ الإقتراب منها بالتبسيط أو فك الطلاسم
    فمن خلال التبسيط يتكشَّف المعنى السخيف -لبداهَتِه أو لبلاهَتِه- المُتخفي وراء بهرج التعقيد وغموض التركيب..

    مقالاتي حول المذاهب والفلسفات المعاصرة


  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي


    أهلا بالزميل، ليس عندنا أدنى إشكال في الآية و إشكالك لم يُطرح أبدا حتى عند اجهل الناس باللغة .. أي لغة شئت !!

    و هنا سأوجه إليك سؤالين في غاية البساطة و لعل بالإجابة عنهما ينحل إشكالك :

    - السؤال الأول :
    لنتفق على الأساس : إن لم يخلقنا الله للعبادة برأيك و هو حتما خلقنا لغاية إلا أن تنفي عنه الحكمة - و هذا مناف لكماله - فلماذا خلقنا إذن ؟ أريد منك جوابا واضحا محددا هذا إن كان لديك علم طبعا بسبب آخر لخلقنا ..
    هل خلقنا الله تعالى لنكون حيوانات مثلا .. إذن ما لزوم هذا الوعي الذي خلقه فينا .. لماذا لم نكن غرائزيين كالحيوانات و عندها أيضا لا لزوم لمحاكمة بعضنا بعضا و لا لوضع قوانين أرضية فضلا عن الخضوع للقوانين الإلهية و لا لزوم لتحمل المسؤوليات و لا للإحساس بالذنب أو الرغبة في الإحسان.
    أطرح هذا السؤال منفصلا تماما عن التطرق إلى طبيعة العبادة و هل هي جبرية أم اختيارية بحيث يُستثنى منها الكفار و تختص بالمؤمنين - السؤال واضح : لماذا خلقنا الله ؟

    جوابك ...

    - السؤال الثاني : على فرض أن جوابك صحيح مائة بالمائة و أن الآية متعلقة ببعض الخلق دون بعض و أنها فقط تفيد هذا المعنى '' الأمر بالعبادة '' ما الذي يجعلك تلزم الآية لغة بهذا المقصود : ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون جبرا و قسرا ؟

    على فرض أن الأمر بالعبادة هو الغاية الكلية من خلق الجن و الإنس ما المانع لغة أن يكون التعبير عنها بالإقتضاء و اللزوم .. فبما أن الله خلقنا لغاية واحدة أن يأمرنا بعبادته فهو بالتالي خلقنا لما أمرنا به ، ما الذي أمرنا به ، عبادته ، إذن فقد خلقنا لعبادته ..
    و إن كان التعبير القرآني لأشمل و أحكم من هذا الذي تدندن حوله : الأمر بالعبادة ، لأنه ذكر الفعل المنسوب إلى الخلق يقتضي الفعل المنسوب إلى الخالق لكن الفعل المنسوب للخالق قد لا يقتضي بالضرورة أو لا يتضمن إشارة إلى فعل الخلق ، بمعنى لا قيمة لفعل الخلق ما يهم أن آمرهم و هذا ينافي إكرام الله تعالى للخلق و لا يليق بصفة قربه و دنوه منهم و رحمته القريبة من محسنيهم .. فهو ذو الجلال و الإكرام يحب أن يذكر عباده بما فعلوه و يفعلونه لأجله و بما يريدهم أن يفعلوه لأجله و لا يذكر مراده منهم فحسب .. فتأمل.

    أخيرا، و بالتركيز على هذه النقطة يبطل كل ما تدعيه حول الآية رأسا ، لو كان معنى الآية الذي تلزمها به فيما ترمي إليه من كلامك : خلقنا الله لنعبده قسرا بحيث لا يستقيم لفظها عندك دون تحديد المراد و أنها عبادة تخييرية تتأتى بالتكليف و يدور عليها الإختبار، لماذا يأمرنا الله بالعبادة بل لماذا يختبرنا أصلا، و بالعودة إلى غاية الغايات إن كان الأمر بالعبادة هو الغاية من خلق الخلق فما المانع من أن يقول : خلقنا لأجلها .. هل في الثاني ما ينقض الأول لغة بحيث لا يحتمله و لا يتسع له مفهوما و لا منطوقاً ؟ مثال جئت بك لآمرك بفعل كذا (غرض) = جئت بك من أجل كذا (نفس الغرض).


  6. #6

    افتراضي

    الأخ مستفيد :

    { الجملة العربية تفهم بالسياق. وابن عاشور الذي جئتك بتفسيره هو عالم لغة عربية }

    وسياق الآية الواضح بلا تأويل يقول إن الله خلق الجن والإنس لكي يعبدوه
    أما ابن عاشور فيدعي أن سياقها لم يعن ذلك وعليه أن يأتي بأدلته على ادعائه
    أما أن تعتبر أنت كلامه صوابا لأنه " عالم لغة " فهذا ليس بحجة


    { ويدل على هذا التقدير قوله في جملة البيان ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون }

    هذا إذن دليل ابن عاشور
    وهذا ما جعلني أتساءل علام استند ابن عاشور ف استنباط أن محذوفا قد حذف ودلت عليه كلمة " أريد "
    هل بناء على قاعدة لغوية ؟ أم فقط جاء باستنتاجه لأنه رأي تناقضا بين الآية بصياغتها تلك وبين الواقع فاعتبر أنه لا بد وأن يكون هناك محذوف؟



    {يعني لو قلتها لطفل صغير لقال: طالما أنه لا يريدنا أن نرزقه أو نطعمه فهو قطعا لا يريدنا إلا أن نعبده}

    استنتاج أنه لا يريدنا أن نرزقه أو نطعمه واضح بنص الآية
    أما استنتاج أنه لا " يريدنا " أن نعبده فهذا هو موضع التساؤل

    { لم أستبعد أي تفسير كما زعمت. هذا افتراءٌ منك }
    هذا ما فهمته من كلام ابن عاشور عندما قال إن تفسيره يغنينا عن تفسيرات أخرى كتخصيص الكلام للمؤمنين


    { وتبين أنك تقصر العبادة على الحياة الدنيا. وهذا فهم مغلوط منك ولا يلزمنا}

    نعم أنا أقصرها على الدنيا لأني لم أر دليلا على حدوثها في الآخرة
    فائتني أنت بأدلتك على ذلك

    {وبإمكانك اعتبار دليل أهل الفترة دليل إضافي على إمكان وقوع العبادة في الآخرة لا في الدنيا وهذا ثابت بالنصوص عندنا}

    التساؤل هنا عن وضع الذين كفروا وليس عن وضع من لم تبلغه الرسالة


    {هذا افتراء من عندك..لم أشر إلى شيء من هذا ولا حتى تلميحا !}

    هذا ما اعتقدت أنك تشير إليه بذكرك لآية أن من في الأرض يسجدون طوعا وكرها



    {ما هو تعريف العبادة لغةً لديك ؟}
    أنت استدللت على أن الكفار يعبدون الله بآية إلا آتي الرحمن عبدا
    فاعتبرت أن كلمة عبدا تعني انهم يعبدون الله وهذا ما أعترض أنا عليه
    فكما أن العبد لا يعبد سيده الذي اشتراه من سوق النخاسة
    فكذلك الكافر عبد لله وبالرغم من ذلك لا يعبده



    {هذه الأسئلة لا تطرح إلا بعد التسليم بانتفاء التناقض الذي تزعمه انتَ. وطرحها قبل التسليم بانتفاء التناقض هو كمن يضع ساقٍ بمصرَ وساقٍ بالعراق}

    هذه الأسئلة طرحت أصلا لأني لم أر انتفاء التناقض بعد تفسيرك للآية بأنهم يعبدون الله كرها في الآخرة



    الأخ ابن سلامة :

    { لماذا خلقنا الله ؟ }

    ربما تظن أني مسلم لذلك طرحت هذا السؤال ولكني لست كذلك
    على كل حال لا تهم وجهة نظري أنا في تعليل الخلق
    ولكن من وجهة نظر إسلامية فبحسب الآية قد خلق الله الجن والإنس ليعبدوه
    فإذا كان الأمر كذلك فلماذا إذن خلق من لن يعبدوه؟!


    جوابك ...

    {ما الذي يجعلك تلزم الآية لغة بهذا المقصود : ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون جبرا و قسرا ؟}

    أنا لم ألزمها بذلك المعنى بل على النقيض استنكرته
    وكنت أرد على ما في رد الأخ مستفيد من قوله بأن الكفار سيعبدون الله كرها يوم القيامة


    { خلقنا لما أمرنا به ، ما الذي أمرنا به ، عبادته ، إذن فقد خلقنا لعبادته }

    الفرق أنه لو خلقنا لكي يأمرنا بعبادته فهو بالفعل قد نفذ الغاية وهي " الأمر " بالعبادة
    أما أن يكون خلقنا لنعبده فهنا لم تنفذ الغاية لأن كثيرا لم يعبده


    { و لا يذكر مراده منهم فحسب .. فتأمل}

    لم أفهم ما ترمي إليه من تلك الفقرة


    {فما المانع من أن يقول : خلقنا لأجلها .. هل في الثاني ما ينقض الأول لغة بحيث لا يحتمله و لا يتسع له مفهوما و لا منطوقاً ؟ مثال جئت بك لآمرك بفعل كذا (غرض) = جئت بك من أجل كذا (نفس الغرض)}

    كما قلت لك
    المانع أن الغاية تتحقق في حالة "لآمرك" ولكنها لا تتحقق في حالة" لتفعل"

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    3

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله
    ليس ثمة تعارض في الآية؛ إذا ليس المراد من قوله سبحانه: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} أنه سبحانه خلق الخلق عابدين له، بل المراد أنه سبحانه خلق الخلق على الفطرة، بمعنى الاستعداد لقبول الإيمان أو الكفر، كما قال تعالى: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} (الإنسان:3) وقوله أيضاً: {وهديناه النجدين} (البلد:10) وقوله أيضاً: {فألهما فجورها وتقوها} (الشمس:8) وقوله سبحانه: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} (التغابن:2) والآيات في هذا المعنى كثيرة، فالله سبحانه لم يخلق الخلق عابدين، ولو كان الأمر كذلك لانتفى معنى التكليف.
    فالمراد من الآية بيان الغاية من الخلق وهو أن يكون عابدين له سبحانه، وليس المراد منها انه سبحانه خالقهم عابدين له. قال ابن كثير في المراد من الآية: "إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي" فمنهم من يستجيب لأمره فيكون من المفلحين، ومنهم من يعرض عن أمره فيكون من الخاسرين.
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما: {إلا ليعبدون} أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً، وهذا اختيار ابن جرير الطبري.
    وبما تقدم تعلم أن وجود كفار غير عابدين لا يتعارض مع ما قررته الآية؛ إذ الآية قررت الغاية التي يجب أن يتجه إليها الخلق من خلقهم، وهي عبادة الله دون سواه، وليست الآية إخباراً على أن الله خلق الخلق عابدين له. وبعبارة أخرى، فإن الآية إنشائية وليست إخبارية.
    لا يحزنك تهافت الجماهير على الباطل كتهافت الفراش على النار ، فالطبيب الحق هو الذي يؤدي واجبه مهما كثر المرضى ، ولو هديت واحداً فحسب فقد أنقصت عدد الهالكين


    العجب منّا معاشر البشر.نفقد حكمته سبحانه فيما ساءنا وضرنا، وقد آمنا بحكمته فيما نفعنا وسرّنا، أفلا قسنا ما غاب عنا على ما حضر؟ وما جهلنا على ما علمنا؟ أم أن الإنسان كان ظلوماً جهولاً؟!


    جولة سياحية في جزيرة اللادينيين!!


    الرواية الرائعة التي ظلّت مفقودة زمنا طويلا : ((جبل التوبة))

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    3

    افتراضي

    وحتى لا نغرق للجاجة أسألك بشكل مباشر: قال الله: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} (سورة طه 116).

    هل تحقق هذا الأمر أم لا؟ (نعم-لا)
    لا يحزنك تهافت الجماهير على الباطل كتهافت الفراش على النار ، فالطبيب الحق هو الذي يؤدي واجبه مهما كثر المرضى ، ولو هديت واحداً فحسب فقد أنقصت عدد الهالكين


    العجب منّا معاشر البشر.نفقد حكمته سبحانه فيما ساءنا وضرنا، وقد آمنا بحكمته فيما نفعنا وسرّنا، أفلا قسنا ما غاب عنا على ما حضر؟ وما جهلنا على ما علمنا؟ أم أن الإنسان كان ظلوماً جهولاً؟!


    جولة سياحية في جزيرة اللادينيين!!


    الرواية الرائعة التي ظلّت مفقودة زمنا طويلا : ((جبل التوبة))

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    3

    افتراضي

    دعني أقول أنني سعيد جداً بسؤالك...ولو مشيت معي خطوة خطوة سنصل إلى نتيجة بإذن الله لو كنت مريدا للحق....
    لا يحزنك تهافت الجماهير على الباطل كتهافت الفراش على النار ، فالطبيب الحق هو الذي يؤدي واجبه مهما كثر المرضى ، ولو هديت واحداً فحسب فقد أنقصت عدد الهالكين


    العجب منّا معاشر البشر.نفقد حكمته سبحانه فيما ساءنا وضرنا، وقد آمنا بحكمته فيما نفعنا وسرّنا، أفلا قسنا ما غاب عنا على ما حضر؟ وما جهلنا على ما علمنا؟ أم أن الإنسان كان ظلوماً جهولاً؟!


    جولة سياحية في جزيرة اللادينيين!!


    الرواية الرائعة التي ظلّت مفقودة زمنا طويلا : ((جبل التوبة))

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الأخ ابن سلامة :

    { لماذا خلقنا الله ؟ }

    ربما تظن أني مسلم لذلك طرحت هذا السؤال ولكني لست كذلك
    على كل حال لا تهم وجهة نظري أنا في تعليل الخلق
    ولكن من وجهة نظر إسلامية فبحسب الآية قد خلق الله الجن والإنس ليعبدوه
    فإذا كان الأمر كذلك فلماذا إذن خلق من لن يعبدوه؟!

    أهلا بك مجددا، أقول :
    ليس هذا هو السؤال، السؤال هل أجبرهم على ذلك، فقد جئنا لهذه الحياة متساوين في القدرات كمكلفين أقول كمكلفين استثناء لمن استثناهم الله تعالى من التكليف و هم الأطفال و المجانين و أهل الفترة و أهل الخرف، فما عدا هذه الحالات لم يجبر الله أحدا على فعل الخير أو الشر خاصة بعد الحجة الرسالة التي ينقطع بها العذر.

    أما أن الله تعالى خلق الكفر كما خلق الإيمان فهذا يدخل في المشيئة المطلقة و ليس في الإرادة الخاصة إرادة أن يعبدوه فهنا يكمن خلل الفهم عندك و الذي يوحي إليك بالتناقض و حين تفهم أن هناك فرقا بين المشيئتين حتما ستفهم الآية.

    ثم إن الله تعالى لم يجبر أحدا لا على الإيمان و لا على الكفر لقد زوّد الكل بقدرات يعرفونه بها بالسمع و البصر و الفؤاد آليات العلم التي هي مناط التكليف و أرسل الرسل معهم البينات و الآيات المعجزات ليهدي الناس إليه هداية كاملة تامة و ليتحقق مراده من إيجادهم على الوجه الأكمل و أيضا لتقوم الحجة على من اختار الكفر عامدا و طبعا ليس على من أجبره الله على الكفر فقد أراده الله أن يؤمن و أن يعبده وحده لكنه استحب الكفر على الإيمان و على عبادة الله و مشيئة الله له بأن يختار ذلك لا تعني قط أنه صادم الإرادة الإلهية التي أتبعها سبحانه بالإختيار.
    و لأقربك من الصورة أكثر هذه خلاصة الكلام :

    الله تعالى خلق الجن و الإنس ليعبدوه و زود عمومهم بآليات العلم و قدرات الفهم و بعث إليهم الرسل ليحققوا هذه الغاية على أتم وجه .. فاختار بعضهم اتباع الأنبياء فاستحقوا رضى الله و الجنة و اختار بعضهم عصيانهم فاستحقوا سخط الله و النار.

    هذا باختصار أما بالدخول في المشيئة و لماذا خلق الله الشر بما فيه الكفر هذا موضوع آخر لكنه لا يصادم معنى الآية بأي شكل من الأشكال، و عليه فحجتك هنا مشابهة لحجة الجبرية التي قال بها كفار قريش على عهد النبي صلى الله عليه و سلم كما حكى الله عنهم :
    سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)

    بمعنى أن الله تعالى لم يشأ أن يشرك بعضنا و لا شاء أن نهتدي أجمعين و لو أراد ذلك لفعل و لم يعجزه شيء لكنه جعل غاية لخلقنا لم يجبرنا عليها لأنه زودنا بالإختيار، و هذه النقطة التي لم نتفق عليها و باتفاقنا عليها سينتهي الموضوع، و جعل مدار التكليف على هذه الغاية و ترك لنا كل الإختيار لينظر في أعمالنا و ليجزينا بها كل بحسبه. (كما سيأتي من أقوال المفسرين للآية ما يبين ذلك)

    و الدليل على ذلك أن الله تعالى لم يخلقنا لغاية أخرى كأن ننفعه بشيء و هذا واضح في سياق الآية. فالله مستغن عنا بل نحن الذين في حاجته لا نستغني عنه طرفة عين و لذلك توجب علينا منطقيا أن نعبده، و لأن بعضنا ظن أنه مستغن عن الله لم يفعل فانخذل عن هذا المقصد فخسر و هو لاقٍ وبال أمره في هذه الدنيا و الآخرة إلا أن يتوب طالما باب التوبة مفتوح ليتوب إلى الله و إلى ندائه الرسالي و القرآن المتكرر : أعبدوا الله ما لكم من إله غيره و الذي جائ على لسان كل الأنبياء.
    {ما الذي يجعلك تلزم الآية لغة بهذا المقصود : ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون جبرا و قسرا ؟}

    أنا لم ألزمها بذلك المعنى بل على النقيض استنكرته

    كيف استنكرته إذن إن لم تكن ألزمتها به ؟؟؟؟؟ و هو ليس المعنى الصحيح الظاهر لها أصلا إنما هو المعنى الذي ترجح عندك دون قرينة صحيحة كما سنرى و هو ليس أولى الأقوال أو أغلبها عند المفسرين بما أنه أحد الأقوال الواردة و إن كان صحيحا بقرينته كما سنبين إن شاء الله.
    فأنت هنا تقر على أنك تفهمها على هذا الوجه و هو باطل بتعطيلك للقرينة التي قال بها المفسرون و هي وجود عبودية كونية عامة تعم المؤمنين و الكافرين، و قد ترجح هذا المعنى بقرينته هذه عند بعض المفسرين لتقرير معنى الآية من خلال بعض ما يمكن أن يفهم منها لكنه ليس هو الفهم الكلي للآية ، فالمعنى الكلي و الظاهر للآية يتحدث عن العبادة بالمفهوم الإصطلاحي المشتهر عند عامة علماء الأمة بمن فيهم مفسروها أي المفهوم الذي عليه مدار كل أمر في القرآن بصيغة : اعبدوا ، و كما في أعظم سور القرآن سورة الفاتحة: إياك نعبد، و هو أي العبادة في مفهومها الشامل الذي هو حق الله على العباد و الحق لا يفرض فرضا خاصة إذا كان قلبيا و إنما يؤمر به أو يوصى أو ينصح :
    عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟)) فقال معاذ: قلت الله ورسوله أعلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا)) رواه البخاي و مسلم

    و تعريف هذا الحق تعريفا دقيقا كما في اصطلاح جمهور العلماء و الذي تضمنته الآية إجمالا فهو : أنها أي العبادة إسم جامع لكل ما يحبه الله من الأقوال و الأعمال الظاهرة و الباطنة.

    و لا شيء من ذلك أجبر الله تعالى العباد عليه و إن جعله الغاية من خلقهم.

    و العبادة بمعنى آخر : الإيمان و العمل الصالح وفق شريعة الله و هدي رسوله، و أنت تعلم أنه ليس كل الناس خُلقوا مؤمنين صالحين و لا كل الناس يفعلون ما يحبه الله من الأقوال أو الاعمال ظاهرا أو باطنا و عليه فهذا كاف ليشرح لك و يبين المقصود من الآية دونما حاجة إلى المفسرين و أن العبادة التي تحدثت عنها اختيارية لا إجبارية.

    خاصة أن هناك عشرات الآيات يأمر الله فيها بعبادته و يوصي بذلك و يقيم الحجج و البراهين على ضرورة ذلك و وجود ما يدعو إليه و أنه الحق الذي قامت لأجله السموات و الأرض، و لو خلقنا الله عابدين لم يكن لهذا الأمر أو الوصية معنى و لما كفر أحد أو عصى.
    و المعنى الذي دندن حوله بعض المفسرين و الذي قد يتصل في ذهنك بالجبر هو معنى جانبي ليس كليا و يمكن أن تفهم به الآية بقرينة صحيحة، فنحن بالفعل عابدون لله جميعا إذا كان المعنى هو العبودية الكونية أي الخضوع الكوني أو الإسلام الكوني أو القنوت الكوني كما ورد في آيات من القرآن الكريم، و إن كان المراد هذا المعنى فهو حق كما أن المعنى الآخر حق، لماذا لأنه لا شيء يخرج عن نطاق المشيئة الإلهية و الله يتحكم في القلوب و هو الذي قدّر كل شيء تقديراً كما قال تعالى : لمن شاء منكم أن يستقيم و ما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين. و هذا هو مفهوم العبودية الكونية ، فأنت و أنا عباد لله آمنا أم كفرنا إذا كان المراد هو الخضوع لمشيئة الله و سيطرته المطلقة على دواخلنا و جوارحنا و هو أحد وجوه اللغة في التفسير.

    لكن المعنى الصحيح للآية ليس هو الثاني بل الأول كما ذهب عامة المفسرين :

    قال الطبري : وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرنا عن ابن عباس، وهو: ما خلقت الجنّ والإنس إلا لعبادتنا، والتذلل لأمرنا.
    وقال الزمخشري : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }
    أي: وما خلقت الجن والإنس إلا لأجل العبادة، ولم أرد من جميعهم إلا إياها. فإن قلت: لو كان مريداً للعبادة منهم لكانوا كلهم عباداً؟ قلت: إنما أراد منهم أن يعبدوه مختارين للعبادة لا مضطرين إليها، لأنه خلقهم ممكنين، فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه مريداً لها، ولو أرادها على القسر والإلجاء لوجدت من جميعهم.
    و الرازي ذكر ما يزيد الأمر بياناً من اختصاص الجن و الإنس بمعنى الآية دون من يعبد الله قسرا في الظاهر و هم الملائكة ، قال:
    الملائكة أيضاً من أصناف المكلفين ولم يذكرهم الله مع أن المنفعة الكبرى في إيجاده لهم هي العبادة ولهذا قال:
    { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ }
    [الأنبياء: 26] وقال تعالى:
    { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ }
    [الأعراف: 206] فما الحكمة فيه؟ نقول: الجواب عنه من وجوه الأول: قد ذكرنا في بعض الوجوه أن تعلق الآية بما قبلها بيان قبح ما يفعله الكفرة من ترك ما خلقوا له ...
    وقال القرطبي – و قد جمع بين المعنيين - : فمعنى «لِيَعْبُدُونِ» ليذِلّوا ويخضعوا ويعبدوا.
    وقال في سياق العبودية الكونية التي قد تحتملها الآية :
    فإن قيل: كيف كفروا وقد خلقهم للإقرار بربوبيته والتذلل لأمره ومشيئته؟ قيل: قد تذللوا لقضائه عليهم؛ لأن قضاءه جارٍ عليهم لا يقدرون على الامتناع منه، وإنما خالفهم من كفر في العمل بما أمره به، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه. وقيل: { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } أي إلا ليقروا لي بالعبادة طوعاً أو كرهاً؛
    وقال ابن كثير : أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم.
    و قول ابن كثير هذا هو الظاهر.
    وقال البغوي مستحسنا قولا يشمل المؤمن و الكافر : وقال مجاهد: إلاّ ليعرفوني. وهذا أحسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده، دليله: قوله تعالى:
    { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللهُ }
    [الزخرف:87].

    وقال مقاتل بن سليمان (توفي س 150 هـ) و هو من أقدم المفسرين و قد سبق الطبري :
    فوعظ كفار مكة بوعيد القرآن، فقال: { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [آية: 56] يعني إلا ليوحدون، وقالوا: إلا ليعرفوا يعني ما أمرتهم إلا بالعبادة، ولو أنهم خلقوا للعبادة، ما عصوا طرفة عين.
    حدثنا عبدالله، قال: حدثني أبي، عن أبي صالح، قال: إلا ليوحدون، قال أبو صالح: الأمر يعصى والخلق لا يعصى.

    وقال جمال الدين القاسمي : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } أي: لهذه الحكمة، وهي عبادته تعالى بما أمر على لسان رسوله، إذ لا يتم صلاح، ولا تنال سعادة في الدارين، إلا بها.
    وقال ابن عاشور : واللام في { ليعبدون } لام العلة، أي ما خلقتهم لعلة إلا علة عبادتهم إياي. والتقدير: لإِرادتي أن يعبدون، ويدل على هذا التقدير قوله في جملة البيان: { ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون }.
    وهذا التقدير يلاحظ في كل لامٍ ترد في القرآن تعليلاً لفعلِ الله تعالى، أي ما أرضَى لوجودهم إلا أن يعترفوا لي بالتفرد بالإِلهية.

    و نختم مع التأكيد على هذا المعنى الظاهر – كما باللون الأحمر و ما بعده- بما قاله الشنقيطي من أرسخ المفسرين المُحدثين علما بالقرآن و هو أيضا من المبرّزين من علماء التفسير في اللغة العربية و متخصص في تفسير القرآن بالقرآن و ألف فيه كتابه ؟أضواء البيان قال فيه :
    { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }

    اختلف العلماء في معنى قوله { لِيَعْبُدُونِ } ، فقال بعضهم المعنى ما خلقتهم إلا ليعبدني السعداء منهم ويعصيني الأشقيا، فالحكمة المقصودة من إيجاد الخلق التي هي عبادة الله حاصلة بفعل السعداء منهم كما يدل عليه قوله تعالى:
    { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ }
    [الأنعام: 89]، وهذا القول نقله ابن جرير عن زيد بن أسلم وسفيان.

    وغاية ما يلزم على هذا القول أنه أطلق فيها المجموع وأراد بعضهم.

    وأمثال ذلك كثيرة في القرآن، ومن أوضحها قراءة حمزة والكسائي، فإن قتلوكم فاقتلوهم، من القتل لا من القتال، وقد بينا هذا في مواضع متعددة، وذكرنا أن من شواهده العربية قول الشاعر:
    فسيف بني عبس وقد ضربوا به نبا من يَدَيْ ورقاء عن رأس خالد
    فتراه نسب الضرب لبني عبس مع تصريحه أن الضارب الذي نبا بيده السيف عن رأس خالد يعني ابن جعفر الكلابي، هو ورقاء يعني ابن زهير العبسي.

    وقد قدمنا في الحجرات أن من ذلك قوله تعالى
    { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا }
    [الحجرات: 14] الآية بدليل قوله:
    { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِر }
    [التوبة: 99] - إلى قوله -
    { سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
    [التوبة: 99].

    وقال بعض العلماء: معنى قوله: { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }: أي " إلا ليقروا لي بالعبودية طوعاً أو كرهاً " لأن المؤمن يطيع باختياره والكافر مذعن منقاد لقضاء ربه جبراً عليه، وهذا القول رواه ابن جرير عن ابن عباس واختاره، ويدل له قوله تعالى:
    { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً }
    [الرعد: 15] الآية، والسجود والعبادة كلاهما خضوع وتذلل لله جل وعلا، وقد دلت الآية على أن بعضهم يفعل ذلك طوعاً وبعضهم يفعله كرهاً.

    وعن مجاهد أنه قال: { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }: أي إلا ليعرفوني. واستدل بعضهم لهذا القول بقوله:
    { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ }
    [الزخرف: 87] ونحو ذلك من الآيات. وهو كثير في القرآن، وقد أوضحنا كثرته فيه في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى:
    { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }
    [الإسراء: 9].

    وقال بعض أهل العلم: وهو مروي عن مجاهد أيضاً معنى قوله: { إلاَّ لِيَعْبُدُونِ }: أي إلا لآمرهم بعبادتي فيعبدني من وفقته منهم لعبادتي دون غيره، وعلى هذا القول: فإرادة عبادتهم المدلول عليهم باللام في قوله: { لِيَعْبُدُونِ } إرادة دينية شرعية وهي الملازمة للأمر، وهي عامة لجميع من أمرتهم الرسل لطاعة الله الا إرادة كونية قدرية، لأنها لو كانت كذلك لعبده جميع الإنس والجن، والواقع خلاف ذلك بدليل قوله تعالى
    { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ }
    [الكافرون: 1-3] إلى آخر السورة.

    قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية الكريمة { إلاَّ لِيَعْبُدُونِ } في إلا لآمرهم بعبادتي وأبتليهم أي أختبرهم بالتكاليف ثم أجازيهم على أعمالهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وإنما قلنا إن هذا هو التحقيق في معنى الآية، لأنه تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله، فقد صرح تعالى في آيات من كتابه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملاً، وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم.
    قال تعالى في أول سورة هود:
    { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ }
    [هود: 7]، ثم بين الحكمة في ذلك فقال:
    { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }
    [هود: 7].

    وقال تعالى في أول سورة الملك:
    { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }
    [الملك: 2].

    وقال تعالى في أول سورة الكهف:
    { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً }
    [الكهف: 7]الآية.

    فتصريحه جل وعلا في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق، هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملاً، يفسر قوله { لِيَعْبُدُونِ }. وخير ما يفسر به القرآن القرآن.

    ومعلوم أن نتيجة العمل المقصود منه لا تتم إلا بجزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ولذا صرح تعالى بأن حكمة خلقهم أولاً وبعثهم ثانياً، هو جزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وذلك في قوله تعالى في أول يونس:
    { إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }
    [يونس: 4]، وقوله في النجم:
    { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى }
    { النجم: 31].

    وقد أنكر تعالى على الإنسان حسبانه وظنه أنه يترك سدى، أي مهملاً، لم يؤمر ولم ينه، وبين أنه ما نقله من طور إلى طور حتى أوجده إلا ليبعثه بعد الموت أي ويجازيه على عمله، قال تعالى:
    { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ }
    [القيامة: 36-37] - إلى قوله -
    { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ }
    [القيامة: 40].

