النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: الميكانيزمات النفسيّة الدفاعية كصوارف عن الحق..آلية الكبت

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي الميكانيزمات النفسيّة الدفاعية كصوارف عن الحق..آلية الكبت

    عديدٌ من المسلمين، كما الدّعاة دائماً ما يتساءلون بينهم في مجالسهم، وعلى المنتديات، ومواقع المُدارسات، سؤالاً تعجّبيّاً تكرّر على مسامعي كثيراً، وهو : كيف للملاحدة أن ينكروا وجود الله تعالى ؟ كيف يستطيعون العيش بدون دينٍ ؟ أليست لهم فطرة؟ أليس لهم نزوعٌ غريزيّ نحو التديّن كباقي البشر ؟


    والعديد من الأجوبة تعطى حينها؛ بين من يعتقد أنّهم كائناتٌ ماتت قلوبهم، أو أنّهم على خلافِ البشر قتلوا فطرتهم، وبين من يقول بطمسها، وهكذا .. لكن كلّ تلك الأجوبة تظلّ قاصرةً وعاجزةً عن فهم نفسية الملحد والشاكّ، فمن مات قلبه لن يرجى له إيمان كما قرره الشرع! لكننا نرى أعتى الملاحدة يعلنون رجوعهم للإيمان بالله تعالى، وأخبث الشتّامين لدين الإسلام في المواقع الإجتماعيّة يعلنون إسلامهم! فهل هؤلاء كانت ميّتةً قلوبهم ؟ مقتولةً فطرهم ؟
    الجواب بكل بساطة: لا ، بل كانت فطرهم مكبوتةً، وإلا لما كان الضّنك والحزن مصاحبان لحياة الملحد في مسيرته العُمُريّة، فنداءُ الفطرة موجودٌ، والتشوّف لدين الله حاضرٌ، والتديّن مُتمنّى؛ لكنّ كل ذلك كان مكبوتاً، منسيّا في غياهب اللاشعور، ذلك الجبّ الذي ينشئه الملحد في لا وعيه عن طريقِ ميكانيزمٍ دفاعيٍّ يسمّى الكبت Refoulement.


    والكبت هو عمليّةٌ تكونُ حينما تظهر مجموعةٌ من المشاعر والغرائز والدوافع والمعتقدات غير مقبولةٍ في وعي الإنسان المعنيّ، أي تشكّل تناقضا مع ما يعتقده ويؤمن به فيلقي بها في اللاوعي l’inconscient ، أو الأنا الأعلى surmoi، والتي سبق أن عرّفناها في مقدمة هاته السلسلة من المقالات.


    فآلية الكبت تعمل بصفةٍ اختياريّة sélective، بمعنى أن يختار الملحد ما يريد كبته من أحاسيس وأفكار، حين يكون في حالة صدامٍ بين أحاسيس يشتاق إليها وبين بناءات عقلية تشكّل الشخصيّةٍ، ولكي أقرّب للأعزّاء القراء أمثلة من ذلك أقول :


    ثابتٌ في علم النفس الإجتماعي -1- أن الإنسان كائنٌ متديّن بالفطرة، يتشوّق للدين، وللاعتقاد في وجود إله للكون، وأن الوجود له معنى أنطلوجي وأنه لم يأتي عبثا لكي يموت بعدها عبثاً تاركا منجزاته في سيرورة زمنية ممتدة ل 80 عاما كمعدل، فهاته مجموعةٌ من الأحاسيس والغرائز المركوزة في النّفس البشريّة التي يكبتها هذا الملحد! يقمعها قمعاً ولا يبالي بنداءاتِ فطرته، لأنّه ببساطةٍ بنى ذاك الصرح الإلحادي وارتضاه لنفسه، فهو يريد أن يكون ملحداً، يعيش في كنفِ هذا المعتقدِ، يرى من خلال منظاره، يحبّ، يعشق، يعيش، يصادق، يعمل، يتكلّم، يبني آراءه كلمحدٍ !


    لكن هذا المعتقد الإلحادي يتناقض مع مكنوناته النفسية وتشوفاته الغريزية والفطرية فيظهر هذا الميكانيزم الدفاعي ليلقي بتلك المشاعر والأحاسيس والأفكار، في اللاوعي، ينساها لبرهاتٍ، لفتراتٍ، للحظات ثم تعود لتقضّ مضجعه من جديدٍ ! وهكذا، وكأنّه يدور في حلقةٍ مفرغةٍ عمرهُ كلّه، كشقاءٍ حياتيٍّ اختاره لنفسه، وارتضاه شعاراً له في الحياةِ! لأنّ المكبوتَ من أفكار دائماً ما تكون أفكارا حركيّة dynamique، ودائماً ما تبحث عن وسيلةٍ لكي تتحرّر من هذا الكبت والقمع الذي يفرضها عليها الملحد من خلال هاته الآنية ! فتبحث دون كللٍ أو مللٍ عن وسيلة لكي تتسرّب إلى الوعي la conscience مرة أخرى، هاته المحاولات تكون إما عن طريق أحلامٍ، فلتات اللسان، وسبق الأقلام les lapsus، خطرات، تأملات تخيلية وغيرها ..


    ولهذا حسب علم النّفس فإن الميكانيزم الدّفاعي الكبتي يقود إلى أمراضٍ كثيرةٍ نفسيّةٍ منها العصاب la névrose، نظراً لكمّ المجهود النفسي الذي يبذله الشخص لكي يكبت تلك الاشتياقات والغرائز! فعودة المكبوت le retour du refoulé هو الذي يجعل الملحد دائماً يبحث عن الحوارات الدينيّة، ويدخل إلى المواقع الإسلاميّة، وعددٌ منهم يصارحوننا بأنهم قد أصبحوا يعيشون شقاءً نفسيّاً، وإعياءً روحيّاً، وتعباً دائماً fatigue perpétuelle، ولم يستطيعوا التحمّل أكثر فيطلبون يد العون من داعيةٍ أو متخصصٍ! أو تجدهم ينقلبون إلى طريقٍ آخر، هو طريق الإدمان على مخدر أو سكرٍ بخمر، باحثين عن تغييب العقل لساعات، وعن إحساس بنشوة سعادة تنسيهم التفكّر في تلك المكبوتات لبعض الوقت .




    لذا فهذا الميكانيزم الدّفاعي يُعتبر من أخطر الميكانيزمات الدّفاعيّة المعروفة على الصحّة النّفسيّة للفرد؛ فينبغي عليك أيها الملحدُ صدقاً أن تعيد النّظر في معتقدك، ولا تكبت نداءات الفطرة المتكررة، ولا غريزتك التديّنيّة في بواطن نفسك، فترفض التسليم لخالقك؛ لأنّك سوف تجني حينها فقط على نفسك، تعيش عُمراً بسعادة ناقصة، بصحة نفسية مختلة، بروتين حياتي متكرر، ببرود عقدي جامد، بنوبات قلقٍ فجائية لا تدري من أين يأتي، وضنك لا تعرفُ له مصدراً ! فتموتَ كافراً لا بدنياك فزت ولا بآخرتك تنعّمت!


    فالكبت من أشدّ الموانع التي تبعدك عن نور خالقك، وتصرفك عن رسالةِ ربّك؛ تهوي بك سحيقا في ظلمات الفكر، تعادي عليها عائلتك، وربما قد تفترق بها عن زوجك، تعيش بها غريبا عن مجتمعك، فلماذا كلّ هذا العناء قل لي بربّك ؟


    فالإنسان السويّ العاقل، هو الذي يصغي إلى فطرته، وإلى مكنوناتها، وخزائنها، ويستجيب لنداءِ عقله المسدّد بنورها؛ لا أن يكبتها ويبعدها، ففي ذلك شقاءك، فبادر أيها الشاكّ، وبادري أيتها الشاكّة، فما هي إلا حياةٌ واحدةٍ كفرصةٍ، فاغتنموا هداكم الله .

    -------------------------------------------


    هوامش المقال

    -1- راجع مقالي "دلالات العودة الراهنة للدين في الفلسفة الحديثة" على إسلام ويب.
    التعديل الأخير تم 11-12-2018 الساعة 07:16 PM

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء