النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: التشكيك فى التاريخ الإسلامى

  1. افتراضي التشكيك فى التاريخ الإسلامى

    لماذا يلجأ بعض الملاحدة و المستشرقون الى التشكيك فى التاريخ الإسلامى حتى وصل ببعضهم الشطط إلى إنكار وجود النبى صلى الله عليه وسلم كشخصية تاريخية أو إلى اختلاق روايات من وحى الخيال تضعه فى سياق آخر غير سياقه التاريخى أو الإدعاء بأن القرآن تم تأليفه فى مرحلة لاحقة على عصر النبى صلى الله عليه وسلم وأن تنوع الأسلوب فيه يشى بتنوع المؤلفين؟
    فى تقديرى ذلك يرجع إلى أمرين ; أولهما هو مجرد الرغبة فى التشكيك بطريقة لا عقلانية وهذا داء مستحكم فى عقول البعض وبعضهم صاغه فى قوالب فلسفية تتراوح ما بين إنكار إمكانية المعرفة على الإطلاق - بمعنى أنه لا سبيل الى معرفة أى شىء عن أى شيء - إلى إنكار المعرفة اليقينية - بمعنى أنه لا سبيل إلى معرفة شىء على وجه اليقين- وهؤلاء لاسيما الصنف الأول تتملكه رغبة قهرية فى التشكيك بحيث لا يهدأ له بال إلا إذ ألقى بالشكوك فى حتى فى آكد الثوابت.

    وبعضهم يفعله رغبة فى إثارة البلبة و الشكوك فى قلوب السذج و البسطاء حتى وهو يعلم أنه تشكيك لا عقلانى. الأمر الثانى و فى تقديرى هو الأهم أن شخصية النبى صلى الله عليه وسلم فى سياقها التاريخى الحقيقى ينظر إليها الملاحدة و المشككون على أنها المعجزة الحقيقية التى تشهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولا أعنى بذلك أخبار انشقاق القمر و الإسراء و المعراج و تكثير الطعام القليل ونبع الماء من بين أصابعه ونحو ذلك بل الإسلام نفسه بتعاليمه ودقائق تشريعه وإنجازاته الواقعية التاريخية و تأليفه – صلى الله عليه وسلم - من بدو همج رحل و قبائل متنازعة أمة كانت فى وقت من الأوقات أعظم الأمم بأسا وأكثرها تحضرا وفى ظرف عقدين من الزمان وما اجتمع فيه من مزيج مذهل من الكفاءات فهو خطيب مفوه و مشرع حكيم و خبير استراتيجى و عسكرى من الطراز الأول وعليم بفنون إدارة الدول و قيادة الشعوب ومربى أخلاقى رفيع المستوى و هذا كله مع كونه ولد يتيما فقيرا محروما من أدنى حظ من التعليم - كونه يتيما فقيرا - فلم يتعلم القراءة ولا الكتابة فضلا عن كونه نشأ فى وسط يسود فيه الجهل و التخلف.
    وعندما أقول ذلك لا أعنى أن هؤلاء الملاحدة و المستشرقون يجعلون من الإسلام شيئا يضاهى الحضارة الغربية الحديثة المفتونين بها وبقيمها و علومها لكنهم ينظرون للإسلام ودولته فى سياقه التاريخى و بناءا على المعطيات التى يقدمها التاريخ الإسلامى على أنه أمر معجز أو من خوارق العادات وكأنهم يستكثرون هذا كله على موهبة شخص واحد مهما بلغ فضلا عن أن يكون حاله كحال محمد صلى الله عليه وسلم كما يصوره التاريخ الإسلامي. و الدراسات الغربية وإن كانت قد نشأت في جانب منها جانحة نحو الغلو في إهدار التاريخ الإسلامي برمته و محاولة إعادة صياغته على نحو يجعل منه أمرا اعتياديا غير خارج عما يألفونه من حوادث التاريخ إلا أن هذا الغلو هدأت حدته شيئا ما.
    ومن ذلك مزاعم باتريشيا كرونه ومايكل كوك حول كون مكة ليست هى مهد الإسلام حيث تقول كرونه :" من الصعب أن لا نتشكك في كون التقليد الإسلامى جعل من مكة مهدا للإسلام لنفس سبب إصراره على كون محمد كان أميا .... فمكة كانت أرض عذراء لا وجود للمجتمعات اليهودية و المسيحية بها". إلا أنها بالرغم من ذلك تقر بكونه شخصية تاريخية دون شك معتمدة على كون جيرانه من البيزنطيين في بلاد الشام سمعوا به خلال عامين من وفاته ومن ذلك نص يونانى يرجع للعام 632 م إبان "الغزو العربى" لبلاد الشام و فيه أن " نبيا زائفا ظهر بين العرب" جاعلا منه مدعيا للنبوة على أساس أن الأنبياء " لايأتون بالسيف و المركبة" فضلا عن وثيقة أرمينية ترجع للعام 661 تذكره بالإسم و تعطى نبذة عن عقيدته التوحيدية. ثم تستطرد قائلة بالرغم من أن محمد لم يظهر في النقوش و العملات العربية و الدلائل الوثائقية الأخرى بنفس اللغة إلا في العام 680 م وهو ما دفع البعض مثل "يهودا د. نيفو و جوديث كورين" إلى التشكيك في تاريخيته إلا أن القليل سيقبل بالمعطى الذى يتضمنه هذا الاستنتاج من كون التاريخ يكتب فقط بناءا على الدليل الوثائقى. أما بخصوص القرآن فتقول " يمكننا أن نكون متيقنين على نحو معقول من أن القرآن يمثل مجموعة من أقواله التي نطق بها على اعتقاد منه أنها وحى أوحى به إليه من الله". و على جانب آخر تناول إيرا م. لابيدوس أستاذ تاريخ الإسلام و الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا (بركلى) في كتابه تاريخ المجتمعات الإسلامية "النظريات" التي تمخضت عنها الدراسات الحديثة بشأن أصول القرآن فمنها إلى جانب النظرية التقليدية التي تقول بان محمد هو مؤلف القرآن أو المستقبل له من طريق الوحى فهناك النظرية القائلة بأن القرآن هو نتاج للمجتمع الإسلامى فى وقت متأخر - ربما القرن التاسع أو العاشر - فى سياق احتكاكه بغير المسلمين و قصد به توثيق مسوغات نبوة محمد. ثم يعلق على تلك النظريات – بخلاف الأولى التي تجعل منه االمصدر الوحيد للقرآن - بالقول أنها لا تحظى بقبول واسع وأن الرؤيا الأكثر إقناعا من وجهة نظره - و كما ترى أنجليكا نيورث - أن الدراسات الحدثية فشلت في أن تنال من موثوقية القرآن و أن السجع و البنية الأدبية للآيات و السور تدل على أنه نتاج صوت واحد.

  2. افتراضي

    تحديث:
    التشكيك في التاريخ الإسلامي



    لماذا يلجأ بعض الملاحدة و المستشرقين إلى التشكيك فى التاريخ الإسلامى حتى وصل ببعضهم الشطط إلى إنكار وجود النبى صلى الله عليه وسلم كشخصية تاريخية أو إلى اختلاق روايات من وحى الخيال تضعه فى سياق آخر غير سياقه التاريخى أو الإدعاء بأن القرآن تم تأليفه فى مرحلة لاحقة على عصر النبى صلى الله عليه وسلم وأن تنوع الأسلوب – المزعوم - فيه يشى بتنوع المؤلفين؟

    فى تقديرى ذلك يرجع إلى أمرين ; أولهما هو مجرد الرغبة فى التشكيك بطريقة لا عقلانية وهذا داء مستحكم فى عقول البعض وبعضهم صاغه فى قوالب فلسفية تتراوح ما بين إنكار إمكانية المعرفة على الإطلاق - بمعنى أنه لا سبيل الى معرفة أى شىء عن أى شيء - إلى إنكار المعرفة اليقينية - بمعنى أنه لا سبيل إلى معرفة شىء على وجه اليقين- وهؤلاء لاسيما الصنف الأول تتملكه رغبة قهرية مرضية فى التشكيك بحيث لا يهدأ له بال إلا إذ ألقى بالشكوك فى حتى فى آكد الثوابت.



    وبعضهم يفعله رغبة فى إثارة البلبلة و الشكوك فى قلوب السذج و البسطاء حتى وهو يعلم أنه تشكيك لا عقلانى. الأمر الثانى و فى تقديرى هو الأهم أن شخصية النبى صلى الله عليه وسلم فى سياقها التاريخى الحقيقى ينظر إليها الملاحدة و المشككون على أنها المعجزة الحقيقية التى تشهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولا أعنى بذلك أخبار انشقاق القمر و الإسراء و المعراج و تكثير الطعام القليل ونبع الماء من بين أصابعه ونحو ذلك بل الإسلام نفسه بتعاليمه ودقائق تشريعه وإنجازاته الواقعية التاريخية و تأليفه – صلى الله عليه وسلم - من بدو همج رحل و قبائل متنازعة أمة كانت فى وقت من الأوقات أعظم الأمم بأسا وأكثرها تحضرا وفى ظرف عقدين من الزمان وما اجتمع فيه من مزيج مذهل من الكفاءات فهو خطيب مفوه و مشرع حكيم و خبير استراتيجى و عسكرى من الطراز الأول وعليم بفنون إدارة الدول و قيادة الشعوب ومربى أخلاقى رفيع المستوى كما شهد بذلك غير المسلمين فضلا عن المسلمين. و هذا كله مع كونه ولد يتيما فقيرا محروما من أدنى حظ من التعليم - كونه يتيما فقيرا - فلم يتعلم القراءة ولا الكتابة فضلا عن كونه نشأ فى وسط يسود فيه الجهل و التخلف.

    وعندما أقول ذلك لا أعنى أن هؤلاء الملاحدة و المستشرقين يجعلون من الإسلام شيئا يضاهى الحضارة الغربية الحديثة المفتونين بها وبقيمها و علومها لكنهم ينظرون للإسلام ودولته فى سياقه التاريخى و بناءا على المعطيات التى يقدمها التاريخ الإسلامى على أنه أمر معجز أو من خوارق العادات وكأنهم يستكثرون هذا كله على موهبة شخص واحد مهما بلغ فضلا عن أن يكون حاله كحال محمد صلى الله عليه وسلم كما يصوره التاريخ الإسلامي. و الدراسات الغربية وإن كانت قد نشأت في جانب منها جانحة نحو الغلو الذي تمثل في إهدار التاريخ الإسلامي برمته و محاولة إعادة صياغته على نحو يجعل منه أمرا اعتياديا غير خارج عما يألفونه من حوادث التاريخ إلا أن هذا الغلو هدأت حدته شيئا ما.

    ومن ذلك مزاعم باتريشيا كرونه ومايكل كوك حول كون مكة ليست هى مهد الإسلام حيث تقول كرونه :" من الصعب أن لا نتشكك في كون التقليد الإسلامى جعل من مكة مهدا للإسلام لنفس سبب إصراره على كون محمد كان أميا .... فمكة كانت أرض عذراء لا وجود للمجتمعات اليهودية و المسيحية بها". إلا أنها بالرغم من ذلك تقر بكونه شخصية تاريخية دون شك معتمدة على كون جيرانه من البيزنطيين في بلاد الشام سمعوا به خلال عامين من وفاته ومن ذلك نص يونانى (تعاليم يعقوب) يرجع للعام 632 م إبان "الغزو العربى" لبلاد الشام و فيه أن " نبيا زائفا ظهر بين العرب" جاعلا منه مدعيا للنبوة على أساس أن الأنبياء " لايأتون بالسيف و المركبة" فضلا عن وثيقة أرمينية (تاريخ سيبيوس) ترجع للعام 661 م تذكره بالاسم و تعطى نبذة عن عقيدته التوحيدية. ثم تستطرد قائلة بالرغم من أن محمد لم يظهر في النقوش و العملات العربية و الدلائل الوثائقية الأخرى بنفس اللغة إلا في العام 680 م وهو ما دفع البعض مثل "يهودا د. نيفو و جوديث كورين" إلى التشكيك في تاريخيته إلا أن القليل سيقبل بالمعطى الذى يتضمنه هذا الاستنتاج من كون التاريخ يكتب فقط بناءا على الدليل الوثائقى. أما بخصوص القرآن فتقول " يمكننا أن نكون متيقنين على نحو معقول من أن القرآن يمثل مجموعة من أقواله التي نطق بها على اعتقاد منه أنها وحى أوحى به إليه من الله".

    فهذا ونحوه من التشكيك ما هو إلا محاولة بائسة لجحد برهان نبوة محمد صلى الله عليه وسلم و الذى سيظل ماثلا أمام أعين البشر إلى قيام الساعة رغم أنوف الدجالين و المخرفين.

    فهذه ليست دراسات حديثة بل أوهام بعض الشغوفين بروايات الواقع البديل وأنا وإن كنت أحب قراءة هذا النوع من الروايات ومشاهدة الأعمال التي تجسدها إلا أن هذه ونحوها روايات فضلا عن كونها سخيفة و تجافى المنطق فهى مملة و رديئة.















    ثم كيف تواطأ الفقهاء والمحدثون و المؤرخون في العصر العباسي - كما يزعم المغفلون - وعددهم يفوق الحصر على تفرقهم في البلدان و على اختلاف مذاهبهم وآرائهم على اختلاق التاريخ الاسلامى بكل تفاصيله من شخصيات تعدادهم بالآلاف وأحداث لا حصر لها ومعالم كثيرة كالمشاعر المقدسة و المسجد الحرام و بئر زمزم و المساجد التي بنيت في صدر الإسلام و قبور النبى و زوجاته و أصحابه ومواقع الغزوات كأحد و بدر وخيبر بدءا من سيرة النبى مرورا بعهد الخلفاء الراشدين وليس فقط هذا بل جمعوا الناس في مشارق الأرض و مغاربها على تصديق هذه الروايات المختلقة التي لا أصل لها و حملوهم على محو ذاكرتهم الجمعية عن تاريخهم الذى تناقلوه ولو شفاهة في المئة أو المئتى سنة السابقين حتى عصر التدوين بحيث لم يعد هناك أثر لهذا التاريخ!. وكيف نشأت أصلا دعوة العباسيين التي كانت قائمة على شعار" الرضا من آل محمد " في عهد محمد بن على بن عبد الله بن عباس حفيد الصحابى عبد الله بن عباس ابن عم النبى و وجدت لها تربة خصبة في خراسان ثم تمددت دعوتهم حتى انتهت بتقويض الدولة الأموية.

    هل هذا كلام يقوله أناس يعقلون ما يقولون أم سكارى في سكرتهم يعمهون؟ فهذا لا يختلف عن الإدعاء بأن أهل علم من العلوم أو فن من الفنون اجتمعوا على اختلاق ذلك العلم أو هذا الفن وصار ذلك مسوغا للطعن و التشكيك في كل العلوم و الفنون من هذا الباب. بل الطعن في التاريخ الإسلامي جملة وتفصيلا أكثر مجافاة للعقل لأن التاريخ وأحداثه ليس حكرا على المؤرخين و الفقهاء و المحدثين بخلاف العلوم و الفنون غير التاريخ فقد تكون حكرا على أصحابها.

    أضف إلى ذلك أن ما زعمه هؤلاء عن عدم وجود مصادر خارجية عن تاريخية النبى صلى الله عليه وسلم و الخلفاء الراشدين و تاريخ صدر الإسلام هو جهل بالواقع. فالأدلة الخارجية تتفق مع الخطوط العامة للتاريخ الإسلامي. ولا يوجد أي دليل خارجي يعطي تصورا بديلا عن نشأة الإسلام ألبتة.

    فهناك على سبيل المثال المذكرات التي وجدت مكتوبة على مخطوطة سريانية لأناجيل متى و مرقس ترجع للقرن السادس الميلادى (المخطوطة أقدم من المذكرات المدونة في الصفحات الفارغة بها) مذكور بها بعض أحداث غزو العرب للشام و تتحدث عن الغزاة بوصفهم "عرب محمد" و تشير لمعركة اليرموك بمعركة جابيثا.

    وكذلك "تعاليم يعقوب" التي التي دونت حوالى 634 ميلادية تتحدث عن " النبى الزائف" – في زعمه - الذى ظهر بين العرب و الذى كان يعلن مجىء "المسيا" الذى ينتظره اليهود معللا وصفه بالزائف بأن الأنبياء في زعم الكاتب لا يأتون بالسيف و المركبة.

    و كذلك تاريخ الأسقف الأرمينى سيبيوس من القرن السابع الميلادى و فيها يذكر النبى بالإسم و نبذة عن عقيدته و تعالميه وأنه كان تاجرا فضلا عن أعمال عمر بن الخطاب و الذي يصفه بالحاكم القوى الذى ينسق تقدم "أبناء إسماعيل" من أعماق الصحراء. وغير ذلك كثير من المصادر الخارجية التي يضيق المقام بذكرها و يمكن مراجعة كتاب "الإسلام كما رآه الآخرون" لروبرت هويلاند لهذا الغرض.

    ويعلق توم هولاند على ذلك في كتابه " تحت ظل السيف" بأن تايخية عمر بن الخطاب كما هو الحال بالنسبة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - لا نزاع عليها.

    و على جانب آخر تناول إيرا م. لابيدوس أستاذ تاريخ الإسلام و الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا (بركلى) في كتابه تاريخ المجتمعات الإسلامية "النظريات" التي تمخضت عنها الدراسات الحديثة بشأن أصول القرآن فمنها إلى جانب النظرية التقليدية التي تقول بأن محمد هو مؤلف القرآن أو المستقبل له من طريق الوحى فهناك النظرية القائلة بأن القرآن هو نتاج للمجتمع الإسلامى فى وقت متأخر - ربما القرن التاسع أو العاشر - فى سياق احتكاكه بغير المسلمين و قصد به توثيق مسوغات نبوة محمد. ثم يعلق على تلك النظريات – بخلاف الأولى التي تجعل منه االمصدر الوحيد للقرآن - بالقول أنها لا تحظى بقبول واسع وأن الرؤيا الأكثر إقناعا من وجهة نظره - و كما ترى أنجليكا نيورث - أن الدراسات الحدثية فشلت في أن تنال من موثوقية القرآن و أن السجع و البنية الأدبية للآيات و السور تدل على أنه نتاج صوت واحد.

    وقد تناولت في موضوع سابق الأدلة العقلية و الوثائقية على أن القرآن يرجع إلى عصر النبي و الصحابة فقلت فيه:

    وجود القرآن – وهو أعظم الأدلة الوثائقية على تاريخية النبي صلى الله عليه وسلم - يرجع إلى عصر الصحابة:



    فضلا عن كون القرآن منقول بالتواتر بالأسانيد المتصلة عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه قراء الأمصار على تباعد بلدانهم دون تواطؤ منهم و المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها متفقون على نسخة واحدة على اختلاف طفيف في نقط بعض الكلمات وإعجامها، فالدليل على أن القرآن يرجع إلى عصر الصحابة لا يقتصر على ذلك بل يدعمه الدليل الوثائقي. فقد عُثر في سبعينيات القرن الماضي على مخطوطات للقرآن أثناء عمليات الترميم التي خضع لها الجامع الكبير بصنعاء وباتت تعرف بـ Codex Ṣanʿāʾ I.

    و المخطوطات تحتوي على نصين علوي وسفلي. أما العلوي فهو موافق للرسم العثماني و أما السفلي فهو مطموس وقد أعيد استخدام الرقاع لكتابة النص العلوي وباستخدام تقنية الأشعة الفوق بنفسيجية تمكن الباحثون من استعادة النص السفلي. وهو يحتوي على بعض الاختلافات الطفيفة عن الرسم العثماني. ويقدر الباحثون تاريخ النص السفلي ما بين عامي 632 و 669 ميلادية. ذلك أن المخطوطة المعروفة بمخطوطة ستانفورد وفق تقنية الكربون المشع يرجع تاريخها إلى قبل عام 669 بحتمالية 95% وقبل العام 646 باحتمالية 75%. وبحسب بنهام صديقي و محسن جودارزي من جامعتي ستانفورد و هارفرد فإنه بالرغم من أن تتابع السور في النص السفلي يختلف عن النص العثماني إلا أن ترتيب الآيات في السور هو عينه في الرسم العثماني على اختلاف في صياغة بعض العبارات نذكر أمثلة عليها فيما يلي:



    سورة البقرة الآية 191:

    الرسم العثماني: حَتَّىٰ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِيهِ ... كـذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَـٰفِرِينَ

    النص السفلي: حَتّی يُقـٰتِلوکُم ... ذَٰلِکَ جَزاءُ الکـٰفِرينَ



    سورة البقرة الآية 193:

    الرسم العثماني: وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّـهِ

    النص السفلي: و يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّـهِ



    سورة هود الآية 105:

    الرسم العثماني: إِلَّا بِإِذْنِهِ في سياق قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ

    النص السفلي: إلّا مَن أَذِنَ لَه



    سورة الأنفال الآية 2:

    الرسم العثماني: وَجِلَت في سياق قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ

    النص السفلي: فَرِقَت .. وفرق في اللغة أي فزع



    سورة مريم الآية 7:

    الرسم العثماني: يَـٰزَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا

    النص السفلي: {يَـٰزَكَرِيَّا إِنَّا} قَد وَهَبْنَا لَكَ غُلٰماً زَكِيَّاً وَبَشَّرْنٰهُ {بِيَحْيیٰ لَمْ نَجْعَل ﻟَّ}ﻪُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا



    وقد استطاع الباحثان أن يلاحظا بعض صور الاتفاق بين النص السفلي وقراءة ابن مسعود وهي من القراءات الآحاد المخالفة للرسم العثماني.

    ويمكن تفسير صور الاختلاف الطفيف هذه في سياق التراث الإسلامي فقد ثبت في الصحيح أن القرآن نزل على سبعة أحرف ومن ذلك ما رواه البخاري عن عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه.

    ناهيك عن التوهم أو السهو والخلط الذي قد يقع من النساخ. ولذلك فقد أفزع حذيفة بن اليمان اختلاف الناس في القراءة لما كان يغازي أهل الشام فى فتح أرمينية وأذربيجان كما روي البخاري في صحيحه فقدم على عثمان ابن عفان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. لكن لا يتوقع بطبيعة الحال أن يتم الأمر بين عشية وضحاها وكي يدخل هذا القرار حيز التنفيذ وتمحى كل صحيفة مخالفة للرسم العثماني سيتطلب الأمر فترة من الزمن. وهذا يفسر لماذا أزيل النص السفلي وكتب القرآن بما يوافق الرسم العثماني.

    وهذه أحاديث صحيحة مروية بالأسانيد المتصلة في كتب الصحاح. والزعم بأن الحجاج أو غيره تلاعب بالقرآن زعم يجافي المنطق لأن القرآن في زمن الحجاج كان متواترا وكانت نسخه منتشره فى الآفاق وعددها لا يحصيه إلا الله فضلا عن كونه محفوظ في الصدور يحفظه عن ظهر قلب خلق يحصل التواتر بأقل منهم ولا يمكنه لو أراد أن يغير شىء فى القرآن فهذا الزعم لا يختلف في شىء عن من يزعم أن أحد يمكنه أن يغير فى القرآن الآن

    و الرواية التي وردت فى كتاب المصاحف رواية لاتصح سندا فضلا عن نكارة متنها كما تقدم وقد قلت سابقا:





    و الرواية التي فى كتاب المصاحف هي من طريق عوف ابن أبي جميلة وكان معروفا بالتشيع قال ابن المبارك: ما رضي عوف ببدعة حتى كان فيه بدعتان : قدري ، شيعي. ومعروف تحامل الشيعة على الحجاج وبني أمية. و في سنده عباد بن صهيب وهو متروك الحديث

    لكن أصل هذه المسألة الرواية التى تقول بأن الحجاج أسند إلى نصر بن عاصم الليثي نقط المصاحف وتشكيلها لأن اللحن و التصحيف فى القراءة فشا بين الناس. لكن واقع الأمر أن النقط و الإعجام نشأ بشكل متدرج وهناك من سبق إلى نقط المصاحف كأبي الأسود الدؤلى و يحي بن معمر. أما الزعم بأن الحجاج جمع المصاحف جميعها و غيرها وبدلها وألزم الناس فى مشارق الأرض و مغاربها بنسخة محرفة فهذا زعم ظاهر البطلان





    أما عن تعدد القراءات ففي عدم وجود النقط و الإعجام فهذا أمر حتمي ومن هنا تتضح أهمية التواتر و النقل المتصل السند من قبل الحفاظ المشهود لهم بالاتقان. ولذلك وضع العلماء شروطا لقبول القراءة منها:

    أن تكون محتملة من الرسم العثماني المتواتر

    أن تكون صحيحة من جهة اللغة

    أن تروي بسند متصل صحيح

    أن تكون قراءة مشهورة مستفيضة

    ولذلك اتفق العلماء على القراءات المروية عن أئمة الإقراء فى الأمصار المختلفة.

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء