نحو عقلانية صحيحة .
علمنا أهل العلم أن العقل السليم الصحيح لا يخالف النقل الصحيح بل يشهد له ويؤيده .
إذ من أرسل الوحي ( النقل ) هو من خلق العقل ، فكيف يتناقضان ؟! .
وإذا حدوث توهم للتعارض بين النقل والعقل فهذا يكون لعدة أسباب :
١- خطأ في الفهم أصلاً كمن يفهم دليلاً نقلياً على غير المراد منه ، أو من يحتج بحجة عقلية يسيء فهمها .
2- عدم ثبوت الدليل النقلي أصلاً بقواعد علم الحديث لا بالهوى والتشهي وكذلك توهم ثبوت شيء من التعقل وهو من سوء الفهم والأدراك ونسب الى العقل زوراً .
3- ثبوت الدليل ولكن هناك توهم للتعارض بينه وبين العقل فهنا يزيل العالم الشبهة ويرد المتوهم الى فهم الدليل فهماً صحيحاً .
ولا يزال أهل البدع والأهواء والأنحراف عبر التاريخ يرمون المسلمين من المتمسكين بالأحاديث والأثار بالجمود والتحجر والتخلف والحشوية أو النابتة بحجة التمسك بالأثر والأحاديث وعدم التماشي مع :
1- ما ظنوه عقلاً وهو شبهة أو زيغ ألقاه إبليس في قلوبهم ويرده العالم بكل سهولة:
(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ )
2-ما ظنوه واقعاً جديداً قد تغير ، والعالم مهمته أن ينظر في الواقع ثم ينظر في الشرع أي من الأحكام ما يتنزل على هذا الواقع : فمن يفتي مثلاً في الحضر أو المدينة عن أكل لحم الميتة وأنه حرام لا كمن يفتي في الصحراء لجائع سيهلك لا يجد غيرها أنها حلال فهذا واقع مختلف عن الواقع الأول .
والمشكلة أن أهل الأهواء من العلمانيين يتخذون الكلام عن الواقع ستاراً لزيغهم حتى يقولوا أن الشرع كان مناسباً فقط للواقع القديم أما الآن فنحن في عصر " الكمبيوتر " - وكأنما صار الزنا قديماً حراماً واليوم تغير الزنا وكأنما صارت السرقة غير السرقة ! بل هم هم فما الذي تغير ؟! - وهذا الكلام يليق بأي نص غير منزّل من رب العالمين ، أما الوحي المنزّل من رب حكيم خبير عليم يعلم من خلق وما يصلحهم في كل زمان ومكان فلا يشك في أنه صالح لكل زمان ومكان إلا من مرض قلبه وبعد عن يقين الإيمان وساء ظنه في ربه ولديه ريب وشك يحتاج أن يعالج منه قلبه .
قال ربنا جل وعلا : (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )
وقال جل وعلا : (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ )
وقال جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
فضلاً عن أن دعوتهم تلك تناقض : أن الرسالة الإسلامية قائمة الى يوم القيامة :
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )
فأحكامها ملزمة لكل واقع وأينما دبت الحياة الى يوم القيامة .
فالعقلانية الصحيحة هي فطرة وضعت في القلوب إذا ما ألتقت بنور الوحي صارت :
( نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ)
( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
أسأل الله أن يزيدنا من نور الإيمان وأن يوفقنا لمقتضاه كما يحب ويرضى .
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه أجمعين .
Bookmarks