ولماذا خلق الله الخلق وهو غني عنهم ؟ ولماذا خلق الله الدنيا ؟ ولماذا كانت الأمانة ؟ ولماذا كانت الرسل ؟
في السؤال عن حكمة الله هناك ما يُسمى بالقدر المجزئ، أي القدر الذي يجب معرفته، وهو قدر ضئيل جدا لا يساوي في حكمة الله تعالى مثقال ذرة، إلا أنه القدر المناسب لعقول البشر وحاجاتهم. وهذا منصوص عليه بالنقل والعقل والحاسة، قال الله تعالى "ولا يحيطون به علما" وقال العقل "لتعرف كل حكمته يجب أن تكون إلها مثله" وقالت الحاسة "إن الإنسان لا يستطيع أن يعرف حكمة غيره من البشر في ظاهر أفعالهم غالبا فلا يستطيع إدراك حكمة الطبيب في استخدام آلته أو المحامي في ترتيب حجته أو السائق في قيادة سيارته إلا أن يبينوها له، وهو لا يهتم في ذلك إلا بما يحتاج إليه. فالله تعالى أولى بألا تُدرك حكمته إلا إذا بينها، وأولى أن يُقتصر في بيانها على ما يُحتاج إليه".
وقد بين لنا الله تعالى ما نحتاج إليه في فهم حكمته، فقد بين لنا أنه هو خالق الخلق ومقدر الأقدار جميعا لا يشذ عنه من ذلك شئ. ثم بين لنا أنه جعل الدنيا دار ابتلاء وشقاء وأن له فيها أمانة، وبين لنا علة ذلك وغايته، وبين لنا أنه لا يعذب الناس إلا بعد قيام الحجة عليهم، وأنه جعل لهم اختيارا حقيقيا، وأنه يحاسبهم على اختيارهم، وأنه لا يظلم أحدا مثقال ذرة.
هذا كله وغيره مما بينه الله تعالى لنا هو القدر المجزئ الذي نحتاج لمعرفته في فهم حياتنا في الدنيا ومصيرنا ومآلنا في الآخرة. ولا يسعنا السؤال عما سوى ذلك.
وأما سؤالك أنت فأخبرني عن فائدة واحدة تُرجى منه علما وعملا ؟ لن تجد. والله لن تجد. غير أنها نفثة شيطان بليد في عقل أثقلته الظنون وطافت به الريب.
سؤالك لماذا خلق الله الكافر لا يفيدك في شئ لأن معرفتك بعلة خلقه لا تفيدك في شئ، فلن يترتب عليها مزيد عمل ولا مزيد فهم ولا مزيد يقين. أما العمل فظاهرٌ لانفصالهما وتباينهما، وأما الفهم فلأن معرفة الإجابة ستستثير سؤالا آخر عن حكمة أخرى له وهذا لا نهاية له، وأما اليقين لأن القلب الشاك لا يطمئن بإجابة أسئلته بل بتسليم أمره لأنه سيظل يسأل ويسأل حتى يسأل أن يرى الله جهرة، وليس هذا له.
لهذا لما طلب إبراهيم عليه السلام الآية سأله ربه "أو لم تؤمن" لأنه لو كان شاكا لما كفته تلك الآية وهو الذي كلمه ربه وأنجاه من النار ورزقه الحكمة، وقد علمنا ربنا تبارك وتعالى أنه يعلم المؤمنين لمَّا علم الملائكة عند استشكالهم خلق آدم عليهم السلام. كما علمنا أنه لا يعلم الجاحدين لمَّا طرد إبليس عند استشكاله السجود لآدم عليه السلام.
فتواضع لله واعرف منه قدرك ومقامك واعرف له سبحانه قدره ومقامه، وقف على ما أوقفك عليه، وارض بما قسمه لك، واعلم بأنك لن تعدو قدرك، وإن نبيا أفضل منك عنده وأرجى منك لديه وأقرب منك إليه لما سأله مالا ينبغي له سأله الرؤية شوقا ولهفا قيل له "فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين" وأن نبيا أفضل منك عنده وأرجى منك لديه وأقرب منك إليه لما سأله مالا ينبغي له سأله ولده جزعا وحزنا قيل "فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين".
وإن نبي الله تعالى قد نهى أصحابه الكرام عن البحث في سؤال "من خلق الله" لا لعلة في السؤال من قوة أو إعجاز بل لقد ظهر لنا اليوم سخفه وبلادته وعرفنا رده وإجابته والحمد لله رب العالمين، وكم من سؤال أعيا البشر جوابه حتى غدا سهلا يسيرا. وكم من مسألة لم يفهموها وهي للفهم ميسرة ذليلة.
فقف على ما أوقفك الله تعالى عليه وارض بما قسمه الله تعالى لك وتواضع له، واصرف عنك الشبهات كلها بقوله سبحانه.
اتل ما أوحي إليك من الكتاب
وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
ولذكر الله أكبر
والله يعلم ما تصنعون
اصرف عنك الشبهات بالقرآن والصلاة والذكر والمراقبة.
والله تعالى أعلى وأعلم.
أحمد الشرقاوى
Bookmarks