بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله خالقِ الخلق أجمعين، و مدبّر الكون و منشئ التكوين، الهادي من شاء إلى سواء السّبيل.

و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، خاتَمُ الأنبياء و المرسلين، و أشهد أنّ عيسى عبدُه و رسولُه و كلمتُه ألقاها إلى مريم و روحٌ منه، صلّى الله عليه و على نبيِّنا و على الرُّسْل أجمعين، و على الآل و الصّحْب الطّيّبين الطّاهرين، و من انتحى منحاهم، و امتحى منهم، و آبَ إلى مَعْيَعِهم الصّافي المَعين.

و بعد ؛

فهذه كلماتٌ ـــ تمتمتُ بها متلعثمةً ـــــ أسردُ فيها إرهاصات انبثاقي مِن الظُّلَمِ إلى النّور، و أُولى خُطوات دربي في رحاب الإسلام، و كيف أنّ اللهَ إذا أراد شيئاً يسّر له السّبُلَ الكفيلةَ بتحقّقه صِدقاً و عدلاً.

فأنا فتاةٌ في السّابع عشْرة من عمُري، وُلدتُ بـــ " أوتاوا " إحدى مدن " كندا "، و ترعرعتُ في رَحِم عائلة فاحشة الثراء، عائلة محافظة تدينُ بالدّيانة المسيحيّة، حيث فتحت عينيَّ على قداسة البابا " شنّودة" الّذي كانت صورتُه لا تفارق شاشات بيتنا.

و على الرّغم من ذلك ـــــ و مع كوني رضعتُ لِبانَ المسيحيّةَ في مهدي ـــــ فقد وقع في نفسي شيءٌ من هذا الدّين، فغايةُ ما آمنتُ به ساعتئذٍ ؛ أنّ للكون خالقاً مدبّراً حكيماً عليماً، لا يَعْزُبُ عنه شيءٌ، مطّلِعٌ على سائر الأمور،ِ دِقِّها و جِلِّها، عظيمِها و حقيرِها، خفيِّها و علانيّتِها، و أنّ هذا الخالقَ لا يمكن ـــ بحال ــــ أن يكون عيسى كما يدّعون، و كانت قناعاتي فيه تنحصر في كونه رجلا صالحاً.

ثمّ بعد أن اشتدّ عودي، و تقدّمتْ بي السِّنون، بدأ شَرَهي و نهَمي يزداد تطلّعاً إلى معرفة خالق الخلْق، سِيَمَأ بعد وقوفي على " معجزاتٍ " في علم البيولوجيا و علم الفيزياء، ممّا له علاقةٌ بتخصّصي الدّراسيّ، فأيقنتُ استحالةَ تحقّق ذلك عَبَثاً، وازداد يقيني في أنّ عيسى أبعد من أن يكون الإلهَ الموجِدَ المدبّرَ لذلك، لاعتباراتٍ عدّة، أهمّها طبيعته البشريّة القاصرة.

و هذا و غيرُه من الإشكالات و التّساؤلات حثّني على المباحثة و المفاتشة لإشباع هذا النَّهَم المولّدِ عندي ؛ غيرَ أنّي لم أجدْ في المسيحيّة جواباً لها ؛ بل و لا حتّى تعريفا جامعاً مانعا للإله على اختلاف مشاربِ مذاهبهم الأربعة، فلا كلام " بولس" و لا "يوحنّا" و لا " لوقا" و لا "متّى" أشفى غليلي.

و كان ممّا يسّر الباري جلّ في عُلاه ؛ أنْ جمعني بصديقة لطيفة، لها من اسمها حظٌّ وافرٌ، فكانت اسماً على مسمّىً، فهي حقّا " آيه " و أيّ آيةٍ ؟!! فتاةٌ مسلمةٌ من أصل تونسيّ، جمعتْنا فصول الدّراسة، فكانت ترى على قَسَماتِ وجهي الغمّ و الهمَّ، فسألتْني ذات مرّة عن سبب ذلك، فما كان منّي إلا أنْ شكوتُ إليها بَثّي و حزني.

ثمّ شاءت الأقدارُ أنْ أؤُمَّ رفقتها " لندن " زائرين لأهلها، فوجدتُ أباها إنساناً طيّباً خيِّراً، سألني عن أحوال دراستي، و ثَنّى بسؤالي عن ديانتي، فتردّدْتُ قليلا لِما كنتُ أسمعُه عن الإسلام من أنّه دينُ إرهاب، ثمّ أجبتُه بما أعتقدُه ممّا أشرْتُ إليه آنفا، واستدْللتُ على عقيدتي بآيات مبثوتة في الكون و الآفاق و في ذات الإنسانِ نفسِه، و هذا مُحالٌ في حقّ عيسى البشريّ، فأجابني مبتسما : " إذا ؛ نحن على ملّة واحدة "، فرميتُه ببصري مندهشةً، و جثَوْتُ على ركبتيّ عند قدمي قائلةً : كيف ؟!!! فأخذ هاتفَه، و بدأ يبحثُ عن شيءٍ لم أعرفْ كُنْهَه، لِيَنبعِثَ ـــأخيراً ـــــ صوتٌ مترنّمٌ بترانيمَ يَبْعُدُ أنْ تكون كلاماً بشريّاً، لِيُعْلِمني ـــ بعد ذلك ــــ أنّها سورة " الإخلاص " بصوت الشيخ القارئ عبد الباسط عبد الصّمد، و مع أنّ أُصولي مغربيّة ؛ إلّا أنّني أجهلُ ــــ تماماً ــــ اللّغةَ العربيّةَ، غير أنّ رسالةَ الله لامَسَتْ شِغافَ قلبي، فأعلنتُ إسلامي تَوّاً، و أهداني مصحفاً باللّغة العربيّة، ممّا دفعني إلى تعلّمِها، و كانتْ أختي " آيه " رِدْءاً لي في ذلك، و واظبتُ على كَدّي مسترْشدةً بنصوصٍ عربيّة أقرأُها و أحفظها عن ظهر قلبٍ، و سمعتُ أكثر من ثلاثين خطبة للشّيخ " كشك " رحمه الله تعالى، و حفظتُها، و قرأتُ كتُبا عديدةً، منها كتب الشيخ " هيثم طلعت سرور" ( العودة إلى الإيمان، و عيادة الملحدين، و الإلحاد يسمّم كلّ شيء...)، و سمعتُ محاظراته على قناة " الرّحمة"، و كتاب " الإسلام يتحدّى" للمفكّر الهندي " وحيد الدّين خان"، و كتاب تاريخ الزّواج " للمفكّر و الإنتروبولوجيّ و الخبير العالمي الفنلندي " إدوارد ويستير مارك"...

و الحمد لله الّذي هدانا لهذا، و ما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، و صلّى الله و سلّم على نبيّه محمّد و على أخيه عيسى و سائر الرّسْل أجمعين...

https://web.facebook.com/permalink.p...87935009602354