النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: حوار حول حكم الصلاة في مسجد فيه قبر

  1. افتراضي حوار حول حكم الصلاة في مسجد فيه قبر

    حوار حَوْلَ حُكم الصلاة في مسجد فيه قبرٌ


    الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد؛ فهذا الحوار منشور في ملف مضغوط على شبكة الإنترنت، وهذا الملف المضغوط يحتوي على نُسختَين مِن الحوار، إحداهما word والأخرى pdf، ولتحميل هذا الملف ادخُلْ على هذا الرابط ثم قُمْ بالتحميل، مع العلم بأن هذا الملف قابل للتحديث المستمر على نفس الرابط المذكور؛ وهذا الحوار يتناول عدة مسائل ، وهذه المسائل هي:
    (1)ما هو القبر؟.
    (2)ما هي المَقْبَرَةُ؟.
    (3)هل القبرُ النبويُّ موجودٌ داخِلَ المسجد النبوي؟.
    (4)هل أنْكَرَ أحدٌ مِن السلف إدخالَ قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده؟.
    (5)هل يجوز بناء مسجد على غرفة بداخلها قبر؟.
    (6)هَلْ يَجُوزُ تَوْسِعَةُ مسجدٍ إذا اقْتَضَتْ هذه التوسعةُ ضَمَّ قبْرٍ إلى داخِلِ المسجدِ؟.
    (7)ما الفرقُ بين الواجبِ والمندوبِ والمُحَرَّمِ والمكروهِ مِن جِهةِ الطَّلَبِ أو التَّرْكِ (على سبيل الجَزْمِ والقَطْعِ والحَتْمِ والإلْزامِ والإجْبارِ)؟.
    (8)ما فَضْلُ الصلاة في المسجد النبوي؟.
    (9)هل (فضل الصلاة في المسجد النبوي) يندرج تحت الواجب أم تحت المندوب؟.
    (10)ما المراد بقاعدة (ما حُرِّم سدًّا للذريعة يُباحُ للحاجة أو المصلحة الراجحة)؟.
    (11)هل يَصِحُّ أن يُستغنى بصلاة الجماعة في البيت عن صلاة الجماعة في المسجد؟.
    (12)ما حُكْمُ الصلاة في مسجد فيه قبر؟.
    (13)هل بُطْلَانُ الصلاة في مسجد فيه قَبْرٌ يتعلَّقُ بوجود القبر في القِبلة؟.
    (14)هل تَجوز الصلاةُ في مسجد فيه قبر، إذا كان هو المسجدَ الوحيد في القرية، أو إذا كان لا يوجد في القرية مسجد يَخْلُو مِن قبر؟.
    (15)هل هناك فَرْقٌ بين بناء المسجد على القبر أو إدخال القبر في المسجد؟.
    (16)هل وجود القبر ضِمْن مقصورة موجودة داخل المسجد يُزِيلُ المحذورَ؟.
    (17)هل وجودُ القبر في ساحة المسجد الخَلْفِيَّة يَمْنَعُ مِن الصلاة في المسجد؟.
    (18)ما هو حُكْمُ الصلاة في مسجد بُنِيَ بين المقابر أو بجوارها؟.
    (19)ما هي المواضع التي تُصَلَّى فيها صلاةُ الجنازة؟.
    (20)ما المُرادُ بقولهم "إعمالُ الدليلَين أَوْلَى مِن إهمال أحدهما ما أَمْكَن"؟.
    (21)هل يجوز أن تُصَلَّى صلاةُ الجنازة في المقبرة؟.
    (22)هل يجوز أن تُصَلَّى صلاةُ الجنازة في مسجد بداخله قبر؟.
    (23)هل طالَبَ أحدٌ مِن العلماء المُتأخِّرِين صَرَاحَةً بإرجاع المسجد النبوي إلى ما كان عليه في عهد الصحابة مِن جهة القبر؟.
    (24)هلْ أجَمَعَ علماءُ الأُمَّة على تحريم بناء المساجد على القبور؟.
    (25)مَن هُم القُبُوريِّون؟.
    (26)هَلْ تَصِحُّ الصلاةُ خَلْفَ القُبُوريِّين؟ وهل يُعْذَر بالجهل مَن وَقَعَ في الشرك الأكبر؟ وهل يُكَفَّرُ عَوَامُّ القُبُوريِّين بأعيانِهم أم بعُمومِهم؟ وهلْ يَجِبُ على عَوَامِّ المسلمين أن يُكَفِّرُوا القُبُوريِّين؟ وإذا كَفَّرَ المسلمُ قُبُورِيًّا فما الذي يَضْمَنُ له ألَّا يَبُوأَ هو بالكُفْرِ؟.
    (27)كيف صَحَّحَ الشيخُ ابن باز الصلاةَ في المسجد النبوي، مع كونه بداخله ثلاثة قبور (قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبرَي صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما)؟ وهَلْ هناك اعْتِرَاضَاتٌ تَرِدُ على هذا التصحيح؟.
    (28)هناك مَن يُصَحِّح الصلاةَ في المسجد النبوي، مع كونه بداخِلِه القبر النبوي، تأسيسا على قاعدة (ما حُرِّم سدًّا للذريعة يُباحُ للحاجَةِ أو المصلحة الراجحة)، فهَلْ هناك اعْتِرَاضَاتٌ تَرِدُ على هذا التصحيح؟.
    (29)ما هو العامُّ، وما المُراد بقولهم "مِعْيَارُ الْعُمُومِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ"، وما هو التخصيصُ، وما هي الفُروقُ بين التخصيصِ والنَّسْخِ؟.
    (30)كيف صحَّحَ الشيخُ الألباني الصلاةَ في المسجد النبوي، مع كَوْنِه بداخلِه ثلاثة قبور (قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما)؟ وهَلْ هناك اعْتِرَاضَاتٌ تَرِدُ على هذا التصحيح؟.
    (31)لماذا يَسْكُتُ مَنْ يَسْكُتُ مِن العلماء عن بيانِ بِدْعِيَّة بِناءِ القُبَّة الخضراء فوقَ القبر النبوي؟.
    (32)هل تَمَكَّنَ الشيخُ محمد بن عبدالوهاب مِن إزالة القُبَّة الخضراء الموجودة فوق القبر النبوي، ولَمْ يَفْعَلْ؟.
    (33)هلْ يَصِحُّ الاستدلالُ بدعوى الإجماع، أو بدعوى (لا نَعْمَلُ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نَعْرِف مَن عَمِلَ به)، ردًّا على مَن استدَلَّ على تحريم الصلاة في المسجد النبوي بعُموم أدِلَّة التحريم؟.
    (34)هل يجوز أن تُصَلَّى النافِلَةُ في المسجد النبوي في أوقات النَّهْيِ، لِمَا هو مَعروفٌ مِن فَضْلِ الصلاةِ في المسجد النبويِّ؟.
    (35)لو قال رَجُلٌ "أنا إذا صَلَّيْتُ في مسجد مِن مساجد مَكَّة الهادئة أَكُون أَخْشَعَ أكثر بكثير، وإذا صَلَّيْتُ في الحَرَمِ أَرَى زِحاما شَدِيدا جداً، وتَبَرُّجَ نساءٍ، أنا أَكُونُ أَخْشَعَ في صلاتي في مسجد مِن مساجد مَكَّة غير الحَرَمِ"؛ فَهَل الأفضلُ لهذا الرجُل أن يُصَلِّي في المسجد الحَرامِ؟.
    (36)هناك مَن يَزْعُم أن إزالةَ القبة الخضراء التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم مُتَعَذِّرٌ حاليا، وأن إرجاعَ المسجد النبوي إلى ما كان عليه في عهد الصحابة مِن جهة القبر أيضا مُتَعَذِّرٌ حاليا، وذلك بسبب ما قد يَتَرَتَّبُ على ذلك مِن فِتَنٍ يُثِيرُها القبوريون، مِن اتِّهام العلماء والسَّاسَة الذين سيقومون على عَمَلِيّة التغيير هذه بأنهم يُبْغِضُونَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم ولا يَرْعَوْنَ حُرْمَتَه صلى الله عليه وسلم، ورُبَّما خَرَجَ هؤلاء القبوريون بالسِّلاحِ على ساسَتِهم؛ ثم يقول هذا الزاعِمُ أنه رُبَّما يأتي جِيلٌ بَعْدَنا وَسْطَ ظُرُوفٍ أفضل مِن ظُرُوفِنا فيَتَمَكَّن مِن إزالةِ هذه المُنْكَرات؛ فهلْ تَرَى أن هذا الزَّعْمَ صَحِيحٌ؟.
    (37)ما المُرادُ بقولِهم "ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ"؟.
    (38)ما المُرادُ بمَفْهُومِ المُوافَقَةِ؟.
    (39)أَسْكُنُ في قَرْيَةٍ صغيرة نائِيَةٍ يَغْلِبُ على أهلِها الفقرُ الشديدُ، في هذه القريةِ كان يُوجَدُ رَجُلٌ ليس لَدَيِه أولادٌ ويَمْلُكُ بَيْتَيْن مُتَجاورَيْن، قامَ هذا الرجُلُ بتَحويلِ أَحَد بَيْتَيْهِ إلى مسجدٍ، وبعْدَ فَتْرَةٍ مِن الزمَنِ ماتَ هذا الرجُلُ داخِلَ بَيْتِه، فدَفَنَه أقاربُه -وكان غالِبِيَّتُهم مِن المتصوفة- في قبرٍ داخِل الحُجْرَةِ التي ماتَ بداخِلِها -وكانت هذه الحجرةُ صغيرةً وغيرَ مَسقوفةٍ وفي أحَدِ أركانِ المنزلِ- ثم سدُّوا مَوْضِعَ بابِ الحُجْرَةِ بالطُّوبِ، فأصبحت الحُجْرَةُ بدون بابٍ، وبعْدَ فَتْرَةٍ أخرى مِن الزمَنِ احتاجَ أهْلُ القريةِ إلى تَوْسِعةِ المسجد، لأن المسجد أصبحَ لا يَسَعُ جميعَ المُصَلِّين، فطَلَبَ أهْلُ القرية مِن الدولة الموافَقةَ على ضَمِّ جُزْءٍ مِن الطريقِ الذي أمام المسجد إلى المسجد -حيث أن هذا الطريقَ كان واسِعا جدّا فوق الحاجَةِ- فرَفَضَت الدولةُ، فحاولَ أهْلُ القريةِ شِراءَ البيت الذي يَقَعُ خَلْفَ المسجد أو شِراءَ البيت المُجاور للمسجد مِن الجهةِ المُقابِلَةِ للجهةِ التي فيها البيت الذي دُفِنَ فيه الرجُلُ الذي حَوَّلَ أَحَدَ بَيْتَيْهِ إلى مسجد، ولكن أَهْل القريةِ لم يستطيعوا جَمْعَ المال اللازم لِشِراءِ أيٍّ مِن هذَيْن البَيْتَيْن المَذكورَيْن، فقامَ أقارِبُ المَيِّتِ الذي حوَّل أَحَدَ بَيْتَيْهِ إلى مسجد بالتَّدَخُّلِ في الأمْرِ، وعَرَضوا ضَمَّ البيتِ الذي دُفِنَ الميِّتُ في إحدى حُجُراته إلى المسجد، وذلك بشرط القبول بِضَمِّ البيت كاملا بما فيه الحُجرة التي فيها قبر المَيِّتِ، بحيث تصبح الحُجْرَةُ التي فيها قبر الرجُل داخِلَ المسجد، فاجتمعَ وُجَهاءُ القريةِ واجتهدوا الرَّأْيَ، فأخطأوا وقَبِلُوا، على الرَّغْمِ مِن اعْتِراضِ أَهْلِ العِلْمِ في القريةِ على ذلك، فأصبحت الحجرةُ التي فيها القبر داخِلَ المسجد، فَبَنَوْا حول الحجرة حِيطانا مُستدِيرةً ليس فيها بابٌ ومفتوحةً مِن الأعلَى ومرتفعةً بِقَدْرِ ارتفاع جُدْران الحجرة، ثم بَنَوْا حول هذه الحيطان حيطانا أخرى مثلها، ثم أحاطوا هذه الأخيرة بحيطان أخرى مثلها، ثم أحاطوا هذه الأخيرة بمقصورةٍ مستديرةٍ ومفتوحةٍ مِن الأعلى ومرتفعةٍ بِقَدْرِ ارتفاع جُدْران الحجرة، والمقصورة هذه عِبارة عن شبابيك مِن نُحَاسٍ وحَدِيدٍ متَّصِلَةٍ ومُقْفَلَةٍ مِن جميعِ جوانبها، فأصبح القبرُ مُحاطا بأربعة جُدران ومقصورة؛ والآن الوَضْعُ القائمُ داخِل المسجد هو وُجُودُ المقصورةِ المذكورةِ في أحَدِ أركانِ المسجدِ ولا يُمْكِنُ في الصلاة استقبالُها أو الوقوفُ عن يَمِينِها بل فقط يُمْكِنُ استدبارُها أو الوقوفُ عن يسارها، وفي نفس الوقت لم يَقُم أهلُ القرية بعَمَلِ أَيِّ شَكْلٍ مِن أشكال الزخرفة سواء للمسجد أو للمقبرة، وفي نفس الوقت فإن المُصَلِّين مِن أهلِ القريةِ مُتفهِّمون للأمر، فلا يَحصُلُ منهم عند هذا القبر ما يَحصُلُ مِن مخالَفاتٍ شرعيَّةٍ عند غيرِه مِن القبورِ الموجودةِ في المساجد الأخرى؛ والسؤال الآن هو ما حُكْمُ الصلاةِ في هذا المسجد الذي لا يُوجَدُ غيرُه في قريتِنا النائيَةِ الصغيرةِ، علما بأني أعتقدُ صِحَّةَ مذهب الشيخين ابن باز وسعد الخثلان مِن وُجُوبِ أداء الفريضة في المسجد؟.



    المسألة الأولى

    زيد: ما هو القبر؟.
    عمرو: القبر هو حُفْرة في الأرض، دُفِن فيها مَيِّتٌ، ورُدِمَت بالتراب الذي خَرَجَ منها أثناء الحَفْر، فتكون بَعْدَ الرَّدْمِ مُرتفِعةٌ عن الأرض بمقدار شِبْر، ويكون هذا الارتفاعُ ناتجا عن أن الأرض تكون أَشَدَّ التِئاما مِمَّا إذا حُرِثَتْ ثم رُدِمُتْ، وناتجا عن الزيادة التي تَسَبَّبَ فيها إدخالُ جُثَّة المَيِّتِ في الحفرة وإدخال اللَّبِن (وهو الطُّوب المَعْمُول مِن الطِّينِ الَّذِي لَمْ يُحْرَقْ) الذي يُوضَع على لَحْدِ المَيِّتِ داخل الحفرة، ويكون هذا الارتفاع على هيئة سَنامِ البَعِير، لكي يُعرَف أن هذا قَبْرٌ.
    وللتَّعَرُّفِ على صِفَةِ القبر بشَكْلٍ أَوْضَح يُرْجَى البحثُ عن عِبَارةِ (كيفية دفن الميت في البقيع) بَيْنَ الفيديوهات الموجودة على شبكة الإنترنت، ثم مشاهدة هذه الفيديوهات.
    وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع: فَيُعَمَّق في الحَفْرِ [يعني حفر القبر]، والواجبُ ما يَمْنَعُ السِّباعَ أن تَأْكُلَه، والرائِحَةَ أن تَخْرُجَ منه، وأما كَوْنُه لا بُدَّ أن يَمْنَعَ السِّباعَ والرائِحَةَ، فاحتراما للميتِ، ولِئَلَّا يُؤْذَّي الأَحْيَاءُ ويُلَوَّثَ الأجواءُ بالرائحة، هذا أقَلُّ ما يَجِبُ، وإن زادَ في الحَفْرِ فهو أفْضَلُ وأكْمَلُ لكن بلا حَدٍّ، وبعضُهم حَدَّه بأن يكون بِطُولِ القامَة [يَقْصِد أن يُعَادِلَ عُمْقُ القبرِ طُولَ الرَّجُلِ مُتَوسِّط الطُّولِ]... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: السُّنَّة أن يُرْفَعَ القبرُ عن الأرض، وكما أنه سُّنَّةٌ، فإن الواقِعَ يَقْتَضِيه، لأن تُراب القبر سوف يُعادُ إلى القبر، ومعلومٌ أن الأرضَ قَبْلَ حَرْثِها أَشَدُّ التِئاماً مِمَّا إذا حُرِثَت، فلا بُدَّ أن يَرْبُو الترابُ، وأيضاً فإن مَكانَ المَيِّتِ كان بالأَوَّل تُراباً والآن صارَ فَضاءً، فهذا الترابُ الذي كان في مَكان المَيِّتِ في الأوَّل سوف يكون فوقَه. انتهى.
    وقال ابن قدامة في المغني: قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُعَمَّقُ الْقَبْرُ إلَى الصَّدْرِ، الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، كَانَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ يَسْتَحِبَّانِ أَنْ يُعَمَّق الْقَبْرُ إلَى الصَّدْرِ، وَقَالَ سَعِيدٌ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِالْعَزِيزِ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْفِرُوا قَبْرَهُ إلَى السُّرَّةِ. انتهى.
    وقال موقع الإسلام سؤال وجواب الذي يُشْرِفُ عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط عن تعميق القبر: والمَعتمَدُ أن الواجبَ مِن ذلك ما يَحْصُل به حقيقةُ الدَّفْنِ، وصِيانةُ الميتِ عن السِّبَاعِ والعَوادِي، ومَنْعُ رائحتِه مِن أن تَظْهَرَ خارِجَ القبر، فيَتَأَذَّى بها الأحْياءُ أو يَعَافُوا [أيْ يَكْرَهُوا] زِيَارَتَه، وهذا ليس له حَدٌّ في الشرعِ، وإنما هو بحسب الحال، وما زادَ على ذلك مِن الإتمام والإكمال فهو مَندوبٌ إليه، وليس بواجِبٍ. انتهى.
    وقال النووي في المجموع: أجْمَعَ العلماءُ أن الدَّفْنَ في اللَّحْدِ وفي الشَّقِّ جائزان، لكن إن كانت الأرضُ صُلْبَةً لا يَنْهارُ تُرابُها فاللَّحْدُ أفضلُ، لِمَا سَبَقَ مِن الأدِلَّة، وإن كانت رِخْوَةً تَنْهارُ فالشَّقُّ أفضلُ. انتهى. قلت: اللَّحْدُ هو تَجْوِيفٌ داخِلَ القبرِ يُحْفَرُ في الجانِب القِبْلِي [أي الذي يَلِي القِبلةَ] مِن الأَسْفَل، ويكون هذا التَجْوِيفُ مُتَّسِعَا بالقَدْرِ الذي يَسْتَوْعِبُ المَيِّتَ حالَ رُقُودِه على جَنْبِه الأيمن مُسْتَقْبِلا القِبلة؛ وأما الشَّقُّ فهو مثل اللَّحْدِ إلا أنه يكون في وَسَطِ قاع القبر لا جانِبه؛ فإذا اختارَ الدافِنُ اللَّحْدَ، فعندئذ يُوضَع الميتُ في اللَّحْدِ على جَنْبِه الأَيْمَن مُستقبِلاً القِبلة بِوَجْهِهِ، ويُوضَع تحت رَأْسِه شيءٌ مُرْتَفِعٌ لَبِنَة أو حَجَر أو تُراب، ويُدْنَى مِن جِدار القبر لِئَلَّا يَنْقَلِب على وَجْهِهِ، ويُنَصَّب عليه لَبِنٌ مِن خَلْفِه نَصْبًا لِئَلَّا يَنْقَلِبَ إلى خَلْفِهِ، ويُسَدّ ما بَيْنَ اللَّبِنِ مِن خَلَلٍ -أَيْ مِن فَتَحَاتٍ أو فَراغاتٍ- بالطِّينِ لِئَلَّا يَصِلَ إلى الميتِ الترابُ مباشرةً أثناء رَدْمِ القبر، ثم يُهالُ الترابُ لِرَدْمِ القبر؛ وأما إذا اختارَ الدافِنُ الشَّقَّ فإنه يَضَعُ الطُّوبَ اللَّبِنَ على جَانِبَي الشَّقِّ مِن أَجْلِ ألا يَنْهَدَّ الرَّمْلُ فيَنْضَمّ الشَّقُّ على المَيِّتِ، ثم يضَعُ الْمَيِّتَ في الشَّقِّ، ثم يُسَقِّفُ الشَّقَّ بالطُّوبِ اللَّبِنِ لِئَلَّا يَصِلَ إلى الميتِ الترابُ مباشرة أثناء رَدْمِ القبر، وَيُرْفَعُ السَّقْفُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ، ثم يُهالُ الترابُ لِرَدْمِ القبر.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سُئِلَ الشيخُ: أيُّهما أفضلُ اللَّحْد أم الشَّقّ؟ وما هو ارتفاع القبر؟. فأجاب الشيخُ: في المدينة كانوا يلحدون وتَارَةً يَشُقُّون القبرَ، واللَّحدُ أفضلُ، لأن اللهَ اختاره لنبيِّه صلى الله عليه وسلم، والشَّقُّ جائزٌ وخصوصاً إذا احْتِيجَ إليه، وحَدِيثُ ابن عباس "اللَّحْدُ لنا والشَّقُّ لغيرنا" ضعيفٌ، لأن في إسناده عبدالأعلى الثعلبي وهو ضعيف؛ ويكون ارتفاعُ القبر قَدْرَ شِبْرٍ أو ما يُقارِبُه. انتهى.
    وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سُئل: وَضْعُ العَلَامَة على القبر ما حُكْمُها؟. فأجاب الشيخ: لا بأس بِوَضْع عَلَامَة على القبر لِيُعْرَف كحَجَرٍ أو عَظْمٍ مِن غير كِتَابة ولا أرقام، لأن الأرقامَ كِتَابةٌ، وقد صَحَّ النَّهْيُ مِن النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة على القبر، أما وَضْع حَجَر على القبر، أو صَبْغ الحَجَر بالأسود أو الأصفر حتى يكون عَلَامَةً على صاحِبِه فلا يَضُرُّ، لأنه يُرْوَى أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ على قبر عثمان بن مظعون بِعَلَامة. انتهى.
    وقال الشيخ الألباني في أحكام الجنائز وبدعها: ويُسَنُّ أن يُعَلِّمَهُ -أَي القبر- بحَجَرٍ أو نحوِه ليُدْفَنَ إليه مَن يَمُوتُ مِن أَهْلِه. انتهى باختصار.
    وفي هذا الرابط سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وصالح الفوزان وبكر أبو زيد): ما حُكْمُ ارتفاع نَصَائِب القبر عن الذراع، وهلْ لها حَدٌ مُعَيَّنٌ مِن الارتفاع، والنصائبُ هي ما يُوضَعُ مِن العَلَامَةِ عند الرَّأْسِ والرِّجْلَيْن مِن الحَصَى، أفتونا مأجورين؟. فأجابت اللجنة: تَعْلِيمُ القبر بحجارة ونحوها لِمَعْرِفَته لزيارته والسلام عليه جائزٌ، سواء كان عند الرأس أو القَدَمَيْن، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أَعْلَمَ قبرَ عثمان بن مظعون بِصَخْرَةٍ، وليس مِن السُّنَّة التَّكَلُّفُ في وَضْعِ العَلَامَات، والمُبالغة في ارتفاع النَصَائِب، والواجبُ الحَذَرُ مِن ذلك. انتهى.
    وجاء في كتاب المنتقى مِن فتاوى الشيخ صالح الفوزان، أن الشيخ سُئل: وهل يجوز وَضْعُ حَجَرٍ مَحْفُور عليه حَرْف كَرَمْزٍ يَدُلُّ على القبر، لكي يَسْتَدِلّ عليه الزائرُ؟. فأجاب الشيخ: ويجوز وَضْعُ حَجَرٍ على القبر لِيَعْرِفه إذا زارَه، ولا يجوز أن يَكْتُبَ عليه شيئًا، لأن هذه وسيلة إلى تعظيمِها وَوَقْعِ الشرك عندها، وسواء كانت الكتابةُ حرفًا أو أكثر، كُلُّ ذلك مُحرَّمٌ وممنوعٌ لِمَا يَؤولُ إليه مِن الشرك وتعظيم القبور والغُلُوِّ بها. انتهى.
    وجاء أيضا في كتاب المنتقى مِن فتاوى الشيخ صالح الفوزان، أن الشيخ سُئل: هل يجوز كِتابُ اسم المَيِّتِ على حَجَرٍ عند القبر أو كتابة آية مِن القرآن في ذلك؟. فأجاب الشيخ: لا يجوز كِتابُ اسم المَيِّتِ على حَجَرٍ عند القبر أو على القبر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نَهَى عن ذلك، حتى ولو آية مِن القرآن، ولو كلمة واحدة، ولو حَرْف واحد، لا يجوز، أما إذا عَلَّمَ القبرَ بِعَلَامَةٍ غير الكِتابِ، لكي يُعْرَف للزيارة والسلام عليه، كأن يَخُطّ خَطًّا، أو يَضَع حَجَرا على القبر ليس فيه كِتابة، مِن أَجْلِ أن يَزُورَ القبرَ ويُسَلِّم عليه، لا بأس بذلك، أما الكتابة فلا يجوز، لأن الكتابة وسيلة من وسائل الشرك، فقد يأتي جِيلٌ مِن الناس فيما بعد ويقول "إن هذا القبر ما كُتب عليه إلا لأن صاحبَه فيه خيرٌ ونَفْعٌ للناس"، وبهذا حَدَثَتْ عبادةُ القبور. انتهى.
    وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سُئل:هل يجوز وَضْعُ قطعة مِن الحديد أو لافِتة على قبر الميت مكتوب عليها آيات قرآنية بالإضافة إلى اسم الميت وتاريخ وفاته... إلخ؟. فأجاب الشيخ:لا يجوز أن يُكتَبَ على قبر الميت لا آيات قرآنية ولا غيرها، لا في حديدة ولا في لَوْحٍ -اللوحُ هو وَجْهُ كُلِّ شيء عريض مِن خَشَبٍ أو غيره- ولا في غيرهما، لِمَا ثَبَتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم مِن حديث جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم "نَهَى أن يُجَصَّصَ القبرُ وأن يُقْعَدَ عليه وأن يُبْنَى عليه"، رواه الإمام مسلم في صحيحه، زاد الترمذي والنسائي بإسناد صحيح "وأن يُكْتَبَ عليه". انتهى. وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج في شرح المنهاج: تجصيصُ القبر أَيْ تَبْيِيضُهُ بِالجَصِّ وهو الجِبْسُ وقِيلَ الجِيرُ. انتهى. وقال الشيخ ابن جبرين في هذا الرابط على موقعه: والجَصُّ هو هذا المعروف الأَبْيَضُ، وقَرِيبٌ منه ما يُسَمَّى بالجِبْسِ. انتهى. وقال الشيخُ صالح بن مقبل العصيمي في (بدع القبور أنواعها وأحكامها): ومِن البدع التي انتشرت تجصيصُ القبور، وذلك بِطَلْيِها بالجَصِّ ويَشملُ زخرفتَها أو صَبْغَها بالألوان مع وُرُود النَّهْي الصحيح الصريح. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن جبرين، سُئِلَ الشيخُ:هل يجوز أن يُزارَ قبرُ شخصٍ بِعَيْنِهِ، مع زيارة القبور الأخرى؟ وما حُكْمُ تعيين قبرٍ بعَلَامَةٍ أو بإشارة مِن أجْلِ مَعْرِفةِ صاحِبِ هذا القبر؟. فأجاب الشيخُ: زيارةُ القُبورِ مشروعة لِسَبَبَيْن، الأوَّل تَذَكُّرُ الآخِرة، الثاني الدعاءُ للمَوْتَى؛ وتجُوزُ مثلًا كُلّ أسبوع، أو كُلّ أسبوعين، أو كُلّ شهر، أو نحو ذلك، أو إذا أَحَسَّ الإنسانُ بقَسْوَة قَلْبه، فإنه يَزُورُهم حتى يَتَّعِظ وحتى يَلِين قَلْبُه أو نحو ذلك؛ ويجُوزُ أن يَخُصَّ الإنسانَ زيارةَ قبر أبيه، أو قبر أخيه، أو قَرِيبِه، أو نَسِيبِه، فَيَجُوز له أن يَزُورَ قبرًا معينًا، ثم يُسَلِّم على القبور جميعًا؛ ويَجُوز أن يُعَلِّم القبرَ بعلامات يُعْرَفُ بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَفَنَ عثمان بن مظعون جَعَلَ عند قبره حَجَرًا، وقال "أَعْرِفُ به قبرَ أخي، وأَدْفِنُ إليه مَن مَات مِن أَهْلِي"، فيَجُوزُ أن يَجْعَلَ عَلَامةً كحَجَرٍ أو لَبِنَةٍ أو خَشَبةٍ أو حَدِيدةٍ أو نحو ذلك، لِيُمَيِّز بها هذا القبرَ عن غيره، حتى يَزُوره، ويَعْرِفه؛ أمَّا أن يَكْتُبَ عليه فهذا لا يجوز، لأنه قد نُهِيَ أن يُكْتَبَ على القُبور، حتى ولو اسْمه، وكذلك نُهِيَ أن يُرْفَعَ رَفْعًا زائِدًا عن غيره. انتهى.
    وفي فتاوى الشيخ ابن باز في (فتاوى نور على الدرب) على هذا الرابط، قال الشيخ: لا شكَّ أن القبابَ على القبور بِدعةٌ ومُنكرٌ، كالمساجد على القبور كلها بدعة وكلها منكر، لِمَا ثَبَتَ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، ولِمَا ثَبَتَ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال "ألا وإن مَن كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، رواه مسلم في الصحيح، ولِمَا ثَبَتَ أيضًا عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها، فَنَصَّ صلى الله عليه وسلم على النَّهْيِ عن البناء على القبور والتجصيص لها أو القعود عليها، ولا شَكَّ أن وَضْعَ القُبَّة عليها نَوْعٌ مِن البناء، وهكذا بناء المسجد عليها نَوْعٌ مِن البناء، وهكذا جعل سقوف عليها وحيطان نوع من البناء، فالواجب أن تَبْقَى مكشوفةً على الأرض، مكشوفة كما كانت القبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع وغيره مكشوفةً، يُرفَعُ القبرُ عن الأرض قَدْر شِبْر تقريبًا، لِيُعْلَم أنه قبرٌ لا يُمْتَهَن، أمَّا أن يُبْنَى عليه قُبَّةٌ أو غُرفةٌ أو عَرِيشٌ [العَرِيش هو ما يُسْتَظَلُّ به مِن جَرِيدِ النَّخْل ووَرَقِه وفُرُوع الأشجار] أو غير ذلك، فهذا لا يجوز، بل يجب أن تَبْقَى القُبورُ على حالها مكشوفة، ولا يُزادُ عليها غير تُرابها، فَيؤخذ القبرُ مِن تُرابِه الذي حُفِرَ منه، يُرْفَعُ قَدْر شِبْر ويَكْفِي ذلك، كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص أنه قال رضي الله عنه "الْحَدُوا لِي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وقال في رواية "فَرُفِعَ قبرُه عن الأرض قَدْر شِبْر"، يعني قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فالحاصل أن القبور تُرفَعُ قَدْرَ شِبْرٍ للعِلْمِ بأنها قُبورٌ، ولِئَلَّا تُمْتَهَن وتُوطَأ أو يُجْلَس عليها، أمَّا أن يُبْنَى عليها فَلَا، لا قُبَّة ولا غيرها، للأحاديث السابقة حديث جابر وحديث عائشة وغيرهما، وفي حديث جابر التصريحُ بالنهي عن البناء على القبور وتجصيصها. انتهى.
    وفي فتوى للشيخ صالح آل الشيخ في هذا الرابط على موقعه، سُئِلَ الشيخُ: اسْتَدَلَّ بعضُ القبوريين على جواز البناء على القبور بأن النبي صلى الله عليه وسلم دُفِنَ في حُجْرَةِ عائشة، فكيف الجواب على هذه الشُّبْهَة؟. فأجاب الشيخُ: نعم دُفِنَ عليه الصلاة والسلام في حُجْرَةِ عائشة، لكن حُجْرَة عائشة كانت قَبْلَ القبر، وحُجْرَةُ عائشة كانت مفتوحةً، وهى إلى الآن مفتوحةٌ إلى أعلى، والسَّقْفُ العلوي لها هو سَقْفُ المسجد لَمَّا أُدْخْلَتْ فيه [يَقْصِدُ أنْ يقولَ أنَّ السَّقْفَ الذي يَعْلُو الحُجْرَةَ الآن ليس سَقْفا للحُجْرَةِ، وإنما هو سَقْفٌ للمسجد، ووَقَعَ ذلك لَمَّا أَدْخَلَ الوليدُ ابن عبدالملك الحُجْرَةَ في المسجد]، فحين دُفِنَ عليه الصلاة والسلام كان سَقْفُ الحُجْرَةِ مَفتوحًا، كما كانت عائشةُ رضى الله عنها تقول "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى العصرَ والشمس في حُجْرَتِي"، لأن الحُجْرَةَ كانت مفتوحةً مِن أَعْلَاها، وإنما سُقِفَ بعضُها وتُرِكَ بعضٌ في عهده عليه الصلاة والسلام بِشَيْءٍ مِن الجَرِيدِ الذي يُزالُ؛ والواقِعُ الآن أن الحجرةَ مفتوحةٌ مِن أعلاها، نعم هناك جُدْرانٌ مُثَلَّثَةٌ لكنها مفتوحة مِن أعلى ليس عليها سَقْفٌ، وكذلك الجِدارُ الثاني مُمْتَدٌ حوالي ستة أمتار ثم مَفتُوحٌ أيضًا مِن أعلى، وكذلك الحَدِيدُ الذي يُرَى، يعنى ثلاثة جُدْران ثم الحَدِيد، كُلُّ هذا مفتوحٌ. انتهى.
    وفي هذا الرابط يقول الشيخ ابن باز: فالذي فَعَلَه الناسُ اليومَ مِن البناء على القبور واتِّخاذ مساجد عليها كُلُّه مُنْكَرٌ مُخالِفٌ لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. فالواجب على وُلاة الأمور مِن المسلمين إزالتُه، فالواجب على أيِّ وَلِيِّ أَمْرٍ مِن أمراء المسلمين أن يُزِيلَ هذه المساجد التي على القبور، وأن يَسِيرَ على السُّنَّة، وأن تكون القبورُ في الصحراء بارزةً ليس عليها بناء ولا قباب ولا مساجد ولا غير ذلك، كما كانت القبورُ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع وغيره بارزةً ليس عليها شيءٌ، وهكذا قبور الشهداء، شهداء أُحُد، لم يُبْنَ عليها شيءٌ، فالحاصل أن هذا هو المشروعُ، أن تكون القبورُ بارزةً ضاحية ليس عليها بِناءٌ كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد السلف الصالح، أمَّا ما أحْدَثَه الناسُ مِن البناءِ فهو بِدعةٌ ومُنكَرٌ لا يجوز إقرارُه ولا التأسِّي به. انتهى.
    قال الشيخ ابن عثيمين في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: أن يكون القبرُ سابقاً على المسجد، بحيث يُبْنَى المسجدُ على القبر، فالواجب هجْرُ هذا المسجد وعدمُ الصلاة، وعلى مَن بَناهُ أن يَهْدِمَه، فإن لم يَفْعَل وَجَبَ على وَلِيِّ أَمْرِ المسلمين أن يَهْدِمَه... ثم قال: أن يكون المسجدُ سابقاً على القبر، بحيث يُدفن الميت فيه بعد بناء المسجد، فالواجب نَبْشُ القبر، وإخراجُ المَيِّت مِنه، ودَفْنه مع الناس. انتهى.
    وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع عند شرح قول الإمام الحجاوي "ويَحرُمُ فيه دَفْنُ اثنَيْن فأكثر": أيْ يَحرُمُ في القبر دَفْنُ اثنَيْن فأكثر، سواءٌ كانا رجُلَين أم امرأتَين أم رجُلاً وامرأةً، والدليلُ على ذلك عَمَلُ المسلمين مِن عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى يومنا هذا أن الإنسان يُدفَنُ في قبره وحده، ولا فَرْقَ بَيْنَ أن يكون الدفنُ في زَمَنٍ واحدٍ بأن يؤتى بجِنازتَين وتُدْفَنا في القبر، أو أن تُدْفَن إحدى الجِنازتَين اليوم والثانية غداً. انتهى.
    وفي تفريغ نَصِّي لشرح صوتي لكتاب زاد المستقنع للشيخ محمد مختار الشنقيطي على هذا الرابط، قال الشيخُ عند شرح قول الإمام الحجاوي "ويَحرُمُ فيه دَفْنُ اثنَيْن فأكثر إلا لضرورة":أي: ويَحرُمُ في القبر دَفْنُ اثنَيْن فأكثر إلا لضرورة، لأن سُنَّةَ النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين مِن بعده، وهَدْيَ السلف الصالح، مَضَتْ على قبر المقبور في قبره دون أن يُدْخَلَ عليه أحدٌ، أو يُجمَعَ معه أحدٌ، وهذا هو الأصْلُ، فيكون القبرُ للمقبور وحده دون أن يُجعل معه آخر، ولو كان قَرِيباً له، أمَّا الضرورة فتَقَعُ في حالة الحروب والقتال، كما وقعَ في غزوة أُحُد، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قَبَرَ شُهَداءَ أُحُد الرجُلَيْن والثلاثة في القبر الواحد، والسبب أنه كانت تَفْنَى الأنْفُسُ في الحروب في القديم، ولرُبَّما وَصَلَ القتلُ في بعض الوقائع إلى مائة ألف، وفي هذه الحالة يَصْعُبُ أن يُحفَرَ لكلِّ شخصٍ قبرٌ، ولرُبَّما جلسوا أياماً وهم لا يستطيعون أن يُواروا هذه الأجسادَ، فيضطروا إلى جَمْعِ الاثنين والثلاثة في القبر، وحينئذٍ يُشْرَع أن يُوَسَّعَ القبرُ مِن داخِلٍ حتى يَصْلُح لجَمعِ هؤلاء ولا يَضِيق... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: فإذا وُجِدَت الضرورةُ لقَبْرِ الاثنَيْن، فيَجعل بين كلِّ اثنَيْن حاجزاً، حتى يكون أشْبَهَ بالفَصْل، قالوا "دَرَجَ على ذلك عَمَلُ السلف رحمة الله عليهم"، فكأنه فَصَلَ المَوْضِعَ الأوَّلَ عن المَوْضِعِ الثاني، وحينئذٍ كأنه تَعَدَّدَ القبرُ، كما لو قُبِرُوا بجوار بعضهم مع وجود الحائل مِن التراب. انتهى. وقال ابن قدامة في الكافي: ويَجعل بين كلِّ اثنين حاجزا مِن ترابٍ ليَصِير كلُّ واحدٍ مُنْفَرِدا كأنه في قبرٍ مُنْفَرِدٍ. انتهى.


    (تابع ما بعده)



  2. افتراضي

    (تابع ما قبله)



    المسألة الثانية


    زيد: ما هي المَقْبَرَةُ؟.
    عمرو: المقبرة هي مَوْضِعُ القُبُور، سواء احْتَوَتْ قبرا واحدا أو أكثر، ويُقال لها الجَبَّانَة والقَرَافَة، والجَمْعُ مَقابِر أَيْ جَبَّانات.
    وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فالذي جَرَى عليه عَمَلُ المسلمين في الأَزْمِنَة المُتقدِّمة أن تكون المقبرةُ وَقْفاً على جميع المسلمين، ومَن مات منهم دُفِنَ في تلك الأرض الموقوفة، لا فَرْقَ بين غَنِيٍّ وفقيرٍ أو قبيلةٍ وأخرى، ولم يَكُن مِن سُنَّةِ المسلمين أن يجعلوا لكلِّ أُسْرَةٍ مَقبرةً خاصَّة يُدْفَنُ فيها أفرادُ العائلة، وهذا يؤدي إلى أن كلَّ مَقبرةٍ تُبْنَى بناءً مستقلاً عن الأخرى حتى لا تختلط قُبورُ العوائل والعشائر، وهذا لا شكَّ أن فيه مفاسد كثيرة؛ فمِن هذه المفاسد البناءُ على المقابر، ومنها التباهي والتفاخر في بنائها، ومنها الكتابة على القبور "هذا مَدْفَنُ عائلة فلان بن فلان"، ومنها ما يَفعَلُه بعضُ الجهلة مِن بناء غرفة للاستقبال بجوار المقبرة يَجْلْسُ فيها أهلُ المَيِّتِ بالساعات ورُبَّما الأيام يَتَجاذبون أطرافَ الحديث، يَظنُّون أن ذلك يُؤْنِسُ المَيِّتَ، ولا شكَّ أن كلَّ ذلك مِن المُنْكَرات التي لم تَرِد في شرع الله، ويجب على العلماء إنكارُ ذلك عند المسؤولين حتى لا يكون ذريعةً لوقوع الناس في المحاذير الشرعية، ومَن اِضْطَرَّ إلى شراء مقبرة له ولأسرته -كمَن كان في دولة تُلْجِئُ الناسَ إلى ذلك- فلا حَرَجَ عليه حينئذ؛ وهل يَبْنِي حولَ مَقبرتِه سُوراً لحمايتها مِن الاعتداء أو نحو ذلك؟ الذي يَظْهَرُ أنه لا حَرَجَ في ذلك بحيث لا يَزِيدُ في البناء على قَدْرِ الحاجَة، ومِن الزيادة على قَدْرِ الحاجَة تَسْقِيفُ المقبرة أو رَفْعُ السُّور فوق الحَدِّ الذي به يُحْمَى مِن الاعتداء، ونُنَبِّهُ إلى أن الأصْلَ في القبور حُرْمَةُ البناء عليها. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، يقول الشيخ: فلا يجوز أن يُصلَّى في القبور، ولا يُبنَى عليها مسجدٌ ولا قُبَّة ولا غير ذلك، لا قبور أهْلِ البيت ولا قبور العلماء ولا غيرهم، بل تُجْعَل ضاحِيَةً [أيْ بارزة ظاهرة] مكشوفةً [أيْ لا يَحْجُبُها عن السماءِ شَيْءٌ] ليس عليها بناءٌ لا قُبَّة ولا مسجد ولا غير ذلك، تُرْفَعُ عن الأرض قَدْر شِبْر -كما فُعِلَ في قبره صلى الله عليه وسلم- بالتُّراب الذي حُفِرَ منها، تُرْفَعُ وتُجْعَلُ نَصائِبُ عليها في أطراف القبر، ولا مانع أن يُوضَع عليها حَصْباء -أَيْ صِغارُ الحجارةِ- لحفظ التراب وتُرَشُّ بالماء، لا يُبْنَى عليها قبةٌ أو مسجدٌ أو حُجرةٌ خاصة فهذا لا يجوز، لا يُبْنَى على القبر، أما السُّور الذي يَعُمُّ المقبرةَ كلها لكي يحفظها عن سَيْرِ الناس وعن السيارات هذا لا بأس به مِن باب الصيانة لها، أمَّا يُوضَع على القبر تعظيماً له قبةٌ أو بَنِيَّةٌ أو مسجدٌ هذا لا يجوز، الرسول لَعَنَ مَن فَعَلَ ذلك عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز للمسلمين أن يَبْنُوا على أيِّ قبرٍ مسجداً ولا قبةً، سواء كان مِن قبور الصحابة أو كان مِن قبور أهل البيت أو مِن قبور العلماء أو الرؤساء والحُكَّام، كلهم لا يُبْنَى على قبورهم ولا يُتَّخذ عليها مساجد، كلُّ هذا مُنْكَرٌ يجب الحَذَرُ منه. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، قال الشيخ: ولا يجوز الصلاةُ بالمساجد التي فيها القبور، لا يُصلَّى فيها إذا كان القبر في داخل المسجد... ثم قال -أي الشيخ ابن باز-: والواجب على الحُكَّام حُكَّام المسلمين أن ينظروا في الأمر، فإن كان المسجد هو الأخير هو الذي بُنِي على القبر يُهْدَم، وتكون القبورُ بارزةً للمسلمين، يُدفَن في الأرض التي فيها القبور، وتكون بارِزةً غيرَ مَسْقوفة وغيرَ مَبْنِيٍّ عليها، حتى يَدْفِن فيها المسلمون وحتى يزوروها ويدعون لأهلها بالمغفرة والرحمة، والمساجد تُبْنَى في مَحَلَّات ليس فيها قبورٌ، أمَّا إن كان القبرُ هو الأخير والمسجدُ سابِق فإن القبر يُنْبَشُ ويُخْرَجُ مِن المسجد رُفاتُه، ويُوضَعُ الرُّفاتُ في المقبرة العامَّة، يُحفَرُ للرفات في حُفْرة وتُوضَعُ الرُّفاتُ في الحفرة ويُسَوَّى ظاهرُها كالقبر، وحتى يَسْلَم المسجدُ مِن هذه القبور التي فيه المُحْدَثَة، وإذا نُبِشَت القبورُ التي في المساجد ونُقِلَتْ ونُقِلَ رُفاتُها إلى المقابر العامَّة صُلِّيَ في هذه المساجد، والحمد لله، إذا كانت المساجد هي الأُولى هي القديمة والقبر حادِثٌ فإنه يُنْبَشَ القبرُ ويُخْرَجُ الرُّفاتُ ويُوضَعُ في المقبرة العامَّة، والحمد لله، أمَّا إذا كان القبرُ هو الأصْلُ، والمسجد بُنِيَ عليه، فهذا صَرَّح العلماءُ بأنه يُهْدَمُ لأنه أُسِّسَ على غير التقوى، فوَجَبَ أن يُزال وأن تكون القبورُ خالِيةً مِن المُصَلَّيات، لا يُصَلَّى عندها ولا فيها، لأن الرسول نَهَى عن هذا عليه الصلاة والسلام، ولأن الصلاةَ عندها وسيلةٌ للشرك، الصلاةُ عندها وسيلةٌ إلى أن تُدْعَى مِن دون الله، وإلى أن يُسجَدَ لها، وإلى أن يُستغاثَ بها، فلهذا نَهَى النبيُّ عن هذا عليه الصلاة والسلام، وَسَدَّ الذرائعَ التي تُوَصِّلُ إلى الشرك عليه مِن ربِّه أفضل الصلاة والتسليم. انتهى.
    وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، أن الشيخ سُئِلَ: في بعض المقابر يَتِمُّ وَضْعُ أرقام على سُورِ المقبرة، لِيَتِمّ التَّعَرُّفُ على أصحاب القبور، ما حُكْمُ ذلك؟. فأجاب الشيخ: الكتابةُ على القبور مَنْهِيٌّ عنها ولا تجوز، لِمَا يُخْشَى في ذلك مِن الفتنة لبعض مَن يُكْتَبُ على قبره، أمَّا الكتابة على حائط المقبرة، فلم يَبْلُغْنِي فيها شيءٌ، والأَحْوَطُ عندي تَرْكُها، لأن لها شَبَها بالكتابة على القبور مِن بعض الوجوه. انتهى.
    وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، أن الشيخ سُئِلَ: ما حُكْمُ كتابة دُعاء دُخُول المقبرة عند بَوَّابة المقبرة؟. فأجاب الشيخ: لا أَعْلَمُ لهذا أصْلاً، وقد نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الكتابة على القبر، ويُخْشَى أن تكون الكتابةُ على جدار المقبرة وسِيلةً إلى الكتابة على القبور. انتهى.
    وفي هذا الرابط سُئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: في مِصْرَ توجد مشاريع لبناء مقابر تَطْرَحُها الحكومةُ، حيث تكون المقبرة بمساحة تقريبا 20 مترا مربعا، وتَشمَلُ سُورا خارجيا حَوْلَ هذه المساحة بارتفاع حوالي 2.5 متر، وباب حَدِيد لهذا السُّور، وعند الدخول مِن الباب يوجد بَلاطٌ يُغَطِّي تقريبا كامِلَ المساحة ما عدا سُلَّم يَنْزِلُ لأسْفَل تحت مُسْتَوَى الأرض حيث توجد غُرْفَتان مُنْفَصِلَتان، إحداهما للرجال والأخرى للسيدات، والحكومة عندنا هي مَن يَضَع اشْتِراطات ومواصفات البناء لهذه المقابر، وأنا صاحِبُ شركة مقاولات، فهَلْ يَجُوزُ لي العَمَلُ في بناء هذه المقابر بهذه المواصفات؟. فأجاب مركز الفتوى: أمَّا بناء المقبرة على الهيئة المذكورة في السؤال، فلا رَيْبَ في مُخالفتِها للسُّنَّة، وقد نَصَّ بعضُ أهل العلم على حُرْمةِ الدَّفْن في الفَسَاقِيّ (وهي بُيُوتٌ تحت الأرض)، لأنها لا تَمْنَعُ رائحةَ المَيِّتِ، ولِمَا يكون فيها مِن إدخالِ مَيِّت على مَيِّت وهَتْك حُرْمة الأَوَّل، مع ما فيها مِن البناء والتجصيص... ثم قال -أي مركز الفتوى-: إذا كان بناء المقابر بهذه المواصفات لا يجوز، فلا يجوز العَمَلُ في بنائها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله عز وجل إذا حَرَّمَ أَكْلَ شيء حَرَّمَ ثَمَنَه"، رواه أحمد وأبو داود، وصَحَّحَه الألباني؛ وقال الشيخ ابن عثيمين "كُلُّ حَرامٍ، فأَخْذُ العِوَض عنه حَرامٌ، سواء ببَيْعٍ أو بإجارة أو غير ذلك. انتهى كلام مركز الفتوى. قلت: يوجد في مِصْرَ جمعيةٌ خَيْرِيَّةٌ، اسمُها جمعيةُ دارِ المُهاجِرِين، لها صفحةٌ خاصَّةٌ بها على موقع فيسبوك، وهذه الجمعيةُ قائمةٌ على خِدْمَةِ تغسيل وتكفين ونقل المَوْتَى مجَّانًا، كما أن لَدَى الجمعية -بحسب ما بَلَغَنِي- مقابر عامَّة مُتَوافِقة مع الشرع موجودة في بعض المناطق في مِصْرَ؛ ورُبَّما لا يوجد في مِصْرَ مقابر عامَّة تتوافق مع الشرع سوى هذه المقابر، ولذلك أرجو مِن كُلِّ مَن يَقْرَأ هذا الموضوعَ مِن أَهْلِ الْيُسْرِ التَّبَرُّعَ لهذه الجمعية لإعانتها على الاستمرار في أداء مُهِمَّتها التَّطَوُّعِيَّة للمسلمين.
    وقال ابن الحاج المالكي في المَدْخَل: مَنْ هُوَ فِي الْفَسْقِيَّةِ غَيْرُ مَدْفُونٍ، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَعْلِهِ فِي الْفَسْقِيَّةِ أَوْ فِي بَيْتٍ وَيُغْلَقُ عَلَيْهِ، فَهَذَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَدْفُونٌ، فَقَدْ تَرَكُوا الدَّفْنَ وَهُوَ شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ امْتَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ عَلَيْنَا بِالدَّفْنِ فَقَالَ "أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا" [قال البغوي في تفسيره: ومعنى الْكَفْتِ الضَّمُ والجَمْعُ، يُقالُ "كَفَتَ الشَّيْءَ"، إذا ضَمَّه وجَمَعَه، وقال الفَرَّاءُ "يُرِيدُ تَكْفِتُهُمْ أَحْيَاءً على ظَهْرِها في دُورِهِمْ ومنازلهم، وَتَكْفِتُهُمْ أَمْوَاتًا في بطنها، أيْ تَحُوزُهُمْ]... ثم قال-أي ابن الحاج-: وَلَوْلَا نِعْمَةُ الْقُبُورِ لَكَانَ شَنَاعَةً بَيْنَ الْأَشْكَالِ، وَيُقَالُ مَا فِي جَمِيعِ الْحَيَوَانِ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْ رَائِحَةِ جِيفَةِ الْآدَمِيِّ، فَسَتَرَهُ اللَّهُ بِالدَّفْنِ إكْرَامًا لَهُ وَتَعْظِيمًا، وَمَنْ وَضَعَ فِي الْفَسْقِيَّةِ فَقَدْ تَرَكَ مَا امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةِ الدَّفْنِ... ثم قال-أي ابن الحاج-: وَمَنْ جُعِلَ فِي الْفَسْقِيَّةِ، فَأَهْلُهُ يَكْشِفُونَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ، فَقَدْ يَعْرِفُونَ مَا تَغَيَّرَ مِنْ حَالِ مَنْ كَشَفُوا عَلَيْهِ مِنْ مَوْتَاهُمْ وَيَشُمُّونَ الرَّوَائِحَ الْكَرِيهَةَ مِنْهُ، وَهُوَ يَكْرَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَنْ يُشَمَّ مِنْهُ بَعْضُ ذَلِكَ... ثم قال-أي ابن الحاج-: أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَدْفُونَ إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ الْفَضَلَاتُ شَرِبَتْهَا الْأَرْضُ فَيَبْقَى نَظِيفًا فِي قَبْرِهِ، وَمَنْ وُضِعَ فِي الْفَسْقِيَّةِ يَنْمَاعُ [ماعَ الشَّيْءُ أي سالَ وذابَ] فِي النَّجَاسَاتِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ وَتَتَحَلَّلُ مِنْ جَسَدِهِ مِمَّا يَتَسَبَّبُ في انْبِعَاثِ الْحَشَرَاتِ وَالنَّجَاسَاتِ عَلَيْهِ. انتهى بتصرف.
    في هذا الرابط سُئلَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: نحن في مِصْرَ، المقابرُ غيرُ شرعية، حيث يُدْفَنُ الأمواتُ في غُرَفٍ، ونحن الآن في مشكلة، وهى أن العَيْنَ المُخصَّصةَ لِدَفْنِ الرجال قد امتلأت، فهل يجوز لنا في حالة دَفْنِ مَيِّت جديد أن نَنْقِلَ رُفاتَ أَقْدَم مَيِّتٍ إلى ما يُسمَّى بـ (العظامة) وهى عبارة عن فَتْحَةٍ مُرَبَّعَةٍ صغيرة، يَتِمُّ تجميعُ الرُّفات داخِل قماشِ الكَفَنِ في شَكْلِ صُرَّةٍ وَوَضْعها داخِل الفتحةِ لإخلاء مكانٍ لِمَيِّتٍ آخَر، فهلْ هذا يجوز؟. فأجاب مركز الفتوى: وأمَّا نَقْلُ عِظام المَيِّتِ مِن قبرِه إلى مَوْضِعٍ آخر لحاجَةِ مَيِّتٍ جديد أو أَحَدِ الأحياء، فإنه لا يجوز، لأن المَوْضِعَ الذي يُدْفَنُ فيه المُسْلِمُ يَصِيرُ وَقْفا عليه ما بَقِيَ منه شيءٌ مِن لَحْمٍ أو عَظْمٍ، فإن بَقِيَ منه شيءٌ فالحُرْمَةُ باقِيةٌ بجميعِه. انتهى.
    وقال موقع الإسلام سؤال وجواب الذي يُشْرِفُ عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: وكذلك حَرَّمَ الشرعُ فَتْحَ القبر على الميت، أو نَبْشَه، إلا لضرورة، كنَقْلِه مِن مَوْضِعِه إذا غَمَرَتْه المياهُ، أو خِيفَ أن يَنْبُشَه الأعداءُ ويُمَثِّلوا بِجُثَّةٍ، ونحو ذلك؛ وإنما حَرَّمَ نَبْشَ القبر لِمَا فيه مِن أذِيَّةِ الميتِ وانتهاكِ حُرْمَتِه، وأذِيَّةِ أقاربه وأصحابه الأحياء، فإنهم يُؤْذِيهم ذلك... ثم قال -أي موقع الإسلام سؤال وجواب-: جاءَ الشرعُ بدَفْنِ كلّ ميتٍ في قبر واحد، ولا يُدفَنُ اثنان معاً في نَفْس الوقت، أو يُدفَنُ أحدُهما بعدَ الآخر بأيامٍ أو شهورٍ أو سنين، إلا إذا بَلِيَ الأوَّلُ تماما ولم يَبْقَ منه شيءٌ، والمدة التي يُبْلَى فيها الميتُ تختلف مِن أرضٍ إلى أرضٍ، غير أنها قد تمتد إلى نحو أربعين سنة... ثم قال -أي موقع الإسلام سؤال وجواب-: قَالَ ابن الحاج المالكي " اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَقْفٌ عَلَيْهِ، مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْهُ مَوْجُودًا فِيهِ، حَتَّى يَفْنَى، فَإِنْ فَنِيَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، فَإِنْ بَقِيَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عِظَامِهِ فَالْحُرْمَةُ بَاقِيَةٌ لِجَمِيعِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْفَرَ عَنْهُ، وَلَا يُدْفَنَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يُكْشَفَ عَنْهُ اتفاقا"، انتهى من المَدْخَل، فهذا اتِّفاقُ العلماء على المَنْعِ مِن دَفْنِ ميتٍ مع آخر، وعلى أنه لا يجوز حَفْرُ القبر ولا كَشْفُه عن الميت... ثم قال -أي موقع الإسلام سؤال وجواب-:إن طريقة دَفْنِ الموتى المُتَّبَعَةَ في كثيرٍ مِن مُدُنِ وقرى مِصْرَ هي بِناءٌ ما يُشْبُهُ الغُرْفَةَ الصغيرةَ فوقَ سطح الأرض، ويُوضَعُ فيها الميتُ ولا يُدْفَنُ تحت الأرض، ثم يُغْلَقُ عليه البابُ، وهذا البناءُ يَسَعُ ما يَقْرُبُ مِن خمسة أشخاص، ويكون هذا القبر للعائلة كلها، فكُلّما ماتَ منهم شخصٌ فُتِحَ القبرُ ووُضْعَ ذلك الميتُ فيه، فإذا امتلأ القبرُ أُخْرِجَتْ منه العظامُ، وجُمِعَتْ في مكان يُسَمَّى (عظامة)؛ وهذه الطريقة للدَّفْنِ طريقةٌ غير شرعية وغير جائزة، وهي ليست وَلِيدَةَ اليوم بَلْ جَرَى عليها العَمَلُ هناك منذ سنوات طويلة، رُبَّما تَعُودُ إلى مئات السنين، وقد كانت تُسَمَّى [يعني الغُرْفَةَ الصغيرةَ السابق ذكرها] قديما بـ (الفَسْقِيّة) وجَمْعُها (الفَسَاقيّ)، ومَن رآها مِن عُلماءِ هذه البلاد في وقتِه أَنْكَرَها وبَيَّن ما فيها مِن مُخالفاتٍ للشريعة، كما سيأتي النَّقْلُ عن بعضهم، وقد خالَفَتْ هذه الطريقةُ في الدفنِ الشريعةَ في عدة أُمُورٍ، (1)عَدَم دَفْنِ الميت في باطن الأرض، وإنما يُوضَع على ظَهْرِها. (2)البناء على القبر وتجصيصه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. (3)دَفْن أكثر مِن شخصٍ في مكانٍ واحدٍ، وكذلك جَمْع الرجال مع النساء في قبر واحد... ثم قال -أي موقع الإسلام سؤال وجواب-: وجاءَ في حواشي الشرواني على تحفة المحتاج "لَوْ وُضِعَتْ الْأَمْوَاتُ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ فِي لَحْدٍ أَوْ فَسْقِيَّةٍ كَمَا تُوضَعُ الْأَمْتِعَةُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَهَلْ يَسُوغُ النَّبْشُ حِينَئِذٍ لِيُوضَعُوا عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ إنْ وَسِعَ الْمَكَانُ وَإِلَّا نُقِلُوا لِمَحَلٍّ آخَرَ؟ الْوَجْهُ الْجَوَازُ، بَلْ الْوُجُوبُ"، انتهى، فَصَرَّحَ بوجوب نَبْشِ القبر لَمنْعِ هذه المُخالَفة، وذلك يَدُلُّ على أن دَفْنَ ميتٍ فوقَ آخر حَرامٌ... ثم قال -أي موقع الإسلام سؤال وجواب-: وقد صَرَّحَ بعضُ أهل العلم بالمنْعِ مِن نَقْلِ عظام الميتِ مُطْلَقا، ولو كان نَقْلُها إلى جانب القبر، لِمَا في ذلك مِن الاعتداء على الميتِ وأَذِيَّتِهِ، وقد يَتَسَبَّبُ نَقْلُها في كَسْرِها، فيكون ذلك أَشَدَّ في الاعتداء والأَذِيَّةِ للميت. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن عثيمين، سُئِلَ الشيخُ: فضيلة الشيخ في بلدتنا تُبْنَى المقابرُ بالطوب الأحمر الذي دَخَلَ النارَ، أو بالطوب الأسْمَنْتِيِّ، ويكون ارتفاعُ القبر أكثرَ مِن مِتْرٍ، وتُبْنَى هذه المقابرُ بالأسمنت، وإذا دُفِنَ الميِّتُ في هذه المقابر لا يُهال عليه الترابُ، بل تُغْلَق بالطوب أيضاً، وإذا كان الإنسانُ يُنْكِرُ هذا العَمَلَ وغيرَ راضٍ عن هذا العَمَلِ ولا يستطيع التَّغْيِيرَ، وبالتالي يُدفَنُ في هذه المقابر، فما هو رأيُكم حفظكم الله؟ وهل على الإنسان إثْمٌ بعد ما ذُكِرَ؟. فأجاب الشيخُ: الواقع إذا كان الأمْرُ كما ذَكَرَ السائلُ أن القبور تُبْنَى بالطوب وتُرْفَعُ نحو مِتْرٍ، أن هذه ليست قبوراً، ولكنها حُجَر مَبْنِيَّة، ربما تكون على قَدْرِ الميِّت الواحد، ورُبَّما تكون على قَدْرِ مَيِّتَيْن فأكثر، وليس هذا هو المشروع في القبور، المشروع في القبور أن يُحْفَرَ حُفرةٌ على قَدْرِ الميِّت، ويُدْفَن فيها الميِّتُ، هكذا هَدْي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، ولذلك يَجِبُ على وُلَاةِ الأُمُور في هذه البلاد أن يَعُودوا إلى الدَّفْنِ الصحيح الذي جاءَتْ به السُّنَّةُ عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا ماتَ الإنسانُ ولم يَكُن له بدٌ مِن هذه المقابر التي هي في الحقيقة حُجَرٌ لا قبور، فليس عليه إثمٌ لأن ذلك ليس باختياره، نعم، لو كان هناك أرضٌ فَلَاةٌ يُمْكِنُه أن يقول "ادْفِنُونِي فيها"، وهي ليست مملوكةً لأحَدٍ، فرُبَّما يكون هذا جيداً وأحْسَن مِمَّا وَصَفَه هذا السائلُ. انتهى. وقال ابن الحاج المالكي في المَدْخَل:أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّارِعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَرَعَ دَفْنَ الْأَمْوَاتِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ الْإِيمَانَ بُنِيَ عَلَى النَّظَافَةِ، فَإِذَا دُفِنَ الْمُؤْمِنُ فِي الصَّحْرَاءِ، فَالصَّحْرَاءُ عَطْشَانَةٌ فَأَيُّ فَضْلَةٍ خَرَجَتْ مِنْ الْمَيِّتِ شَرِبَتْهَا الْأَرْضُ فَيَبْقَى الْمُؤْمِنُ نَظِيفًا فِي قَبْرِهِ. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن عثيمين، سُئِلَ الشيخُ: في بلدِنا نَدْفِنُ موتانا في بناءٍ مِن الطُّوب الأحمر المَحْرُوق أولاً في النار، وهو عبارة عن مِسَاحةٍ مستطيلة الشَّكْلِ مَبْنِيَّةٍ بالطُّوب الأحمر ومَقْضِيَّةٍ مِن أعْلَى، ومنهم مِن يَرْفَع البناءَ على الأرض مُخالِفاً الشريعة ومنهم مَن لا يَرْفَعه، ولِضَيْقِ الأماكن مِن جِهَةٍ وارتفاع المياه في باطن الأرض لُجِئَ إلى هذه الطريقة السابقة، وكنا مِمَّن يَفْعَل ذلك، الآن فهَلْ يَجوزُ الدَّفْنُ في هذه التي تُسَمَّى الفَسَاقِيَّ [الفَسَاقِيُّ هي بُيُوتٌ تحت الأرض]، بحيث لا نَرْفَعُها عن الأرض إلا شبراً حَسْبَما تَأْمُرُ به الشريعةُ الإسلاميةُ؟. فأجاب الشيخُ: السُّنَّة في القبور أن يُحْفَرَ للميِّتِ في الأرض، ثم يُلْحَد له بأن يُحْفَرَ حُفرةٌ في جانب القبر مِمَّا يَلِي القِبلةَ ثم يُوضَع فيها الميِّتُ؛ والطُّوبُ الذي ذَكَرْتَ يكون مُحَرَّقاً بالنار، وقد ذَكَرَ بعضُ الفقهاء رحمهم الله أنه يُكْرَهُ أن يُجْعَلَ في القبر شيءٌ مِمَّا مَسَّتْهُ النارُ؛ وعلى هذا فأنتم احْرِصُوا على أن تَجِدوا مقبرةً لا يَلْحَقُها الماءُ حتى تَقْبِرُوا مَوْتاكم على الوجهِ المشروعِ الذي يَنبغِي، فإن لم تتمكنوا إلا مِن هذه الأرض فإنه بإمكانِكم أن تجعلوا شيئاً مِن الأحجارِ يَحُولُ بَيْنَ الميِّتِ وبَيْنَ الماءِ، ثم بعدَ ذلك تَضَعُون عليه أيضاً أحجاراً وتَدْفِنُونه، ويكون هذا أَقْرَبَ شيٍء إلى المشروعِ. انتهى.
    وفي فتاوى الشيخ ابن باز في (فتاوى نور على الدرب) على هذا الرابط، سُئِل الشيخُ: هل يجوز بناءُ المقابر فوق سطح الأرض إذا كانت الأرضُ التي بها المقابر طِينِيَّةً أو زِراعِيَّةً؟ علما بأنه لو تَمَّ حَفْرُ حوالي نِصْف أو رُبْع المِتْرِ سوف يَظهرُ الماءُ، وليس هناك سوى هذا المكان في هذه البلدة؟. فأجاب الشيخُ: إذا كان هكذا يُجْعَل خَشَبٌ أو ألواحٌ [اللوحُ هو وَجْهُ كُلِّ شيء عريض مِن خَشَبٍ أو غيره]، لِيَحُول بَيْنَ الماءِ وبَيْنَ المَيِّتِ، ويُدْفَنُ في الأرض، ولا بِناء عليه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نَهَى أن يُبْنَى على القبور، لكن يَحفُر بالقَدْرِ الذي لا يُظْهِرُ الماءَ، ثم يَجعل لوحا تحتَه أو أخْشابا أو شِبْهَ ذلك تَمْنَعُ الماءَ، ثم يُدْفَن المَيِّتُ ويُوضَع عليه اللَّبِنُ [وهو الطُّوب المَعْمُول مِن الطِّينِ الَّذِي لَمْ يُحْرَقْ]، ويُدْفَن بالتراب ولا يُبْنَى عليه بِنايَةٌ. انتهى.
    وفي هذا الرابط مِن فتاوى الشيخ ابن باز: أو يَتَّصِلُون بالدولة ويُراجِعُون الدولةَ إذا كان ذلك متيسّرًا، حتى تُنْبَش القبورُ التي في المساجد، وتُنْقَل للمقابر، وتَبْقَى المساجدُ سليمة، وعلى العلماء أن يَسْعَوْا لدى الدولة لعلَّهم يَجِدُون مَن هو أَقْرَبُ للفَهْم مِن غيره وأَلْيَنُ مِن غيره في هذا، ربما تَيَسَّرَ على يَدِه ما يُعِينُ على إزالةِ هذا المُنْكَر، ولا تَيْأَسوا حتى تَسْلَم بعض المساجد مِن القبور، لكن التساهل في هذا لا يَعْفِي العلماءَ وطُلَّابَ العِلْمِ مِن المسئولية أمام الله، يقول سبحانه في سورة الزخرف "وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ". انتهى.


    المسألة الثالثة


    زيد: إذا أردتُ أن أزور القبر النبوي، فهل يُمكْنني ذلك بدون دخول المسجد النبوي؟.
    عمرو: لا.

    زيد: هل معنى ذلك أن القبرَ موجودٌ داخِلَ المسجد؟.
    عمرو: نعم.

    زيد: مَن سَبَقَكَ بالقول أن "القبر موجود داخل المسجد"؟.
    عمرو: في فتوى صوتية مفرغة في هذا الرابط على موقع الشيخ الألباني، قال السائلُ للشيخ "علما بأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم داخل الحرم الشريف؟"، فأجابَه الشيخُ قائلا "أي نعم"... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: فنقول صحيح أن قبرَ الرسول اليوم في مسجد الرسول... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: لكن في زَمَنِ بني أميَّة وجدوا حاجَةً لِتَوْسِعَةِ المسجد فوسَّعوه مِن جِهة قبر الرسول عليه السلام، رَفَعُوا الجدارَ الفاصِل بين بيت عائشة وبيوت سائر أمهات المؤمنين وبين المسجد، فصار القبرُ في المسجد حيث ترونه اليوم. انتهى.
    ويَذكُر الشيخ الألباني أيضا في كتابه مناسك الحج والعمرة أن مِن بِدَع الزيارة في المدينة المنورة إبقاء القبر النبوي في مسجده.
    ويقول الشيخ الألباني في كتابه تحذير الساجد: فما خشي الصحابةُ رضي الله عنهم قد وَقَعَ مع الأسف الشديد بإدخال القبر في المسجد، إذ لا فارِق بين أن يكونوا دفنوه صلى الله عليه وسلم حين مات في المسجد وحاشاهم عن ذلك، وبين ما فَعَلَه الذين بعدهم مِن إدخال قبره في المسجدبتوسيعه، فالمحذور حاصل على كل حال كما تَقَدَّم عن الحافظ العراقي وشيخ الإسلام ابن تيمية. انتهى.
    ويقول الشيخ الألباني: يَتَبَيَّن لنا مِمَّا أَوْرَدْناه أن القبر الشريف إنَّما أُدخِل إلى المسجد النبويحين لم يَكُن في المدينة أحدٌ مِن الصحابة، وإن ذلك كان على خِلَاف غَرَضِهم الذي رَمُوا إليه حين دفنوه في حجرته صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لمسلم بعد أن عَرَف هذه الحقيقةَ أن يَحتجَّ بما وَقَعَ بعدَ الصحابة، لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فَهِم الصحابةُ والأئمةُ منها كما سبق بيانه، وهو مُخالف أيضا لصَنِيعِ عمر وعثمان حين وسَّعا المسجد ولم يُدخِلا القبر فيه، ولهذا نقطع بخطأ ما فَعَله الوليدُ بن عبدالملك عفا الله عنه، ولئن كان مضطرا إلى توسيع المسجد فإنه كان باستطاعته أن يُوَسِّعَه مِن الجهات الأخرى دون أن يَتَعرَّضَ للحجرة الشريفة، وقد أشارَ عمرُ بن الخطاب إلى هذا النوع مِن الخطأِ حين قامَ هو رضي الله عنه بتوسيع المسجد مِن الجهات الأخرى ولم يتعرض للحجرة، بل قال "إنه لا سبيل إليها" فأشارَ رضي الله عنه إلى المحذور الذي يُتَرَقَّب مِن جَرَّاء هدمها وضَمِّها إلى المسجد، ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسُنَّة الخلفاء الراشدين فإن المخالفين لَمَّا أدخلوا القبر النبوي في المسجد الشريفاحتاطوا للأمر شيئا ما، فحاولوا تَقْلِيلَ المخالفة ما أمْكَنَهم، قال النووي في شرح مسلم "ولما احتاجت الصحابةُ والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كَثُرَ المسلمون وامْتَدَّت الزيادةُ إلى أن دَخَلَتْ بيوتَ أمهات المؤمنين فيه ومنها حُجْرَة عائشة رضي الله عنها مَدْفَن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بَنَوْا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لِئَلَّا يَظْهَر في المسجد فيُصلِّي إليه العوامُّ ويُؤدِّي إلى المحذور، ثم بَنَوْا جدارَين مِن رُكْنَي القبر الشمالِيَّين وحَرَّفوهما حتى التَقَيا حتى لا يَتمكَّن أحدٌ مِن استقبال القبر". انتهى من كتاب تحذير الساجد. قلت: يقول الحافظُ ابن حجر في الفتح "لَمَّا وُسِّعَ الْمَسْجِدُ جُعِلَتْ حُجْرَتُهَا مُثَلَّثَةَ الشَّكْلِ مُحَدَّدَةً، حتى لا يَتَأَّتَى لأحدٍ أن يُصلِّي إلى جهة القبر مع استقبال القبلة". انتهى.
    ويقول الشيخ الألباني أيضا في كتابه تحذير الساجد: وأمَّا الشُّبْهَةُ الثانيةُ وهي أن قبرَ النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده كما هو مُشاهَدٌ اليوم ولو كان ذلك حَراما لم يُدْفَنْ فيه. والجواب: أن هذا وإن كان هو المُشاهَد اليوم فإنه لم يَكُن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم لَمَّا ماتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم دَفَنُوه في حُجْرَته التي كانت بجانِب مسجدِه، وكان يَفْصِل بينهما جِدارٌ فيه بابٌ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخْرُجُ منه إلى المسجد، وهذا أمْرٌ مَعرُوفٌ مَقطوعٌ به عند العلماء ولا خِلَاف في ذلك بينهم، والصحابة رضي الله عنهم حينما دَفَنُوه صلى الله عليه وسلم في الحجرة إنما فعلوا ذلك كي لا يَتمكَّن أحدٌ بعدَهم مِن اتخاذ قبره مسجدا كما سَبَقَ بيانُه في حديث عائشة وغيره، ولكن وَقَعَ بعدَهم ما لم يكُنْ في حسبانهم، ذلك أن الوليد بن عبدالملك أَمَرَ سنة ثمان وثمانين بهَدْم المسجد النبوي وإضافة حُجَر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فأَدْخَلَ فيه الحُجرةَ النبويةَ حُجرة عائشة فَصار القبرُ بذلك في المسجد، ولم يكُنْ في المدينة أحدٌ مِن الصحابة حينذاك خلافا لِمَا تَوَهَّم بعضُهم. انتهى.
    ويقول الشيخ الألباني أيضا في كتابه تحذير الساجد: قالوا "لم يُنْكِر أحدٌ مِن السَّلَف ذلك"، والحقيقة أن قولَهم هذا يَتَضَمَّن طَعْنا ظاهرا لو كانوا يَعْلَمون في جميع السلف، لأن إدخال القبر إلى المسجد مُنْكَرٌ ظاهر عند كل مَن عَلِم بتلك الأحاديث المتقدمة وبمعانيها، ومِن المُحال أن نَنْسُب إلى جميع السلف جهلهم بذلك، فهم أو على الأقل بعضُهم يَعْلَمُ ذلك يقينا، وإذا كان الأمْرُ كذلك فلا بُدَّ مِن القول بأنهم أنكروا ذلك ولو لم نَقِف فيه على نَصٍّ، لأن التاريخ لم يَحفظ لنا كلَّ ما وقَع، فكيف يقال "إنهم لم ينكروا ذلك"؟، اللَّهُمَّ غَفْرًا. انتهى.
    ويقول الشيخ الألباني أيضا في كتابه تحذير الساجد: فإن أحدا مِن العلماء لم يَقُل إن إدخال القبور الثلاثة كان في عهد عثمان رضي الله عنه، بل اتَّفقوا على أن ذلك كان في عهد الوليد بن عبدالملك. انتهى.
    ويقول الشيخ الألباني أيضا في كتابه تحذير الساجد: فقد قال الحافظ ابن كثير في تاريخه بعد أن ساق قصة إدخال القبر النبوي في المسجد "ويُحكي أن سعيد بن المسيب أنكَرَ إدخالَ حجرة عائشة في المسجد، كأنه خَشِيَ أن يُتَّخذ القبرُ مسجدا". انتهى.
    ويقول الشيخ مُقبِل الوادِعي في إجابة السائل علي أهم المسائل: فإنْ قال قائلٌ "ذاك مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه قَبْرُه وعلى القبر قُبَّة"، فالجواب هو ما قاله علَّامةُ اليمن محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله تعالى، يقول كما في تطهير الاعتقاد "إن هذه القبة لم تكن على عهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ودخول القبر في المسجد إنما فَعَلَه أحدُ الأمويين -الظاهر أنه الوليدُ بن عبدالملك، وكان مُحِبّا لعمارة المساجد، فوسَّع المسجدَ- وأخْطَأَ في هذا، خالَفَ سُنَّةَ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم". انتهى.
    ويقول الشيخ مُقْبِل الوادِعِي في رياض الجنة: ما أَدْخَل القبرَ النبوي على ساكِنِه أفضلُ الصلاة والتسليم إلا الوليدُ بن عبدالملك... ثم يقول -أي الشيخ مُقْبِل-: وبعد هذا لا أخَالُكَ تَتَرَدَّد في أنه يجب على المسلمين إعادة المسجد النبوي كما كان في عصر النبوة من الجهة الشرقية حتى لا يكون القبرُ داخلا في المسجد. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ربيع المدخلي، يقول الشيخُ: إدخال قبر النبي عليه الصلاة والسلام في المسجد ليس مِن عَمَل الصحابة، وليس مِن عَمَل رسول الله عليه الصلاة والسلام، إنما هو مِن عَمَل أَحَد ملوك بني أمية، رَجُل ما هو عالِم، والعلماء نَصَحُوه وَبَكَوْا، قالوا لا تُدْخِل قبرَ الرسول في المسجد، فَأَدْخَلَه. انتهى.
    وفي هذا الرابط سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن قعود): هناك من يحتجون ببناء القُبَّة الخضراء على القبر الشريف بالحرم النبوي على جواز بناء القباب على باقي القبور، كالصالحين وغيرهم، فهل يَصِحُّ هذا الاحتجاجُ أم ماذا يكون الردُّ عليهم؟.فأجابت اللجنة: لا يَصِحُّ الاحتجاجُ ببناء الناس قُبَّة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم على جواز بناء قباب على قبور الأمواتِ، صالحين أو غيرهم، لأن بناءَ أولئك الناس القُبَّة على قبره صلى الله عليه وسلم حرامٌ يَأْثَمُ فاعِلُه، لمُخالَفتِه ما ثبَتَ عن أبي الهياج الأسدي قال "قال لي عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته"، وعن جابر رضي الله عنه قال "نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُجصَّص القبر، وأن يُقْعَد عليه، وأن يُبنَى عليه، رواهما مسلم في صحيحه، فلا يصِحُّ أنْ يَحتجَّ أحدٌ بفعل بعض الناس المحرَّم على جواز مِثْلِه مِن المحرمات، لأنه لا يجوز معارضةُ قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد مِن الناس أو فِعلِه، لأنه المُبَلِّغ عن الله سبحانه، والواجب طاعته، والحذر مِن مخالفة أمره، لقول الله عز وجل "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" وغيرها من الآيات الآمِرة بطاعة الله وطاعة رسوله، ولأن بناء القبور واتخاذ القباب عليها مِن وسائل الشرك بأهلها، فيجب سدُّ الذرائع المُوَصِّلة للشرك. انتهى كلام اللجنة. انتهى. قلت: اعلم -يرحمك الله- بأن الجميع يُقِرُّون بأن القبة الخضراء موجودة فوق حجرة عائشة، والجميع يُقِرُّون أيضا بأن حجرة عائشة أدخلها الوليدُ بن عبدالملك إلى المسجد النبوي؛ فعلى ذلك عندما تقول اللجنة الدائمة "لا يَصِحُّ الاحتجاجُ ببناء الناس قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم" يكون هذا إقرار من اللجنة أن القبر النبوي موجود داخل المسجد النبوي، لأنه لو لم يكن القبرُ داخل المسجد لكان الصحيحُ أن تقول اللجنةُ "لا يَصِحُّ الاحتجاجُ ببناء الناس قبة على حجرة عائشة"، أو أن تقول "لا يَصِحُّ الاحتجاجُ ببناء الناس قبة على الحجرة النبوية".
    وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وأما المسجد النبوي الشريف فإنه لم يُبْنَ على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، بل كانت قبورهم في حجرة عائشة رضي الله عنها، ثم دخل القبر في حدود المسجد مع توسعته الثالثة بعد الخلافة الراشدة، وكان ذلك في حدود سنة 94هـ تقريبا. انتهى.
    وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سُئِلَ: مَن أجازَ الصلاةَ في المساجد التي فيها قبور يحتجُّ بأن المسجد النبوي فيه قبرٌ المصطفى صلى الله عليه وسلم، فما رأيُكم في ذلك؟.فأجاب الشيخ: يُبَيَّنُ له أن قبرَ النبي صلى الله عليه وسلم في بيته لا في المسجد، والمخطئ هو الذي أدخل القبر في المسجد. انتهى.
    وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، يقول الشيخُ: فإذا وصَلَ الزائرُ إلى المسجد استُحِب له أن يُقدِّم رِجْلَه اليمنى عند دخوله، ويقول "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد، وليس لدخول مسجده صلى الله عليه وسلم ذِكْرٌ مخصوص، ثم يصلي ركعتين فيدعو الله فيهما بما أَحَبَّ مِن خَيْرَي الدنيا والآخرة، وإن صلَّاهما في الروضة الشريفة فهو أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم "ما بين بيتي ومنبري روضَةٌ من رياض الجنة"، ثم بعد الصلاة يزور قبرَ النبي صلى الله عليه وسلم، وقَبْرَي صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدَبٍ وخَفْضِ صوتٍ، ثم يُسلِّم عليه -عليه الصلاة والسلام- قائلاً "السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته"، لِمَا في سنن أبي داود بإسناد حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من أحدٍ يُسلِّم علي إلا رَدَّ اللهُ عليَّ روحي حتى أرُدَّ عليه السلام")، وإن قال الزائر في سَلَامِه "السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله مِن خَلْقِه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلَّغتَ الرسالةَ وأدَّيتَ الأمانة ونصحتَ الأمَّةَ وجاهدتَ في الله حق جهاده" فلا بأس بذلك، لأن هذا كله مِن أوصافه صلى الله عليه وسلم، ويُصلِّي عليه -عليه الصلاة والسلام- ويدعو له، لِمَا قد تَقرَّر في الشريعة مِن شرعية الجَمْع بين الصلاة والسلام عليه، عملاً بقوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"، ثم يُسلِّم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويدعو لهما، ويترضى عنهما. انتهى. قلت: لاحِظ -يرحمك الله- أن الشيخ ذَكَرَ زيارة القبور الثلاثة بمجرد انتهاء الزائر من الصلاة بالمسجد، ولم يَذكُر أن الزائر يَخْرُجُ مِن المسجد لزيارة القبور الثلاثة، وهو ما يعني أن القبورَ الثلاثة موجودةٌ داخل المسجد.
    وفي مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، يقول الشيخُ ابن عثيمين: بعد أن يُصلِّي في المسجد النبوي أَوَّلَ قُدُومِه ما شاء اللهُ أن يُصلِّي، يذهب للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيَقِف أمامَ قبر النبي صلى الله عليه وسلم مُستقبلاً للقبر مُستدبراً للقبلة، فيقولُ "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، وإن زادَ شيئاً مناسباً فلا بأس، مثل أن يقول "السلام عليك يا خليل الله وأمينه على وَحْيِه، وخيرته مِن خَلقِه، أشهد أنك قد بلغتَ الرسالة، وأديتَ الأمانة، ونصحتَ الأمة، وجاهدتَ في الله حق جهاده"، وإن اقتصر على الأول فحسنٌ، وكان ابن عمر رضي الله عنهما (إذا سَلَّمَ يقول "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتِ" ثم ينصرف)، ثم يَخْطُو خطوةً عن يمينه ليكون أمامَ أبي بكر رضي الله عنه فيقول "السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أُمَّتِه، رَضِيَ اللهُ عنك وجزاك عن أمة محمد خيراً"، ثم يَخْطُو خطوةً عن يمينه ليكون أمام عمر رضي الله عنه فيقول "السلام عليك يا عمر، السلام عليك يا أمير المؤمنين، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيراً"، وليكن سَلَامُه على النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه بأدَبٍ، وخَفْضِ صوتٍ، فإنَّ رَفْعَ الصوت في المساجد مَنْهِيٌّ عنه، لاسيما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند قبره. انتهى كلام الشيخ ابن عثيمين. قلت: لاحِظ -يرحمك الله- قولَ الشيخ "مُستقبلاً للقبر مُستدبراً للقبلة" وقوله "في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند قبره"، وهو ما يعني أن القبرَ النبوي موجودٌ داخل المسجد.
    وجاء في هذا الرابط على موقع وكالة الرئاسة لشؤون المسجد النبوي التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي: إذا فَرَغَ الزائرُ مِن الصلاة في المسجد يُسْتَحَبُّ أن يذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبرَي صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ومن آداب ذلك:
    -أن يَقِف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدبٍ وخفضِ صوتٍ، ثم يُسلِّم قائلاً "السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته" وإن قال الزائر في سلامه "السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا خيرة الله مِن خَلقِه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغتَ الرسالة وأديتَ الأمانة، ونصحتَ الأمة، وجاهدتَ في الله حق جهاده، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" فلا بأس.
    -أن يَتحرَّك قليلاً عن يمينه ويُسلِّم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه قائلاً "السلام عليك يا أبا بكر الصديق ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثانيه في الغار، جزاك الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء".
    -أن يَتحرَّك قليلاً عن يمينه ويُسلِّم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلاً "السلام عليك يا عمر الفاروق ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا ثاني الخلفاء الراشدين، جزاك الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء". انتهى كلام الوكالة. قلت: لاحِظ -يرحمك الله- أن الوكالة ذَكَرَت زيارة القبور الثلاثة بمجرد فَرَاغ الزائر مِن الصلاة بالمسجد، ولم تَذكُر أن الزائر يَخْرُج مِن المسجد لزيارة القبور الثلاثة، وهو ما يعني أن القبور الثلاثة موجودة داخل المسجد.


    المسألة الرابعة


    زيد: هل أنْكَرَ أحدٌ مِن السلف إدخالَ قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده؟.
    عمرو: نعم... يقول الشيخ الألباني في كتابه تحذير الساجد: وأما قول بعض مَن كَتَبَ في هذه المسألة بغير عِلْم "فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم منذ وسَّعه عثمان رضي الله عنه وأَدْخَلَ في المسجد ما لم يكن منه فصارت القبور الثلاثة محاطة بالمسجد لم يُنْكِر أحدٌ مِن السلف ذلك"، فمِن جهالاتهم التي لا حدود لها، ولا أريد أن أقول إنها مِن افتراءاتهم، فإن أحدا مِن العلماء لم يَقُل إن إدخالَ القبور الثلاثة كان في عهد عثمان رضي الله عنه، بل اتَّفقوا على أن ذلك كان في عهد الوليد بن عبدالملك كما سبق، أي بعد عثمان بنحو نصف قرن، ولكنهم يَهْرِفون بما لا يَعْرِفون، ذلك لأن عثمان رضي الله عنه فَعَلَ خلافَ ما نَسَبوا إليه، فإنه لمَّا وسَّع المسجدَ النبوي الشريف احترز مِن الوقوع في مخالَفة الأحاديث المشار إليها، فلم يُوَسِّع المسجدَ مِن جهة الحُجُرات ولم يُدخِلها فيه، وهذا عَيْنُ ما صَنَعَه سَلَفُه عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا، بل أشار هذا إلى أن التوسيع مِن الجهة المشار إليها فيه المحذورُ المذكور في الأحاديث المتقدمة كما سيأتي ذلك عنه قريبا، وأما قولهم "ولم يُنْكِر أحدٌ مِن السلف ذلك"، فنقول وما أدْراكُم بذلك؟ فإن مِن أصعب الأشياء على العقلاء إثبات نَفْي شيء يُمْكِن أن يَقَع ولم يُعْلَم كما هو معروف عند العلماء، لأن ذلك يستلزم الاستقراءَ التامَّ والإحاطة بكل ما جَرَى وما قِيلَ حَوْلَ الحادثة التي يَتعلَّق بها الأمرُ المُراد نَفْيُه عنها، وأنَّى لمِثْل هذا البعض المشار إليه أن يَفعَلُوا ذلك لو استطاعوا، ولو أنهم راجعوا بعض الكتب لهذه المسألة لَمَا وقَعوا في تلك الجهالة الفاضحة، ولَوَجَدوا ما يَحمِلُهم على أن لا يُنْكِروا ما لم يُحيطوا بعِلْمه، فقد قال الحافظ ابن كثير في تاريخه بعد أن ساقَ قصةَ إدخال القبر النبوي في المسجد "ويُحكي أن سعيد بن المسيب أنْكَرَ إدخالَ حجرة عائشة في المسجد كأنه خَشِيَ أن يُتَّخَذ القبرُ مسجدا"، وأنا لا يَهُمُّنِي كثيرا صحَّةَ هذه الرواية أو عدم صحتها، لأننا لا نَبْنِي عليها حُكما شرعيّا، لكن الظنّ بسعيد بن المسيب وغيره من العلماء الذين أدركوا ذلك التغيير أنهم أنْكَروا ذلك أشَدَّ الإنكار لِمُنافاته تلك الأحاديث المتقدمة مُنافاةً بَيِّنة، وخاصة منها رواية عائشة التي تقول "فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا"، فما خَشِيَ الصحابةُ رضي الله عنهم قد وَقَع مع الأسف الشديد بإدخال القبر في المسجد، إذ لا فارِق بين أن يكونوا دفنوه صلى الله عليه وسلم حين مات في المسجد وحاشاهم عن ذلك، وبين ما فَعَلَه الذين بعدهم مِن إدخال قبره في المسجد بتوسيعه، فالمحذور حاصل على كل حال كما تقدم عن الحافظ العراقي وشيخ الإسلام ابن تيمية، ويؤيد هذا الظن أن سعيد بن المسيب أَحَدُ رواة الحديث الثاني كما سبق، فهل اللائق بمَن يُعترَف بعِلْمه وفضله وجُرْأَتِه في الحق أن يُظَن به أنه أنْكَر على مَن خالَف الحديثَ الذي هو أَحَدُ رواته، أم أن يُنسَب إليه عدم إنْكارِه ذلك كما زعم هؤلاء المشار إليهم حين قالوا "لم يُنْكِر أحدٌ مِن السلف ذلك"، والحقيقة أن قولهم هذا يَتضمَّن طَعْنا ظاهرا لو كانوا يعلمون في جميع السلف، لأن إدخالَ القبر إلى المسجد مُنْكَرٌ ظاهر عند كل مَن عَلِم بتلك الأحاديث المتقدمة وبمعانيها، ومِن المُحال أن نَنْسِب إلى جميع السلف جهلهم بذلك، فَهُم أو -على الأقل- بعضُهم يَعْلَمُ ذلك يقينا، وإذا كان الأمر كذلك فلا بُدَّ من القول بأنهم أنْكَروا ذلك، ولو لم نَقِف فيه على نَصٍّ، لأن التاريخ لم يَحفظ لنا كلَّ ما وَقَع، فكيف يقال "إنهم لم يُنْكِروا ذلك"؟ اللَّهُمَّ غَفْرًا. انتهى.
    ويقول الشيخ عَلِيُّ بن عبدالعزيز الشبل في كتاب عمارة مسجد النبي عليه السلام ودخول الحُجُرات فيه: كما أنْكَرَ هذا الصنِيعَ جُمْلةٌ مِن علماء التابعين في المدينة، كما هو المشهور عن سعيد بن المسيب، وعطاء، وأبان بن عثمان بن عفان الذي قال للوليد لمَّا فاخَرَه في بناء المسجد وبناء عثمان وتوسعته له، قال له أبان رحمه الله "يا أمير المؤمنين بَنَيْناه بناءَ المساجد، وبَنَيْتَه بناءَ الكنائس". انتهى.


    المسألة الخامسة


    زيد: هل يجوز بناء مسجد على غرفة بداخلها قبر؟.
    عمرو: لا يجوز.

    زيد: مَن سَبَقَكَ بهذا القول؟.
    عمرو: في هذا الرابط يقول الشيخ ابن باز: الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلمَّا وَسَّعَ الوليدُ بن عبدالملك مسجدَ النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أَدْخَلَ الحُجْرةَ في المسجد، وقد أساءَ في ذلك، وأنْكَرَ عليه بعضُ أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به مِن أجْلِ التَّوْسِعة. انتهى.
    وفي هذا الرابط يقول الشيخ ابن باز: الرسول صلى الله عليه وسلم دُفِن في بيته وليس في المسجد، ودُفِن معه صاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكن لمَّا وَسَّعَ الوليدُ بن عبدالملك بن مروان المسجدَ أَدْخَلَ البيتَ في المسجد؛ بسبب التَّوْسِعة، وَغَلَطَ في هذا، وكان الواجِبُ أن لا يُدْخِله في المسجد. انتهى.
    وفي هذا الرابط يقول الشيخ ابن باز: وأما ما يتعلق بقبر النبي صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُدفَن في المسجد صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم دُفِن في بيت عائشة، ثم وُسِّعَ المسجدُ في عهد الوليد بن عبدالملك في آخر القرن الأول فأُدخِلت الحُجْرة في المسجد، وهذا غَلَطٌمِن الوليد لمَّا أَدْخَلَها، وقد أَنْكَرَ عليه بعضُ مَن حَضَرَه مَن هناك في المدينة،ولكن لم يُقدَّر أنه يَرْعَوِي لمَّا أُنكِر عليه، فالحاصل أن قبرَ النبي صلى الله عليه وسلم كان في البيت بيت عائشة رضي الله عنها، ثم أُدخِلَت الحُجْرة في المسجد بسبب التَّوْسِعة فلا حُجَّة في ذلك، ثم إنه مِن فِعْل أمير المؤمنين الوليد بن عبدالملك، وقد أخطأ في ذلك لمَّا أَدْخَله في المسجد، فلا ينبغي لأحد أن يَحتجَّ بهذا العمل، فالذي فَعَله الناسُ اليومَ مِن البناء على القبور واتِّخاذ مساجد عليها كله مُنْكَرٌ مخالِف لِهَدْي النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.


    المسألة السادسة


    زيد: هَلْ يَجُوزُ تَوْسِعَةُ مسجدٍ إذا اقْتَضَتْ هذه التوسعةُ ضَمَّ قبْرٍ إلى داخِلِ المسجدِ؟.
    عمرو: لا... وفي هذا الرابط سُئلت اللجنةُ الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): عندنا مسجد قديم وحوله مقبرة قديمة جدًّا قد ضاعت معالمها بحيث لا نَعرِف أنها مقبرة إلاَّ قبرًا واحدًا بجوار المسجد، وأراد أهلُ القرية تَوْسِيعَ هذا المسجد بحيث يَدْخُل في المسجد القبرُ الظاهر وغيرُه، عِلْمًا أن المكانَ المذكور أَنْسَبُ مكان لبناء المسجد، فهل يجوز لهم ذلك؟.
    فأجابت اللجنة: يَحرُم إدخالُ القبر المذكور أو شيء مِن المقبرة في المسجد. انتهى.

    (تابع ما بعده)

  3. افتراضي

    (تابع ما قبله)



    المسألة السابعة


    زيد: ما الفرقُ بين الواجبِ والمندوبِ والمُحَرَّمِ والمكروهِ مِن جِهةِ الطَّلَبِ أو التَّرْكِ (على سبيل الجَزْمِ والقَطْعِ والحَتْمِ والإلْزامِ والإجْبارِ)؟.
    عمرو: الواجب -أو اللازم أو الفرض أو الحتم أو المكتوب- مطلوب فِعلُه على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار، ويُثاب على فِعله امتثالا، ويَستحقُّ العقابَ تاركُه، والمندوب -أو السُّنَّة أو المستحب أو التطوع أو النافلة- مطلوب فِعلُه على سبيل الترجيح والترغيب،وليس على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار، ويُثاب على فِعله امتثالا ولا يُعاقَبُ على تَرْكِه، والمحرَّم -أو المحظور- مطلوب تَرْكُه على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار، ويُثاب على تَرْكِه امتثالا، ويَستحقُّ العقابَ فاعِلُه، والمكروه مطلوب تَرْكُه على سبيل الترجيح،وليس على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار، ويُثاب على تَرْكِه امتثالا، ولا يُعاقَبُ على فِعله.
    وهنا ملحوظتان:
    الملحوظة الأولى: الأحناف يُقَسِّمون المكروه إلى قِسمَين، الأول هو المكروه كراهة تحريمية وهو يقابِل -في الحُكم- المحرَّمَ عند الجمهور، والثاني هو المكروه كراهة تنزيهية وهو يقابل -في الحُكم- المكروهَ عند الجمهور؛ ويقول الشيخ الألباني "والكراهة عند الحنفية إذا أُطْلِقَتْ فهي للتحريم كما هو معروف لديهم، وقد صرح بالتحريم في هذه المسألة ابن الملك منهم". انتهى من تحذير الساجد. قلت: ثم هُم -أي الأحناف- يُفرِّقون بين المحرَّم وبين المكروه كراهةً تحريمية مِن جهة ثبوت دليل الحَظْرِ، فإذا ثبَتَ دليلُ الحَظْرِ بالقرآن أو بالمتواتر مِن السُّنَّة أو بالإجماع فيكون ما ثبَتَ الدليلُ بحقِّه محرَّما، وإذا ثبَتَ دليلُ الحَظْرِ بغير ما ذُكِر (كَخَبَر الآحاد والقياس) فيكون ما ثبَتَ الدليلُ بحقِّه مكروها كراهةً تحريمية.
    الملحوظة الثانية: لَفْظُ الكراهة في نصوص الشريعة وعند السلف المتقدِّمين قد يأتي بمعنى الكراهة التنزيهية، وقد يأتي بمعنى الكراهة التحريمية، فَمِمّا جاء بمعنى الكراهة التنزيهية:
    -قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو أيوب الأنصاري عن الطعام الذي فيه الثوم "أَحَرَامٌ هو؟" قال "لا ولكنني أكرهه من أجل ريحه".
    ومِمّا جاء بمعنى الكراهة التحريمية:
    -قوله تعالى (وكَرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان).
    -وقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب أن تَؤتَى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته).
    -يقول ابن قدامة في روضة الناظر: يقول الإمام الخرقي "ويُكْرُه أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة" أي يَحرُم. انتهى.
    -قال الترمذي في سننه "باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض"، وذكَر فيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "مَنْ أَتَى حَائِضًا، أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ". فهل يَستَدِلُّ الترمذي بالحديث على الكراهة التنزيهية أم الكراهة التحريمية؟ واضح أنه يَعني الكراهةَ التحريمية.
    -قال أبو داود في سننه "باب في كراهية الحلف بالآباء"، وذكَر فيه أن ابنُ عمر سمع رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم يقول "مَن حلَفَ بغيرِ الله فقد أشركَ". فهل يستدل أبو داود بالحديث على الكراهة التنزيهية أم الكراهة التحريمية؟ واضح أنه يَعني الكراهةَ التحريمية.
    -يقول الشيخ الألباني في آداب الزفاف: الإمام أحمد والإمام إسحاق بن راهويه كَرِها خاتمَ الذهب للرجال، فهذه الكراهة للتحريم. انتهى.
    -يقول ابن تيمية في بيان الدليل على بُطلان التحليل: والكراهة المطلقة في لسان المتقدِّمين لا يكاد يُراد بها إلا التحريم. انتهى.
    -يقول ابن القيم في إعلام الموقعين: فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استُعْمِلت فيه في كلام الله ورسوله، ولكن المتأخِّرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرَّم وتركُه أرجَحُ مِن فِعله، ثم حَمَل مَن حَمَل منهم كلامَ الأئمة على الاصطلاح الحادث، فَغَلَطَ في ذلك، وأقْبَحُ غَلَطا منه مَن حَمَل لفظَ الكراهة أو لفظَ "لا ينبغي" في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث، وقد اطَّرَدَ في كلام الله ورسوله استعمال "لا ينبغي" في المحظور شرعا وقدرا وفي المستحيل الممتنِع كقوله تعالى {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا} وقوله {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} وقوله {وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم} وقوله على لسان نبيه {كذبني ابن آدم وما ينبغي له، وشتمني ابن آدم وما ينبغي له} وقوله صلى الله عليه وسلم {إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام} وقوله صلى الله عليه وسلم في لباس الحرير {لا ينبغي هذا للمتقين}. انتهى.
    -يقول ابن القيم في بدائع الفوائد: أما لفظة يَكرَهُه اللهُ تعالى ورسولُه أو مكروه، فأكثر ما تُستعمل في المحرَّم، وقد يُستعمل في كراهة التنزيه. انتهى.
    -يقول الشيخ وليد السعيدان في الحصون المنيعة: والكراهة عند السلف محمولة على التحريم في الأعمِّ الأغلب. انتهى.


    المسألة الثامنة


    زيد: ما فَضْلُ الصلاة في المسجد النبوي؟.
    عمرو:قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه "صلاة في مسجدي هذا أفضل مِن ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام".
    وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فإن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بِأَلْفِ صلاة في غيره مِن المساجد، كما أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة، وقد وردت بذلك جملة من الأحاديث الصحيحة والحسنة، واسم المسجد عام شامل لِمَا يَشتملُ عليه المسجدُ في داخله، وأطرافه إذا كان متصلا بالمسجد، كالساحة والفناء والدهليز والسرداب والسطح، فكُلُّه تابعٌ للمسجد وله حكم المسجد، وكُلُّ ما يُزاد فيه مِن التوسعة كما نشاهد الآن في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وما يُضاف إليه مِن الأطراف حُكْمُه حُكْم المسجد، مِن حصول هذه الفضيلة والثواب إن شاء الله تعالى. انتهى.
    وفي فتاوى الشيخ ابن باز في (فتاوى نور على الدرب) على هذا الرابط، سُئِل الشيخُ: هل صلاة النافلة في المسجد النبوي تَعْدِلُ ألفَ صلاة، أم أن مُضاعَفةَ الصلاة مختصةٌ بالفريضة فقط؟.
    فأجاب الشيخُ: المُضاعَفةُ عامَّةٌ للفَرْضِ والنَّفْل في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وفي المسجد الحرام، والنبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يَخُصّ الفريضةَ، بل قال "صلاة في مسجدي هذا خير مِن ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" وقال صلى اللَّه عليه وسلم "وصلاة في المسجد الحرام أفضل مِن مائة صلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم" يعني بمائة ألف في المساجد الأخرى، وهذا يَعُمُّ النَّفْلَ والفَرْضَ، لكن النَّفْل في البيت أفضل، ويكون الأجْرُ أكثرَ، والمرأة في بَيْتها أفضل ولها أجْرٌ أكثر، وإذا صلَّى الرجلُ في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم فَرْضًا أو نَفْلاً فله أجْرُ المضاعفة، لكن -ومع هذا- المشروع له أن يُصلِّي النافلة في البيت، سُنَّة الظهر وسُنَّة المغرب وسُنَّة العشاء وسُنَّة الفجر في البيت أفضل، وتكون له المضاعفةُ أفضل، لأن الرسول صلى اللَّه عليه وسلم قال للناس "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، يخاطبهم وهو في المدينة عليه الصلاة والسلام، فَدَلَّ ذلك على أن صلاتَهم في بيوتهم صلاة النافلة أفضلُ، وتكون مضاعفتُها أكثرَ، وهكذا في المسجد الحرام. انتهى.


    المسألة التاسعة


    زيد: هل (فضل الصلاة في المسجد النبوي) يندرج تحت الواجب أم تحت المندوب؟.
    عمرو: تحت المندوب... وجاء في هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز: ويُسنُّ للزائر أن يصلِّي الصلوات الخمس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يُكثِر فيه مِن الذِّكر والدعاء وصلاة النافلة. انتهى.
    وجاء في هذا الرابط على موقع وكالة الرئاسة لشؤون المسجد النبوي التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي: يُسنُّ للزائر أن يصلي الصلوات المفروضة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وما شاء الله مِن النوافل. انتهى.


    المسألة العاشرة


    زيد: ما المراد بقاعدة (ما حُرِّم سدًّا للذريعة يُباحُ للحاجة أو المصلحة الراجحة)؟.
    عمرو: يقول الشيخ قطب الريسوني: سدّ الذريعة معناه حسْم مادة وسائل الفساد دَفْعًا لها، أي أن الفعل قد يكون ظاهره مباحًا، وهو وسيلة إلى مُحرَّم، فيُمنع حَسْمًا لمادة الفساد...
    ثم يقول -أي الشيخ قطب-: المصلحةُ لغةً، الصاد واللام والحاء أصل واحد يدُل على خِلاف الفساد، والصلاح ضد الفساد، والاستصلاح نقِيض الاستفساد، وعرَّفها الغزالي اصطلاحًا "المحافظة على مقصود الشارع، ومقصود الشارع مِن الخَلق خَمْسَة، وهو أن يَحْفَظ عليهم دينَهم، ونَفْسَهم، وعقلَهم، ونسلَهم، ومالَهم، فكل ما يَحْفَظ هذه الأصولَ الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يُفوِّت هذه الأصول، فهو مَفْسَدة ودَفْعُها مصلحة"، والمصلحة الراجحة هي المعتبَرة في ميزان الشرع...
    ثم يقول -أي الشيخ قطب-: معنى القاعدة أن الفعل المنهيّ عنه سدا للذريعة المُفْضِية إلى الفساد يُباح إذا تعلَّقت به الحاجةُ أو المصلحةُ الراجحة، والمراد بالحاجة هنا المشقة التي تَلْحق بالمكلَّف عند تَرْك الفعل، ولا تَبلُغ حدَّ التلف والهلاك، وإلا كانت ضرورة، وإن كانت الضرورة أَوْلَى بالاعتبار؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية "وهذا أصْلٌ لأحمد وغيره في أن ما كان مِن باب سدّ الذريعة، إنما يُنهَى عنه إذا لم يُحْتَجْ إليه، وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تُحصَّل إلا به فلا يُنْهَى عنه"...
    ثم يقول -أي الشيخ قطب-: يُستدلّ على صحّة القاعدة مِن الكتاب والسُّنَّة والمعقول والاستقراء، وبيان ذلك من وجوه:
    أولاً: قوله تعالى "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون"، ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى أمَرَ بِغَضِّ البصر سدّا لذريعة الوقوع في الزنا، فلَمَّا كان تحريمُه تحريمَ وسائل، أُبِيحَ للمصلحة الراجحة كالنَّظَر إلى المخطوبة، والنظر للعلاج، وما جَرى مَجرَى ذلك مِن المصالح التي تَغمُرُ بِصَلاحِها المُحَقَّق الفسادَ المتوقَّع.
    ثانيًا: عن المِسْوَر بْنَ مَخْرَمَةَ رضي االله عنهما قال (كانت أم كلثوم بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّن خَرَجَ -يعني من مكة إلى المدينة مهاجرا مسلما-إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عَاتِقٌ-يعني شابَّة بَلغَتْ الحُلُمَ واستحقَّت التزويج-، فجاء أهلُها يَسألون النبيَّ أن يُرْجِعها إليهم لمَّا أَنزلَ اللهُ فيهن "يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن")، ووجْه الاستدلال مِن الحديث أن سَفَر المرأة لا يكون إلا مع ذي مَحْرَمٍ سدا لذريعة الفساد الذي قد يَلْحَق بها في سفرها، فلَمَّا عارضَتْ هذه المفسدةُ مصلحةً أَرْجَحَ منها وهي فِرار المرأة بدينها مِن دار الكُفر إلى دار الإسلام، كانت جلب المصلحة أَوْلَى مِن درء المفسدة؛ وَقِس على ذلك سَفَرَ عائشة رضي الله عنها لَمَّا تَخَلَّفتْ مع صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ، فإنه لم يُنْهَ عنه، ويُؤخَذ منه أن سدَّ الذريعة إذا عُورِضَ بما أقوى منه رجحانًا لا يُلْتَفَت إليه.
    ثالثًا: إن تقديم المصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة مَحْضُ القياس، ومُقتضَى أصول الشرع، ولا يُخالِف في ذلك إلا عَدُوٌّ للمنطق وخِصْم للإحساس السليم، فتُعطَى كُلُّ مصلحة ما تستحق مِن الحفظ والجَلْب، وتُحاط كُلُّ مفسدة بما تستحق مِن الوقاية والدَّرْء، وهذا مَسْلَك محمودُ الغِبِّ -يعني العاقِبة-، جارٍ على مقاصد الشرع ومُسَلَّمات العقول، وإذا لاحَ تَدافعٌ وتَزاحُمٌ بينهما حُكِّمت معاييرُ الترجيح تقديمًا للأصلح فالأصلح، ودَرْءًا للأفْسَد فالأفْسَد، قال إمام المصالح العز بن عبدالسلام "لا يَخفَى على عاقل أن تقديمَ أرجح المصالح فأرجحها محمودٌ حَسَن، وأن دَرْء أفْسَد المفاسد فأفسدها محمودٌ حَسَن، وأن تقديمَ المصالح الراجحة على المرجوحة محمودٌ حَسَن، وأن تقديم الأصلح فالأصلح ودَرْء الأفسد فالأفسد مَرْكوز في طبائع العباد نظرًا مِن رَبِّ الأرباب، فلو خَيَّرْتَ الصبِيَّ بين اللذيذ والألذّ لاختار الألذّ، ولو خُيِّرَ بين الحَسَن والأحسن لَاخْتارَ الأحسن، ولو خُيِّرَ بين فَلْسٍ ودِرْهَمٍ لاختارَ الدرهمَ، ولو خُيِّرَ بين درهمٍ ودينارٍ لاختارَ الدينارَ، ولا يُقدِّم الصالِحَ على الأصلح إلا جاهلٌ بِفَضل الأصلح، أو شَقِيٌّ متجاهِلٌ لا يَنْظُر إلى ما بين المرتبتَين مِن التفاوت".
    رابعًا: إن الاستقراء للمَواطن التي ورَد فيها النَّهْيُ للذريعة ثم أُبيحَتْ للمصلحة الراجحة يُعَضِّد صِحَّةَ القاعدة، ويَشُدُّ مِن مَعاقِدها، قال ابن القيم "ما حُرِّم سدا للذريعة أُبِيح للمصلحة الراجحة، كما أُبِيح النَّظَرُ للخاطِب والشاهِد والطبِيب مِن جُمْلة النَّظَرِ المحرَّم، وكذلك تحريم الحرير على الرجال حُرِّمَ لسدّ ذريعة التشبُّه بالنساء الملعون فاعِلُه، وأُبيحَ منه ما تدعو إليه الحاجَةُ"...
    ثم يقول -أي الشيخ قطب-: ويَجْدُر الإلْماحُ هنا إلى أن اجتراح الوسائل الممنوعة عند توقُّف تحصيل المقصود الشرعي مِن جِهَتِها، مقيّدٌ بخمسة ضوابط:
    (1)أن تكون المصلحةُ المُلجِئة حقيقيّة لا وهمية، فلا خَلاص مِن مَضِيق الحاجة إلا باستباحة الوسيلة الممنوعة.
    (2)ألا يُفْضِي اللواذُ بالوسيلة الممنوعة إلى مَفسدةٍ أكبر؛ لأن الضرر الأخفَّ يُتحمَّلُ لدَرْءِ الضرر الأشَدّ كما هو مُقرَّر عند الفقهاء.
    (3)ألا يُفْضِي الضررُ باستباحة الممنوع إلى إلحاق ضَرَر مُماثِل بالغير؛ لأن الضرر لا يُزال بمِثْله، والحاجة لا تُسقِط حقَّ الآخَرِين.
    (4)أن يكون التوسُّل بالممنوع بالمقدار الذي تَندفعُ به الحاجةُ وتُستوفَى المصلحةُ، بلا شَطَطٍ ولا استطالة، لأن الضَّرُورَةَ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا.
    (5)استفراغ الوُسْع في الخَلاص مِن مَضايِق الحاجة والاضطرار، وتحصيل الوسائل المشروعة والبدائل الصحيحة التي تُغْني عن استباحة الممنوع أو المحرَّم...
    ثم يقول -أي الشيخ قطب-: ومِن التطبيقات الفقهية النفيسة التي تَتَخَرَّج على القاعدة:
    (1)يَحرُم النظَرُ إلى الأجنبية سدا لذريعة الفتنة والوقوع في المحظور، فإذا تَعلَّق بهذا النظَرِ جَلْبُ مقصود شرعي، وهو بناء الزواج على أساسٍ مِن المودَّة والأُلْفة والوِئام والرضا بالشريك، فُتِحَت الذريعة إلى المُحرَّم بإباحة نَظَرِ الخاطب إلى المخطوبة، كما يُباح جَرْيًا على هذا الأصل نَظَرُ الطبيب والشاهد مِن جُملة النظر المُحرَّم إذا تَوقَّفَتْ عليه مصلحةٌ شرعية كالعلاج وصيانة الحقوق.
    (2)يَحرُم على المرأة السفرُ بدون مَحْرَم، لِمَا يُفضِي إليه ذلك مِن الفساد، ولكنه يُباح إذا دَعَت إليه مصلحةٌ شرعية راجحة كَفِرار المرأة بدينها مِن دار الكُفر إلى دار الإسلام، ذلك أن مصلحة الحفاظ على العقيدة أَوْلَى بالتقديم على غيرها مِن المصالح عند التعارُض والتزاحُم.
    (3)يُحرَّم على الرجال لِبْسُ الحرير سدّا لذريعة التخنُّث والتشبُّه بالنساء، لكنه يُباح إذا دَعَتْ إليه الحاجةُ المُلِحَّة، أو المصلحة المعتبَرة، ولهذا رُخِّص فيه لَمَّا كان مصابًا بمرض الحِكَّة، إذ مصلحة الشفاء أَرْجَحُ مِن مفسدة لِبْسِ الحرير.
    (4)تَحرُم الخُيَلاَءُ لِكَوْنِهَا وَسِيلَةً إلى الطُّغيان، والصَّلَف، والتنافُر بين الناس، لكنها تُباح في حالة الحرب لِمَا لها مِن أثَرٍ في إرهاب العدو، وإيقاع الرُّعب في قلبه، فَتَرْجَح بذلك مصلحتُه المفسدةَ الناشئةَ عنه، يقول ابن القيم "وحَرَّم عليهم الخُيَلاَء بالقول والفعل، وأباحها لهم في الحرب، لما فيها مِن المصلحة الراجحة الموافقة لمقصود الجهاد".
    (5)تُحرَّم مجالسةُ الظلمة والعصاة سدّا لذريعة إعانتِهم على الإثم وتشجيعِهم على العدوان، ولكنها تُباح إذا تَعلَّقتْ بها مصلحةٌ شرعية معتبرة تَغمُرُ الفسادَ المتوقَّع، كنَهْيِهم عن المُنكَر ودعوتِهم إلى المعروف، ولا شكَّ أن القاعدة تَقضِي بتقديم الصلاح الراجح على الفساد المرجوح.
    (6)يُحرَّم دَفْعُ الأموال للكفار حسمًا لذريعة التمكين لهم، وتقوية شوكتهم، ولكن إذا تَعلَّقتْ بهذا الدفْعِ مصلحةٌ شرعية راجحة فُتِحَت الذريعةُ إليه، كَفِكاكِ المسلمين مِن أسْرِ العدُوِّ، وشراءِ الأسلحة لتجهيز الجيش، يقول العز بن عبدالسلام "ولكن قد تَجُوز الإعانةُ على المعصية لا بكونها معصية، بل وسيلة إلى تحصيل المصلحة الراجحة، وكذلك إذا حَصَل بالإعانة مصلحةٌ تَرْبَى على مصلحة تفويت المفسدة كما تُبذَل الأموالُ في فِداء الأسْرَى الأحرار المسلمين مِن أيْدي الكفرة الفجرة".
    (7)تَحرُم الغِيبةُ لكونها طريقًا مُفضِيًا إلى هَتْكِ الأعراض، وقَطْع الأرحام، وإشاعة الفُرْقة، ويُباح منها ما تدعو إليه المصلحةُ الراجحة، كبيان حال الفاسق للناس حتى لا يَغترُّوا به ويَحذروا شرَّه، وتجريح الرواة بقَصْد صَوْن السُّنَّة مِن دَواعي الزَّيف والتحريف.
    (8)تَحرُم الرِّشوةُ لكونها وسيلة إلى أخْذِ المحرَّم وتضييع حقوق الناس، فلو تَوقَّفَتْ عليها مصلحةٌ شرعية أُبيحَتْ مِن جهة الدافع، وظلَّت على حُرمتها مِن جهة الآخِذ، ومِن هنا فإن إنشاء مؤسسات التعليم الخاصة أو مشاريع الإنماء، قد يعترضُها في بعض البلدان عقباتٌ إدارية مصطنعة، وإجراءات (روتينية) جائرة، لا يُتغلَّب عليها إلا بدفع الرِّشوة، ولما كانت المصالحُ المُجتَلَبة مِن هذه الأعمال تَغمُرُ مَفسدةَ الارتشاء، فإنها تُستباح للرجحان المصلحي، إذ يَعلو منار العلم، وتُفتحُ أبوابُ الرِّزق، وتتقوَّى بنيةُ الاقتصاد، وناهيك بها مِن مَقاصد جليلة نافعة.
    (9)يُحظَر الرأيُ الإعلامي المحرِّض على الخروج على الحاكم سدّا لذريعة الفتنةِ وسفْك الدماء وصَدْع الوَحْدة، لكن إذا تعلَّقتْ به مصلحةٌ راجحة كإقامة شرائع االله في الأرض ومحاربةِ الكُفر البواح، فإن إعلانه في الناس يَغْدو مباحًا بل واجبًا تَبَعًا لِحُكم مقصوده"...
    ثم يقول -أي الشيخ قطب-: لا تَعْدَمُ القاعدةُ سندًا ورِدْءًا في منقولات الشرع، وموارد أحكامه، فضلاً عن المعقول الصريح، والاستقراء القاطع، بل إن المُخالِف في صحتها لا يَعْدُو صِنفَين مِن الناس، جاهل بمقاصد الشرع في التكليف، أو متجاهل آثَرَ اللَّدَد والمكابرة، فهو خِصْم الشرع الصحيح، وعَدُوُّ المنطِق الرجيح!. انتهى باختصار وتصرف من كتاب (قاعدة ما حُرِّم سدًّا للذريعة أُبيح للمصلحة الراجحة، دراسة تأصيلية تطبيقية).
    ومِن المرجحات التي يُمْكْنُ ذِكرُها هنا لعملية الموازنة بين المصالح والمفاسد ما يلي:
    (1)ترجيح الشارع لجنسٍ أو نوع مِن العمل على غيره: في هذا الرابط يقول الشيخ هاني بن عبدالله الجبير: مثال ذلك أن الشرع جاء بتقديم الدعوة إلى تصحيح الاعتقاد قَبْلَ تَعلُّم أحكام العبادات، فدَلَّ على أن العناية بتقرير مسائل العقيدة أهم من العناية بتقرير مسائل الشريعة، وكذلك فإن تقديم الشرع لبِرِّ الوالدين على الجهاد غير المُتَعَيَّن يدلُّ على رجحان النفقة على الوالدين على نفقة الجهاد الذي لم يُتَعَيَّن.
    (2)مراعاة الترتيب بين المصالح حسب الأهمية والترتيب: في هذا الرابط يقول الشيخ هاني بن عبدالله الجبير: فالمصالح قد تكون ضرورية أو حاجية أو تحسينية، والمفاسد تتعلق بها كذلك،وأعلى المقاصد هو حفظ الدين (مِن جانب الوجود ومِن جانب العدم)، ثم النفس، ثم العقل، ثم النسل، ثم المال. انتهى. وفي هذا الرابط يقول الشيخ سعد فياض: فالضروريات مقدَّمة على الحاجيات عند تعارضهما، والحاجيات مقدَّمة على التحسينيات عند تعارضهما، فإن تساوت الرُّتَب كأن يكون كلاهما من الضروريات، فيُقدَّم الضروري المقصود لحفظ الدين على بقية الضروريات الأربع الأخرى، ثم يُقدَّم المتعلق بحفظ النفس ثم العقل ثم النسل ثم المال.
    (3)المصلحة العامة مُقدَّمة على المصلحة الخاصة: في هذا الرابط يقول الشيخ هاني بن عبدالله الجبير: فلا تُرجَّح مصالحُ خاصة على مصالح عامَّة، بل العكس، ويُمثِّل لذلك العِزُّ بن عبدالسلام فيقول "لو أَعطَى أحدُ الظلمة لِمَن يُقتدَى به مِن أهل العلم والعبادة مالاً، فلو أخَذَه أمْكَنه أن يردَّه لصاحبه إن كان مغصوباً، أو إنفاقه في وجوه خير تَنْفَعُ الناس، ولكن يسوء ظنُّ الناس فيه، فلا يَقبَلون فتياه، ولا يَقتدون به، فهنا لا يجوز له أخْذُه، لِمَا في أخْذِه مِن فساد اعتقاد الناس في صِدقه ودينه، فيكون قد ضَيَّعَ على الناس مصالحَ الفتيا والقدوة، وحِفْظُ هذه المصلحة أَوْلى مِن رَدِّ المغصوب لصاحبه، أو نَفْعِ الفقير بالصدقة". انتهى باختصار. ويقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: الاحتكار فيه مصلحة للتاجر أن يتضاعف رِبْحُه ويرتفع دَخْلُه وتَعْظُم فَرْحَتُه، ولكن الاحتكار فيه ضرر على عباد الله، فلو تعارضَت المصلحةُ الخاصة مع المصلحة العامة لا يمكن أن نُقدِّم الخاصةَ، بل تُقدَّم المصلحةُ العامة على المصلحة الخاصة ونَمْنَعُ الاحتكارَ، ولو فاته مضاعفات الأرباح، لأن الاحتكارَ مفسدةٌ لعموم الناس؛ مثال آخر، القصاص، الحدود، قَطْعُ يَد السارق مفسدةٌ على السارقِ أم لا؟ تَفُوتُ يَده، قَتْلُ القاتل مفسدةٌ على القاتل مِن جهة ذهاب نفسه، نعم، لكن لو ما طبَّقنا هذا الحد ماذا سيَحصُل؟ فوات مصلحة عامة للمسلمين، وقيام مفسدة عامة على المسلمين؛ مثال آخر، نزع الملكيات الخاصة لإقامة أشياء ضرورية للمسلمين، فكلمة ضرورية، لأنه لا يجوز نزع الملكيات الخاصة دون إذن أصحابها لأَجْلِ مَنْظَر جمالي مثلاً، هذا حرام، قضية نَزْع الملكية، يا أيها البلدية لماذا تريدون نَزْعَ الملكية؟ قالوا "عندنا مَنْظَرٌ جمالي، عندنا هنا فيه مثلثات"، نقول "حرام عليكم، لا يجوز لكم أن تنزعوا ملكيةً خاصة بدون إذن أصحابها مِن أَجْلِ مَنْظَر جمالي، حرام"، وإن قالوا "الزحام شديد جداً هنا وضيق والناس يتعطلون، آلاف السيارات وآلاف السائقين، ومصالح المسلمين، وانتظار ساعات طويلة لأن الطريق ضيق، ولا بُدَّ نَنْزِع ملكيات مِن جانبي الطريق لتوسيعه على المسلمين"، فنقول هذا مصلحة عامة مُهمَّة وحقيقية مؤثِّرة. انتهى بتصرف.
    (4)تقديم المصالح بحسب درجة تحقُّق وقوعها: ومن ذلك تقديم ما كان مقطوعًا بأَثَرِه أو مُتَّفَقًا عليه على ما كان مظنونًا أو مختلفًا فيه، وما كان مظنونًا على ما كان مُتَوَّهَمًا. وفي هذا الرابطيقول الشيخ سعد فياض: لو تعارضت مصلحتان أو مفسدتان أو مصلحة ومفسدة إحداهما قطعية والأخرى ظنية فتُقدَّم القطعية، والظن الغالب هنا يقوم مقام القطع، ومِن الأمثلة، إذا لم يَجِد المصلِّي ماءً في أَوَّلِ الوقت، فإذا كان يَقطَعُ أو يَغلِبُ على ظنِّه أنه سيَجِد ماءً فالأفضل الانتظار، أما إذا كان يَظُنُّ أنه سيَحْصُل على الماء ولا يَجْزِم بحصول ذلك فالأفضل التيمُّم والصلاة في أَوَّلِ الوقت. انتهى. ويقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه:مثال، لو كان تناول دواء مَعيَّن محرَّم، وحصول الشفاء مِن جَرَّاء تناوله ظني، فما يُمْكن أن نتناول الدواءَ المحرَّمَ لأنه مفسدةٌ قطعية لتحصيل شيء ظني وهو الشفاء مِن المرض الذي قد يَحدُث وقد لا يَحدُث، بالإضافة إلى أن الشارع الحكيم لم يَجْعَلْ شفاءَ المرأة فيما حُرِّم عليها، لم يَجْعَلْ شفاءَ الأُمَّة فيما حُرِّم عليها، هذه المسألة ممكن تُجِيب بها على ماذا؟ مَن يذهب للساحر لِفَكِّ السِّحْر، فتقول له ما حُكم الذهاب إلى الساحر؟ حرام قطعي، ما هي إمكانية استفادتك مِن الساحر وفكِّ السحر على يديه؟ ظنية، لأنه قد يستطيع وقد لا يستطيع، فكَمْ أُناس ذهبوا إلى سحرة وما استفادوا وذهبت أموالهم، وليس الذهاب إلى الساحر قطعي الفائدة مِن جهة فكِّ السحر، فكيف ترتكب حراماً قطعياً من أجل تحقيق مصلحة ظنية... ثم يقول -أي الشيخ محمد صالح المنجد-: مثال آخر، ما حُكم إسقاط الجنين الذي نُفِخَت فيه الروحُ لأَجْلِ تحسين وَضْع الأمِّ؟ قلنا للطبيب بقاء الجنين يَقتُلُها؟ قال لا، لا يَصِلُ لدرجة أن تموتَ لكن أحسن طبيّا، نقول أفتريدون ارتكابَ مفسدة قطعية وهي قَتْلُ النَّفْس لأجْلِ أن تكون الأمُّ في وَضْع صِحِّي أفضل، والهلاك ظَنِّيٌّ، هلاكُها ظَنِّيٌّ وليس بقطعي، فأنت تريد أن تَرتكِبَ مفسدةً قطعية بقَتْل الجنين الحَيّ الذي نُفختْ فيه الروحُ، وأن تأتي بعدوان صارِخٍ على النفس البشرية التي خَلَقَها اللهُ، وتُزْهِق روحَ الجنين مِن أجْلِ احتمال مَفسدة، مِن أجْلِ احتمال هلاك الأمِّ، ما هو أَكِيد أنَّها تَهلك، فنقول ما يجوز لك أن تَرتكبَ هذا. انتهى.
    (5)المصلحة المتعلقة بذات العمل مقدَّمة على المصلحة المتعلقة بزمانه أو مكانه: يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: فالخشوع متعلِّق بذات العبادة وهي الصلاة، أو متعلق بزمانها أو مكانها؟ متعلق بذات العبادة، فإذا تَعارض عندك مصلحة وجود الخشوع مع مصلحة الصلاة في زَمَنٍ فاضل أو مكانٍ فاضل ماذا تُقدِّم؟ الخشوع، ولذلك فإن الصلاة بحضرة الطعام تؤجَّل حتى يُصْبِحُ في حال يتوفَّر فيها الخشوعُ أكثر ولو فاتَت الجماعةُ، لأن المحافظة على الخشوع وهو متعلِّق بذات العبادة مقدَّم وأفضل وخَيْر مِن المحافظة على شيء يتعلق بالحال أو المكان، صلاة الجماعة في المسجد، فصلاةٌ بخشوعٍ ولو فاتَتْه الجماعةُ أفضل مِن صلاة في الجماعة بلا خشوع، ومِن هنا لو واحد قال "أنا إذا صلَّيْتُ في مسجد مِن مساجد مكة الهادئة أَخْشَعُ أكثر بكثير، وإذا صلَّيْتُ في الحرم زحام شديد جداً، وفتنة النساء تبرج النساء، صلاتي في مسجد مِن مساجد مكة غير الحرم أنا أَخْشَعُ"، قلنا أن المصلحة المتعلِّقة بذات العمل أو ذات العبادة مقدَّمة على المصلحة المتعلقة بزمان العبادة أو مكان العبادة، ومِن هنا يُمْكِن أن يُقال إن صلاتَه في ذلك المسجد أفضلُ بالنسبة له، لأن الخشوع أكثر... ثم يقول -أي الشيخ محمد صالح المنجد-: لو كانت صلاتُك قائماً مستقبِل القبلة بعد النزول مِن رِحلة السفر ممْكِنَةً، وصلاتك في الطائرة ستكون قاعداً إلى غير القبلة، ما الذي يُقدَّم؟ علماً أن النزول في المطار سيكون قبل خروج الوقت، فلو فرضنا أن صلاة العصر أذان العصر مثلاً الساعة مثلاً الرابعة، وأنت إقلاعُك قبْل الظهر، وستنزل في المطار الساعة الثانية مثلاً الثانية والنصف، وأنت عندك خياران، إما أن تصلِّي في الطائرة، ولكن الصلاة في الطائرة لا يوجد مُصَلَّى في الطائرة، أو كل الركاب مأمورين بربط الأحزمة، لا توجد استطاعة للقيام، ولا استقبال القبلة، فهل تختار الصلاةَ قاعداً في الطائرة إلى غير القبلة، أو تختار الصلاة بعد نزول الرحلة قائماً مستقبِل القبلة؟ ماذا تقدِّم الأول أو الثاني؟ الثاني،لماذا؟ لأن القيامَ واستقبال القبلة أَمْرٌ متعلِّق بذات الصلاة، هذه مِن شروط الصلاة، فلو قال "الصلاة في أول الوقت أفضل"، نقول تَعارَضَ عندنا مصلحةٌ متعلِّقة بذات العبادة مع مصلحة متعلقة بزمان العبادة، فأيهما نُقدِّم؟ المصلحة المتعلِّقة بذات العبادة، وبالتالي فصلاتُك قائماً مستقبِل القبلة أفضلُ مِن صلاتِك في الطائرة؛ مثال آخر، وضَعَ الخَبّاز الخُبْزَ في التَّنُّورِ وأُقِيمَت الصلاةُ، فلو ذَهَبَ للصلاة سيَحتَرِقُ الخُبْزُ، ويَبقَى طِيلة الصلاة وهو تُنازِعُه نفسُه في مَصِير الخُبْز، وضَعَ البطاطِس في الزيت وأُقِيمَت الصلاةُ، إذا ذَهَبَ للصلاة في المسجد ضرر وهو احتراق هذا، بالإضافة إلى الضرر الأكبر وهو ذهاب الخشوع، احتراق الخُبْز والبطاطِس تَلَف الطعام أهون مِن نَقْصٍ في الدين صلاة بلا خشوع،فالعلماء يقولون "له أن يَتخلَّف عن صلاة الجماعة في هذه الحالة" لأن مصلحة الخشوع والتفرُّغ للصلاة أكبرُ. انتهى.
    (6)المصلحة المتعدية مقدَّمة على المصلحة القاصرة:يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: فقالوا مثلاً الاشتغال بتعليم العلم أَوْلَى مِن الاشتغال بنوافل العبادات إذا احتاج الناسُ إلى التعليم، يُقدَّم هذا لأن نَفْعَه أكبرُ، نفْعه أعمُّ أشْمَل.
    (7)المصلحة الواجبة مُقدَّمة على المصلحة المندوبة: يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: فلو قالت لك المرأةُ "أصوم القضاء أوَّل ولَّا أصوم ستة شوال أوَّل؟"، نقول صومي القضاء أوَّل، لأن المصلحة الواجبة مُقدَّمة على المصلحة المُستحَبَّة.
    (8)أداء المصلحة المقيَّدة في وقتها أفضل مِن المصلحة المطْلَقة: يقول الشيخ سعد فياض في هذا الرابط: يقول أهل العلم "قد يَعترِي المفضولَ ما يَجعلُه أفضلَ مِن الفاضل"، ومن ذلك أن قراءةَ القرآن أفضلُ مِن التسبيح والتهليل، لكن أداء الأذكار المقيَّدة في حينها أفضل مِن قراءة القرآن في ذلك الوقت، كأذكار أدبار الصلوات ومتابعة المؤذِّن.
    (9)دَرْء المفاسد مُقدَّم على جَلْب المصالح: يقول الشيخ سعد فياض في هذا الرابط: العلماء قيَّدوا هذا القاعدةَ بتَساوي الرُّتَب. انتهى. ويقول تاج الدين السبكي في الأشباه والنظائر: ويَظهَرُ بذلك أن دَرْءَ المفاسد إنما يترجَّح على جَلْب المصالح إذا استويا. انتهى. ويقول محمد بن إسماعيل الصنعاني في إجابة السائل شرح بغية الآمل: دَفْع المفاسد أهَمُّ مِن جَلْب المصالح عند المساواة. انتهى. ويقول عبدالرحمن بن ناصر السعدي في (رسالة لطيفة في أصول الفقه): وعند التكافؤ فدَرْءُ المفاسد أَوْلَى مِن جَلْب المصالح. انتهى. وجاء في مجلة البحوث الإسلامية التابعة للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في هذا الرابط: وإذا تساوت المصالحُ والمفاسد أو اشتبه الأمرُ فتكون المسألة مَحَلَّ اجتهاد عند بعض العلماء، وجمهورهم يقولون "دَرْء المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح"، والمصيبة أن بعض طلابُ العلم يَحتجُّ بقاعدة (دَرْء المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح) على إطلاقها، ويفسِّرها على غير وجهها، ويستعملها في غير موضعها، فيَرُدَّ كثيرًا مِن المصالح الراجحة والغالبة، بحجة اشتمالها على بعض المفاسد القليلة، وهذا مِن شأنه أن يَقضِي على أكثر المشروعات والواجبات في الشريعة فضلاً عن المباحات والجائزات، فهذه القاعدة كما نلاحظ ليست على إطلاقها، وإنما تُستعمَل فقط في حال تساوي المصالح والمفاسد أو تقاربها واشتباه الأمْر فيها. انتهى. قلت: وأما وَجْه تقديم دَرْء المفاسد على جَلْب المصالح وليس العكس -في حال تساوي المصالح والمفاسد- فيُوَضِّحه ما جاء في كتاب نيل الأوطار للشوكاني عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، واذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم): واستُدِل بهذا الحديث على أن اعتناء الشارع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه أَطْلَق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في التَّرك، وقَيَّد في المأمورات بالاستطاعة. انتهى.
    (10)تُقدَّمُ المصلحةُ الغالبة على المَفسدة النادرة: يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابطعلى موقعه: لو شيء فيه مفسدةٌ، واحد قال "ما رأيكم نُحرِّم بَيْعَ العنب في العالَم، لأنه في احتمال بعض الناس يَأخذونه ويَعْمَلونه خَمْراً؟" نقول أكثر العنب الذي يُباع في البلد، ما نسبة استعماله في الحلال؟ أكبر، فما نُحرِّم بَيْعَ العنب، لأنه في مَفسدة في احتمال تصنيعه خمراً، لكن البيَّاع إذا جاء واحد مُعيَّن يَعْرِف أنه سيَستعمِلُه في تصنيع الخمر ما يجوز يَبِيع عليه، عند التعارُض تُرتَكب مَفسدةٌ هي بجميع الأحوال، وَلَّا مَفسدة تَأتِي وَتَذْهَبُ تَحْصُلُ تَنْقَطِعُ تَرْجِعُ؟ تُرتَكب الثانيةُ عند التعارُض، هناك تَرتِيبٌ بَيْن المفاسد. انتهى بتصرف. ويقول الشيخ وهبة الزحيلي في كتابه أصول الفقه الإسلامي: الشارِع أناطَ الأحكامَ بِغَلَبة المصلحة، ولم يَعتبِر نُدُورَ المصلحة. انتهى. قلت: ومِن ذلك أيضا تَسْيِيرُ البواخر في البحر، والطائرات في الجو، فإن فيه منافع كثيرة، وقد يُفْضِي ذلك إلى الغَرَق أو الانْفِجار أو السُّقوط، ولكن هذه الأضرار ليست بالكثيرة؛ ومِن ذلك أيضا بَيْعُ الغذاء الذي يَنْدُر أن يَتضرَّر مَن يَطْعَمُهُ، كأن يُبالِغ في الأَكْل منه، أو كأن يكون مريضا بمرض يَتعارَض مع الأَكْل مِن هذا الغذاء، إذ أنه يَنْدُر أن تَجِد خَيْرا مَحْضًا أو شَرّا مَحْضًا في شَيْءٍ، صحيحٌ أَنَّ هناك مِن الأشياء ما هو خَيْرٌ مَحْض كالإيمان، وهناك ما هو شَرٌّ مَحْض كالشِّرْك، لكن معظم الأشياء ليست كذلك، ففي الغالب لا توجد مصلحة خالية -في الجُمْلة- مِن المَفسدة.
    (11)اعتبار المصلحة أو المفسدة التي جاء النص بالتصريح بتقديمها: يقول طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري في (قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه العثيمين): ومن ذلك ما حسّنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع عن رجل مِن خثعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله، ثم صلة الرحم، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله، ثم قطيعة الرحم". انتهى بتصرف.
    (12)اعتبار المصلحة أو المفسدة التي مِن أجْلِ المحافظة على جَلْبها أو دَفْعها أَلْغَت النصوصُ بعضَ أحكام الشريعة: يقول طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري في (قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه العثيمين): ومثالها، مصلحة اجتماع الناس خَلْفَ إمامٍ واحد غُيِّرَتْ لأَجْلِها هيئةُ الصلاة في حال الخوف، مع أنه بالإمكان الصلاة خَلفَ إمامين دون تغيير صِفَة الصلاة؛ فدَلَّ على تقديم هذه المصلحة على الأخرى.
    (13)المصلحة أو المفسدة التي كَثُرت النصوصُ المخصِّصة لها والمُخرِجة لبعض أفرادها أَضْعَفُ مِن التي لم تُخصَّص: يقول طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري في (قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه العثيمين): فَمِن ذلك أجاز الشافعيةُ رحمهم الله كَثرةَ الأفعال في الصلاة حال التِحام القتال، ولم يجيزوا الصياح ونحوه ولو زَجْر الخَيْل، لأن المستثنيات مِن مُبْطِل الحَرَكَة كثيرةٌ في النصوص، بِخِلَاف مُبْطِل الكلام. انتهى. قلت: العامُّ الذي لم يُخَصَّص ولم يُرَدْ به الخصوصُ يُوصَف بأنه عامٌّ محفوظ.
    (14)اعتبار رُتَب الأمر والنهي: يقول طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري في (قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه العثيمين): فيُقدَّم الواجبُ على المندوب، وفَرْضُ العَيْن على فَرْض الكفاية، ودَفْعُ المحرَّم على دَفْع المكروه، ودَفْعُ مَفسدة الكبائر أَوْلَى مِن دَفْع مَفسدة الصغائر، ومِن أمثلته، تقديم النَّفَقة على العيال على النَّفَقة على الدعوة، والأخيرة على النفقة على الفقير، ومِن تطبيقاته، أن الأفضل في صلاة العشاء التأخير -لكن بشرط ألا تتأخَّر عن نصف الليل- ولكن لا يجوز للإنسان الذي تَلزَمُه الجماعةُ أن يؤخِّرها ويَتْرُك الجماعةَ، لأن التأخير سُنّة والجماعة واجبة.
    (15)النَّظَر إلى المصلحة أو المفسدة، هل هي خالصةٌ أو راجحةٌ.
    (16)تقديم ما كان أَثَرُه مُتعدِّيًا عامّا على ما كان أَثَرُه قاصِرًا خاصّا: فمصلحة طلب العلم وبذله أَوْلِى مِن مصلحة العبادة.
    (17)تقديم الأَثَر الدائم على المنقطع: دَلَّ على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإنْ قلَّ"، متفق عليه، ومِن أمثلته، تقديم الصدقة الجارية على غيرها.
    (18)اعتبار مقدار المصلحة: ويُقصَد به التَّغْلِيب بالمقدار أو التَّغْلِيب الكمي، فلا يُعقَلُ تفويت الخير الكثير لوجود بعض الضرر، كما أن الجُزءَ مُهمَلٌ أمام الكل، يقول الشيخ أحمد الريسوني في كتابه (نظرية التقريب والتغليب): فما كان أكبرَ قدرا مِن المصالح قُدِّم جَلْبُه، وما كان مقدارُه أكبرَ مِن المفاسد قُدِّم دَفْعُه، وإذا تعارضت المصلحة مع المفسدة قُدِّمَ منهما الأكبرُ قدرا، فإذا تعادلتا فَدَفْعُ المَفسدة أَوْلَى.
    (19)اعتبار قَوْلِ الأكثريَّة مِن عُدُول المجتهدين: يتمُّ الترجيحُ بقول الأكثريَّة مِن عُدُول المجتهدين عند عَدَمِ التمكُّن مِن الترجيح بأحد الاعتبارات السابقة، لقوله تعالى "وَأمرهمْ شُورَىبَيْنَهُمْ"، وقوله "وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي"، وقوله صلى الله عليه وسلم "أَشِيرُوا أَيُّها النَّاسُ عَلَيَّ"، وقوله "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ"، وقوله "الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ"، وقوله "عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو مع الاثنين أبعد"، وقوله "فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ"، وقوله "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًاوقوله "يسلِّم الراكبُ على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير".


    المسألة الحادية عشر


    زيد: هل يَصِحُّ أن يُستغنى بصلاة الجماعة في البيت عن صلاة الجماعة في المسجد؟.
    عمرو: لا يصح... وفي هذا الرابط سُئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: هل صلاة الجماعة في البيت تسقط صلاة الجماعة في المسجد كَأَنْ أَصَلِّي أنا وأخي في البيت ولا نَذْهَبُ إلى المسجد؟.

    فأجاب مركز الفتوى: لا يجوز الصلاة في البيت وترك الجماعة في المسجد إلا مِن عُذْرٍ مثل المرض أو الخوف أو ما شابَه ذلك، وإلا اتَّصف المُتخلِّفُ بِصِفَةٍ مِن صفات المنافقين، النفاق والعياذ بالله. انتهى.
    وفي فتاوى الشيخ ابن باز في (فتاوى نور على الدرب) على هذا الرابط سُئل الشيخ: نُصلِّي في البيت أحياناً الصلاةَ المكتوبة أنا وإخواني ووالدي، ولكننا نُصلِّيها كل واحد لوحده، ولا نُصلِّيها مع إمامٍ واحد منا على شكل جماعة، هل علينا إثمٌ في ذلك إذا تَرَكْنا الجماعةَ في نَفْس البيت؟.
    فأجاب الشيخ: نعم، لا يجوز لكم ذلك، الواجب أن تُصلُّوا جماعةً، صلاةُ الجماعة واجبةٌ، وأداؤها في المسجد واجبٌ، كُلُّ هذا مِن الواجب، فالواجب عليكم أن تُصلُّوا جماعةً، إذا لم يَتَيَسَّر الصلاةُ في المسجد وَجَبَ أن تُصلُّوا جماعةً، يَؤُمُّكم أقْرَؤُكم وأحْسَنُكم يَؤُمُّكم، وإن استطعتم أن تذهبوا إلى المسجد وَجَبَ عليكم الذهابُ إلى المسجد، إذا كنتم تسمعون النداء يجب الذهاب إلى المسجد والصلاة مع المسلمين، لِمَا تَقدَّم مِن الحديث، لقوله صلى الله عليه وسلم "مَن سَمِعَ النداءَ فلم يأتِه فلا صلاة له إلا مِن عُذْر"، وقال ابن مسعود رضي الله عنه "ولقد رأيتُنا وما يَتَخَلَّف عنها -يَعنِي الصلاةَ في الجماعة- إلا مُنافقٌ معلوم النِّفاق"، فالواجبُ على المُؤْمِن أن يُصلِّي مع الجماعة، وأن يَحْرِصَ ولا يُصلِّي في البيت، إلا إذا بَعُد فلا يَسْمَعُ النداءَ فلا بأس، ولكن يَجتهِد في أن يُقِيم هو وجيرانه مسجدا حَوْلَهم حتى يُصلُّوا فيه، يَلْزَمُهم -إذا قَدِروا- أن يُقِيموا مسجدا حَوْلَهم ويُصَلُّوا فيه. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ سعد الخثلان، يقول الشيخ: عندنا وجوبان، وجوبُ الصلاة جماعة، والثاني وجوبُ أن تُؤدَّى في المسجد.



    (تابع ما بعده)

  4. افتراضي

    (تابع ما قبله)

    المسألة الثانية عشر



    زيد: ما حُكْمُ الصلاة في مسجد فيه قبر؟.
    عمرو: الصلاةُ لا تَجوزُ ولا تَصِحُّ.

    زيد: مَن سَبَقَكَ بهذا القول؟.
    عمرو: في هذا الرابط سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): قامَ أهلُ بلدتنا بهَدْمِ مسجد لكي يعيدوا بناءَه، وكان هذا المسجدُ مُقامًا على قبرٍ، وبعد أن بَدَأُوا البناءَ ارتَفعَ هذا البناءُ على القبر ولم يَضَعوه خارجَ المسجد، فما حكم التبرُّع لهذا المسجد، وهل تجوز الصلاةُ فيه بعد بنائه على القبر؟ مع العلم بأن القبر في حُجْرة وبابها في المسجد.
    فأجابت اللجنة: إذا كان الواقع ما ذكَر فلا يجوز التبرُّعُ لبناء هذا المسجد ولا المشاركةُ في بنائه، ولا تجوزُ الصلاةُ فيه، بل يجب هَدْمُه. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سُئل الشيخُ: إذا كان المسجدُ الذي فيه قبرٌ هو الوحيد في البَلَد، فهل يُصلِّي المسلمُ فيه؟.
    فأجاب الشيخ: لا يُصلِّي المسلمُ فيه أبداً، وعليه أن يُصلِّي في غيره، أو في بيته إن لم يجد مسجداً سليماً مِن القبور، ويجب على ولاة الأمور نَبْشُ القبر الذي في المسجد إذا كان حادثاً، ونَقْلُ رُفاته إلى المقبرة العامة، وتُوضَعُ في حفرةٍ خاصةٍ يُسَوَّى ظاهرُها كسائر القبور، وإذا كان القبرُ هو الأَوَّلُ فإنه يُهدَم المسجدُ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لَعَنَ اليهودَ والنصارى الذين اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد، ولَمَّا أخبرَتْه أمُّ سلمة وأمُّ حبيبة رضي الله عنهما أنهما رَأَتا كنيسةً في الحبشة وما فيها مِن الصُّوَر، قال لهما عليه الصلاة والسلام "أولئك إذا مات فيهم الرجُلُ الصالحُ بَنَوا على قبره مسجداً، وصَوَّروا فيه تلك الصُّوَرَ، أولئك شِرارُ الخَلْق عند الله"، متَّفقٌ على صحته، ومَن صَلَّى في المساجد التي فيها القبور فصلاته باطلة، وعليه الإعادة، للحديثين المذكورين وما جاء في معناهما. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ربيع المدخلي، يقول الشيخُ: الصلاة في مسجد فيه قبرٌ صلاةٌ باطِلة لا تَصِحُّ، وغالبا ما يَرْتادُ هذا المسجدَ إلا مَن في قَلْبه نَوْبَة الشرك والتعلُّق بصاحب القبر. انتهى.
    وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فالمساجد المبنية على قبور أنبياء أو صالحين أو غيرهم مِن آحاد الناس ينبغي أن تُزال بِهَدْمٍ أو غيره، ولا تَصِحُّ الصلاةُ فيها. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالكريم الخضير، قال الشيخُ: فالصلاةُ في المسجد الذي فيه قبرٌ أو في المقبرة باطِلةٌ. انتهى.
    ويقول الشيخ مُقبِل الوادِعي في إجابة السائل علي أهم المسائل: والمسجد إذا وُضِعَ فيه قبرٌ لا تَصِحُّ الصلاةُ فيه. انتهى.
    وقال الشيخ صالح آل الشيخ في التمهيد لشرح كتاب التوحيد: فالذي يُصلِّي في مسجد أُقِيم على قبرٍ فصلاتُه باطلةٌ لا تَصِحُّ. انتهى.


    المسألة الثالثة عشر


    زيد: هل بُطْلَانُ الصلاة في مسجد فيه قَبْرٌ يتعلَّقُ بوجود القبر في القِبلة؟.
    عمرو: لا... وفي فتاوى الشيخ ابن باز في (فتاوى نور على الدرب) على هذا الرابط سُئل الشيخُ: ما حُكم الصلاة في مسجد فيه ضَرِيحٌ، مع العلم بأن هذا الضريح خَلْف المصلِّين وليس أمامهم، وبين المصلِّين وهذا الضريح حاجِزٌ مِن لَوْحٍ مِن الزُّجاج؟.
    فأجاب الشيخ: المساجد التي فيها القبور لا يُصلَّى فيها، سواء كان القبرُ قدَّام المُصلِّين أو عن يمينهم أو عن شمالهم أو خلفهم، جميع المساجد التي تُبنَى على القبور لا يُصلَّى فيها، لقول النبي صلى اللَّه عليه وسلم "لعنة اللَّه على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائِهم مساجد"، وقال صلى اللَّه عليه وسلم "ألا وإن مَن كان قبلكم كانوا يتَّخِذون قبورَ أنبيائِهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتَّخِذوا القبورَ مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، فلا يجوز الصلاةُ فيها بالكلية، فالصلاة فيها باطلة.


    المسألة الرابعة عشر


    زيد: هل تَجوز الصلاةُ في مسجد فيه قبر، إذا كان هو المسجدَ الوحيد في القرية، أو إذا كان لا يوجد في القرية مسجد يَخْلُو مِن قبر؟.
    عمرو: لا تَجوز... وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سُئِلَ: ما حُكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور؟.
    فكان مما أجاب به الشيخ: وعليه أن يُصلِّي في بَيْتِه إذا ما تَيَسَّرَ له مسجد، عليه أن يُصلِّي في بيته ولا يُصلِّي في المساجد التي فيها قبور، إذا ما وَجَدَ مسجدًا خاليًا مِن القبور فإنه يُصلِّي في بَيْتِه مع إخوانه أو جيرانه، أو يَلتمِس مكانًا ليس فيه مسجد به قبور. انتهى.


    المسألة الخامسة عشر


    زيد: هل هناك فَرْقٌ بين بناء المسجد على القبر أو إدخال القبر في المسجد؟.
    عمرو: لا.

    زيد: مَن سَبَقَكَ بهذا القول؟.
    عمرو: قال الشيخ الألباني في كتابه تحذير الساجد: لا فَرْق بين بناء المسجد على القبر أو إدخال القبر في المسجد فالكل حرام لأن المحذور واحد... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: فما خَشِيَ الصحابةُ رضي الله عنهم قد وَقَعَ مع الأسف الشديد بإدخال القبر في المسجد، إذ لا فارِق بين أن يكونوا دفنوه صلى الله عليه وسلم حين مات في المسجد وحاشاهم عن ذلك، وبين ما فَعَلَه الذين بعدهم مِن إدخال قبره في المسجد بتوسيعه، فالمحذور حاصل على كل حال كما تَقَدَّم عن الحافظ العراقي وشيخ الإسلام ابن تيمية. انتهى.
    وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فالصلاة لا تجوز في مسجد به قبر، سواء بُنِيَ القبرُ على المسجد أو أُدْخِل القبرُ في المسجد، لِمَا في ذلك مِن ذريعة عظيمة للشرك، وللنهي الوارد عن ذلك في أحاديث كثيرة. انتهى.


    المسألة السادسة عشر


    زيد: هل وجود القبر ضِمْن مقصورة موجودة داخل المسجد يُزِيلُ المحذورَ؟.
    عمرو: لا.

    زيد: مَن سَبَقَكَ بهذا القول؟.
    عمرو: يقول الشيخ الألباني في كتابه تحذير الساجد: ومِن ذلك تَعْلَمُ أن قولَ بعضهم "إن الصلاة في المسجد الذي به قبر كمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد بني أمية لا يقال إنها صلاة في الجبانة، فالقبر ضِمْن مقصورة مُستَقِلٌّ بنفسه عن المسجد، فما المانع مِن الصلاة فيه "فهذا قولٌ لم يَصْدُر عن عِلْمٍ وفِقْهٍ. انتهى.
    ويقول الشيخ الألباني أيضا في كتابه تحذير الساجد: واعلم أنه لا يُجْدِي في رَفْع المخالفة أن القبر في المسجد ضِمن مقصورة. انتهى.


    المسألة السابعة عشر


    زيد: هل وجودُ القبر في ساحة المسجد الخَلْفِيَّة يَمْنَعُ مِن الصلاة في المسجد؟.
    عمرو: نعم... وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالكريم الخضير، سُئِلَ الشيخُ: مسجد به قبر في حجرة خارِج صَحْنِ المسجد، ما حُكم الصلاة فيه؟. فأجاب الشيخُ: إذا كان القبرُ داخل سُورِ المسجد فالصلاةُ لا تَصِحُّ. انتهى.
    وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سُئِلَ: هل تجوز الصلاة في مسجد فيه قبرٌ خارِج المسجد لكنه في داخِل السُّور؟.
    فأجاب الشيخ: المساجد التي تُبْنَى على القبور لا يُصلَّى فيها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم "لَعَنَ اللهُ اليهودَ والنصارى اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد"، فإذا كانت القبورُ في داخل السُّورِ لا يُصَلَّى فيها، أمَّا إذا كان خارِجًا في الأرض الخارجِيَّة عن يمينه أو شماله أو أمامه ما يَضُرُّ، لكن إذا كانت في داخِله لا يُصَلَّى فيه، هذا مِن عَمَلِ اليهود والنصارى. انتهى.


    المسألة الثامنة عشر


    زيد: ما هو حُكْمُ الصلاة في مسجد بُنِيَ بين المقابر أو بجوارها؟.
    عمرو: قال الشيخ صالح الفوزان في الملخص الفقهي: وكُلُّ ما دَخَل في اسمِ المقبرةِ ممَّا حَوْلَ القبور لا يُصلَّى فيه، لأن النَّهْيَ يَشْمَلُ المقبرةَ وفناءَها الذي حَوْلَها. انتهى.ونَقَلَ الشيخُ الألباني في تحذير الساجد عن ابن تيمية قَوْلَه "والمقبرةُ كلُّ ما قُبِرَ فيه، لا أنه جَمْعُ قَبْر، وقال أصحابُنا وكُلُّ ما دَخلَ في اسم المقبرة ممَّا حَوْلَ القبور لا يُصَلَّى فيه، فهذا يُعَيِّنُ أن المَنْعَ يكون مُتناوِلا لِحُرْمةِ القبر المنفرد وفنائه المُضاف إليه". انتهى.
    وجاء في مجلة البحوث الإسلامية التابعة للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في هذا الرابط:الصواب أن كلَّ ما دَخَلَ في اسم المقبرة مِمَّا حولَ القبر الواحد أو القبور الكثيرة، لا تجوز الصلاةُ فيه، على حَدٍّ سواء. انتهى.
    وجاء في كتاب المنتقى مِن فتاوى الشيخ صالح الفوزان، أن الشيخ سُئِلَ: في بلدتنا مسجدٌ يُصَلِّي به الناسُ، ولكن يوجد أمامَه مِن جهة اليسار قليلاً وعلى بُعْدِ مِتْرَين غُرْفَةٌ بها قبر، وكذلك أمامه مِن ناحية القِبلة مباشرة وعلى بُعْدِ عشرة أمتار توجد مقابر، فهل يَصِحُّ الصلاةُ في هذا المسجد ما دامت المقابر خارِجًا وليست منه؟ أم لا تَصِحُّ بأيِّ حالٍ مادامت محيطة به؟. فأجاب الشيخ: إذا كانت المقابرُ مفصولةً عن المسجد بشارع أو بِسُورٍ ولم يُبْنَ هذا المسجدُ مِن أجل المقابر فلا بأس أن يكون المسجدُ قريبا مِن المقبرة إذا لم يوجد مكانٌ بَعِيدٌ عنها، أما إذا كان وَضْعُ المسجد عند القبور مقصودا ظنًّا أن في ذلك بَرَكة، أو أن ذلك أفضلُ، فهذا لا يجوز، لأنه مِن وسائل الشرك. انتهى.
    وجاء أيضا في كتاب المنتقى مِن فتاوى الشيخ صالح الفوزان، أن الشيخ سُئِلَ: يوجد في قريتنا مسجدٌ قديمٌ تُقامُ فيه صلاةُ الجمعة والجماعة، عِلْمًا بأن هذا المسجد يوجد في قِبْلَتِه مقبرةٌ قديمةٌ وحديثةٌ، كما أن هناك عِدَّةَ قبور مُلْتَصِقة في قِبلة هذا المسجد، فما هو الحُكْمُ في هذا؟. فأجاب الشيخ: إذا كانت القبورُ مفصولةً عن المسجد ولم يُبْنَ المسجدُ مِن أَجْلِها، وإنما بُنِيَ للصلاة فيه، والمقبرة في مكانٍ مُنْعَزلٍ عنه، لم يُقصَد وَضْعُ المقبرة عند المسجد، ولم يُقصَد وَضْعُ المسجد عند المقبرة، وإنما كلٌّ منهما وُضِعَ في مكانه مِن غير قَصْدِ ارتباط بعضهما ببعض، وبينهما فاصِلٌ فلا مانع مِن الصلاة في المسجد، لأن هذا المسجد لم يُقَمْ على قبور. انتهى باختصار.
    وجاء في أبحاث هيئة كبار العلماء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) على هذا الرابط:قال عبدالرحمن بن حسن رحمه الله: ولا تجوز الصلاةُ في مسجد بُنِيَ في مقبرة، سواء كان له حِيطانٌ تَحْجِزُ بينه وبين القبور، أو كان مكشوفا. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن عثيمين، سُئِلَ الشيخُ: يوجد بجوار المسجد مقابر، هل يجوز لنا الصلاةُ فيها، علماً بأن الفاصِلَ بين المقبرة جدارُ المسجد فقط وهو تجاه القبلة؟. فأجاب الشيخ: إذا كانت المقبرةُ عن يمين مستقبل القبلة أو عن يساره أو خلفه فلا بأس، إلا إذا كان المسجدُ قد بُنِيَ في المقبرة فإنه لا يجوز الصلاة فيه، بل يجب هَدْمُه وتَرْكُ أرضه يُدْفَن بها... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: وأما إذا كانت القبورُ في القِبلة فإن الأَمْرَ أَشَدُّ، ولولا جدار المسجد الذي يَحُولُ بين المسجد وبين القبور لَقُلْنا إن الصلاة لا تَصِحُّ بكلِّ حالٍ مِن الأحوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تُصَلُّوا إلى القبور". انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ: يوجد عندنا مسجدٌ صغيرٌ وهو قديمٌ، وهو مبنيٌّ على كُتْلَةٍ صغيرةٍ، وفي مَكانٍ مُهِمٍ بالنسبة للقرية، وبَعْدَ المسجد مباشرة وباتجاه القبلة توجد مقبرةٌ مُسَوَّرة بِطُولِ 8 متر وعَرْضِ 4 متر، هل الصلاةُ في هذا المسجد جائزةٌ، أم مِن الأفضل أن نُغَيِّرَ هذا المكانَ؟. فأجاب الشيخ: لا حَرَج، الصلاةُ فيها كافية ما دام المقبرة خارِج المسجد وبينها وبينه حاجزٌ، سُورٌ بينها وبينه، والمسجد له سُورٌ خارِج المقبرة فلا حَرَج، المقصود، المسجدُ الذي قُدَّامه المقبرةُ مَحْجُوزَةٌ ومُسَوَّرةٌ لا يَضُرُّ والحمد لله، الذي لا يجوز أن تكون القبورُ في المسجد، هذا هو المُنْكَرُ، أما كونها مقبرة خارجية عن المسجد ومحجوز عنها فلا يَضُرُّ ذلك. انتهى.
    وفي هذا الرابط قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): إن كانت إقامةُ المساجد حَوْلَ المقابر مِن أَجْلِ تعظيم القبور فلا تجوز الصلاةُ فيها، ويجب هَدْمُها. انتهى.
    وفي هذا الرابط سُئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: لدينا مسجدٌ مُحاطٌ بالقبور، علماً بأن المسجد والمقبرة ليس لهما تاريخٌ محدَّدٌ يُبَيِّنُ بدايتَهما، فما الحُكْمُ الشرعيُّ للصلاة في هذا المسجد؟. فأجاب مركز الفتوى: فلا تجوز الصلاةُ في المقبرة ولا تَصِحُّ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، رواه مسلم، وقوله "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام"، رواه أصحاب السنن إلا النسائي، وقد نَصَّ فقهاءُ الحنابلة على أن المسجد إذا بُنِيَ داخل المقبرة وحَدَثَ بَعْدَها فحُكْمُه حُكْمُ المقبرة لا تَصِحُّ الصلاةُ فيه إلا صلاة الجِنازة، أما إن حَدَثَت المقبرة حَوْلَ المسجد، فتَصِحّ الصلاةُ مع الكراهة، وإن وُضِعا معاً لم تَصِحّ فيه الصلاةُ تَغلِيباً لجانب الحَظْرِ، وحيث إنه لا يُعْلَمُ أَيُّهما السابق، فإننا نَنَصَحُ الأخ السائل بِتَجَنُّبِ الصلاة في هذا المسجد إلا صلاة الجِنازة. انتهى باختصار. قلت: سيأتي قريبا كلامٌ للشيخ فركوس مَفادُه عدم جواز صلاة الجِنازة في مسجد بُنِيَ داخل مقبرة؛ وذلك هو الصواب.


    المسألة التاسعة عشر


    زيد: ما هي المواضع التي تُصَلَّى فيها صلاةُ الجنازة؟.
    عمرو: المواضع هي كما يلي:
    (1)الصلاة خارِج المسجد: في هذا الرابط على موقع الشيخ فركوس، يقول الشيخُ: فالغالِبُ على هَدْيِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صلاة الجنازةِ إيقاعُه لها في مَوْضِعٍ خارجٍ عنِ المسجد مُعَدٍّ للصلاة على الجنائز، وهو المعروفُ ﺑ (مُصَلَّى الجنائز)، وقد كان لاصِقًا بمسجد النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنْ جِهَةِ الشرق، ويَشهدُ لذلك جُملةٌ مِن الأحاديث الصحيحةِ المُثْبِتَةِ لذلك، ولا يَخْفَى أنَّ هَدْيَه صلَّى الله عليه وسلَّم هو الأفضلُ. انتهى.
    (2)الصلاة داخل المسجد: في هذا الرابط على موقع الشيخ فركوس، يقول الشيخُ بَعْدَ أن بَيَّنَ أن الأفضل أداءُ صلاة الجنازة خارج المسجد: لكنَّ هذه الأفضليةَ لا تَمنعُ مِن مشروعية الصلاةِ على الجنازة داخِلَ المسجد لِمَا رواهُ مسلمٌ وغيرُه أنَّ عائشة رضي الله عنها قالَتْ "وَاللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ"... ثم قال -أَي الشيخ فركوس- وممَّا يُقَوِّي المشروعيةَ صلاةُ عُمَرَ بْنِ الخطَّابِ رضي الله عنه على أبي بكرٍ رضي الله عنه في المسجد، وصلاةُ صُهَيْبٍ على عمرَ رضي الله عنه في المسجد أيضًا. انتهى.
    (3)الصلاة على قبر الميت: وصُورَتُها أن يَموتَ شخصٌ ولم تَتمكَّن مِن الصلاة عليه مع الجماعة، فيجوز أن تُصلِّي عليه بعدَ دَفْنِه جاعِلا القبر بينك وبين القِبلة، مِثْل ما يُصَلِّي إمامُ الصلاة صلاةَ الجنازة -قَبْلَ دَفْنِ الميت- جاعلا نَعْش الميت بينه وبين القبلة، ودليلُ ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة "أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ -أي يُنَظِّف- الْمَسْجِدَ فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَقَالُوا مَاتَ، قَالَ أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ -يعني أعلمتموني بموته-، دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا، فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا"؛ ويَدُلُّ على ذلك أيضا مارواه البخاري في صحيحه "حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ -أي قبر منفرد عن القبور- فَأَمَّهُمْ وَصَلَّوْا خَلْفَهُ، قُلْتُ مَنْ حَدَّثَكَ هَذَا يَا أَبَا عَمْرٍو؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا"، قال ابن حجر في فتح الباري: القائلُ هو الشَّيْبَانِيُّ والمَقُولُ له هو الشَّعْبِيُّ. انتهى.


    المسألة العشرون


    زيد: ما المُرادُ بقولهم "إعمالُ الدليلَين أَوْلَى مِن إهمال أحدهما ما أَمْكَن"؟.
    عمرو: المُراد هو أنه إذا عَرَضَ للمُجْتَهِدِ دليلان، وكان ظاهِرُهما يُوهِمُ أنهما مُتعارِضان، فيكون على المُجْتَهِدِ الجَمْعُ بينهما ما أَمْكَن، لأن ذلك أَوْلَى مِن إعمال أحدهما وإهمال الآخر. قال الإمام القرافي: وإذا تَعارَضَ دليلان، فالعملُ بكُلِّ واحدٍ منهما مِن وجهٍ أَوْلَى مِن العمل بأحدهما دُون الآخر. انتهى من شرح تنقيح الفصول. وقال الشيخ وليد السعيدان: إذا تعارَضَ دليلان فَلَنا في إزالة ذلك التَّعارُض ثلاثُ طُرُقٍ، الأُولى أن نَجْمَع بينهما بتخصيص العموم أو تقييد المُطْلَق، وهكذا إن أَمْكَن ذلك، فإن لم يُمْكِن ذلك فنَنْتَقِل إلى الحالة الثانية وهي النَّسْخُ، فنَبْحَث عن المتأخِّر ونَجْعَله ناسِخاً للمَتقدِّم، فإن لم يُمْكِن ذلك فَنُرَجِّح بين الدليلين، وإلا فالتوقُّف. انتهى مِن تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية. وقال الشيخ وليد السعيدان أيضا: فإن المُسلِمَ يَجِبُ عليه وُجُوبَ عَيْنٍ أن يُعَظِّمَ النَّصَّ في قلبه، وأن يَعْرِفَ له قَدْرَه وأن يُنْزِلَه مَنْزِلَتَه، وأن يَحْفَظَه مِن عَبَثِ العابِثين وانْتِحال المُبْطِلِين وكَيْدِ المُعْتَدِين، وأن يَفْدِيه بِرُوحِه ومالِه، وأن يَجْعَلَ له في قلبه هَيْبةً واحتراماً، فلا يَقْرَبَنَّه بِرَدٍّ أو تحريفٍ أو زيادةٍ أو نَقْصٍ أو تغييرٍ أو تبديلٍ أو إلغاءٍ، بل يَجْعَله الأَصْلَ الذي يَجِبُ إتِّباعُه والمِيزانَ الذي يَزِنُ به كلَّ الأقوال والأعمال، فإن تعظيمَ الدليل مِن تعظيم االله جَلَّ وعلا، فالأدِلَّةُ حَقٌّ كُلُّها وخَيْرٌ كُلُّها وصِدْقٌ كُلُّها وعَدْلٌ كُلُّها وَبِرٌّ كُلُّها في مَنْطُوقِها ومَفْهُومِها ولَوازِمها، والواجبُ فيها الاعتمادُ والانقيادُ والاتِّباعُ والقبولُ، والإعمالُ لا الإهْمال، وعلى ذلك مَضَى عصرُ القُرون المُفضَّلة، وإنَّ مِن المسائل الكِبَار التي يَتحقَّقُ بها تعظيمُ الدليل هو ما نحن بصدده مِن وُجُوبِ الجَمْعِ بين الأَدِلَّة، فإن هناك أدِلَّةً ظاهِرها التَّعارُض وهي في حقيقتها ليست كذلك، فيحاول البعضُ أن يؤلِّف بينها فلا يستطيع فيَتَجَرَّأ على القول بالنسخ الذي مَفادُه إطْراحُ شَيْءٍ مِن النصوص وإلغاءُ العمل به، وهذا لا يَجُوزُ لأن المُتقرِّر عند جميع أهل العلم أن "إعمال الكلام أَوْلَى مِن إهماله"، فإذا كان هذا في كلامِ المَخلوقِين فيما بينهم فكيف بكلامِ االلهِ جل وعلا أو كلامِ رسوِله صلى الله عليه وسلم، فالذي نَعتقِدُه ونَدِينُ اللهَ تعالى به هو أنه لا يَجُوزُ إهمالُ شيء مِن النصوص مادام إعْماله مُمْكِناً، والواجبُ علينا أن نَستَفْرِغَ الجُهْدَ والطاقةَ في التأليف بالجَمْعِ بين الأدلَّةِ التي في ظاهرِها شيءٌ مِن التعارُض... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: والمقصود هنا أن الجَمْعَ هو المُتَعَيِّنُ عند وجود ما يُوهِمُ التعارُضَ، فمَتَى ما أَمْكَن الجَمْعُ فإنه يَجبُ القولُ به ولا يجوز اعتمادُ غيره، فإن أعْياك الجَمْعُ بينهما إعْياءً حقيقيّا فانتَقِلْ إلى الطريقة الثانية وهي النَّسْخ، فتَنْظُر المُتقدِّمَ منهما مِن المتأخِّر، وتَجْعَل المتأخِّرَ ناسِخاً للمُتقدِّم... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: وقدَّمْنا الجَمْعَ على النسخِ، لأن الجمعَ فيه إعمالٌ للدليلَين جميعاً في وقتٍ واحد، وأما النسخ فإنه وإن كان إعمالاً لكُلِّ الدليلَين لكن في وَقْتَين مُختلِفَين، فالدليلُ المنسوخُ يُعمَلُ به قَبْلَ النسخِ، والدليلُ الناسِخُ يُعملُ به بعد النسخِ، ولا شكَّ أن العملَ بكلا الدليلَين في وَقْتٍ واحدٍ أَوْلَى مِن العملِ بأحدهما في وَقْتٍ وإبطالِه في وَقْتٍ آخَر، فإن أعْياكَ النسخُ إعياءً حقيقيّا فانتَقِلْ بَعْدَه إلى الطريقة الثالثة، وهي طريقة الترجيح بين الدليلَين، فيُنْظَر في إسنادهما ومَتْنِهما، ويُقارَن بينهما ويُوزَنا بميزان المُرَجِّحات المذكورة في كُتُبِ الأصول، وهي مُرَجِّحات إما بالنَّظَرِ إلى إسْنادِ كُلٍّ منهما، وإمَّا بالنَّظَرِ لِمَتْنِ كُلٍّ منهما، فإذا تَرَجَّحَ أحدُ الدليلَين فإنه يَجِبُ العملُ به، وأمَّا الدليل المرجوح فإنه يُلغَى إلغاءً تامّا، أي يكون وُجُودُه كعَدَمِه، فلا يُلتفَت إليه أبداً، وبه تَعْلَمُ أن النسخ طريقة أقْوَى مِن الترجيح، لأن الترجيح فيه إبطالٌ لأحد الدليلَين إبطالاً تامّا، وأما النسخ فإن فيه إبطالاً للحُكْمِ المنسوخِ بعد النسخ فقط، وأمَّا قَبْلَ النسخ فقد كان دليلاً صحيحاً مقبولاً معتمَداً يُعمَلُ به ويُتَعَبَّدُ اللهُ جل وعلا بمُقتضاه، ولذلك فإن النسخ مُقدَّمٌ على الترجيح، وسَبَبُ التقديم هو أن في النسخ إعمالاً للدليلَين لكن في وَقْتَين مختلفَين، والأحقُّ في التقديم هو ما تَحقَّقَ فيه إعمالُ الدليلين جميعاً، فإن أعْياكَ الترجيحُ إعْياءً حقيقيّا فانْتَقِل بَعْدَه إلى التوقُّف، وعَدَمِ البَتِّ في هذا الأمْرِ وقَوْلِ "لا أَعَلَمُ" حتى يَتَبَيَّن لك الأمْرُ في وقتٍ آخر. انتهى بتصرف مِن (رسالة في وجوب الجمع بين الأدلة). وقال عبدالوهاب خلاف في (علم أصول الفقه): وممَّا ينبغي التَّنْبِيه له أنه لا يوجد تعارُضٌ حقيقيُّ بين آيَتَيْن أو بين حَدِيثَيْن صحيحَيْن أو بين آية وحديث صحيح، وإذا بَدا تعارُضٌ بين نَصَّيْن مِن هذه النصوص، فإنما هو تَعارُض ظاهِرِيّ فقط بحسب ما يَبْدُو لعقولنا، وليس بتعارُضٍ حقيقيٍّ، لأن الشارع الواحد الحكيم لا يُمْكِن أن يَصْدُر عنه دليلٌ آخر يَقتضي في الواقعة نفسها حُكْماً خِلافَه في الوقت الواحد، فإن وُجِد نَصَّان ظاهِرُهما التعارُضُ وَجَبَ الاجتهادُ في صَرْفِهما عن هذا الظاهِر، والوقوفُ على حقيقة المُراد منهما، تَنْزِيهاً للشارع العليم الحكيم عن التناقُض في تشريعه، فإن أَمْكَنَ إزالَةُ التعارُض الظاهِريّ بين النصَّيْن بالجَمْع والتوفيق بينهما، جُمِع بينهما وعُمِل بهما، وكان هذا بَياناً، لأنه لا تعارُض في الحقيقة بينهما. انتهى. ويقول ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام: إذا تعارَضَ الحديثان، أو الآيتان، أو الآية والحديث، فيما يَظنُّ مَن لا يَعْلَم، فَفَرْضٌ على كُلِّ مُسلِمٍ استعمالُ كلِّ ذلك، لأنه ليس بَعْض ذلك أَوْلَى بالاستعمال مِن بَعْض، ولا حديث بأوجب مِن حديث آخر مثله، ولا آية أَوْلَى بالطاعة لها مِن آية أخرى مثلها، وكلٌّ مِن عند الله عز وجل، وكلٌّ سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فَرْق. انتهى. وقال النووي في شرح مسلم: المختلف قسمان، أحدهما يُمْكِنُ الجَمْعُ بينهما، فيَتعيَّن ويجب العملُ بالحديثين جميعا، ومهما أَمْكَنَ حَمْلُ كلام الشارِع على وَجْهٍ يكون أَعَمَّ للفائدة تَعيَّنَ المَصيرُ إليه، ولا يُصارُ إلى النسخ مع إمِكانِ الجَمْع، لأن في النسخ إخراج أحد الحديثَيْن عن كونِه ممَّا يُعمَلُ به... ثم قال -أي النووي-: القسم الثاني أن يَتَضَادَّا بحيث لا يُمْكِنُ الجَمْعُ بِوَجْهٍ، فإن عَلِمْنا أحَدَهما ناسخا قَدَّمناه، وإلا عَمِلْنا بالراجح منهما، كالترجيح بكثرة الرواة وصفاتهم وسائر وجوه الترجيح. انتهى. قلت: وخلاصة كلام النووي أنه إن تَعَذَّرَ الجَمْعُ بين النصَّيْن الشرعِيَّيْن بِوَجْهٍ مِن أَوْجُه الجَمْعِ المعروفة عند الأصوليين، فيُؤخَذ بالمتأخِّر منهما عندئذ، ويكون هذا المتأخِّرُ ناسخاً للمُتقدِّم، وإن لم يُعلَم المتقدِّمُ منهما والمتأخِّرُ، فيُرَجَّح بينهما بوجوه الترجيح المعروفة عند الأصوليين. وقال الشيخ أحمد الحازمي عند شرح قول العلامة صفي الدين البغدادي الحنبلي "فإن تعارَضَ عُمُومان وأَمْكَنَ الجَمَعُ بتقديم الأَخَصّ أو تأويلِ المحتمَل فهو أَوْلَى مِن إلغائهما، وإلا فأحدهما ناسخ إن عُلِمَ تَأَخُّرُه، وإلا تَساقَطا": تَعارُضُ العُمُومَيْن، تَعارَضَ العُمُومان، فإن تَعارَضَ عُمُومان، التَعارُضُ هو التقابُل والتمانُع، وعند الأصوليين أن يتقابَل دليلان يُخالِف أحدُهما الآخر، قال "فإن تعارَضَ عمومان وأَمْكَن الجَمْعُ" لأن الأصْلَ في تَعارُضِ الأدِلَّة ماذا؟ القاعدةُ العامَّةُ إعمالُ الدليلَيْن أَوْلَى مِن إهمال أحدهما، هذا مُتَّفَقٌ عليه، إعمال الدليلَيْن أَوْلَى مِن إهمال أحدهما، فإذا جاء عُمُومان مُتعارِضان نقول الأَوْلَى أن نَجمَعَ بينهما ولا نُسقِط أحدَهما، لأن إلغاءَ أحدهما إلغاءٌ لبعض الشَّرْع، حينئذ نقول نَجمَع بينهما، فإن أَمْكَنَ الجَمْعُ بتقديم الأَخَصّ بأن يكون أحدُهما عامّا مِن وجهٍ خاصّا مِن وجهٍ قُدِّم الأَخَصُّ على الأَعَمِّ. انتهى بتصرف من شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول. ويقول الشيخ عبدالله الفوزان في تيسير الوصول إلى قواعد الأصول ومعاقد الفصول: والتعارُض مِن أهَمِّ المباحث في أصول الفقه، لأنه يَقَعُ في جميع الأَدِلَّةِ الشرعية، ولا يُمْكِنُ إثباتُ الحُكْم إلا بإزالَةِ التَّعارُض. انتهى. وقال العلامَّةُ الشنقيطي في أضواء البيان: والمُقرَّر في عِلْمِ الأصول وعِلْمِ الحديث أنه إذا أَمْكَنَ الجَمْعُ بين الحديثَيْن وَجَبَ الجَمْعُ بينهما إجماعا، ولا يُرَدُّ غيرُ الأقوى منهما بالأقوى، لأنهما صادِقان، وليسا بمُتعارضَيْن، وإنما أجمعَ أهلُ العلم على وجوب الجَمْع بين الدليلَيْن إن أَمْكَنَ، لأن إعمال الدليلَيْن معا أَوْلَى مِن إلغاء أحدهما كما لا يَخْفَى. انتهى. ويقول الشيخ الألباني في هذا الرابط على موقعه ردًّا على مخالِفيه القائلين بمشروعية صيام يوم السبت إذا وافَقَ يومَ عَرَفَة: نحن عَمِلْنا بحديثَيْن، حديث فيه فضيلةٌ وحديث فيه نَهْيٌ، هم عَمِلُوا بحديث فيه فضيلةٌ وأعرضوا عن الحديث الذي فيه نَهْيٌ، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين. انتهى.
    وهناك قاعدةٌ تُشْبُه القاعدةَ التي نحن بصددها، وهي قاعدة (إعمال الكلام أَوْلَى مِن إهماله)، وقد جاء في شرح هذه القاعدة في هذا الرابط على موقع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد: يَعنِي أنه لا يَجوزُ إهمالُ الكلام، واعتبارُه بدون مَعْنَى، ما أَمْكَنَ حَمْلُه على مَعْنى حقيقي له أو مَعْنى مَجازي، لأنه لمَّا كان إهمالُ الكلام إنما هو اعتبارُه لَغْوا وعَبَثا، والعقل والدِّين يَمْنَعان المَرْءَ مِن أن يَتكلَّم بما لا فائدة فيه، فَحَمْلُ كلام العاقِل على الصِّحَّة واجبٌ، هذا وبما أن الأصْلَ في الكلام الحقيقةُ فما لم يَتَعَذَّر حَمْلُ الكلام على معناه الحقيقي لا يُحمَل على المَجازي، لأن هذا خَلَفٌ لذاك، والخَلَفُ لا يُزاحِم الأصْلَ، على أنه سواء حُمِل الكلامُ على المعنى الحقيقي أم حُمِل على المعنى المجازي له فهو إعمالٌ للكلام، إلا أن اللفظ المراد إعمالُه إذا كان مما يَحتَمِلُ التأكيدَ والتأسيسَ فَحَمْلُه على التأسيس أَوْلَى، لأن التأسيسَ أَوْلَى مِن التأكيد، وبعبارة أخرى الإفادة أَوْلَى مِن الإعادة، ولأنه لمَّا كان اللفظُ في الأصل إنما وُضِع لإفادة معنى غير المعنى الذي يُستفاد مِن غيره، فَحَمْلُه على التأكيد دون التأسيس إهمالٌ لِوَضْعِه الأصليِّ، التأكيدُ هو اللفظُ الذي يُقصَدُ به تقريرُ وتقويةُ مَعْنى لفْظٍ سابق له، ويقال له "إعادة أيضا"، التأسيس هو اللفظ الذي يُفيدُ مَعْنى لم يُفِده اللفظُ السابق له، ويقال له "إفادة" أيضا. انتهى. وقال الشيخ محمد بن سعد العصيمي في هذا الربط على مدونته: فإذا طلَّق مرَّتَيْن، وشَكَّ في الثانية هل هي تأكيد للأُولى، أو تأسيس طلقة أخرى، فتُعتبَرُ على رَأْيِ الجمهور اثنتان، أما إذا تيقَّنَ أن الثانية للتأسيس فهي اثنتان، وإذا تيقَّن أنها للتأكيد فهي واحدة. انتهى. وقال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان: قوله تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ"، اِعلمْ أن الضميرَ المحذوفَ الذي هو فاعِلُ عَلِمَ قال بعضُ أهلِ العلم إنه راجع إلى الله في قوله "ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات"، وعلى هذا فالمعنى كُلٌّ مِن المسبِّحين والمصلِّين قد عَلِمَ اللهُ صلاتَه وتسبيحَه، وقال بعضُ أهلِ العلم إن الضميرَ المذكورَ راجِعٌ إلى قوله كُلٌّ، أي كُلٌّ مِن المصلِّين والمسبِّحِين قد عَلِمَ صلاةَ نَفْسِه وتسبيحَ نَفْسِه، وقد قدَّمْنا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى "مَن عَمِل صالحا مِن ذكر أو أنثى وهو مؤمن" كلامَ الأصوليين في أن اللفظ إن احْتَمَلَ التوكيدَ والتأسيسَ حُمِلَ على التأسيس، وبَيَّنَّا أمثلةً متعددةً لذلك مِن القرآن العظيم، وإذا عَلِمْتَ ذلك، فاعْلَم أن الأَظْهَرَ على مُقتضَى ما ذكرنا عن الأصوليين، أن يكون ضميرُ الفاعل المحذوف في قوله "كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ" راجعا إلى قوله كُلٌّ، أي كُلٌّ مِن المصلِّين قد عَلِمَ صلاةَ نَفْسِه وكُلٌّ مِن المسبِّحين قدعَلِمَ تسبيحَ نَفْسِه، وعلى هذا القول فقوله تعالى "والله عليم بما يفعلون" تأسيسٌ لا تأكيدٌ، أمَّا على القول بأن الضمير راجع إلى الله، أي قد عَلِمَ الله صلاتَه، يكون قوله "وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ" كالتكرار مع ذلك، فيكون مِن قبيل التوكيد اللفظي، وقد عَلِمْتَ أن المقرَّر في الأصول أن الحَمْلَ على التأسيس أرجحُ مِن الحَمْلِ على التوكيد، كما تَقَدَّم إيضاحُه، والظاهِرُ أن الطَّيْرَ تُسبِّحُ وتصلِّي صلاةً وتسبيحا يَعْلَمُهما اللهُ، ونحن لا نَعْلَمُهما، كما قال تعالى "وإن مِن شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم". انتهى.

    المسألة الحادية والعشرون


    زيد: هل يجوز أن تُصَلَّى صلاةُ الجنازة في المقبرة؟.
    عمرو: لا يجوز... ففي هذا الرابط على موقع الشيخ فركوس، يقول الشيخُ: أمَّا المقبرةُ فليسَتْ موضعًا للصلاة فيها، ولا تجوز الصلاةُ فيها ولا إليها للأحاديثِ الناهية عن ذلك، منها حديثُ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه قال (قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ")، وحديثُ أنسٍ رضي الله عنه قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْقُبُورِ)، وحديثُ أبي مَرْثَدٍ الغَنَويِّ رضي الله عنه قال (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "لَا تُصَلُّوا إِلَى القُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا")، ومنها حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه قال (قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ")، ويتضمَّنُ هذا العمومُ صلاةَ الجنازة، مع أنه قد وَرَدَ التصريحُ بالنهي عن الصلاة فيها في حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى عَلَى الجَنَائِزِ بَيْنَ القُبُورِ)، هذه الأحاديثُ يَشْمَلُ عمومُ النهي فيها جِنْسَ الصلاة، سواءٌ كان فرضًا (أداءً كانَتْ أو قضاءً)، أو نفلًا (مطلقًا كان أو مُقيَّدًا)، كما تعمُّ الصلاةَ على الميِّتِ، سواءٌ كانَتْ على الجنازة أو في قبره... لكِنْ لَمَّا وَرَدَ حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال (مَاتَ إِنْسَانٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَمَاتَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي؟ قَالُوا كَانَ اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا -وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ- أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ، فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ)؛ وفي حديثِ مسلمٍ (انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَبْرٍ رَطْبٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَصَفُّوا خَلْفَهُ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا")؛ ومِثْلُه عنِ المرأة السوداء التي كانَتْ تلتقط الخِرَقَ والعيدانَ مِن المسجد، الثابِت مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ فقَدْ خُصَّ مِن عمومِ نهيِه عن الصلاة في المقبرة صورةُ الصلاةِ على الميِّت في قبره بهذه الأدلَّة، وبَقِيَ عُمومُ النَّهْيِ شاملًا للصلاة على الجنازة وغيرِها، أيْ بَقاءُ النَّهْي -مِن حيث عُمومُه- مُتَناوِلًا ما عَدَا صورةَ التخصيصِ، وبهذا الجَمْعِ التوفيقيِّ بين الأَدِلَّةِ يَزُولُ الإشكالُ وتَرْتَفِعُ الشُّبهةُ، ويُعْمَلُ بكُلِّ دليلٍ في مَوضعِه، تحقيقًا لقاعدةِ (الإِعْمَالُ أَوْلَى مِنَ الإِهْمَالِ). انتهى.


    المسألة الثانية والعشرون


    زيد: هل يجوز أن تُصَلَّى صلاةُ الجنازة في مسجد بداخله قبر؟.
    عمرو: لا يجوز... وفي هذا الرابط على موقع الشيخ الألباني، سُئِلَ الشيخُ: بالنسبة للنَّهْيِ عن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر، هَلْ ذلك يَشملُ أيضاً النَّهْيَ عن صلاة الجنازة في ذلك المسجد؟. فأجاب الشيخ: ألَيستْ صلاةً! لا تُصلَّي أيُّ صلاةٍ في مسجد فيه قبر لِنَهْيِ الرسول عليه السلام عن ذلك في أحاديث متواترة كنا قد جمعناها أو جمعنا ما تيسر لنا يومئذ في كتاب تحذير الساجد عن اتخاذ القبور مساجد. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مُقبِل الوادِعِي، سُئِلَ الشيخُ: لدينا مسجدٌ فيه قبرٌ وقد هَجَرْناه ولله الحمد، ولكنه في بلادنا إذا تُوُفِّيَ شخصٌ لا يُصَلُّون عليه إلا في هذا المسجد، ونُحْرَمُ نحن مِن الصلاة عليه، فهل نحن مأجورون بتَرْكِ ذلك واتباع الجنازة فقط، أم نُصلِّي عليه في المقبرة بعدَ الدَّفْنِ. فأجاب الشيخ: لا يُصلَّى في المسجد الذي فيه قبرٌ، ويُصَلَّى في المقبرة كما فَعَلَ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، صَلَّى على المرأة التي كانت تَقُمُّ -أَيْ تُنَظِّف- المسجدَ وعلى غيرها. انتهى.

    (تابع ما بعده)


  5. افتراضي

    (تابع ما قبله)


    المسألة الثالثة والعشرون


    زيد: هل طالَبَ أحدٌ مِن العلماء المُتأخِّرِين صَرَاحَةً بإرجاع المسجد النبوي إلى ما كان عليه في عهد الصحابة مِن جهة القبر؟.
    عمرو: نعم... الشيخان الألباني ومُقْبِل الوادِعِي طالَبا بذلك صَرَاحَةً، وكُلٌّ منهما ليس سُعُودِيّا، وهو ما يُثِيرُ الشُّكُوكَ لَدَى البعض أن عُلَماءَ السُّنَّةِ السُّعُودِيِّين ممنوعون مِن أن يُطالِبوا بذلك عَلَنا.
    فيقول الشيخُ الألباني في كتابه تحذير الساجد: وقد كنتُ قلتُ منذ ثلاث سنوات في كتابي "أحكام الجنائز وبدعها": فالواجب الرجوع بالمسجد النبوي إلى عهده السابق، وذلك بالفَصْل بينه وبين القبر النبوي بحائط يمتد مِن الشمال إلى الجنوب، بحيث أن الداخلَ إلى المسجد لا يَرَى فيه أي مخالفة لا ترضى مؤسسه صلى الله عليه وسلم، أعتقد أن هذا من الواجب على الدولة السعودية إذا كانت تُرِيد أن تكون حاميةَ التوحيد حقا، وقد سَمِعنا أنها أَمَرَتْ بتوسيع المسجد مُجدَّدا فَلَعَلَّها تَتَبَنَّى اقتراحنا هذا، وتَجعلُ الزيادةَ مِن الجهة الغربية وغيرها، وتَسِدَّ بذلك النقصَ الذي سيصيبه سَعَةُ المسجد إذا نُفِّذ الاقتراحُ، أرجو أن يُحقِّق اللهُ ذلك على يَدِها ومَن أَوْلَى بذلك منها؟ ولكن المسجد وُسِّعَ منذ سنتين تقريبا دون إرجاعه إلى ما كان عليه في عهد الصحابة والله المستعان. انتهى.
    وقال الشيخ مُقْبِل الوادِعِي في رياض الجنة: يجب على المسلمين إعادةُ المسجد النبوي كما كان في عصر النبوة من الجهة الشرقية حتى لا يكون القبرُ داخِلا في المسجد، وأنه يجب عليهم إزالةُ تلك القُبَّة التي أصْبَحَ كثيرٌ مِن القُبُوريِّين يَحتجُّون بها... ثم قال -أي الشيخ مُقْبِل-: وأخيرا أَنْصَحُ لعلماء الإسلام أن يُبَيِّنُوا للمجتمع الإسلامي ضَرَرَ البناء على القبور، وأن النَّفَقة التي تُصرَف في بناء القباب لا تعود على الإسلام، فإنها مُجْلِبةٌ للشركيات والبِدَعِ والخُرافات، وأن يُبَيِّنُوا لحُكَّام المسلمين أنه يجب عليهم هَدْمُ البناء على القبور مِن قباب وغيرها، فإن بَقاء ذلك مِن أَنْكَر المنكرات؛ وإني أُحَذِّرُكم مَعْشَرَ العلماء أن يَتَناوَلَكم قولُه تعالى "إن الذين يكتمون ما أنزلنا مِن البينات والهدى مِن بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم". انتهى.
    وجاء في كتاب إجابة السائل علي أهم المسائل للشيخ مُقْبِل الوادِعي أنه سُئل: قُبَّة على القبر، فهل تَصِحُّ الصلاة فيها أم لا؟.
    فأجاب الشيخ مُقْبِل: النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فيما رواه أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أَمَرَ عَلِيّ بن أبي طالب أن لا يَدَع قبراً مشرفاً إلا سواه، ولا صورة إلا طمسها، ففي سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأَمْرُ بتسوية القبور كما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أَمَرَ بتسوية القبور، وفي صحيح مسلم أيضاً مِن حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نَهَى أن يُبْنَى على القبر، وأن يُجصَّص، فالواجب هو إزالة القُبَّة مِن على القبر لِمَا سَمِعتُم مِن الأدلة، فإن قال قائل "ذاك مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه قبرُه وعلى القبر قُبَّة"، فالجواب هو ما قاله علامة اليمن محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله تعالى، يقول كما في تطهير الاعتقاد "إن هذه القُبَّة لم تَكُن على عهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ودخول القبر في المسجد إنَّما فَعَلَه أَحَدُ الأمويين -الظاهر أنه الوليد بن عبدالملك، وكان مُحِبّا لعمارة المساجد، فَوَسَّع المسجدَ- وأخطأ في هذا، خالَف سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أمَّا القُبَّة فلم يَبْنِها إلا أحدُ ملوك مِصْرَ الملك المنصور الملقب بقلاوون، وأنتم تَعرِفون أن الملوك لا يَتقيَّدون بكتاب ولا سُنَّة، بل يَعْمَلون ما استحسنوا"، قال الصنعاني بعد هذا "فالمسألة دولية لا دليلية"، وهكذا أشار إلى نحو هذا قَبْلَه شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه القيم اقتضاء الصراط المستقيم مخالَفة أصحاب الجحيم، وبحمد الله لنا رسالة حَوْلَ هذا بعنوان (حول القُبَّة المَبنيَّة على قبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، فتلكم القُبَّة التي هي على قبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتِلْكُم القُبَّة التي هي على قبر الهادي بصعدة، وتلك القُبَّة التي هي على قبر أبي طير بذيبين، وتلكم القُبَّة التي هي على قبر الحسين المقبور بريدة الواجبُ إزالتُها... ثم قال -أي الشيخ مُقْبِل-:إنه يجب إزالةُ هذه القُبَب والقبور وأَوَّلُها قُبَّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويَرجِعُ البَيْتُ والمسجدُ في الجهة الشرقية كما كان على عهد الصحابة رضوان الله عليهم، يرجع مثل حُجْرة عائشة، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قُبِر في حُجْرة عائشة، وهذه خصوصية فإن الأنبياء كما وَرَدَ مِن طُرُق بمجموعها تَصْلُح للحُجِّيَّة "الأنبياء يُقْبَرون في المواضع التي يموتون فيها"، هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بهذا المعنى، فقُبَّة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترجع كحُجْرة عائشة، والجهة الشرقية التي وُسِّعَتْ يجب أن تُزال، والجِهَة التي يَستقبِل النساءُ قبْرَ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومَوْضِع الأغوات يجب أيضاً أن تُزال وأن يُوسَّع مسجدُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مِن الجهة الغربية، يجب أن يَرْجِعَ بيتُ عائشة الذي كان لها وللنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يَرْجِع كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو بَيْتٌ صغيرٌ، ويًبْقَى قبرُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه حتى لا يُفْتَن الناسُ بِتِلْكم القُبَّة المُشَيَّدة، فقد قال حسين بن مهدي النُعْمِي -وهو من علماء اليمن- في كتابه القيم معارج الألباب الذي قامَ بتحقيقه أخونا في الله أحمد بن سعيد حفظه الله تعالى وهو منشور، يقول حسين بن مهدي النعمي بعدما استدلوا عليه بِقُبَّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "أفَبِعَيْن ما حاددتم اللهَ ورسولَه تَحتجُّون؟"، نِعْمَ مَا قال، معناه أنتم حاددتم اللهَ ورسولَه في بناء القُبَّة على قبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لم يَأمُر بها، ثم بعد ذلك تَجعلونَها حُجَّة، نِعْمَ مَا قال، والحمد لله. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مُقْبِل الوادِعي أنه سُئل: قبرُ النبي صلى الله عليه وسلم أَصْبَحَ داخِلَ المسجد النبوي، بمعنى أنه يُصلَّى عن يمينه وأمامَه وخَلْفَه، فما حُكم الصلاة خَلْفَ هذا القبر، وما نصيحتكم لمن بيده الأَمْرُ ويستطيع أن يُغَيِّر هذا الأَمْرَ؟.
    فكان مما أجاب به: النصيحة أن يُعاد المسجدُ مِن الجانب الشرقي والجانب اليمني والجانب الشمالي كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا أرادوا أن يُوَسِّعُوه فَليُوَسِّعُوه مِن الجانب الغربي. انتهى.


    المسألة الرابعة والعشرون


    زيد: هلْ أجَمَعَ علماءُ الأُمَّة على تحريم بناء المساجد على القبور؟.
    عمرو: نعم... يقول الإمام الشوكاني في كتابه شرح الصدور بتحريم رفع القبور: وقد حَكَى ابنُ القيم عن شيخه تقي الدين -رحمهما الله- وهو الإمام المحيط بمذهب سلف هذه الأمة وَخَلَفِه، أنه قد صَرَّحَ عامةُ الطوائف بالنَّهْي عن بناء المساجد على القبور، ثم قال "وصَرَّحَ أصحابُ أحمد ومالك والشافعي بتحريم ذلك، وطائفةٌ أَطْلَقَت الكراهيةَ، لكن ينبغي أن يُحْمَل على كراهة التحريم، إحسانا للظن بهم، وأن لا يُظن بهم أن يجوِّزوا ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَعْنُ فاعله والنَّهْى عنه" انتهى؛ فانظر كيف حَكَى التصريحَ عن عامَّة الطوائف، وذلك يَدُلُّ على أنه إجماع مِن أهل العلم على اختلاف طوائفهم، ثم بعد ذلك جَعَلَ أَهْلَ ثلاثة مذاهب مُصَرِّحِين بالتحريم، وجَعَلَ طائفةَ مُصَرِّحة بالكراهة وحَمَلَها على كراهة التحريم. انتهى كلام الشوكاني.


    المسألة الخامسة والعشرون


    زيد: مَن هُم القُبُوريِّون؟.
    عمرو: جاء في كتاب (موسوعة الملل والأديان) الذي أعده مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السقاف: المقابريون -أو القُبُوريِّون- هم أولئك الذين يُعظِّمون القبورَ والأضرحةَ، ويَبْنُون عليها القبابَ، ويتَّخِذونها مساجدَ وأعياد، ويَذبَحون عندها النذورَ والقرابين، ويَتَمسَّحون بها، زَعْما منهم أن الموتى يَنْفَعونهم أو يَضُرُّون، فيَدْعُونهم ويَرْجُونهم مع الله، ويَزعَمُون أن لهم قدرةً على تصريف الأقدار ومقاليد الكَوْن، وهذا شركٌ وضلالٌ مُبِين، فالقُبُورِيَّة مِن البِدَع الشِّركيّة التي تُرَوِّجها الطرقُ الصوفية، وأَوَّل مَن ابْتَدعَها ونَشرَها الرافضةُ وفِرَقُهم كالفاطميين والقرامطة. انتهى.
    ويقول الشيخ عبدالرحيم السلمي في شرح كتاب التوحيد: والقُبُوريِّون هم الذين يَعبُدون القبورَ، ويَعكُفُون عندها، ويُعَظِّمونها، ويَغْلُون فيها، وقد بَدَأَت القُبُورِيَّةُ في تاريخ الإنسانية منذ بداية الشِّرك، بل إن أَوَّلَ شِرْكٍ وقَع في حياة الإنسانية كان بسبب الغُلُوِّ في الصالحين، وتَعظِيم آثارهم، والعُكُوف على قبورهم، وهكذا اسْتَمَرَّ الشِّركُ في الإنسانية، وفي التاريخ البشري، وكان أبْرَزُ نَوعٍ مِن أنواع الشرك في حياة الناس هو التَّعبُّد لأصحاب القبور. انتهى.
    ويقول الشيخ ناصر العقل في شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية: لا يُمكِن أن يكون هناك رافِضِيٌّ بلا تَصَوُّف بمعناه المنهجي، بمعنى ما مِن رافضي إلا وهو مِن القُبُوريِّين، وليس هناك رافضيٌّ ليس مِن عُبَّاد المشاهد، وليس هناك رافضيٌّ ليس عنده بِدَعٌ في الأَوْراد، لا يُمكِن إلا في النادِر، والنادِر لا حُكْم له. انتهى.
    وقال الشيخ ابن جبرين في كتاب اعتقاد أهل السنة: أهل التوحيد الذين يستقبلون القِبْلةَ ويَتوجَّهون إليها ويَعتَرِفون بقبلة المسلمين، وكلُّ مَن كان مِن الأمة المحمدية الذين استجابوا لله تعالى لرسوله يُسَمَّوْنَ أَهْلَ القِبْلة، أي أنهم في صلاتهم وذبائحهم يَستقبِلون القِبْلةَ، وأنهم يَحِنِّون إلى القِبْلة ويذهبون إليها حُجَّاجاً وعُمَّاراً، فلذلك يُسَمَّوْنَ أَهْلَ القِبْلة، فهم يؤمنون بالله تعالى إلهاً وربّا وخالِقاً، ويَعبُدونه ولا يَعبُدون غيرَه، ولا يَصْرِفُون شيئاً مِن عبادتِه ولا مِن حقِّه لمخلوقٍ سواه، فهُم أهْلُ التوحيد، يقولون "لا إله إلا الله" ويَعمَلون بها، فلا يَدْخُلُ في ذلك الذين يَعبُدون القبورَ -ويُسَمَّوْنَ القُبُوريِّين- فإنهم ليسوا مِن أهْلِ التوحيد، لأنهم شابَهوا قومَ نُوح الذين عَبَدوا وَدّا وسُواعاً ويَغُوث ويَعُوق ونَسْراً، وشابَهوا قومَ إبراهيم الذين كانوا يَعبُدون التماثيلَ ويَعْكُفون لها، وكذلك الذين يَعبُدون الأشجارَ والأحجارَ، يَتَبَرَّكون بهذه الشجرة ويَعتقِدون فيها، أو يَتَبَرَّكون بهذا الغارِ أو بهذه الصخرة أو القُبَّة أو العَيْن أو ما أشْبَه ذلك، ويَعتقِدون أنها تَنْفَع وتَشْفَع وتَدْفَع وتُفِيدهم، فلِأَجْلِ ذلك يَتمسَّحون بها ويَعْكُفون عندها ويَأخذون تُرْبَتَها، وربَّما أيضاً دَعَوْهَا كدُعاء المُشرِكون الْعُزَّى، يا عُزَّى، يا عُزَّى، فمِثل هؤلاء ليسوا مِن أهْلِ القبلة ولو صَلُّوا وصاموا، وليسوا مِن أهْلِ التوحيد، فلا يَدْخُلون في هذا الباب، إنما الكلام في المسلمين مِن أهْلِ التوحيد ومِن أهْلِ القبلة وارْتَكَبوا الكبائرَ. انتهى.


    المسألة السادسة والعشرون


    زيد: لو تَجاوَزْنا مسألةَ وجود قبرٍ في مسجد، فإنه مِن المعروف أن أَئِمَّةَ المساجد التي بِداخِلها قبورٌ هُم مِن القُبُوريِّين؛ فَهَلْ تَصِحُّ الصلاةُ خَلْفَ قُبُورِيٍّ؟.
    عمرو: قال الشيخ ابن جبرين في كتاب اعتقاد أهل السنة: فإذا عَرَفْتَ -مثلاً- أنَّ هذا الخَطيبَ أو أن هذا الإمامَ مُشْرِكٌ يَعبُدُ أهْلَ البيت، عَلِيّا أو ذُرِّيَّتَه كالرافِضة، أو يَعبُدُ عَبْدَالقادِر، أو ابْنَ علوان، أو البدويَّ، أو نحوهم مِن المعبودات، بمعنى أنه يَطُوفُ بالقبر، أو يَدْعُو المَيِّتَ نفسَه، فيقول يا معروف! أو يا جنيد! أو يا ابن علوان! أو يا عبدالقادر!، أو يا كذا وكذا! أنا في حَسْبِك، أو ما لِي إلا الله وأنت، أو نحو ذلك، فإن هذا يُعتبَرُ مُشرِكاً فلا تَصِحُّ الصلاةُ خَلْفَه، لأن شِرْكَه أخْرَجه مِن الإسلام، فإذا اضطرَ الإنسانُ إلى أن يُصلِّي خَلْفَهم فإنَّا نَأْمُرُه بالإعادة، ولكن متى يكون مُضطراً؟ موجود في كثير من البلاد الإفريقية أن وُلاةَ الأَمْرِ وأئمةَ وخطباءَ المساجد مِن هؤلاء المُتَصَوِّفة، ومعهم كثيرٌ مِن البِدَعِ المُكَفِّرة، ومِن أشهرها أنهم يَدْعُون الأمواتَ ويَعتقِدون فيهم، أو أنهم غُلاةٌ في التَّصوُّف، بمعنى أنهم مَلاحِدةٌ أو اتِّحادِيَّة، فيقول بعضُ أهْلِ الخير "إذا لم نُصَلِّ خَلْفَهمآذَوْنَا واتَّهَمُونا بأننا نُخالِفُهم أو نُكَفِّرهم، فيُؤذُوننا ويَسْجُنوننا ويَقْتُلوننا ويُشَرِّدوننا ويَطْرُدوننا، فماذا نَفْعَل؟" فنقول إن وَصَلَت البِدْعة إلى التكفير فإنك تُصلِّي معهم مُداراةً لهم وتُعِيد، وإن لم تَصِل البِدْعة إلى التكفير فصلِّ معهم، فصلاتُك لك وصلاتُهم لهم، وأجاز بعضُ العلماء أن تَدْخُل معهم وأنت تَنْوِي الانْفِرادَ، فتُتابِع الإمامَ ولكنك مُنْفَرِد تُصلِّي لنفسك، فتَقْرأ ولو كان يَقْرأ، وتُسَمِّع بقولك "سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه"، وتُصلِّي صلاةً كاملةَ بِنِيَّة أنك مُنْفَرِدٌ إذا خَشِيتَ على نَفْسِك مِن أن يَتَّهِمُوك بأنك ثوريٌّ أو إرهابيٌّ أو مُخالِفٌ أو نحو ذلك فيَضُرُّوك، فلَكَ أنْ تَتَّقِي شرَّهم بذلك، وإن تَمكَّنْتَ مِن أن تُصلِّي وحدك، أو وَجَدْتَ مسجداً -ولو بعيداً- فيه إمامٌ مستقيمٌ فهو الأَوْلَى. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز أن الشيخ سُئل: يوجد إمامُ مسجد في إحدى القرى مِن الذين يَزُورون القبابَ، ويَسألون أصحابَها الأمواتَ النَّفْعَ وجَلْبَ المصالح، وكذلك يَلْبِسُ الحُجُب ويَتَبَرَّكُ بالحجارة التي على الأضرحة؛ السؤال، هل تجوز الصلاةُ خَلْفَه؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي فماذا نَفعل؟ مع العلم أنه ليس هناك مسجدٌ آخر؟.
    فكان مما أجاب به الشيخ: مَن كان يَزُورُ القبورَ ويَدْعُو أهْلَها مِن دون الله لِيَستَغِيث بهم، ويَتمسَّح بقبورهم، ويَسألهم شفاءَ المرضَى، والنَّصْرَ على الأعداء، فهذا ليس بمُسلِمٍ، هذا مُشْرِكٌ، لأن دعاءَ الأمواتِ والاستغاثة بالأمواتِ والنذر لهم مِن أنواع الكُفْرِ بالله، فلا يجوز أن يُتَّخَذ إماماً، ولا يُصَلَّى خَلْفَه، وإذا لم يجد المسلمون مسجداً آخر صَلُّوا قَبْلَه أو بَعْدَه، صَلُّوا في المسجد الذي يُصَلِّي فيه، لكنْ بَعدَه أو قَبلَه، فإن تَيسَّرَ عزْلُه وجَب عزْلُه، وإن لم يَتَيسَّر فإن المسلمين ينتظرون صلاةَ هؤلاء ثم يُصَلُّون بعدَهم، أو يَتقدَّمونهم إذا دَخَلَ الوقتُ ويُصَلُّون قَبْلَهم إذا أمْكَنَ ذلك، فإن لم يُمْكِنْهم صَلُّوا في بيوتهم. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز يقول الشيخ: الصلاة لا تَصِحّ خَلْفَ المُشرِك، فالذي يَعْبُد القبورَ لا يُصلَّى خَلْفَه، كعُبَّاد الحُسَين وعُبَّاد البدوي وأشباههم وعُبَّاد الشيخ عبدالقادر الجيلاني وعُبَّاد الأصنام وغير هذا، كلُّ مَن كان يَعْبُد غيرَ الله يَدعُوه ويَستغيثُ به ويَطُوفُ بقبره ويَسْأَلُه الحاجةَ ويَصلِّي له أو يَذبَح له وما أشْبَه ذلك، فهذا لا يُصَلَّى خَلْفَهم، لأن ظاهرَهم الكفرُ، فلا يُصَلَّى خَلْفَهم. انتهى.

    زيد: لكنْ أَئِمَّةُ المساجد القُبُوريِّون هؤلاء، منهم عُلَماء يَدْعُون إلى مذاهبهم الضالَّة، ومنهم عوامٌّ تابِعون لهؤلاء العُلَماء ويَجْهَلون خصائصَ مذاهبهم الضالَّة، فهَلْ يَسْتَوُون في الحُكم؟.
    عمرو:نعم، يَسْتَوُون... وإليك بعض أقوال العلماء في ذلك:
    (1)جاء في هذا الرابط تفريغ صوتي لشرح الشيخ ابن باز لكتاب التوحيد، وفيه:
    السائل: أَحْسَنَ اللهُ إليك يا شيخ، إذا استغاثَ بقبر أحد الصالحين وهو جاهل، هل يَكْفُر؟.
    الإمام بن باز: نعم، شِرْكٌ أكبر، هذه مِن الأمور التي ما تخفَى بين المسلمين.
    السائل: إذا كان جاهل يَكْفُر يا شيخ؟.
    الإمام بن باز: ولو! هذا مِن الكُفر الأكبر، ولا يُعذَر بقوله إني جاهلٌ، هذا مِن المعلوم مِن الدين بالضرورة، لكن إذا كان صادِق يُبادِر بالتوبة.
    السائل: في بعض البلدان يا شيخ أَحْسَنَ اللهُ إليك...
    الإمام بن باز: نعم في مِصْرَ والشام وغيرها، نعم.
    السائل: طيب يا شيخ يَكْفُرون وهم جُهَّال؟.
    الإمام بن باز: نعم نعم، الرسول كَفَّرَهم، كَفَّرَهم المسلمون، قاتَلُوهم، قاتَلوا الوَثَنِيِّين وفيهم العامَّة الذين ما يَعْرِفون شيء، تباعاً لساداتهم.
    السائل: يا شيخ حتى في بعض دول أوربا وأمريكا مثلا يا شيخ؟.
    الإمام بن باز: نعم نعم.
    السائل: الذَّبْح؟.
    الإمام بن باز: الذَّبْحُ لغير الله شِرْكٌ (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العلمين لا شريك له) في الدول العامَّةُ تَبَعُ القادة، تَبَعُ الكفار، تَبَعُ اليهود والنصارى وأشباههم، عامَّتُهم تَبَعٌ لهم، نعم.
    السائل: مَن قال لا يَكْفُر حتى تُقام عليه الحجَّةُ؟.
    الإمام بن باز: الحجَّةُ قائمةٌ، لأن الله جل وعلا قال "هذا بلاغ للناس"، كتابُه بَلَّغَه للناس، وقد بَلَغَ المشرقَ والمغربَ، ولكن الناس أعرضوا عن القرآن ولا يريدونه، نسأل الله العافية، قَولُ شَيخِه وقولُ إمامِه عنده أكْبَرُ مِن القرآن. انتهى.
    (2)جاء في هذا الرابط تفريغ صوتي لشرح الشيخ ابن باز لكتاب كشف الشبهات، وفيه:
    السائل: الرافضة، هل يُحكَم بكُفرِهم جميعا ولَّا بعضهم؟.
    الشيخ ابن باز رحمه الله: المعروف أنهم كُفَّار، عبَّادا لعَلِيٍّ، عامتهم وقادتهم لأنهم تَبَعُ القادَة، مثل كفار أهل مكة تَبَعُ أبي سفيان وأشباهِه، تَبَعُ أبي جهل وتَبَعُ أبي لهب، كُفَّارُهم تَبَعُ لهم، عامَّتُهم تَبَعُهم، لأنهم مُقلِّدون لهم راضُون بما هم عليه، ما يطيعون يُخالِفونهم، كلُّ المشركين كُفَّار، كلُّ المشركين الذين يَتْبَعون قادتَهم، الرسول قاتَلَ الكُفارَ ولَّا مَيّزَ بينهم؟ والصحابة قاتَلوا الرُّومَ وقاتَلوا فارِس ولَّا فَصَلوا بين العامَّة وبين الخاصَّة؟ لأن العامَّة تَبَعُ الكِبار، تبع القادة،العامة تبع القادة، نسأل الله العافية. انتهى.
    (3)في هذا الرابط سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): ما حُكْم عوامّ الروافض الإمامية الاثنى عشرية؟ وهل هناك فرق بين علماء أي فِرْقَة مِن الفِرَق الخارجة عن المِلَّة وبين أَتْباعها مِن حيث التكفير أو التفسيق؟.
    فأجابت اللجنة: مَن شايَعَ مِن العوامِّ إماما مِن أئمَّةِ الكُفرِ والضلالِ، وانتصرَ لسادتِهم وكُبَرائِهم بَغْيا وعَدْوًا حُكِم له بحكمهم كُفرا وفِسقا، قال الله تعالى "يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ" إلى أن قال "وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا" وغير ذلك في الكتاب والسنة كثيرٌ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتَلَ رؤساءَ المشركين وأتباعهم، وكذلك فَعَلَ أصحابُه ولم يُفَرِّقوا بين السادة والأَتْباع. انتهى باختصار.
    (4)في فتوى صوتية مفرغة للشيخ صالح اللحيدان من دروس المسجد الحرام في هذا الرابط، أنه سُئل: ما حُكْم العوامِّ مِن أتباع الفِرَق والمذاهب الضالَّة؟. فأجاب الشيخ: هو منهم، مَن رَأَى أنه على عقيدة هذه الفرقة الضالة ولو كان عامِّيا لا يَعْرِف خصائصَها فهو منهم. انتهى.
    (5)في فتوى صوتية مفرغة للشيخ صالح الفوزان في هذا الرابط، أنه سُئل: ما حُكم عوامِّ الرافضة، هل حُكْمُهم حُكْمُ علمائهم؟. فأجاب الشيخ: يا إخواني اتْرُكوا الكلامَ هذا، الرافضة حُكْمُهم واحد، لا تفلسفون علينا، حُكْمُهم واحد، كُلُّهم يَسمعون القرآنَ، كُلُّهم يَقْرَأ بل يَحْفَظُون القرآنَ أكثرُهم، بَلَغَتْهم الحجَّةُ، قامَتْ عليهم الحجَّةُ، اتركونا مِن هذه الفلسفات وهذا الإرجاء الذي انَتَشرَ الآن في بعض الشباب والمُتعالِمين، اُتْرُكوا هذا، مَن بَلَغَه القرآنُ فقد قامَتْ عليه الحجَّةُ (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ). انتهى.

    (تابع ما بعده)


  6. افتراضي

    (تابع ما قبله)





    زيد: معنى ذلك أنه لا يُعْذَر بالجهل مَن وَقَعَ في الشرك الأكبر؟.
    عمرو: لا يُعْذَرفي أحكام الدنيا... وإليك بعض أقوال العلماء في ذلك:
    (1)في هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سُئل الشيخ: ما رَأْيُ سماحتكم في مسألة العذر بالجهل، وخاصة في أَمْرِ العقيدة، وضِّحوا لنا هذا الأَمْرَ جزاكم الله خيراً؟. فأجاب الشيخ: العقيدة أهَمُّ الأمور وهي أعظم واجب، وحقيقتها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقَدَرِ خَيْرِه وشَرِّه، والإيمان بأنه سبحانه هو المستحِقُّ للعبادة، والشهادة له بذلك، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، يَشهد المؤمنُ بأنه لا معبود حقّ إلا الله سبحانه وتعالى، والشهادة بأن محمداً رسول الله أرسله الله إلى الثقَلَين الجِنِّ والإنْسِ، وهو خاتَم الأنبياء، كلُّ هذا لا بُدَّ منه، وهذا مِن صُلْبِ العقيدة، فلا بُدَّ مِن هذا في حَقِّ الرجال والنساء جميعاً، وهو أساس الدين وأساس المِلَّة، كما يجب الإيمانُ بما أخْبَرَ اللهُ به ورسوله مِن أَمْرِ القيامة، والجَنَّة والنار، والحساب والجزاء، ونَشْرِ الصُّحُف، وأَخْذِها باليمين أو الشمال، وَوَزْنِ الأعمال، إلى غير ذلك مِمَّا جاءَتْ به الآياتُ القرآنية والأحاديث النبوية، فالجهل بهذا لا يكون عذراً بل يجب عليه أن يَتعلَّم هذا الأمرَ وأن يَتبصَّر فيه، ولا يُعْذَر بقوله إني جاهل بمثل هذه الأمور، وهو بين المسلمين وقد بَلَغَه كتابُ الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وهذا يُسمَّى مُعْرِضا، ويُسمَّى غافِلاً ومُتجاهِلاً لهذا الأمر العظيم، فلا يُعْذَر، كما قال الله سبحانه "أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا"، وقال سبحانه "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ"، وقال تعالى في أمثالهم "إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ"، إلى أمثال هذه الآيات العظيمة التي لم يَعْذُر فيها سبحانه الظالمين بجهلهم وإعراضهم وغفلتهم، أمَّا مَن كان بعيداً عن المسلمين في أطراف البلاد التي ليس فيها مسلمون ولم يَبْلُغْه القرآنُ والسُّنَّة فهذا معذور، وحُكْمُه حُكْمُ أهل الفترة إذا مات على هذه الحالة الذين يُمْتَحَنون يومَ القيامة، فمَن أجابَ وأطاعَ الأمرَ دَخَلَ الجنةَ ومَن عَصاه دَخَلَ النارَ، أما المسائل التي قد تَخْفَى في بعض الأحيان على بعض الناس كبعض أحكام الصلاة أو بعض أحكام الزكاة أو بعض أحكام الحج، هذه قد يُعْذَر فيها بالجهل، ولا حَرَج في ذلك، لأنها تَخْفَى على كثيرٍ مِن الناس، وليس كلُّ واحدٍ يستطيع الفقهَ فيها، فأَمْرُ هذه المسائل أسهل، والواجب على المؤمن أن يَتعلَّم ويَتفقَّه في الدين ويَسأَل أهْلَ العلم، كما قال الله سبحانه "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ"، ويُروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لقوم أَفْتَوْا بغير عِلْم "أَلَّا سألوا إذْ لم يعلموا إنما شفاءُ العِيِّ السؤالُ"، وقال عليه الصلاة والسلام "مَن يُرِد اللهُ به خيراً يُفقِّهه في الدين"، فالواجب على الرجال والنساء مِن المسلمين التَّفقُّهُ في الدين والسؤال عَمَّا أُشْكِل عليهم، وعَدَمُ السكوت على الجهل، وعَدَمُ الإعراض، وعَدَمُ الغَفْلة، لأنهم خُلِقوا ليعبدوا اللهَ ويُطيعوه سبحانه وتعالى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعِلم، والعِلم لا يَحصُل بالغفلة والإعراض، بل لا بُدَّ مِن طَلَبٍ للعِلم، ولا بُدَّ مِن السؤال لأهل العلم حتى يَتعلَّم الجاهلُ. انتهى.
    (2)في هذا الرابط على موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء سُئل الشيخ ابن باز: إذا مات رجُلٌ وهو لا يستغيث بالأمواتِ ولا يَفعل مِثلَ هذه الأمُورَ المَنْهِيّ عنها، إلا أنه فَعَل ذلك مرَّةً واحدة فيما أَعْلَم، حيث استغاثَ بالرسول صلى الله عليه وسلم في زيارته لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم أن ذلك حَرامٌ وشِرْكٌ، ثُمَّ حَجَّ بعد ذلك دون أن يُنَبِّهه أحدٌ على ذلك، ودون أن يَعْرِف الحُكمَ فيما أظُنُّ حتى توفاه الله، وكان هذا الرجُل يُصلِّي ويَستغفِر اللهَ، لكنه لا يَعْرِف أن تلك المرَّة التي فَعَلها حرامٌ، فيَا تُرَى هَلْ مَن فَعَل ذلك ولو مرَّة واحدة، وإذا مات وهو يَجهَلُ مِثلَ ذلك، هل يُعتبَر مُشرِكًا، نرجو التوضيح والتوجيه جزاكم الله خيرًا؟. فأجاب الشيخ: إن كان مَن ذَكَرْتَه تابَ إلى الله بعد المرَّة التي ذَكَرْتَ، ورَجَعَ إليه سبحانه، واستَغفرَ مِن ذلك، زال حُكْمُ ذلك وثَبَتَ إسلامُه، أما إذا كان استَمرَّ على العقيدة التي هي الاستغاثة بغير الله ولم يَتُب إلى الله مِن ذلك فإنه يَبْقَى على شِرْكِه ولو صَلَّى وصام حتى يتوب إلى الله مِمَّا هو فيه مِن الشِّركِ، وهكذا لو أن إنسانًا يَسُبُّ اللهَ ورسولَه، أو يَسُبُّ دِينَ الله، أو يَستهزئُ بدين الله، أو بالجنة أو بالنار، فإنه لا يَنْفَعُه كَونُه يُصلِّي ويصوم، إذا وُجِد منه الناقِضُ مِن نواقض الإسلام بَطَلَت الأعمالُ حتى يتوب إلى الله مِن ذلك، هذه قاعدة مهمة، قال تعالى "وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"، وقال سبحانه "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ"، وَأُمُّ النبي صلى الله عليه وسلم ماتت في الجاهلية، واستأذن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ربَّه ليَستغفِر لها فلم يُؤذَن له، وقال صلى الله عليه وسلم لمَن سألَه عن أبيه "إن أبي وأباك في النار"، وقد ماتا في الجاهلية، والمقصود أنَّ مَن مات على الشرك لا يُستغفَرُ له، ولا يُدعَى له، ولا يُتصدَّقُ عنه، إلا إذا عُلِم أنه تاب إلى الله مِن ذلك، هذه هي القاعدة المعروفة عند أهل العلم، والله ولي التوفيق. انتهى.
    (3)في هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وقد سُئل الشيخُ ابنُ باز في شرحه لكشف الشبهات عدَّة أسئلة عن مسألة العُذر بالجهل، منها:
    س: ما يَعرِف أن الذبحَ عبادةٌ، والنَّذْر عبادة؟.
    ج: يُعلَّم، الذي لا يَعرِفُ يُعلَّمُ، والجاهلُ يُعلَّمُ.
    س: هلْ يُحكَمُ عليه بالشِّركِ؟.
    ج: يُحكَمُ عليه بالشِّركِ، ويُعلَّمُ، أما سَمِعْتَ اللهَ يقول "أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا"، قال جَلَّ وعلا "ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون"، ما وراء هذا تَنْدِيدا لهم، نسألُ اللهَ العافية.
    س: بعضُ الناس يقول "المُعَّين لا يُكفَّر"؟.
    ج: هذا مِن الجَهْلِ، إذا أَتَى بمُكفِّر، يُكفَّر.
    انتهى باختصار.
    (4)في فتوى صوتية مفرغة للشيخ عبدالله الجربوع في هذا الرابط، يقول الشيخُ: إن العُذرَ بالجهل، نعم هو قول أهل السنة والجماعة، ويَقْصِدون به أن مَن لم يأتِه رسولٌ أو لم تَبْلُغه الحجَّةُ فإنه معذورٌ بجهله، ولكن إن كان مُشركا يَعملُ بالشرك فإن حُكْمَه حُكْمُ أهْلِ الفترة، في الدنيا كافِرٌ وأَمْرُهُ إلى الله في الآخرة، هذا إجماعٌ مِن أهْلِ العلم، وهذا لا يَعنِي عَدَمُ القول بالعُذر بالجهل، فيقولون بالعذر بالجهل ويقولون أَهْل الفترة كُفَّار في أحكام الدنيا أَمْرُهم إلى الله في الآخرة، وهؤلاء المُرْجِئَةُ المُتأخِّرون خَلطوا بين المسألتَين وسَحَبوا قولَ أهْلِ السُّنَّة بالعذر بالجهل على عدم تكفير مَن تَلَبَّسَ بالشرك أو مَن وَقَع في المكفِّرات الجَلِيَّة، والخَلْط بينهما واشتراط فَهْم الحُجَّة، وقولهم أن البلوغ بلوغ العِلم مع التَّمَكُّن لا يَكْفِي وأنه لا بُدَّ مِن فَهْمِ الحُجَّة، هذا هو قول الجاحظ والعنبري القاضي المِصْري القاضي المعتزلي، والجاحظ يقول أنه لا يَكفِي بلوغُ العِلم وتَمَكُّنُ المُعيَّن مِن الفَهْمِ ويقول أنه لا بُدَّ أن يَتحقَّق منه الفَهْمُ وزوالُ الشُّبْهة، وإن كان عنده اجتهادٌ فإنه يُعْذَرُ به في أي مسألة كانت، هذه لا شَكَّ بِدْعَةٌ جاحظية سَرَتْ إلى هؤلاء المُرْجِئة فاشترطوا لقيام الحُجَّة تَحقُّقَ الفَهْم وزوالَ الشُّبْهة، فهذا هو الخَطَأُ الأول الذي عندهم، أما أهْلُ العِلْمِ قالوا بالعذر بالجهل وقالوا أن الحُجَّةَ تَقُومُ بِبُلُوغِ العِلْم مع التَّمَكُّن ولو لم يَفْهَم، والخطأُ الثاني الذي وَرِثُوه عن داوود بن جرجيس هو أنهم زعَموا أن العذرَ بالجهل دائما مَعْناه عَدَمُ التكفير، فمَن عُذِرَ بالجهل فإنه لا يُكَفَّر، وهذا خطأٌ عظيمٌ أوَّلُ مَن قال به داوود بن جرجيس العراقي النقشبندي الخبيث أَشْهَر المُناوِئِين للدعوة الإصلاحية دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فشُبْهة هؤلاء المُرْجِئة المتأخِّرين هي الخَلْطُ بين العذرِ بالجهل وعدم التكفير، والعذر بالجهل كما قلت لكم هو أَصْلٌ مِن أصول الإسلام وعليه عُلماءُ أهْلِ السُّنة، ولكن ارفعوا أصواتكم بالقول أن العذر بالجهل لا يعني أن عابِدَ الطاغوت مُسْلِمٌ أو ليس بكافر، هذا أبدا مَنْفِيٌّ عن أهْلِ السُّنة والجماعة، ومَن نَسَبَه لأهْلِ السُّنة والجماعة فهو جاهِلٌ [جَهْلا] مُرَكَّبا، فقد سُئلَ الشيخُ عبدالعزيز بن باز عن هؤلاء الذين يقولون "نقول لهذا الذي يَعبُد القبورَ أنه عَمَلُه كُفْرٌ وأنه ليس بكافر حتى تُقام الحُجَّةُ"، قال "هؤلاء جُهَّالٌ هؤلاء جُهَّالٌ ليس عندهم عِلْمٌ"، و ثُمَّ رَفَع صوتَه قائلا "مَن أظْهَرَ الشركَ فهو مُشْرِكٌ ومَن أظْهَرَ الكُفْرَ فهو كافرٌ"، وعلى هذا، هذا هو التفصيل وهذا هو حقيقة الخِلاف بين هؤلاء المُرْجِئة واللجنةِ الدائمة والشيخِ عبدالعزيز بن باز، عبدالعزيز بن باز رحمه الله يقول بالعذر بالجهل، الشيخ صالح الفوزان يقول بالعذر بالجهل، واللجنة الدائمة يقولون بالعذر بالجهل، ونحن نقول بالعذر بالجهل، لكننا نقول أنه لا يُشترَطُ لقيام الحُجَّة تَحقُّقُ الفَهْم وزوالُ الشُّبْهة بل مَن بَلَغَه العِلمُ المُزِيلُ للجهل كمَن كان بين المسلمين وهو يستطيع التَّعَلُّمَ فأعْرَضَ عن الكتاب وأعْرَضَ عن دُعاة الهُدَى وأَقْبَلَ على الشُّبُهات التي يَبُثُّها شياطينُ الإنس والجن وتَشَبَّعَ بها، هذا الذي أَعْرَضَ عن العِلْمِ والهُدَى بَلَغَتْهُ الحُجَّة وقامَتْ عليه، فهو إِذَن لا عُذْر له عند الله عز وجل، فنقول أيضا أن مَن كان واقعا في الشِّرْكِ والمُكفِّراتِ الجَلِيَّةِ المُضادَّةِ لِأَصْلِ الإسلام فهو مُشرِكٌ كافرٌ، وإن كان لم يَبْلُغْه العِلْمُ فإنه مَعذورٌ بجهله أَمْرُه إلى الله في الآخرة، هذا الذي نَصَّ عليه أَئِمَّةُ الهُدَى وأمَّا مَن خالَفَ هذا فإنه واقِعٌ في الإرجاء وفي بِدْعة الجاحظ المعتزلي والعنبري وداوود بن جرجيس، نسألُ اللهَ السلامة والعافية. انتهى.
    (5)في فتوى صوتية مُفَرَّغة للشيخ صالح آل الشيخ في هذا الرابط، يقول الشيخ: الجهل الذي سَبَبُه الإِعْراضُ مع وجود مَن يُنَبِّهُ هذا لا يُعذَرُ به العَبْدُ... الجهل الذي يكون لِأَجْلِ عدم وجود مَن يُنَبِّهُ فإنه يُعذَرُ به حُكْماً في الآخرة حتى يأتي مَن يُقِيمُ عليه الحُجَّةَ ولا يُعذَرُ به في أحكام الدنيا. انتهى.
    (6)جاء في هذا الرابط تفريغ صوتي لشرح الشيخ صالح آل الشيخ لمسائل الجاهلية، وفيه: إذا لم تَقُم الحُجَّةُ هل يكفر عَبَدَةُ القبور أم لا؟ الجواب نعم، مَن قامَ به الشركُ فهو مُشرِك، الشرك الأكبر مَن قامَ به فهو مُشرِك، وإنما إقامة الحُجَّة شَرْطٌ في وجوب العَداء، كما أن اليهود والنصارى نُسمِّيهم كُفَّار، هم كُفَّارٌ ولو لم يَسْمَعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم أَصْلا، كذلك أهْلُ الأوثان والقبور ونحو ذلك، مَن قامَ به الشركُ فهو مُشرِك، وتُرتَّبُ عليه أحكامُ المشركين في الدنيا، أما إذا كان لم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ فهو ليس مقطوعا له بالنار إذا مات، وإنما موقوفٌ أَمْرُهُ حتى تُقام عليه الحُجَّةُ بين يدي الله جل وعلا، فإِذَن فَرْقٌ بين شَرْطِنا لإقامة الحُجَّة وبين الامتناع مِن الحُكم بالشرك، مَن قامَ به الشركُ الأكبر فهو مُشرِك تُرتَّبُ عليه آثارُ ذلك الدنيوية، أنه لا يُستغفَر له ولا تُؤكَل ذَبِيحتُه ولا يُضحَّى له ونحو ذلك مِن الأحكام، وأمَّا الحُكم عليه بالكفر الظاهر والباطن فهذا موقوفٌ حتى تُقام عليه الحُجَّةُ، فإن لم تَقُمْ عليه الحُجَّة فأَمْرُه إلى الله جل وعلا. انتهى.
    (7)جاء في هذا الرابط تفريغ صوتي لشرح الشيخ صالح الفوزان لشرح السُّنة للبربهاري، وفيه: قال السائل: أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة، وهذا سائل يقول "هلْ نُكفِّرُ مَن سَجَد لِصَنَمٍ أو ذَبحَ لِقَبر، أو نَنتظِرُ حتى نُقِيم عليه الحُجَّة؟". الجواب: هو يكفر بهذا، لكن أنت تَحْكُمُ على فِعْلِه بالكُفرِ وتُكفِّره في الظاهر، ثم بعد ذلك تُناصِحُه فإن تاب وإلا فإنه يُعتبَرُ كافرا ظاهراً وباطناً. انتهى.
    (8)جاء في هذا الرابط تفريغ صوتي لشرح الشيخ عبدالعزيز الراجحي لكتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام، وفيه: هذا السؤال يَقولُ "هل يُعذَرُ عوامُّ الصوفية وعوامُّ أهل القبور بالجهل؟" أظنُّ الآن في العصر الحاضر أنه بَلَغَتْهم الدعوةُ، ومَن بَلَغَتْهم الدعوةُ، وبَلَغَتْهم الحُجَّة، وبَلَغَهم القرآنُ والسُّنةُ، فلا يُعذَرون، إنما الذي يُعذَرُ في هذا مَن لم تَبْلُغْه الحُجَّةُ مِن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا"، وقد بعث الرسول، قال سبحانه "وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ"، فمَن بلَغَه القرآنُ فقد قامَتْ عليه الحُجَّةُ، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح "والذي نفسي بيده لا يَسْمَع بي أحدٌ مِن هذه الأمَّة يهوديًّا ولا نصرانيًّا، ثم لا يُؤمِنُ بي إلا دَخَلَ النارَ"، فمَن قامَتْ عليه الحُجَّةُ، وبَلَغَه الدليلُ، فلا يكونُ معذورًا، ولا يُشترَطُ مَعْرَفة فَهْم الحُجَّة، بل يَكْفِي بُلُوغ الحُجَّة، يَعْلَمُ أن هذا دليلٌ على هذا الشيء، لكن بعض أهْلُ العلم قال إنه لو وُجِد بعضُ الناس اشْتَبَهَ عليه الأمْرُ، ولُبِّس عليه الحقُّ، بسبب الكَفَرَة والمشركين، ولم يَعْرِف الحقَّ، واشْتَبَهَ عليه الأمْرُ، وصار بسبب تغطية الحقّ عليه وسيطرة أهْلِ الضلال وأهل الشرك عليه، حتى أفهموه أن هذا الباطلَ هو الحقُّ، فإنه يكون حُكْمُه حُكْمَ أهْلِ الفترات، ويكون أمْرُه إلى الله عز وجل، ولكنه إذا مات على هذه الحالة فلا يُغَسَّل، ولا يُصَلَّى عليه، ولا يُدفَنُ مع المسلمين في مقابرهم، ولا يُدْعَى له، وأمْرُه إلى الله. انتهى.
    (9)جاء في هذا الرابط تفريغ صوتي لشرح الشيخ زيد بن هادي المدخلي لكتاب التوحيد، وفيه: يُعذَرُ عوامُّ الناس في دقائق المسائل والأحكام، لكن لا يُعْذَرُ في التوحيد والشرك، ولهذا انظروا إلي أصحاب الفترات الذين قَبْل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا كانوا على الشرك، ما عَذَرَهم الله عز وجل، بل يَمْتَحِنُهم يومَ القيامة فالمُطِيعُ يِنْجُو والعاصي يَهْلَكُ. انتهى.
    (10)جاء في هذا الرابط تفريغ صوتي لشرح الشيخ صالح السحيمي لكتاب التعالم لبكر أبو زيد، وفيه: السؤال: انتَشرَ التصوُّفُ في الأوان الأخيرة، يقول "ومنهم مَن هو عامِّي مُشرِك لكنه عامِّي"؟. الجواب: لا نقول "كل مُتَصَوِّفٍ مُشرِك"، هذا مِن باب الإنصاف، وإن كنا نرى أن التَّصوُّف بِدْعَة بشكل عام ليس له أَصْلٌ في دين الله عز و جل... لكن مع ذلك نحن لا نقول "إن كلَّ تَصوُّفٍ شِركٌ"، فهناك مِن التَّصوُّف ما هو بِدْعَة دون الشرك، لكن إذا كان هذا التَّصوُّف الذي يُشيرُ إليه الأخُ السائلُ يَبْلُغُ دَرَجةَ الشركِ كمَن يَدعُون أصحابَ القبور أو يَنْذُرون لهم أو يَذبَحون لهم أو يَستغيثون بهم أو يَطْلُبون منهم المَدَدَ وما إلى ذلك، هلْ يُسَمَّوْنَ مُشرِكِين ولو كانوا عوامّا أم لا يُسَمَّوْنَ؟ نعم، يُسَمَّوْنَ مشركين، فهم مُشرِكون لا يجوز أَكْلُ ذبائحهم ولا مُناكَحَتُهم وهم مُشرِكون، بَقِيَ مسألةُ عُذْرِهم عند الله، هذا أنا أَتَوَقَّفُ فيه إذا كانوا لم يَعْلَموا الحُكْمَ الشرعيَّ في هذه المسائل، هل يُعامَلون مُعامَلةَ أهْلِ الفترة الذين لم يَبْلُغْهم ذلك، هذا أَكِلُ عِلْمَه إلى الله، لا أَتَجَرَّأُ على الفتوى فيه، وَارْجِعوا فيه إلى المشايخ الكِبار، اسألوا الشيخَ عبدالمحسن أو كِبارَ هيئة العُلماء، ومع ذلك أنا أَرَى أنه مُشركٌ مِن حيث الحُكم في الدنيا، هو مُشرِكٌ، يعني شخص يَعْبُدُ أصحابَ القبور، يَذبَحُ لهم، يَنْذُرُ لهم، يَطْلُبُ منهم المَدَدَ، يَستغيثُ بهم، يُعَلِّقُ حوائجَه بهم، يَرَى أنهم يَقْدِرون على الإجابة، يَدْعُوهم مِن دون الله عز و جل، لا شَكَّ أنه مُشرك بِنَصِّ القران والسُّنة، "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ"، "وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ"، إذا وجدت شخصا يتوجَّهُ إلى صاحب القبر ولو كان نبيّا مِن الأنبياء فيقول "أغثني، ارزقني، أعطني"، أو يَذبَحُ له أو يَنْذُر له أو يَستغيث به أو يَسألُه قضاءَ الحاجات وكَشْفَ الكُرُبات، ويَلْجأُ إليه عند المُلِمَّات، لا شكَّ أن هذا شِرْكٌ بالله عز وجل وصاحِبُه يُسَمَّى مُشْرِكا وتُجْرى عليه أحكامُ المشركين في الدنيا، بَقِيَ عُذْرُه أو عدمُ عُذْرِه إذا كان لا يَعلَمُ الحُكْمَ الشرعيَّ في هذه المسائل وإنما قَلَّدَ غَيْرَه، فهذا أَكِلُ أمْرَهُ إلى الله رب العالمين. انتهى.
    (11)جاء في هذا الرابط تفريغ صوتي لفتوى للشيخ عبدالله الجربوع، وفيه:واشترَطوا لصحة الإسلام أن يُظهِرَ الإسلامَ، يَنْطِقُ بالشهادتين ويَتَبَرَّأُ ممَّا يُضادُّهما، فإذا ظَهَرَ منه ما يُضادُّهما مِن الشِّرْكِ أو الاستهزاءِ بالله عز وجل أو إهانةِ المصحف أو النواقض الصريحة، فإن هذا يَكفر بمجرد ذلك، ولا يُقال إنه جاهِلٌ، لأن هذا شيء يُفترَضُ أن يكون قد عَلِمَه وقام في قلبه عند إسلامه، الحاصِلُ، أنهم يقولون مَن وَقَع في الشركِ الصريحِ الجَلِيِّ، يعني الظاهر، فإنه يكفر بمجرد ذلك، وقد يُعذَرُ بجهله فلا يُكفَّر، يعني في أحكام الآخرة، أما في أحكام الدنيا فإنه كافِرٌ لأنه جاء بما يُناقِضُ أَصْلَ عَقْدِه، ولا يُمْكِن أن يكون مشرِكا وموحِّدا في آن واحد، هذه المسألة نَصَّ عليها جَمْعٌ مِن الأئمَّة، منهم الشيخُ ابن باز ومنهم الشيخُ الفوزان ومنهم الشيخُ عبدالمحسن العباد ومنهم... وهذا لا أعْلَمُ فيه خلافا بين أهل العلم في القديم والحديث أنَّ أهْلَ الفترة ومَن في حُكْمِهم الذين يُعْذَرون بجهلهم إذا وَقَعوا في الشركِ الصريحِ الجليِّ، وهم لم يَدْخُلوا في الإسلام دُخُولا صحيحا ولم يَفْهَموا مَعْنَى الشهادتين، هؤلاء يُعْذَرون بجهلهم لعدم بُلُوغ العِلْمِ لهم، ويُقال أَمْرهم إلى الله في الآخرة، أما في أحكام الدنيا فإنهم كُفَّار، فإِذَن لا يُخلط بين العُذْرِ بالجهل وبين التكفير، نقول يُعذَرُ بجهله وهو في أحكام الدنيا كافِرٌ، هذا هو تفصيل أهل العلم. انتهى.
    (12)في هذا الرابط على موقع الشيخ فيصل الجاسم، يقول الشيخُ: وعلى هذا فالحُكْمُ بكُفرِ مَن وَقَع في الشرك عَيْناً، لا يَتَوَقَّفُ على قيام الحُجَّة، وإنما الذي يَتَوَقَّفُعلى قيام الحُجَّة هو الحُكْمُ على البواطن، فيكون كافِراً ظاهراً وباطناً. انتهى.
    (13)في فتوى صوتية مفرغة في هذا الرابط للشيخ عبدالمحسن العباد، يقول الشيخُ: إِذَن مَن كان قامَتْ عليه الحُجَّة فهو كافرٌ ومُخَلَّدٌ في النار ويُعامَلُ مُعامَلةَ الكُفَّار في الدنيا ولا يُصَلَّى عليه ويكون خالِدا مُخَلَّدا في النار، وأما مَن لم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ كأهْلِ الفترات وكبعض المسلمين الذين اغْتَرُّوا ببعض العلماء الضُّلَّال الذين أضَلُّوهم وقَلَّدُوهم، فإن هذا ظاهرُه الكفرٌ ويُعامَلُ في الدنيا مُعامَلةَ الكفار، ولكنه بالنسبة للآخرة أَمْرُه إلى الله عز وجل، فإنه يُمتحَنُ، فإن نَجَحَ في الامتحان فإن مآلَه إلى الجنة، وإن خَسِرَ ولم يَنْجَحْ في ذلك الامتحان فإنه يكون مآلُه إلى النار. انتهى.
    (14)في هذا الرابط سُئلَتِ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): نحن في بلاد اختلط فيها النصارى والوثنيون والمسلمون الجاهلون، فلا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسمَ الله على ذبائحهم أم لا، فما حُكمُ الأكلِ مِن ذبائح هؤلاء جميعًا؟ مع صعوبة التمييز بَيْنَ ذبائحهم، بل في ذلك مَشقَّةٌ وحَرَجٌ، وهناك ذبائح أخرى مذبوحة بالآلات مستوردة مِن بلاد الكفار، فما الحُكمُ؟. فأجابت اللجنة: إذا كان الأمر كما ذُكِرَ مِن اختلاط مَن يذبحون الذبائح مِن أهلِ الكتاب والوثنِيِّين وجَهَلَةِ المسلمين ولم تَتَمَيَّز ذبائحُهم ولم يُدْرَ أَذَكَرُوا اسمَ الله عليها أم لا، حَرُمَ على مَن اختلط عليه حالُ الذابحِين الأكلُ مِن ذبائحهم، لأن الأصْلَ تحريم بهيمة الأنعام وما في حكمها مِن الحيوانات إلا إذا ذُكِّيَتِ الذكاةَ الشرعية، وفي هذه المسألة وَقَعَ شَكٌّ في التَّذْكِية، هل هي شرعية أو لا؟ بسبب اختلاط الذابحِين، ومنهم مَن تَحِلُّ ذبيحتُه، ومَن لا تَحِلُّ ذبيحتُه كالوثني والمبتدع مِن جهلة المسلمين بدعًا شركية، أما مَن تَميَّزَت عنده ذبائحُهم فليَأكُل منها ما ذَبَحَه المسلمُ أو الكِتابيُّ الذي عُرِفَ أنه ذَكَرَ على ذبيحتِه اسمَ الله، أو لم يُدْرَ عنه أَذَكَرَ اسمَ الله أم لا، ولا يَأكلُ مِن ذبيحة الوثني ولا المسلم المبتدع بدعًا شركية، سواء ذَكَرُوا اسمَ الله عليها أم لا، وينبغي للمسلم أن يحتاط لنفسه في جميع شؤون دينه، ويَتحرَّى الحلالَ في طعامه وشرابه ولباسه وجميع شؤونه، ففي مثل ما سُئلَ عنه يَجتهدُ أهلُ السُّنَّة أن يختاروا لأنفسهم مَن يذبح لهم الذبائحَ وتُوَزَّعُ عليهم بطريقة لا رِيبَةَ فيها ولا حَرَجَ على الذابح والمستهلِك. انتهى.
    (15)في هذا الرابط سُئلَتِ اللجنةُ الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): ما حُكمُ الذبائح التي تُباع في الأسواق في البِلَادِ التي لا يَسْلَمُ أهلُها مِن الشِّرك مع دَعْوَاهُمُ الإسلامَ لِغَلَبَةِ الجهلِ والطُّرقِ البدعِيَّةِ عليهم كالتيجانية؟. فأجابت اللجنة: إذا كان الأمر كما ذُكِرَ في السؤال مِن أن الذابحَ يدَّعِي الإسلامَ، وعُرِفَ عنه أنه مِن جماعةٍ تُبيحُ الاستعانةَ بغير الله فيما لا يَقْدِرُ على دَفْعِه إلا الله، وتَستعينُ بالأموات مِن الأنبياء ومَن تعتقد فيه الولاية مثلا، فذبيحته كذبيحة المُشركِين الوثَنِيِّين عُبَّادِ اللَّاتِ والعُزَّى ومَنَاةَ ووَدٍّ وسُوَاعٍ ويَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْرٍ، لا يَحِلُّ للمُسْلِمِ الحقيقيِّ أَكْلُها، لأنها مَيْتَةٌ، بل حالُه أَشَدُّ مِن حال هؤلاء، لأنه مرتدٌّ عن الإسلام الذي يَزْعُمُه مِن أجْلِ لَجْئِهِ إلى غير الله فيما لا يَقدِرُ عليه إلا الله، مِن توفيق ضالٍّ، وشفاء مريض، وأمثال ذلك مِمَّا تُنْسَبُ فيه الآثارُ إلى ما وراء الأسباب العادية مِن أسرار الأموات وبركاتهم، ومَن في حكم الأموات مِن الغائبِين الذين يُنادِيهم الجَهَلةُ لاعتقادهم فيهم البرَكة، وأن لهم مِن الخواصِّ ما يُمَكِّنُهم مِن سماع دُعاء مَن استغاثَ بهم لِكشفِ ضُرٍّ أو جَلْبِ نَفْعٍ، وإن كان الداعي في أقصى المشرق والمَدْعُو في أقصى المغرب، وعلى مَن يعيش في بلادهم مِن أهلِ السُّنَّةِ أن يَنْصَحوهم ويُرْشِدوهم إلى التوحيد الخالص، فإن استجابوا فالحمد لله، وإن لم يستجيبوا بعدَ البيانِ فلا عُذْرَ لهم، أما إن لم يَعْرِفْ حالَ الذابح لكن الغالب على مَن يَدَّعِي الإسلامَ في بلاده أنهم مِمَّن دَأْبُهم الاستغاثةُ بالأموات والضَّرَاعَةُ إليهم، فيُحْكَم لذبيحته بِحُكمِ الغالب، فلا يَحِلّ أَكْلُها... فسئلت اللجنة: ما حُكمُ مَن أَكَلَ مِن هذه الذبائح وهو إمام مسجد، هل يُصلَّى خَلْفَه؟. فأجابت اللجنة: إذا كان إمام المسجد يَأكُلُ مِن هذه الذبائح بعدَ البيانِ له وإقامةِ الحُجَّةِ عليه مستبيحًا لِأَكْلِها، لم تَصِحَّ الصلاةُ خَلْفَه، لاعتقاده حِلّ ما حرَّمَ اللهُ مِن المَيْتَة، وإن كان يَأكُلُ منها بعدَ البيانِ له وإقامةِ الحُجَّةِ عليه مُعتقِدا حُرْمَتها، فهو فاسِقٌ. انتهى.
    (16)جاء في فتاوى الشيخابن باز في (فتاوى نور على الدرب) على هذا الرابط، أن الشيخ سُئلَ: الذي يَذْبَحُ، عليه أن يَسألَ الجَزَّارَ أو لا يَسأله؟. فأجاب الشيخ: إن كان ظاهِرُه الخَيْرَ فلا حاجَةَ إلى السؤال، وإن كانوا مُتَّهَمِين سَأَلَهم. انتهى.
    (17)إذا أرَدْتَ دِراسةَ مسألة عَدَم العُذْرِ بالجهل في الشرك الأكبر دراسةً تأصيليَّةً فعليك بالكُتُب الآتية:
    (أ)العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي للشيخ مدحت بن حسن آل فراج، وقد قَدَّم لهذا الكتاب كلٌّ مِن الشيخ ابن جبرين (عضو الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالديار السعودية سابقا)، والشيخ عبدالله الغنيمان (رئيس قسم العقيدة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة سابقا)، والعلَّامة المُحَدِّث عبدالله السعد؛ وقال الشيخ ابن جبرين في تقديمه: هذه الرسالة أَوْفَى ما كُتِب في هذا الباب. انتهى.
    (ب)عارِض الجهل وأثره على أحكام الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة للشيخ أبي العُلا بن راشد بن أبي العُلا، وقد راجَعَ هذا الكتابَ وقَدَّمَ له وقَرَّظَه الشيخُ صالح الفوزان (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء).
    (ت)براءة الشيخين مِن إعذار الجاهلين بتوحيد رب العالمين للشيخ بدر بن علي بن طامي العتيبي، وهذا الكتاب تحقيقٌ لمذهب شيخي الإسلام الإمام ابن تيمية والإمام محمد بن عبدالوهابفي مسألة العذر بالجهل.
    (ث)ابحث في شبكة الإنترنت عن عِبَارةِ "مسائل تهم كل مسلم (جمع أبي ذر التوحيدي)"، وهذه المَسَائِلُجَمْعٌ لأهم الموضوعات التي ينبغي على كُلِّ مُسْلِمٍ أن يَعْرِفَها، ومِن هذه الموضوعات ما هو خاصٌّ بمسألة عَدَم العُذْرِ بالجهل في الشرك الأكبر، وأنا أُوصِي -بمُنْتَهَى الشِّدَّة- بمُطالَعة هذه المَسَائِل.
    (ج)المختصر المفيد في عقائد أئمة التوحيد للشيخ مدحت بن حسن آل فراج، وهذا الكتاب من أَجْمَعِ كُتُبِ العقيدةِ وأَحْسَنِها، ومِن موضوعات هذا الكتاب ما هو خاصٌّ بمسألة عَدَم العُذْرِ بالجهل في الشرك الأكبر، وأنا أُوصِي -بمُنْتَهَى الشِّدَّة- بمُطالَعة هذا الكتاب؛ وقد قَدَّمَ لهذا الكتاب العلَّامةُ المُحَدِّث عبدالله السعد، وقال في تقديمه: وهو كتابٌ قَيِّمٌ ومُفِيدٌ جدًّا... ثم قال -أي الشيخ عبدالله السعد-: هذا الكتاب يتحدث عن أصول الدين وقواعد المِلَّة، ففي هذا الكتاب بيان لحقيقة الإسلام والإيمان وأركانه، كما أنه فيه توضيح لأصل الأصول وهو التوحيد، ونواقض ومفسدات هذا الأصل مِن الشرك وأقسامه والكفر وأنواعه، وما يَتْبَعُ ذلك مِن المُوالاة والمُعاداة في ذلك، والبراءة مِن الشِّرك وأهلِه، وصِفَة الطاغوت والكفر به، وإفراد الله بالطاعة، وتحكيم شريعته، والجهاد لتحقيق ذلك، وما يَتْبَعُ ذلك مِن الهجرة مِن دار الكفر إلى دار الإسلام، وبيان الفرق بين الدَّارَيْن (دار الإسلام ودار الكفر)، وغير ذلك مِن القضايا الكُلِّية والمسائل المصيرية، ولا يَخْفَى أهميَّةُ ذلك كُلّه، لأن الإسلام لا يتحقق إلا بمعرفة ذلك والعمل به... ثم قال -أي الشيخ عبدالله السعد-: في هذا الكتاب بيانٌ لكثيرٍ مِن الشُّبَهِ التي وَقَعَ فيها مَن ضَلَّ عن الطريق المستقيم،وَرَدُّها بالأدِلَّة مِن الكتاب والسُّنَّة وإجماع القُرُون المُفَضَّلة. انتهى.

    زيد: رُبَّما قالَ لك البعضُ "الواقعون في المُكَفِّراتِ الصريحةِ يُكَفَّرُون بعُمومِهم ولا يُكَفَّرون بأعيانِهم"؟.
    عمرو: سبق أن ذَكَرتُ أن الشيخ ابن باز سُئل: بعضُ الناس يقول "المُعَّين لا يُكفَّر"؟. فأجاب الشيخ: هذا مِن الجهل، إذا أَتَى بمُكفِّر، يُكفَّر. انتهى.
    وفي فتوى صوتية مُفَرَّغة على هذا الرابط للشيخ عبدالله الجربوع، يقول الشيخ: وهذه الشُّبْهة، وهي قوله أن "هؤلاء الواقعين في المكفِّرات الصريحة يُكَفَّرُون بعمومهم ولا يُكَفَّرُون بأعيانهم"، وَرَدَتْ هذه الشُّبْهَةُ على الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وقال له (أظنه أحمد بن عبدالكريم) "إنني وَجَدْتُ في كلام شيخ الإسلام أنهم يُكَفَّرُون بالعموم لا بالأعيان"، فَرَدَّ عليه شيخُ الإسلام محمد بن عبدالوهاب مُنْكِرا عليه، ومِن ضِمْنِ ما قال "مِن عَهْد الصحابة إلى القَرْن العاشر، انْظُرْ إلى كُتُبِ الرِّدَّةِ، العلماءُ يَذكُرُون هؤلاء الغُلاة، ويَذكُرُون أنهم كُفَّار"، يقول الشيخُ الإمام "هلْ قال أحدُهم مِن عَهْدِ الصحابة إلى عَهْدِ الشيخ أنهم يُكَفَّرُونبالعموم لا بالأعيان؟"، هذه شُبْهَةٌ يَتناقَلُها هؤلاء المُنافِحون عن القُبُوريِّين والمُنافِحون عن عَبَدَةِ الطاغوت. انتهى.

    زيد: رُبَّما قالَ لك البعضُ "أنا أُصَلِّي خَلفَ القُبُورِيِّ فُلَان، لِأَنِّي لا أعَلَمُ أَحَدا مِن العلماءِ كَفَّرَه بِعَيْنِه، وأنا لَسْتُ عالِما، فَلا يَحِقُّ لي أنْ أُكفِّر أَحَدا"؟.
    عمرو:في هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وقد سُئِلَ الشيخُ ابنُ باز في شرحه لكشف الشبهات عِدَّةُ أسئلة عن مسألة العذر بالجهل، منها:
    س: هل يجب على العامِّي أن يُكفِّر مَن قامَ كُفْرُه، أو قامَ فيه الكُفْرُ؟.
    ج: إذا ثبَتَ عليه ما يوجب الكُفْرَ كَفَّرَه، ما المانع؟! إذا ثبَتَ عنده ما يوجب الكُفْرَ كَفَّرَه، مِثْل ما نُكَفِّرُ أبا جهل، وأبا طالب، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والدليلُ على كُفْرِهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتَلهم يومَ بَدْر.
    س: يا شيخ، العامِّي يُمنَع مِن التكفير؟.
    ج: العامِّي لا يُكَفِّرُ إلا بالدليل، العامِّي ما عنده عِلْم، هذا المُشكِل، لكن الذي عنده عِلْمٌ بشيء مُعَيَّن مِثْل مَن جَحَدَ تحريمَ الزنا، هذا يَكفُر عند العامَّة والخاصَّة، هذا ما فيه شُبْهَة، ولو قال واحدٌ "إن الزنا حلالٌ"، كَفَرَ عند الجميع، هذا ما يَحْتاجُ أدِلَّةً، أو قال "إن الشرك جائزٌ"، يُجيز للناس أن يَعبُدوا غيرَ الله، هلْ أَحَدٌ يَشكُّ في هذا؟! هذا ما يَحْتاجُ أدِلَّةً، لو قال "إن الشرك جائزٌ"، يجوز للناس أن يَعبُدوا الأصنامَ والنجومَ والجِنَّ، كَفَرَ، التَّوَقُّفُ يكونُ في الأشياء المُشكِلة التي قد تَخْفَى على العامِّي.
    انتهى باختصار.
    وفي هذا الرابط تفريغ لفتوى صوتية للشيخ صالح الفوزان مِن شرحه لكتاب كشف الشبهات، وفيه: الطالب: أحْسَنَ اللهُ إليكم فضيلة الشيخ، هذا سائلٌ يقول هل التكفير حُكْمٌ لكُلِّ أحدٍ مِن صِغار طُلَّاب العِلْمِ أم أنَّه خاصٌّ بأهْلِ العِلْمِ الكِبارِ والقُضاةِ؟. الشيخ: مَن يَظْهَر منه الشركُ، يَذبَح لغير الله أو يَنْذُر لغير الله، يَظْهَر ظهوراً واضحاً، يَذبَح لغير الله، يَنْذُر لغير الله، يَستغيث بغير الله مِن الأمواتِ، يَدعو الأمواتَ، هذا شِركُه ظاهرٌ، هذا شِركُه ظاهرٌ، فمَن سَمِعَهُ يَحْكُم بكُفْرِه وشِرْكِه، أما الأمور الخَفِيَّة التي تَحتاجُ إلى عِلْمٍ وإلى بَصيرةٍ هذه تُوكَل إلى أهل العلم، تُوكَل إلى أهل العلم، نعم. انتهى.
    وفي هذا الرابط تفريغ لفتوى صوتية للشيخ صالح الفوزان، وفيه: السؤال: أحْسَنَ اللهُ إليكم صاحب الفضيلة، وهذا السائل يقول هل لكُلِّ شخصٍ أن يُكفِّرَ مَعَيَّنا كائِنا مَن كان؟. الجواب: إذا صَدَرَ منه ما يَقتضِي التكفيرَ يُكَفَّر، إذا صَدَرَ منه ما يَقتضِي التكفيرَ مِن قَولٍ أو فِعلٍ أو اعتقادٍ يُكفَّر بموجب ما صَدَرَ منه حتى يتوب إلى الله عز وجل، لماذا يَقْتُلون المُرْتَدَّ؟ إذا صَدَرَ منه ما يَقتضِي الرِّدَّة استتابوه، فإن تابَ وإلا قَتَلُوه، لماذا يَقْتُلُونه؟ إلا أنهم حَكَمُوا عليه بأنه كافرٌ عَمَلا بقوله صلى الله عليه و سلم مَن بَدَّلَ دينَه فاقتلوه، ما نحن بمُرجِئَةٍ، يقولون لازِم نَعْرِفُ اللي في قَلْبِه، ولو قال ولو فَعَلَ ما يُكَفَّر حتى يُعْرَف ما... هذا قول المرجئة، ما هو قول أهل السنة، القلوب لا يَعْلَمُها إلا الله، لكن نَحْكُم على الظاهر. انتهى.
    وفي هذا الرابط تفريغ لفتوى صوتية للشيخ صالح الفوزان، وفيه:
    السائل: هل الحُكْمُ على الشخص بأنه مُشركٌ هو للعلماءِ فقط، أم أن للعوامِّ إذا رَأَوْا مَن يَقَع في الشرك أن يقولوا عنه أنه كافِرٌ مُشركٌ؟.
    الشيخ: مَن أظْهَرَ الشرك فهو مُشركٌ، مَن دَعا غيرَ الله، ذَبَحَ لغير الله، نَذَرَ لغير الله، فهذا مُشركٌ عند العوامِّ وعند العلماءِ، من قال "يا عَلِيّ يا حسين"، هذا مشركٌ، كُلٌّ يَعْرِف أنه مُشركٌ.
    السائل: أحد طلبة العلم وهو يُبيِّن أنَّ مَن وَقَعَ في الشرك فهو كافِر، قال "لكن الذي يَحْكُمُ عليه بالكفر والرِّدَّة ليس هو لأَيِّ أَحَدٍ، حتى العالِم والإمام في العِلْمِ وإنما ذلك للقاضي" لأن هذا...
    الشيخ (مُقاطِعا): الحُكْمُ بالرِّدَّة هذا عند القاضي، لأنه يُقتَل، لكن أنه يُقال هذا شِركٌ، هذا كُلُّ يقوله، كُلُّ مَن عنده إيمانٌ يقول هذا شِركٌ، ما يَحتاجُ أن يَرُوحَ إلى القاضي.
    انتهى.
    وفي هذا الرابط تفريغ لفتوى صوتية للشيخ صالح الفوزان مِن شرحه لكتاب نواقض الإسلام، وفيه: السؤال: عندما نقول "إن تطبيق وتنزيل النواقض على الناس هو للعلماء الكِبار وليس لطلبة العلم" يقولون عنا، أنتم مُرجئةٌ، هل هذا صحيح؟. الجواب: ما علينا، نُطَبِّقُ النواقضَ على مَن اتَّصَفَ بها لِأَجْلِ يَتُوب إلى الله ويَرْتَدِع عما هو عليه، ومَن انْطَبَقَتْ عليه النواقضُ يُعْطَى حُكْمها، وليس هذا خاصّ بالعلماء، هذا يَرجِعُ إلى انطباقِها عليه، إذا انْطَبَقَتْعليه يُعْطَى حُكْمها. انتهى.
    وفي هذا الرابط تفريغ لفتوى صوتية للشيخ عبدالعزيز الراجحي، وفيه:
    السائل: عندما نَرَى شخصاً مَدَّعِياً الإسلام يَشْتُمُ اللهَ أو رسولَه أو دينَه أو يَعبُدُ قبراً أو سَجَدَ له أو لِصَنَمٍ أو يُحلِّلُ الزنا أو يُنكِرُ الصلاةَ، هلْ يُمْكِن أن نُكَفِّرَه عَلَى عَيْنٍ نحن الصِّغارُ بِغَيْرِ أن نسألَ عالِماً أو لا بُدَّ أن يَحْكُمَ عليه عالِما؟.
    الشيخ: لا هذا يُكَفَّرُ بِعَيْنِهِ هذا، هذا يُكَفَّرُ بِعَيْنِهِ، مُرْتَدٌّ والعياذ بالله، مَن سَبَّ اللهَ أو سَبَّ الرسولَ أو أَنْكَرَ ما هو معلومٌ مِن الدينِ بالضرورة، هذا يُكَفَّرُ بِعَيْنِهِ لأنها أُمُورٌ ظاهرة واضحة بَيِّنَة معلوم مِن الدين بالضرورة.
    السائل: يَعْنِي لا نحتاجُ أن نسألَ عالماً في ذلك؟.
    الشيخ: لأن هذا أَمْرٌ واضحٌ لا إشكال فيه.
    انتهى.
    وفي هذا الرابط تفريغ لفتوى صوتية للشيخ صالح السحيمي، وفيه: السائل: أنا طالبٌ صغيرٌ أو عامِّيٌّ، يُمكِن أن أُكفِّرَ الذي يَسْجُدُ للصنمِ إذا رَأَيْتُه يَسْجُدُ للصنمِ؟. الشيخ: أنت انْصَحْهُ، أنت لا تَقُل له "أنت مُشرِكٌ"، لأنَّ... لن يَقْبَلَ منك إذا جِئْتَه بهذا الأسلوب، لكن إذا رَأَيْتَه يَسجُدُ للصنمِ أو يَذبَحُ له أو يَنْذُرُ له فيُحْكَم عليه بالكُفرِ، لكن عليك أن تُناصِحه وأن تُوجِّهه فإن رَجَعَ وقَبِلَ فالحمد لله وإلا فهو مُشركٌ.



    (تابع ما بعده)

  7. افتراضي

    (تابع ما قبله)





    زيد: ربما قال لك البعضُ، إذا كفَّرتُ أَحَدَ القُبُورِيِّين فما الذي يَضْمَنُ لي ألَّا أَبُوأ أنا بالكُفرِ؟.
    عمرو:الجواب على سؤالك هذا يَتبيَّنُ مِن الآتي:
    (1)قال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم "إذا كفَّر الرجُلُ أخاه فقد باءَ بها أحَدُهما"، وفي الرواية الأخرى "أَيُّمَا رَجُلٍ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحَدُهما، إن كان كما قال، وإلَّا رَجَعَتْ عليه"، وفي الرواية الأخرى "لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لغيرِ أبيه، وهو يَعْلَمُه إلَّا كَفَرَ، ومَن ادَّعَى ما ليس له فليس منا، وَلْيَتبوَّأ مقعدَه مِن النار، ومَن دَعا رجُلا بالكُفرِ أو قال عَدُوّ الله، وليس كذلك، إلَّا حارَ عليه"، هذا الحديث ممَّا عَدَّهُ بعضُ العلماء مِن المشكلات، مِن حيث إن ظاهرَه غَيْرُ مُرادٍ، وذلك أن مذهب أهل الحقِّ أنه لا يَكْفُرُ المسلمُ بالمعاصي كالقتل والزنا، وكذا قوله لأخيه "يا كافر" مِن غيرِ اعتقادِ بُطلانِ دينِ الإسلام، وإذا عُرِفَ ما ذكرناه، فَقِيلَ في تأويل الحديث أَوْجُه، أحدها، أنه محمولٌ على المُستحِلَّ لذلك، وَهَذَا يُكَفَّرُ، فعَلَى هذا معنى (باء بها) أي بكلمة الكُفرِ، وكذا (حارَ عليه)، وهو معنى (رَجَعَتْ عليه) أَيْ رَجَعَ عليه الكفرُ، فباءَ وحارَ ورَجَعَ بمعنى واحد، والوجه الثاني، معناه رَجَعَتْ عليه نَقِيصَتُه لأخيه ومعصيةُ تكفيره، والثالث، أنه محمولٌ على الخوارج الْمُكَفِّرِينَ للمؤمنين، وهذا الوجه نَقَلَه القاضي عِيَاضٌ رحمه الله عن الإمام مالك بن أنس، وهو ضعيف، لأن المذهب الصحيح المختار الذي قالَه الأكثرون والمحقِّقون أن الخوارج لا يُكَفَّرُونَ كسائر أهل البدع، والوجه الرابع، معناه أن ذلك يَئُولُ به إلى الكفر، وذلك أن المعاصي -كما قالوا- بَرِيدُ الكُفرِ، ويُخافُ على المُكْثِرِ منها أن يكون عاقِبَةُ شُؤْمِها المَصيرَ إلى الكُفرِ، ويؤيِّدُ هذا الوَجْهَ ما جاء في رواية لأبي عوانة الإسفرايني في كتابه (الْمُخَرَّجُ على صحيح مسلم) "فإن كان كما قال وإلا فقد باء بالكفر، وفي رواية، إذا قال لأخيه يا كافر وجبَ الكفرُ على أحدهما"، والوجه الخامس، معناه فقد رَجَعَ عليه تكفيرُه، فليس الرَّاجِعُ حَقِيقَةُ الْكُفْرِ بَلِ التَّكْفِير، لكونه جَعَل أخاه المُؤْمِنَ كافِرا، فكأنه كَفَّرَ نفْسَه، إما لأنه كَفَّرَ مَن هو مِثْلُه، وإما لأنه كَفَّرَ مَن لا يُكفِّره إلا كافِرٌ يَعتقِدُ بُطلانَ دِين الإسلام، والله أعلم. انتهى.
    (2)في مقالة على هذا الرابط للشيخ عبدالله بن حمود الفريح، قال عن حديث "أيّما امْرِئٍ قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدُهما، إن كان كما قال، وإلا رَجَعَتْ عليه": ظاهر حديث الباب أن مَن قال لأخيه "يا كافر"، ولم يَكُنْ مُستحِقًّا لكلمة الكُفرِ، رَجَعَ وصْفُ الكُفرِ على القائلِ، ولكن هذا الظاهر غير مُرادٍ، لأن مذهب أهل السنة والجماعة أن المُسْلِمَ لا يَكْفُرُ بالمعاصي، كالزنا والقتل، وكذلك قوله لأخيه "يا كافر". انتهى.
    (3)في هذا الرابط سُئِل مَركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: كنتُ أتحدث مع شخص عَبْرَ موقع للتواصل الاجتماعي، فقال لي نَصّا "أنا إلهُ بابل"، فَرَدَدْتُ عليه قائلا "أنت كافِرٌ"، فهل أخطأتُ؟ وهل أَبُوءُ بالكُفرِ في هذه الحالة؟ أم أنَّه كافِرٌ فِعْلا؟.
    فكان ممَّا أجاب به مركزُ الفتوى: وأما السؤال عن بَوْء السائل بالكفر بسبب قوله لصاحبه "أنت كافر"، فجوابه، أنه لا يَكْفُرُ بذلك على أيَّةِ حالٍ، فإن كان صاحِبُه كافرا بالفِعْلِ، فالأمْرُ واضحٌ، وإن لم يَكُن كذلك، فقد قال له ما قال مُتأوِّلا أو جاهِلا بحقيقة حالِه وعُذْرِه، وقد بَوَّبَ الإمامُ البخاري في كتاب الأدب مِن صحيحه (باب مَن كَفَّرَ أخاه بغير تأويلٍ، فهو كما قال) ثم أرْدَفَه ب(باب مَن لم يَرَ إكفارَ مَن قال ذلك مُتأوِّلا أو جاهِلا)، وقال-يعني البخاري- (وقال عمر لحاطب بن أبي بلتعة إنه منافقٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "وما يُدْرِيك، لعلَّ الله قد اطَّلَعَ إلى أهْلْ بَدْر، فقال قد غَفَرتُ لكم")، ثم أَسْنَدَ فيه حديثَ جابر بن عبدالله أن مُعَاذ بن جبل رضي الله عنه كان يُصلِّي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومَه فيُصلِّي بهم الصلاة، فقرأَ بهم البقرةَ، قال فتَجوَّز رجُلٌ فصَلَّى صلاةً خفيفة، فبَلَغَ ذلك مُعَاذًا، فقال إنه منافق، فبَلَغَ ذلك الرجُلَ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإن معاذا صلَّى بنا البارحة، فقرأَ البقرةَ، فتَجَوَّزْتُ، فزَعَمَ أني منافقٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، يا مُعَاذ، أَفَتَّانٌ أنت (ثلاثا)، اقرأ (والشمس وضحاها) و(سبح اسم ربك الأعلى) ونحوها. قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (قال المهلب، معنى هذا الباب أن المتأوِّلَ معذورٌ غَيْرُ مأثوم، ألا تَرى أن عمر بن الخطاب قال لحاطب لمَّا كاتَبَ المشركين بِخَبَر النبي إنه منافقٌ، فعَذَرَ النبيُّ عليه السلام عُمَرَ لمَّا نَسَبه إلى النفاق، وهو أسْوأُ الكُفرِ، ولم يَكْفُرْ عُمَر بذلك مِن أَجْلِ ما جَنَاهُ حاطِب،وكذلك عَذَرَ عليه السلام مُعَاذ حين قال للذي خفَّفَ الصلاةَ وَقَعَطَها خَلْفَه إنه منافقٌ، لأنه كان مُتأوِّلا، فلم يَكْفُرْ معاذ بذلك). وقال محمد أنور شاه الكشميري في فيض الباري (هذه من التراجم المهمة جدا، ومعنى قوله "مُتأوِّلا" أي كان عنده وَجْهٌ لإكفاره، قوله "أو جاهلا" أي بِحُكْم ما قال، أو بِحال المَقُول فيه، والفتوى على أنه لا يَكْفُرُ، كما أطْلَقَه عُمَرُ في صحابي شَهِدَ بَدْرا، فإنه كان له عنده وَجْه). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى "إذا كان المُسلِمُ متأوِّلا في القتال أو التكفير لم يَكْفُر بذلك" ثم استدَلَّ بقصة حاطب، ثم قال (وهذا في الصحيحين، وفيهما أيضا مِن حديث الإفك، أن أُسَيْد بن الحُضَيْر قال لِسَعد بن عُبادة "إنك منافقٌ تُجادل عن المنافقين"، واخْتَصَمَ الفريقان، فأصْلَحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينهم، فهؤلاء البدرِيُّون فيهم مَن قال لآخر منهم "إنك منافقٌ"، ولم يُكفِّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا هذا ولا هذا، بل شَهِدَ للجميع بالجنة). انتهى باختصار.
    (4)قال البيهقي في السنن الكبرى: ومَن كَفَّرَ مُسْلِما على الإطلاق بتأويلٍ لم يَخْرُجْ بِتَكْفِيرِهِ إيَّاه بالتأويلِ عن المِلَّة، فقد مَضَى في كتاب الصلاة في حديث جابر بن عبدالله في قصة الرجُل الذي خَرَج مِن صلاة مُعَاذ بن جبل، فَبَلَغَ ذلك مُعَاذًا، فقال "منافق"، ثُم إن الرجُل ذَكَر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يَزِدْ مُعَاذًا عَلَى أنْ أَمَرَه بتخفيف الصلاة، وقال "أَفَتَّانٌ أنت"، لتطويله الصلاة، ورَوَيْنا في قصة حاطِب بن أبي بَلْتَعة، حيثُ كَتَبَ إلى قريش بِمَسِير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم عام الفتح، أنَّ عُمَر رضي الله عنه قال "يا رسول الله دَعْني أضْرِب عُنُقَ هذا المنافق" فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنه قد شَهِدَ بدرا"، ولم يُنكِر على عُمَر رضي الله عنه تَسْمِيَتَه بذلك، إذ كان ما فَعَلَ عَلَامَةً ظاهرة على النفاق، وإنما يَكْفُر مَن كَفَّر مُسلِما بغير تأويلٍ. انتهى.
    (5)قال البيهقي في شُعَب الإيمان: قد رَوَيْنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال في حاطِب بن أبي بَلْتَعَةَ حين خانَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالكتابة إلى مَكَّة "دَعْنِي أضْرِب عُنُقَ هذا المنافق"، فَسَمَّاه عُمَرُ مُنافِقا، ولم يكُنْ مُنافِقا، فقد صَدَّقَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيما أخْبَرَ عن نَفْسِه، ولم يَصِرْ به عُمَرُ كافرا، لأنه أكْفَرَهُ بالتأويلِ، وكان ما ذَهَبَ إليه عُمَرُ مُحتَمَل. انتهى.
    (6)يقول ابن القيم في كتاب زاد المعاد: الرجُل إذا نَسَبَ المُسلِمَ إلى النفاق والكفر متأوِّلا وغَضَبا للهِ ورسولِه ودينِه، لا لِهَواهُ وحَظِّهِ، فإنه لا يَكْفُرُ بذلك، بل لا يَأْثَمُ به، بل يُثابُ على نِيَّتِهِ وقَصْدِهِ، وهذا بِخِلَاف أهْلِ الأهواء والبدع، فإنهم يُكفِّرُون ويُبَدِّعون لِمُخالَفة أهوائِهم وَنِحَلِهم، وهُم أَوْلَى بذلك مِمَّنْ كَفَّرُوه وبَدَّعُوه. انتهى.
    (7)جاء في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ما يلي:سُئِل الشّيخ عبدالله بن عبدالرّحمن أبو بطين -رحمه الله وعفا عنه- عن الذي يُروَى "مَن كَفَّرَ مُسلِمًا فقد كَفَرَ"، فأجاب عفا الله عنه: لا أصْل لهذا اللّفظ فيما نَعْلَمُ عن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإنَّما الحديث المعروف "مَن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدُهما"، ومَن كَفَّرَ إنسانًا أو فَسَّقه أو نَفَّقه مُتأوِّلًا غَضَبًا لله تعالى فيُرجَى العفوُ عنه، كما قال عُمَرُ رضي الله عنه في شأن حاطِب بن أبي بلتعة أنَّه منافقٌ، وكذا جَرَى مِن غيره مِن الصّحابة وغيرهم، وأمّا مَن كَفَّرَ شخصًا أو نفَّقه غَضَبًا لنفسه أو بغير تأويلٍ فهذا يُخافُ عليه. انتهى.
    (8)قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في الإتحاف فى الرَّدِّ على الصحاف: وأما إن كان المُكفِّرُ لأحد مِن هذه الأُمَّة يَستنِدُ في تكفيره له إلى نَصٍّ وبرهانٍ مِن كتاب الله وسنة رسوله، وقد رَأَى كُفْرا بَواحا، كالشرك بالله، وعبادة ما سواه، والاستهزاء به تعالى أو بآياته أو رُسُله أو تكذيبهم، أو كَراهة ما أَنْزَل الله مِن الهُدى ودين الحق، أو جحود الحق، أو جَحْد صفات الله تعالى ونعوت جلاله ونحو ذلك، فالمُكفِّرُ بهذا وأَمْثالِه مُصِيبٌ مأجورٌ، مُطِيعٌ لله ورسوله، قال الله تعالى "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ"، فمَن لم يَكُن مِن أَهْلِ عبادة الله تعالى وإثبات صفات كماله ونعوت جلاله مؤمنا بما جاءَتْ به رُسُلُه مُجْتَنِبا لكُلِّ طاغوتٍ، يَدْعُو إلى خِلاف ما جاءَتْ به الرُّسُلُ، فهو مِمِّن حَقَّتْ عليه الضلالةُ، وليس مِمِّن هَدَى اللهُ للإيمان به، وبما جاءَتْ به الرُّسُلُ عنه، والتكفيرُ بترك هذه الأصول، وعدمِ الإيمان بها مِن أَعْظَم دعائمِ الدِّين، يَعْرِفه كلُّ مَن كانت له نَهْمَة في معرفة دين الإسلام... ثم قال:وقد غَلَطَ كثيرٌ مِن المشركين في هذه الأعصار، وظنوا أن مَن كَفَّرَ مَن تلفَّظَ بالشهادتين فهو مِن الخوارج، وليس كذلك، بل التَّلَفُّظُ بالشهادتين لا يكون مانِعا مِن التكفير إلا لِمَن عَرَفَ مَعْناهما، وعَمِلَ بِمُقْتَضاهما، وأخْلَصَ العبادةَ لله، ولم يُشْرِكْ به سواه، فهذا تَنْفَعُه الشهادتان، وأما مَن قالهما، ولم يَحْصُلْ منه انقيادٌ لِمُقْتَضاهما، بل أشْرَكَ بالله، واتَّخَذَ الوسائطَ والشفعاءَ مِن دُون الله، وطَلَبَ منهم ما لا يَقدِرُ عليه إلا اللهُ، وقَرَّبَ لهم القرابين، وفَعَلَ لهم ما يَفْعَلُه أهْلُ الجاهلية مِن المشركين، فهذا لا تَنْفَعُه الشهادتان بل هو كاذبٌ في شهادته، كما قال تعالى "إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ"، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله هو عبادةُ الله وتَرْكُ عبادة ما سواه، فمَن استكبرَ عن عبادته ولم يَعبُده فليس مِمِّن يَشْهَدُ أن لا إله إلا الله، ومَن عَبَدَه وعَبَدَ معه غيْرَه فليس هو مِمِّن يَشْهَدُ أن لا إله إلا الله. انتهى.
    (9)قال أبو حامد الغزالي في فضائح الباطنية: فإن قِيل فَلَوْ صَرَّحَ مُصَرِّحٌ بِكُفرِ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، يَنبَغي أن يُنَزَّل مَنْزِلَة مَن لو كَفَّرَ شخصا آخر مِن آحاد المسلمين أو القضاة والأئِمَّة مِن بعدهم، قلنا هكذا نقول، فلا يُفارِقُ تكفيرُهم تكفيرَ غيرهم مِن آحاد الأُمَّة والقضاة بل أفراد المسلمين المعروفين بالإسلام إلا في شَيْئَين، أحدهما في مخالفة الإجماع وخَرْقه، فإن مُكفِّرَ غيرهم ربما لا يكون خارقا لإجماعِ مُعْتَدّ به، الثاني أنه وَرَد في حقِّهم مِن الوَعْدِ بالجنة والثناءِ عليهم والحُكْمِ بصحَّة دينِهم وثباتِ يَقِينِهم وتَقَدُّمِهم على سائر الخَلْق أخبارٌ كثيرة، فقائل ذلك إن بَلَغَته الأخبارُ واعتَقدَ مع ذلك كُفْرَهم فهو كافِرٌ، لا بتكفيره إياهم ولكن بتكذيبِه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فمَنْ كذَّبَه بكلمة مِن أقاويله فهو كافِرٌ بالإجماع، ومَهْما قُطِعَ النَّظَرُ عن التكذيب في هذه الأخبار وعن خَرْقِ الإجماع نَزَلَ تكفيرُهم مَنْزِلَةَ سائرِ القضاة والأئِمَّة وآحاد المسلمين، فإن قِيل فما قولُكم فِيمَن يُكفِّر مسلما، أهو كافر أم لا؟ قلنا إن كان يَعْرِف أن مُعتقَدَه التوحيدُ وتصديقُ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سائر المعتقدات الصحيحة، فمهما كَفَّره بهذه المعتقدات فهو كافِرٌ لأنه رَأَى الدِّينَ الحَقَّ كُفْرا وباطِلا، فأمَّا إذا ظَنَّ أنه يَعتقِدُ تكذيبَ الرسول أو نَفْيَ الصانع أو تَثْنِيَتَه أو شيئا ممَّا يُوجِبُ التكفيرَ فكَفَّرَه بِناءً على هذا الظنِّ، فهو مُخطئٌ في ظنِّه المخصوص بالشخص، صادقٌ في تكفير مَن يَعتقِدُ ما يَظُنُّ أنه مُعْتَقَدُ هذا الشخص، وظَنُّ الكُفْر بمُسْلِم ليس بِكُفْرٍ، كما أن ظَنَّ الإسلام بكافرٍ ليس بِكُفْرٍ، فمِثل هذه الظنون قد تُخْطِئُ وتُصِيبُ. انتهى.

    المسألة السابعة والعشرون


    زيد: كيف صَحَّحَ الشيخُ ابن باز الصلاةَ في المسجد النبوي، مع كونه بداخله ثلاثة قبور (قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبرَي صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما)؟.
    عمرو: صَحَّحَالشيخُ ابن باز الصلاةَ تأسيسا على أن القبور الثلاثة ليست موجودةً داخِل المسجد، فهو يَرَى أن الموجودَ داخِل المسجد هو حُجْرةُ عائشة لا القبور الثلاثة، ففي هذا الرابط على موقع الشيخ، قال الشيخُ "والرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصاحباه رضي الله عنهما لم يُدفَنوا في المسجد، وإنما دُفِنوا في بَيْتِ عائشة، ولكن لَمَّا وُسِّعَ المسجدُ في عهد الوليد بن عبدالملك أَدْخَلَ الحُجْرةَ في المسجد في آخر القرن الأَوَّل؛ ولا يُعتبَرُ عَمَلُه هنا في حُكْمِ الدَّفْن في المسجد، لأن الرسولَ صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لم يُنْقَلوا إلى أرضِ المسجد، وإنما أُدْخِلَت الحُجْرةُ التي هُمْ بها في المسجد مِن أَجْلِ التَّوْسِعَة، فلا يكون في ذلك حُجَّةٌ لأحَدٍ على جَوَاز البناءِ على القبور أو اتِّخاذِ المساجد عليها أو الدَّفْنِ فيها لما ذَكَرْتُه آنِفا مِن الأحاديث الصحيحة المانِعة مِن ذلك". وفي هذا الرابط على موقع الشيخ، قال الشيخُ "فلمَّا وَسَّعَ الوليدُ بن عبدالملك مسجدَ النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أَدْخَلَ الحُجْرةَ في المسجد، وقد أساءَ في ذلك، وأنْكَرَ عليه بعضُ أهل العلم". وفي هذا الرابط على موقع الشيخ، قال الشيخُ "ولكن لمَّا وَسَّعَ الوليدُ بن عبدالملك بن مروان المسجدَ أَدْخَلَ البيتَ في المسجد؛ بسبب التَّوْسِعة، وَغَلَطَ في هذا، وكان الواجِبُ أن لا يُدْخِله في المسجد". وفي هذا الرابط على موقع الشيخ، سُئِلَ الشيخُ: كُنَّا في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهبنا للصلاة في المسجد النبوي الشريف، وَمَعَنا أخٌ لنا، عنده نَوْعٌ مِن التشدُّد والحِرْص، فقال "إنه لا تجوز الصلاةُ في مسجد فيه قبر، فامتنعَ أن يُصَلِّي معنا، فأشكل ذلك علينا، فَنَطْلُب الإيضاحَ؟. فكان مما أجاب به الشيخ: مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ليس فيه قبرٌ، الرسول قُبِر في بيته عليه الصلاة والسلام، ولم يُقبَر في المسجد، وإنما قُبِر في بيته عليه الصلاة والسلام، في بيت عائشة، ولكن لمَّا وُسِّعَ المسجدُ في عهد الوليد بن عبدالملك أمير المؤمنين في ذلك الوقت في آخر المائة الأُولى، أَدْخَلَ الحُجْرَةَ في المسجد مِن أجْلِ التوْسِعة، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم وصاحباه لم يزالوا في بيت عائشة وليسوا بالمسجد، وبينهم وبين المسجد الجُدُر القائمة والشبك القائم، فهو في بيته صلى الله عليه وسلم وليس في المسجد، وهذا الذي قال هذا الكلام جاهِلٌ لم يَعْرِف الحقيقةَ ولم يَعْلَم الحقيقةَ، فالواجبُ على المؤمن أن يُفرِّقَ بين ما أباحَ اللهُ، وبين ما حرَّمَ اللهُ، فالمساجد لا يُدفَنُ فيها المَوتى، ولا تُقامُ على المَوتى، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ليس مِن هذا القبيل، بل هو صلى الله عليه وسلم دُفِنَ في بَيْتِه في بَيْتِ عائشة خارِجَ المسجد، شرقي المسجد، ثم لَمَّا جاءَت التَّوْسِعَةُ أَدْخَلَه الوليدُ في المسجد، أَدْخَلَ الحُجْرةَ، وقد أَخْطَأَ في ذلك، يَعْفُو اللهُ عَنَّا وعنه. انتهى.
    قلت: وهنا ملاحظات:
    (1)اتَّهَمَ الشيخُ ابنُ باز الأخَ الذي رَأَى أن القبرَ النبوي موجودٌ داخل المسجد بالجهل، مع أن هذا مذهب الشيوخ الألباني ومُقْبِل الوادِعِي وربيع المدخلي، على ما مَرَّ بيانُه؛ فهل يَتَّهِمُ الشيخُ أيضا هؤلاء الشيوخَ بالجهل!!!.
    (2)قَوْلُ الشيخ عن الوليد بن عبدالملك "وقد أساءَ في ذلك، وأنْكَرَ عليه بعضُ أهل العلم" وقَوْلُه "وَغَلَطَ في هذا، وكان الواجِبُ أن لا يُدْخِله في المسجد" وقَوْلُه "أَدْخَلَ الحُجْرةَ، وقد أَخْطَأَ في ذلك، يَعْفُو اللهُ عَنَّا وعنه"، أقوالُ الشيخ هذه تَدْفَعُ إلى أن يُطْرَحَ سؤالٌ مُهِمٌّ، وهو إذا كان الوليدُ بن عبدالملك لم يُدْخِل القُبورَ الثلاثة داخِلَ المسجد النبوي، فلماذا اتَّهَمَهُ الشيخُ بأنه أساءَ وخالَفَ الواجِبَ وأخطأَ؟ وما هي المخالفة الشرعية التي بسبب وُقُوعِها دَعَا الشيخُ اللهَ أن يَعْفُو عن الوليدِ بن عبدالملك؟!!!.
    (3)لم يُوضِّح الشيخُ ابن باز حُكمَ الصلاة في المسجد النبوي لمَن يَرَى صِحَّةَ مذهب الشيوخ الألباني ومُقْبِل الوادِعِي وربيع المدخلي مِن أن القبورَ الثلاثة موجودةٌ داخِل المسجد، ولا يَرَى صِحَّة ما يَراه الشيخُ مِن أن القبور الثلاثة ليست في المسجد.
    (4)الشيخُ ابنُ باز نَفْسُه في بعض فتاواه أَوْضَحَ أنه لا فَرْق بين مسجد بداخِله غُرْفَة فيها قبروبين مسجد فيه قبر، وَغَيْرُ الشيخ ابن باز أَوْضَحَ نَفْسَ الشَّيْء أيضا، وإليك بيان ذلك:
    (أ)في فتاوى الشيخ ابن باز في (فتاوى نور على الدرب) على هذا الرابط سُئل الشيخُ: أنا مِن جمهورية مِصْرَ العربية، ويوجد بالبلدة التي أعيش فيها مسجدٌ به قبر في غُرْفة بِطَرَفِ المسجد، يَفْصِل بينهما بابٌ، أُصلِّي بهذا المسجد أحياناً، أنْكَرَ عَلَيَّ بعضُ الأشخاص، وقال "لا تُصَلِّ في هذا المسجد، لأن فيه قبرا"؟.
    فأجاب الشيخ: إذا كان القبرُ خارجَ أسوار المسجد فلا يَضُرُّك الصلاةُ في المسجد، ولكن ينبغي مع هذا إبعادُه عن المسجد إلى المقبرة حتى لا يَحصُل تشويشٌ على الناس، أما إذا كان في داخل المسجد، فإنك لا تُصلِّ في المسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد"، متفق على صحته، ولقوله أيضاً عليه الصلاة والسلام "ألا وإن مَن كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوها مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، أخرجه مسلم في صحيحه، والرسول صلى الله عليه وسلم نَهَى عن اتِّخاذ القبور مساجد، فليس لنا أن نتِّخذَها مساجد، سواء كانت القبور للأنبياء أو للصالحين أو لغيرهم مِمَّا لا يُعْرَف، فالواجب أن تكون القبورُ على حدة في مَحَلَّات خاصة، وأن تكون المساجد سليمة مِن ذلك لا يكون فيها قبورٌ، ثم الحُكْم فيه تَفصِيلٌ، فإن كان القبرُ هو الأَوَّل أو القبورُ، ثم بُنِيَ المسجدُ فإن المسجد يُهْدَمُ ولا يجوز بقاؤه على القبور، لأنه بُنِيَ على غير شريعة الله فوَجَبَ هَدْمُه، أمَّا إن كانت القبورُ متأخِّرةً والمسجد هو السابق، فإن الواجب نَبْشُها ونَقْلُ رُفاتها إلى المقبرة العامَّة، كلُّ رُفاتِ قبرٍ تُوضَعُ في حُفْرةٍ خاصَّةٍ، ويُساوَى ظاهرُها كسائر القبور حتى لا تُمتهَن وتكون مِن تبع المقبرة التي دُفِن فيها الرُّفاتُ، حتى يَسْلَم المسلمون مِن الفتنة بالقبور، والرسول صلى الله عليه وسلم حين نَهَى عن اتِّخاذ القبور مساجد، مقصودُه عليه الصلاة والسلام سَدُّ الذريعة التي تُوَصِّلُ إلى الشرك، لأن القبور إذا وُضِعَتْ في المساجد يَغْلُو فيها العامَّةُ، ويَظنُّون أنها وُضِعتْ لأنها تَنفَعُ ولأنها تَقبَلُ النُّذورَ ولأنها تُدْعَى ويُستغاثُ بأهلها فيَقَع الشركُ، والواجبُ الحَذَرُ مِن ذلك، وأن تكون القبورُ بعيدةً عن المساجد بأن تكون في مَحَلَّات خاصَّة، وتكون المساجدُ سليمةً مِن ذلك. انتهى. قلت: لاحِظْ يرحمُك اللهُ أن السائل سألَ عن حُكم الصلاة في مسجد بداخله غرفة فيها قبر، فأجابه الشيخُ عن حُكم الصلاة في مسجد فيه قبر، وهذا يعني أن الشيخ لا يَرَى فَرْقا بين الصورَتَين.
    (ب)وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سُئِلَ: ولو كان القبرُ منعزلاً في حجرة خارجية يا شيخ عبدالعزيز؟.
    فأجاب الشيخ: مادام في المسجد، سواء عن يمينك وإلا عن شمالك وإلا أمامك وإلا خلفك، فلا تَصِحُّ الصلاةُ فيه، أما إذا كان خارج المسجد فلا يَضُرُّ بشيء، المهم أن القبر بُنِيَ عليه المسجدُ. انتهى. قلت: لاحِظْ يرحمُك اللهُ أن السائل سألَ عن حُكم الصلاة في مسجد بداخله غرفة فيها قبر، فأجابه الشيخُ عن حُكم الصلاة في مسجد فيه قبر، وهذا يعني أن الشيخ لا يَرَى فَرْقا بين الصورَتَين.
    (ت)في هذا الرابط سُئلَت اللجنةُ الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن بازوعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): يوجد بمدينتي بالجنوب التونسي مسجدٌ وبه قبر في إحدى زواياه، وهذا القبر داخل غُرفة وحده، أي لا تَقَعُ الصلاةُ داخِل هاته الغرفة، فما حُكْم الصلاة في هذا المسجد؟.
    فأجابت اللجنة: لا تجوز الصلاةُ في كل مسجد فيه قبر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نَهَى عن ذلك ولَعَنَ مَن اتَّخذَ القبورَ مساجد. انتهى. قلت: لاحِظْ يرحمُك اللهُ أن السائل سألَ عن حُكم الصلاة في مسجد بداخله غرفة فيها قبر، فأجابَتْهُ اللجنةُ عن حُكم الصلاة في مسجد فيه قبر، وهذا يعني أن اللجنة (التي يَرْأَسُها الشيخُ ابنُ باز نَفْسه) لا تَرَى فَرْقا بين الصورَتَين.
    (ث)في هذا الرابط سُئلَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: ما حُكم الصلاة في المسجد الذي به ضَريحٌ؟ مع العلم أن هذا الضريح في حُجْرة مُنْفَصِلة؟.
    فأجاب مركز الفتوى: الصلاةُ لا تجوزُ ولا تَصِحُّ في مسجد فيه قبر لِنَهْيِه صلى الله عليه وسلم عن ذلك في الأحاديث الصريحة الصحيحة الثابتة، والنَّهْيُ يَقتضِي التحريمَ والفسادَ كما قرَّرَ ذلك العلماءُ رحمهم الله تعالى، وإذا كان القبرُ أو الضريحُ في حُجْرةٍ مُستَقِلَّةٍ خارج حدود المسجد فهذا لا علاقة له بالمسجد، وفي هذه الحالة تجوز الصلاةُ بالمسجد لأنه مُنفصِلٌ عن القبر. انتهى. قلت: لاحِظْ يرحمُك اللهُ أن السائل سألَ عن حُكم الصلاة في مسجد بداخله غرفة فيها قبر، فأجابه مركز الفتوى عن حُكم الصلاة في مسجد فيه قبر، وهذا يعني أن مركز الفتوى لا يَرَى فَرْقا بين الصورَتَين.
    (ج)جاء في مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان ما يلي:
    سؤال: كان يوجد في قريتنا رجُلٌ صالح، فلما ماتَ قامَ أهلُه بدَفْنِه في المسجد الصغير الذي نؤدِّي فيه الصلاةَ، والذي بَناه هذا الرجُلُ في حياته، ورفعوا القبرَ عن الأرض ما يُقارِب مترا، وربَّما أكثر، ثم بعد عدَّة سنوات قامَ ابنُه الكبير بِهْدم هذا المسجد الصغير، وإعادة بنائه على شكل مسجد جامع أكبر مِن الأَوَّل، وجَعَلَ هذا القبرَ في غرفة مُنعَزِلة داخِل المسجد؛ فما الحُكم في هذا العمل، وفي الصلاة في هذا المسجد؟.
    الجواب: بناء المساجد على القبور أو دَفْن الأموات في المساجد، هذا أمرٌ يُحرِّمُه اللهُ ورسولُه وإجماعُ المسلمين، وهذا مِن رَواسِب الجاهليَّة، وقد كان النصارى يَبْنون على أنبيائهم وصالحيهم المساجد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذكرَتْ له أمُّ سلمة كنيسةً رَأَتْها بأرض الحبشة وما فيها مِن التصاوير، قال عليه الصلاة والسلام "أولئك إذا ماتَ فيهم العبدُ الصالحُ [أو الرجُلُ الصالحُ] بَنَوْا على قبره مسجدا، وصَوَّروا فيه تلك التصاوير، أولئك شِرارُ الخَلْق عند الله"، وقال صلى الله عليه وسلم "اشْتَدَّ غضبُ الله على قوم اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم وصالحيهم مساجد"، وقال صلى الله عليه وسلم "ألا فلا تَتَّخِذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، إلى غير ذلك مِن الأحاديث التي حذَّرَ فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن تَسْلُك هذه الأمُّةُ ما سَلَكَت النصارى والمشركون قَبْلَهم مِن البناء على القبور، لأن هذا يُفْضِي إلى جَعْلِها آلِهَة تُعْبَدُ مِن دون الله عز وجل، كما هو الواقع المُشاهَد اليوم، فإن هذه القبور والأضرحة أصبحت أوثانا عادت فيها الوَثَنِيَّةُ على أَشُدِّها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ والواجب على المسلمين أن يَحذَروا مِن ذلك، وأن يَبتعِدوا عن هذا العمَلِ الشَّنِيعِ، وأن يُزِيلوا هذه البِنايات الشِّركيَّة، وأن يَجعلوا المقابرَ بعيدة عن المساجد، فالمساجد للعبادة والإخلاص والتوحيد، {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه}، والمقابر تكون لأمواتِ المسلمين، تكون بعيدة كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرون المُفَضَّلة؛ أمَّا أن يُدْفَنَ الميِّتُ في المسجد، أو يُقام المسجدُ على القبر بعد دَفْنِه، فهذا مُخالِفٌ لدين الإسلام، مُخالِفٌ لكتاب الله وسُنَّة رسوله وإجماع المسلمين، وهو وسيلة للشرك الأكبر الذي تَفَشَّى ووَقَعَ في هذه الأُمَّة بسبب ذلك؛ الحاصل، يجب عليكم إزالةُ هذا المُنْكَر الشنيع، فهذا الميِّتُ الذي دُفِنَ في المسجد بعد بناء المسجد، الواجب أن يُنْبَشَ هذا الميِّتُ، ويُنْقَلَ، ويُدْفَنَ في المقابر، ويُطَهَّرَ المسجدُ مِن هذا القبر، ويُفَرَّغَ للصلاة والتوحيد والعبادة، هذا هو الواجب عليكم.
    سؤال: قَبْلَ إزالة هذه الجُثَّة ما حُكم الصلاة؟.
    الجواب: قَبْلَ إزالة هذا القبر مِن المسجد، لا تجوز الصلاةُ فيه، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن اتِّخاذ القبور مساجد، أي اتِّخاذها مُصَلَّيات، ولو كان المُصلِّي لا يَقْصِدُ القبرَ، وإنما يَقْصِدُ اللهَ عز وجل بِصَلاتِه، لكن الصلاة عند القبر وسيلة إلى تعظيم القبر، وإلى أن يُتَّخَذ القبرُ وَثَنا يُعْبَدُ مِن دون الله عَزَّ وجَلَّ.
    انتهى.
    قلت: لاحِظْ يرحمُك اللهُ أن السائل سألَ عن حُكم الصلاة في مسجد بداخله غرفة فيها قبر، فأجابه الشيخُ عن حُكم الصلاة في مسجد فيه قبر، وهذا يعني أن الشيخ لا يَرَى فَرْقا بين الصورَتَين.


    المسألة الثامنة والعشرون


    زيد: هناك مَن يُصَحِّح الصلاةَ في المسجد النبوي، مع كونه بداخِلِه القبر النبوي، تأسيسا على قاعدة (ما حُرِّم سدًّا للذريعة يُباحُ للحاجَةِ أو المصلحة الراجحة)، ومِن هؤلاء الشيخُ محمد حسن عبدالغفار الذي قال في القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه (ظَهِرَ على الساحة كثيرٌ مِمَّن يُنْكِرون على مَن يُنْكِر الصلاةَ في القبور، فيقول "إن عندكم قبرَ النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي، فكيف تَصِحّ الصلاةُ فيه؟"، فنقول لهم المَنْع مِن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر ليس مَنْعاً لذاته، ولكن لغيره، أيْ لِمَا يؤدِّي إليه، وهو الخوف مِن الشرك، وهناك مصلحةٌ أعْظَم مِن هذه المَفسدةِ المظنونةِ، وهذه المصلحة هو أن الصلاةَ في المسجد النبوي بأَلْفِ صلاة، وهذه المصلحة لا تَجِدُها في أيِّ مسجدٍ آخر إلا المسجد الحرام، فهذه مصلحةٌ أعْظَمُ وأَرْجَحُ، فنقول المَنْعُ كان خوفاً مِن مَفسدةٍ، فيُباح مِن أَجْلِ المصلحة الراجحة، وهي أن الصلاة بأَلْفِ صلاة، وأيضاً نقول الخوف مِن الشرك في المسجد النبوي بالذات مَمْنوعٌ كَوْناً وشَرْعاً، أو قُلْ قَدَراً وشَرْعاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دَعا وقال "اللهم لا تَجْعَل قبري وَثَناً يُعْبَدُ"، ودعاءُ النبي صلى الله عليه وسلم مُستجابٌ، وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى وقال "لا تجعلوا قبري عِيدا"، فالخوفُ مِن الشرك ممنوعٌ شَرْعا وقَدَراً، فهذه المَفسدةُ مُنْتَفِيَةٌ)؛ فكيف تَرَى صِحَّةَ هذا التخريج؟.
    عمرو: الجوابُ عن هذا التخريج يَتَّضِحُ ممَّا يلي:
    (1)حديث "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد" يرويه الإمامُ مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"، وعطاء بن يسار ليس مِن الصحابة، بل مِن التابعين، فحديثه مُرسَل، ولكن وَرَدَ الحديثُ مُسندا -بدون كلمة يعبد- مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اللهم لا تجعل قبري وثنا، لَعَن اللهُ قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" رواه أحمد، وقال أحمد شاكر مُحقِّق المُسند إسناده صحيح، وقال الألباني في تحذير الساجد سنده صحيح، وقال شعيب الأرناؤوط مُحقِّق المُسند إسناده قوي.
    (2)في هذا الرابط سُئلَت اللجنةُ الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان): ما معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "سألت ربي عز وجل ثلاثَ خِصالٍ، فأعطاني اثْنَتَيْنِ ومَنَعَنِي واحدةً، سألتُ ربي أن لا يُهْلِكَنَا بما أهْلَكَ به الأممَ فأعطانيها، فسألت ربي عز وجل أن لا يُظْهِرَ علينا عَدُوًّا مِن غيرنا فأعطانيها، فسألت ربي أن لا يَلْبِسَنَا شِيَعًا فمَنَعَنِيها"؟. فأجابت اللجنةُ: الحديث رواه الترمذي، وقال "حديث حسن صحيح"، والنسائي واللفظ له، ورواه مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه، ومعنى الحديث أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سألَ ربَّه عز وجل ثلاث مسائل لأُمَّته، الأُولَى ألَّا يُهْلِكهم بما أهْلَكَ به الأُممَ مِن الغَرَق والرِّيح والرَّجْفَة وإلقاء الحجارة مِن السماء، وغيرِ ذلك مِن أنواع العذاب العظيم العامِّ، والثانية عَدَمُ ظُهورِ عَدُوٍّ عليهم مِن غيرهم فيَستَبِيح بَيْضَتَهم، والثالثة عَدَمُ لَبْسِهم شِيَعًا، واللَّبْسُ الاختلاطُ والاختلافُ بالأهواء، والشِّيَعُ جَمْعُ شِيعَة وهي الفِرْقَة، وقد أخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن ربه عز وجل تَفضَّلَ عليه واستجابَ له في الْأَوْلَيَينِ، ومَنَعَهُ الثالثةَ لحِكْمةٍ يَعْلَمُها تبارك وتعالى. انتهى. ويقول الشيخ بدر الدين العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم "لكلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بها، وأُرِيدُ أن أخْتَبِئَ دَعْوَتي شَفاعةً لِأُمَّتِي في الآخرة": فإن قُلْتَ وَقَعَ للكثير مِن الأنبياء عليهم السلام مِن الدعوات المُجابة، ولا سِيَّمَا نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم، وظاهِره أن لِكُلِّ نبيٍّ دعوة مُجابة فقط؛ قُلْتُ أُجِيبَ بأن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القَطْعُ بها، وما عدا ذلك مِن دَعَواتِهم فهو على رَجاء الإجابة، وقِيلَ معنى قوله "لِكُلِّ نبيٍّ دعوة"، أَيْ أفْضَل دعواته، وقيل لِكُلٍّ منهم دعوةٌ عامَّةٌ مُستجابةٌ في أُمَّته، إمَّا بإهلاكِهم، وإما بنَجاتِهم، وأمَّا الدَّعَوات الخاصَّة، فمِنها ما يُستجابُ، ومنها ما لا يُستجابُ. انتهى. قلت: وعلى ذلك فإن دَعْوَى الشيخ محمد حسن عبدالغفار أن الله استجابَ دَعْوَتَه صلى الله عليه وسلم "اللهم لا تَجْعَلْ قبري وثناً" دَعْوَى تحتاجُ إلى دليلٍ خاصٍّ يَنُصُّ على استجابة هذه الدَّعْوَة بِعَيْنِها.
    (3)ثَبَتَ في الصحيحين عن عائشة وعبدالله بن عباس رضي الله عنهم قالا "لما نُزِل برسول الله صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصةً له على وجهه فإذا اغْتَمَّ كَشَفَها عن وجهه فقال وهو كذلك لَعْنَةُ اللهِ على اليهودِ والنصارى اتَّخذوا قُبورَ أنبيائهم مساجدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا". ويقول الشيخ حمزة محمد قاسم في منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري: معنى الحديث: يقول ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم "لما نُزِل برسول الله صلى الله عليه وسلم" أي لما نَزَل به الموتُ واشْتَدَّ عليه المرضُ، "طفق يطرح خميصة" وهي كِسَاءٌ مُخَطَّطٌ، "على وجهه" أي صارَ يُرْخِي هذا الكساء على وجهه، "فإذا اغتم كشفها" أي فإذا ضاقَتْ أنفاسُه بسبب اشتداد الحرارة كَشَفَ الخميصةَ، "فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" أي فأخبرَ الحاضرين عنده مِن الصحابة عن حلول اللعنة باليهود والنصارى، وطَرْدِهم مِن رحمةِ الله بسبب بنائهم المساجد على قُبورِ أنبيائهم. انتهى من كتاب منار القاري. ويقول الشيخُ صالح آل الشيخ في كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد: هذا الحديث مِن أعظم الأحاديث التي فيها التغليظ في وسائل الشرك وبناء المساجد على القبور واتِّخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، ووَجْهُ ذلك أنه عليه الصلاة والسلام وهو في ذلك الغمِّ وتلك الشِّدَّةِ ونزولِ سكرات الموت به عليه الصلاة والسلام يُعانِيها، لم يَفْعَلْ عليه الصلاة والسلام؟ بل اهْتَمَّ اهتماما عظيما وهو في تلك الحال بتحذير الأُمَّة مِن وسيلة مِن وسائل الشرك، وتوجيه اللعن والدعاء على اليهود والنصارى بلعنة الله، لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، سبب ذلك أنه عليه الصلاة والسلاميَخشَى أن يُتَّخذ قبرُه مسجدا كما اتُّخِذَتْ قبورُ الأنبياء قَبْلَه مساجد، ومَن اتَّخذَ قبورَ الأنبياء مساجد؟ شرارُ الخَلْقِ عند الله مِن اليهود والنصارى الذين لَعَنَهم النبيُّ عليه الصلاة والسلام، فقال "لَعْنَة اللّهُ على الْيَهُودَ وَالنّصَارىَ"، واللعنة هي الطرد والإبعاد مِن رحمةِ الله، وذلك يدُلُّ على أنهم فَعَلُوا كبيرةً مِن كبائر الذنوب، وهذا كذلك، فإن البناء على القبور واتخاذ قبور الأنبياء مساجد هذا مِن وسائل الشرك وهو كبيرةٌ مِن الكبائر، قال "اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"، فإذَن سَبَب اللَّعنِ أنهم اتَّخذوا قُبورَ الأنبياء مساجد، والنبيُّ عليه الصلاة والسلام يَلْعَنُ ويُحذِّرُ وهو في ذلك المَوْقِفِ العَصِيبِ، فقامَ ذلك مَقامَ آخِرِ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بها عليه الصلاة والسلام ألَّا تُتَّخَذ القُبورُ مساجد فخالَفَ كثيرٌ مِن الفئام في هذه الأُمَّةِ، خالَفوا وصيَّةَ عليه الصلاة والسلام. انتهى. قلت: وفي ذلك دلالةٌ واضحة على خَوْفِ النبي صلى الله عليه وسلم على أُمَّتِه مِن الغُلُوِّ فيه ومِن وُقُوعِهم في الشرك حال اتِّخاذهم قبره مسجدا، فَهَل الخوفُ المذكور بالصفة المذكورة في الحديث يَدُلُّ على أنه صلى الله عليه وسلم كان يَعْلَمُ أن دعاءَه "اللهم لا تجعل قبري وثناً" قد استُجيب؟ وكان يَعْلَمُ أن وُقُوع الشرك في المسجد النبوي بالذات ممنوع قَدَراً؟!!! أعتقد أن الإجابة واضحة جدا، أَمْ أنَّ الشيخ محمد حسن عبدالغفار عَلِمَ ما لم يَعْلَمْهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم!!!.
    (4)لو قال رجُلٌ لآخر "لا تَطِرْ في الهواء"، فهل هذا القول يَزِيدُ على أن يكون عَبَثا؟، نعم هو عبثٌ واضح، لأن الطبيعة البشرية لا تَعرِفُ الطَّيَرانَ في الهواء؛ ولمَّا كان مِن المعلوم قَطْعا نَزَاهةُ كلامِ النُّبُوَّةِ عن العَبَثِ، فكيف يَتصوَّر أحدٌ أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى الناسَ عن شَيْءِ هو مِن الممنوع كونا، أو يَنْهىَ الناسَ عن شَيْءِ عَلِمَ أنه لا يَقَعُ منهم قَدَرا، فما فائدة النَّهْىِإذَن!!!.
    (5)يقول الشيخ سعد الحصيّن في هذا الرابط: بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن أكْثَرَ هذه الأمةسَيَتَّبِعُ اليهودَ والنصارى، كما في الصحيحين ومسند الإمام أحمد "لَتَتَّبِعُن سَنَنَ مَنْ كان قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ أنهم دَخَلوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ" فسأله بعض مَن سَمِعَه مِن صاحبته، قالوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَن! الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ "فَمَنْ إذن"، أَيْ مَن غَيْرُهم، وصَدَقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يَنْطِقُ عن الهَوَى، إن هو إلا وَحْيٌ يُوحَى، فَلَمْ يَنْتهِ القرنُ السادس مِن الهِجرة حتى ظَهرَتْ بَوادِرُ الوَثنيَّةِ بِبناءِ الفاطميين وَثَنًا باسم الحُسَيْن في مِصْرَ، وبناءِ صلاح الدين الأيوبي وَثَنًا باسم الشافِعِيّ في مِصْرَ غير بعيد عنه في المكان والزمان، ووَقَفْتُ عليهما بعد نحو ثمانية قُرون، ورَأَيْتُ عَمائمَ الأزْهَرِيِّين تَطُوفُ عليهما، وتحت العَمائم أَجْسامُ المَشايخ الذين يَتقرَّبون إلى الله بأكبر معصيةٍ. ويقول المنف**** رحمه الله في كتابه النظرات: (إن علماء مِصْرَ يَتهافتون على يوم الكنسة تهافت الذباب على الشارب) للتبرك بِكُناسة ضريح الشافِعِيّ. ويقول رحمه الله: (لِمَ يَنْقَمُ المسلمون التثْلِيثَ مِن النصارى وهم لم يَبْلُغوا مِن الشرك مَبْلَغَهم، ولم يُغْرَقوا فيه إغراقَهم، فَهُمْ يدينون بآلهة ثلاثة ولكنهم يشعرون بِغَرابة هذا التعدُّد وبُعده عن العقل فيتأوَّلون فيه، ويقولون إن الثلاثة في حُكْمِ الواحد، الأب والابن وروح القدس إله واحد، أمَّا المسلمون فيدينون بآلاف مِن الآلهة أكثرها جُذُوعُ أَشْجارٍ وجُثَثُ أَمْواتٍ وقطعُ أَحْجارٍ)؛ فهَلْ بعد هذا الاتِّباع اتِّباع؟! بل التَّنافُس والتَّجاوُز؟!!. انتهى كلام الشيخ سعد الحصيّن. قلت: وفي ذلك دلالة واضحة على تَنَبُّؤِ النبي صلى الله عليه وسلم بِمَجِيءِ زَمَان يَتَّخذُ أكثرُ هذه الأُمَّة فيه قبرَه مسجدا، ويَقَعُ منهم الغُلُوُّ فيه صلى الله عليه وسلم، تماما كما فَعَلَ اليهودُ والنصارى عليهم لعناتُ الله المتتالية. قلت أيضا: وفي ذلك رَدٌّ على دعوى الشيخ محمد حسن عبدالغفار "الخوف من الشرك في المسجد النبوي بالذات ممنوع كوناً وشرعاً، أو قُلْ قَدَراً وشرعاً".
    (6)استدَلَّ الشيخ محمد حسن عبدالغفار بدعاءِ النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم لا تجعلْ قبري وَثَناً" ونَهَيِه "لا تجعلوا قبري عيدا" على قوله "الخوف من الشرك في المسجد النبوي بالذات ممنوع كوناً وشرعاً، أو قُلْ قَدَراً وشرعاً"؛ فماذا عن قَبْرَي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما الموجودَين أيضا داخِل المسجد النبوي؟!!!.

    (تابع ما بعده)

  8. افتراضي

    (تابع ما قبله)



    (7)ولئلا يَظُنُّ ظانٌّ قَرَأَ كلامَ الشيخ محمد حسن عبدالغفار أن المسجد النبوي لا يَقَعُ بداخِلِه ما يَقَعُ في المساجد الأخرى التي بداخلها قُبور مِن بِدَعٍ شِركيَّة وغيرها، فَإِلَى هذا الظانِّ أنْقِلُ شهادات بعض أهل العلم:
    يقول الشيخ مُقْبِل الوادِعِي في رياض الجنة: يتَّضِح لنا أن الله قد رَفَعَ شأنَ نبيِّه فوق ما يَتَصَوَّرُ البَشَرُ، وأنه لو حاوَلَ البَشَرُ أن يَزِيدوا شيئاً كان غُلُوّا خارِجاً عن الدِّين، وبهذا تَعْلَمُ أن الذين يُقيمون له المَوالِدَ أو يَبْنون على قبره القبابَ أو يُزَخْرِفون مسجدَه صلى الله عليه وعلى آله وسلم باسم التعظيم، كُلُّ هذا غُلُوٌّ، واللهُ ورسولُه قد نَهِيا عن الغُلُوِّ... ثم يقول -أي الشيخ مُقْبِل-: وأنا لا أشُكُّ أن زَخْرَفَة قبره وبناء القُبَّة عليه مِن أعْظَم الغُلُوِّ، وأنه عَيْنُ ما نَهَى عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولقد افتُتِنَ كثيرٌ مِن العوامِّ بسبب تلك الزخرفة، ولا إله إلا الله ما أكثر الازدحام على قبره صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع رَفْعِ الأصوات، وَكَمْ مِن مُتمسِّح بالشبابيك والأسطوانات والمنبر والأبواب... ثم يقول -أي الشيخ مُقْبِل-: يتَّضِح لنا أن الوليد رحمه الله أخْطَأَ في إدخال الحُجر في المسجد النبوي، وأنه وَقَعَ في عَيْنِ ما نَهَى عنه النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم مِن اتِّخاذ القبور مساجد والصلاة إليها، فإن الذين يُصَلُّون في المكان الذي كان لِأَهْلِ الصُّفَّةِ يَستقبِلون القبرَ كما هو مُشاهَد، وكذلك النساء فإنهن يَتَّجِهْنَ في صلاتِهن إلى القبر... ثم يقول -أي الشيخ مُقْبِل-: قد عَرَفتَ -أرشدك الله- ممَّا تقدَّم ما وَرَد مِن الأحاديث في النَّهْيِ عن البناء على القبور ولَعْنِ المُتَّخِذِينَ لها مساجد، وأن اتِّخاذ القبور مساجد مِن شِعار الكُفَّار، وعَرَفتَ أيضا النَّهْيَ عن الصلاة إلى القبور وعليها إلا صلاة الجِنازة فإنها مُستثناةٌ مِن النَّهْيِ بدليل الأحاديث المتقدِّمة... ثم يقول -أي الشيخ مُقْبِل-: فكيف يَسُوغُ لنا أنْ نَتَّخِذَ قبرَه مسجدا وهو-بأبي وأمي- قد نَهَى عن ذلك؟. انتهى.
    ويَذكُر الشيخُ الألباني في كتابه مناسك الحج والعمرة أن مِن بِدَع الزيارة في المدينة المنورة التي وقَفَ عليها: استقبال بعضهم القبر بغاية الخشوع واضِعا يَمِينَه على يَسارِه كما يَفْعَلُ في الصلاة، وقَصْد استقبال القبر أثناء الدعاء، وقَصْد القبر للدعاء عنده رجاء الإجابة، والتَّوَسُّل بهصلى الله عليه وسلم إلى الله في الدعاء، وطَلَب الشفاعة وغيرها منه، ووَضْعهم اليد تَبَرُّكا على شُبَّاك حُجْرَةِ قبرِه صلى الله عليه وسلم، وتَقْبِيل القبر أو استلامه أو ما يُجاوِرُ القبرَ مِن عُودٍ ونحوه، (وقد أحسنَ الغزاليُّ رحمه الله تعالى حين أنْكَرَ التقبيلَ المذكورَ وقال "إنه عادةُ النصارى واليهود")، وقَصْد الصلاة تجاه قبره، والجلوس عند القبر وحوله للتلاوة والذِّكر، وقَصْد القبر النبوي للسلام عليه دُبُر كُلِّ صلاة، وتَبَرُّكهم بما يَسقُط مع المَطَرِ مِن قِطَعِ الدِّهانِ الأخْضَر مِن قُبَّة القبر النبوي، وتَقَرُّبهم بِأَكْلِ التَّمْر الصيحاني في الروضة الشريفة بينَ المنبر والقبر، وقَطْعهم مِن شُعُورِهم ورَمْيها في القِنديل الكبير القريب مِن التُّرْبَة النبوية، ومَسْح البعض بأيديهم النَّخْلَتَين النُّحاسِيَّتَين المَوضُوعَتَين في المسجد غربي المنبر. انتهى.
    وجاء في تعليقات (كتاب الثمر الداني مِن فقه وفتاوى الألبانى فى الحج والعمرة) للشيخ أحمد مصطفى متولي: لقد رأَيْتُ في السنوات الثلاث التي قَضَيْتُها في المدينة المنورة (1381-1383) أستاذا في الجامعة الإسلامية بِدَعا كثيرةً جِدا تُفْعَلُ في المسجد النبوي والمسؤولون فيه عن كُلِّ ذلك ساكِتون كما هو الشأن عندنا في سوريا تماما؛ ومن هذه البدع ما هو شرك صريح كهذه البدعة، فإن كثيرا من الحُجَّاج يَتَقَصَّدون الصلاةَ تجاه القبر الشريف حتى بعد صلاة العصر في وقت الكراهة، ويُشجِّعُهم على ذلك أنهم يَرَوْنَ جدارَ القبر الذي يَستقبِلونه مِحْرابا صغيرا مِن آثار الأتراك يُنادِي بِلِسان حالِه الجُهَّالَ إلى الصلاة عنده، زِدْ على ذلك أنَّ المكانَ الذي يُصلَّون عليه مفروشةٌ بِأَحْسَن السَّجَّاد، ولقد تَحدَّثْتُ مع بعض الفَضَلاء بضرورة الحيلولة بينَ هؤلاء الجُهَّال وما يأتون مِن المخالفات، وكان مِن أبْسَط ما اقترحتُه رفْعُ السَّجَّاد مِن ذلك المكان وليس المحراب فوَعَدَنا خيرا، ولكن المسؤول الذي يستطيع ذلك لم يَفْعَل ولن يَفْعَل إلا إن شاء اللهُ تعالى، ذلك لأنه يُسايِر بعضَ أهْلِ المدينة على رغباتهم وأهوائهم، ولا يَستجيبُ للناصحين مِن أهْلِ العلم ولو كانوا مِن أهْلِ البلاد، فإلى الله المُشْتَكَى مِن ضَعْفِ الإيمان وغَلَبةِ الهَوَى الذي لم يُفِدْ فيه حتى التوحيد لِغَلَبَةِ حُبّ المال على أهْلِه -إلا مَن شاء اللهُ وقليلٌ ما هُم- وصَدَقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول "فِتنةُ أُمَّتِي المالُ". انتهى.
    ويقول الشيخُ عَلِيّ بن عبدالعزيز الشبل في كتاب عمارة مسجد النبي عليه السلام ودخول الحجرات فيه: أَرَى تكوينَ لجنة متخصصة مِن أهْلِ العلم المعروفين بسلامة المُعتقَد وصِدْق التوحيد لدراسة حاجة المسجد النبوي الشريف، وتَتَبُّع ما فيه مِن البِدَعِ المُحْدَثات ذات الخَطَر الواضِح على الدِّينِ والعقيدةِ، ومتابعة مُنَفِّذ مشروع تَوْسِعة خادم الحرمين في تجديداته داخِل المسجد المجيدي وفي التوسعة الجديدة. انتهى.
    ويقول الشيخُ صالح بن مقبل العصيمي في (بدع القبور أنواعها وأحكامها): إن استمرارَ هذه القُبَّةِ -يعني القبة الموجودة فوق القبر النبوي- على مدى ثمانيةِ قُرونٍ لا يَعْنِي أنها أصْبَحَتْ جائزة، ولا يعني أن السُّكُوتَ عنها إقرارٌ لها أو دليلٌ على جوازها. انتهى.
    وفي فتاوى الشيخ ابن باز في (فتاوى نور على الدرب) على هذا الرابط، قال الشيخ: أما قُبَّة النبي صلى الله عليه وسلم فهذه حادِثةٌ أحْدَثَها بعضُ أُمَراء الأتراك، في بعض القُرون المتأخِّرة في القرن التاسع أو الثامن، وتَرَكَ الناسُ إزالتَها لأسباب كثيرة، منها جَهْلُ الكثير ممَّن يَتَوَلَّى إمارةَ المدينة، ومنها خَوْفُ الفتنة، لأن بعضَ الناس يَخشَى الفتنةَ، لو أزالَها لرُبَّما قامَ عليه الناسُ، وقالوا "هذا يُبغِضُ النبيَّ وهذا كيت وكيت"، وهذا هو السِّرُّ في إبقاء الدولة السعودية لهذه القبَّة، لأنها لو أزالَتْها لرُبَّما قال الجُهَّالُ -وأكثرُ الناس جُهَّال- "إن هؤلاء إنما أزالوها لِبُغْضِهم النبي عليه الصلاة والسلام"، ولا يقولون "لأنها بدعةٌ"، وإنما يقولون "لِبُغضهم النبي صلى الله عليه وسلم"، هكذا يقول الجَهلةُ وأشباهُهم، فالحكومة السعودية الأُولَى والأخْرَى إلى وَقْتِنا هذا، إنما تَرَكَتْ هذه القبَّةَ المُحْدَثة خَشْيَةَ الفتنة، وأن يُظَنُّ بها السُّوءُ، وهي لا شكَّ أنها والحمد لله تَعتقِدُ تحريمَ البناء على القبور، وتحريمَ اتِّخاذ القباب على القبور. انتهى.
    ويقول الشيخ صالح السحيمي في فتوى صوتية مُفَرَّغة له على هذا الرابط: القُبَّة بدعةٌ ابتدعَها السلطانُ -أظنُّه السلطان قلاوون- عفا الله عنّا وعنه، فهي لا مَعْنى لها فوق القبر، بل إنَّها أشْبَه ما تكون بقباب النَّصارى، لذلك لا شأن لنا بالقبّة، ليس للقبّة ميزةٌ في هذا المسجد أو في هذا المكان، القبّة بدعةٌ مِن البِدعِ ابتدعَها بعضُ السلاطين وتَعلَّق بها النّاسُ، وأَذْكُرُ أنّي وأنا صغيرٌ أنَّ بعضَ الأطفال في المدينة، بعض الصبيان، كانوا يُقسِمون بها، لو أقْسَمَ لك بالله لا تُصَدِّقه، ولكن إذا قال "وحياة القُبَّة الخضراء" تُصَدِّقه، وهذا دليلٌ على ضَياعِ النَّاس، وأنَّهم لا يُفَرِّقون بين السُّنَّة والبدعةِ. انتهى.
    وقال الشيخ وليد السعيدان: ونحن لا نُقِرُّ القُبَّةَ التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، بل الواجب هَدْمُها... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: فالقباب كُلُّها لا بُدَّ مِن هَدْمِها ولا يجوز إبقاءُ شيء منها، فإنها مِن أعظم ما يكون سببا للافتتان بالقبر. انتهى من الحصون المنيعة.
    وفي فتوى صوتية مُفَرَّغَة على هذا الرابطوهذا الرابطوهذا الرابطوهذا الرابطوهذا الرابطوهذا الرابطوهذا الرابطوهذا الرابط سُئِل الشيخُ محمد متولي الشعراوي الصوفي الأشعري: لو أن رجُلا تَبرَّعَ ببناء مسجد وشَيَّدَ لنفسه بداخِله قَبْر على نَفَقَتِهِ الخاصَّة فهَلْ هذا جائزٌ؟. فأجاب الشيخُ: أَيْوَه، وَلَا فيه شيء، إحنا النبي مَهُو قبره في المسجد، والأزهر موجود، وقبور الأولياء جُلّها في المساجد، التَّنَطُّع دَه سِبْنا مِنه... ثم قال -أي الشيخ الشعراوي-: نَقُولُّهم بَقَى رُوحوا اهْدِمُوا القبر بِتَاع النبي، فإن قيل "خصوصية للنبي"، نَقُولُّه "لا، أبو بكر مدفون فيها وعمر، ونُصَلِّي في الصُّفَّة والقبر أمامنا، ونصلي في الروضة والقبر على يسارنا، ونصلي في مَنْزِل الوحي والقبر عن يميننا، ونصلي في المواجهة والقبر خلفنا". انتهى.
    وقال المَرْجِعُ الشِّيعِيُّ الإيرانيُّ جعفر السبحاني في مقالة له على هذا الرابط: هذا وقد صَلَّى المسلمون يَوْمَ أُدخِلَ القبرُ في المسجد عَبْرَ قُرون، ولم يُسمَعْ مِن أيِّ ابن أُنثى أنه أنْكَرَ ذلك العملَ، بل المسلمون كلُّهم يُصَلُّون في المسجد ويَتَبَرَّكون بقبره الشريف. انتهى.
    (8)قال الشيخ محمد حسن عبدالغفار: المَنْع مِن الصلاة في المسجد الذي فيه قبرٌ ليس مَنْعاً لذاته، ولكن لغيره، أيْ لِمَا يؤدِّي إليه، وهو الخوفُ مِن الشرك. انتهى. قلت: ينبغي التنبيه هنا على وُجُودِ عِلَّة أخرى للتحريم، فقد قال المباركفوري في تحفة الأحوذي "قال ابن الملك، إنما حَرَّمَ اتِّخَاذَ المساجد عليها -يعني على القبور- لأن في الصلاة فيها استِنانا بسُنَّةِ اليهودوفي هذا الرابط يقول الشيخ ماجد بن سليمان الرسي "ومِن أدلَّةِ تحريم الصلاة عند القبور أن في ذلكتَشَبُّها بالكفار، كما دلَّت على ذلك الأحاديثُ الثلاثة الأُوَل، ومِن المعلوم أن التشَبُّهَ بالكفار في عباداتهم حرامٌ، وقد جاءَ الوعيدُ الشديدُ في حقِّ مَن تَشبَّهَ بهم".
    (9)في فتوى صوتية للشيخ محمد حسن عبدالغفار بعنوان (إن لم يَجِد سوى مسجد فيه قبر، فهل يُصَلِّي فيه؟) على هذا الرابط، سُئِل الشيخ: كثيرٌ مِن العلماء يَرَى أنه إن لم يَجِد سوى مسجد فيه قبر، لا يُصلِّي فيه، فكيف الرَّدُّ على القاعدة (ما مُنِع سدًا للذريعة أُبيح للمصلحة الراجحة)؟. فأجاب الشيخُ: لا يا رَجُل، أين المصلحة الراجحة عندك هنا، أنت أحْكَمْتَ، لكن هذا السؤال ليس في مَحِلِّه، أنا أقول إن لم تَجِد مسجدا، يعني لو أنت أَصْلا في مكان، هذا المكان دائرتُه ما فيها غير مساجد فيها قبر، وأنت الجماعةُ سَتَضِيعُ عليك، أقول لك صَلِّ في البيت بامْرَأَتِك تُحْسَب جَماعة، ذلك أنها أَفْضلُ مِن المسجد، صَلِّ بأهل بيتِك جَماعة، ولا تَنْزِل تُصلِّي في هذا المسجد، إن لم تَجِد مسجدا ليس فيه قبرٌ صَلِّ في الشارع أَوْلَى لك، لا تُصَلِّ في المسجد الذي فيه قبر بحالٍ مِن الأحوال، لأن صلاتَك عند الجمهور صحيحةٌ مع الإثم، وعند الحنابلة صلاتُك إيش؟ باطلة، فأنت مُخْتَلَف فيك عند العلماء، وَلِمَا؟ والقاعدةُ الخُروجُ مِن الخِلاف مُستحبٌّ، صَلِّ في البيت مع امْرَأَتِك تُحسَب لك جَماعة، وهذا الراجح الصحيح، أما القاعدة ما مُنِعَ سدا للذريعة وأُبِيحَ للمصلحة الراجحة، أين المصلحة الراجحة، إذا قال لي المصلحة الراجحة سبعة وعشرين درجة، نقول له خُذْها مع أمِّك مع بِنْتِك مع امْرَأَتِك في بيتك، ستأخذها بصلاة الجَماعة، لكن المصلحة الراجحة التي لا يُمكِن أن نتداركها هي الألْف صلاة وهي المسجد النبوي. انتهى كلام الشيخ.
    قلت: إذا كان الشيخ يرى بطلان الصلاة في مسجد فيه قبر، فحينئذ لن تُفِيده فضيلةُ الصلاة في المسجد النبوي، وفي الحقيقة أعتقد أنه مِن البعيد أن يُنْسَب إلى الشيخ محمد حسن عبدالغفار بأنه يَرَى أن فضيلة الصلاة في المسجد النبوي -الصلاة الواحدة بألف صلاة- يُمْكِن تحصيلُها مع بطلان الصلاة التي سيُحصَّل مِن جَرَّاء أدائها أَجْرُ ألف صلاة، لأنه من المعلوم أن الباطل هو ما لم يَتَرتَّب عليه أثَرُه ولم يَحُصُلبه مَقصودُه؛ يقول ابن تيمية في مجموع فتاوى (ومِن هذا قول العلماء "العبادات والعقود تَنقَسِم إلى صحيح وباطل"، فالصحيح ما تَرتَّب عليه أثَرُه وحَصَل به مَقصودُه، والباطل ما لم يَتَرتَّب عليه أثَرُه ولم يَحُصُلبه مَقصودُه). قلت: وإذا بَطَلَت الصلاةُ لم يَتَرتَّب عليها أثَرُها، وبالتالي لن يَتِمّ تَحصيلُ الفضيلة (الصلاة الواحدة بألف صلاة)؛ ولذلك سأعتمد على أن الشيخ محمد حسن عبدالغفار يَرَى صحةَ الصلاة في مسجد فيه قبر مع الإثم.
    فإذا كان الشيخ يَرَى صِحَّةَ الصلاة في مسجد فيه قبر مع الإثم، فحينئذ ينبغي أن يُطْرَح عليه سؤالٌ، أيُّهما أعْلَى رُتْبَةً، تحصيل فضيلة أم تجنُّب ارتكاب إثم؟.
    فإن قال "الأعْلَى رُتْبة هو تحصيلَ فضيلة"، فحينئذٍ أقُولُ له قال الشيخ سليمان بن محمد النجران في المفاضلة في العبادات: قال الجمهورُ في رَدِّهم على الشافعية في تَحيَّةِ المسجد وقتَ النَّهْيِ، أن النَّهْيَ عن الصلاة للتحريم، بينما الأَمْرُ في تَحيَّةِ المسجدِ للنَّدْبِ، وتَرْكُ المُحرَّمِ مُقَدَّمٌ على فِعْلِ المندوبِ. انتهى. وقال الشيخ محمد همام عبدالرحيم ملحم: فاتفاق الأصوليين على أن المُباح أو المندوبَ إذا اجْتَمَعَ بالحرام غُلِّب الحرامُ... ثم قال -أي الشيخ محمد همام عبدالرحيم ملحم-: قاعدة تَرْك الحرام أَوْلَى مِن فِعْلِ المُستحَبّ، ومِن أمثلتها، تَخَطِّي الرقاب عند خطبة الجمعة عَمَلٌ مُحرَّمٌ، والقُرْبُ مِن الصفوف الأُولى عَمَلٌ مستحبٌّ، فتَرْكُ الحرام هنا مُقدَّمٌ على فِعْلِ المُستحَبّ، وكذلك تقبيلُ الحَجَر الأسْوَد سُنَّةٌ مُستحَبَّةٌ، وإيذاءُ الناس للوصول إليه حرامٌ، فيُقَدَّم تَرْكُ الحرام على فِعْلِ المُستحَبّ. انتهى باختصار من تأصيل فقه الأولويات.
    وأمَّا إن قال "الأعْلَى رُتْبةً هو تَجَنُّبُ ارتكاب إثم"، فحينئذ أقول له "فَلِمَا تُقدِّم تحصيلَ فضيلةعلى تَجَنُّبِ ارتكاب إثم في مسألة الصلاة في المسجد النبوي؟"، فإن قال "قدَّمْتُ تحصيلَ الفضيلة، لقاعدة ما حُرِّمَ سدًّا للذريعة يُباح للحاجة أو المصلحة الراجحة"، قلتُ "إذَن لماذا أفتَيْتَ السائلَ بأداء صلاة الفريضة في بيته وتَرْكِ أدائها في المسجد، أليس أداءُ الفريضة في المسجد أفْضَلَ مِن أدائها في بيته بالإجماع، فَلِمَا لَمْ تُطِّبَق القاعدةَ نفسَها في جوابك للسائل لِكَي يُحصِّل فضْلَ أداء الفريضة في المسجد"، فإن قال "لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ الحنابلة، فرُبَّما تكون الصلاةُ في المسجد الوارد في سؤاله باطلةً بسبب وجود القبر"، قلتُ "أيضا، رُبَّما تكون صلاتُه في المسجد النبوي باطلةً للسبب ذاته".
    وختاما لهذه النقطة، أقول: وبذلك يَتَبَيَّنُ أن قول الشيخ محمد حسن عبدالغفار لِمَن سَأَلَه الفتوى "هذا السؤال ليس في مَحِلِّه"ليس في مَحِلِّه!!!.
    (10)والآن أشْرَعُ في بيان فساد الاستدلال بقاعدة (ما حُرِّم سدًّا للذريعة يُباحُ للحاجة أو المصلحة الراجحة) على إباحة الصلاة في مسجد فيه قبر، سواء كان هذا المسجد هو المسجد النبوي أو غيره، فأقول:
    -اعْلَمْ رحمك الله أن القاعدة تقول (ما حُرِّم لذاته يُباح للضرورة، وما حُرِّم سدًّا للذريعة يُباح للحاجة أو المصلحة الراجحة).
    -واعْلَمْ أن المصلحة الواجبة أَعْلَى رُتْبَةً من المصلحة المندوبة، وقد مَرَّ بنا قَوْلُ الشيخ محمد صالح المنجد "المصلحة الواجبة مُقدَّمة على المصلحة المُستحَبَّة".
    -واعْلَمْ أن مِن أهل العلم مَن نَبَّه إلى خطورة استخدام القاعدة المذكورة بلا ضوابط وإلى خطورة أن يَتَسَلَّلَ منها أصحابُ الهَوَى والزَّيْغِ والشبهاتِ والشهواتِ والتدليسِ والتلبيسِ، وأن مِن أهل العلم مَن رَأَى أنه لا يَصِحُّ قَبُولُ هذه القاعدة بالصِيغَةِ التي هي عليها، وأن مِن أهل العلم مَن رَأَى أن مِن ضوابط هذه القاعدة ما يَمْنَعُ مِن إعْمالها في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر (وستَمُرُّ بك بمشيئة الله فتوى للشيخ ابن عثيمين يَرْفُضُ فيها الشيخُ إعمالَ هذه القاعدة في المسألة المذكورة)، والآن سَأعْرِضُ عليك بَيانَ ذلك في نقاط:
    (أ)بعضُ أهل العلم نَبَّهَ إلى خطورة استخدام هذه القاعدة بلا ضوابط، وإلى خطورة أن يَتَسَلَّل منها أصحابُ الهوى والتلبيس: فيقول الشيخ عبدالله الخليفي على موقعه في هذا الرابط في مقالة بعنوان (تنبيهات حول قاعدة ما حرم سداً للذريعة فإنه يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة): وأنا لا أَرِيدُ هنا إسقاطَ باب المصالح والمفاسد، بل هذا بابٌ عظيم جليل موجود ولكن القوم يتَّخِذونه مَطِيَّةً لإباحة ما حَرَّمَ اللهُ أو العكس بجُرْأَةٍ عجيبة.
    ويقول الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم الشبل في هذا الرابط في مقالة بعنوان (بين سَدِّ الذرائع والعمل بالمصلحة): وباتَ بعضُهم إذا أراد أنْ يُحرِّمَ شيئاً لا يَجِدُ دليلاً على تحريمه يَتَّكِئ على سَدِّ الذرائع، ومَن أراد أنْ يُبيحَ شيئاً وَوَقَفَ الدليلُ الشرعيُّ في وجهه صريحاً بالتحريم يَذْهَب إلى إعمالِ المصالح، حتى غَدا عندنا مَنْهَجان، مَنْهَجٌ يُوسِّعُ دائرةَ الذرائع فيُضَيِّق على الناس ما أباحَه الله، ومنهجٌ يَتَمَسَّكُ بالمصالح المزعومة مُغْفِلاً النَّظَرَ فيما سواها، وحدَثَ نتيجة ذلك رَدَّة فِعْلٍ طَبْعِيَّة لِهَذَين المنهجَين، فتَبَرَّمَ بعضُهم بِسَدِّ الذرائع حتى عَدَّه أكبرَ سَدٍّ في العالم، وعَدَّ آخرون المصالحَ طاغُوتاً يُضافُ إلى الطواغيت الجاثِمة على صدور المسلمين. انتهى باختصار.
    ويقول الشيخ سعد فياض في هذا الرابط في مقالة بعنوان (قواعد وضوابط في اعتبار المصالح والمفاسد): يقول الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله في تقديمه لرسالة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله (المصالح المرسلة) "ومَكْمَن الخَطَرِ في ادِّعاء المصلحة، لأنه ادِّعاءٌ عامٌّ، وكُلٌّ يدَّعِيه لِبَحْثِه فيما يَذهَبُ إليه، ولن يَذهَب مُجتهِدٌ قط إلى حُكمٍ في مسألةٍ لا نَصَّ فيها إلا وادَّعَى أنه ذهبَ لتحقيق المصلحة، ولكن، أيّ المصالح يَعْنُون؟ إن المصلحةَ الإنسانية الخاصة أمْرٌ نِسبِيٌّ، وكُلٌّ يدَّعِيها فيما يَذهَبُ إليه، ومِن هنا كان الخَطَرُ، ولكن حقيقة المصلحة هي المصلحة الشرعية التي تَتَمَشَّى مع منهج الشرع في عمومه وإطلاقه، لا خاصَّة ولا نِسبيَّة، فهي التي يَشهَدُ لها الشرعُ الذي جاء لتحقيق مصالح جميع العباد، ومراعاة جميع الوجوه، لأنالشرع لا يُقِرُّ مصلحةً تَتَضَمَّنُ مَفسدةً مُساوِيةً لها أو راجحة عليها ظَهرَ أمْرُها أو خَفِيَ على باحِثِها، لأن الشارعَ حكيمٌ عليمٌ، كما أن المصلحة الشرعية تُراعِي أَمْرَ الدنيا والآخرة معاً، فلا تُعتبرُ مصلحةٌ دنيوية إذا كانت تَستوجِبُ عقوبةً أُخْرَوِيَّةً، وفي هذا يَكمُنُ الفَرْقُ الأساسي بين المصلحة عند القانونيين الذين يقولون (حيثما وُجِدَت المصلحةُ فثَمَّ شَرْع الله) وبين الأصوليين الشرعيين الذين يَصْدُقُ على منهجِهم أنه حيثما وُجِدَ الشَّرْعُ فثَمَّ مصلحة العباد". فانتبه إلى هذا الكلام الذي يَعْلُوه نورُ العِلم، وكيف نبَّه رحمه الله إلى مَكمَنِ الخطورة في هذا الأصل العظيم مِن أصول الشريعة، حيث يَسهُل لكُلِّ مَن أرادَ أن يُخَلِّطَ على الناس دِينَهم، أو أرادَ مُمالَأَةَ الظالمين أن يَتَلَبَّسَ في مَسْعاه ويَتَسَتَّرَ حَوْل مصالح مزعومة، فَتُغيَّب الشريعةُ ويُلَبَّس على الناس الحَقُّ بالباطل باسم المصلحة، ويَضِيع الدِّينُ وتَنْخَرِم أُصُولُه تحت دعاوى الحفاظ عليها، فلا عَجَب أن انْتَصبَ جهابذةُ عِلْمِ الأصول للضبط والتقعيد لهذا الأصل العظيم ليكون سائراً في رِكابِ الشريعة مُتَضافِراً لإقامَتِها، لكي لا يَتْرُكوا لكُلِّ دَعِيٍّ للعِلْمِ أن يَخْبِطَ به خَبْطَ عَشْوَاءَ بين مصالح مُتوهَّمة أو مَظنونة يَبِتَغِي تحصيلَها على حساب التَّفْرِيطِ في أُصول الشريعة ومُحْكَماتِها. انتهى.
    (ب)بعضُ أهل العلم يَرَى أنه لا يَصِحُّ قَبُولُ هذه القاعدة بالصيغة التي هي عليها: ففي هذا الرابطعلى موقع الشيخ الألباني، يقول الشيخُ: ما أظُنُّ يُتَّخَذُ مِن هذه الأمثلة القليلة قاعدة نَطْرِدُها، فنُبِيح ما كان مُحرَّما لِغَيرِه للحاجة وليس للضرورة، أنا قَرَأْتُ هذا الكلامَ لابن القيم مِن زَمان، لكن هذا يَفتَحُ بابا مِن استحلالٍ للمُحرَّمات لِأَدْنَى حاجَةٍ تُدَّعَى،فما أعتقد إلا إبقاء القاعدة على عُمُومِها، وهو عَدَمُ التَّفرِيق بين ما كان مُحَرَّما لذاته وما كان مُحَرَّما لِغَيره، فإذا جاء نَصٌّ يُبيحُ ما كان مُحَرَّما لغيره وَقَفْنا عندَه.
    السائل: لكن الذي فاتَ ابنُ القيم رحمه الله، أنه لم يَذْكُر كيف نَعرِف أن هذا حُرِّم لذاته أو حُرِّم سَدا للذريعة.
    الشيخ: هو هون يَأتي فَتْحُ البابِ.
    هنا انتهى كلام الشيخ الألباني. قلت: معنى كلام الشيخ أنه يَرَى أن تُستبدَل الصِّيغَةُ (ما حُرِّم لذاته يُباح للضرورة، وما حُرِّم سدًّا للذريعة يُباح للحاجة أو المصلحة الراجحة) إلى مثل الصِّيغَةِ (ما حُرِّمَ لا يُباحُ إلا للضرورة).
    ويقول الشيخ خالد المشيقح في العقد الثمين في شرح منظومة الشيخ ابن عثيمين: ويَظهَرُ لي أن تَقسيمَ المُحرَّم إلى تَحريمِ وسائل وتَحريمِ مقاصِد فيه نَظَرٌ، وأن ما وَرَدَ الدليلُ على تَحريمِه فإنه لا يُباحُ إلا لضرورة، إلا لِدَلِيلٍ يَدُلُّ على خِلاف ذلك. انتهى. قلت: معنى كلام الشيخ أنه يَرَى -كما يرى الشيخ الألباني- أن تُستبدَلَ الصِّيغَةُ (ما حُرِّم لذاته يُباح للضرورة، وما حُرِّم سدًّا للذريعة يُباح للحاجة أو المصلحة الراجحة) إلى مثل الصِّيغَةِ (ما حُرِّمَ لا يُباحُ إلا للضرورة).
    (ت)مِن ضوابط هذه القاعدة ما يَمْنَعُ مِن إعْمالها في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر: يقول الشيخ قطب الريسوني: قال شيخ الإسلام ابن تيمية "وهذا أصْلٌ لأحمد وغيره في أن ما كان مِن باب سَدِّ الذريعة، إنما يُنهَى عنه إذا لم يُحْتَج إليه، وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تُحصَّل إلا به فلا يُنهَى عنه". انتهى من كتاب (قاعدة ما حُرِّم سدًّا للذريعة أُبيح للمصلحة الراجحة، دراسة تأصيلية تطبيقية).
    قلت: فإذن يُشترطُ لإعمال القاعدة أن لا يُمكِن تحصيلُ المصلحة إلا بارتكاب المُحرَّم، وأما إن كان بالإمكان تحصيل المصلحة فلا يَصِحُّ إعمالُها.
    وهذا الضابط غير موجود في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر طالما كان بإمكانك الصلاة في غيره، وهذا واضح.
    وهذا الضابط غير موجود أيضا في مسألة الصلاة في المسجد النبوي حال وجود ثلاثة قبور بداخله، لأن المصلحة المندوبة -الصلاة الواحدة بألف صلاة- غايَتُها هي تحصيلُ أَجْر كبير على عَمَل يَسِير، وهناك في الشريعة الكثير مِن الأعمال اليسيرة الجالبة لأجور كبيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما جاء في صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض"، وما رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي -وكذا صححه الألباني في الصحيحة، وصححه أيضا مُحقِّقُو المُسنَد- عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن نوحاً قال لابنه عند موته، آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً، قَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)، وما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ألا أعلمك كلمة هي كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله"، وما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لَأَنْ أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عليه الشمس"، وما رواه البخاري ومسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ، إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ"، وما رواه البخاري ومسلم -واللفظ له- عن أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ، كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ"، وما رواه الترمذي من حديث جابر رضي الله عنه وصححه الألباني، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ".
    قلت: وهناك ضابط آخر يَمْنَعُ مِن إعْمال القاعدة في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر، فيقول الشيخ قطب الريسوني: ولمَّا كان مقصودُ الشرع فيما شَرَّعَ جَلْبَ المصلحة ودَرْء المَفسدة، فإن محتوى قاعدة (ما حُرِّم سدا للذريعة أُبِيح للمصلحة الراجحة) لا يَشُذُّ عن هذا المقصود، بل هو دائرٌ في فَلَكِه، وجارٍ على مُقتضاه، ذلك أن إباحة المحرَّم تحريم الوسائل رَعْيًا للمصلحة الراجحة، لا تستقيم إلا بالترجيح بين المصلحة والمَفسدة المتزاحمتين، جَلْبًا لأقوى المصلحتين، ودَفْعًا لأعظم المَفسدتَين، وهذا دَأْبُ الشارِع وأَصْلُه المستمر... ثم يقول: وإنما تَرْجَح المصلحةُ في ميزان الشرع باجتماع وَصْفَين؛ أوَّلهما المحافظةُ على مقصود الشارِع، فكُلُّ مصلحةٍ تُفضِي إلى تَفْوِيتِ المقاصد، وتعطيلِ المنافع، مُهدرةٌ مُلْغاةٌ، بل هي مَفسدة عند التحقيق؛ والثاني السلامةُ مِن المعارضة، فلَوْ زاحَمَتْها مَفسدةٌ مُساوِيَةٌ أو راجحةٌ أُهْدِرَتْ في ميزان الشرعِ، لأن عِنايَتَه بدَرْءِ المَفاسد آكِد مِن عِنايَته بجَلْبِ المصالح"... ثم يقول: فالقاعدة إذًا مِن قواعد فِقْه المُوازنات، لأن مَبْناها على إعمال النَّظَر العَقْلِيّ في التغليب بين المصالح والمفاسد المُتَزاحِمة، وهو نَظَرٌ لا يَستوفِي مقصودَه إلا بالتَّهَدِّي ببصائر الشرعِ، ومَعاني الفطرةِ السليمةِ، وأَبْعادِ الواقع الذي يَعِجُّ بالمُتعارِضات والمُتَناقِضات، وهو المَحَكُّ الحقيقيُّ للتطبيق، والمُعترَكُ الواسعُ للاجتهاد. انتهى من كتاب (قاعدة ما حُرِّم سدًّا للذريعة أُبيح للمصلحة الراجحة، دراسة تأصيلية تطبيقية).
    قلت: فإذن يُشترَطُ لإعمال القاعدة أن تكون المصلحةُ أكبرَ مِن المَفسدة.
    وهذا الضابط غير موجود في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر (داخل بَلَدٍ لا يوجد به مساجدُ خاليةٌ مِن القُبور)، لأنه لمَّا كان اتِّخاذُ القُبور مساجد ذَرِيعَةً إلى الشِّرْكِ، فمعنى ذلك أن المَفسدةَ متعلِّقةٌ بأعلى مقاصد الشريعة، وهو حِفْظ الدين (مِن جانب الوجود ومِن جانب العَدَمِ)، فحِفْظُ الدين (مِن جانب الوجود ومِن جانب العَدَمِ) هو أَوَّلُ وأَهَمُّ الضروريات الخَمْس بالإجماع، ويَلِيه في رُتَبِ الضروريات حِفْظُ النفس ثم العَقْل ثم النَّسْل ثم المال، ولا يَصِحُّ بالإجماع أن يُقدَّمَ على حِفْظ الدين (مِن جانب الوجود ومِن جانب العَدَمِ) شيءٌ؛ ولذلك يقول الشيخ قطب الريسوني في كتاب (قاعدة ما حُرِّم سدًّا للذريعة أُبيح للمصلحة الراجحة، دراسة تأصيلية تطبيقية) "مصلحة الحفاظ على العقيدة أَوْلَى بالتقديم على غيرها مِن المصالح عند التعارُض والتزاحُم"؛ ويقول الشيخ هاني بن عبدالله الجبير في هذا الرابط "الشرع جاءَ بتقديم الدعوة إلى تصحيح الاعتقاد قَبْلَ تَعَلُّمِ أَحْكام العبادات، فَدَلَّ على أن العناية بتقرير مسائل العقيدة أَهَمُّ مِن العناية بتقرير مسائل الشريعة"...ثم يقول -أي الشيخ هاني بن عبدالله الجبير-"وأعلى المقاصد هو حفظ الدين (مِن جانب الوجود ومِن جانب العَدَمِ)"؛ ويقول الشيخ سعد فياض في هذا الرابط "فالضروريات مُقدَّمة على الحاجيات عند تعارُضِهما، والحاجيات مُقدَّمة على التحسينيات عند تعارضِهما، فإن تساوَت الرُّتَبُ كأن يكون كلاهما مِن الضروريات، فيُقدَّم الضروريُّ المقصودُ لحفظ الدين على بَقِيَّة الضروريات الأربع الأخرى، ثم يُقدَّمُ المتعلِّق بحِفْظِ النفس ثم العقل ثم النسل ثم المال". انتهى. قلت: فإن قال قائلٌ "أداءُ الفريضة في المسجد مصلحةٌ واجبةٌ مُتحقِّقةٌ في حين مَفسدة الوُقُوع في الشِّركِ ظنيَّة"، قلت كلامُك صحيحٌ، وما تَقُولُه هو وَجْهٌ لتقديم المصلحة على المَفسدةِ هنا، لكنك تَغافَلْتَ عن تَعَلُّق المَفسدة بِأَوَّل مقاصد الشريعة، والذي هو حفظ الدين (مِن جانب الوجود ومِن جانب العَدَمِ)، في حين أن أداء الفريضة في المسجد لا يَنْدَرِجُ تحت أَيٍّ مِن الضروريات الخَمْس؛ ومِن المناسب هنا أن أَذْكُر فتوى للشيخ ابن عثيمين يَرْفُضُ فيها إعمالَ قاعدة (ما حُرِّم سدًّا للذريعة يُباح للحاجة أو المصلحة الراجحة) في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر، حيث سُئِل الشيخُ في شرحه لمنظومة القواعد والأصول: وهذا يقول فضيلة الشيخ ما صحة القاعدة التي تَنُصُّ على أن النَّهْيَ إذا كان لسَدِّ الذريعة أُبِيحَ للمصلحة الراجحة، وهل مِن تطبيقات هذه القاعدة الصلاةُ في مسجد فيه قبر لإدراك الجماعة، حيث لم يَجِدْ إلا هذا المسجد في طَرِيقِه؟. فكان ممَّا أجابَ به الشيخ: إذا مَرَّ الإنسانُ بمسجدٍ فيه قبر، فهلْ يُصَلِّي عليه عند الحاجة؟ نقول: إنه -في الواقع- لا حاجة إلى هذا المسجد، والمسجدُ المَبْنِيُّ على قبرٍ لا تَصِحُّ الصلاةُ فيه، لأنه مُحَرَّمٌ، وليس هناك حاجَةٌ إلى الصلاةِ فيه، إذ إن الإنسانَ يُمْكِنُ أن يُصَلِّي في أيِّ مكان مِن الأرض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "جُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدا". انتهى.
    وهذا الضابط غير موجود أيضا في مسألة الصلاة في المسجد النبوي حال وجود ثلاثة قبور بداخله، وذلك إذا كُنَّا اتَّفَقْنا على أن الصلاة في مسجد فيه قبر (داخل بلد لا يوجد به مساجد خالية مِن القبور) لاتجوز، لأننا إذا كُنَّا اتَّفَقْنا أنه لا يَصِحُّ تَقديمُ المصلحة الواجبة على ما هو ذريعة إلى الوقوع في الشرك، فمِن بابٍ أَوْلَى أن نَتَّفِقَ على أن المصلحة المندوبة -الصلاة الواحدة بألف صلاة- لا يَصِحُّ تقديمُها على ما هو ذريعة إلى الوقوع في الشرك.
    وختاما لهذا الضابط، أقول: قال الشيخ وليد السعيدان: لقد تَقرَّرَ في الشرع أن أعظمَ المَنْهِيَّات في الدين هو الشركُ الأكبر، قال تعالى "إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا"... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: وقد سَدَّ اللهُ تعالى كلَّ ذريعة تُفْضِي إلى الشرك الأكبر أَحْكَمَ سَدٍّ، ومَنَعَ كلَّ طَرِيقٍ يُوَصِّلُ إليه، ونحن قَرَّرْنا في ذلك قاعدة مهمة غاية الأهمية تقول "كل ذريعة تُفْضِي إلى الشرك الأكبر فالواجب سَدُّها"... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: والمُهِمُّ أن تَحْفَظَ هذه القاعدةَ في باب وسائل الشرك الأكبر، فأيُّ وسيلةٍ تُوَصِّلُ إلى الوقوع في الشرك الأكبر فهي مُحرَّمةٌ، بل وبعضُ أهْلِ العِلْمِ رحمهم الله تعالى قد أَطْلَقَ عليها (الشرك الأصغر) فقال "وسائلُ الشرك الأكبر شركٌ أصغر"، وليس هذا ببعيد، فالواجب على المَرْءِ الناصح لنَفْسه أن يَبتعِدَ عن الشرك كله، ويُجانِبه المُجانَبةَ الكاملة، ويَحْذَر مِنْه مَقصَدا ووسيلة... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: فَفِتَن القبور مِن أعظم الفِتَنِ التي أَوْجَبَتْ وُقُوعَ الشرك في الأُمَّة، ولأهميتها فقد أفْرَدَها كثيرٌ مِن أهل العلم رحمهم الله تعالى بالتأليف والبيان. انتهى من الحصون المنيعة. وقال الشيخ ابن عثيمين في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: فتنة القبور في المساجد عظيمة جِدّاً، فربما يدعو إلى عبادة هذا المقبور ولو بعد زَمَنٍ بَعيدٍ، وربما يدعو إلى الغُلُوِّ فيه وإلى التَّبَرُّك به، وهذا خَطَرٌ عظيمٌ على المسلمين. انتهى. وقال الشيخ حسام الدين عفانة: ولا شك أن حُرْمَةَ دَمِ المُسلِمِ مُقدَّمةٌ على حُرْمَةِ الكعبةِ المشرفةِ... ثم قال -أي الشيخ حسام الدين عفانة- وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول "ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لَحُرْمَة المؤمن أعظمُ عند الله حُرْمَةً مِنك ماله ودمه وأن نَظُنَّ به إلا خيراً"، رواه ابن ماجة وصَحَّحه العلامةُ الألباني في صحيح الترغيب... ثم قال -أي الشيخ حسام الدين عفانة- ونَظَرَ ابنُ عمر رضي الله عنه يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال "ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حُرْمَةً عند الله منك"، رواه الترمذي. انتهى مِن فتاوى يسألونك. قلت: فإذا كانت الصلاةُ عند الكعبة بمائة ألف صلاة، فكيف تكون حُرْمَةُ الكعبة!!!، ومع ذلك فهي أقلُّ حُرمَة مِن حُرمَة دَمِ مُسلِمٍ، أَرَأَيْتَ كيف حافَظَت الشريعةُ على دَمِ المُسلِمِ المُندَرِجِ تحت ضرورة حِفْظِ النَّفسِ التي هي في الرُّتبةِ الثانية بعد ضرورة حِفْظِ الدين (من جانب الوجود ومن جانب العدم)، واعلم رحمك الله أنَّ بَيْنَ ضرورة حفظ الدين (من جانب الوجود ومن جانب العدم) وبَيْنَ ضرورة حفظ النفس والضروريات الثلاث الأخرى بَوْنا شاسِعا جدا، ولذلك جاءَ في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ"، ومن المعلوم أن غزو الكفار شُرِّع لِأَجْلِ تَعبيدِ الناس لله وحده، وإخراجهم مِن عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، قال تعالى "وَقَاتِلُوهم حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ"، قال ابن كثير في تفسيره "أَمَرَ تعالى بقتال الكفار، حتى لا تكون فِتْنَة، أي شِرك، قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حيان والسدي وزيد بن أسلم، ويكون الدينُ لله، أي يكون دِينُ الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان"؛ وبذلك تَكُونُ -رحمك الله- عَرَفْتَ كيف اهتَمَّت الشريعةُ بضرورة حِفْظِ الدِّينِ (من جانب الوجود ومن جانب العدم)، وجَعَلَتْه أَوَّلَ مَقاصِدها، ووَضَعَتْه في رُتْبةٍ أعلى كثيرا جدا مِن باقي الضروريات الأربع الأخرى التي تَلِيه. قلت أيضا: رَوَى أحمد عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ"، حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المُسْنَد؛ ونَقَل الشيخُ الألباني في كتابه تحذير الساجد عن بعض الحنابلة قوله "إجماعا فإن أعظمَ المُحرَّماتِ وأسبابِ الشركِ الصلاةُ عندها-يعني عند القبور- واتِّخاذُها مساجد أو بناؤها عليها"؛ وقال الشيخ صالح آل الشيخ في كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد (ومَن اتَّخذَ قبورَ الأنبياء مساجد؟ شرار الخلق عند الله من اليهود والنصارى الذين لَعَنَهم النبيُّ عليه الصلاة والسلام، فقال "لَعْنَة اللّهُ على الْيَهُودَ وَالنّصَارىَ"، واللعنةُ هي الطَّرْدُ والإبعادُ مِن رحمة الله، وذلك يَدُلُّ على أنهم فَعَلوا كبيرةً مِن كبائر الذنوب، وهذا كذلك، فإن البناء على القبور واتِّخاذ قبور الأنبياء مساجد، هذا مِن وسائل الشرك وهو كبيرةٌ مِن الكبائرولمَّا قد سَبَق بيانُ أن تَرْك المُحرَّمِ مُقدَّمٌ على فِعْلِ المندوب، فَهُنا سؤالٌ يَنْبَغِي أن يُطْرَحَ، وهو كيف يُقدَّم -في مسألة الصلاة في المسجد النبوي-فِعْل المصلحة المندوبة-الصلاة الواحدة بألف صلاة- على ترك كبيرة من الكبائر وُصِفَتْ بأنها أعظمُ المُحرَّماتِ وأعظمُ أسبابِ الشركِ، ولُعِنَ صاحبُها ووُصِفَ بأنه مِن شرار الخلق!!!.
    (11)بَقِيَ هنا أن نسألَ الشيخَ محمد حسن عبدالغفار، ما هو حُكْمُ الصلاة في المسجد النبوي لمن يَرَى صِحَّةَ مذهب الشيخين الألباني وخالد المشيقح مِن أن (ما حُرِّم لا يُباح إلا للضرورة)، ولا يَرَى ما يراه هو مِن أن (ما حُرِّم سدًّا للذريعة يُباحُ للحاجة أو المصلحة الراجحة)؛ وما هو حُكْمُ الصلاة في المسجد النبوي لمَن يَرَى صِحَّةَ مذهب الشيوخ ابن باز وابن عثيمين وصالح آل الشيخ ومُقبِل الوادِعي وعبدالكريم الخضير وربيع المدخلي مِن أن الصلاةَ في المساجد التي بداخلها قبور حرامٌ وباطلةٌ، ولا يَرَى ما يَراه هو مِن أن الصلاةَ حرامٌ وصحيحةٌ؛ وما هو حُكْمُ الصلاة في المسجد النبوي لمَن يَرَى صِحَّةَ مذهب الشيخ ابن عثيمين مِن أن ضوابط القاعدة التي نحن بصددها تَمْنَعُ إعمالَها في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر، ولا يرى ما يراه هو مِن أن ضوابط هذه القاعدة لا تَمْنَعُ إعمالَها في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر؟.


    (تابع ما بعده)



  9. افتراضي

    (تابع ما قبله)

    المسألة التاسعة والعشرون


    زيد: ما هو العامُّ، وما المُراد بقولهم "مِعْيَارُ الْعُمُومِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ"، وما هو التخصيصُ، وما هي الفُروقُ بين التخصيصِ والنَّسْخِ؟.
    عمرو: العامُّ هو اللفظُ المستغرِقُ لجميع أفراده، بحَسَب وَضْعٍ واحِدٍ، دُفْعَةً وَاحِدَةً مِن غير حَصْرٍ؛ ومن أمثلته قوله تعالى "كُلُّ نفس ذائقة الموت"، وقوله تعالى "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"، وقوله تعالى "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما"، وقوله تعالى "قد أفلح المؤمنون"، وقوله تعالى"وأحل الله البيع"، وقوله تعالى"إن الإنسان لفي خسر"، وقوله تعالى"يوصيكم الله في أولادكم"، وقولك "لا رَجُلَ في الدار"؛ والمقصود مِن عبارة "وَضْعٍ واحِدٍ" في التعريف هو إخراج اللفظ المشترَك كالعَيْن والقُرْء، فإن ذلك لا يُسمَّى عامًّا، فلفظ العَيْن وَضَعَته العربُ لعضو الإبصار ووَضَعَته ليَنْبُوعُ الماء ووَضَعَته للجاسُوس، ولفظ القُرْء وَضَعَته العربُ لِلْحَيْضِ ووضعته للطُّهْر، فيجب أن يكون اللفظ عند العرب موضوعاً لمَعنىً واحد كي يكون عامًّا؛ والمراد بعبارة "دُفْعَةً وَاحِدَةً" الموجودة في التعريف، هو مَرَّة واحدة لا على سبيل التَّناوُب، والمقصود مِن هذه العبارة هو إخراج "المُطْلَق" فالمُطْلَق لفظٌ يَستغرِقُ جميعَ أفراده، ولكن على سبيل التَّناوُب وليس دُفْعَةً وَاحِدَةً، فمثلا قوله تعالى "فتحرير رقبة" فكلمة رقبة هنا لفظٌ مُطْلَقٌ يَشمَلُ جنسَ الرقاب، فيَدخُل فيه الرجالُ والنساءُ والمؤمنون والكفار والصِّغار والكِبار وعُثمان وسالِم وبَكْر وغيرهم، لكن شُمُوله شُمُول بَدَلِيّ، بمعنى أن المُطْلَق في حال تنزيله في الواقع على أفراده التي يَحتمِلُها الإطلاقُ سنجده يَشْمَلُ فردا واحدا هو بَدَلٌ عن بَقِيَّةِ الأفراد الأخرى، وأمَّا عُمُومُ العامِّ فهو شُمُولِيٌّ، أي أنه في حال تنزيله على أفراده يَشْمَلُ كُلَّ الأفراد عثمان وسالم وبَكْر وغيرهم، ولذلك يقول الإمامُ الشوكاني في إرشاد الفحول "اِعْلَمْ أن العامَّ عُمُومُه شُمُولِيٌّ، وعُمُومُ المُطْلَقِ بَدَلِيٌّ، وبهذا يَصِحُّ الفَرْقُ بينهما"؛ والمقصود مِن عبارة "مِن غير حَصْرٍ" في التعريف هو إخراج اسم العَدَدِ لأنه يدُلُّ على جَمْعٍ مَحصورٍ، فحينئذٍ يكون منافِيًا لمَعْنَى العُمُومِ، مِثْل عشرة، ومائة، وألف، ورَجُلَيْن، فإنها وإن استغرَقَتْ جميعَ أفرادها لكن بِحَصْرٍ، فالعامُّ يُشترَطُ فيه أن لا يكون العَدَدُ مُنتَهِيا، فإذا قال قائلٌ "أكرِمْ عشرةً مِن الطلبة" فهذا لا يكون عامًّا لأنه محصورٌ بعددٍ مُعَيَّنٍ لا يَشْمَلُ الجميعَ، فالحصرُ يُنافِي العُمُومَ.
    وأما المُراد مِن قولهم "مِعْيَارُ الْعُمُومِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ" فهو أنه يُشترَطُ في العامِّ قُبُولُه للاستثناءِ المُتَّصِلِ، فكل ما لا يجوز الاستثناءُ منه استثناءً مُتَّصِلا فليس بعامٍّ، فمثلا قولك "لا رَجُلَ في الدارإلا زيدًا" لو لم يَصِحّ إدخالُ عبارة إلا زيدًا فيه، لَمَا دَلَّ لفْظُ رَجُلَ على العموم؛ وكذلك فإن الاستثناء في قوله تعالى "إن الإنسان لفي خُسْر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" دَلَّنا على أن كلمة الإنسان عامَّةٌ (وهي اسم جنس حُلِّيَ بالأَلِفِ واللامِ)، إِذْ لو لم تَكُن عامَّةً لَمَا جاز الاستثناءُ منها، أو بالأَحْرَى لولا الاستثناء لكان كُلُّ إنسانٍ في خُسْر، سواء أكان مؤمناً أم كافراً، وهذا هو العُمُوم، ولذلك جاءُ الاستثناءُ لإخراج المؤمن مِن الخسران.
    وأما التخصيص فهو قَصْرُ العامِّ على بعض ما يَتناولُه بدَلِيلٍ يَدُلُّ على ذلك، سواء أكان هذا الدليلُ مُتَّصِلا بالنَّصِّ (أي أنه جزءٌ مِن النَّصِّ المُشتمِل على العامِّ)، أو مُنفصِلا عنه؛ ومثال ما خُصِّصَ بدليلٍ مُتَّصِلٍ قوله تعالى "إن الإنسان لفي خُسْر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات"، ومثال ما خُصِّصَ بدليلٍ مُنفصِلٍ قوله سبحانه "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا" فقد خَصَّصه قولُه صلى الله عليه وسلم "لا قطع إلا في ربع دينار".
    وأما الفروق بين التخصيص والنسخ، فهي كما يلي:
    (1)النسخُ انتهاءُ حُكْمٍ؛ بخلاف التخصيص فإنه بيانُ المراد باللفظ العامِّ (إذا كان مقترنا بالعامِّ أو مُتقدِّما عليه)، أو انتهاءُ حُكْمٍ لبعض أفراد العامِّ (إذا كان مُتأخِّرا عنه).
    (2)المُخَصِّصُ يجوز أن يكون مقترنا بالعامِّ أو مُتقدِّما عليه -وهنا يُوصَفُ العامُّ بأنه عامٌّ أُرِيدَ به الخصوصُ- أو مُتأخِّرا عنه –وهنا يُوصَفُ العامُّ بأنه عامٌّ مخصوصٌ ويُوصَفُ التخصيصُ بأنه نَسْخٌ جُزئيٌّ-؛ وأمَّا الناسِخُ فلا يجوز أن يكون مُتقدِّما على المنسوخ، ولا مُقترِنا به، بل يجب أن يَتأخَّرَ عنه. قلت: العامُّ الذي لم يُخَصَّص ولم يُرَدْ به الخصوصُ يُوصَف بأنه عامٌّ محفوظٌ.
    (3)إن النَّسْخَ لا يكون إلا بالكتاب والسنة بِخِلَافِ التخصيصِ، فإنه يكون بهما وبدليل الحِسِّ، فقول الله سبحانه "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا" قد خَصَّصه قولُه صلى الله عليه وسلم "لا قطع إلا في ربع دينار"، وهذا قوله سبحانه "تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا" قد خَصَّصه ما شَهِدَ به الحِسُّ مِن سَلَامَةِ السماءِ والأرضِ وعَدَمِ تَدْميرِ الرِّيح لهما.
    (4)إن النَّسخَ لا يَقَعُ في الأخبار، بِخِلَافِ التخصيصِ فإنه يكون في الأخبار وفي الأحكام.
    (5)إن النسخ يُبطِل حُجِيَّةَ المنسوخِ، بِخِلَافِ التخصيصِ فإنه لا يُبطِلُ حُجِيَّةَ العامِّ في بقية أفراده التي لم تُخَصَّص.

    المسألة الثلاثون


    زيد: كيف صحَّحَ الشيخُ الألباني الصلاةَ في المسجد النبوي، مع كَوْنِه بداخلِه ثلاثة قبور (قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما)؟.
    عمرو: الشيخ الألباني يرى أن الصلاة في المساجد التي بداخلها قُبورٌ مكروهةٌ كراهة تحريمية (أي أنها مُحرَّمة)، ولكنها صحيحة وليست باطلةً ما لم تُقصَد الصلاةُ فيها مِن أَجْلِ القبور والتبرُّك بها، كما أنه يرى انتفاء الكراهة في حال لم يَجِدِ المُصَلِّي مسجدا آخر (خاليا مِن القبور) يُصَلِّي فيه، ثم هو استثنى المسجد النبوي مِن عامَّةِ المساجد لفضيلة الصلاة به (الصلاة الواحدة بألف صلاة)، وشَبَّهَ مسألةَ الصلاة في المسجد النبوي (حالَ كَوْنِه بداخله ثلاثة قبور) بمسألة صلاة النوافل ذوات الأسباب في أوقات النهي؛ ففي هذا الرابط على موقع الشيخ الألباني، سُئِلَ الشيخُ: السؤال هو أنها مكروهةٌ أم باطلةٌ [يعني الصلاة في المسجد الذي فيه قبر]؟. فَرَدَّ الشيخُ:باطلة لمَن يَقصِد الصلاةَ فيها. فَرَدَّ السائلُ:يَقصِد ولكن يُصَلِّي لله عز وجل؟. فَرَدَّ الشيخُ: مكروهة كراهة تحريم، والكراهة تنتفي إذا لم يكن عنده مسجد آخر لصلاة الجماعة. فَرَدَّ السائلُ: إذا ما في [يعني إذا لم يوجد مسجد آخر] تنتهي الكراهةُ أم الكراهةُ التحريميةُ؟. فَرَدَّ الشيخُ: كراهة تحريمية لمن يَتمكَّن مِن الصلاة في غير هذا المسجد ثم هو يُصَلِّي فيه، وإذا قَصَدَه فالصلاةُ باطلةٌ. انتهى... وقال الشيخ في تحذير الساجد: إن للمصلِّي في المساجد المذكورة -يعني المساجد المبنية على القبور- حالتين، الأُولَى، أن يَقصِدَ الصلاةَ فيها مِن أجْلِ القبورِ والتبرُّكِ بها كما يَفعَلُه كثيرٌ مِن العامَّةِ وغيرُ قليلٍ مِن الخاصَّةِ، الثانية، أن يُصلِّي فيها اتِّفاقا لا قَصْدا للقبر، ففي الحالة الأُولى لا شَكّ في تحريم الصلاة فيها بل وبُطلانها، لأنه إذا نَهَى صلى الله عليه وسلم عن بناء المساجد على القبور ولَعَنَ مَن فَعَلَ ذلك فالنَّهْيُ عن قصْدِ الصلاة فيها أَوْلَى، والنَّهْيُ هنا يَقتضِي البُطلانَ كما سَبَقَ قريبا، وأما في الحالة الثانية فلا يَتَبَيَّن لي الحُكْمُ ببُطلانِ الصلاة فيها وإنما الكراهة [يعني الكراهة التحريمية] فقط... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: واعلمْ أن كراهةَ الصلاة[يعني الكراهة التحريمية] في المساجد المَبْنِيَّة على القبور مُضْطَرِدَةٌ [هذه الكلمة مِن الأخطاء اللغوية الشائعة، والصحيح أن يُقال "مُطَّرِدَةٌ"] في كُلِّ حالٍ سواء كان القبرُ أمامه أو خلفه، يمينه أو يساره، فالصلاة فيها مكروهة [يعني الكراهة التحريمية] على كُلِّ حالٍ، ولكن الكراهة [يعني الكراهة التحريمية] تشتد إذا كانت الصلاة إلى القبر، لأنه في هذه الحالة ارتكبَ المصلِّي مخالفتين، الأُولى في الصلاة في هذه المساجد، والأخرى الصلاة إلى القبر وهي مَنْهِيٌّ عنها مطلقا -سواء كان المسجد أو غير المسجد- بالنَّصِّ الصحيحِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تَقدَّم... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: ثم اعلم أن الحُكم السابق يَشْمَلُ كلَّ المساجد، كبيرها وصغيرها، قديمها وحديثها، لعموم الأدلة، فلا يُستثنَى مِن ذلك مسجدٌ فيه قبر إلا المسجد النبوي الشريف، لأن له فضيلةً خاصَّةً لا تُوجَدُ في شيء مِن المساجد على القبور، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام فإنه أفضل"، ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضا "ما بين بَيْتِي ومنبري روضة مِن رياض الجنة"، ولغير ذلك من الفضائل، فلو قيل بكراهة الصلاة فيه[يعني الكراهة التحريمية] كان مَعْنَى ذلك تَسوِيتَه مع غيره مِن المساجد ورَفْعَ هذه الفضائل عنه... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: والصلاة في المساجد المبنية على القبور مَنْهِيّ عنها مطلقا بخلاف مسجده صلى الله عليه وسلم، فإن الصلاة فيه بألف صلاة. انتهى باختصار... وفي فتوى صوتية مفرغة على موقع الشيخ في هذا الرابط يقول الشيخ: السؤال إذًا، هكذا يقولُ السائلُ، وحُقَّ له ذلك، إذًا الصلاة في المسجد النبوي لا تُشْرَع؟، هذا هو السؤالُ، وقلتُ أن الجوابَ على هذا السؤال مُبَسَّطٌ أيضا في ذاك الكتاب تحذير الساجد، وخُلاصةُ الجواب أن الصلاةَ في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع كون القبر فيه ليس كالصلاة في سائر المساجد المبنية على القبور، وذلك لأن للصلاة في مسجد الرسول عليه السلام مَزِيَّة لا توجد في كل مساجد الدنيا إلا مسجد مَكَّة، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام "صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة مِمَّا سواه مِن المساجد إلا المسجد الحرام"... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: وكيف الجَمْع بين هذا وبين التحذير السابق، قد قَرَّبنا الجواب عن هذا السؤال في ذاك الكتاب، فَقُلْنا مَثَلُ الصلاة في المسجد النبوي مع وجود القبر فيه كمَثَلِ صلاة النوافل ذوات الأسباب في تلك الأوقات المَنْهِيّ عن الصلاة فيها. انتهى باختصار... وفي فتوى صوتية مفرغة على موقع الشيخ في هذا الرابط يقول الشيخ: وأنا حَديثَ عهدٍ بالمدينة المنورة، قد رَجَعْتُ منها مِن قَرِيب، عشرة أيام، وقد وجدتُ هناك بعضَ الشباب المسلم المتمسِّك بالسُّنَّة، يعني هو على النَّهْجِ السلفي، قال الله قال رسول الله، فكان يُشْكَل عليه الصلاةُ في المسجد النبوي، حتى قال هو وغيره لي بأنه لا يُصَلِّي في المسجد النبوي، وهو عايش في المدينة، لأنه يُرِيدُ أن يُطبِّقَ عليها عُمومَ الأحاديث في النَّهْيِ عن بناء المساجد على القبور، فأنا لَفَتُّ نَظَرَه أن هذا التطبيقَ خطأٌ، لأنه مَثَلُك أنت الذي تُطَبِّقُ الأحاديثَ العامَّةَ على المسجد النبوي لأن فيه قبر، كمَثَلِ مَن يُطبِّقُ الأحاديثَ العامَّةَ في النَّهْيِ عن الصلاة في أوقات النهي على النوافل ذوات الأسباب. انتهى بتصرف.
    قلت: وهنا ملاحظات:
    (1)لم يُوضِّح الشيخُ الألباني حُكمَ الصلاة في المسجد النبوي لمَن يَرى صِحَّةَ ما ذهبَ إليه الجمهورُ مِن تحريم صلاة النوافل ذات الأسباب في أوقات النَّهْي، ولا يَرَى ما يراه الشيخ مِن أنها غير مُحرَّمة.
    فقد قال الشيخ سليمان بن محمد النجران في المفاضلة في العبادات: قال الجمهورُ في رَدِّهم على الشافعية في تَحيّةِ المسجد وقتَ النَّهْيِ، أن النَّهْيَ عن الصلاة للتحريم، بينما الأَمْرُ في تَحيَّة المسجدِ للنَّدْبِ، وتَرْكُ المُحرَّمِ مُقَدَّمٌ على فِعْلِ المندوبِ. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالكريم الخضير، قال الشيخ "جاء النَّهْيُ عن صلاة النافلة في أوقاتٍ خمسة"، ثم قال [أي الشيخ الخضير] "هذه الأوقات الخمسة، جمهور أهل العلم يَمنعون التَّنَفُّلَ فيها مطلقًا، حتى ذوات الأسباب، استدلالاً بهذه الأحاديث التي تَنْهَى عن الصلاة في هذه الأوقات، فغَلَّبُوا جانِبَ الحَظْرِ"، ثم قال [أي الشيخ الخضير] "ومِثالُ ذوات الأسباب، تحيةُ المسجد، وركعتا الطواف، وركعتا الوضوء، وغيرها مِن الصلوات التي لها سَبَبٌ وليست مِن النوافل المطلقة... المقصود أن الجمهور يرون المَنْعَ مطلقًا مِن ذوات الأسباب في هذه الأوقات الخمسة، ومِن بابٍ أَوْلَى النوافل المطلقة؛ تغليبًا لجانب الحَظْرِ والمَنْعِ"، ثم قال [أي الشيخ الخضير] "جمهور أهل العلم يرون أن أحاديثَ النهي عن الصلوات في هذه الأوقات أَخَصُّ مِن فِعْل ذوات الأسباب في سائر الأوقات"، ثم قال [أي الشيخ الخضير] "وعلى كل حال هو قول جمهور أهل العلم، وأنه لا يُصلَّى شيءٌ مِن التطوعاتِ حتى ما له سَبَبٌ في هذه الأوقات". انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ سعد الخثلان، يقول الشيخ: فجمهور الفقهاء على أنه لا يجوز فِعْلُ ذوات الأسباب، وأن هذه أوقات النهي، الأحاديث فيها على عمومها، لا يُصلَّى فيها شيء إلا ما ذَكَرُوا مِن قَضاءِ الفرائض ونحوها. انتهى.
    ويقول الشيخ خالد المشيقح في شرح زاد المستقنع: قول أكثر أهل العلم أن ذوات الأسباب لا تُشْرَعُ في أوقات النهي. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ خالد المصلح، يقول الشيخُ: ولذلك اختلَفَ العلماءُ في صلاة تحية المسجد في أوقات النهي على قولين، الأول أنه لا يُصلَّي في وقت النَّهْيِ، لأنه وقت مَنهِيٌّ عن الصلاة فيه، فيَشمَلَ كُلَّ صلاةٍ، وهذا ما ذهبَ إليه جمهورُ أهلِ العلمِ مِن الحنفية والمالكية والحنابلة. انتهى.
    وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالكريم الخضير قال الشيخ: إذا عرَفْنا هذا، فالأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد لا يَرون فِعْلَ شيء مِن النوافل في هذه الأوقات الخمسة، حتى ما له سَبَبٌ. انتهى.
    (2)قول الشيخ الألباني "فلو قيل بكراهة الصلاة فيه [يعني الكراهة التحريمية] كان مَعْنَى ذلك تَسوِيتَه مع غيره مِن المساجد ورَفْعَ هذه الفضائل عنه"، يُعتَرَضُ عليه بأن القول "بِمَنْع الصلاة في المسجد النبوي حالَ وُجُودِ ثلاثة قبور بداخله" لا يَلْزَم منه القولُ "بتَسوِية المسجد مع غيره مِن المساجد ورَفْعِ الفضائل عنه"، وإنما غاية ما في الأمر هو أنه قد اجتَمَعَ لدينا حاظِرٌ ومُبِيحٌ، فَقُدِّم الحاظِرُ على المُبِيحِ.
    فقد جاء في كتاب تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية للشيخ وليد بن راشد السعيدان: إذا اجتَمَعَ مُبِيحٌ وحاظِرٌ غُلِّبَ جانبُ الحاظِرِ، وهذا مِن باب الاحتياط وبراءة الذمة؛ ولأن في تغليب جانب الحُرْمَة دَرْءَ مَفْسَدَةٍ، وفي تأخِيرِ المُبيحِ تَعْطِيل مصلحةٍ، ودَرْءُ المفاسد مُقَدَّمٌ على جَلْبِ المصالح. انتهى.
    وجاء في كتاب رَوضَةُ الفَوَائِدِ شَرحِ مَنظُومَةِ القَواعِدِ لابنِ سعدِي للشيخ مُصطَفَى بن كَرامَةِ اللهِ مَخدُوم: ودَرْءُ المَفسدةِ كرأسِ المالِ، وجَلْبُ المصلحةِ كالرِّبحِ، والمحافظةُ على رأسِ المالِ أَوْلَى مِن المحافظةِ على الربحِ. انتهى.
    وجاء في كتاب نيل الأوطار للشوكاني عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، واذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم): واستُدِلَّ بهذا الحديث على أن اعْتِناءَ الشَّارِعِ بالمَنْهِيَّاتِ فوقَ اعْتِنائِهِ بالمأموراتِ لأنه أَطْلَقَ الاجتنابَ في المَنْهِيَّاتِولو مع المَشَقَّةِ في التَّرْكِ، وقَيَّدَ في المأموراتِ بالاستطاعةِ. انتهى.
    وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ الألباني أن الشيخ قال: فإذا صادَفَ يومُ عيد يومَ الاثنين أو يومَ الخميس فهَلْ نُغلِّبُ الفضيلةَ على النَّهْيِ أم النَّهْيَ على الفضيلةِ؟ تُحَلُّ المشكلةُ بقاعدة علمية فقهية أصولية، وهي إذا تَعارَضَ حاظِرٌ ومُبِيحٌ قُدِّمَ الحاظِرُ على المُبِيحِ. انتهى.
    وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ الألباني، أن الشيخ قال: قال عليه الصلاة والسلام "مَن تَرَكَ شيئا لله عَوَّضه اللهُ خَيرا منه"، فالمسلم الذي تَرَك صيامَ يوم الاثنين أو صيام يوم الخميس لأنه صادَف نَهْيا هلْ تَرَكَ صيامَ هذا اليوم أو ذاك عَبَثا أم تَجاوُبا مع الشارِعِ الحكيمِ، مع طاعة رسوله الكريم، مع طاعته عليه الصلاة والسلام، إذًا هو تَرَك صيام هذا اليوم لله فهلْ يَذْهَبُ عَبَثا؟ الجواب لا، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "مَن تَرَكَ شيئا لله عَوَّضه الله خيرا منه". انتهى.
    وفي شريط صوتي مُفَرَّغ على هذا الرابط وهذا الرابط وهذا الرابط، يقولُ الشيخُ الألباني: فهلْ نَتَصَوَّرُ مَن (قَدَّم الحاظرَ على المُبيح) أنه خَسِرَ؟ ففَكِّرُوا في المثال الأَوَّل، يوم الاثنين يوم عيد فهلْ نَصُومُه؟ لا، هلْ خَسِرَ؟ الجواب: لا، لِمَ؟ احْفَظُوا هذا الحديثَ مَن كان منكم لا يَحْفَظه، وَلْيَتَذَكَّره مَن كان يَحْفَظُه، أَلَا وهو قولُه عليه السلام "مَن تَركَ شيئا لله عَوَّضه اللهُ خَيراً منه"، الذي تَرَكَ صيامَ يوم الاثنين لِمُوافَقَتِه يوم عيد -وامْشُوا بالأمثلة ما شئتم- هلْ هو خَسِرَ أم رَبِحَ؟ الجواب رَبِحَ، لماذا؟ لأنه كان ناوِياً أنْ يَصُومَ هذا اليومَ لولا أنه جاء النهيُ عن صيام هذا اليوم، فقُدِّمَ النهيُ على المُبِيحِ. انتهى.
    وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ أبي الحسن السليماني: وعندما قَدَّمْنا تحريمَ صيام العيد إذا وافَقَ عادةً، فليس ذلك -هنا- مِن باب تقديم الحاظر على المبيح، ولكنه مِن باب تقديم الخاصِّ على العامِّ، أو مِن باب استثناء الأَقَلّ مِن الأكثر، حيث إن فضيلة صيام الاثنين والخميس، أو صيام يوم بعد يوم، كُلّ ذلك أكثر في الأيام مِن أيام العيد أو التشريق. انتهى.
    (3)قول الشيخ الألباني "ثم اعْلَمْ أنَّ الحُكْمَ السابقَ يَشمَلُ كلَّ المساجد، كبيرها وصغيرها، قديمها وحديثها، لِعُموم الأدِلَّة، فلا يُستثنَى مِن ذلك مسجدٌ فيه قبر إلا المسجد النبوي الشريف، لأن له فضيلةً خاصَّة لا تُوجَدُ في شيءٍ مِن المساجد على القبور" يُعتَرَضُ عليه باعْتِراضَين، تَفْصيلُهما في النقاط التالية:
    (أ)ثبت في صحيح البخاري عن عَائِشَةَ وَابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَا "لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا".
    (ب)وثبت في صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ، لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، لَوْلَا ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَوْ خُشِيَ أَنَّ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا".
    (ت)قال صلى الله عليه وسلم "اللهم لا تجعل قبري وثنا، لَعَنَ اللهُ قوما اتخذوا قبور أنبيائهممساجد" رواه أحمد، وقال أحمد شاكر مُحقِّق المُسنَد إسناده صحيح، وقال الألباني في تحذير الساجد سَنَده صحيح، وقال شعيب الأرناؤوط مُحَقِّقُ المُسنَد إسْناده قوي.
    (ث)قال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام "هذا الحديث يدُلُّ على امتناع اتِّخاذ قبر الرسول مسجدا"، وذلك عند شرحه لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَفِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، قَالَتْ وَلَوْلَا ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا". انتهى.
    (ج)هذه النصوص النبوية المذكورة تَنْهَى عن اتخاذ قبر الرسول صلى الله عليه وسلم مسجدا، وهو ما قاله ابن دقيق العيد، لأن حكاية النبي صلى الله عليه وسلم لِفِعْل اليهود والنصارى مع قبور أنبيائهم المُراد منها ألا نَتَشَبَّه بهم فنَتَّخِذ قبرَه صلى الله عليه وسلم مسجدا، والسؤال هنا، هل قبرُه صلى الله عليه وسلم عامٌّ حتى يَدْخُل عليه التخصيصُ، الواضح أنه ليس بعامٍّ بدليل عدم صحة دخول الاستثناء المُتَّصِل عليه، وقد سبق بيان ذلك عند شرح المراد بقولهم "مِعْيَارُ الْعُمُومِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ"؛ وهذا هو الاعْتِراضُ الأَوَّلُ على قول الشيخ الألباني المذكور.
    (ح)الاعتراض الثاني سيكون على فَرْضِ التَّسْلِيم بوجود عامٍّ في هذه النصوص النبوية المذكورة يَصِحُّ أن يَدْخُلَ عليه الاستثناءُ الذي ذَكَرَه الشيخُ الألباني، وسيكون هذا الاعتراض ممَّن يَرَى صِحَّة مَذهب أبي حنيفة وغيره مِن أن العامَّ المُتأخِّرَ ناسخٌ للخاصِّ المُتَقَدِّم الذي تَمَّ العَمَلُ به، حيث أن هذا التسليم سيَترتب عليه أن العامكان مُتأخِّرا على الخاص -المتمثل في فضيلة الصلاة في المسجد النبوي- بعد أن وَقَع العَمَلُ بالخاص، لأن بعض النصوص النبوية التي دلَّتْ على تحريم اتِّخاذ قبره صلى الله عليه وسلم مسجدا دلَّتْ أيضا على أنه صلى الله عليه وسلم قالَها في مَرَضِ مَوْتِه. قال الزركشي في البحر المحيط: أنْ يَتأخَّر العامُّ عن وقت العمل بالخاص، فهاهنا يُبنَى العامُّ على الخاص عندنا، لأن ما تَنَاوَلَه الخاصُّ مُتَيَقَّنٌ، وما تَنَاوَلَه العامُّ ظاهِرٌ مَظْنُونٌ، والمُتَيَقَّن أَوْلَى، قال إلْكِيَا "وهذا أحْسَنُ ما عُلِّل به" اهـ؛ وذَهَبَ أبو حنيفة وأكثرُ أصحابه والقاضي عبدالجبار إلى أن العامَّ المُتأخِّرَ ناسِخٌ للخاصِّ المُتقدِّمِ، وتَوقَّفَ فيه ابنُ الفارض مِن المعتزلة، وقال أبو بكر الرازي "إذا تأخَّرَ العامُّ كان نَسْخا لِمَا تَضَمَنَه الخاصُّ ما لم تَقُم دلالةٌ مِن غيره على أن العُموم مُرَتَّبٌ على الخصوصِ"... ثم قال -أيالزركشي-: أنْ لا يُعْلَمَ تَارِيخُهُمَا-يعني تاريخ كل مِن العامِّ والخاصِّ-، فعند الشافعي وأصحابه أن الخاصَّ منهما يَخُصُّ العامَّ وهو قولُ الحنابلة ونَقَلَه القاضي عبدالوهاب والباجي عن عامَّةِ أصحابهم وبه قال القاضي عبدالجبار وبعض الحنفية، وذهب أبو حنيفة وأكثرُ أصحابه إلى التوقُّف إلى ظهور التاريخ، وإلى ما يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا على الآخر أو يَرْجِعُ إلى غيرهما، وحُكِي عن القاضي أبي بكر والدَّقَّاقِ أيضا. انتهى كلام الزركشي.
    (خ)مرَّ بِنا قولُ العلامة صفي الدين البغدادي الحنبلي: فإن تعارَضَ عُمُومان وأَمْكَنَ الجَمَعُ بتقديم الأَخَصّ أو تأويلِ المحتمَل فهو أَوْلَى مِن إلغائهما، وإلا فأحدهما ناسخ إن عُلِمَ تَأَخُّرُه، وإلا تَساقَطا. ومرَّ بِنا أيضا قولُ الشيخ الألباني ردًّا على مخالفيه القائلين بمشروعية صيام يوم السبت إذا وافَقَ يومَ عَرَفة: نحن عَمِلْنا بحديثَيْن، حديث فيه فضيلةٌ وحديث فيه نَهْيٌ، هم عَمِلُوا بحديث فيه فضيلةٌ وأعرضوا عن الحديث الذي فيه نَهْيٌ، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين. قلت: أَلَا يَصِحُّ تخريجُ مسألة (الصلاة في المسجد النبوي) بنفس طريقة تخريج الشيخ الألباني لمسألة (مشروعية صيام يوم السبت إذا وافَقَ يومَ عَرَفة)؟ أَلَمْ يَجتمِع في كُلٍّ مِن المسألتين حديثُ فضيلة وحديثُ نَهْي؟ أَلَيْسَ حديثُ النَّهْي َأَخَصَّ مِن حديث الفضيلة في مسألةَ (الصلاة في المسجد النبوي)، إذ أن الفضيلةَ صِفَةٌ ملازِمةٌ للمسجد النبوي على كُلِّ حالٍ، بينما وُجُودُ القبر داخل المسجد حَدَثُ عارِضٌ يُحْتَمَلُ زَوَالُه فيما بعد، بأن يَتِمَّ إرجاعُ المسجد إلى ما كان عليه في عهد الصحابة مِن جهة القبر؟ فما الذي يَمْنَعُ هنا مِن تقديم الأَخَصّ على الأَعَمّ؟!!!.


    المسألة الحادية والثلاثون


    زيد: لماذا يَسْكُتُ مَنْ يَسْكُتُ مِن العلماء عن بيانِ بِدْعِيَّة بِناءِ القُبَّة الخضراء فوقَ القبر النبوي؟.
    عمرو: يقول الشيخُ صالح بن مقبل العصيمي في (بدع القبور أنواعها وأحكامها): إن استمرارَ هذه القُبَّةِ -يعني القبة الموجودة فوق القبر النبوي- على مدى ثمانيةِ قُرونٍ لا يَعْنِي أنها أصْبَحَتْ جائزةً، ولا يعني أن السُّكُوتَ عنها إقرارٌ لها أو دَلِيلٌ على جَوازِها. انتهى.
    وفي فتاوى الشيخ ابن باز في (فتاوى نور على الدرب) على هذا الرابط، سُئِلَ الشيخُ: قد عَرَفْنا مِن كلام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز أن البناء والقباب على القبور لا يجوز، فما حُكْمُ القُبَّة الخضراء على قبر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة؟. فأجاب الشيخُ: لا رَيْبَ أن الرسول عليه الصلاة والسلام نَهَى عن البناء على القبور، ولَعَنَ اليهودَ والنصارى على اتخاذ المساجد عليها، فقال عليه الصلاة والسلام "لَعَنَ اللهُ اليهودَ والنصارى، اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد"، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه مسلم في الصحيح عن جابر "أنه نَهَى عن تجصيصِ القبور والقعودِ عليها والبناءِ عليها"، وفي رواية للترمذي وغيره "والكتابة عليها"، فالبناءُ على القبور واتِّخاذُ مساجد عليها مِن المُحرَّماتِ التي حَذَّرَ منها النبيُّ عليه الصلاة والسلام، وتَلَقَّاها أهلُ العِلْم بما قاله صلى الله عليه وسلم بالقبولِ، ونَهَى أهلُ العلم عن البناءِ على القبور واتِّخاذِ المساجد عليها، تنفيذًا للسُّنَّة المُطهَّرة، ومع ذلك فقد وُجِدَ في كثيرٍ مِن الدول والبلدان البناءُ على القبور واتِّخاذُ المساجد عليها، واتِّخاذُ القباب عليها أيضًا، وهذا كُلُّه مُخالِف لِمَا جاءَتْ به السُّنَّة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو مِن أعظم وسائل وُقُوعِ الشركِ، والغُلُوِّ في أصحاب القبور، فلا يَنبغِي لعاقِلٍ ولا يَنبغِي لأيِّ مُسْلِمٍ أن يَغْتَرَّ بهؤلاء وأن يَتَأَسَّى بهم فيما فَعَلُوا، لأن أعمالَ الناس تُعْرَضُ على الكتاب والسُّنَّة، فما وافَقَ الكتابَ والسُّنَّةَ أو وافَقَ أحدَهما قُبِلَ، وإلَّا رُدَّ على مَن أَحْدَثَه، كما قال الله سبحانه "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ"، وقال عز وجل "فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ"؛ أمَّا ما يَتعلَّقُ بالقُبَّةِ الخضراء التي على قبرِ النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا شيءٌ أحْدَثَه بعضُ الأُمَراء في المدينة المنورة، في القُرون المُتأخِّرة في القرن التاسع وما حوله، ولا شَكَّ أنه غَلَطٌ منه، وجَهْلٌ منه، ولم يَكُن هذا في عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عَهْدِ أصحابه، ولا في عَهْدِ القُرون المُفضَّلة، وإنما حَدَثَ في القُرون المُتأخِّرة التي كَثُر فيها الجَهْلُ، وقَلَّ فيها العِلمُ وكَثُرَتْ فيها البِدَعُ، فلا يَنْبَغِي أن يُغْتَرَّ بذلك، ولا أن يُقْتَدَى بذلك، ولَعَلَّ مَن تَوَلَّى المدينةَ مِن الملوك والأمراء، والمسلمين تَرَكُوا ذلك خَشْيَةَ الفِتنة مِن بعضِ العامَّةِ، فتَرَكُوا ذلك وأعْرَضُوا عن ذلك، حَسْمًا لمادة الفِتَنِ، لأن بعضَ الناس ليس عنده بَصِيرةٌ، فقد يقول "غَيَّرُوا وفَعَلُوا بقبرِ النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كذا، وهذا كذا"، فيُثِير إلى فِتَنٍ لا حاجَة إلى إثارَتِها، وقد تَضُرُّ إثارَتُها، فالأظْهَرُ واللهُ أعلم أنها تُرِكَتْ لهذا المعنى خَشْيَةَ رَوَاجِ فِتْنَة يُثِيرُها بعضُ الجَهَلة، ويَرْمِي مَن أزالَ القُبَّةَ أنه يَسْتَهِينُ بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بأنه لا يَرْعَى حُرْمَتَهُ عليه الصلاة والسلام، هكذا يَدَّعِي عبّادُ القُبورِ وأصحابُ الغُلُوِّ إذا رَأَوْا مَن يَدْعُو إلى التوحيد، ويُحَذِّرُ مِن الشركِ والبِدَعِ، رَمَوْهُ بأنواع المَعايِب، واتَّهَمُوه بأنه يُبْغِضُ النبيَّ عليه الصلاة والسلام، أو بأنه يُبْغِضُ الأولياءَ، أو لا يَرْعَى حُرْمَتَهُ صلى الله عليه وسلم، أو ما أشْبَهُ هذه الأقاويل الفاسدة الباطلة، وإلا فلا شَكَّ أن الذي عَمِلَها قد أخْطَأَ، وأتَى بِدْعَةً وخالَفَ ما قاله النبيُّ صلى الله عليه وسلم في التحذير مِن البناء على القبور واتِّخاذ المساجد عليها... وأمَّا البناء الأوَّل فهو بَيْتُ عائشة، كان دُفِنَ عليه الصلاة والسلام في بَيْتِ عائشة، والصحابةُ رضي الله عنهم وأرضاهم خافوا على دَفْنِه في البقيع مِن الفتنة، فجعلوه في بَيْتِ عائشة، ثم دفنوا مَعَه صاحبَيِه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ولم يَكُن الدَّفْنُ في المسجد، بل كان في بَيْتِ عائشة، ثم لَمَّا وُسِّعَ المسجدُ في عهد الوليد بن عبدالملك في آخر القرن الأوَّل أَدْخَلَ الحُجرةَ في التَّوْسِعة، فظَنَّ بعضُ الناس الذين لا يَعلَمون أن الرسول دُفِنَ في المسجد، وليس الأمْرُ كذلك، بل هو عليه الصلاة والسلام دُفِنَ في بَيْتِ عائشة في خارج المسجد ولم يُدْفَن في المسجد، فليس لأحَدٍ حُجَّةٌ في ذلك أن يَدْفِنَ في المساجد، بل يجب أن تكون المساجدُ خاليةً مِن القبور، ويجب ألا يُبْنَى أيُّ مسجدٍ على قبرٍ، لِكَوْنِ الرسول حَذَّرَ مِن ذلك عليه الصلاة والسلام فقال "لَعَنَ اللهُ اليهودَ والنصارى، اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد"، أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين، ورَوَى مسلمٌ في صحيحه رحمه الله عن جندب بن عبدالله البجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سَمِعَه يقول قَبْلَ أن يموت بخمس، يقول "إن الله اتَّخَذَني خليلاً، كما اتَّخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت مُتَّخِذًا مِن أُمتي خليلاً لاتَّخَذْتُ أبا بكر خليلاً، ألا وإن مَن كان قبلكم كانوا يَتَّخِذون قبورَ أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تَتَّخِذوها مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، فَذَمَّ مَن اتَّخَذَ المساجد على القبور، ونَهَى عن ذلك بِصِيغَتَين، إحداهما قوله "فلا تَتِّخذوها مساجد"، والثانية "فإني أنهاكم عن ذلك"، وهذه مُبالَغةٌ في النهي والتحذير منه عليه الصلاة والسلام مِن وجوهٍ ثلاثة، الوجه الأول، ذَمَّ مَن اتَّخَذَ المساجدَ على قبور الأنبياء والصالحين قَبْلَنا، والثاني، نَهَى عن ذلك بصيغة "لا تتخذوا"، والثالث أنه نَهَى عنه بصيغة "وإني أنهاكم عن ذلك"، وهذه مُبالَغةٌ في التحذير، وسَبَقَ في حديث عائشة أنه نَهَى عنه باللَّعْنِ، قال "لَعَنَ اللهُ اليهودَ والنصارى، اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، هذا يُبَيِّنُ لنا ويُبَيِّنُ لِكُلِّ مسلمٍ ولِكُلِّ ذي فَهْمٍ أن البناءَ على القبور واتِّخاذَ القباب عليها والمساجد أنه مخالِفٌ لشريعة الله التي جاءَ بها النبيُّ عليه الصلاة والسلام، وأنه مُنْكَرٌ وبِدْعَةٌ في الدين، وأنه مِن وسائل الشركِ، ولهذا لَمَّا رَأَى العامَّةُ والجَهَلَةُ هذه القبورَ المُعَظَّمَة بالمساجد والقبابِ وغيرِ ذلك والفُرُشِ ظَنُّوا أنها تَنْفَعُهم، وأنها تُجِيبُ دُعاءَهم، وأنها تَرُدُّ عليهم غائِبَهم وتَشْفِي مَرِيضَهم، فَدَعَوْها واستغاثوا بها ونَذَرُوا لها، ووقعوا في الشرك بسبب ذلك... فالواجبُ على أَهْلِ العلم والإيمان أَيْنَ ما كانوا أن يُحَذِّرُوا الناسَ مِن هذه الشرور، وأن يُبَيِّنوا لهم أن البناءَ على القبور مِن البِدَعِ المُنْكَرَةِ، وهكذا اتِّخاذ القباب والمساجد عليها مِن البِدَعِ المُنْكَرَةِ وأنها مِن وسائل الشركِ، حتى يَحْذَر العامَّةُ ذلك، لِيَعْلَم الخاصُّ والعامُّ أن هذه الأشياء حَدَثَتْ بَعْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أصحابه رضي الله عنهم وبعد القرون المُفضَّلة، حتى يَحْذَرُوها وحتى يَبْتَعِدوا عنها، والزيارة الشرعية للقبور هي أن يَزُورُوها للسلامِ عليهم والدعاءِ لهم والتَّرَحُّمِ عليهم، لا لسؤالِهم ودُعائِهم وقضاءِ الحاجات وتفريجِ الكروب، فإن هذا شركٌ بالله، ولا يجوز إلا مع الله سبحانه وتعالى، ولكن الجَهَلة والمشركين بَدَّلُوا الزيارةَ الشرعيةَ بالزيارةِ المُنْكَرَةِ الشِّركيةِ، جَهْلاً وضلالاً، ومِن أسباب هذا الشركِ والبِدَعِ وُجُودُ هذه البنايات والقباب والمساجد على القبور، ومِن أسباب ذلك سُكُوت كثير مِن العلماء عن ذلك، إمَّا للجهل بالحُكْمِ الشرعيِّ لذلك مِن بعضِهم، وإمَّا يَأْسهم مِن قُبُولِ العامَّةِ وعدم الفائدة مِن كلامِه منهم لِمَا رأوه مِن إقبالهم عليها وإنكارهم على مَن أنَكَرَ عليهم، وإمَّا لأسباب أخرى، فالواجبُ على أَهْلِ العلم أينما كانوا أن يُوَضِّحوا للناس ما حَرَّمَ اللهُ عليهم، وأن يُبَيِّنُوا ما أَوْجَبَ اللهُ عليهم، وأن يُحَذِّرُوهم مِن الشركِ وأسبابه ووسائله، فإن العامَّةَ في ذِمَّتِهم، واللهُ أَوْجَبَ عليهم البلاغَ والبيانَ، وحَرَّمَ عليهم الكِتْمانَ. انتهى. قلت: لَعَلَّ الشيخ قَصَدَ بعبارته (وإمَّا لأسباب أخرى)عبارةَ (وإمَّا لِخَشْيَتِهم مِن الحُكَّامِ وأهوائهم).


    المسألة الثانية والثلاثون


    زيد: هل تَمَكَّنَ الشيخُ محمد بن عبدالوهاب مِن إزالة القُبَّة الخضراء الموجودة فوق القبر النبوي، ولَمْ يَفْعَلْ؟.
    عمرو: في فتاوى الشيخ ابن باز في (فتاوى نور على الدرب) على هذا الرابط، سُئِلَ الشيخُ:إنني أعْلَمُ أن بِناءَ القباب على القبور لا يجوز، ولكن بعض الناس يقولون إنها تجوز، ودَلِيلُهم قُبَّةُ الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقولون إن محمد بن عبدالوهاب أزالَ كُلَّ القباب، ولم يُزِلْ تِلْكُمُ القُبَّةَ، أيْ قُبَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمفروض أن تُزال ما دامَ الناسُ غيرَ مُتَشَكِّكِين فيما يبدو؛ فكيف نَرُدُّ على هؤلاء، أفيدونا بارك الله فيكم؟. فكان ممَّا أجابَ به الشيخُ: أمَّا قُبَّة النبي صلى الله عليه وسلم فهذه حادِثةٌ أحْدَثَها بعضُ أُمَراء الأتراك، في بعض القُرون المتأخِّرة في القرن التاسع أو الثامن، وتَرَكَ الناسُ إزالتَها لأسباب كثيرة، منها جَهْلُ الكثير ممَّن يَتَوَلَّى إمارةَ المدينة، ومنها خَوْفُ الفِتنة، لأن بعضَ الناس يَخشَى الفتنةَ، لو أزالَها لرُبَّما قامَ عليه الناسُ، وقالوا "هذا يُبغِضُ النبيَّ وهذا كيت وكيت"، وهذا هو السِّرُّ في إبقاء الدولة السعودية لهذه القبَّة، لأنها لو أزالَتْها لرُبَّما قال الجُهَّالُ -وأكثرُ الناس جُهَّالٌ- "إن هؤلاء إنما أزالوها لِبُغْضِهم النبي عليه الصلاة والسلام"، ولا يقولون "لأنها بِدْعَةٌ"، وإنما يقولون "لِبُغْضِهم النبي صلى الله عليه وسلم"، هكذا يقولُ الجَهلةُ وأشباهُهم، فالحكومةُ السعوديةُ الأُولَى والأخْرَى إلى وَقْتِنا هذا، إنما تَرَكَتْ هذه القبَّةَ المُحْدَثةَ خَشْيَةَ الفِتنة، وأن يُظَنُّ بها السُّوءُ، وهي لا شَكَّ أنها والحمد لله تَعتقِدُ تحريمَ البناء على القبور، وتحريمَ اتِّخاذ القباب على القبور؛ والرسول صلى الله عليه وسلم دُفِنَ في بَيْتِ عائشة لِئَلَّا تَقَع الفتنةُ به، ولِئَلَّا يُغْلَى فيه، فدَفَنَه الصحابةُ في بَيْتِ عائشة حَذَرًا مِن الفتنة، والجُدران قائمةٌ مِن قديم، دَفَنُوه في البَيْتِ حِمايةً له مِن الفتنة عليه الصلاة والسلام، لِئَلَّا يُفْتَن به الجَهَلةُ؛ وأما هذه القبَّة فهي موضوعةٌ مُتأخِّرةٌ مِن جَهْلِ بعض الأُمَراء، فإذا أُزِيلَتْ فلا بأسَ بذلك، بل هذا حَقٌّ، لكن قد لا يَتَحَمَّلُ هذا بعضُ الجَهَلة، وقد يَظُنُّون بِمَن أزالَها بأنه ليس على حَقٍّ، وأنه مُبْغِضٌ للنبي عليه الصلاة والسلام، فمِن أَجْلِ هذا تَرَكَت الدولةُ السعوديةُ هذه القبَّةَ على حالِها، لأنها مِن عَمَلِ غيرها ولا تُحِبُّ التشويشَ والفتنةَ التي قد يَتَزَعَّمُها بعضُ الناس مِن عُبَّادِ القبور وأصحابِ الغُلُوِّ في الأمواتِ مِن المشركين، فَيَرْمُونها بما هي بَرِيئَةٌ منه، مِن البُغْضِ للنبي صلى الله عليه وسلم، أو الجَفاءِ في حَقِّه؛ والعلماءُ السعوديون منهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وغيره مِن العلماء، كُلُّهم بِحَمْدِ الله على السُّنَّة، وعلى طريق أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم وأَتْبَاعِهم بإحسان في توحيد الله والإخلاص له، والتحذير مِن الشرك والبدع أو وسائل الشرك، وهُم أَشَدُّ الناس تعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه كالسلف الصالح، هُم مِن أَشَدِّ الناس تعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، مَشْيًا وسَيْرًا على طريق السلف الصالح في مَحَبَّتِه صلى الله عليه وسلم، وتَعْظِيمِ جانِبه التَّعْظِيم الشَّرْعِيّ الذي ليس فيه غُلُوٌّ ولا بِدْعَة، بل تعظيم يَقتضِي اتِّباعَ شريعته، وتعظيمَ أَمْره ونَهْيه، والذَّبَّ عن سُنَّتِه، ودعوةَ الناس إلى اتِّباعه، وتحذيرَهم مِن الشركِ به أو بغيره، وتحذيرَهم مِن البِدَعِ المُنْكَرَةِ، فَهُمْ على هذا الطريق، أوَّلُهم وآخِرُهم يَدْعُون الناسَ إلى اتِّباعِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى تعظيمِ سُنَّته، وإلى إخلاصِ العبادة لله وحده وعَدَمِ الشركِ به سبحانه، ويُحَذِّرُون الناسَ مِن البِدَعِ التي كَثُرَتْ بين الناس مِن عصورٍ كثيرةٍ، ومِن ذلك بِدْعَةُ هذه القُبَّةِ التي وُضِعَتْ على القبر النبوي، وإنَّما تُرِكَتْ مِن أَجْلِ خَوْفِ القالة [القالة هي القَوْلُ الفاشِي في الناس، خَيْرا كان أو شرًّا] والفتنة. انتهى. قلت: واللائِقُ أيضا بالشيخ محمد بن عبدالوهاب أن يُظَنَّ به أنه لم يَتَمَكَّن مِن إرجاع المسجد النبوي إلى ما كان عليه في عهد الصحابة مِن جِهة القبر، وأنه لو كان تَمَكَّنَ لَفَعَلَ.

    (تابع ما بعده)

  10. افتراضي

    (تابع ما قبله)




    المسألة الثالثة والثلاثون


    زيد: هلْ يَصِحُّ الاستدلالُ بدعوى الإجماع، أو بدعوى (لا نَعْمَلُ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نَعْرِف مَن عَمِلَ به)، ردًّا على مَن استدَلَّ على تحريم الصلاة في المسجد النبوي بعُموم أدِلَّة التحريم؟.
    عمرو: الجوابُ عن هذا الاستدلال يَتَّضحُ ممَّا يَلِي:
    (1)هذا عَيْنُ الاستدلال الذي يَستدِلُّ به الصُّوفِيَّةُ والشِّيعَةُ: فقد استَدلَّ عَلِيُّ جُمْعَة الصوفي الأشعري مفتي مِصْرَ السابق وعضو هيئة كِبار العلماء بالأزهر على موقعه في هذا الرابط على صحة الصلاة في المساجد التي فيها قبور بِزَعْمِ إجماعِ الأمةِ الفِعْلِيِّ على ذلك وإقرارِ علمائها صلاة المسلمين سَلَفاً وخَلَفاً في المسجد النبوي.
    وقال المَرْجِعُ الشِّيعِيُّ الإيرانيُّ جعفر السبحاني في مقالة له على هذا الرابط: هذا وقد صَلَّى المسلمون يَوْمَ أُدخِل القبرُ في المسجد عَبْرَ قُرونٍ، ولم يُسمَع مِن أيِّ ابن أُنثى أنه أنْكَرَ ذلك العَمَلَ، بل المسلمون كُلُّهم يُصَلُّون في المسجد ويَتَبَرَّكون بقبره الشريف، إلى أن وَلَدَ الدَّهْرُ ابنَ تيمية ومَن لَفَّ لَفَّه فَأَظْهَرُوا نَكِيرَهم لهذا العَمَلِ، أَلَيْسَ اتِّفاقُ المسلمين أو الفقهاء وأهل الفُتيا في قَرْنٍ واحدٍ على عَمَلٍ دليلاً على حِلِّيَّةِ العَمَلِ وَجَوازِه؟ فإن الإجماعَ عند القوم مِن أداة التشريع كالكتاب والسُّنَّة، فلماذا لَم نَجْعَلْ هذا الاتِّفاقَ دَلِيلاً على الجَوازِ بل الاستحباب؟! وهذه هي المُدُنُ الإسلاميَّةُ في الشامات كُلّها تَحتضِنُ قبورَ الأنبياء العِظامِ عليهم السلام وفيها مساجد جَنْبَ القبورِ، وما هذا إلا لِيَتبرَّك المُصلِّي بقبور الأنبياء العِظامِ عليهم السلام الذين كَرَّسُوا حياتَهم في نَشْرِ التوحيد ومُكافَحَةِ الوَثَنِيَّة، ومِن الظُّلْمِ الواضحِ عدُّ الصلاة عند قُبورِهم تَبَرُّكاً بهم شِرْكاً أو ما يَفُوحُ منه رائحةُ الشركِ! ومِن يوم سَيْطَرَت الوَهَّابِيَّةُ على قِسْمٍ مِن تلك البلاد أَخَذُوا يَفصِلون المساجدَ عن قُبورِهم ومَشاهِدهم بشيءٍ مِن السِّتْرِ. انتهى.
    (2)الشيخُ الذي يَقولُ بحُرْمَة اتِّخاذ القبور مساجد، ولا يَنُصُّ على استثناء المسجد النبوي؛ هل الأَوْلَى أن يُنسَبَ إليه أنه يَستثنِي المسجدَ النبويَّ، أم الأَوْلَى أن يُقال أن كلامَ الشيخ يَشْمَلُ المسجدَ النبويَّ لِعُمومِ أَدِلَّة التحريم ولِعُمومِ كلام الشيخ؟!!! أعتقد أنه مِن الواضح جدا أن الأَوْلَى أن يُقال أن كلامَ الشيخ يَشْمَلُ المسجدَ النبويَّ؛ وذلك لِعُمومِ أَدِلَّة التحريم ولِعُمومِ كلام الشيخ.
    (3)تعريف الإجماع: الإجماع هو اتِّفاقُ العُدُولِ مِن مُجْتَهِدِي أُمَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وفاتِه في عَصْرٍ مِن العُصُورِ على أيِّ أَمْرٍ كان مِن أُمُورِ الدِّينِ.
    (4)لا يُمْكْنُ الإطِّلاعُ على انعقاد الإجماع على مسألة ما بعدَ عَصْرِ الصحابة رضوان الله عليهم جميعا: يقول الإمام الشوكاني: وَجَعَلَ الْأَصْفَهَانِيُّ الْخِلَافَ في غير إجماع الصحابة، وقال -يعني الأصفهاني- "الحقُّ تَعَذُّرُ الإطِّلَاعِ على الإجماع لا إجماع الصحابة، حيث كان المجمعون وهم العلماءُ منهم في قِلَّةٍ، وأمَّا الآنَ وبعد انتشارِ الإسلامِ وكثرةِ العلماءِ فلا مَطْمَعَ للعِلْمِ به"، قال -يعني الأصفهاني- "وهو اختيارُ أحمدَ مع قُرْبِ عهدِه مِن الصحابة وقُوَّةِ حِفْظِه وشِدَّةِ اطِّلاعِه على الأمور النَّقْلِيَّة". انتهى من إرشاد الفحول.
    ويقول الشيخُ عبدالرحمن البراك في إرشاد العباد إلى معاني لمعة الاعتقاد: الإجماع الذي يَنْضَبِطُ هو ما ذَكَرَه شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية بقوله "والإجماع الذي يَنْضَبِطُ هو ما كان عليه السَّلَفُ الصالحُ، إذ بَعدَهم كَثُرَ الاختلافُ، وانتشرت الأُمَّةُ"، فالإجماع الذي يَنْضَبِطُ هو إجماع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم. انتهى.
    ويقول الشيخُ مصطفى سلامة: الإجماع في عَصْرِ الصحابةِ، وبعد وَفَاةِ النبي صلى الله عليه وسلم قد وَقَعَ في كثيرٍ مِن المسائل، أما بَعْدَ الصحابةِ، وإن كان مُمْكِنا إلَّا أنه مُتَعَذِّرٌ، وفي ذلك يقول شيخُ الإسلام "ولا يُعلَمُ إجماعٌ بالمعنى الصحيح إلَّا ما كان في عَصْرِ الصحابةِ،أمَّا بَعْدَهم فقد تَعَذَّرَ غالبا". انتهى من التأسيس في أصول الفقه.
    وفي هذا الرابط تقول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان): يَبْعُد عادةً أن يُطَّلَعَ على إجماعِ أهْلِ الحَلِّ والعَقْدِ في عَصْرٍ مِن عُصُورِ هذه الأُمَّة سوى عَصْر الصحابةِ رضي الله عنهم. انتهى.
    ويقول محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في تطهير الاعتقاد: فإنَّ الأُمَّةَ المُحَمَّديَّةَ قد مَلَأَت الآفاقَ، وصارَتْ في كُلِّ أرضٍ وتحت كُلِّ نَجْمٍ، فعلماؤُها المُحقِّقُون لا يَنْحَصِرون، ولا يَتِمُّ لأحَدٍ مَعْرِفةُ أحوالهم، فمَن ادَّعَى الإجماعَ بعدَ انتشارِ الدِّينِ وكثرةِ علماءِ المسلمين، فإنَّها دَعْوَى كاذِبَة، كما قالَه أَئِمَّةُ التحقيق؛ ثم لو فُرِضَ أنهم عَلِمُوا بالمُنْكَر وما أنْكَرُوه بل سَكَتُوا عن إنكاره، لَمَا دَلَّ سُكُوتُهم على جَوَازه، فإنه قد عُلْمَ مِن قواعد الشريعة أن وظائف الإنكار ثلاثة؛ أَوَّلها الإنكارُ باليد، وذلك بتغيير المنكر وإزالته؛ وثانيها الإنكارُ باللسان مع عدم استطاعة التغيير باليد؛ ثالثها الإنكارُ بالقلب عند عدم استطاعة التغيير باليد واللسان؛ فإن انْتَفَى أَحَدُها لم يَنْتَفِ الآخرُ، ومِثَالُهُ مُرُورُ فَرْدٍ مِن أفراد علماء الدين بِأَحَدِ المَكَّاسِين [المَكَّاس هو مَن يَجْبِي الضَّرائبَ بِغَيرِ حَقٍ] وهو يَأْخُذُ أموالَ المظلومين، فهذا الفَرْدُ مِن علماء الدين لا يستطيعُ التغييرَ على هذا الذي يَأْخُذُ أموالَ المساكين باليد ولا باللسان، لأنه إنما يكون سُخْرِيَّةً لأهلِ العصيانِ، فانْتَفَى شَرْطُ الإنكار بالوظيفتين، ولم يَبْقَ إلا الإنكار بالقلب الذي هو أَضْعَفُ الإيمان، فيجب على مَن رَأَى ذلك العالِمَ ساكِتاً على الإنكارِ -مع مُشاهدة ما يَأْخُذُه ذلك الجَبَّارُ- أن يَعتقِدَ أنه تَعَذَّرَ عليه الإنكارُ باليد واللسان، وأنه قد أنْكَرَ بقلبه، فإن حُسْنَ الظَّنِّ بالمسلمين أهْلِ الدين واجِبٌ، والتأويل لهم ما أمْكَنَ ضَرْبَةُ لازِبٍ ["ضَرْبَةُ لازِبٍ" أي "لازِمٌ واجبٌ"]. انتهى.
    ويقول الشيخ عبدالقادر بن بدران الدمشقي: وقال أبو المعالي "والإنصاف أنه لا طريق لنا إلى معرفة الإجماع إلا في زمن الصحابة"، وقال البيضاوي "إن الوقوف عليه لا يتعذر في أيام الصحابة فإنهم كانوا قَلِيلِين مَحصورِين ومجتمِعِين في الحجاز ومَن خرجَ منهم بعدَ فَتْحِ البلاد كان معروفا في موضعه"، انتهى، قلت -والكلام مازال للشيخ عبدالقادر- وهذا هو الحقُّ البَيِّنُ، وقَوْلُ المُصَنِّف -يعني الشيخ ابن قدامة صاحب روضة الناظر- عن العلماء المجتهدين "هم مشتهرون معروفون" دعوى بلا دليل، ولو كنا في زمنه وطالبناه بمعرفة مجتهدي عَصْرِه مِن أهلِ الأندلس والهند لا رُبَّما كان لا يَعْرِفُ واحِدا منهم. انتهى من كتاب نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر.
    قلت: ومِن العلماء مَن يَذكُر أنَّ مِن أسباب تَعَذُّر الإطِّلاع على الإجماع بعدَ عَصْرِ الصحابة انتشارَ المُجمعِين شرقا وغربا، وجوازَ خَفاء واحِد منهم بأن يكون أسيرا أو محبوسا أو مُنقطِعا عن الناس، وجوازَ أن يكون أحدُهم خامِلَ الذِّكْر بحيث لا يُعْرَف أنه مِن المُجْتَهِدِين، وجوازَ أن يَكْذِبَ بعضُهم فَيُفْتِي على خِلاف اعتقاده خَوْفا مِن سُلطانٍ جائرٍ.
    (5)إدخال القبر النبوي في المسجد كان بعدَ مَوْتِ الصحابة رضي الله عنهم: يقول الشيخ علي بن عبدالعزيز الشبل في كتاب (عمارة مسجد النبي عليه السلام ودخول الحجرات فيه): ومِمَّا يجب أنْ يُعْلَمَ أنَّ صَنِيعَ الوليد بن عبدالملك هذا، إنما كان بعدَ مَوْتِ الصحابة رضي الله عنهم، فلم يَكُنْ يَجْرَأ على هذا العِنادِ بهذا الصَّنِيعِ في عَهْدِ الصحابة رضي الله عنهم. انتهى.
    ويقول الشيخ الألباني في كتابه تحذير الساجد: وخلاصة القول أنه ليس لدينا نَصٌّ تَقُومُ به الحُجَّةُ على أنَّ أحَدا مِن الصحابة كان في عَهْدِ عملية التغيير هذه، فمن ادَّعَى خِلَافَ ذلك فعَلَيْهِ الدليلُ. انتهى.
    ويقول الشيخ الألباني أيضا في كتابه تحذير الساجد: فصارَ القبرُ بذلك في المسجد، ولم يَكُنْ في المدينة أحدٌ مِن الصحابة حينذاك خلافا لِمَا تَوَهَّمَ بعضُهم. انتهى.
    ويقول الشيخ الألباني أيضا في كتابه الثمر المستطاب: ذكَر ابن عبدالهادي عن شيخ الإسلام ابن تيمية أن المسجد لَمَّا زاد فيه الوليدُ وأُدْخِلَتْ فيه الحُجْرَةُ كان قد ماتَ عامَّةُ الصحابة ولم يَبْقَ إلا مَن أدْرَكَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ولم يَبْلُغْ سِنَّ التمييز الذي يُؤْمَرُ فيه بالطهارة والصلاة، ومِن المعلوم بالتواتر أن ذلك كان في خِلَافةِ الوليد بن عبدالملك. انتهى.
    (6)رَدًّا على مَن زَعَمَ عدمَ إنكار أحَد مِن السَّلَف إدخال قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده،قال الشيخُ الألباني: وأمَّا قولُهم "ولم يُنْكِر أحَدٌ مِن السَّلَف ذلك"، فنقول وما أدراكم بذلك؟ فإن مِن أصْعَب الأشياء على العقلاء إثباتَ نَفْيِ شيءٍ يُمْكِنُ أن يَقَعَ ولم يُعْلَمْ كما هو مَعروفٌ عند العلماء، لأن ذلك يَستلزِمُ الاستقراءَ التامَّ والإحاطةَ بكلِّ ما جَرَى... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: والحقيقة أن قولَهم هذا يَتضمَّنُ طَعْنا ظاهِرا لو كانوا يعلمون في جميع السَّلَفِ، لأن إدخالَ القبر إلى المسجد مُنْكَرٌ ظاهِرٌ عند كُلِّ مَن عَلِمَ بتلك الأحاديث المُتقدِّمة وبمعانيها، ومِن المُحال أن نَنْسِبَ إلى جميعِ السَّلَفِ جَهْلَهم بذلك، فَهُم أو -على الأَقَلّ- بعضُهم يَعْلَمُ ذلك يَقِينا، وإذا كان الأَمْرُ كذلك فلا بُدَّ مِن القَوْلِ بأنهم أَنْكَرُوا ذلك، ولو لم نَقِفْ فيه على نَصٍّ، لأن التاريخ لم يَحْفَظْ لنا كُلَّ ما وَقَعَ، فكيف يقال "إنهم لم يُنْكِرُوا ذلك"؟ اللَّهُمَّ غُفْرًا. انتهى من تحذير الساجد.
    قلت: بنفس طريقة رَدِّ الشيخ الألباني على مَن زَعَمَ عَدَمَ إنكار أحد مِن السَّلَفِ إدخال قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، يُمْكِنُ أن يَتِمَّ الرَّدُّ على مَن زَعَمَ أن أحدا مِن السَّلَفِ لم يُنْكِر الصلاةَ في المسجد النبوي حالَ وُجُودِ ثلاثة قبور بِداخِله.
    (7)يَسْتَحِيلُ وُجُودُ إجماعٍ صحيحٍ على خِلَاف حديثٍ صحيحٍ دون وُجُود ناسِخٍ صحيحٍ: يقول الشيخ الألباني رَدًّا على مُخالِفِيه القائلِين بوُجُودِ إجماعٍ على إباحة الذهب مُطْلَقا للنساء:لو كان يُمكِنُ إثباتُ الإجماع في الجُمْلَةِ لَكانَ ادِّعاؤه في خُصُوصِ هذه المسألة غير صحيح لأنه مُناقِضٌ للسُّنَّةِ الصحيحةِ، وهذا مِمَّا لا يُمكِنُ تَصوُّرُه أيضا لأنه يَلزَمُ منه اجتماعُ الأُمَّة على ضَلَالٍ، وهذا مُستحِيلٌ لقوله صلى الله عليه وسلم "لا تجتمعُ أُمَّتِي على ضلالةٍ"، ومِثْلُ هذا الإجماع لا وُجُودَ له إلا في الذِّهْنِ والخَيَالِ، ولا أَصْلَ له في الوُجُودِ والواقِعِ... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: قال أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في أصول الأحكام (وقد أجازَ بعضُ أصحابنا أن يَرِدَ حديثٌ صحيحٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الإجماعُ على خِلَافِه، قال "وذلك دليلٌ على أنه مَنسوخٌ"، وهذا عندنا خطأٌ فاحشٌ مُتَيَقَّنٌ لِوَجْهَين بُرهانِيَّين ضرورِيَّين، أحدهما أن وُرُودَ حديث صحيح يَكُونُ الإجماعُ على خِلَافِه مَعدومٌ، لم يَكُنْ قط ولا هو في العالَمِ، فمَن ادَّعَى أنه موجودٌ فَلْيَذْكُره لنا ولا سَبِيلَ له -والله- إلى وُجودِه أبدا، والثاني أن الله تعالى قد قال "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" فمَضْمُونٌ عند كُلِّ مَن يُؤْمِن بالله واليوم الآخر أنَّ ما تَكفَّل اللهُ عز وجل بحفظِه فهو غيرُ ضائعٍ أبدا، لا يَشُكُّ في ذلك مسلمٌ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كله وحْيٌ بقوله تعالى "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"، والوَحْي ذِكْرٌ بإجماع الأُمَّة كلها، والذِّكْر محفوظٌ بالنَّصِّ، فكلامه عليه السلام محفوظٌ بحِفْظِ الله تعالى عز وجل ضَرُورةً، مَنقولٌ كله إلينا، لا بُدَّ مِن ذلك، فلو كان هذا الحديثُ الذي ادَّعَى هذا القائلُ أنه مُجْمَعٌ على تَرْكِه وأنه منسوخٌ كما ذَكَرَ، لكان ناسِخُه الذي اتَّفَقُوا عليه قد ضاعَ ولم يُحفَظْ، وهذا تكذيبٌ لله عز وجل في أنه حافظٌ للذكْرِ كُلِّه، ولو كان ذلك لَسَقَطَ كثيرٌ مِمَّا بَلَّغ عليه السلام عن رَبِّه، وقد أَبْطَلَ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في قوله في حجة الوداع "اللهم هلْ بلغت؟")؛ قال (ولَسْنا نُنْكْرُ أن يكون حديثٌ صحيحٌ وآيةٌ صحيحةُ التِّلاوةِ مَنسوخَيْن إمَّا بحديثٍ آخر صحيح وإمَّا بآيّةٍ مَتْلُوَّةٍ ويكون الاتِّفاقُ على النسخِ المذكورِ قد ثَبَتَ بل هو مَوْجُودٌ عندنا، إلا أننا نقول "لا بُدَّ أن يكون الناسِخُ لهما مَوْجُودا أيضا عندنا مَنْقُولا إلينا مَحفوظا عندنا مُبَلَّغا نحونا بِلَفْظِه قائِمَ النَّصِّ لدينا" لا بُدَّ مِن ذلك، وإنما الذي مَنَعْنا منه فهو أن يكون المنسوخُ مَحفوظا منقولا مُبَلَّغا إلينا ويكون الناسِخُ له قد سَقَطَ ولم يُنْقَلْ إلينا لَفْظُه، فهذا باطِلٌ عندنا، لا سبيلَ إلى وُجُودِه في العالَمِ أبد الأبد، لأنه معدوم أَلْبَتَّة، قد دَخَلَ -بأنه غيرُ كائنٍ- في باب المُحالِ والمُمتنَعِ عندنا، وبالله تعالى التوفيق). انتهى من كتاب آداب الزفاف.
    (8)لا يَصِحُّ أن تُقَدَّمَ على السُّنَّة دَعَوى إجماع ليس معها كتابٌ ولا سُنَّةٌ: يقول الشيخُ الألباني رَدًّا على مُخالفِيه القائلِين بوُجُودِ إجماع على إباحة الذهب مُطْلَقا للنساء:وقال العلَّامةُ المحقِّقُ ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: (ولم يَزَلْ أئمَّةُ الإسلام على تقديم الكتاب على السُّنَّةِ والسُّنَّة على الإجماع، وجَعْلِ الإجماع في المرتبة الثالثة، قال الشافعي "الحُجَّة كتابُ اللهِ وسُنَّةُ رسوله واتِّفاقُ الأئمَّة"، وقال في كتاب اختلافه مع مالك "والعِلْمُ طَبَقاتٌ، الأُولى الكتابُ والسُّنَّةُ الثابتةُ، ثم الإجماع فيما ليس كِتَابا ولا سُنَّةً")... وقال ابنُ القيم أيضا في صَدَدِ بيان أصول فتاوى الإمام أحمد: (ولم يَكُنْ -يعني الإمام أحمد- يقدِّمُ على الحديث الصحيح عَمَلا ولا رَأْيا ولا قِيَاسا ولا قَوْلَ صاحِبٍ، ولا عَدَمَ عِلْمِه بالمُخالِف الذي يُسمِّيه كثيرٌ مِن الناس إجماعا ويُقَدِّمُونه على الحديثِ الصحيحِ، وقد كَذَّبَ أحمدُ مَن ادَّعَى هذا الإجماعَ وَلَمْ يُسِغْ تَقْدِيمَهُ على الحديثِ الثابِتِ، وكذلك الشافعي ... ونُصوصُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أجَلُّ عند الإمام أحمد وسائر أئمَّة الحديثِ مِن أن يُقَدِّمُوا عليها تَوَهُّمَ إجماعٍ مَضْمُونه عَدَمُ العِلْمِ بالمُخالِفِ، ولو ساغَ لَتعطَّلت النصوصُ وساغَ لِكُلِّ مَن لم يَعلَمْ مُخالِفا في حُكْمِ مسألةِ أن يُقدِّمَ جَهْلَه بالمُخالِفِ على النصوصِ). انتهى من كتاب آداب الزفاف.
    ويقول ابنُ القيم في كتاب إعلام الموقعين: وَصَارَ مَن لم يَعرِفْ الخِلَافَ مِن المُقَلِّدِين إذا احْتُجَّ عليه بالقرآن والسُّنَّة قال "هذا خِلَافُ الإجماع"، وهذا هو الذي أنْكَرَه أئمَّةُ الإسلام، وعابُوا مِن كُلِّ ناحِيةٍ على مَن ارْتَكَبَه، وكَذَّبوا مَن ادَّعاه، فقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبدالله "مَن ادَّعَى الإجماعَ فهو كاذِبٌ، لَعَلَّ الناس اختلفوا، هَذِهِ دَعْوَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَالْأَصَمِّ، ولكن يقولُ لا نَعْلَمُ الناسَ اختلفوا، أو لم يَبْلُغْنا". انتهى.
    ويقول ابنُ القيم أيضا في كتاب إعلام الموقعين: وقد كان السَّلَفُ الطَّيِّبُ يَشْتَدُّ نَكِيرُهم وغَضَبُهم على مَن عارَضَ حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم برَأْيٍ أو قِياسٍ أو استحسانٍ أو قولِ أحَدٍ مِن الناس كائنا مَن كان، ويَهْجُرُون فاعِلَ ذلك، وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَضْرِبُ له الأَمْثَالَ، ولا يُسوِّغون غير الانقيادِ له والتسليمِ، والتَّلَقِّي بالسمع والطاعة، ولا يَخْطُرُ بقلوبهم التَّوقُّفُ في قُبُوله حتى يَشهَد له عَمَلُ أو قياسٌ أو يُوافِق قولَ فلانٍ وفلانٍ، بل كانوا عامِلِين بقوله {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخِيَرَة مِن أمْرِهم} وبقوله تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شَجَرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممَّا قضيتَ ويُسَلِّموا تسليما} وبقوله تعالى {اتبعوا ما أُنْزِلَ إليكم مِن ربكم ولا تتبعوا مِن دونه أولياء قليلا ما تذكرون} وأمثالها، فَدُفِعْنَا إلى زَمانٍ إذا قِيلَ لأحَدِهم "ثَبَتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا" يقول "مَن قال بهذا؟" ويَجعَل هذا دَفْعًا في صَدْرِ الحديثِ، أو يَجعَل جَهْلَه بالقائِلِ به حُجَّةً له في مُخالَفَتِهِ وتَرْكِ العَمَلِ به، ولو نَصَحَ نَفْسَهُ لَعَلِمَ أنَّ هذا الكلامَ مِن أعظم الباطِلِ، وأنه لا يَحِلُّ له دَفْعُ سُنَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِثْلِ هذا الجَهْلِ، وأَقْبَحُ مِن ذلك عُذْرُهُ فِي جَهْلِهِ، إذْ يَعتقِد أنَّ الإجماعَ مُنْعَقِدٌ على مُخالفَةِ تلك السُّنَّة، وهذا سُوءُ ظَنٍّ بجماعة المسلمين، إذ يَنْسُبُهُمْ إلى اتِّفاقِهم على مُخالَفَةِ سُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأَقْبَحُ مِن ذلك عُذْرُهُ فِي دَعْوَى هذا الإجماع، وهو جَهْلُه وعَدَمُ عِلْمِهِ بِمَن قال بالحديثِ، فعَادَ الأمْرُ إلى تَقديمِ جَهْلِه على السُّنَّة، والله المستعان؛ ولا يُعْرَفُ إمامٌ مِن أئمَّةِ الإسلام أَلْبَتَّة قال "لا نَعْمَلُ بحديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نَعْرِف مَن عَمِلَ به، فَإِنْ جَهِلَ مَن بَلَغَهُ الحديثُ مَن عَمِلَ به لم يَحِلَّ له أن يَعْمَلَ به" كما يقولُ هذا القائلُ. انتهى.
    ويقول الشيخُ محمد بن عبدالوهاب في (باب مَن أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحَلَّ اللهُ أو تحليل ما حرَّم اللهُ فقد اتَّخذهم أربابا مِن دون الله) مِن كتاب التوحيد: وقال ابن عباس "يُوشَك أن تَنْزل عليكم حجارةٌ مِن السماء، أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون قال أبو بكر وعمر؟"، وقال الإمام أحمد "عَجبْتُ لقومٍ عَرَفُوا الإسنادَ وصحتَه، ويَذهَبُون إلى رَأْيِ سفيان، والله تعالى يقول {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أَتَدْرِي ما الفِتْنَةُ؟ الفتنةُ الشِّرْكُ، لَعَلَّه إذا رَدَّ بعضَ قولِه أنْ يَقَعَ في قَلْبِه شيءٌ مِن الزَّيْغِ فيَهْلك"، عن عدي بن حاتم أنه سَمِع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقرأ هذه الآيةَ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، فقُلتُ له "إنَّا لَسْنا نَعْبُدُهم"، قال "أَلَيْسَ يُحَرِّمُون ما أَحَلَّ اللهُ فتُحَرِّمُونه؟ ويُحِلُّون ما حَرَّمَ اللهُ فتُحِلُّونه؟"، فقلتُ "بلى"، قال "فتلك عِبَادَتُهم" رواه أحمد والترمذي وحسنه. انتهى.
    ويقول الشيخُ ابن عثيمين في القولِ المفيد على كتاب التوحيد: بعض الناس يَرْتَكِبُ خطأً فاحِشا، إذا قِيلَ له "قال رسولُ الله"، قال "لكن في الكتاب الفلاني كذا وكذا"، فعليه أنْ يَتَّقي اللهَ الذي قال في كتابه {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} ولم يَقُلْ ماذا أَجَبْتُم فلانا وفلانا، أمَّا صاحب الكتاب فإنه إن عُلِمَ أنه يُحِبُّ الخيرَ ويُريدُ الحقَّ، فإنه يُدْعَى له بالمغفرة والرحمة إذا أَخْطَأَ، ولا يُقالُ "إنه معصومٌ" يُعارَضُ بقولِه قولُ الرسول. انتهى.
    وقال ابن القيم في كتاب الروح: تجريد المتابعة -يعني متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم- ألَّا تُقَدِّم على ما جاء به قَوْلَ أحدٍ ولا رَأْيه كائنًا مَن كان، بل تَنْظُر في صِحَّةِ الحديث أوَّلاً، فإذا صَحَّ لك نَظَرْتَ في مَعْناه ثانيًا، فإذا تَبَيَّنَ لك لم تَعدِلْ عنه ولو خالَفَكَ مَن بَيْنَ المشرق والمغرب، ومعاذَ الله أن تَتَّفِقَ الأُمَّةُ على مُخالَفَةِ ما جاء به نبيُّها، بل لا بُدَّ أن يكون في الأُمَّةِ مَن قال به، ولو لم تَعْلَمْه، فلا تَجْعَلْ جَهْلَكَ بالقائل به حُجَّةً على الله ورسوله، بل اذهبْ إلى النَّصِّ ولا تَضْعَفْ، واعْلَمْ أنه قد قال به قائلٌ قَطْعًا، ولكن لم يَصِلْ إليك. انتهى.
    ويقول الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة: لا يَضُرُّ الحديثَ ولا يَمْنَعُ العملَ به عَدَمُ العِلم بمَن قالَ به مِن الفقهاء، لأن عَدَمَ الوِجْدانِ لا يَدُلُّ على عدمِ الوجودِ. انتهى.
    وقال ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام: فَكُلّ مَن أدَّاه البرهانُ مِن النَّصِّ أو الإجماع المُتَيَقَّنِ إلى قَوْلٍ ما، ولم يُعرَف أحدٌ قبْلَه قال بذلك القولِ، ففَرْضٌ عليه القولُ بما أدَّى إليه البرهانُ، ومَن خالَفَه فقد خالَفَ الحَقَّ، ومَن خالَفَ الحَقَّ فقد عَصَى اللهَ تعالى، قال تعالى "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، ولم يَشترِطْ تعالى في ذلك أن يَقولَ به قائلٌ قبْلَ القائلِ به، بل أَنْكَرَ تعالى ذلك على مَن قالَه، إذ يقول عز وجل حاكِيا عن الكفارِ مُنْكِرا عليهم أنهم قالوا "ما سمعنا بهذا في المِلَّةِ الآخرة إن هذا إلا اختلاق"... قال أبو محمد: ومَن خَالَفَ هذا فقد أنْكَرَ على جميع التابعِين وجميع الفقهاء بعدَهم، لأن المسائل التي تَكلَّم فيها الصحابةُ رضي الله عنهم مِن الاعتقاد أو الفُتْيَا، فَكُلّها محصورٌ مضبوطٌ معروفٌ عند أهلِ النَّقلِ مِن ثقاتِ المُحَدِّثِين وعلمائهم، فَكُلّ مسألةٍ لم يُرْوَ فيها قولٌ عن صاحبٍ، لكن عن تابِعٍ فمَن بعدَه، فإن ذلك التابِعَ قالَ في تلك المسألة بقولٍ لم يَقُلْه أحَدٌ قَبْلَه بلا شَكّ، وكذلك كُلّ مسألةٍ لم يُحْفَظْ فيها قولٌ عن صاحبٍ ولا تابِعٍ، وتَكلَّمَ فيها الفقهاءُ بعدَهم، فإن ذلك الفَقِيهَ قد قالَ في تلك المسألةِ بقولٍ لم يَقُلْه أحَدٌ قَبْلَه، ومَن ثَقِفَ هذا البابَ فإنه يَجِدُ لأبي حنيفة ومالك والشافعي أَزْيَدَ مِن عشرة آلاف مسألة لم يَقُلْ فيها أحَدٌ قَبْلَهم بما قالوه، فكيف يُسوِّغُ هؤلاء الجُهَّالُ للتابعِين ثم لِمَن بَعْدَهم أن يقولوا قولا لم يَقُلْه أحَدٌ قَبْلَهم، ويُحَرِّمُ ذلك على مَن بَعْدَهم إلينا ثم إلى يوم القيامة، فهذا مِن قائلِه دَعْوَى بلا بُرهان، وتَخرُّصٌ في الدِّين، وخلاف الإجماع على جواز ذلك لمَن ذَكَرنا، فالأمْرُ كما ذَكَرنا، فمَن أرادَ الوقوفَ على ما ذكرنا فَلْيَضْبِط كُلَّ مسألةٍ جاءت عن أحَدٍ مِن الصحابة، فَهُم أَوَّلُ هذه الأُمَّة، ثم لِيَضْرِب بيده إلى كُلِّ مسألةٍ خَرَجَتْ عن تلك المسائل، فإن المُفتِي فيها قائلٌ بقولٍ لم يَقُلْه أحَدٌ قَبْلَه. انتهى.
    ويقول ابن القيم في إعلام الموقعين: إذا كان عند الرجُل الصحيحان [أيْ صحيحا البخاري ومسلم]، أو أحدُهما، أو كتابٌ مِن سُنَن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَوثوق بما فيه، فهلْ له أن يُفْتِي بما يَجِدُه فيه؟ فقالت طائفةٌ مِن المُتأخِّرِين "ليس له ذلك، لأنه قد يكون منسوخا، أو له مُعارِضٌ، أو يَفْهَمُ مِن دَلَالَتِه خِلَافَ ما يَدُلُّ عليه، أو يكون أمْرَ نَدْبٍ فيَفْهَمُ منه الإيجابَ، أو يكون عامّا له مُخصِّصٌ، أو مُطْلَقا له مُقيِّدٌ، فلا يجوزُ له العَمَلُ ولا الفُتْيَا به حتى يَسأل أهْلَ الفِقْهِ والفُتْيَا"؛ وقالت طائفةٌ "بل له أن يَعْمَلَ به، ويُفْتِي به، بل يَتَعَيَّنُ عليه، كما كان الصحابةُ يَفعلون، إذا بَلَغَهم الحديثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحَدَّثَ به بعضُهم بعضا بادَرُوا إلى العَمَلِ به مِن غير تَوَقُّفٍ ولا بَحْثٍ عن مُعارِضٍ، ولا يقول أحدٌ منهم قط هل عَمِلَ بهذا فلانٌ وفلانٌ؟ ولو رَأَوْا مَن يَقُول ذلك لَأَنْكَرُوا عليه أَشَدَّ الإنكار، وكذلك التابعون، وهذا معلومٌ بالضرورة لمَن له أدْنَى خِبْرَةٍ بِحَالِ القَوْمِ وسِيرَتِهم، وطُولُ العَهْدِ بالسُّنَّةِ، وَبُعْدُ الزَّمَانِ وَعِتْقُهَا، لَا يُسَوِّغُ تَرْكَ الأخْذِ بها والعَمَلَ بغيرها، ولو كانت سُنَنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَسُوغُ العَمَلُ بها بعدَ صِحَّتِها حتى يَعْمَلَ بها فلانٌ أو فلانٌ لَكانَ قولُ فُلَانٍ أو فُلَانٍ عِيَارًا على السُّنَنِ وَمُزَكِّيًا لها وَشَرْطًا في العَمَلِ بها، وهذا مِن أَبْطَل البَاطِلِ، وقد أقامَ اللهُ الحُجَّةَ برسوله دُونَ آحَادِ الأُمَّةِ، وقد أَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بتَبْلِيغِ سُنَّتِه، وَدَعَا لِمَن بَلَّغَهَا، فلو كان مَن بَلَغَتْهُ لَا يَعْمَلُ بها حتى يَعْمَلَ بِهَا الإِمَامُ فُلَانٌ والإِمَامُ فُلَانٌ لم يَكُنْ في تَبْلِيغِها فائدةٌ، وحَصَلَ الاكتفاءُ بقولِ فُلَانٍ وفُلَانٍ". انتهى.
    ويقول ابن القيم في كتاب الروح: قَالَ الشَّافِعِي أجْمَعْ النَّاس على أَن مَن استبانَت لَهُ سُنَّةُ رَسُول الله لم يكن لَهُ أَن يَدعهَا لقَوْل أحد. انتهى.
    ويقول الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة: فتَشَبَّثْ به -يعني الحديث- وعُضَّ عليه بالنواجذ، وَدَعْ عنك آراءَ الرجال، فإنه إذا وَرَدَ الأَثَرُ بَطَلَ النَّظَرُ. انتهى.


    المسألة الرابعة والثلاثون


    زيد: هل يجوز أن تُصَلَّى النافِلَةُ في المسجد النبوي في أوقات النَّهْيِ، لِمَا هو مَعروفٌ مِن فَضْلِ الصلاةِ في المسجد النبويِّ؟.
    عمرو: لا يجوز... جاء في هذا الرابط على موقع وكالة الرئاسة لشؤون المسجد النبوي التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي: يُسَنُّ للزائرِ أن يُصَلِّي الصلوات المفروضة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وما شاءَ اللهُ مِن النوافل في غيرِ وقتِ النَّهْيِ. انتهى. قلت: وهنا لاحظ -يرحمك الله- أن الوكالة لم تُقدِّمْ فضيلةَ الصلاة في المسجد النبوي على تَجَنُّبحُرْمَةِ الصلاةِ في أوقات النهي؛ فما بال مَن يُقَدِّم فضيلةَ الصلاةِ في المسجد النبوي على تَجَنُّبحُرْمَةِ الصلاةِ في مسجد فيه ثلاثة قبور،مع ما وَرَدَ في ذلك مِن لَعْنٍ، وَنَصَّ أهلُ العلم على أنه مِن الكبائر، وأنه ذَرِيعةٌ مُوَصِّلة إلى الشرك الأكبر، وأنه تَشَبُّه بِشِرارِ الخَلْقِ.


    المسألة الخامسة والثلاثون


    زيد: لو قال رَجُلٌ "أنا إذا صَلَّيْتُ في مسجد مِن مساجد مَكَّة الهادئة أَكُون أَخْشَعَ أكثر بكثير، وإذا صَلَّيْتُ في الحَرَمِ أَرَى زِحاما شَدِيدا جداً، وتَبَرُّجَ نساءٍ، أنا أَكُونُ أَخْشَعَ في صلاتي في مسجد مِن مساجد مَكَّة غير الحَرَمِ"؛ فَهَل الأفضلُ لهذا الرجُل أن يُصَلِّي في المسجد الحَرامِ؟.
    عمرو: لا... يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: لو واحِد قالَ "أنا إذا صلَّيْتُ في مسجد مِن مساجد مكة الهادئة أَخْشَعُ أكثر بكثير، وإذا صلَّيْتُ في الحَرَمِ زِحام شديد جداً، وفتنة النساء تَبَرُّج النساء، صلاتي في مسجد مِن مساجد مكة غير الحَرَمِ أنا أَخْشَعُ"، قُلْنا أن المصلحةَ المتعلِّقةَ بذات العَمَلِ أو ذات العبادةِ مُقدَّمةٌ على المصلحةِ المتعلِّقةِ بِزَمانِ العبادةِ أو مكانِ العبادةِ، ومِن هنا يُمْكِنُ أن يُقال إن صلاتَه في ذلك المسجد أفضلُ بالنسبة له، لأن الخُشُوعَ أكثر. انتهى. قلت: وهنا لاحظ -يرحمك الله- أنَّ الشيخَ لم يُقدِّمْ فضيلةَ الصلاة في المسجد الحَرام على فضيلةِ الخُشُوع في الصلاة في مسجدٍ آخر، مع العلم بأن الصلاةَ في المسجد الحَرام -على ما سَبَقَ نَقْلُه عن الشيخ ابن باز- أفضلُ مِن مائة صلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم؛ فما بال مَن يُقَدِّم فضيلةَ الصلاة في المسجد النبوي على تَجَنُّبِ حُرْمَةِ الصلاة في مسجد فيه ثلاثة قبور، مع ما وَرَدَ في ذلك مِن لَعْنٍ، وَنَصَّ أهلُ العلم على أنه مِن الكبائر، وأنه ذَرِيعةٌ مُوَصِّلَةٌ إلى الشرك الأكبر، وأنه تَشَبُّه بِشِرارِ الخَلْقِ.


    المسألة السادسة والثلاثون


    زيد: هناك مَن يَزْعُم أن إزالةَ القبة الخضراء التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم مُتَعَذِّرٌ حاليا، وأن إرجاعَ المسجد النبوي إلى ما كان عليه في عهد الصحابة مِن جهة القبر أيضا مُتَعَذِّرٌ حاليا، وذلك بسبب ما قد يَتَرَتَّبُ على ذلك مِن فِتَنٍ يُثِيرُها القبوريون، مِن اتِّهام العلماء والسَّاسَة الذين سيقومون على عَمَلِيّة التغيير هذه بأنهم يُبْغِضُونَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم ولا يَرْعَوْنَ حُرْمَتَه صلى الله عليه وسلم، ورُبَّما خَرَجَ هؤلاء القبوريون بالسِّلاحِ على ساسَتِهم؛ ثم يقول هذا الزاعِمُ أنه رُبَّما يأتي جِيلٌ بَعْدَنا وَسْطَ ظُرُوفٍ أفضل مِن ظُرُوفِنا فيَتَمَكَّن مِن إزالةِ هذه المُنْكَرات؛ فهلْ تَرَى أن هذا الزَّعْمَ صَحِيحٌ؟.
    عمرو: لا، هذا الزَّعْمُ ليس صحيحا، وبيان ذلك في النقاط التالية:
    (1)هَلْ السَّجَّادُ الذي طالَبَ الشيخُ أحمد مصطفى متولي بِرَفْعِه مِن المسجد -بحسب ما مَرَّ ذِكْرُه- سيُثِيرُ القُبوريِّين فيَخْرُجون بالسِّلاحِ على السَّاسَةِ؟!!! فَلِمَاذَا إِذَنْ لَمْ يُسْتَجَبْ لِمَا طَلَبَه الشيخُ؟!!!، وعلى كلِّ حالٍ لو رَجَعْتَ إلى كلامِ الشيخ أحمد مصطفى متولي الذي مَرَّ بنا في هذا الحوار سَتَفْهَم السَّبَبَ الحقيقيَّ في عَدَمِ التخَلُّصِ مِن المُنْكَرات التي ذكَرْتَها في سؤالك.
    (2)الحديثُ عن رَدَّاتِ فِعْلٍ مَظْنُونةٍ مِن قِبَلِ القُبوريِّين -سواء كانوا رافِضةً أو أَفْرَاخَهم الصُّوفِيَّة- لا يَخْلُو مِن مُبالغةٍ مَمْجُوجَةٍ، وَخَاصَّةً لو تَمَّ توجيهُ المَجامِيع الفقهيَّة والهَيْئات العِلميَّة السُّنِّيَّة المنتَشِرة في شَتَّى أنحاء العَالَم إلى بَيَانِ الحُكْمِ الشرعيِّ في هذه المُنْكَرات، وإلى إصدارِ تَوْصِيَّات بالقِيَامِ بعملية التغييرِ هذه، وَخَاصَّةً لو تَمَّ توجيهُ جميع وسائل الإعلام إلى بَيَانِ الحُكْمِ الشرعيِّ في هذه المُنْكَرات بِشَكْلٍ مُتكرِّرٍ يَضْمَنُ وُصُولَ البيانِ إلى جميعِ الناس أو جُلِّهم.
    (3)جِيلُ السَّاسَةِ الحالي هو الأَقْوَى شَوْكةً بين كُلِّ أجْيَالِ السَّاسَةِ التي حَكَمَت المكان، وليس بَعِيدا عنَّا وَأْدُ تَمَرُّدِ وتَمَدُّدِ الرافِضة في البحرين، واليمن، ومُحافَظة القطيف (ذات الأغلبية الشيعية)، وكذلك ليس بَعِيدا عنا إِعْدامُ المَرْجِعِ الشِّيعِيِّ نمر باقر النمر؛ ولذلك فإن كُلَّ مُتَأَمِّلٍ لواقِعِ أيامِنا الحَالِيَّةِ يَعْلَمُ أن سُلْطانَ الجِيلِ الحاليِّ مِن السَّاسَةِ مُهَيْمِنٌ على المكان بِقُوَّةٍ، فلو تمَّ التَّخَلُصُ مِن هذه المُنْكَرات حَالِيّا، رُبَّما لن يكون بِاستطاعة أَيِّ أَحَدٍ مُجَرَّدُ الاحْتِجاجِ.
    (4)القولُ أن النَّاسَ سيُفْتَنُون مَتَى سيَنْتَهِي؟!!!، الرسولُ صلى الله عليه وسلم نَهَى، ومُخالَفَةُ أَمْرِه هو عَيْنُ الفتنة، وهاهم النَّاسُ قد فُتِنُوا، وجَعَلُوا هذه المُنْكَراتذريعةً في بِناءِ أضْرِحَةِ وقبابِ الشركِ!!!، وكُلَّما طالَ الوقتُ عَظُمَتْ هذه البِدَعُ، وصارَ لها شَرْعِيَّةٌ أكبر في عُقولِ الناس، فَإِلَى مَتَى كُلُّ جِيلٍ يُلْقِي بِعِبْءِ إزالةِ هذه المُنْكَرات إلى الجِيلِ الذي بعدَه؟!!!.
    (5)عندما هَمَّ الوليدُ بن عبدالملك بإدخال القبور الثلاثة في المسجد لم يَخْشَ الفتنةَ مع مُخالفَتِه للعلماء وقتئذٍ!!! بينما إذا هَمَّ مَن بِأَيْدِيهم الأمْرُ الآن بتصحيحِ الوَضْعِ سيُبارِكُ فِعْلَهم كُلُّ عُلماءِ السُّنَّةِ في شَتَّى أنحاء العَالَم.
    (6)لقد مَرَّ بنا في هذا الحوار شهاداتُ الشيوخ مُقْبِل الوادِعِي والألباني وأحمد مصطفى متولي، والمَرْجِعِ الشِّيعِيِّ الإيرانيِّ جعفر السبحاني، عَمَّا يَحْصُل مِن مخالفاتٍ في المسجد النبوي مِن جَرَّاءِ وُجُودِ القبر بداخله، والتي منها ما هو شِرْكِيٌّ؛ فَأَيُّ فتنةٍ بعد ذلك تَسْتَحِقُّ أن نَخْشَاها!!! أَلَيْسَ وُقوعُ الشرك هو أعَظْم الفِتَن!!! أَلَيْسَ حِفْظُ الدين (مِن جانب الوجود ومِن جانب العدم) هو أعلى مقاصد الشريعةِ!!! أَلَيْسَ لِأَجْلِ حِفْظِ الدين أَمَرَ اللهُ أن تُبْذَلَ الأَنْفُسُ والأموالُ!!!.
    (7)مِن المعلوم أن وَلَاءَ الرافِضةِ في جميع دُوَلِ العالَمِ هو لإيران التي تَسْعَى لقيامِ إمْبرَاطُورِيَّةٍ عالَمِيَّةٍ رافِضيَّةٍ، وَهُمْ في سبيلِهم لذلك لَا يَرْقُبُونَ فِي مُوَحِّدٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً، ويَوَدُّون أن يَتمكَّنوا مِن جميعِ المُوَحِّدِين فيَمِيلُوا عَلَيهم مَّيْلَةً وَاحِدَةً، ولا يَدَّخِرون جُهْدا في إيذاءِ واضطهادِ المُوَحِّدِين في أيٍّ مِن مَناطِق نُفُوذِهم سواء في إيران أو العراق أو بعض المُحافَظات اليمنية أو السورية، فإذن هم لا يَنتظِرُون مَن يَقُومُ باستفزازهم ليقوموا بإيذاءِ المُوَحِّدِين في مَناطِق نُفُوذِهم،أو في غيرها (إن استطاعوا)، فإذا كان الأَمْرُ كذلك فَمَا الذي يُخْشَى منهم إذا تَمَّ إزالةُ المُنْكَرات المذكورةِ في السؤالِ؟!!!... أَخْشَى أن نَصِلَ إلى مُسْتَوى مِن الانْهِزامِيَّةِ والانْبِطاحِ إلى الدَّرَجَةِ التي يَأتي فيها يومٌ نَسْمَعُ فيه مَن يقولُ أنه على أهلِ التوحيدِ أن يَكُفُّوا عن توحيدهم سَدّا لِذَرِيعَةِ اسْتِفْزازِ الرافِضةِ وأَفْرَاخِهم الصوفية!!! بل إنه مِن فِقْهِ المَرْحَلَةِ أن يَتَشَيَّعُوا لِيَحْظَوْا بِرِضاهم!!!.


    المسألة السابعة والثلاثون


    زيد: ما المُرادُ بقولِهم "ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ"؟.
    عمرو: المُرادُهو ما قاله الشيخ محمد حسن عبدالغفار في تيسير أصول الفقه للمبتدئين: أيّ شيءٍ واجبٍ عليك لا يُمْكِنُ أن تَصِلَ إليه إلا بأَمْرٍ آخر، فالأَمْرُ الآخرُ الذي سَيُوَصِّلُك إلى الواجبِ أيضاً واجبٌ، مثال ذلك، رجُلٌ يجِبُ عليه في الصلاة سَتْرُ العَوْرةِ، ومعه مالٌ وليس عنده ثِيابٌ، فيَجِبُ عليه شِراءُ الثَّوْبِ، فالأصلُ في شراءِ الثَّوْبِ أنه ليس بواجبٍ، لكن يجبُ هنا لِغيرِه، لِيَسْتُر عَوْرَتَه مِن أَجْلِ الصلاةِ. انتهى.
    وقال الشيخ عبدالكريم الخضير في شرح الورقات: الأَمْر بإيجادِ الفِعْلِ أَمْرٌ به وبما لا يَتِمُّ الفِعْلُ إلا به، كالأَمْر بالصلاة أَمْرٌ بالطهارة، أَمْرٌ بالسُّتْرَةِ، أَمْرٌ بتحصيلِ الماءِ، أَمْرٌ بِقَصْدِ المسجدِ لأداءِ صلاةِ الجماعةِ، وهكذا... ثم قال: وإيجابُ الجماعة في المسجد إيجابٌ للذهابِ إليها، وإيجابُ أداءِ الشهادةِ إيجابٌ للذهاب إلى المحكمة وهكذا. انتهى.
    وقال الشيخ عبدالله الغديان في شرح كتاب القواعد والفوائد الأصولية: مَجِيء الإنسان للمسجد لأداء الصلاة، فَمَشْيُه مِن بيته إلى المسجد هذا واجبٌ، لأن الصلاةَ واجِبةٌ وما لا يَتِمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ. انتهى.
    وقال الشيخ خالد المصلح في هذا الرابط على موقعه: صلاة الجماعةِ على الراجِحِ مِن أقوالِ أهلِ العلمِ واجِبةٌ؛ فماذا نقولُ في حُكْمِ السَّعْيِ إلىٰ صلاةِ الجماعةِ؟ الحُكمُ واجِبٌ. انتهى.


    المسألة الثامنة والثلاثون


    زيد: ما المُرادُ بمَفْهُومِ المُوافَقَةِ؟.
    عمرو: مَفْهُومُ المُوافَقَةِ -أو مَفْهُومُ الخِطَابِ أو التَّنْبِيهُ أو تَنْبِيهُ الخِطَابِ- هو أن يُفهَمَ حُكْمُ المَسْكُوتِ عنه مِن حُكْمِ المَنْطُوقِ به بِدَلَالَةِ سِيَاقِ الكلامِ، لاشْتِرَاكِهما في عِلَّةِ الحُكْمِ، وهذه العِلَّةُ تُدْرَكُ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغةِ، دون حاجَة إلى بحْثٍ وتَأَمُّلٍ واجتهادٍ؛ ولمفهوم المُوافَقَةِ صورتان، الصورة الأولى هي الصورة التي يكون فيها المَسْكُوتُ عنه أَوْلَى بالحُكْمِ مِن المنطوقِ به، ومثاله قول الله تعالى "فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ"، فإنه يُفهَمُ منه مِن بابٍ أَوْلَى النَّهيُ عن ضَرْبِهم أو شَتْمِهم، فَنَبَّهَ بِمَنْعِ الأدْنَى على مَنْعِ ما هو أوْلَى منه، وهو مَعنى يُدْرَكُ مِن غيرِ بحْثٍ ولا نَظَرٍ، وأمَّا الصورة الثانية فهي الصورة التي يكون فيها المسكوتُ عنه متساويا في الحُكْمِ مع المنطوقِ به، ومثاله قول الله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا" فقد دَلَّت الآيةُ بمنطوقها على تحريمِ أكْلِ أموال اليَتَامَى، ودَلَّتْ بمفهومها على تحريمِ إحراقها وإغراقها، وهذا هو المسكوتُ عنه، فَنَبَّهَ بالمَنْعِ مِن أكْلِ مال اليَتِيمِ على كل ما يُساوِيه في تَضْيِيعِ مال اليَتِيمِ. قلت: والصورة الأُولَى يُطْلَقُ عليها مفهومُ المُوافَقَةِ الأَوْلَوِيُّ وفَحْوَى الخِطَابِ وفَحْوَى اللفظِ، والصورة الثانية يُطْلَقُ عليها مفهومُ المُوافَقَةِ المُساوِي ولَحْنُ الخِطَابِ ولَحْنُ القولِ. قلتُ أيضا: وقد يُعَبِّرُ البعضُ عن الصورة الأولى بِقِيَاسِ الأَوْلَى، والصورة الثانية بالقِيَاسِ المُساوِي.


    المسألة التاسعة والثلاثون


    زيد: أَسْكُنُ في قَرْيَةٍ صغيرة نائِيَةٍ يَغْلِبُ على أهلِها الفقرُ الشديدُ، في هذه القريةِ كان يُوجَدُ رَجُلٌ ليس لَدَيِه أولادٌ ويَمْلُكُ بَيْتَيْن مُتَجاورَيْن، قامَ هذا الرجُلُ بتَحويلِ أَحَد بَيْتَيْهِ إلى مسجدٍ، وبعْدَ فَتْرَةٍ مِن الزمَنِ ماتَ هذا الرجُلُ داخِلَ بَيْتِه، فدَفَنَه أقاربُه -وكان غالِبِيَّتُهم مِن المتصوفة- في قبرٍ داخِل الحُجْرَةِ التي ماتَ بداخِلِها -وكانت هذه الحجرةُ صغيرةً وغيرَ مَسقوفةٍ وفي أحَدِ أركانِ المنزلِ- ثم سدُّوا مَوْضِعَ بابِ الحُجْرَةِ بالطُّوبِ، فأصبحت الحُجْرَةُ بدون بابٍ، وبعْدَ فَتْرَةٍ أخرى مِن الزمَنِ احتاجَ أهْلُ القريةِ إلى تَوْسِعةِ المسجد، لأن المسجد أصبحَ لا يَسَعُ جميعَ المُصَلِّين، فطَلَبَ أهْلُ القرية مِن الدولة الموافَقةَ على ضَمِّ جُزْءٍ مِن الطريقِ الذي أمام المسجد إلى المسجد -حيث أن هذا الطريقَ كان واسِعا جدّا فوق الحاجَةِ- فرَفَضَت الدولةُ، فحاولَ أهْلُ القريةِ شِراءَ البيت الذي يَقَعُ خَلْفَ المسجد أو شِراءَ البيت المُجاور للمسجد مِن الجهةِ المُقابِلَةِ للجهةِ التي فيها البيت الذي دُفِنَ فيه الرجُلُ الذي حَوَّلَ أَحَدَ بَيْتَيْهِ إلى مسجد، ولكن أَهْل القريةِ لم يستطيعوا جَمْعَ المال اللازم لِشِراءِ أيٍّ مِن هذَيْن البَيْتَيْن المَذكورَيْن، فقامَ أقارِبُ المَيِّتِ الذي حوَّل أَحَدَ بَيْتَيْهِ إلى مسجد بالتَّدَخُّلِ في الأمْرِ، وعَرَضوا ضَمَّ البيتِ الذي دُفِنَ الميِّتُ في إحدى حُجُراته إلى المسجد، وذلك بشرط القبول بِضَمِّ البيت كاملا بما فيه الحُجرة التي فيها قبر المَيِّتِ، بحيث تصبح الحُجْرَةُ التي فيها قبر الرجُل داخِلَ المسجد، فاجتمعَ وُجَهاءُ القريةِ واجتهدوا الرَّأْيَ، فأخطأوا وقَبِلُوا، على الرَّغْمِ مِن اعْتِراضِ أَهْلِ العِلْمِ في القريةِ على ذلك، فأصبحت الحجرةُ التي فيها القبر داخِلَ المسجد، فَبَنَوْا حول الحجرة حِيطانا مُستدِيرةً ليس فيها بابٌ ومفتوحةً مِن الأعلَى ومرتفعةً بِقَدْرِ ارتفاع جُدْران الحجرة، ثم بَنَوْا حول هذه الحيطان حيطانا أخرى مثلها، ثم أحاطوا هذه الأخيرة بحيطان أخرى مثلها، ثم أحاطوا هذه الأخيرة بمقصورةٍ مستديرةٍ ومفتوحةٍ مِن الأعلى ومرتفعةٍ بِقَدْرِ ارتفاع جُدْران الحجرة، والمقصورة هذه عِبارة عن شبابيك مِن نُحَاسٍ وحَدِيدٍ متَّصِلَةٍ ومُقْفَلَةٍ مِن جميعِ جوانبها، فأصبح القبرُ مُحاطا بأربعة جُدران ومقصورة؛ والآن الوَضْعُ القائمُ داخِل المسجد هو وُجُودُ المقصورةِ المذكورةِ في أحَدِ أركانِ المسجدِ ولا يُمْكِنُ في الصلاة استقبالُها أو الوقوفُ عن يَمِينِها بل فقط يُمْكِنُ استدبارُها أو الوقوفُ عن يسارها، وفي نفس الوقت لم يَقُم أهلُ القرية بعَمَلِ أَيِّ شَكْلٍ مِن أشكال الزخرفة سواء للمسجد أو للمقبرة، وفي نفس الوقت فإن المُصَلِّين مِن أهلِ القريةِ مُتفهِّمون للأمر، فلا يَحصُلُ منهم عند هذا القبر ما يَحصُلُ مِن مخالَفاتٍ شرعيَّةٍ عند غيرِه مِن القبورِ الموجودةِ في المساجد الأخرى؛ والسؤال الآن هو ما حُكْمُ الصلاةِ في هذا المسجد الذي لا يُوجَدُ غيرُه في قريتِنا النائيَةِ الصغيرةِ، علما بأني أعتقدُ صِحَّةَ مذهب الشيخين ابن باز وسعد الخثلان مِن وُجُوبِ أداء الفريضة في المسجد؟. أرجو منك عَدَمَ الاستعجالِ والتَّرَيُّثَ قَبَلَ أن تُجِيبَ على سؤالي هذا، وتَنَبَّهْ إلى أنك إذا مَنَعْتَ مِن الصلاةِ في هذا المسجد فَسَأُلْزِمُكَ بأن تَمْنَعَ مِن الصلاة في المسجد النبوي مِن بابٍ أَوْلَى، وذلك للآتي: (1)الرجُلُ المذكور كان يَسْكُنُ في بَيْتِه المُلاصِق للمسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم كذلك. (2)الرجُلُ المذكور دُفِن في بَيْتِه، والرسول صلى الله عليه وسلم كذلك. (3)تَمَّ إدخالُ القبر في مسجد القريةِ بِأَمْرٍ مِن وُجَهائها، واعْتَرَضَ على ذلك أهلُ العِلْم في القريةِ، ومسجدُ الرسول صلى الله عليه وسلم أُدْخِلَ فيه القبرُ بِأَمْرٍ مِن الوليد بن عبدالملك، وقد اعْتَرَضَ العلماءُ وَقْتَئِذٍ على ذلك. (4)الرجُلُ المذكور دُفِنَ في حجرتِه التي مات فيها والتي هي في المسجد الآن، والرسول صلى الله عليه وسلم كذلك. (5)إذا كان أَخْطَأَ وُجَهاءُ القريةِ بإدخال قبر الرجُلِ في مسجدهم، فكذلك قد أَخْطَأَ الوليدُ بن عبدالملك بإدخال القبر النبوي في المسجد، وكان خَطَؤُه في أَحَدِ القُرونِ الخيريَّةِ القريبةِ مِن عَهْدِ النُّبُوَّةِ. (6)إذا كان إدخالُ الوليد بن عبدالملك للقبر خَطَأ ولكنه قد حَصَلَ، فكذلك كان إدخالُ وُجَهاء القريةِ للقبر خطأ ولكنه قد حَصَلَ. (7)وُجَهاءُ القرية لم يتمكَّنوا مِن تَوْسِيعِ مسجدهم بدون إدخالِ قبر الرجُلِ فيه، بينما الوليدُ بن عبدالملك كان بإمكانه تَوْسِيعُ المسجد بدون إدخالِ القبر النبوي فيه، وذلك بأن يُوَسِّعَه مِن جميع الجهات ما عدا الجهة التي فيها القبر. (8)القبرُ في مسجد القريةِ مُحاطٌ بأربعة جدران ومقصورة، بينما القبرُ في المسجد النبوي مُحاطٌ بثلاثة جدران ومقصورة. (9)مسجدُ القرية فيه قبرٌ واحِدٌ، بينما المسجدُ النبوي فيه ثلاثة قبور. (10)لِأَجْلِ مَقَامِ النُّبُوَّةِ، فإن دَواعِي الافْتِتان بالقبر النبوي أَشَدُّ مِن دَواعِي الافْتِتان بقبر الرجُلِ المذكورِ. (11)قبرُ الرجُل المذكور لا يَعْلُوه سَقْفٌ، بينما القبرُ النبويُّ مَبْنِيٌّ فوقَه قُبَّة. (12)مسجدُ القريةِ وكذلك القبر الذي فيه لم يَتِمَّ زَخْرَفَتُهما، بينما كُلٌّ مِن المسجدِ النبوي والقبرِ النبوي تَمَّ زَخْرَفَتُهما على ما سَبَق نَقْلُه في هذا الحوار عن الشيخ مُقْبِل الوادِعِي. (13)لا يُمْكِنُ استقبالُ القبر أثناء الصلاة في مسجد القرية، بل فقط يُمْكِنُ استدبارُه أو الوُقوفُ عن يساره، بينما في المسجد النبوي يَحْصُلُ فيه أثناء الصلاة استقبالٌ للقبر على ما سَبَق نَقْلُه في هذا الحوار عن الشيوخ مُقْبِل الوادِعِي والألباني وأحمد مصطفى متولي ومحمد متولي الشعراوي الصوفي الأشعري. (14)مسجدُ القريةِ لا يَحْصُلُ فيه مِن جَرَّاءِ وُجُودِ القبر بداخله مُخالَفاتٌ شرعية، بينما المسجدُ النبوي يَحْصُلُ فيه مِن جَرَّاءِ وُجُودِ القبر بداخله مُخالَفاتٌ منها ما هو شِرْكِيٌّ على ما سَبَق نَقْلُه في هذا الحوار عن الشيوخ مُقْبِل الوادِعِي والألباني وأحمد مصطفى متولي، والمَرْجِعِ الشِّيعِيِّ الإيرانيِّ جعفر السبحاني. (15)إذا تَرَكْتُ أداءَ الفريضةِ في مسجد القريةِ فَسَأَكُونُ قد تَرَكْتُ واجِبا لا مندوبا -وذلك حسب مذهبي مِن وُجوبِ أداءِ الفريضةِ في المسجدِ- لأنه لَمَّا كان لا يوجد في هذه القريةِ مسجدٌ غير هذا المسجد، فيكون تَوَجُّهِي لهذا المسجد بِعَيْنِه واجبا، لأنه ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ؛ بينما إذا تَرَكَ المُصَلِّي الصلاةَ في المسجد النبوي بسبب وجود القبر بداخله، وصَلَّى في مسجدٍ آخر فَلَنْ يَفُوتَه إلا فضيلة الصلاة في المسجد النبوي، وهذه الفضيلةُ مندوبةٌ -أي مُستحَبَّةٌ- لا واجبة، ويُمْكِنُ تَعْوِيضُها على ما سَبَقَ في هذا الحوار مِن بيان أنَّ هناك في الشريعة الكثيرَ مِن الأعمالِ اليسيرةِ الجالِبةِ لأُجُورٍ كبيرةٍ؛ ومِن المعلوم أن الواجبَ أَعْلَى رُتْبَةً مِن المُستحَبِّ، وقد مَرَّ بِنا قَوْلُ الشيخ محمد صالح المنجد "المصلحة الواجبة مُقدَّمة على المصلحة المُستحَبَّة". والآن، ما رَدُّكَ يا عمرو على ما أَوْرَدْتُه عليك؟.
    عمرو: أَمْهِلْني بعضَ الوقت لِأُعاوِد مُراجَعَةَ المسألةِ.
    زيد: لك ما أَرَدتَ.


    وأخيرًا، أسأل الله سبحانه وتعالى وجَلَّ في عُلَاه، أن يجعل كل عملي صالحًا، ولوجهه خالصًا، ولا يجعل لأحد مِن دونه في ذلك شيئًا، وصلي الله على محمد وآله وصحبه ومَن تَبِعَه بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين.

    فَرَغْتُ مِن كتابته بفضل الله تعالى وعونه
    في الخامس عشر مِن ربيع الأوَّل سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وألف
    الفقيرُ إلى عَفْوِ رَبِّهِ
    أبو ذر التوحيدي



  11. افتراضي

    إذا أردتَ نشرَ هذا الموضوع في أحد المنتديات، وكان هذا المنتدى يتم فيه تنسيق الموضوعات بطريقة الBBCode، فستواجهك مشكلة تنسيق الموضوع وإدخال الروابط الموجودة فيه، ولذلك فقد قمتُ بتوفيق الله وعونه بإنشاء ملف مضغوط يحتوي بداخله مجموعة من الملفات، كل ملف يمثل مشاركة واحدة مِن هذا الموضوع، وكل ملف مكتوب بطريقة الBBCode المذكورة، وبذلك لن يكون عليك إلا أن تقوم بإجراء النسخ من الملفات المذكورة ثم اللصق في المنتدى عند إدخال الموضوع.

    ولتحميل الملف المضغوط المذكور ادخُلْ على هذا الرابط ثم قُمْ بالتحميل، مع العلم بأن هذا الملف قابل للتحديث المستمر على نفس الرابط المذكور.

  12. افتراضي

    أستبدل مشاركتي الأخيرة (#11) بهذه المشاركة

    إذا أردتَ أن تنشرَ هذا الموضوع في أحد مواقع الإنترنت أو أحد المنتديات فستواجهك مشكلة تنسيق الموضوع وإدخال الروابط الموجودة فيه، ولذلك فقد قمتُ بتوفيق الله وعونه بإنشاء ملف مضغوط يحتوي بداخله مجموعة من الملفات، بعضها خاص بالنشر في المواقع وبعضها خاص بالنشر في المنتديات، وكل ملف يمثل مشاركة واحدة مِن هذا الموضوع، وكل ملف عبارة عن كود (مشتمل على التنسيق والروابط)، ولن تحتاج إلا إلى إجراء عملية نسخ ولصق فقط.

    ولتحميل الملف المضغوط المذكور ادخُلْ على هذا الرابط ثم قُمْ بالتحميل، مع العلم بأن هذا الملف قابل للتحديث المستمر على نفس الرابط المذكور.

  13. افتراضي

    صدرت النسخة 1.57 من كتاب ( حوار حول حكم الصلاة في مسجد فيه قبر) بمزيد من الفوائد، ويمكنك تحميلها من خلال الدخول على أَيٍّ من الروابط التالية:
    https://archive.org/details/@user_43...ort=-addeddate
    https://www.mediafire.com/folder/cck743bqrv6t5
    https://hewar111.weebly.com
    https://hewar11.wordpress.com
    https://hewar111.wixsite.com/hewar
    https://hewar111.yolasite.com

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء