أعراب أوراسيا
كثير من نصوص القرآن أضفى عليها أبعادا أسطورية خرافية نتيجة ولع بعض الإخباريين بخوارق العادات و قصص العجائب و الأهوال ومن جملة ما تعرض لعمليات الأسطرة تلك قصة ذى القرنين و يأجوج و مأجوج و غروب الشمس فى عين حمئة لكن عندما نحاول النظر للنصوص القرآنية من منظور الواقعية و العقلانية و نجتهد فى إزالة ما علق بها من أوهام المولعين بأحاديث الخرافة وأساطير الأولين سنجد سياقا تاريخيا واقعيا لقصة ذى القرنين و الذى من المرجح أنه هو الملك الفارسى كورش الأخمينى وأن يأجوج و مأجوج الذين أتى القرآن على ذكرهم ما هم إلا أعراب أوراسيا.
وأعراب أوراسيا Eurasian nomads مجموعة من القبائل الأعرابية التى قطنت سهول أوراسيا Eurasian steppe و التى تجلت فى التاريخ كموجات غزو شملت أوروبا و الشرق الأوسط و الصين و تتضمن هذا التسمية مجموعات عرقية مختلفة سكنت سهول وسط آسيا و منغوليا و روسيا وقد استأنسوا الخيل حوالى 3500 قبل الميلاد و عرف عنهم الاهتمام بركوب الخيل و العناية بتربيتها ولذا عرفوا "بشعوب الخيل" و يشمل ذلك قبائل السكوثيون أو الإصقوث الذين نزحوا من سهول أوراسيا إلى جنوبي روسيا في القرن الثامن قبل الميلاد، واستقروا بغربي نهر الفولجا شمال البحر الأسود وقد كانوا يثيرون هلع وخوف جيرانهم لخفة حركتهم ولبسالتهم في الحروب والمعارك، خصوصاً لمهارتهم بالفروسية حيث كانوا من أوائل الشعوب الذين تفننوا بركوب الخيل و قد كتب عنهم أيضاً المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس ووصفهم بأنهم شعب ماجوج . و كانت قبائل بربرية متوحشة مشهورة باجرمها فكانوا يذبحون الأسرى و يشربون دمائهم و يصنعون من جماجمهم أوانى للشرب و الأكل و يأخذون فرو رؤوسهم و يصنعون منها مناديل و و كانوا سفاكون للدماء و مولعون بالحروب و كانوا لا يحصدون و لا يزرعون و لا يصنعون فكانت كل وظيفتهم أنهم يغيرون على شعوب غربى أسيا مثل ميديا و أشور و فارس و جبال القوقاز، وكان النهب و الحرب و قطع الطرق و السرقة هي عملهم الرئيسي فكانوا بلاء على كل شعوب غربي آسيا و كانوا مثل الجراد يحولون الأخضر إلى يابس حتى توسعت مملكتهم و أصبحوا قوة مرعبة و احتلوا ساردس عاصمة ليديا عام 629 ق.م و ظل الأمر على هذا الحال إلى أن أتى الملك الفارسى كورش الكبير الذى اصطدم بهم و حاربهم و حرر مملكته من غاراتهم و سيطرتهم كما حرر الأراضى التى وقعت تحت سلطانهمم حتى وصل إلى بخارى و سمرقند وبنى قرى محصنة فيما يلى مملكته من جهة الشرق لصد هجماتهم.
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	800px-Eurasian_steppe_belt.jpg
المشاهدات:	286
الحجـــم:	18.1 كيلوبايت
الرقم:	2770
خريطة توضح امتداد سهول أوراسيا
وقد كان كورش يعظمه اليهود و يبجلونه لأنه خلصهم من الأسر البابلى و يسمونه مسيحا و راعيا للرب فى أسفارهم و هم الذين أوعزوا لقريش بسؤال النبى عنه، و لكورش نقش بارز وقد صُوّر فيه يعتمر تاجا له قرنان وكذلك يرمز لملوك ميديا وفارس فى أسفار اليهود، سفر دانيال على وجه التحديد، بكبش أقرن وقد جمع كورش الكبير فى يديه ملك فارس و ميديا وقد أمتدت فتوحاته أولا غربا نحو آسيا الصغرى حتى وصل سواحل البحر الأسود وبحر إيجة ثم امتدت شرقا مصداقا للتسلسل الذى ذكره القرآن فى شأن فتوح ذى القرون و فى ذلك يقول صاحب "قصة الحضارة" : ذلك أنه ( أى كورش ) لما فرغ من فتح الشرق الأدنى بأجمعه وضمه إلى ملكه أراد أن يحرر ميديا وفارس من غزو البدو الهمج الضاربين في أواسط آسية. ويلوح أنه أوغل في حملاته حتى وصل إلى ضفاف نهر جيحون شمالاً وإلى الهند شرقا . اهـ
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	446px-Cyrus_II_of_Persia.jpg
المشاهدات:	310
الحجـــم:	15.6 كيلوبايت
الرقم:	2771

وقد امتدت فتوحاته شرقا حتى باختريا وهى المنطقة بين جبال هندو كوش ونهر جيحون، و مرجيانا جنوب تركمانستان. و يندرج تحت هذه التسمية أيضا إلى جانب شعوب و عرقيات متعددة كلا من "الهون" و المغول. أما الهون فقد ظهروا من وراء نهر الفولجا في روسيا حالياً و هاجروا إلى أوروبا الشرقية حوالي 370 ميلادية، و قاموا ببناء إمبراطورية في أوروبا بينما المغول قوم نشؤوا في أواسط آسيا في منطقة منغوليا و كانوا في البداية قبائل صغيرة ومتناثرة حول نهر أونون ما بين روسيا ومنغوليا حاليا، و توحدت معظم قبائل المغول في القرن الثالث عشر تحت مظلة حكم جنكيز خان. أما الأحاديث التى تناولت يأجوج ومأجوج فهما حديثان الأول الذى رواه الإمام أحمد و غيره و فيه : إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم ، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ، قال الذى عليهم : ارجعوا ! فسنحفره غدا.. إلخ فهذا الحديث فى سنده نظر و يمكن الرجوع إلى الدراسة النقدية التى قام بها الدكتور الشيخ حاكم المطيرى من خلال هذا الرابط .. و فى مقدمة الدراسة يقول الشيخ حاكم المطيرى : فهذا بحث حديثي تفسيري تناولت فيه دراسة حديث أبى هريرة رضى الله عنه ( إن يأجوج ومأجوج يحفرون السد ) دراسة إسنادية ومتنية ، ولم آلو جهدا فى تحريره وتوضيح مشكله وكشف غامضه ، وبيان علله ، وإنما حداني إلى استفراغ الوسع في الاشتغال به ما نتج عن الحكم لهذا الحديث بالصحة من نتائج سيئة يمكن إيجازها بما يلى :
(1) اعتقاد كثير من المسلمين عقيدة باطلة مصادمة للأدلة النقلية والعقلية والحسية فى هذا الموضوع بناء على هذا الحديث .
(2) إبطال هذا الحديث للنبوءة التى أخبر بها النبى صلى الله عليه وسلم وثبتت بالأحاديث الصحيحة ( ويل للعرب من شر قد اقترب ) وقد وقعت هذه المعجزة الخبرية سنة (656هـ)على وفق ما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم ، وهى من دلائل النبوة مثل فتح القسطنطينيه ونحوها من الأخبار المستقبليه والتى اخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم فوقعت على وفق ما أخبر، وقد أفضى الحكم لهذا الحديث بالصحه إلى تفريغ حديث هذه النبوءة العظيمة من معناه ودلائله .
(3) طغيان مدلول هذا الحديث على أذهان كثير من علماء التفسير وشراح الحديث حتى صارت تفسيراتهم وشروحهم للآيات والأحاديث الواردة فى هذا الموضوع دائرة فى فلك هذا الحديث .
وهكذا صار هذا الحديث سبب شيوع عقائد إسطورية خرافية يُقدح بسببها فى الإسلام والسنة وتورث الشك والاضطراب فى قلوب أهل الإيمان أن يثبت فى دينهم ما تحيله الأدلة العقلية والآثار الحسية . اهـ
أما الثانى و الذى رواه البخارى ومسلم و فيه : استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من النوم محمرا وجهه يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد سفيان تسعين أو مائة قيل أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث.. فهذا الحديث كما هو ظاهر رؤيا منام و لرؤى المنام تعبير و تأويل يختلف عن ظاهرها كرؤياه أن بقراً يذبح و رؤياه في ذُباب سيفيه ثلماً وأنه أدخل يده في درع حصينة فتأول - صلى الله عليه وسلم - البقر يذبح بنفر من أصحابه يقتلون وتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته وتأول الدرع بالمدينة. ونسجا على هذا المنوال فيمكن تأويل الرؤيا بأن قوما من يأجوج و مأجوج سوف يرسلون على أمته و أن ذلك الأمر قد اقترب أجله ومُثّل له ذلك فى الرؤيا بالفتحة فى ردم يأجوج و مأجوج و لعل هذه نبوءة منه صلى الله عليه وسلم بالغزو المغولى الذى اجتاح العالم الإسلامى و سقطت على إثره الخلافة العباسية. وهذا يختلف تمام الاختلاف عن إرسال يأجوج ومأجوج على الناس فى آخر الزمان. و قول الله تعالى : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. ..فتحت هنا بمعنى "أرسلت" و ليس المقصود أنهم محاصرون خلف السد إلى الآن و سيفتح آخر الزمان كقوله تعالى : فتحنا عليهم أبواب كل شىء .. و قوله : لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض.. و المقصود أرسلنا فليس هناك سور أو باب مادى يفتح على وجه الحقيقة.
يقول الشيخ حاتم المطيرى : والثابت تاريخيا وجغرافيا أنهم فى شمال شرقى الأرض ، والأقرب أنهم التتار ومن وراءهم من شعوب الشرق ، وقد شكى الناس شرّهم إلى ذى القرنين ، فعمل سداً بين جبلين يكون حاجزا طبيعيا يمنعهم من الشعوب التى دون السدّ ، فقضيتهم ليست قضية غيبية كما هو ظاهر الأدلة النقلية وكما نص عليه السعدى رحمه الله تعالى بل قضية تاريخية مشاهدة لمن عاصرها وشاهد آثارها ، وإنما بَعْثُهم وخروجهم على اهل الأرض قبل قيام الساعة هو القضية الغيبية التى لايعلم متى يحين وقتها إلا الله عز وجل .
و بعثهم وخروجهم لا يفهم منه أنهم محجوزون عن العالم ، أو فى مكان لا يعلمه أحد، إذ لا دلالة فى هذه الألفاظ على ذلك ، بل بعثهم وتحريكهم هو أزُّهم ، كما فى قصة بني اسرائيـل ( بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد ) ( الاسراء / 5) . كما قال العلامة السعدي .وكذا ما جاء فى الأحاديث الصحيحة : ( يخرج يأجوج ومأجوج ) ليس فيه أنهم فــى معزل عن العـالم ، وإنما مثله مثل قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) " آل عمران 110 " مع أنّ العرب موجودون قبل خروجهم وحملهم رسالة الإسلام للعالمين .