    والبراهين على البعث دالة على الجزاء، وقد نزه تعالى نفسه عن هذا الظن الذي ظنه الكفار به تعالى، وهو أنه لا يبعث الخلق ولا يجازيهم منكراً ذلك عليهم في قوله:
    { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ }
    [المؤمنون: 115-116].

    وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في أول سورة الأحقاف في الكلام على قوله تعالى:
    { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًى }
    [الأحقاف: 3].

    تنبيه

    اعلم أن الآيات الدالة على حكمة خلق الله للسماوات والأرض وأهلهما وما بينهما قد يظن غير المتأمل أن بينهما اختلافاً، والواقع خلاف ذلك. لأن كلام الله لا يخالف بعضه بعضاً، وإيضاح ذلك أن الله تبارك وتعالى ذكر في بعض الآيات أن حكمة خلقه للسماوات والأرض هي إعلام خلقه بأنه قادر على كل شيء، وأنه محيط بكل شيء علماً، وذلك في قوله تعالى في آخر الطلاق:
    { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَا }
    [الطلاق: 12].

    وذكر في مواضع كثيرة من كتابه أنه خلق الخلق ليبين للناس كونه هو المعبود وحده، كقوله تعالى
    { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }
    [البقرة: 163]، ثم أقام البرهان على أنه إله واحد بقوله بعده
    { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ }
    [البقرة: 164] - إلى قوله -
    { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }
    [البقرة: 164] ولما قال:
    { يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُم }
    [البقرة: 21] بين أن خلقهم برهان على أنه المعبود وحده بقوله بعده
    { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }
    [البقرة: 21] الآية.

    والاستدلال على أن المعبود واحد بكونه هو الخالق كثير جداً في القرآن، وقد أوضحنا الآيات الدالة عليه في أول سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى:
    { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً }
    [الفرقان: 2-3]الآية، وفي سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى
    { أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ }
    [الرعد: 16] الآية، وفي غير ذلك من المواضع.

    وذكر في بعض الآيات أنه خلق السماوات والأرض ليبتلي الناس، وذلك في قوله:
    { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }
    [هود: 7].

    وذكر في بعض الآيات أنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم وذلك في قوله:
    { إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ }
    [يونس: 4] الآية، وذكر في آية الذاريات هذه أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه، فقد يظن غير العالم أن بين هذه الآيات اختلافاً مع أنها لا اختلاف بينها، لأن الحكم المذكور فيها كلها راجع إلى شيء واحد، وهو معرفة الله وطاعته ومعرفة وعده ووعيده، فقوله:
    { لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
    [الطلاق: 12] وقوله:
    { ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم }
    [البقرة: 21] راجع إلى شيء واحد هو العلم بالله، لأن من عرف الله أطاعه ووحده.

    وهذا العلم يعلمهم الله إياه ويرسل لهم الرسل بمقتضاه ليهلك من هلك عن بينة، ويحيي من حيي عن بينه، فالتكليف بعد العلم، والجزاء بعد التكليف، فظهر بهذا اتفاق الآيات لأن الجزاء لا بد له من تكليف، وهو الابتلاء المذكور في الآيات والتكليف لا بد له من علم، ولذا دل بعض الآيات على أن حكمة الخلق للمخلوقات هي العلم بالخالق، ودل بعضها على أنها الابتلاء، ودل بعضها على أنها الجزاء، وكل ذلك حق لا اختلاف فيه، وبعضه مرتب على بعض.

    وقد بينا معنى { إلاَّ لِيَعْبُدُونَ } في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة هود في الكلام على قوله تعالى:

    { وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُم }
    [هود: 119] وبينا هناك أن الإرادة المدلول عليها باللام في قوله { وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } أي ولأجل الاختلاف إلى شقي وسعيد خلقهم، وفي قوله:
    { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس }
    [الأعراف: 179] إرادة كونية قدرية، وأن الإرادة المدلول عليها باللام في قوله: { إلاَّ لِيَعْبُدُونَ } ، إرادة دينية شرعية.

    وبينا هناك أيضاً الأحاديث الدالة على أن الله خلق الخلق منقسماً إلى شقي وسعيد، وأنه كتب ذلك وقدره قبل أن يخلقهم. وقال تعالى:
    { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ }
    [التغابن: 2]: وقال:
    { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ }
    [الشورى: 7].

    والحاصل: أن الله دعا جميع الناس على ألسنة رسله إلى الإيمان به وعبادته وحده وأمرهم بذلك وأمره بذلك مستلزم للإرادة الدينية الشرعية، ثم إن الله جل وعلا يهدي من يشاء منهم ويضل من يشاء بإرادته الكونية القدرية، فيصيرون إلى ما سبق به العلم من شقاوة وسعادة، وبهذا تعلم وجه الجمع بين قوله:
    { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس }
    [الأعراف: 179]. وقوله:
    { وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُم }
    [هود: 119]، وبين قوله { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56]، وإنما ذكرنا أن الإرادة قد تكون دينية شرعية، وهي ملازمة للأمر والرضا، وقد تكون كونية قدرية وليست ملازمة لهما، لأن الله يأمر الجميع بالأفعال المرادة منهم ديناً، ويريد ذلك كوناً وقدراً من بعضهم دون بعض، كما قال تعالى:
    { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ أِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }
    [النساء: 64]، فقوله: إلا ليطاع: أي فيما جاء به من عندنا، لأنه مطلوب مراد من المكلفين شرعاً وديناً، وقوله: بإذن الله يدل على أنه لا يقع من ذلك إلا ما أراده الله كوناً وقدراً، والله جل وعلا يقول:
    { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍِ }
    انتهى[يونس: 25] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " كلٌّ ميسر لما خلق له " والعلم عند الله تعالى.


    تتمة الجواب في معنى العبودية الكونية الذي ذهب إليه بعض المفسرين من موقع ''الإسلام سؤال و جواب'' :

    اعلم أرشدك الله لطاعته أن العبودية نوعان :عبودية خاصة ، وعبودية عامة .

    فالعبودية الخاصة هي :

    عبودية المحبة والانقياد والطاعة التي يشرف بها العبد ويعظم ،وهي التي وردت في مثل قول الله تعالى : ( الله لطيف بعباده ) الشورى/19 ، وقوله : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً ) الفرقان/63 ، وهذه العبودية خاصة بالمؤمنين الذين يطيعون الله تعالى ، لا يشاركهم فيها الكفار الذين خرجوا عن شرع الله تعالى وأمره ونهيه ، والناس يتفاوتون في هذه العبودية تفاوتاً عظيما ؛ فكلما كان العبد محباً لله متبعاً لأوامره منقاداً لشرعه كان أكثر عبودية . وأعظم الناس تحقيقاً لهذا المقام هم الأنبياء والرسل ، وأعظمهم على الإطلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا لم يرد ذكر أحد بوصف بالعبودية المجردة في القرآن إلا هو عليه الصلاة والسلام فذكره الله بوصف العبودية في أشرف المقامات كمقام الوحي فقال سبحانه : ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً ) الكهف/1 ، وفي مقام الإسراء فقال جل شأنه : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) الإسراء/1 ، وفي مقام الدعوة فقال تعالى : ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً ) الجن/19 إلى غير ذلك من الآيات .

    فالشرف كل الشرف في استكمال هذه العبودية وتحقيقها ولا يكون ذلك إلا بتمام الافتقار إلى الله تعالى ، وتمام الاستغناء عن الخلق ، وذلك لا يتأتى إلا بأن يجمع الإنسان بين محبة الله تعالى والخوف منه ورجاءِ فضله وثوابه .

    وأما العبودية العامة :

    فهذه لا يخرج عنها مخلوق وتسمى عبودية القهر فالخلق كلهم بهذا المعنى عبيد لله يجري فيهم حكمه ، و ينفذ فيهم قضاؤه ، لا يملك أحد لنفسه ضراً ولا نفعاً إلا بإذن ربه ومالكه المتصرف فيه . وهذه العبودية هي التي جاءت في مثل قوله تعالى : ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً ) مريم/93 ، وهذه العبودية لا تقتضي فضلاً ولا تشريفاًُ ، فمن أعرض عن العبودية الخاصة فهو مأسور مقهور بالعبودية العامة فلا يخرج عنها بحال من الأحوال . فالخلق كلهم عبيد لله فمن لم يعبد الله باختياره فهو عبد له بالقهر والتذليل والغلبة .

    نسأل الله أن يجعلنا من عباده المخلَصين وأوليائه المقربين ، إنه سميع قريب مجيب . والله أعلم وأحكم .

    وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
    يراجع ( مفاهيم ينبغي أن تصحح للشيخ محمد قطب 20- 23 ، 174- 182 ) و ( العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية ) .


  11. #11

    افتراضي

    أكثرت من الكلام ولم تضف شيئا للحوار..
    { لم أستبعد أي تفسير كما زعمت. هذا افتراءٌ منك }
    هذا ما فهمته من كلام ابن عاشور عندما قال إن تفسيره يغنينا عن تفسيرات أخرى كتخصيص الكلام للمؤمنين
    ومحدثك ليس بن عاشور وقد أشرت بقولي: " انتهى كلام بن عاشور"..ثم انتقلتُ إلى نقطة أخرى تتبنى قولك.
    وكلام بن عاشور هو كلام سليم لغويا مائة بالمائة. وما تعترض عليه أنت من كلام بن عاشور يستطيع بن عاشور أن يعترض عليك بمثله ويطالبك بالدليل الذي جعلك تقدر محذوفا يحمل الآية على الجبر والقسر. فالآية لم تقل أن الله خلق الخلق ليعبدوه في الدنيا جبرا وقسرا. أنتَ من افترض كل ذلك الغير مصرح به في الآية. فما دليلك ؟ على الأقل بن عاشور استند لبيان تضمنته الآية على خلالفك تماما أتيتَ بتقدير من كيسك
    أفهمتَ الآن ؟

    {وبإمكانك اعتبار دليل أهل الفترة دليل إضافي على إمكان وقوع العبادة في الآخرة لا في الدنيا وهذا ثابت بالنصوص عندنا}
    التساؤل هنا عن وضع الذين كفروا وليس عن وضع من لم تبلغه الرسالة
    عدتَ للكذب مرة أخرى!
    هل تقصد أن أهل الفترة عبدوا الله في الدنيا ؟
    إن قلتَ نعم فقد كذبتَ
    وإن قلتَ لا: تناقضوا مع الآية -بزعمك- لأنهم من ضمن الإنس الذين حكمت عليهم الآية بوجوب وقوع عبادتهم في الدنيا-وأنتَ الذي يقصر العبادة على الدنيا-
    الآية كما تفهمها أنتَ أوجبت على جميع الإنس العبادة في الدنيا..وأهل الفترة يشملهم ما يشمل الكفار لاشتراك الفريقين في انتفاء العبادة عنهم-في الدنيا-. وبالتالي فإن قولك أنهم لم يكونوا كفارا للتملص هو قولٌ مضحك بكل ما تحمله كلمة مضحك من معنى!
    أفهمتَ الآن ؟...لا مجال للتملص من هذا الدليل بجرة قلم.

    {ما هو تعريف العبادة لغةً لديك ؟}
    فكما أن العبد لا يعبد سيده الذي اشتراه من سوق النخاسة
    فكذلك الكافر عبد لله وبالرغم من ذلك لا يعبده
    هذا ليس تعريف للعبادة..هذه هرطقة من عندك.
    بل إن الدليل الذي تستشهد به يدينك: فأنتَ بلسانك أسميته عبدا وكذلك يسميه أهل الأرض جميعا. لا لشيء إلا لأنه خضع لسيده الذي اشتراه: كَرْهًا.
    إن لم يكن عندك تعريف لغوي موثق من لغة العرب يعارض التعريف الذي جئتك به ويعارض المثال الذي جئتنا به أنت وأدانك. فلا حاجة لنا بهذيانك.
    التعديل الأخير تم 09-29-2016 الساعة 04:06 PM
    التعقيد في الفلسفة بمثابة أوثان مقدسة يُحرَّمُ الإقتراب منها بالتبسيط أو فك الطلاسم
    فمن خلال التبسيط يتكشَّف المعنى السخيف -لبداهَتِه أو لبلاهَتِه- المُتخفي وراء بهرج التعقيد وغموض التركيب..

    مقالاتي حول المذاهب والفلسفات المعاصرة


  12. #12

    افتراضي

    الأخ مجرد إنسان

    {بل المراد أنه سبحانه خلق الخلق على الفطرة، بمعنى الاستعداد لقبول الإيمان أو الكفر}

    ما أريده هو كيف استددلت من الآية نفسها على هذا المعنى؟ فنص الآية ذكر أن سبب خلق الله لأي أحد هو أن "يعبده" فهل كلمة يعبد تعني الاستعداد لقبول الإيمان كما تقول أم تعني فعل العبادة ذاته؟
    باقي الآيات التي ذكرتها لن تغير معنى هذه الآية لأن المعلومة تامة في الآية أصلا



    {فالمراد من الآية بيان الغاية من الخلق وهو أن يكون عابدين له سبحانه، وليس المراد منها انه سبحانه خالقهم عابدين له}

    إذا كانت الغاية الوحيدة من خلق الكفار هي أن يكونوا عابدين له
    فهذا معناه أن تلك الغاية لن تتحقق بخلقهم
    فلماذا خلقهم وهو ذاته أقر بعدم وجود أسباب أخرى غير تلك الغاية؟



    {قال ابن كثير في المراد من الآية: "إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي" }

    من أين علم ابن كثير ما يقصده الله رغم أن نص الآية لم يشر إليه لا من قريب ولا من بعيد؟!
    ما أظنه دفع ابن كثير لتفسيره هذا هو فقط أنه وجد تناقضا بين نص الآية وبين الواقع المشاهد
    وإلا فعليه أن يشرح لنا كيف توصل لتفسيره هذا لغويا من نص الآية


    {عن ابن عباس رضي الله عنهما: {إلا ليعبدون} أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً}

    اشرح لي معنى " كرها " لأني عندما فهمتها " جبرا " واعترضت عليها اعتبرتم أني أعرض شبهة الجبرية وهذا ما لم يحدث أصلا


    {وبما تقدم تعلم أن وجود كفار غير عابدين لا يتعارض مع ما قررته الآية؛ إذ الآية قررت الغاية التي يجب أن يتجه إليها الخلق من خلقهم، وهي عبادة الله دون سواه}

    " الغاية التي يجب أن يتجه إليها الخلق "!!
    بل الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق
    بمعنى أن الله يعرض وجهة نظره هو - إن صح التعبير - في توضيح غايته هو من الخلق
    ولم يقل هذه غايتكم انتم التي يجب أن تتجهوا لها
    لا أعلم إن كنت تفهم مقصدي أم لا فهذا هو مربط الفرس في الموضوع أصلا



    { فإن الآية إنشائية وليست إخبارية}

    فسر لي ما تقصده بالإنشائية وما الفرق بينها وبين الخبرية؟



    {هل تحقق هذا الأمر أم لا؟}

    سؤال آخر لا أفهم هدفه!
    نعم تحقق الأمر وسجدت الملائكة
    أما لو اعتبرت إبليس ملكا فتكون الإجابة لا لم يسجدو كلهم
    ربما لو فهمت مقصدك لأجبتك بشكل أوضح

  13. #13

    افتراضي

    الأخ ابن سلامة


    { لم يجبر الله أحدا على فعل الخير أو الشر خاصة بعد الحجة الرسالة التي ينقطع بها العذر}

    هذه ليست شبهة موضوعي أصلا
    فأنا لم أتطرق لكون الإنسان مجبرا وأعلم انكم تنفون أنه مجبر
    وما تكلمت أنا عنه في تلك النقطة لم يكن سوى اعتراض على رد الأخ مستفيد بأن الكفار سيعبدون الله كرها يوم القيامة أو أنهم يسجدون لله كرها في الدنيا



    {أما أن الله تعالى خلق الكفر كما خلق الإيمان فهذا يدخل في المشيئة المطلقة و ليس في الإرادة الخاصة إرادة أن يعبدوه فهنا يكمن خلل الفهم عندك و الذي يوحي إليك بالتناقض و حين تفهم أن هناك فرقا بين المشيئتين حتما ستفهم الآية}

    أيضا موضوع المشيئة والإرادة الإلهية ليس موضوعي
    وليس في الآية شيء عنه فهو لم يقل خلقتهم لأني شئت أن يعبدوني مثلا



    {فحجتك هنا مشابهة لحجة الجبرية التي قال بها كفار قريش}

    يبدو أن فكرة شبهتي لم تصل إليك
    أنا أعترض على صياغة الآية التي بينت أن الله لم يخلق الجن والإنس إلا لسبب واحد وهو أن يعبدوه
    وبما أن من الجن والإنس كفار لن يعبدوه فهذا يوحي بعبثية خلقهم أي أنهم خلقوا بلا سبب



    {لكنه جعل غاية لخلقنا لم يجبرنا عليها لأنه زودنا بالإختيار، و هذه النقطة التي لم نتفق عليها و باتفاقنا عليها سينتهي الموضوع}

    دعنا نتفق عليها جدلا لأنها ليست موضوعي هنا
    ما الفارق إذن في معنى الآية؟! ما زال الله خلق بعض الخلق بلا سبب



    {إنما هو المعنى الذي ترجح عندك دون قرينة صحيحة كما سنرى و هو ليس أولى الأقوال أو أغلبها عند المفسرين}

    لم يترجح عندي أصلا وإنما كان ذلك المعنى الذي ادعاه أحد المفسرين واستدل به أحد الإخوة
    أما عن شبهتي فلا تعنيني كيفية العبادة بالجبر أو الاختيار
    وإنما ما يعنيني أن الله خلق خلقا بلا سبب


    {لكنه ليس هو الفهم الكلي للآية ، فالمعنى الكلي و الظاهر للآية يتحدث عن العبادة بالمفهوم الإصطلاحي المشتهر عند عامة علماء الأمة}

    إذن فنحن متفقان في هذه النقطة في معنى كلمة ليعبدون و أنك أيضا لم ترجح تفسير الآية بالعبادة العامة تلك



    { أنت تعلم أنه ليس كل الناس خُلقوا مؤمنين صالحين و لا كل الناس يفعلون ما يحبه الله من الأقوال أو الاعمال ظاهرا أو باطنا }

    نقطة اتفاق أخرى

    {عليه فهذا كاف ليشرح لك و يبين المقصود من الآية دونما حاجة إلى المفسرين و أن العبادة التي تحدثت عنها اختيارية لا إجبارية}

    فقط للتأكيد.. هذا ليس موضوع شبهتي


    { فنحن بالفعل عابدون لله جميعا إذا كان المعنى هو العبودية الكونية}

    لم أفهم موقفك من هذا التفسير بعد
    هل ترجحه أنت وتقول به فنتحدث عنه أم أنه معنى جانبي ليس كليا فلا يلزمنا ؟!

    {لكن المعنى الصحيح للآية ليس هو الثاني بل الأول كما ذهب عامة المفسرين}

    جملة أخرى مربكة
    أما عن التفسيرات التي طرحتها للمفسرين فهي لا ترد على موضوع الشبهة تحديدا ولكني سأرد على ما اقترب من مضمون شبهتي


    {وقال ابن كثير : أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم}

    من أين جاء ابن كثير بكلمة آمرهم تلك؟ هل يستدرك على الله مثلا؟!


    {إلاّ ليعرفوني. وهذا أحسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده}

    أولا ما الدليل على أن يعبدون تعني يعرفونني؟
    ثانيا هل كل الإنس والجن أصلا يعرفون وجوده وتوحيده؟



    { فقال بعضهم المعنى ما خلقتهم إلا ليعبدني السعداء منهم ويعصيني الأشقيا}

    على أي أساس تم التخصيص رغم أن الآية لم تخصص؟
    ثم هذا التفسير يترك التعميم في " الجن والإنس " ولكنه يخصصه في " ليعبدون " فيدعي أنه خص السعداء بالفعل دون الأشقياء
    ولكن المعنى الواضح أن " يعبدون " عائدة على ما قبلها وهو الجن والإنس بلا تخصيص
    يعني هذا معنى غير مستقيم في ذاته أصلا
    أما نوع التخصيص الآخر بأنه أطلق لفظ " الجن والإنس " ولكنه أراد به " العابدين منهم " كما هو حال التخصيص في آيات كثيرة فسوف أرد عليه لاحقا

    {فالحكمة المقصودة من إيجاد الخلق التي هي عبادة الله حاصلة بفعل السعداء منهم}

    ولكنها غير حاصلة بكفر الأشقياء منهم
    فما الغاية من خلق الأشقياء إذن؟

    {وأمثال ذلك كثيرة في القرآن}

    يعني أنه أطلق لفظ " الجن والإنس " وأراد منه " العابدين منهم "
    فهذا يجعل الآية
    " وما خلقت العابدين من الجن والإنس إلا ليعبدون "
    فهل ترى ذلك متسقا أصلا؟!
    وما الدليل على التخصيص في الآية أصلا؟



    {أي " إلا ليقروا لي بالعبودية طوعاً أو كرهاً " لأن المؤمن يطيع باختياره والكافر مذعن منقاد لقضاء ربه جبراً عليه}

    الكافر منقاد للقضاء لكنه لا يعبد الله
    كيف يكون معنى " يعبد " هي يخضع للقضاء؟
    ولماذا فسر كلمة يعبد بالنسبة للمؤمن أنه " يطيع باختياره " ولكنه فسرها بالنسبة للكافر أنه " منقاد للقضاء "؟! أيناقض نفسه؟!


    {{ وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً }
    [الرعد: 15] الآية، والسجود والعبادة كلاهما خضوع وتذلل لله جل وعلا، وقد دلت الآية على أن بعضهم يفعل ذلك طوعاً وبعضهم يفعله كرهاً}

    لا أفهم المقصود من هذه الآية بأن الكل يسجد لله ولا يهمني
    حتى لا نحيد عن موضوع الشبهة ونعود إلى دائرة الجبر والاختيار


    { إلا لآمرهم بعبادتي وأبتليهم أي أختبرهم بالتكاليف ثم أجازيهم على أعمالهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وإنما قلنا إن هذا هو التحقيق في معنى الآية، لأنه تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله}

    هذا تفسير فضفاض لا يخص الآية وإنما هو استنتجه ربما من فهمه الكلي للقرآن
    ولا تعنيني الآيات الأخرى التي استدل بها على فهمه


    {فتصريحه جل وعلا في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق، هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملاً، يفسر قوله { لِيَعْبُدُونِ }. وخير ما يفسر به القرآن القرآن}

    الآية هنا استخدمت أسلوب نفي واستثناء لا يمكن معه إقحام غايات أخرى
    بمعنى آخر فإن هذه الآية بصياغتها هي الملزمة لكل الآيات الأخرى وليس العكس



    { الإرادة قد تكون دينية شرعية، وهي ملازمة للأمر والرضا، وقد تكون كونية قدرية }

    هذا بعيد عن موضوعنا تماما وعندي فيه استشكالات ولكن لنبق في إطار موضوعنا
    أو إن أمكن ضع لي رابطا يبين "طريقة توصل الفقهاء " إلى أن لله نوعان من الإرادة



    {فالخلق كلهم عبيد لله فمن لم يعبد الله باختياره فهو عبد له بالقهر والتذليل والغلبة }

    أي أن من العباد من لا يعبد الله
    وبالتالي هناك فرق بين أن تكون عبدا وبين أن تعبد
    وبالتالي فلا يجوز حمل معنى " ليعبدون " على كونهم عباداً له

  14. #14

    افتراضي

    السيد مستفيد
    لا أعلم لماذا تصر على شخصنة الحوار رغم أني تغاضيت عن إسائتك لي في ردك السابق
    ولكنك مصر.. فلا بأس إذن هيا بنا نشخصن حواري معك
    وعذرا للإخوة الآخرين لأن ردودي مع مستفيد ستكون غالبا بعيدا عن مضمون الشبهة الأصلية فلا تتعبوا أنفسكم بقرائتها إن اردتم توفير وقتكم


    {أكثرت من الكلام ولم تضف شيئا للحوار}

    لو كنت أضفت أنت جديدا لكنت أضفت مثلك ولكنك لا تلبث تردد نفس كلامك فأعيد أنا شرح كلامي حتى تعيه


    {ومحدثك ليس بن عاشور وقد أشرت بقولي: " انتهى كلام بن عاشور"..ثم انتقلتُ إلى نقطة أخرى تتبنى قولك}

    ولكن محدثي هذا استشهد بكلام ابن عاشور
    فلماذا تستشهد بما لا تتبناه في معتقدك أصلا
    كان الأولى أن تقتبس من كلامه ما اقتنعت به فقط
    وإلا فما حاجتي انا لتسوق لي كلاما تتبرأ منه أصلا

    {وكلام بن عاشور هو كلام سليم لغويا مائة بالمائة}

    من الذي لا يضيف جديدا الآن؟
    نفس الكلام السابق فراجع نفس ردي عليه حتى لا تتهمني بالتكرار


    { وما تعترض عليه أنت من كلام بن عاشور يستطيع بن عاشور أن يعترض عليك بمثله}

    البينة على من ادعى
    هو اعتبر أن الآية مراد بها غير ما هو ظاهر من معناها
    فعليه أن يأتي ببينة قوية توضح لنا :
    أولا لماذا افترض أن محذوفا حذف
    وثانيا ما هي القاعدة اللغوية والمنطقية التي اعتمد عليها ليستنبط أن المحذوف كان كلمة أريد وليس شيئا آخر
    بعد ذلك أستطيع أنا أن أحتج عليه في هذه الآية أو أي آية أخرى وأقدر محذوفا فيها استنادا إلى نفس ما استند هو عليه في تلك الآية


    { ويطالبك بالدليل الذي جعلك تقدر محذوفا يحمل الآية على الجبر والقسر}

    الآن من يكذب؟
    أنا لم أقدر محذوفا في الآية أصلا فهذا كذب
    ثم تعود لتقول إني قدرت أن المحذوف يحمل الآية على الجبر والقسر فهذا إمعان في الكذب


    {فالآية لم تقل أن الله خلق الخلق ليعبدوه في الدنيا جبرا وقسرا. أنتَ من افترض كل ذلك الغير مصرح به في الآية}

    وهذا تكرار للكذب


    { فما دليلك ؟ على الأقل بن عاشور استند لبيان تضمنته الآية}

    وهذه كذبة أخرى لا أدري إن كانت مقصودة أم سهوا ولكني سأعتبرها كذبا حتى تقر أنت أنها كانت سهوا
    لم يستند ابن عاشور لبيان في الآية أساسا " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "
    أين البيان؟
    ما استند إليه كان في آية أخرى " ما أريد منهم... "
    وهذا بيان واه كما تقدم


    {على خلالفك تماما أتيتَ بتقدير من كيسك
    أفهمتَ الآن ؟}

    أنا لم آت بتقدير أساسا فعن أي كيس تتحدث؟



    {عدتَ للكذب مرة أخرى}

    أنا لم اكذب مرة أولى حتى تخبرني أني عدت للكذب
    وبما أني لم اكذب مرة أولى فأنت من يكذب الآن
    وبقولك إني أكذب الآن فهذه كذبة أخرى وسأبين لك


    نأتي لموضوع أهل الفترة الذي لا علاقة لموضوع شبهتي به أصلا لأني في رأس الموضوع تساءلت عن الكفار كما ترى
    أنت قلت أن العبادة غير قاصرة على الدنيا وربما تحدث في الآخرة
    قلت لك هات دليلك فإذا بك تحتج علي بأهل الفترة والذين هم أصلا ليسوا موضع التساؤل هذا أولا

    ثانيا هل لو سلمنا بعبادة أهل الفترة في الآخرة فهذا يصبح دليلا أن الكفار يعبدونه في الآخرة؟
    أم أنك تخترع حلا للشبهة بلا دليل عليه؟
    والفرق واضح بين الفرقتين فهؤلاء أقيمت عليهم الحجة في الدنيا وكفروا أما أهل الفترة فلم تقم عليهم الحجة وقامت في الآخرة عليهم دون الكفار فكيف تقيس عليهم؟!
    المطلوب منك أن تأتي بدليل على أن الكفار سيعبدون الله في الآخرة كما تدعي
    وساعتها نستكمل الجدال حول ما غاية أن يعبدوه في الآخرة وما الغاية من خلقهم في الدنيا... وكل التساؤلات التي سوف تثيرها إجابتك تلك

    ثالثا سأقلب حجتك عليك
    أنت اعتبرت أن أهل الفترة " لو " أطاعوا الله في الآخرة ودخلوا النار لكانت بردا وسلاما عليهم
    كما جاء في نص الحديث
    إذن فلا بد من أن منهم من لم يطعه هنا أيضا وإلا لأصبح أهل الفترة كلهم في الجنة أصلا
    المهم
    فالسؤال هنا عن سبب خلق هؤلاء من أهل الفترة الذين لن يطيعوا الله ويعبدوه لا في الدنيا ولا في الآخرة
    لماذا خلقهم؟
    فهذا دليل يدينك




    {فكذلك الكافر عبد لله وبالرغم من ذلك لا يعبده
    هذا ليس تعريف للعبادة..هذه هرطقة من عندك}

    انا قلت :
    1 الكافر عبد لله
    2 لكنه لا يعبده
    حدد لي أي من رقم 1 أو رقم 2 اعتبرته هرطقة حتى أري من وافقت هرطقتي هرطقته من كبار علماء الإسلام


    {بل إن الدليل الذي تستشهد به يدينك: فأنتَ بلسانك أسميته عبدا وكذلك يسميه أهل الأرض جميعا. لا لشيء إلا لأنه خضع لسيده الذي اشتراه: كَرْهًا}

    أين الإدانة تحديدا؟
    هو عبد يخضع لسيده ولكنه لا يعبد سيده
    أم أنك تريد أن تقول إن كون الإنسان عبدا لأحد يلزم منه أنه يعبده؟!!

  15. #15

    افتراضي

    بقى أن أنوه إلى نقطة وهي أني في رأس الموضوع قلت
    أسلوب نفى واستثناء يفيد " القصر " وليس " القسر "
    لا أعلم إن كان هذا هو سبب اعتقادكم أني فسرت الآية بالجبر والقسر أم هناك سبب آخر

صفحة 1 من 4 123 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء