أولا: المقصود بالمدرسة العقلية، ما هي؟
• إن المدرسة العقلية اسم يطلق على ذلك التوجه الفكري الذي يسعى إلى التوفيق بين نصوص الشرع وبين الحضارة الغربية والفكر الغربي العاصر، وذلك بتطويع النصوص وتأويلها تأويلا جديدا يتلاءم مع المفاهيم المستقرة لدى الغربيين، ومع انفجار المعلومات والاكتشافات الصناعية الهائلة في هذا العصر، وتتفاوت رموز تلك المدرسة تفاوتا كبيرا في موقفها من النص الشرعي، ولكنها تشترك في الإسراف في تأويل النصوص، سواء كانت نصوص العقيدة، أو نصوص الأحكام، أو الأخبار المحضة، وفي رد ما يستعصي من تلك النصوص على التأويل.
• أبرز معالم المدرسة العقلية المعاصرة:
1- رد السنة النبوية كليا أو جزئيا، فمنهم من يردها مطلقا، ومنهم من يقبل المتواتر العملي فقط ومنهم من يقبل المتواتر مطلقا عمليا كان أو قوليا.
أما حديث الآحاد- والمقصود بحديث الآحاد ما لم يبلغ حد التواتر كأن يروي من طريق واحد أو من طريقين فقط أو ما أشبه ذلك دون أن يصل إلى حد التواتر- فقد يقبلون منه ما يتوافق مع روح القرآن، وما يتفق مع العقل، أو التجربة البشرية، وقد يردها بعضهم مطلقا، فلا يقبل منها شيئا.
2- التوسع في تفسير القرآن الكريم على ضوء العلم الحديث بكافة جوانبه، ولو أدى ذلك إلى استحداث أقوال مجانبة لتركيب الآيات القرآنية من الناحية اللغوية، وغير موافقة للمنقول عن السلف رضي الله عنهم، ومن ذلك -مثلا- أن بعضهم يؤولون الملائكة، والشياطين، والجن، والسحر، وقصة آدم، والطير الأبابيل، وغيرها مما ورد في القرآن الكريم كما هو في تفسير الشيخ (محمد عبده)، وهو من أقطاب تلك المدرسة.
3- التهوين من شأن الإجماع، إما برفضه رفضا كليا كما نجد عند (أحمد خان الهندي) وهو من أكابر رجال المدرسة العقلية، بل إن له من الآراء ما يرفضه العقلانيون الآخرون، فهو يرفض الإجماع رفضا كليا، ومنهم من يقيد الإجماع، كما نجد عند (محمد عبده) وغيره، حيث يضيف لتعريف الإجماع المعروف في أصول الفقه قيودا جديدة لم تكن معروفة عند العلماء- وسوف أشير إلى ذلك تفصيلا بعد قليل-.
4- الحرية الواسعة في الاجتهاد مع غض النظر عن الشروط المطلوبة في المجتهد، ومع غض النظر أيضا عن الأطر العامة التي يجب أن تضبط هذا الاجتهاد، ولذلك نجد أن كثيرا منهم وقعوا نتيجة لنا يسمونه بـ(الاجتهاد) في آراء شاذة ومنكرة لم يقل بها أحد من قبلهم، وشجعهم على ذلك موقفهم من الإجماع.
5- الميل إلى تضيق نطاق الغيبيات ما أمكن، وذلك تأثرا بالتيار المادي الذي يسود الحضارة المعاصرة، ومن هنا جاء إقحام العقل في المسائل الغيبية، وتأويل الملائكة والجن والشياطين... وعند غلاة العقلانيين نجد تأويل الصلاة والزكاة والصوم والحج.
6- تناول الأحكام الشرعية العملية تناولا يستجيب لضغوط الواقع، ومتطلباته، وذلك كقضايا الربا، إضافة إلى قضايا (الوحدة الوطنية) التي تجمع المواطنين أيا كان دينهم، وكذلك قضايا (حرية الفكر) وغيرها.
ومعالجة هذه المسائل تبدو غالبا بصورة يمكن أن تكون مقبولة لدى مفكري الأمم الأخرى، ومتأثرة بالتيارات الفكرية السائدة.
وتبرز مثل هذه القضايا في كتابات عدد من المفكرين، كما نجد - مثلا - قضايا المرأة فكرة (قاسم أمين) الذي يقال إن (محمد عبده) كان وراء ما كتب حول تحرير المرأة.
• ولا يمكن تجاهل أن من بين المنتسبين لهذه المدرسة، أو المنسوبين إليها من لهم آراء سليمة في نبذ التقليد الأعمى، وفي الإصلاح الاجتماعي أو الاقتصادي، أو السياسي، أو التعليمي، أو غيرها.
إن من الطبيعي أن لا يكون هذا العرض لأصول أو معالم المدرسة العقلية مستوعبا مستوفيا وذلك خشية الإطالة، ويمكن مراجعة الكتب المتخصصة في هذا الموضوع وهي كثيرة أشير إلى أبرزها:
فمن الكتب التي تحدثت عن هذه المدرسة حديث المؤيد كتاب الشيخ (محمد البهي) الذي سماه (الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي).
• ومن الكتب التي نقدت هذه المدرسة : ( الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية) للشيخ "أبي الحسن الندوي" و ( الفكر الإسلامي المعاصر) لغازي التوبة، فقد تحدث عن المدرسة الإصلاحية ممثلة في "محمد عبده".
وكذلك " مفهوم تجديد الدين) للأخ الشيخ " بسطامي محمد سعيد" و(المدرسة العقلية في التفسير) للشيخ"فهد الرومي".
وكذلك كتابات الأديب المؤرخ العالم المصري "محمد محمد حسين"-رحمه الله- وبالأخص كتاب (الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر) وكتاب (الإسلام والحضارة الغربية). وهذه المدرسة المسماة "بالمدرسة العقلانية" -وقد يسميها بعضهم "بالمدرسة العصرانية" نسبة إلى العصر الذي خضعت لظروفه وتأثرت به- تمد رواقها اليوم على عدد من المدارس، والجماعات، والأشخاص، والمعاهد، التي تهتم بالفكر الإسلامي في عدد من البلاد الإسلامية وفي بلاد أخرى، غربية في أمريكا وغيرها، ولذلك فإن من المهم استجلاء فكر هذه المدرسة ومعرفته.

باختصار من كتاب حوار هادئ مع الغزالي .