النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: البالونة

  1. افتراضي البالونة

    الكل يعرف أن البالونة كلمَّا انتفختْ شغلتْ حيِّزاً أكبر وعَلَتْ مع أنها لا تحوي بداخلها إلا الهواء والهواء فقط ، كذلك هي الظاهرة التي نُريد أن نتحدث عنها .

    تجد الكثير من الشباب يحفظون كمية مهولة من المصطلحات الفلسفية من أمثال : أيدولوجيا ، دغمائية ، برغماتية ، الديالكتيك ، وهلم جرا ، كلَّما حفظ أحدهم مصطلحاً منها انتفخ وعلا ، وظن أنه بلغ من العلم مبلغاً عظيماً ، فما من حوار يُدار بقربه إلا وحشر فيه أنفه ، يَسألُ ويُجيب بنفسه ، يفتح القضية تلو الأُخرى ليُدلي فيها برأيه السديد الذي لم يسبقه إليه أحد - كما يعتقدُ طبعاً - يُصعِّر خده للناس ، يُحاول جاهدا أن يُحشو كلامه بهذه المصطلحات حتى وإن كان سياق الكلام لا يتحمَّلها ، بل إن الطامةَ الكبري أنه في أحايين كثيرة لا يعرفُ عن هذه المصطلحات إلا كيفية نطقها ، وفي هذا أذكرُ أنه في إحدى الدورات عن نظرية المعرفة رفعتْ إحدى الأخوات يدها لتسأل ، وفي أثناء كلامها لاحظَ المُحاضر أنها تحشو كلامها بالكثير من المصطلحات الإنجليزية ، فاستوقفها وسألها عن معنى أحد المصطلحات التي ذكرتْها ، فكان الجواب : لا أعرف .

    ولمَّا كان العقل الجمعي العربي واقعٌ أيضاً تحت سلطة المصطلحات الغامضة ، وصارتْ درجة الوعي عند غالبية الناس تُقاس بمقدار ما يحفظ المرء من أسماء مُفكِّري الغرب والمصطلحات الفلسفية ، باتت هنالك أرضيَّة خصبة لتفشِّي هذه الظاهرة ، بل وللأسف أصبح المجتمع يُصدِّر كل من في ركْبِها و بلغةٍ أُخرى صار هو من ينفخ البالونة ، غير مُدرك أو ربما متجاهل لتبعات هذه الظاهرة على النفس والمجتمع .

    من خلال متابعتي للكثير من الشخصيات التي أظنُّ أنها من ضحايا هذه الظاهرة ، لاحظتُ أن هنالك العديد من الصفات المشتركة التي تُميِّزهم عن غيرهم ، منها : أنهم عادة ما يميلون إلى الغموض في حديثهم ، يُحاولون دائماً إثارة الخلافات ، يلهثون وراء الماجريات - الأحداث - بكافة أنواعها ؛ فهي عصاهم التي يَتَّكِئُونَ عليها ، مُذبذبين دائماً لا يستقرُّون على حال فمرةً تراهم مُتلبِّسين بلَبُوس الإسلام ، وأخرى مع الحداثيين ، وثالثة مع العدميين ، وهلم جرا حيثما قِيدوا انْقَادوا تماماً كالبالونه حيثُما وجَّهتها الريح اتجهتْ ، يُكثرون من وصم مجتمعاتهم بالرجعية و " الدُغمائية " …الخ ، أغلبهم لا يقرؤون وإن قرؤوا يقرؤون الكتب التي حولها الكثير من الجدل أو الغامضة وفي هذا لازلتُ أذكر ذاك الشاب حينما مدَّ لي كتاباً - وهو يبتسم - ثم قال : " هذا ما أقرأه هذه الأيام ، أتحداك أن تفهم منه جملة " ، عندهم قَدْر عالي من الذاتية ، دائماً ما يستعينون في نقاشاتهم بالصراخ والشتم والتعريض بالآخر ليُعوِّضوا بها غياب الحُجَّة ، غالباً ما يتبنُّون الأقوال الشاذة حتى تتوجه إليهم أنظار الناس ، يعشقون الهدم ولا يبنون ، يُعانون من متلازمة أُحادية الحل ، وغيرها من الصفات .

    إن البالونة مهما انتفخت مصيرها في النهاية إما أن تنفجر مُصدِرةً ذاك الصوت العالي كاشفةً عن حجم ذاك الفراغ الذي كان يُحوِّطُه الغشاء الخارجي الجميل أو أن تذْبُل بمرور الزمن حتى تعود لشكلها الطبيعي قبل النفخ ، كذلك هي حالُ ضحايا هذه الظاهرة - إذا أصرُّوا على المواصلةٍ فيها - فإما أن ينكشف جهل المرء وخواء فكره إثر نقاشٍ دار بينه وبين أحدٍ ما ، أو حتى إذا بلغ أرذل العمر أدرك حقيقةَ نفسه ومن الناس من يُدركه الموت قبل أن يُدرك ذاك .

    إن المستحضِر لحقيقةِ أنه سيُسألُ يوم القيامة عن ( عمره ) فيما ( أفناه ) لَيَتَرفُّعُ عن أن يُضيع عمره في مثل هذا .

    وفي نهاية المطاف ، يقول النبي ﷺ : " لا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ ولا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ " .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    يقول رائد الفلسفة الامريكية مايكل ستيتس ان الفلاسفة يصيغون أفكارهم بكلمات صعبة ,حتى يستصعبها الناس ليقولوا ان افكارهم عالية عن اذهانهم وافكارهم ,وهى فى الحقيقة افكار سهلة بسيطة إلا ان الكلمات والجمل والمصطلحات تعمل عملا آخر.

    وهكذا الجهلة والسفلة وانصاف العلوم قال شيخ الاسلام بن تيمية ؛
    ( وقيل : إنما يفسد الناس نصف متكلم ونصف فقيه ونصف نحوي ونصف طبيب
    هذا يفسد الأديان
    وهذا يفسد البلدان
    وهذا يفسد اللسان
    وهذا يفسد الأبدان
    لا سيما إذا خاض في مسألة لم يسبق إليها عالم ولا معه فيها نقلٌ عن أحد ، ولا هي من مسائل النزاع بين العلماء فيختار أحد القوليْن )
    المصدر : الاستغاثة في الرد على البكري ص 411 .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )
    { درء التعارض : 1\357 }

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء