كتاب ( القرآن تدبُّر وعمل ) كتاب نافعٌ مباركٌ ، صدر عن مركز المنهاج للإشراف والتدريب التربوي بالرياض.
والطبعة التي بين يدي الآن الطبعة الثامنة ، نُشرت في ( رمضان 1438هجرية ) ، ومرقومٌ في صدرها ( طبعة مُصحَّحة ومُنقَّحة ) !.

وقد قرأتُ الكتاب كاملاً ووجدتُ عليه جملةً من الملاحظات التي لا يسع السكوتُ عنها لأهميِّتها المتعدِّية ، فحررتُ على نسختي كثيراً من التعقبات والملاحظات ، نصحاً لنفسي ولناشر الكتاب والمنتفعين به .

وما رقمتُه هنا هو أهمُّ ما رأيته على الكتاب ، علماً أنه توجد مُلاحظات شكلية ومنهجية ، فرقت هِمتي للمنهجية ، لأن الأكثر يُنزَّل منزلة الكمال كما هو مقرَّر عند الأصولييِّن .
انظر قواعد المقري ق : 272) .

أسأل الله أن يجعلنا ومن يقرأ هذه السُّطور من أهل القرآن ،أهل الله وخاصته ، وهذا أوان الشروع في المقصود :

1- ورد في المقدِّمة ( ص/ أ ) : ” إن من أراد الإرتقاء في منازل العبودية والقرب من ربِّه ، يلزمه لتحصيل ذلك تحقيق المراد من إنزال القرآن وإتباع السنة” .
قلت : لا يُوجد تعريف منضبط للعبادة ولا للعبودية في الكتاب كُّله ، لا في معاني الكلمات ولا في التوجيهات ، وهو غريب جداً ، فكيف يتعلَّم المتدبِّر منازل العبودية وهو لا يعقل معناها ومفهومها.

وكان الواجب على المشرفين أو المحرِّرين للكتاب تعريف العبادة أو العبودية وضرب الأمثلة عليها ولو من خلال ثلاثة أسطر .
وقد ورد في (ص/1 ) : ” العبادة أعلى مراتب الخضوع ” وهذا لا يكفي لفهم معنى العبادة وتصورها في الذِّهن والقلب .

وورد ( ص/ 4) في التوجيهات ما نصُّه : ” عبادة الله هي الغاية من وجودك ” وهو تعريف ناقص لا يُعين لا على العمل ولا على التدبُّر ، ولم يسبقه بيان لمعنى العبادة حتى يُشار إليها بهذه الإشارة المبهمة ! ، والنقل الوارد عن ابن جِزي رحمه الله تعالى (ص/ 4) يحتاج إلى توضيح فلا يكفي لبيان معنى العبادة ، وهو أشعريُّ المعتقد فيجب تحرِّي النقل عنه .

وقد ورد في ( ص/ 287 ) ما نصُّه : ” لا تتمُّ العبادة إلا بالخوف والرجاء “، وورد في ( ص/ 502) : ” والعبادة مبنية على ركنين : محبة الله والذُّل له ” .

فهذه التقريرات جيدة لكن لا تكفي لبيان مفهوم العبادة ، ليتمكن المسلم من العمل بها . ولو جمعت هذه التقريرات في أول سورة الفاتحة لكان الأمر حسناً ونافعاً جداً ، حتى تكون قواعدها ومعانيها ماثلة أمام المتدبِّر لكتاب الله تعالى . وأفضل تعريف للعبادة يفهمه العامي والمتعلم هو تعريف الإمام ابن تيمية ( ت: 728هـ) رحمه الله تعالى : ” العبادة اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ” .

2- ورد في المقدِّمة ( ص/ ب) : ” هذا الكتاب منهج متكامل والعمل به وفق منهج أهل السنة والجماعة “. قلت : هذه التزكية وإن كنا نُحبها ونستبشرُ بها لكنها غير مكتملة في الكتاب كما قرَّره المحرِّرون والمشرفون جزاهم الله خيراً ، فالواجب عند تحرير كتابٍ عن تدبر كلام الله تعالى أن يُستوفى منهج العقيدة الإسلامية كاملاً غير منقوص ، فلا يستقيم بيانُ جزء من معتقد أهل السنة ويُعرضُ عن الجزء الآخر ، وهو تحرير آياتِ الصفات ، كما سيأتي التنبيه على بعضه أدناه.

3-عند إيراد آيات علو الله تعالى على خَلقه لم يُبيِّن المحرِّرون معناها الصحيح اللائق بها ولم يذكروا كيفية تقرير معانيه ، ولم يذكروا وجوب إثبات العلو لله تعالى ، لا في معاني الكلمات ولا في التوجيهات ، وهذا خطأٌ فادح يجب تصحيحه .

وقد ورد تقرير العلو في الكتاب في موضع واحد مبهم غير واضح في مسألة نشوز الزوجة وهو ما ورد في ( ص/ 84) وهو من تقرير الآلوسي(ت: 1270هـ) رحمه الله تعالى وليس من تقرير المحرِّرين ، وهو قوله : ” تجاوزوا أنتم عن سيئات أزواجكم، واعفوا عنهن إذا تُبن، أو أنه تعالى قادر على الانتقام منكم، غير راضٍ بظلم أحد، أو أنه سبحانه -مع علوه المطلق وكبريائه- لم يُكلِّفكم إلا ما تطيقون؛ فكذلك لا تكلفوهن إلا ما يُطقن ” .

فكان الواجب الإستدراك على الآلوسي رحمه الله تعالى بأن العلو لله تعالى صفة ذاتية لله تعالى ثابتة في نصوص الوحيين ، وأن يشيروا إلى أن العلو ثلاثة أقسام : علو الشأن وعلو القهر وعلو الفوقية . وأهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله تعالى فوق جميع مخلوقاته مستوٍ على عرشه عالٍ على خلقه ، بائنٌ منهم يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى حركاتهم وسكناتهم ، لا تخفى عليه خافية.

4- مفهوم الإيمان تأخَّر تقريره معناه إلى سورة الملك آية رقم ( 29) ، وكان الأكمل أن يتم إيراده أول سورة البقرة آية رقم ( 3) ليكمل تصور المعاني للإيمان من أول كتاب الله إلى آخره، لمن يريد دراسة تدبر كلام الله بترتيب المصحف .

5-في سورة لقمان آية رقم ( 13) ذكر الله تعالى وصية لقمان لابنه ونهاه فيها عن الشِّرك ، ولم يذكر المحرِّرون حدَّ الشرك ومفهومه ، وهو مهم جداً، فبعض العوام لا يعرف معنى الشرك ، فببيان حدِّه يَعرف المسلم المأمور والمنهي عنه من الأعمال .ولو ذُكر مفهوم الشرك ومعناه في سورة البقرة عند آية الملكين رقم ( 102 )اللذين كانا يعلِّمان السحر ، لأضحى مناسباً ونافعاً جدا ً.

6-في سورة الشورى آية رقم ( 11) عند قول الله تعالى : ” ليس كمثله شيٌ وهو السميع البصير ” لم يتم التنبيه على منهج أهل السنة والجماعة في صفات الله تعالى كما هو الحال في كثير من كتب السلف ، ومنها الكتب التي يقتبس منها المحرِّرون توجيهات الآيات في الكتاب كُّله ، وهذا ملاحظ في كثير من المواضع في الكتاب ، ويبدو أنه قاعدة مطردة ومنهج مقرر عند المحرِّرين ! ، وقد لاحظتها في كثير من المواضع ، وهو مؤثِّر في نظري على مادة الكتاب ، فليته يستدرك .

فلماذا لا يذكر بحدود ثلاثة أسطر مثل : الاستواء صفة دل عليها قول الله تعالى : ” الرحمن على العرش استوى ” ( طه : 5 )، والانتقام صفة لله تعالى ، من المجرمين والظالمين ، دلَّ عليها قول الله تعالى : ” ومن عاد فينتقمُ الله منه ” ( المائدة : 95) ، والوجه صفة ثابتة لله تعالى دلَّ عليها قول الله تعالى : ” وما تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله ” ( البقرة : 272) .

7-هناك تقصير في الإشارة إلى الأحكام الفقهية المتعلِّقة بالآيات في سورة البقرة على وجه الخصوص ، فلم تتم الإشارة إلى الأحكام الفقهية إلا بكلمات يسيرة مبهمة لا تفِ بالغرض من التدبر ، فهي كعدمها ، مثل : أحكام القصاص والصيام والتمتع بالحج والعمرة ، والإحصار والمواقيت والمعاشرة وقت الحيض بين الزوجين ، وأحكام اليمين والإيلاء ، وأحكام الطلاق والرضاع وِعدَّة المتوفى عنها زوجها وخِطبتها .
وفي ( ص/ 95 )من سورة النساء لم يُنبَّه على حكم صلاة الخوف وصفتها .
فالتدبر يكون للعقائد والأحكام والرقائق كما لا يخفى على كل لبيب ، فليته يستدرك .

8-ورد في ( ص/ 238) في التوجيهات ما نصُّه : ” استحضار صفات الله سبحانه وتعالى حائلٌ بين العبد والوقوع في المعصية لقول الله تعالى : ( لولا أن رأى برهان ربه ) ” ( يوسف : 24 ). قلت : أورد المحرِّرون على يسار الصفحة قول الإمام ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله تعالى تعليقاً على الآية : ” هو برهان الإيمان ” فكان الأنسب في التوجيه المشار إليه أن يقال استحضار صفة المراقبة والإيمان بالله ، أو يكتفى بأحدهما منعاً للبس في الفهم بين فعل العبد وصفة الله تعالى.

9- ورد في ( ص/ 255) ما نصُّه : ” إذا اشتبه عليك أمرٌ ولم تعرف الحق ، فيه فبادر بقراءة القرآن لعل الله أن يهديك للحق والرشد : ( كتاب أنزلناهُ إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ) ” .
قلت : هذا الاستنباطُ ضعيف ، والصحيح دعاء الله تعالى واستخارته كما في الصِّحاح والآثار .

10-ورد في (ص/ 309) ما نصُّه : ” مُر اخوانك وأهل بيتك بالصلاة والصدقة وذكرهم بأدائها في وقتها ” قلت : في الجملة لبسٌ ظاهر ، والصحيح مر اخوانك بالزكاة . فقد يتوهم من يقرأ أو يسمع مادة الكتاب أن الصدقة واجبة على الجميع .

11-ورد في (ص/ 354) ما نصُّه : ” اقرأ أذكار الصباح وأنت في المسجد ” قلت : لا دليل على هذا من السنة النبوية الصحيحة ، والتقيِّيد بالمسجد يُفهم منه الوجوب ، ولا دليل صريح على ذلك ، فيجب إصلاح العبارة بما يَستقيم به المعنى. والتسبيح يكون في الصلاة وخارج الصلاة ، في المسجد وخارجه .
فعن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَذكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِه.أخرجه مسلم .

12- ورد في ( ص/ 467) ما نصُّه : ” إذا قرأت ( غافرَ الذنب وقابلَ التوب ) فقل يا غافر الذنب اغفر لي ذني ويا قابل التوب اقبل توبتي ” .
قلت : من المفيد بعد هذه العبارة التفريق بين أفعال الله تعالى وأسمائه وصفاته ، ليكون المتدبِّر عالماً بمعاني ما يتضرع به إلى الله تعالى ، لأن الجهل بذلك يترتب عليه دعاء الله تعالى بما لم يتعبدنا به .

13-ورد في ( ص/ 426) ما نصُّه : ” صلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم عِدَّة مرات ” قلت : لم يُذكر حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُستدل لها من السنة الصحيحة ، وهذا أولى من الدعوة المطلقة إلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

14-لا يوجد في الكتاب لطائف عقدية تُقرِّر تعميق الإيمان في النفوس وتردُّ على أهل البدع والزيغ ، كالفَرق بين البدعة والسنة ، وحكم الإحتفال بليلة الإسراء والمعراج ، وحكم الإحتفال بعيد مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وحكم الإحتفال بليلة النصف من شعبان ، وحكم سبِّ الصحابة رضي الله عنهم ، ونحوها من اللطائف .

15-يوجد تكرار في كثير من عبارات العمل بالآيات ، ويبدو أنها بسبب توزيع أعمال البحث على المحرِّرين ، مثل :” اكتب رسالة أو اتصل بأرحامك ..” فقد وردت في أكثر من عشرة مواضع ، وكان الأولى استبدال بعضها بحديث نبويِّ ، أو التعليق على عبرة تأريخية ، أو نقل قول عالمٍ مشهور بالوعظ . فهذا الموضع يحتاج إلى تنقيح ومراجعة ليكون السياق بليغاً ومؤثِّراً .

16-في ( ص/ 457) عند تفسير قول الله تعالى : ” ما منعك أن تسجدَ لما خلقتُ بيديَّ ” ( ص: 75) لم يورد المحرِّرون إثبات صفة اليدين لله تعالى ، لا في الوقفات التدبرية ولا في التوجيهات والعمل بالآيات ، وهو مطلب مهم لأنه من منهج أهل السنة والجماعة الذي نبَّه عليه المحرِّرون في مقدِّمة الكتاب .

17-في ( ص/ 493) لم يُشر المحرِّرون عند تفسير قول الله تعالى : ” فلما آسفونا انتقمنا منهم ” ( الزخرف: 55 ) إلى وجوب إثبات صفة الغضب لله تعالى ، وهي صفة فعلية ثابتة لله تعالى كما تليق بجلاله .

18-ورد في ( ص/ 565) عند تفسير قول الله تعالى : ” يوم يُكشفُ عن ساقٍ” ( القلم : 42 ) ما نصُّه : ” إذا تجلَّى الربُّ عز وجل فيسجد له المؤمنون ولا يستطيع أحدٌ من الكافرين ولا المنافقين أن يسجد ” . قلت : حذف المحرِّرون هنا ما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ” فيكشفُ عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ” وهو جزء من السِّياق الذي أورده المحرِّرون أعلاه لكنهم حذفوه نسياناً منهم ، كما حذفوا إثبات معنى العلو لله تعالى ونحوها من إثبات الصفات من تقرير كلام السلف كما تقدم .

وأخيراً فإنني أختمُ بما أوصى به المحرِّرون في ( ص/ 603) وهو التحذير من ” خطورة تميِّيع مبادىء الدِّين وتقديم التنازلات ” فإن منهج أهل السنة والجماعة منهجٌ متكامل في العقيدة والأحكام والفضائل، فيجب تقرير منهجهم كاملاً غير منقوص حفظاً للأمانة وتبليغاً لوحي الله .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

د/ أحمد بن مسفر العتيبي
http://ahmad-mosfer.com/2105